إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاعتصام بالدين العتيق ببيان حكم التصفيق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاعتصام بالدين العتيق ببيان حكم التصفيق


    الاعتصام بالدين العيق
    ببيان حكم التصفيق


    تأليف:
    الفقير إلى الله أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا آل الطوري
    الجاوي الإندونيسي عفا الله عنه
    بصنعاء اليمن حرسها الله
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة

    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
    فإن من الأخطاء المنتشرة في المسلمين تصفيق الرجال، ولم يدر أكثرهم أن ذلك يعتبر تبشها بالجاهلية، وتشبها بالنساء، وكلاهما خطير. وقد طلب مني أخ فاضل() -حفظه الله وسدد خطاه إلى لقائه يوم المزيد- أن أنبه المسلمين على ذلك، وعندي بعض الموادّ المتعلقة بهذه المسألة أسأل الله أن يتم بها هذا البحث اللطيف في هذه الفرصة تلبية لطلب الأخ أعزه الله.
    قأقول مستعينا بالله وحده:

    الباب الأول: التصفيق يعتبر تشبها بأهل الجاهلية

    قد جاء بعض الأدلة على أن التصفيق من عادة أهل الجاهلية في عبادتهم وخارجها. فمما يدل على أن ذلك من عباداتهم قول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنفال: 35].
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله: والتصدية: التصفيق. ("تفسير القرآن العظيم"/4/ص52).
    فإذا علمنا أن ذلك من عبادة الكفار لا يجوز لنا التشبه بهم. وقد ذكرت بعض أدلة النهي عن التشبه بهم وأقوال العلماء في ذلك في رسالة لطيفة "جلاء الغبار في أهمية مخالفة سبيل النواقص والكفار"، والتوفيق من الله وحده.
    وسواء أن يكون التشبه في العبادة أو لا، متعمدا أو لا. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب ، معللا بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وأنه حينئذ يسجد لها الكفار . ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى ، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان ، ولا أن الكفار يسجدون لها ، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق ، ويظهر بعض فائدة ذلك بأن من الصابئة المشركين اليوم ممن يظهر الإسلام ويعظم الكواكب ، ويزعم أنه يخاطبها بحوائجه ، ويسجد لها وينحر ويذبح . –إلى قوله:- فإذا كان في هذه الأزمنة من يفعل مثل هذا ، تحققت حكمة الشارع صلوات الله وسلامه عليه في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ، سدا للذريعة وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها ، مما يكون كفرا أو معصية بالنية ، ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين سدا للذريعة وحسما للمادة. ("اقتضاء الصراط المستقيم"/1/ص185-186).
    فالتشبه بالكفار حاصل في التصدية، فهو محظور.
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: وعلى التفسيرين ففيه رد على الجهال من الصوفية الذين يرقصون ويصفقون ويصعقون. وذلك كله منكر يتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت –أي: المسجد الحرام-. ("الجامع لأحكام القرآن"/7/ص400).
    وهذا من تلعب إبليس ببني آدم.
    قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن الاعتدال وتتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم الله عز و جل بها فقال: ﴿وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية﴾. فالمكاء الصفير، والتصدية التصفيق. ("تلبيس إبليس"/ص 316).
    ومما يدل على أن التصفيق أيضاً من عادة الكفار خارج العبادة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لما كان ليلة أسرى بي وأصبحت بمكة فظعت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي»، فقعد معتزلاً حزيناً. قال: فمر عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «نعم». قال: ما هو؟ قال: «إنه أسري به الليلة». قال: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس». قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: «نعم». قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه. قال: أرأيت أن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «نعم». فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي حتى قال: فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما. قال: حدّث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إني أسري بي الليلة». قالوا: إلى أين؟ قلت: «إلى بيت المقدس». قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: «نعم». قال: فمن بين مصفّق ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً للكذب زعم. قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس على بعض النعت قال فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل فنعته وأنا أنظر إليه» قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه. قال: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب. (أخرجه الإمام أحمد (2820)/صحيح).
    انظروا كيف يصفقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكارا واستهزاء، فكيف نرضى بسلوك هذا السبيل القبيح وهو: التصفيق؟
    والكفار في هذه الآونة يعملون التصدية والتصفيق خارج العبادات عند التعجب، وقد أمرنا الله تعالى بمخالفة هديهم، كما هو معروف في بعض الأدلة منها: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 31، 32].
