بسم الله الرحمن الرحيم
شَجَرَةُ القاتِ مِن أكبر الآفات
(أكَلَها المخزنون، فأكَلَتْ أعمارَهم، وأرهَقَتْ أجسامَهم، وأهْدَرَتْ أمَوالَهم)
شَجَرَةُ القاتِ مِن أكبر الآفات
(أكَلَها المخزنون، فأكَلَتْ أعمارَهم، وأرهَقَتْ أجسامَهم، وأهْدَرَتْ أمَوالَهم)
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ]وبشَرِّ عباد*الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب[. [الزمر:17-18].
والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد r، وعلى آله وصحبه y، القائل: ((احرص على ما ينفعك))، أما بعد:
أخي الكريم –وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى- هناك عادة –عافاك الله منها- وهي: التَّهافت في شراء القات ومضغه، ولا شكَّ أن هذه العادة لا تخلو من أضرار كثيرة، ومفاسد ظاهرة خاصة وعامة يشهد بها الكثير من المخزنين، ومن هذه الأضرار :
1- إضاعة الأموال: ونبينا r يقول: ((إن الله ...كَرِهَ لكم ثلاثاً (وفي رواية: سَخِطَ لكم): القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)). رواه البخاري (1477)، ومسلم (593) عن المغيرة بن شعبة، والرواية لمسلم (593) عن أبي هريرة.
ويقولr: ((لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسئل عن أربع: عن عُمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)). عند الترمذي(2416) عن أبي برزة. الصحيحة (946)، الصحيح الجامع (7300).
والله تعالى يقول: ]ولا تُبذر تبذيراً *إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين[.[الإسراء:26-27]، ويقول: ]ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين[.[الأعراف:31]، ويقول: ]إنه لا يحب المعتدين[[الأعراف:55].
ولو جُمِعت أموال المخزنين يومياً، وسُخِّرَتْ في البنيان والتعمير، وَرَصْفِ الطُّرُق وحَفْرِ الآبار، ومشاريع الخير؛ لَتَكَوَّنَتْ مملكةٌ كبيرة في أيام قليلة.
2- انتشار الرِّشوة، والغِشِّ والزُّور، وضياع الحقوق والأمانات: فَمِن المعلوم أن الموظف والعامل، صاحب دَخْلٍ مَحْدودٍ، وقد لا يَجِد ما يكفيه للقات، ولذلك تَسْمَع على لسان الكثير منهم: حَقَّ القات، حَقَّ القات. فضاعت حقوق العباد بسبب القات.
3- تعليم الصبيان السرقة: فالصبي ليس له دخلٌ كي يُخَزِّن، ولِذا يلجأ بعضهم إلى السرقة أو التَّلصص على مغارس القات.
4- رَسْمُ القدوةٍ غير الصالحة، والمفاهيم الخاطئة لدى الأولاد: فيظن بعض الأولاد أنه لن يُصبح رجلاً إلا بِشُرب الدخان، ولن يصير بطلاً إلا بانتفاخ وجهه بالقات، وعندها يحرص على مجالس القات، ويبتلى ببلائهم.
5- تَفَكُّك الأُسَر، وخَرَاب البيوت: فكثير من مُدْمِني القات يُحْرِمُ أهلَه القوتَ الضروري من أجل شراء القات، وبعضهم اضطر إلى بيع أثاث بيته من أجل مجلس القات.
6- كثرة الحوداث، والمشاكل والخصومات والشجار عند المخزنين، وربما آل الأمر بهم إلى القتال.
7- الحرمان من التوفيق لوضع المال في أبوابه: فيُحرم المُخَزِّن من إنفاق أموال القات في بر والديه، وتحسين معيشة أولاده، وصلة أرحامه، والإحسان إلى جيرانه، ومواساة الفقراء والأيتام، وغير ذلك من أبواب الخير النافعة في الدنيا والآخرة.
8- توريط المخزنين في ارتكاب أنواع من المحرمات، والمنكرات: كسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والخوض في القيل والقال، والغيبة والنميمة، وكذلك شُرب الدُّخان، وربما جَرَّهم إلى ما هو أقبح من ذلك.
9- ضياع الأعمار، وهدم الشباب: فكم من ساعات تُهْدَر يومياً على حساب المجتمع في مجالس القات دون فائدة عائدة لا على الفرد ولا على المجتمع، بل وبسبب القات صارت تُعَطَّل كثير من مصالح المسلمين الهامة؛ لانشغال المداومين بشراء القات أو الارتباط بمجالسه.
10- تجميد الطاقات، وقلة الإنتاج: فيُحْبَس ويُربط الكثير من المخزنين الأقوياء، والشباب الأشداء الأوقات الطويلة في مجلس القات دون نفع ولا فائدة، ولا استثمار ولا إنتاج. ثم يشْكون من عدم التَّقدم والتَّطور! إن
الحضارات يا قوم لا تكون إلا بالعمل والجد المتواصل بالليل والنهار، واستغلال اللحظات والقوى والطاقات، لا بالنوم وأكل أوراق القات.
