إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إتحاف المسترشد بحكم إدخال الصبيان في المساجد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إتحاف المسترشد بحكم إدخال الصبيان في المساجد

    إتحاف المسترشد
    بحكم إدخال الصبيان في المساجد

    كتبه الفقير إلى الله
    أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
    سدده الله
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة المؤلف وفقه الله

    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما بعد:
    فقد أرسل إلي –عفا الله عني- أحد الإخوة رسالة ذكر فيها أنه يحب أن يعوّد صبيانه بالحضور في مساجد الله، ولكن حصل بينه وبين بعض الآخرين شيء من الخلاف في حكم ذلك، فيطلب مني بيان ذلك، فأحبّ أن ألبي طلبه بحول الله وقوته وحده لا شريك له، فأذكر ما فتح الله علي بطريقة مختصرة واضحة من حكم إدخال الصبيان في المساجد.
    فأقول مستعينا بالله ومستهدياً إياه:


    الباب الأول: بعض أدلة جواز إدخال الأولاد الصغار في المساجد

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن بإدخال الأولاد الصغار في المساجد. وبيان ذلك من وجوه:
    الدليل الأول: عن أبي قتادة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه». (أخرجه البخاري (707)).
    هذا يدل على جواز إدخال الأولاد الصغار في المساجد.
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله: والمراد هاهنا من ذلك : أن النساء كن يشهدن الصلاة خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، ومعهن صبيانهن ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان يعلم ذلك ، ويراعي في صلاته حالهن ، ويؤثر ما عليهن ، ويجتنب ما يشق عليهن ، وذلك دليل على أن حضورهن الجماعه معه غير مكروه ، ولولا ذلك لنهاهن عن الحضور معه للصلاة. ("فتح الباري"/لابن رجب /6/ص135).
    الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه. (أخرجه البخاري (708) ومسلم (470)).
    هذا يؤيد الأول على إذن النبي صلى الله عليه وسلم بإدخال الصبيان في المساجد.
    قال القاضي العيني رحمه الله: استدل به بعضهم على جواز إدخال الصبي في المسجد. وقال بعضهم: فيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفاً في بيت يقرب من المسجد. قلت: ليس هذا موضع النظر لأن الظاهر أن الصبي لا يفارق أمه غالباً. وفيه دلالة على جواز صلاة النساء مع الرجال. وفيه دلالة على كمال شفقة النبي على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير. ("عمدة القاري شرح صحيح البخاري"/8/ص 436).
    ولا شك أن ذلك يحتاج إلى مراعاة هدوء المسجد وعدم إزعاج المصلين والقراء والمعتكفين وأصحاب التعليم، وغيرهم من المتعبدين.
    قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في شرح هذا الحديث: ثالثاً: جواز إدخال الصبيان المسجد ، هذا إذا كان صبيها معها، وإن كان خارج المسجد قريباً منه فليس فيه دلالة، لكنه يصعب أن تسمع المرآة بكاء صبيها في البيت وهي في المسجد، فالظاهر أن صبيانهن كانوا معهن فيكون فيه دليلٌ على جواز إدخال الصبيان المساجد، لكن بشرط أن لا يحصل منهم أذية لا على المسجد ولا على المصلين ، فإن كان يخشى منهم أذية على المسجد كتلويثه بالبول والنجاسة؛ فإنهم يمنعون ، وكذلك إذا كان يخشى منهم التشويش على الناس بالصراخ والركض والجلبة، فإنهم يمنعون أيضاً . أما إذا لم يكن منهم بأس ؛ فإنه لا بأس أن يؤتى بهم إلى المساجد. وأما حديث: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» فهو ضعيف.
    ("شرح رياض الصالحين"/للعثيمين /الحديث الأول من باب تعظيم حرمات المسلمين).
    الحديث الثالث: بريدة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: «صدق الله ﴿إنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ رأيت هذين فلم أصبر» ثم أخذ في الخطبة. (أخرجه أحمد (23045) وأبو داود (1109) والترمذي (3774)/صحيح).
    هذا دليل واضح على جواز دخول الأولاد في المسجد، لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم بل يتكلم في الرأفة والرحمة بالأولاد. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وهذا من كمال رحمته ولطفه بالصغار وشفقتة عليهم وهو تعليم منه للأمة الرحمة والشفقة واللطف بالصغار. ("عدة الصابرين"/ص 51).
    ولو كان دخولهم المسجد ممنوعاً لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة. قال محمد بن عبد الله الزركشي رحمه الله: تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. ("البحر المحيط"/2/ص315).
