اختصار البيان
عن صلاة المسافر خلف المقيم
وحكم المخطئ في صلاته وقد مضى الزمان
كتبه الفقير إلى الله
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف عفا الله عنه
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين أما بعد:
فقد أرسل إليّ أحد الإخوة من صعدة اليمن سائلا: رجل مسافر صلى خلف مقيم الركعتين الأخيرتين وسلم مع الإمام. هذا قبل أسبوع. فهل صلاته صحيحة؟ والآن ماذا عليه؟
فأقول مستعيناً بالله عز وجل:
الباب الأول: حكم صلاة المسافر خلف المقيم
إن الأصل أن المأموم يتبع الإمام. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به». الحديث. (أخرجه البخاري (378) ومسلم (411)).
فالمسافر إذا اءتم بإمام مقيم عليه أن يتبع إمامه في عدد ركعات صلاته، سواء كان معه في أول الصلاة أو بعد مضي الركعة أو الركعتين.
فإذا علمنا هذا، فالمأموم المسافر إذا اءتم بإمام مقيم في صلاة الظهر مثلاً فأدركه قد صلى ركعتين، عليه إذا سلّم الإمام أن يقوم ويزيد ركعتين لتكمل صلاته أربعاً لعموم حديث صحيح أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا». (أخرجه البخاري (636) ومسلم (602)).
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه (688) عن موسى بن سلمة الهذلي، قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: «ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم».
فيه إشارة إلى أن المسافر إذا اءتم بإمام مقيم فإنه يتمّ الصلاة اتباعاً للإمام. فمن أجل ذلك بوّب النووي رحمه الله على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب إذا صلى المسافر خلف المقيم.
وقال الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه (1/ 335): إذا دخل المسافر في صلاة المقيم.
ثم قال: حدثنا أبو بكر قال: نا حفص، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: «إذا دخل المسافر في صلاة المقيمين صلى بصلاتهم». (مصنف ابن أبي شيبة (3849)).
سنده ضعيف لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم. ويكفينا ما في صحيح مسلم عن ابن عباس.
ثم قال: حدثنا حفص، عن عبيدة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: «يصلي بصلاتهم». (مصنف ابن أبي شيبة (3850)).
سنده صحيح إلى إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي. وهو ثقة ولم يسمع من عبد الله، وهو ابن مسعود رضي الله عنه. ولكن عنعنته عنه صحيحة مقبولة.
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا أبو عبيدة بن أبي سفر الكوفي، (ثنا) سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي أسند لي عن عبد الله بن مسعود. فقال إبراهيم: إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله. (كما في "شرح علل الترمذي" /لابن رجب/1/ص 531).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وذكر كلام إبراهيم النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد وان أسند لم يكن عنده إلا عمن سماه. وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة. وقد قال أحمد في مراسيل النخعي: لا بأس بها. ("شرح علل الترمذي" /1/ص 542).
نرجع إلى ما أخرجه الإمام ابن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم، عن التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، في مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعة، قال: «يصلي معهم ويقضي ما سبق به». ("المصنف" (3851)/هذا السند يحتمل التصحيح).
قال ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، وعطاء، عن سعيد بن جبير، قالا: «إذا دخل المسافر في صلاة المقيمين صلى بصلاتهم». (المصنف (3852)).
سنده ضعيف، لأن إبراهيم –وهو ابن مقسم الضبي- ضعيف في إبراهيم –وهو النخعي-. قال الحافظ العلائي رحمه الله: المغيرة بن مقسم الضبي تقدم ذكره فيمن كان يدلس. قال فيه أحمد بن حنبل: عامة حديثه عن إبراهيم يعني النخعي مدخول، عامته سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد ومن الحارث العكلي. وجعل أحمد يضعف حديثه عن إبراهيم. ("جامع التحصيل" /ص 284).
فالمسافر إذا اءتم بالمقيم يجب عليه الإتمام.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: وإن أحرم خلف مقيم، أو خلف من لا يدري فأحدث الإمام كان على المسافر أن يتم أربعاً. (كما في "مختصر المزني" /8/ص 119).