    وقد عُلم أن الكفار أصحاب الفساد والنقائص وأمراض القلوب، فمن أراد السلامة والكمال فعليه لزوم الصراط المستقيم ومباعدة سبل أهل الجحيم. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الحشر: 19، 20].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في شأن الكفار: وليس شيء من أمورهم إلا وهو إمّا مضرّ أو ناقص؛ لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة ونحوها ، ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملا قط ، فإذا المخالفة فيها منفعة وصلاح لنا في كل أمورهم حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم قد يكون مضرًّا بأمر الآخرة أو بما هو أهمّ منه من أمر الدنيا لمخالفة فيه صلاح لنا. ("الاقتضاء"/1 / ص 198/ مكتبة الرشد).
    وقال رحمه الله: وبالجملة فالكفر بمنزلة مرض القلب وأشدّ ومتى كان القلب مريضاً لم يصحّ شيء من الأعضاء صحة مطلقة ، وإنما الصلاح أن لا تشبه مريض القلب في شيء من أموره ، وإن خفي عليك مرض ذلك العضو لكن يكفيك أن فساد الأصل لا بد أن يؤثر في الفرع، ومن انتبه لهذا قد يعلم بعض الحكمة التي أنزلها الله – إلى قوله: - وحقيقة الأمر: أن جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خلل يمنعها أن تتم منفعة بها. ("الاقتضاء" /1 / ص 198-199/ مكتبة الرشد).
    فبهذا علمنا أن التصفيق منهي عنه في حق الرجال خارج الصلاة وداخلها. فمن فعله تدينا –كأفعال الصوفية- فقد ابتدع في الإسلام فضلّ السبيل. وإن فعله لا للتدين فهو من جملة المعاصي.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا كان المكاء والتصدية يدعو إلى الفواحش والظلم، ويصد عن حقيقة ذكر الله تعالى والصلاة كما يفعل الخمر، والسلف يسمونه تغبيرا؛ لأن التغبير هو الضرب بالقضيب على جلد من الجلود، وهو ما يغبر صوت الإنسان على التلحين، فقد يضم إلى صوت الإنسان، إما التصفيق بأحد اليدين على الأخرى، وإما الضرب بقضيب على فخذ وجلد، وإما الضرب باليد على أختها، أو غيرها على دف أو طبل، كناقوس النصارى، والنفخ في صفارة؛ كبوق اليهود . فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته.
    وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب فمذهب الأئمة الأربعة : أن آلات اللهو كلها حرام، فقد ثبت في صحيح البخارى وغيره : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير، والخمر والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير .
    ("مجموع الفتاوى"/11/ص 576).
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فقال تعالى عن الكفار: ﴿وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية﴾. قال ابن عباس وابن عمر وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة : المكاء : الصفير والتصدية : التصفيق. وكذلك قال أهل اللغة : المكاء : الصفير يقال : مكا يمكو مكاء إذا جمع يديه ثم صفر فيهما ومنه : مكت است الدابة إذا خرجت منها الريح بصوت. ولهذا جاء على بناء الأصوات كالرغاء والعواء والثغاء قال ابن السكيت : الأصوات كلها مضمومة إلا حرفين : النداء والغناء.
    وأما التصدية : فهي في اللغة : التصفيق، يقال : صدى يصدى تصدية إذا صفق بيديه قال حسان بن ثابت يعيب المشركين بصفيرهم وتصفيقهم :
    إذا قام الملائكة انبعثتم * صلاتكم التصدي والمكاء
    وهكذا الأشباه يكون المسلمون في الصلوات الفرض والتطوع وهم –أي غير المسلمين- في الصفير والتصفيق. قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة ويصفرون ويصفقون().
    وقال مجاهد : كانوا يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ويصفرون ويصفقون يخلطون عليه طوافه وصلاته(). ونحوه عن مقاتل. ولا ريب أنهم كانوا يفعلون هذا وهذا.
    فالمتقربون إلى الله بالصفير والتصفيق أشباه النوع الأول() وإخوانهم المخلطون به على أهل الصلاة والذكر والقراءة أشباه النوع الثاني().