    الحديث الرابع: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس. فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. (أخرجه البخاري (516) ومسلم (543)).
    وهذا الحديث دليل واضح على جواز إدخال الأولاد الصغار في المساجد. فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد أن يأذن أو يقرّ على ذلك بل هو فعل ذلك أمام الناس، وفعله فيما ليس بقربة، ولا تأتي قرينة التخصيص يدل على الإباحة لهذه الأمة. قال المجد أبو البركات ابن تيمية رحمه الله في "المسودة" : فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الإباحة إن لم يكن فيه معنى القربة في قول الجمهور. ("شرح الكوكب المنير"/1/ص380).
    فمن أجل وضوح الدلالة أخرج النسائي هذا الحديث في "السنن الكبرى" (790) تحت عنوان: إدخال الصبيان المساجد اهـ.
    فالولد الصغير إذا لم يؤذ أهل المسجد ولم يلوث المسجد بقذر ونحو ذلك جاز إدخاله فيه.
    قال أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله: وفيه من الفقه : جواز إدخال الصغار المساجد ، إذا علم من عادة الصبي أنه لا يبول، وأن ثيابهم محمولة على الطهارة. ("المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"/5/ص85).
    ولا ينبغي منع الصبي بعلة خوف تنجيس المسجد حتى يتحقق وجود النجس فيه أو في ثوبه أو نحو ذلك.
    قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث حمل إِمامة رضي لله عنها: ففيه دليل لصحة صلاة من حمل آدمياً أو حيواناً طاهراً من طير وشاة وغيرهما، وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن الأفعال إذا تعددت ولم تتوال بل تفرقت لا تبطل الصلاة. ("شرح مسلم"/15/ص45).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: وهو دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها. ("إغاثة اللهفان"/1/ص152).
    وقال ابن حجر رحمه الله في فوائد الحديث: وعلى جواز إدخال الصبيان في المساجد، وعلى إن لمس الصغار الصبايا غير مؤثر في الطهارة. ويحتمل أن يفرق بين ذوات المحارم وغيرهن، وعلى صحة صلاة من حمل آدمياً وكذا من حمل حيواناً طاهراً. ("فتح الباري"/لابن حجر/1/ص592).
    وهذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم يدل أيضاً على أهمية ملاطفة الأولاد والرأفة بهم. فمن أجل ذلك قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: وفيه تواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم. ("شرح مسلم"/15/ص45).
    إذا قال قائل: لعل النبي صلى الله عليه وسلم فعله في النافلة أو في غير المسجد.
    فالجواب بالله التوفيق-: الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في صلاة الجماعة في المسجد، وعادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يؤم الناس في صلاة الفريضة في المسجد.
    فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه و سلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها. (أخرجه مسلم (543)).
    وفي رواية له أيضا: عن أبي قتادة يقول : بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم، بنحو حديثهم غير أنه لم يذكر أنه أم الناس في تلك الصلاة. (أخرجه مسلم (543)).
    وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين بعضها بعضاً. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالسنة يبين بعضها بعضا لا يرد بعضها ببعض. ("إعلام الموقعين"/2/ص423).
    قال النووي رحمه الله: وقوله: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه" هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد، وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة، ومنعوا جواز ذلك في الفريضة، وهذا التأويل فاسد، لأن قوله: يؤم الناس صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة. وادعى بعض المالكية أنه منسوخ، وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل هذه الدعاوي باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا، والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً للجواز وتنبيهاً به على هذه القواعد التي ذكرتها. ("شرح مسلم"/15/ص45).
    وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: فمجموع هذه الروايات يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفتح الصلاة بالناس إماماً لهم في صلاة الفريضة ، وهو حامل أمامة ، وأنه كان إذا ركع وسجد وضعها بالأرض ، فإذا قام إلى الركعة الثانية عاد إلى حملها إلى أن فرغ من صلاته . والحديث نص صريح في جواز مثل هذا العمل في الصلاة المكتوبة ، وأن ذلك لا يكره فيها ، فضلا عن أن يبطلها . ("فتح الباري"/ لابن رجب/3/ص361).
    وليس هذا الحديث منسوخاً كما زعمه بعض العلماء.
    قال ابن حجر رحمه الله: قال التنيسي: قال مالك: من حديث النبي صلى الله عليه و سلم ناسخ ومنسوخ وليس العمل على هذا. وقال ابن عبد البر: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه و سلم: «إن في الصلاة لشغلاً» لأن ذلك كان قبل الهجرة وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعا بمدة مديدة. ("فتح الباري"/1/ص592).