وقال القاضي الماوردي الشافعي رحمه الله: قد ذكرنا أن المسافر إذا أحرم بالصلاة خلف مقيم فعليه أن يتم سواء أدرك معه جمع الصلاة أو أدرك قدر الإحرام، وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك: إن أدرك ركعة أتم، وإن أدرك دون الركعة قصر، قال: لأنه أدرك معه ما لا يعتد به، فوجب أن لا يلزمه التمام كالجمعة.
وهذا خطأ، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه: أنه مؤتم بمتمم، فوجب أن يلزمه التمام، أصله إذا أدرك معه ركعة، ولأن كل معنى إذا طرأ في أثناء الصلاة لزمه التمام يقتضي أن يكون إذا طرأ في آخر صلاته أن يلزمه التمام.
(انتهى من "الحاوي الكبير"/2/ص382).
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وجملة ذلك أن المسافر متى ائتم بمقيم، لزمه الإتمام، سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة، أو أقل. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن المسافر، يدخل في تشهد المقيمين؟ قال: يصلي أربعاً.
وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وجماعة من التابعين. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال إسحاق: للمسافر القصر؛ لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين، فلم تزد بالائتمام، كالفجر. وقال طاوس، والشعبي، وتميم بن حذلم، في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعتين: يجزيان.
وقال الحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، ومالك: إن أدرك ركعة أتم، وإن أدرك دونها قصر؛ لقول النبي المغني - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة» . ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة، ومن أدرك أقل من ذلك، لا يلزمه فرضها.
ولنا: ما روي عن ابن عباس، أنه قيل له: ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة. رواه أحمد، في "المسند"
وقوله: السنة. ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأنه فعل من سمينا من الصحابة، ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا. قال نافع: كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا، وإذا صلى وحده صلاها ركعتين. رواه مسلم.
(انتهى "المغني" /لابن قدامة /2/ص209-210).
وسئلت علماء اللجنة الدائمة تحت رياسة الإمام ابن باز: أسألكم عن صلاة مسافر خلف إمام مقيم هل يتم معه أم لا؟
فأجابوا : تصح صلاة المسافر خلف إمام مقيم، ويلزمه أن يتم ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عل ذلك.
(انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" /7/ص423).
وسئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: عن المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم هل يلزمه الإتمام أو يجوز أن يقصروا الصلاة على ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على المسافر إذا صلى مع الإمام المقيم أن يتم صلاته سواء أدرك الإمام في أول الصلاة، أو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط؛ وذلك لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به). وقوله صلي الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). ولأن ابن عباس سئل: ((عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع الإمام، يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة). وقول الصحابي عن أمر من الأمور: إنه من السنة، أو هذا هو السنة له حكم الرفع. فيجب على المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يتم أربعاً سواء دخل مع الإمام في أول الصلاة، أم في الركعة الثالثة، أم في الرابعة، وأما بالعكس لو صلى المقيم خلف مسافر فإنه يجب عليه أن يتم أربعاً بعد سلام الإمام المسافر، فإذا صلى الإمام ركعتين وأنت مقيم فإذا سلم فأتمّ ما عليك؛ لقول النبي صلي الله عليه وسلم لأهل مكة عام الفتح: (أتموا فإنا قوم سفر). أي: مسافرون.
(انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /15/ص270-271).
فالخلاصة: أن المسافر إن صلى خلف المقيم ليس له القصر، بل عليه الإتمام كما فعله الإمام المقيم. فإذا سلّم المأموم المسافر في الركعتين لم تصحّ صلاته وعليه إتمام ما نقص. فعليه أن يقوم ويصلي ركعتين زيادة، ثم يسجد السهو سجدتين قبل السلام. فإذا سجد للسهو بعد السلام صحّ وأجزأ.