    قال ابن عرفة وابن الأنباري : المكاء والتصدية ليسا بصلاة ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها : المكاء والتصدية فألزمهم ذلك عظيم الأوزار وهذا كقولك : زرته فجعل جفائي صلتي أي أقام الجفاء مقام الصلة.
    والمقصود : أن المصفقين والصفارين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء. ولو أنه مجرد الشبه الظاهر فلهم قسط من الذم بحسب تشبههم بهم، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم. والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء، فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعاً من المعاصي قولا وفعلا؟
    ("إغاثة اللهفان"/1/ص244-245).
    وقد سئل الإمام ابن باز رحمه الله: ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات ؟
    فأجاب رحمه الله: التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يقال فيه الكراهة ، والأظهر في الدليل تحريمه لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: ﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾.
    قال العلماء: المكاء الصفير. والتصدية التصفيق. والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول : سبحان الله، أو يقول : الله أكبر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، ويشرع التصفيق للنساء خاصة إذا نابهن شيء في الصلاة أو كن مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق. أما الرجال فينبّهونه بالتسبيح كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء وكلا ذلك منهي عنه . والله ولي التوفيق .
    ("فتاوى ابن باز"/4/ص147-148).
    وقال رحمه الله: أنبه أنه يشرع عند سماع الإنسان ما يسره من خطبة أن يقول : الله أكبر أو سبحان الله. أما التصفيق الذي يفعله بعض الناس فليس من شرع الله سبحانه وتعالى، بل هو منكر ومن أعمال الجاهلية التي كانوا يفعلونها. ولكن المشروع عند سماع الإنسان في الخطبة أو ما يقوله مديره أو غيره من كلمات طيبة أن يقول : الله أكبر أو سبحان الله وكذلك عندما يسمع ما يستنكر يقول : سبحان الله أو : الله أكبر. هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يسبح الله ويعظمه ويكبره إن سمع خيرا أو سمع ما يسوء كبّر الله وعظّمه، وقال : سبحان الله عليه الصلاة والسلام إنكارا للمنكر وفرحاً بالطيب. فنكبّر الله عند سماع ما يسرّ، ونشكره، ونسبّحه عند سماع ما يسرّ. وكذلك ننكر المنكر عند سماعه بقولنا: سبحان الله أو الله أكبر أو ما أشبه ذلك من الكلمات الطيبة التي كان يتعاطاها عليه الصلاة والسلام.
    ("فتاوى ابن باز"/6/ص15).
    لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قولان، وإنما أذكر ما يوافق الراحج.
    سئل رحمه الله: نحن نعاني من عادات: حيث يقوم صفان من الناس، ثم يقوم اثنان من الشعراء يتبادلون الشعر ويدخل فيه السب والشتم، فما موقفنا -يا شيخ- من هذا الفعل؟ وكذلك يوجد التصفيق والتصفير؟
    فأجاب رحمه الله: الاجتماع على إنشاد الشعر لا بأس به، هذا هو الأصل، لكن إن صحبه شيء من المفسدة كما قلت: بأن يكون بعضهم يسب بعضاً وربما يتعدى السب إلى آبائهم وأجدادهم، فهذا لا يجوز من أجل ما يقترن به من السب، وأما مجرد أن يجتمع أناس ويتبادلون الشعر فيما بينهم فلا بأس به. على أني لا أحّبذ أن يكون هذا دائماً كما يفعله بعض الناس، حيث يخرجون في كل ليلة ويقيمون مثل هذا الفعل.
    السائل: يدخل فيه تصفيق وتصفير ورقص.
    فقال الشيخ رحمه الله: لا، هذا إذا لم يصاحبه شيء محرم فلا بأس به، وإن صاحبه شيءٌ محرم من السب والتصفيق والرقص فهذا لا يجوز، فهذا كله لا يجوز.
    ("لقاء الباب المفتوح"/5/ص232-233).
    وهذه من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/ 467) في التصفيق:
    السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 7774 ): هل يجوز التصفيق داخل المسجد تكريما للمحاضر أو الخطيب في الحفلات التي تقام في المناسبات؟
    الجواب: لا يجوز التصفيق إلا للنساء في الصلاة إذا ناب الإمام شيء في صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أخرجه أحمد 5 / 330، والبخاري 1 / 165 كتاب الأذان باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول، ومسلم 1 / 316 كتاب الصلاة باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة، وأبو داود 1 / 247 كتاب الصلاة باب التصفيق في الصلاة والنسائي 2 / 78 كتاب الإمامة باب إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر: «من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وتصفق النساء». ولأن تصفيق الرجال من عمل أهل الجاهلية، كما في قوله سبحانه سورة الأنفال الآية 35: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ وقد فسر أهل العلم المكاء: بالتصفيق، والتصدية: بالصفير اهـ.