    ولا يصح أن يقال إن ذلك من خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم، لأن دعوى الخصوصية تحتاج إلى دليل، ولا دليل في هذه المسألة.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وذكر عياض عن بعضهم: إن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه و سلم لكونه كان معصوماً من أن تبول وهو حاملها. ورُدَّ بأن الأصل عدم الاختصاص وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل. ("فتح الباري"/لابن حجر/1/ص592).
    ولا شك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم جهاراً لحِكم عظيمة، منها: تعليم الحق، وردّ الخطأ، ودفع التوهم، وغير ذلك.
    وقال الفاكهاني رحمه الله: وكان السرّ في حمله إمامة في الصلاة دفعاً لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم. والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. ("فتح الباري"/لابن حجر/1/ص592).
    وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: وقال الجوزجاني في كتابه "المترجم" : حدثني إسماعيل بن سعيد ، قال : سألت أحمد بن حنبل عمن حمل صبيا ووضعه في صلاته ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: صلاته جائزة .
    وحكى ابن المنذر عن الشافعي وأبي ثور جواز حمل الصبي في الصلاة المفروضة .
    ("فتح الباري"/لابن رجب/3/ص361).
    وقال رحمه الله: وقد تبين أن أكثر العلماء أجازوه من غير كراهة ، وتخصيصه بالنافلة مرود بالنصوص المصرحة بأنه فعل ذلك في الفريضة ، وهو يؤم الناس فيها . وروى الإسماعيلي في ((صحيحه)) من حديث عبدالله بن يوسف ، عن مالك ، أنه قال - بعد روايته هذا الحديث - : من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسخ ومنسوخ ، وليس العمل على هذا .
    ومالك إنما يشير إلى عمل من لقيه من فقهاء أهل المدينة خاصة كربيعة ونحوه ، وقد عمل به فقهاء أهل العراق كالحسن والنخعي ، وفقهاء أهل الحديث ، ويتعذر على من يدعي نسخه الإتيان بنص ناسخ له .
    ("فتح الباري"/لابن رجب/3/ص362).
    وقال رحمه الله: وفيه - أيضا - : دليل على طهارة ثياب الأطفال ؛ فإنه لو كان محكوما بنجاستها لم يصل وهو حامل لأمامة. وقد نص الشافعي وغيره على طهارتها ، ومن أصحاب الشافعي من حكى لهم قولين في ذلك . ("فتح الباري"/لابن رجب/3/ص363).
    وقال القاضي بدر الدين العيني رحمه الله: ومن فوائد هذا الحديث جواز إدخال الصغار في المساجد. ومنها: جواز صحة صلاة من حمل آدمياً، وكذا من حمل حيواناً طاهراً. ومنها أن فيه تواضع النبي عليه الصلاة والسلام وشفقته على الصغار وإكرامه لهم ولوالديهم. ("عمدة القاري شرح صحيح البخاري"/7/ص287).
    وقال شمس الحق عظيم آبادي رحمه الله: والحديث يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم والإمام، لما في الرواية الآتية بلفظ: بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم للصلاة في الظهر والعصر، الحديث. ولما في "صحيح مسلم" بلفظ: وهو يؤم الناس في المسجد. وإذا جاز ذلك في حال الإمامة في صلاة الفريضة جار في غيرها بالأولى.
    وقال رحمه الله: وفي الحديث دليل على أن لمس ذوات المحارم لا ينقض الطهارة، وذلك لأنها لا يلابسه هذه الملابسة إلا وقد لمسه ببعض أعضائها. وفيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم تعلم نجاسته. وفيه أن العمل اليسير لا تبطل به الصلاة. وفيه دليل على جواز إدخال الصبيان في المساجد.
    (انتهى من "عون المعبود"/3/ص131-133).
    الدليل الخامس: عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك. قال: «كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته». (أخرجه النسائي /(1140)/صحيح).
    فهذا الصنيع جائز: إدخال الصبي في المسجد، وحمله في الصلاة.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في بطنه . والله أعلم . ("مجموع الفتاوى"/21/ص104).
    سئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ! ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟
    فأجاب رحمه الله: إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة. أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح.
    ("لقاء الباب المفتوح"/7/ص193-194).
    وإذا قال قائل: إن ذلك يشغل بال المصلي، وقد كرهه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنه قالت: قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: «اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأنبجانية فإنها ألهتني آنفا في صلاتي». (أخرجه البخاري (5817) ومسلم (556)).