الباب الثاني: حكم المخطئ في صلاته وقد مضى عليه الوقت
أما السؤال الثاني: كيف إذا قد مضى الوقت أسبوعاً أو أكثر أو أقلّ؟ ماذا على السائل؟
الجواب مستعيناً بالله: أن من ترك ركناً من أركان الصلاة جاهلاً بحكمه وبقي وقتها يجب عليه إعادة تلك الصلاة. ومن تركه جاهلاً بحكمه وقد خرج الوقت ليس عليه الإعادة على الراجح.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إذا أسلم ولم يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة، أو وجوب بعض أركانها: مثل أن يصلي بلا وضوء، فلا يعلم أن الله أوجب عليه الوضوء أو يصلي مع الجنابة فلا يعلم أن الله أوجب عليه غسل الجنابة، فهذا ليس بكافر، إذا لم يعلم. لكن إذا علم الوجوب: هل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما. قيل: يجب عليه القضاء، وهو المشهور عن أصحاب الشافعي، وكثير من أصحاب أحمد. وقيل: لا يجب عليه القضاء، وهذا هو الظاهر. وعن أحمد في هذا الأصل روايتان منصوصتان فيمن صلى في معاطن الإبل ولم يكن علم بالنهي، ثم علم، هل يعيد؟ على روايتين ومن صلى ولم يتوضأ من لحوم الإبل، ولم يكن علم بالنهي، ثم علم. هل يعيد؟ على روايتين منصوصتين. وقيل: عليه الإعادة: إذا ترك الصلاة جاهلا بوجوبها في دار الإسلام دون دار الحرب، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة.
والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلا بتحريم ذلك: فهل عليه الإعادة؟ على قولين في مذهب أحمد. وكذلك من فعل محظورا في الحج جاهلا. وأصل هذا: أن حكم الخطاب؛ هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يثبت. وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدأ دون الناسخ. والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى: ﴿لأنذركم به ومن بلغ﴾، وقوله: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ ولقوله: ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول. ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى. وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك. فإنه قد ثبت في الصحاح أن: طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى: ﴿الخيط الأبيض من الخيط الأسود﴾ هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلا، ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بياض النهار، وسواد الليل، ولم يأمرهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطاب وعمار أجنبا، فلم يصل عمر حتى أدرك الماء، وظن عمار أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء فتمرغ كما تمرغ الدابة ولم يأمر واحدا منهم بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقي مدة جنبا لم يصل، ولم يأمره بالقضاء، بل أمره بالتيمم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم، فأمرها بالصلاة زمن دم الاستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولما حرم الكلام في الصلاة تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة بعد التحريم جاهلا بالتحريم، فقال له: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» ولم يأمره بإعادة الصلاة.
ولما زِيدَ في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان من كان بعيدا عنه: مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يصلون ركعتين، ولم يأمرهم النبي بإعادة الصلاة.
ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر، لم يأمرهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار - لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقدا جواز ذلك قبل أن يؤمر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبلون الشام، فلما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. أمره باستقبال الشام، ولم يأمره بإعادة ما كان صلى.
وثبت عنه في الصحيحين أنه سئل - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة، وعليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: «انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع عمرتك ما كنت صانعا في حجك». وهذا قد فعل محظورا في الحج، وهو لبس الجبة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بدم ولو فعل ذلك مع العلم للزمه دم.
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: «صل فإنك لم تصل» - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، فعلمني ما يجزيني في الصلاة، فعلمه الصلاة المجزية، ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك. مع قوله: ما أحسن غير هذا. وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق، فهو مخاطب بها، والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة، ووقت الصلاة باق.
ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، أو أفاق مجنون والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء. وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم. فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة تلك الوقت، دون ما قبلها.
وكذلك أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد، ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة. وقوله أولا: «صل فإنك لم تصل». تبين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثم علمه إياها، لما قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا.
فهذه نصوصه - صلى الله عليه وسلم - في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل، وأما أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد فذلك أنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت. فثبت الوجوب في حقه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمره بذلك مع مضي الوقت. وأما أمره لمن ترك لمعة في رجله لم يصبها الماء بالإعادة، فلأنه كان ناسيا، فلم يفعل الواجب، كمن نسي الصلاة، وكان الوقت باقيا، فإنها قضية معينة بمشخص لا يمكن أن يكون في الوقت وبعده. أعني أنه رأى في رجل رجل لمعة لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، رواه أبو داود. وقال أحمد بن حنبل حديث جيد.
وأما قوله: «ويل للأعقاب من النار» ونحوه. فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء ليس في ذلك أمر بإعادة شيء.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /22/ص40-43).