    وقال فضيلة الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله: ومن التشبه بأعداء الله تعالى، ما يفعله كثير من الجهال، من التصفيق في المجالس والمجامع عند رؤية ما يعجبهم من الأفعال، وعند سماع ما يستحسنونه من الخطب والأشعار، وعند مجيء الملوك والرؤساء إليه، وهذا التصفيق سخف ورعونة، ومنكر مردود من عدة أوجه:
    أحدها: أن فيه تشبهاً بأعداء الله تعالى من المشركين، وطوائف الإفرنج، وأشباههم فأما المشركون فقد قال الله تعالى عنهم: ﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [سورة الأنفال آية: 35]. قال أهل اللغة وجمهور المفسرين: المكاء: الصفير. والتصدية: التصفيق، وبهذا فسره ابن عمر وابن عباس، رضي الله عنهم.
    فأما ابن عمر رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير عنه، وفيه: "أنه حكى فعل المشركين فصفر وأمال خدّه وصفق بيديه"()، وروى ابن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أنه قال: "إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويصفقون، ويصفرون"().
    وأما ابن عباس، رضي الله عنهما، فرواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الفرج ابن الجوزي عنه، ولفظ ابن أبي حاتم قال: "كانت قريش تطوف بالبيت عراة، تصفر وتصفق".
    والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق. وكذا روي عن مجاهد، ومحمد بن كعب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والضحاك، والحسن، وقتادة، وعطية العوفي، وغيرهم.
    قال ابن عرفة، وابن الأنباري: المكاء، والتصدية ليسا بصلاة، ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها، المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار.
    وروى الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا أنه أسري به إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب".
    وأما الإفرنج وأضرابهم، من أعداء الله تعالى، فقد ذكر المخالطون لهم أن التصفيق من أفعالهم في محافلهم، إذا أعجبهم كلام، أو فعل من أحد، صفقوا تعجبا وتعظيما لذلك القول أو الفعل؛ وقد أخذ سفهاء المسلمين عنهم هذا الفعل السخيف، تقليدا لهم، وتشبها بهم.
    وقد تقدم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»(). وتقدم أيضا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى»() وفي هذين الحديثين دليل على المنع من التصفيق، لما فيه من التشبه بأعداء الله تعالى.
    ويدل على المنع أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين»() متفق عليه من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «هدينا مخالف لهديهم» يعني المشركين، رواه الحاكم في مستدركه()، من حديت ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، رضي الله عنهما، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه الشافعي في مسنده()، من حديث ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلاً، ولفظه: «هدينا مخالف لأهل الأوثان والشرك».
    ومن المقرّر عند الأصوليين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده. وعلى هذا فالأمر بمخالفة المشركين هو في الحقيقة: نهي عن موافقتهم، والتشبه بهم فيما يفعلونه من التصفيق وغيره من زيهم وأفعالهم السيئة. وكذا إخباره صلى الله عليه وسلم بأن هدي المسلمين مخالف لهدي أهل الشرك، يقتضي منع المسلمين من التصفيق، وغيره من أفعال المشركين. والله أعلم.
    وقد روي: أن التصفيق من أعمال قوم لوط. فروى ابن عساكر في تأريخه، عن الحسن مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة»() فذكر الخصال ومنها التصفيق.
    (انتهى من "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"/15/ص397-399. وستأتي تتمة الكلام إن شاء الله).
    وقد سئل الإمام الشنقيطي رحمه الله: ما حكم التصفيق للرجال في الحفلات ونحو ذلك، وما حكم التصفيق للنساء في غير الصلاة، كالأعراس ونحوها؟
    فأجاب رحمه الله: التصفيق من صنيع أهل اللهو؛ ولذلك لا يُشرع، ويُسقِط مروءة طالب العلم والعالم إذا فعلاه، وأما عوام الناس فيُنبَّهون على أنه من صنيع أهل اللهو ومن لا يؤبه له، أما طلاب العلم وأهل الفضل ومَن هم قدوة فلا يصفقون، وحَمَلوا قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال:35] على هذا الوجه، والله تعالى أعلم. ("شرح زاد المستقنع" /للشنقيطي/2/ص 81).