    نعم، إذا كان يشغله عن الصلاة فلا ينبغي ذلك، وإلا فلا بأس، ولا سيما إذا كانت مصلحة حمل الصبي آنذاك عظيمة.
    قال الإمام النووي رحمه الله: وأما قضية الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلم أنه يشغل القلب وإن شغله فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره، فأحلّ ذلك الشغل لهذه الفوائد، بخلاف الخميصة فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين والله أعلم. ("شرح مسلم"/15/ص 46).
    وسئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله:يحضر بعض المصلين إلى المسجد ومعهم صبيانهم الذين لم يبلغوا سن التمييز وهم لا يحسنون الصلاة ويصفون مع المصلين في الصف وبعضهم يعبث ويزعج من حوله. فما حكم ذلك؟وما توجيهكم لأولياء أمور أولئك الصبيان؟
    فأجاب فضيلته بقوله:الذي أرى أن إحضار الصبيان الذين يشوشون على المصلين لا يجوز؛لأن في ذلك أذية للمسلمين الذين يؤدون فريضة من فرائض الله. وقد سمع النبي صلي الله عليه وسلم بعض أصحابه يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلي الله عليه وسلم: «لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن».
    وفي الحديث آخر قال صلي الله عليه وسلم: «فلا يؤذين بعضكم بعضاً» فكل ما فيه أذية للمصلين فإنه لا يحل للإنسان أن يفعله.
    فنصيحتي لأولياء أمور هؤلاء الصبيان أن لا يحضروهم إلى المسجد وأن يسترشدوا بما أرشد إليه النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر».
    كما أنني أيضاً أوجه النصيحة لأهل المسجد بأن تتسع صدورهم للصبيان الذين يشرع مجيئهم إلى المسجد، وأن لا يشقوا عليهم، أو يقيموهم من أماكنهم التي سبقوا إليها، فإن من سبق إلى شيء فهو أحق به، سواء كان صبياً، أو بالغاً، فإقامة الصبيان من أماكنهم في الصف فيه:
    أولاً: إهدار لحقهم؛لأن من سبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد من المسلمين فهو أحق به.
    وثانياً: فيه تنفير لهم عن الحضور إلى المساجد .
    وثالثاً: فيه أن الصبي يحمل حقداً أو كراهية على الذي أقامه من المكان الذي سبق إليه.
    ورابعاً: أنه يؤدي إلى اجتماع الصبيان بعضهم إلى بعض فيحصل منهم من اللعب والتشويش على أهل المسجد ما لم يكن ليحصل إذا كان الصبيان بين الرجال البالغين. وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الصبي يقام من مكانه حتى يكون الصبيان في آخر الصف، أو في آخر صف المسجد استدلالاً بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» فإنه قول مرجوح معارض بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم: «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه فهو أحق به» .والاستدلال بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» لايتم؛لأن معنى الحديث: حث أولي الأحلام والنهى على التقدم حتى يلوا النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم أقرب إلى الفقه من الصغار، وأتقن لوعي ما رأوه من النبي صلي الله عليه وسلم أو سمعوه، ولم يقل النبي صلي الله عليه وسلم لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى.ولو قال: (لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى)) لكان القول بإقامة الصبيان من أماكنهم في الصفوف المتقدمة وجيهاً.لكن الصيغة التي جاء بها الحديث هي أمره لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يلوا رسول الله صلي الله عليه وسلم.
    (انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"/15/ص31-32).
    ولما ذكر السيد سابق رحمه الله قوله : "موقف الصبيان والنساء من الرجال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان، رواه أحمد وأبو داود".
    قال الإمام الألباني رحمه الله: وإسنادهما ضعيف فيه شهر وهو ضعيف كما سبق غير مرة. وفي صف النساء لوحدهم وراء الرجال أحاديث صحيحة وأما جعل الصبيان وراءهم فلم أجد فيه سوى هذا الحديث ولا تقوم به حجة فلا أرى بأسا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متسع وصلاة اليتيم مع أنس وراءه صلى الله عليه وسلم حجة في ذلك.
    (انتهى من "تمام المنة في التعليق على فقه السنة"/للألباني/ص 284).
    الدليل السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر. فجعل الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال: «أما علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة». (أخرجه البخاري (1485) ومسلم (1069)).