سئل الإمام ابن باز رحمه الله: رجل صلى بثوبه وبه نجاسة عدة فروض ولم ينتبه إلا في اليوم الثاني، هل يعيد ما صلاه سابقاً؟
فأجاب رحمه الله: إذا كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء ليس عليه إعادة، النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعله وبهما أذى، فأخبره جبرائيل أن بهما أذى فخلعهما ولم يعد أول الصلاة؛ لأنه جاهل بذلك حتى أخبره جبرائيل، فالمقصود أنه إذا صلى الإنسان في ثوب نجس أو سروال أو فنيلة ولم يذكر إلا بعد الصلاة أو لم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾، «قال الله: قد فعلت». والحمد لله.
(انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" /بعناية الشويعر /7/ص 304).
الباب الثالث: هل يجب على المرتد قضاء ما فات من الواجبات
مما يجدر أن يذكر في هذا البيان: حكم من ارتد عن الإسلام فترة ثم أسلم مرة أخرآ، هل يجب عليه قضاء ما فات من الواجبات؟
الجواب: لا يجب عليه قضاء ما فات، فإن الله قد عفا عنه، مع خسارته لفوت الخير الكثير.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في شأن المرتد: ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قولي العلماء، فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين، وإما أن يكونوا مسلمين جاهلين للوجوب. فإن قيل: إنهم مرتدون عن الإسلام، فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء، كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، والأخرى يقضي المرتد. كقول الشافعي والأول أظهر. فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحارث ابن قيس، وطائفة معه أنزل الله فيهم: ﴿كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم﴾ الآية، والتي بعدها. وكعبد الله بن أبي سرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل فيهم: ﴿ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم﴾ فهؤلاء عادوا إلى الإسلام، وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أحدا منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا. وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يؤمروا بالإعادة.
وتنبأ مسيلمة الكذاب، واتبعه خلق كثير، قاتلهم الصديق والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بقضاء ما ترك من الصلاة. وقوله تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ يتناول كل كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جهالا بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاء عليهم.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /22/ص46-47).
انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب
والحمد لله رب العالمين.
ماليزيا، 10 رجب 1436 هـ
عن صلاة المسافر خلف المقيم
وحكم المخطئ في صلاته وقد مضى الزمان
كتبه الفقير إلى الله
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف عفا الله عنه
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله أجمعين أما بعد:
فقد أرسل إليّ أحد الإخوة من صعدة اليمن سائلا: رجل مسافر صلى خلف مقيم الركعتين الأخيرتين وسلم مع الإمام. هذا قبل أسبوع. فهل صلاته صحيحة؟ والآن ماذا عليه؟
فأقول مستعيناً بالله عز وجل:
الباب الأول: حكم صلاة المسافر خلف المقيم
إن الأصل أن المأموم يتبع الإمام. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به». الحديث. (أخرجه البخاري (378) ومسلم (411)).
فالمسافر إذا اءتم بإمام مقيم عليه أن يتبع إمامه في عدد ركعات صلاته، سواء كان معه في أول الصلاة أو بعد مضي الركعة أو الركعتين.
فإذا علمنا هذا، فالمأموم المسافر إذا اءتم بإمام مقيم في صلاة الظهر مثلاً فأدركه قد صلى ركعتين، عليه إذا سلّم الإمام أن يقوم ويزيد ركعتين لتكمل صلاته أربعاً لعموم حديث صحيح أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا». (أخرجه البخاري (636) ومسلم (602)).
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه (688) عن موسى بن سلمة الهذلي، قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: «ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم».
فيه إشارة إلى أن المسافر إذا اءتم بإمام مقيم فإنه يتمّ الصلاة اتباعاً للإمام. فمن أجل ذلك بوّب النووي رحمه الله على هذا الحديث في صحيح مسلم: باب إذا صلى المسافر خلف المقيم.
وقال الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه (1/ 335): إذا دخل المسافر في صلاة المقيم.
ثم قال: حدثنا أبو بكر قال: نا حفص، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: «إذا دخل المسافر في صلاة المقيمين صلى بصلاتهم». (مصنف ابن أبي شيبة (3849)).
سنده ضعيف لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم. ويكفينا ما في صحيح مسلم عن ابن عباس.
ثم قال: حدثنا حفص، عن عبيدة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: «يصلي بصلاتهم». (مصنف ابن أبي شيبة (3850)).
سنده صحيح إلى إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي. وهو ثقة ولم يسمع من عبد الله، وهو ابن مسعود رضي الله عنه. ولكن عنعنته عنه صحيحة مقبولة.