    الباب الثاني: تصفيق الرجل يعتبر تشبها بالنساء

    قد مر بنا تقرير إن التصفيق لا يجوز على الرجال لأنه تشبه بالكفار. وقد مر بنا من خلال كلام الأئمة رحمهم الله في ذلك أن النساء جاز لهن التصفيق داخل الصلاة لحاجة مهمة ومصلحة راجحة، كما ستأتي زيادة بيان ذلك.
    فإذا علمنا ذلك، فتصفيق الرجل يعتبر تشبهاً أيضاً بالمرأة. ولا سيما قد ذكر بعض الأئمة أن التصفيق من عادة النساء. قال الحافظ ولي الدين العراقي رحمه الله: تصفيق المرأة بيدها متيسر في حقها لاعتيادها ذلك في غير الصلاة بخلاف الضرب بالعصا ونحوه فقد يظن المنبه أنه لضرب عقرب ونحوه والتصفيق باليد يكون لعارض يعرض مما يتعلق بما هي فيه أو نحوه ا هـ . (نقله ابنه محمد زين الدين العراقي في "طرح التثريب"/2/ص399).
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء. ("فتح الباري"/3/ص77).
    إذا كان التصفيق من شأن النساء لا يجوز للرجال أن يصفقوا لأن التصفيق تشبه بهنّ.
    قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: وفيه أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة إذا قوي طربهم رقصوا. ("تلبيس إبليس"/ص 316).
    وقال فضيلة الشيخ حمود التويجري رحمه الله: الوجه الثاني: أن التصفيق من خصائص النساء، لتنبيه الإمام إذا نابه شيء في صلاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنما التصفيق للنساء»() رواه مالك، وأحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
    وقد أتى صلى الله عليه وسلم في هذه الجملة الوجيزة، بالحصر والاستغراق، والاختصاص، فدل على أنه لا مدخل فيه للرجال بحال. وعلى هذا فمن صفق من الرجال، فقد تشبه بالنساء، فيما هو من خصائصهن.
    وقد "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء" رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي، والبخاري، وأهل السنن، إلا النسائي، من حديث بن عباس، رضي الله عنهما()، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
    -إلى قوله:- الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجال لما صفقوا في الصلاة، لأنهم فعلوا فعلاً لا يجوز للرجال فعله، ولا يليق بهم، وإنما يليق بالنساء؛ وقد قرن الإنكار ببيان العلة في ذلك، فقال: «إنما التصفيق للنساء» فهذه الجملة تفيد منع الرجال من التصفيق البتة، وأنه ينبغي الإنكار على من صفق منهم.
    -إلى قوله:- وقال الحليمي: يكره التصفيق للرجال، فإنه مما يختص به النساء، وقد منعوا من التشبه بهن، كما منعوا من لبس المزعفر لذلك، انتهى. قال الأذرعي: وهو يشعر بتحريمه على الرجال.
    قلت يعني: أن مراد الحليمي بالكراهة: كراهة التحريم، لأن التشبه بالنساء حرام على الرجال، والمتشبه بهن ملعون، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
    وفيما قاله هؤلاء المحققون كفاية في بيان قبح التصفيق من الرجال، وذم من يتعاطى ذلك منهم.
    ("الدرر السنية في الأجوبة النجدية"/15/ص397-405).

    الباب الثالث: تصفيق الرجال يخالف طريقة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم

    إن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير الهدي، وسبيل أصحابه رضي الله عنهم هو معيار الحق بالأدلة المعروفة. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
    قال الإمام ابن مفلح رحمه الله: ومن المعلوم أن تحري طريق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف رضي الله عنهم هو الصواب. ("الآداب الشرعية"/3/ص379).
    فالتصفيق الذي ذكرنا حرام، من أعمال أهل الجهل والضلال، ليس من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا طريقة السلف.
    قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن، أو متصنع كذاب. وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه ، وقد قال عليه السلام : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»()، ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك .
    وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا من جهة أنهم عند سماع المطربات وجدوا لذتين اثنتين : إحداهما لذة المعارف والأحوال المتعلقة بذي الجلال .
    والثانية : لذة الأصوات والنغمات والكلمات الموزونات الموجبات للذات النفس التي ليست من الدين ولا متعلقة بأمور الدين ، فلما عظمت عندهم اللذتان غلطوا فظنوا أن مجموع اللذة إنما حصل بالمعارف والأحوال ، وليس كذلك بل الأغلب عليهم حصول لذات النفوس التي ليست من الدين بشيء .
    وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام : «إنما التصفيق للنساء» «ولعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء»، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق ، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل ، ولا يصدران من عاقل فاضل. ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة ، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء ، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء ، وقد قال تعالى : ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾. وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئاً من ذلك ، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه ، فإن كان ممن يقتدى به ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات ، وإنما هو من أقبح الرعونات .
    (انتهى من "قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ ص404-405)
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: وبالجملة، قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة، مع ضرب بالكفّ أو ضرب بالقضيب، أو الدف . كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته، واتباعِ ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر، ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : «التصفيق للنساء والتسبيح للرجال»، و «لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء».
    ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا، ويسمون الرجال المغنيين مخانيثا، وهذا مشهور في كلامهم .
    ("مجموع الفتاوى"/11/ص565-566).
    وقال فضيلة الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله: الوجه الرابع: أن التصفيق لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يكن من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان، وإنما حدث في المسلمين في أثناء القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية، لما كثرت مخالطة المسلمين للإفرنج، وأعجب جهال المسلمين بسنن أعداء الله وأفعالهم الذميمة.
    وقد رأى الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»(). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: ليس له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
    وفي رواية للحاكم: «عليكم بما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين المهديين، وعضوا على نواجذكم بالحق» قال الحاكم: صحيح على شرطهما جميعاً، ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي في تلخيصه().
    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أبلغ الخطب، ويخطب البلغاء بحضرته، وينشد فحول الشعراء عنده أفخم الشعر وأجزله، ولم ينقل أن أحدا من أصحابه صفق عند سماع خطبة ولا قصيدة.
    وكذلك الخلفاء الراشدون بعده، كانوا يخطبون أبلغ الخطب، ويخطب عندهم البلغاء، وتنشد عندهم الأشعار الجيدة، ولم ينقل عنهم، ولا عن غيرهم من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصفقون عند التعجب والاستحسان.
    وإنما نقل عن كفار قريش أن بعضهم صفقوا تعجبا لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسري به إلى بيت المقدس، فهؤلاء هم سلف المصفقين عند التعجب والاستحسان. وسلفهم الآخر: الإفرنج، وأشباههم من أعداء الله تعالى؛ وكل امرئ يهفو إلى ما يناسبه، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
    ولهم أيضا سلف ثالث من شر السلف، وهم: قوم لوط، فقد روى ابن عساكر في تأريخه عن الحسن البصري مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عشر خصال عملها قوم لوط، بها هلكوا، وتزيدها أمتي بخلة» فذكر الخصال، ومنها التصفيق . وللمصفقين أيضا سلف رابع من شر السلف، وهم: جهال المتصوفة ومبتدعوهم.
    (انتهى المراد من "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"/15/ص400-402).
    نعم، من سلف المصفقين هم الصوفية، لأن التصفيق من عباداتهم، كما ذكره ابن الجوزي رحمه الله في "تلبيس إبليس".