    عن أبي الحوراء قال : كنا عند حسن بن علي فسئل: ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه و سلم أو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال: كنت أمشي معه فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت تمرة فألقيتها في فمي فأخذها بلعابي. فقال بعض القوم: وما عليك لو تركتها قال: «إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة». قال: وعقلت منه الصلوات الخمس. (أخرجه الإمام أحمد (1725)/صحيح).
    قال ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث دفع الصدقات إلى الإمام والانتفاع بالمسجد في الأمور العامة، وجواز إدخال الأطفال المساجد، وتأديبهم بما ينفعهم ومنعهم مما يضرهم ومن تناول المحرمات وإن كانوا غير مكلفين ليتدربوا بذلك. واستنبط بعضهم منه منع ولي الصغيرة إذا اعتدت من الزينة وفيه الإعلام بسبب النهي ومخاطبة من لا يميز لقصد إسماع من يميز لأن الحسن إذ ذاك كان طفلا. ("فتح الباري"/3/ص355).

    وسأذكر بقية كلام الإمام ابن عثيمين رحمه الله لما فيها من الفوائد.
    سئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة الصبي أقل من الخامسة عشرة في البيت لأنه قد يؤذي المصلين ويلعب مع أمثاله أو كذا؟
    فأجاب رحمه الله: المشروع أن الصبيان يحضرون المساجد، ويصلون مع الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»وهذا يدل على أنه يوجد الصغار لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الكبار أن يتقدموا وأن يأتوا مبكرين حتى يأخذوا الأمكنة الفاضلة، فصلاة الصبيان في المساجد من السنة، ولا ينبغي أن نفعل ما ينفرهم عن المساجد، كما يفعل بعض الناس إذا رأى صبياً لم يبلغ في الصف طرده وانتهره، وهذا لا شك أنه خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي ينبني على الرفق واللين واليسر والسهولة، نقول: أبقه في مكانه حتى لو كان في الصف الأول حتى لو كان خلف الإمام أبقه، أما إذا حصل منه اللعب ولا يمكن تأديبهم فهنا نخرجهم من المسجد. لكن هناك مرتبة قبل إخراجهم من المسجد وهو أن نتحدث لأوليائهم حتى لا يكون في نفوسهم شيء علينا لو أخرجناهم، نتحدث إلى الأولياء ونقول: هؤلاء الأولاد صغار لا يحترمون المسجد ولا يحترمون الجماعة فلو أنك تركتهم حتى يكون لهم شيء من حسن التصرف لكان أحسن.
    ("لقاء الباب المفتوح"/5/ص74).
    وسئل أيضاً: فضيلة الشيخ: ربما يحدث في المسجد إزعاج من بعض الصبيان فهل لأحد المأمومين أن يقطع صلاته لمنع ذلك، أو يلتفت فقط ليعرف هؤلاء لتأنيبهم فيما بعد؟
    فأجاب رحمه الله: أولاً: يجب على ولاة أمور هؤلاء الصبيان أن يتقوا الله عز وجل، وألا يمكنوا صبيانهم من الحضور ما داموا عابثين يلعبون، فإن قدر أن هؤلاء الصبيان جاءوا بغير علم آبائهم كما هو الواقع أحياناً فإنه يجب أن يقال لأبيه إذا كان حاضراً: يا فلان! خذ ولدك اذهب به إلى أهلك. فإن عجزنا وعجزنا عن دفع أذاهم إلا بإخراجهم من المسجد أخرجناهم، أما قطع الصلاة من أجل ذلك فلا يجوز؛ لأن الإنسان إذا دخل في فرض وجب عليه إتمامه، وإزعاج هؤلاء الصبيان لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين، لو كان يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين لكان التماس الأمر محل نظر، لكنه لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين فليصبروا حتى تنتهي الصلاة، ثم يعرفوا هؤلاء الصبيان ويتصلوا بآبائهم. والالتفات في الحاجة لا بأس، لكن يكون التفات بالوجه فقط لا بالجسم كله. وهؤلاء الأولاد ربما يمكن إصلاحهم بمهادأتهم ويقال: يا أبنائي هذا لا يجوز، وهذا بيت الله، وهؤلاء آباؤكم وإخوانكم لا تزعجوهم، لا تفسدوا عليهم الصلاة.
    ("لقاء الباب المفتوح"/6/ص24-25).