11- إرهاق الجسم، وشحوب الوجه، وتوتُّر الأعصاب، وفقدان الشهية، وسَلَسُ البول، وخروج الوَدِي، والهم والضيق، وكثرة الوساوس: فكثير منهم تراه شارد الذهن كثير التَّتْف لشاربه وشعره، قد علاه الهم والغم، بل وبعضهم أُصيب بالجنون.
12- التَّهاون في الصلاة، والتَّلاعب في أدائها، والتكاسل في القيام لها: فكثير من المخزنين لا يصليها في وقتها، ولا في جماعة ، وذاك ينقُرها نقراً، وآخر يصليها كالهارب، ورابعٌ يصلي والقات في فمه، وخامِسٌ وهو أشقاهم قد تركها الصلاة بالكُلِّيَّة.
13- السِّباحة في أحلام اليقظة: فَيَظَلُّ كثير من المخزنين في مجلس القات يَسْبَح في الخيال، ويَتَصَوَّرُ أنه سَيَفْعَلُ، وسَيَفْعَلُ، وأنه قد خطَّط ونَفَّذَ، وطول الليل وهو على هذا الحال، ثم إذا أصبح المسكين رأى الأمر على الحقيقة؛ فلا سيارة ولا إدارة، ولا تجارة ولا عمارة، بل وأصبح شاحب اللون عابس الوجه، مُرهق الجسم مِن طول التًَّفكير والسَّهر.
14- وهنالك أضرار أخرى كتعطيل الأراضي الخصبة، واستبدال زراعة المحاصيل الطَّيبة بِغَرْسِ شجرة القات.
15- وكذلك: القصص المضحكة المشهورة على أصحاب القات؛ فهي تُعتبر من مساوئ القات؛ حيث أن القات قد جعل آكليه محلَّ أضحوكة في المجتمع.
16- ومن مساوئ القات أيضاً: أنه مذمومٌ حتى على أَلْسُن آكليه، فهذا يقول: عادةٌ سيئةٌ، وذاك يقول: قبيحةٌ، وآخر يقول: وَسْخةٌ، وآخر يقول: بَلِيَّةٌ ومُصيبةٌ، وآخر يقول: شجرةٌ خبيثةٌ... إلى غير ذلك، بل وبعضهم يسبُّها سبَّا شديداً مُبَالَغَةً في ذَمِّها، فلا تجد أحداً يقول القات شجرة طيبة أبداً، إلا أن يكون مكابراً.
وإذا أردتَ أن تَعْرِفَ حقيقة القات مِن ألْسُن أصحابه؛ فاسألهم عنه بعد الفراغ من مضغه، فستسمع عَجَبا.
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله في أنفسكم، واحرصوا على ما ينفعكم؛ اجتنبوا هذه الشجرة التي أضاعتْ أوقاتكم، واسْتَنْزَفَتْ أموالكم، وأرْهَقَتْ أجسامكم، ولَعِبَتْ بشبابكم وأولادكم، كونوا شُجْاناً وأبطالاً فتَخَلَّصوا منها وخلِّصوا المجتمع من شرِّها، فَشَرُّها يزداد يوماً بعد يومٍ لا سيما على شبابنا وأولادنا، والأراضي الطيبة.
(عِبَرٌ، فهل مِن مُعْتَبِرٌ): كمَ مِن شخصٍ مات، والقات مشحونٌ في فمه. فنعوذ بالله من الغفلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(جوابٌ صواب): أسْرَفَ تَكَلَّفَ شخصٌ في شراء القات للوليمة، فَنَصَحَهُ ناصحٌ مِن المَدْعُوِّين، فقال صاحب الوليمة: هي حَسَنَةٌ. فقال النَّاصح: كلا، الحَسَنَةُ في اللَّحم والعَصِيْد، أما القات فَسَيِّئةٌ.
(إنصافٌ): قال المشتري لبائع القات أثناء المساومة: أسألك بالله كم نهايته؟ فقال البائع: نهايته المَتْفَلُ. فقال المشتري: صَدَقْتَ.
(فائدة): سُئل شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله: هل في القات زكاة؟ فقال رحمه الله: نعم، زكاته قَلْعُهُ.اهـ فَنِعْمَتْ الزكاة.
(حرامٌ، في حرامٍ): طَلَبَ شخصٌ رِشوة، فقال: حقَّ القات. فقيل له: هذا حرامٌ. فقال: نَعَم الرِّشوة حرامٌ، وسَنَضَعُها في الحرام.
(حُكْمُ القات): وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى تحريم أكل القات، وبيعه، وشرائه؛ لما له من الأضرار الكثيرة.
(تنبيهٌ): زَعَموا أنَّ في القات عِلاجاً لمرض السُّكر، ولو كان الخبر صحيحاً لتنافست عليه شركات الأدوية العالمية.
(تنبيهٌ آخر): البَديل عن مَضْغِ القات هو أكل الطيبات، قال الله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون[. [البقرة:172].
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه/ أبو عبدالرحمن عبدالله بن أحمد الإرياني
تعليق