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا أبو عبيدة بن أبي سفر الكوفي، (ثنا) سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي أسند لي عن عبد الله بن مسعود. فقال إبراهيم: إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله. (كما في "شرح علل الترمذي" /لابن رجب/1/ص 531).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وذكر كلام إبراهيم النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد وان أسند لم يكن عنده إلا عمن سماه. وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة. وقد قال أحمد في مراسيل النخعي: لا بأس بها. ("شرح علل الترمذي" /1/ص 542).
نرجع إلى ما أخرجه الإمام ابن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم، عن التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، في مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعة، قال: «يصلي معهم ويقضي ما سبق به». ("المصنف" (3851)/هذا السند يحتمل التصحيح).
قال ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، وعطاء، عن سعيد بن جبير، قالا: «إذا دخل المسافر في صلاة المقيمين صلى بصلاتهم». (المصنف (3852)).
سنده ضعيف، لأن إبراهيم –وهو ابن مقسم الضبي- ضعيف في إبراهيم –وهو النخعي-. قال الحافظ العلائي رحمه الله: المغيرة بن مقسم الضبي تقدم ذكره فيمن كان يدلس. قال فيه أحمد بن حنبل: عامة حديثه عن إبراهيم يعني النخعي مدخول، عامته سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد ومن الحارث العكلي. وجعل أحمد يضعف حديثه عن إبراهيم. ("جامع التحصيل" /ص 284).
فالمسافر إذا اءتم بالمقيم يجب عليه الإتمام.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: وإن أحرم خلف مقيم، أو خلف من لا يدري فأحدث الإمام كان على المسافر أن يتم أربعاً. (كما في "مختصر المزني" /8/ص 119).
وقال القاضي الماوردي الشافعي رحمه الله: قد ذكرنا أن المسافر إذا أحرم بالصلاة خلف مقيم فعليه أن يتم سواء أدرك معه جمع الصلاة أو أدرك قدر الإحرام، وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك: إن أدرك ركعة أتم، وإن أدرك دون الركعة قصر، قال: لأنه أدرك معه ما لا يعتد به، فوجب أن لا يلزمه التمام كالجمعة.
وهذا خطأ، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه: أنه مؤتم بمتمم، فوجب أن يلزمه التمام، أصله إذا أدرك معه ركعة، ولأن كل معنى إذا طرأ في أثناء الصلاة لزمه التمام يقتضي أن يكون إذا طرأ في آخر صلاته أن يلزمه التمام.
(انتهى من "الحاوي الكبير"/2/ص382).
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وجملة ذلك أن المسافر متى ائتم بمقيم، لزمه الإتمام، سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة، أو أقل. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن المسافر، يدخل في تشهد المقيمين؟ قال: يصلي أربعاً.
وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وجماعة من التابعين. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال إسحاق: للمسافر القصر؛ لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين، فلم تزد بالائتمام، كالفجر. وقال طاوس، والشعبي، وتميم بن حذلم، في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعتين: يجزيان.
وقال الحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، ومالك: إن أدرك ركعة أتم، وإن أدرك دونها قصر؛ لقول النبي المغني - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة» . ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة، ومن أدرك أقل من ذلك، لا يلزمه فرضها.
ولنا: ما روي عن ابن عباس، أنه قيل له: ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة. رواه أحمد، في "المسند"
وقوله: السنة. ينصرف إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولأنه فعل من سمينا من الصحابة، ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا. قال نافع: كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعا، وإذا صلى وحده صلاها ركعتين. رواه مسلم.
(انتهى "المغني" /لابن قدامة /2/ص209-210).
وسئلت علماء اللجنة الدائمة تحت رياسة الإمام ابن باز: أسألكم عن صلاة مسافر خلف إمام مقيم هل يتم معه أم لا؟
فأجابوا : تصح صلاة المسافر خلف إمام مقيم، ويلزمه أن يتم ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عل ذلك.
(انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" /7/ص423).
وسئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: عن المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم هل يلزمه الإتمام أو يجوز أن يقصروا الصلاة على ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب على المسافر إذا صلى مع الإمام المقيم أن يتم صلاته سواء أدرك الإمام في أول الصلاة، أو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط؛ وذلك لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به). وقوله صلي الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). ولأن ابن عباس سئل: ((عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع الإمام، يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة). وقول الصحابي عن أمر من الأمور: إنه من السنة، أو هذا هو السنة له حكم الرفع. فيجب على المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يتم أربعاً سواء دخل مع الإمام في أول الصلاة، أم في الركعة الثالثة، أم في الرابعة، وأما بالعكس لو صلى المقيم خلف مسافر فإنه يجب عليه أن يتم أربعاً بعد سلام الإمام المسافر، فإذا صلى الإمام ركعتين وأنت مقيم فإذا سلم فأتمّ ما عليك؛ لقول النبي صلي الله عليه وسلم لأهل مكة عام الفتح: (أتموا فإنا قوم سفر). أي: مسافرون.
(انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" /15/ص270-271).
فالخلاصة: أن المسافر إن صلى خلف المقيم ليس له القصر، بل عليه الإتمام كما فعله الإمام المقيم. فإذا سلّم المأموم المسافر في الركعتين لم تصحّ صلاته وعليه إتمام ما نقص. فعليه أن يقوم ويصلي ركعتين زيادة، ثم يسجد السهو سجدتين قبل السلام. فإذا سجد للسهو بعد السلام صحّ وأجزأ.
الباب الثاني: حكم المخطئ في صلاته وقد مضى عليه الوقت
أما السؤال الثاني: كيف إذا قد مضى الوقت أسبوعاً أو أكثر أو أقلّ؟ ماذا على السائل؟
الجواب مستعيناً بالله: أن من ترك ركناً من أركان الصلاة جاهلاً بحكمه وبقي وقتها يجب عليه إعادة تلك الصلاة. ومن تركه جاهلاً بحكمه وقد خرج الوقت ليس عليه الإعادة على الراجح.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إذا أسلم ولم يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة، أو وجوب بعض أركانها: مثل أن يصلي بلا وضوء، فلا يعلم أن الله أوجب عليه الوضوء أو يصلي مع الجنابة فلا يعلم أن الله أوجب عليه غسل الجنابة، فهذا ليس بكافر، إذا لم يعلم. لكن إذا علم الوجوب: هل يجب عليه القضاء؟ فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد ومالك وغيرهما. قيل: يجب عليه القضاء، وهو المشهور عن أصحاب الشافعي، وكثير من أصحاب أحمد. وقيل: لا يجب عليه القضاء، وهذا هو الظاهر. وعن أحمد في هذا الأصل روايتان منصوصتان فيمن صلى في معاطن الإبل ولم يكن علم بالنهي، ثم علم، هل يعيد؟ على روايتين ومن صلى ولم يتوضأ من لحوم الإبل، ولم يكن علم بالنهي، ثم علم. هل يعيد؟ على روايتين منصوصتين. وقيل: عليه الإعادة: إذا ترك الصلاة جاهلا بوجوبها في دار الإسلام دون دار الحرب، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة.
والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلا بتحريم ذلك: فهل عليه الإعادة؟ على قولين في مذهب أحمد. وكذلك من فعل محظورا في الحج جاهلا. وأصل هذا: أن حكم الخطاب؛ هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يثبت. وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدأ دون الناسخ. والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى: ﴿لأنذركم به ومن بلغ﴾، وقوله: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ ولقوله: ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول. ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى. وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك. فإنه قد ثبت في الصحاح أن: طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى: ﴿الخيط الأبيض من الخيط الأسود﴾ هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدهم يربط في رجله حبلا، ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بياض النهار، وسواد الليل، ولم يأمرهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطاب وعمار أجنبا، فلم يصل عمر حتى أدرك الماء، وظن عمار أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء فتمرغ كما تمرغ الدابة ولم يأمر واحدا منهم بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقي مدة جنبا لم يصل، ولم يأمره بالقضاء، بل أمره بالتيمم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم، فأمرها بالصلاة زمن دم الاستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولما حرم الكلام في الصلاة تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة بعد التحريم جاهلا بالتحريم، فقال له: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» ولم يأمره بإعادة الصلاة.
ولما زِيدَ في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان من كان بعيدا عنه: مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يصلون ركعتين، ولم يأمرهم النبي بإعادة الصلاة.
ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى من كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتى فات ذلك الشهر، لم يأمرهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار - لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقدا جواز ذلك قبل أن يؤمر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبلون الشام، فلما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. أمره باستقبال الشام، ولم يأمره بإعادة ما كان صلى.