    وسئل أيضاً: في أحد المساجد حلقة للصبية لتحفيظ القرآن الكريم، والأطفال يأتون بجوار والديهم على أساس ألا يعبثون بعضهم مع بعض، فما أدري الحكم في ذلك؛ لأنهم يقطعون الصف؟ الشيخ: يعني: خلاصة سؤالك: هل يجوز للصبيان أن يكونوا في الصف؟
    فأجاب رحمه الله: نعم، يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة، فهم لا يقطعون الصفوف، ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم -أيضاً- حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ولأن إقامتهم وطردهم من هذا المكان يؤدي إلى كراهتهم للمسجد ولأهل المسجد, ولأن طردهم من ذلك يؤدي أن تقوم العداوة بين آبائهم ومن طردهم، ولأن إقامتهم من ذلك يؤدي إلى أن يجتمع الصبيان في صف واحد، فيكون تشويشهم وإشغالهم للناس أشد، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» فهو والله على العين والرأس، وفوق كل ذي قول غير قول الله عز وجل، لكن ما معنى الحديث؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يليني إلا أولو الأحلام والنهى، حتى نقول: اطردوا هؤلاء؟ المعنى: أن ذوي الأحلام والنهى يجب عليهم أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه، ففرق بين أن يقول: لا يليني إلا أولو الأحلام، وقوله: ليليني أولو الأحلام.
    ("لقاء الباب المفتوح"/6/ص286).




    الباب الثاني: من فوائد إدخال الصبيان في مساجد الله

    إن الأولاد يحتاجون إلى تأديب من صغرهم على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، مع مراعاة قدرة أجسادهم وفهومهم.
    عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع». (أخرجه الإمام أحمد (6689) وأبو داود (495)/حسن).
    قال المناوي رحمه الله: يعني إذا بلغ أولادكم سبعاً فأمروهم بأداء الصلاة ليعتادوها ويأنسوا بها، فإذا بلغوا عشرا فاضربوهم على تركها. قال ابن عبد السلام : أمر للأولياء والصبي غير مخاطب إذ الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء «وفرقوا بينهم في المضاجع» أي فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرا حذرا من غوائل الشهوة وإن كن أخواته. قال الطيبي : جمع بين الأمر بالصلاة والتفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبا ومحافظة لأمر الله كله وتعليما لهم والمعاشرة بين الخلق وأن لا يقفوا مواقف التهم فيجتنبوا المحارم. ("فيض القدير"/5/ص521).
    عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: «من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم». قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار. (أخرجه البخاري (1960)).
    قال ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف، وإنما صنع لهم ذلك للتمرين. وأغرب القرطبي فقال: لعل النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلم بذلك. ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة غير متكررة في السنة، وما قدمناه من حديث رزينة يرد عليه، مع أن الصحيح عند أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قال: فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كان حكمه الرفع، لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه و سلم على ذلك، وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه، فما فعلوه إلا بتوقيف والله أعلم. ("فتح الباري"/4/ص201-202).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره حتى يصير عنده كوما من تمر. فجعل الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال: «أما علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة». (أخرجه البخاري (1485) ومسلم (1069)).
    قال القرطبي رحمه الله: وفي هذا الحديث ما يدل على أن الصغار يمنعون مما يحرم على الكبار المكلَّفين حتى يُدرَّبوا على آداب الشريعة ، ويتأدبوا بها ويعتادوها . ("المفهم" /9/ص92).
    وقال الإمام النووي رحمه الله: وفي الحديث أن الصبيان يوقون ما يوقاه الكبار وتمنع من تعاطيه وهذا واجب على الولى. (شرح النووي على مسلم (7/ 175).
    وقد ظن بعض العلماء أن الحسن رضي الله لا يفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصواب، بل هو يفهمه ويعقله ويستفيد منه، كما مر بنا تصريحه بذلك من رواية أبي الحوراء عن حسن بن علي رضي الله عنه في الباب السابق.
    ففي إدخال الصبيان في المساجد مع مراعاة الآداب الشرعية تعويدهم للعبادة في المساجد وشهود الخير والعلم واجتماع المسلمين. قال الإمام ابن مفلح رحمه الله: وفي فنون ابن عقيل قال حنبل الخير بالتعود ، والشر طبعي ، وانظر إلى وضع الشرع: «مروهم بالصلاة لسبع» فلما جاء إلى الشر «فرقوا بينهم في المضاجع» لعلمه أن ذلك أكثر في المجتمعين .
    وقد نظم الوزير ابن هبيرة الحنبلي من أصحابنا:
    تعود فعال الخير جمعا فكل ما تعود الإنسان صار له خلقا
    قال أكثم بن صيفي : ما يسرني أني مكتف من أمر الدنيا قيل له ولم قال أخاف عادة العجز .
    وقالت العرب: العادة أملك بالإنسان من الأدب اهـ النقل.
    ("الآداب الشرعية"/3/ص248).
    وقد سئل الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ: ما حكم اصطحاب الأطفال دون سن السابعة إلى المسجد إذا كانوا يحدثون إزعاجاً للمصلين؟
    فأجاب: لا يجوز لولي أمر الصغار الذين يحدثون إزعاجاً للمصلين أو إفساداً في المسجد أن يصطحبهم، إلا أن يحميهم حماية تامة، وإذا قدر أنهم يأتون بدون إبلاغ ولي أمرهم، فإن الواجب على الإمام أو على المسئولين في المسجد أن ينبهوا ولي أمرهم حتى يمنعهم. والذين يستشهدون باصطحاب الحسن والحسين، فنقول لهم: ما حصل منهم أذية، نحن نتكلم عن الذين يحصل منهم أذية على المصلين أو على المسجد، أما إذا لم يكن أذية فتعويد الصبيان الحضور إلى المساجد لا شك أنه خير.
    ("لقاء الباب المفتوح"/9/ص248).
    وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم إحضار الأولاد الصغار للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ؟
    فأجاب بقوله : لا يجوز إحضار الأولاد للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون فقال : «لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة». وإذا كان التشويش منهياً عنه حتى في قراءة القرآن فما بالك بلعب الصبيان ؟! أما إذا كانوا لا يشوشون فإحضارهم إلى المسجد خير ، لأنه يمرنهم على حضور الجماعة ويرغبهم في المساجد فيألفونها .
    ("مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"/12/ص324).
    ولا شك أن إدخالهم في المساجد يصلون مع الناس ويسمعون الدروس مع الطلاب لا بد من مراعاة تامة من قبل أولياء الصبيان حتى لا يقعوا في سوء عواقب مصاحبة المفسدين.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». (أخرجه أبو داود (4835) والترمذي (2552) وهو حديث حسن. وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" (1272)).
    وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة». (أخرجه البخاري (5534) ومسلم (2628)).
    قال الإمام النووي رحمه الله: وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. ("شرح صحيح مسلم" /16/ص 178).
    وعلى أولياء الأولاد إذا قد علموا الحق وحدود الشرع أن يتقوا الله ويراقبوه في هذه الأمانة العظيمة ويثبتوا على الحق المبين وألا يبالوا بسخريات الضايعين المفترين القائلين: (هذا الولي متشدد في رعاية الولد) (هذا المسئول لا يتركنا نمزح كثيرا مع ذاك الصبي). فأهل الحق لا يخاف في الله لومة لائم لأن عواقب الغفلة في هذا الباب قد تكون وخيمة كما حصل كثيراً. وبذل الرحمة والرأفة والرفق مهمّ، وكل يعطى حقه في حدود الشرع.
    فاللين في موضعه لا يدل على الضعف، والشدة في موضعها لا يدل على غلظ القلب. فمن وضع كل شيء موضعه في اتباع الشرع يدل على العلم والحكمة والرحمة في حسن التدبير، وبالله التوفيق.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فانظر إلى غارس جنة من الجنات خبير بالفلاحة غرس جنة وتعاهدها بالسقي والإصلاح، حتى أثمرت أشجارها، فأقبل عليها يفصل أوصالها، ويقطع أغصانها، لعلمه أنها لو خليت على حالها لم تطب ثمرتها، فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة، حتى إذا التحمت بها واتحدت وأعطت ثمرتها أقبل بقلمها ويقطع أغصانها الضعيفة التي تذهب قوتها، ويذيقها ألم القطع والحديد لمصلحتها وكمالها لتصلح ثمرتها أن تكون بحضرة الملوك. ثم لا يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت، بل يعطشها وقتا ويسقيها وقتا ولا يترك الماء عليها دائما، وإن كان ذلك أخضر لورقها وأسرع لنباتها، ثم يعمد إلى تلك الزينة التي زينت بها من الأوراق فيلقى عنها كثيرا منها لأن تلك الزينة تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها كما في شجر العنب ونحوه. فهو يقطع أعضاءها بالحديد ويلقى عنها كثيرا من زينتها. وذلك عين مصلحتها. فلو أنها ذات تمييز وإدراك كالحيوان لتوهمت أن ذلك إفساد لها وإضرار بها، وإنما هو عين مصلحتها.