وثبت عنه في الصحيحين أنه سئل - وهو بالجعرانة: عن رجل أحرم بالعمرة، وعليه جبة، وهو متضمخ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: «انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع عمرتك ما كنت صانعا في حجك». وهذا قد فعل محظورا في الحج، وهو لبس الجبة، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بدم ولو فعل ذلك مع العلم للزمه دم.
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: «صل فإنك لم تصل» - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، فعلمني ما يجزيني في الصلاة، فعلمه الصلاة المجزية، ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك. مع قوله: ما أحسن غير هذا. وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق، فهو مخاطب بها، والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة، ووقت الصلاة باق.
ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر، أو طهرت حائض، أو أفاق مجنون والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء. وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم. فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة تلك الوقت، دون ما قبلها.
وكذلك أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد، ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء والصلاة. وقوله أولا: «صل فإنك لم تصل». تبين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثم علمه إياها، لما قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا.
فهذه نصوصه - صلى الله عليه وسلم - في محظورات الصلاة والصيام والحج مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل، وأما أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد فذلك أنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت. فثبت الوجوب في حقه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمره بذلك مع مضي الوقت. وأما أمره لمن ترك لمعة في رجله لم يصبها الماء بالإعادة، فلأنه كان ناسيا، فلم يفعل الواجب، كمن نسي الصلاة، وكان الوقت باقيا، فإنها قضية معينة بمشخص لا يمكن أن يكون في الوقت وبعده. أعني أنه رأى في رجل رجل لمعة لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، رواه أبو داود. وقال أحمد بن حنبل حديث جيد.
وأما قوله: «ويل للأعقاب من النار» ونحوه. فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء ليس في ذلك أمر بإعادة شيء.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /22/ص40-43).
سئل الإمام ابن باز رحمه الله: رجل صلى بثوبه وبه نجاسة عدة فروض ولم ينتبه إلا في اليوم الثاني، هل يعيد ما صلاه سابقاً؟
فأجاب رحمه الله: إذا كان ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء ليس عليه إعادة، النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعله وبهما أذى، فأخبره جبرائيل أن بهما أذى فخلعهما ولم يعد أول الصلاة؛ لأنه جاهل بذلك حتى أخبره جبرائيل، فالمقصود أنه إذا صلى الإنسان في ثوب نجس أو سروال أو فنيلة ولم يذكر إلا بعد الصلاة أو لم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة، ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾، «قال الله: قد فعلت». والحمد لله.
(انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" /بعناية الشويعر /7/ص 304).
الباب الثالث: هل يجب على المرتد قضاء ما فات من الواجبات
مما يجدر أن يذكر في هذا البيان: حكم من ارتد عن الإسلام فترة ثم أسلم مرة أخرآ، هل يجب عليه قضاء ما فات من الواجبات؟
الجواب: لا يجب عليه قضاء ما فات، فإن الله قد عفا عنه، مع خسارته لفوت الخير الكثير.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في شأن المرتد: ومن تاب منهم وصلى لم يكن عليه إعادة ما ترك قبل ذلك في أظهر قولي العلماء، فإن هؤلاء إما أن يكونوا مرتدين، وإما أن يكونوا مسلمين جاهلين للوجوب. فإن قيل: إنهم مرتدون عن الإسلام، فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء، كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، والأخرى يقضي المرتد. كقول الشافعي والأول أظهر. فإن الذين ارتدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحارث ابن قيس، وطائفة معه أنزل الله فيهم: ﴿كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم﴾ الآية، والتي بعدها. وكعبد الله بن أبي سرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل فيهم: ﴿ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم﴾ فهؤلاء عادوا إلى الإسلام، وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أحدا منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا. وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يؤمروا بالإعادة.
وتنبأ مسيلمة الكذاب، واتبعه خلق كثير، قاتلهم الصديق والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.
وكان أكثر البوادي قد ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحدا منهم بقضاء ما ترك من الصلاة. وقوله تعالى: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ يتناول كل كافر.
وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جهالا بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاء عليهم.
(انتهى من "مجموع الفتاوى" /22/ص46-47).
انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب
والحمد لله رب العالمين.
ماليزيا، 10 رجب 1436 هـ
تعليق