    وكذلك الأب الشفيق على ولده العالم بمصلحته إذا رأى مصلحته في إخراج الدم الفاسد عنه بضع جلده وقطع عروقه وأذاقه الألم الشديد، وإن رأى شفاء في قطع عضو من أعضائه أبانه عنه. كان ذلك رحمة به وشفقة عليه. وإن رأى مصلحته في أن يمسك عنه العطاء لم يعطه ولم يوسع عليه لعلمه إن ذلك أكبر الأسباب إلى فساده وهلاكه.
    (انتهى النقل من "الفوائد"/ص 92).
    نرجع إلى ما نحن بصدده. فإذا تعود الصبيان الخير والطاعة فيا لها من نعمة . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» الحديث. (أخرجه البخاري (660)) ومسلم (1031)).
    والأدلة في فضائل الولد الصالح كثيرة معروفة.
    الباب الثالث: بيان حال حديث تجنيب الصبيان من المساجد

    وقد احتج بعض العلماء بحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراركم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم . واتخذوا على أبوابها المطاهر . وجمروها في الجمع». (أخرجه ابن ماجه (575) وغيره).
    في سنده الحرث بن نبهان متروك الحديث، وعتبة بن يقظان ضعيف جدا، في سنده أيضا أبو سعيد عن مكحول، وأبو سعيد هذا العلاء بن كثير الدمشقي، منكر الحديث.
    وله شاهد لا يفرح به من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه. (أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (369)).
    في سنده يحيى بن العلاء وهو كذاب.
    وفي سنده أيضا مكحول عن معاذ، ومكحول لم يسمع من معاذ كما قاله السخاوي رحمه الله ("المقاصد الحسنة للسخاوي"/رقم (372)).
    وللحديث شواهد أخرى ضعيفة جدا، فلا تصلح للاحتجاج.
    والحديث ضعفه ابن القطان ("بيان الوهم والإيهام"/3/ص 189)، والبيهقي ("السنن الكبرى"/10/ص103)، وابن رجب ("فتح الباري"/لابن رجب/3/ص281)، ومغلطاي ("شرح ابن ماجه"/ص 1246)، وابن الملقن في ("البدر المنير"/9/ص565)، وابن حجر ("فتح الباري"/13/ ص157)، وغيرهم من الأئمة رحمهم الله.
    وقد سئل شيخنا العلام يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: هذا إبراهيم بن أحمد الخولاني يقول: سمعت من إذاعة صنعاء في الفتاوى، عندما سئل عن إدخال الصبيان في المسجد فقال المفتي في الإذاعة، لا يجوز، واستدل بحديث: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم».
    فأجاب حفظه الله: الحديث ضعيف، «جنبوا مساجدكم صبيانكم»، وهو منكر المتن أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه الحسن والحسين يمشيان ويعثران، فنزل ورفعهما وقال: «صدق الله: ﴿إنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾». والحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، في السنن، وهو صحيح، مذكور في «الصحيح المسند» للشيخ رحمه الله. ولأن ابن عباس، وغيره من صغار الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم. (انتهى من كتاب "جلسة ساعة"/للشيخ يحي الجوري).
    والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
    صنعاء، 14 جمادى الثانية 1435 هـ.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي الفاضل أبا فيروز على هذا الإتحاف،وهذه الفوائد التي كنا نبحث عنها وها قد سهل الله،أسأل الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة،وحبذا لويقوم بعض الإخوة بتحويلها ليسهل تحميلها،وبارك الله في الجميع.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا يا أخي على اهتمامك، وبارك فيك. فالآن قد رفعت رسالتي المقصودة على شكل بي دي إف -كما طلب مني أحد الإخوة-. انظر في الملفات المرفقة. نفع الله بكم جميعا وتقبل الله منكم.
      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        جزى الله خيرا أخي عبد الرحمن مرة أخرى،وأنصح نفسي وإخواني بالعناية بطلب العلم،ونشر الخير. فالمسلمون بحاجة ماسة إلى من يرشدهم ويبين لهم طريق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة،فقد ملوا الشعارات والإدعاءات العارية عن الحقيقة،فالبدار البدار يا إخواني.
        ولا يشغل طالب العلم نفسة بالفرغ،الذي هم من جنود إبليس يصدون الناس عن طلب العلم،وعن الخير،وأكبر شيء يغيضهم هو طلب العلم،ونشر المعتقد الصحيح،وكما قيل القافلة تسير والكلاب تنبح.

        تعليق

        يعمل...
        X