    وقد سئل الإمام الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: مسألة: أقوام يقولون: (إن سماع الغناء بالدف والشبابة حلال وإن صدر الغناء والشبابة من أمرد دلق حسن الصوت كان ذلك نور على نور). وذلك يحضرهم النساء الأجنبيات يخالطونهم في بعض الأوقات ويشاهدونهن بقربهم في بعض الأوقات. وفي بعض الأوقات يعانق الرجال بعضهم بعضا، ويجتمعون لسماع الغناء وضرب الدف من الأمرد، والذي يغني لهم مصوبين رؤوسهم نحو وجه الأمرد متهالكين على المغني والمغنى، ثم يتفرقون عن السماع بالرقص والتصفيق، ويعتقدون أن ذلك حلال وقربة يتوصلون بها إلى الله تعالى، ويقولون: (إنه أفضل العبادات). فهل ذلك حرام أم حلال؟ ومن ادعى تحليل ذلك هل يزجر أم لا؟ وهل يجب على ولي الأمر أن يمنعهم من ذلك؟ فإذا لم يمنعهم وهو قادر عليه يأثم بذلك أم لا؟
    فأجاب الإمام ابن الصلاح رحمه الله: ليعلم أن هؤلاء من إخوان أهل الإباحة الذين هم أفسد فرق الضلالة ومن أجمع الحمقى لأنواع الجهالة والحماقة هم الرافضون شرائع الأنبياء القادحون في العلم والعلماء لبسوا ملابس الزهاد وأظهروا ترك الدنيا واسترسلوا في اتباع الشهوات، وأجابوا دواعي الهوى وتظاهروا باللهو والملاهي فتشاغلوا بما لم يكن إلا في أهل البطالة والمعاصي، وزعموا أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى زلفى مقتدون فيه بمن تقدمهم من أهل الرشاد.
    ولقد كذبوا على الله سبحانه وتعالى وعلى عباده الذين اصطفى أحبولة نصبوها من حبائل الشيطان خداعا واعجوبة من حوادث الزمان جلبوها خداعاً للعوام وتهويشا لمناظم الإسلام. فحق على ولاة الأمر وفقهم الله وسددهم قمع هذه الطائفة وبذل الوسع في إعدام ما ذكر من أفعالهم الخبيثة وتعزيرهم على ذلك واستتابتهم وتبديد شملهم، وأن لا يأخذهم في ذلك لومة لائم ولا يدخلهم ريب في ضلالهم ولا توان في إخزائهم وإبعادهم بسبب قول قائل: (هذا فيه خلاف بين المسلمين) فإنهم بمجموع أفعالهم مخالفون إجماع المسلمين مشايعون به باطنية الملحدين. وإنما الخلاف في بعض ذلك، مع أنه ليس كل خلاف يستروح إليه ويعتمد عليه. ومن يتبع اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد. فقولهم في السماع المذكور أنه من القربات والطاعات قول مخالف لإجماع المسلمين. فإجماعهم على خلاف قولهم. هذا منقول محفوظ معلوم من خالف إجماع المسلمين فعليه ما في قوله تعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ﴾.
    وأما إباحة هذا السماع وتحليله فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين. ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاخلاف أنه أباح هذا السماع، والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل في الشبابة منفرداً والدف منفرداً. فمن لا يحصل أولا يتأمل ربما اعتقد فيه خلافاً بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي وذلك وهم ومن الصغائر إلى ذلك يتمادى به عليه أدلة الشرع والعقل من استباح هذا من مشايخ الصوفية وهم الأقلون منهم. فإنما استباحه بشروط معدومة في سماع هؤلاء القوم منها: أن لا يكون المستمع شهوانيا فهم عند ذلك لا يستبيحونه بل ينهون عنه نهياً شديداً. ولا خلاف أيضاً من جهتهم في هذا على أنهم لو خالفوا فيه لم يجز لأحد تقليدهم ولن يعتد بخلافهم في الحلال والحرام، فإنه إنما يرجع في ذلك إلى أئمة الاجتهاد المبرزين في علوم الشريعة المستقلين بأدلة الأحكام. وهكذا لا يعتد بخلاف من خالف فيه من الظاهرية لتقاصرهم عن درجة الاجتهاد في أحكام الشريعة. فإذا هذا السماع غير مباح بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين وأما ما ذكر من سماعهم من الأمرد مع النساء الأجنبيات واستباحتهم لذلك فهو قطعا من شأن أهل الإباحة ومن تخاليط المالحدة، ولم يستجزه أحد من المسلمين من علمائهم وعبادهم وغيرهم. وقولهم في السماع من الأمرد الحسن: (نور على نور) من جنس أقوال المباحية الكفرة الذين إذا رمق بعضهم إمرأة قالوا: (تمت سعادته)، فإذا غار أحدهم على أهله فمنعها من غيره قالوا: (هو طفل الطريقة لم يبلغ بعد)، أخزاهم الله أنى يؤفكون. برزوا في ظواهر أهل السبت وأضمروا بواطن أرباب السبت وتظاهروا بزي قوم عرفوا بالصلاح وتناطقوا بعباراتهم مثل لفظ "المعرفة" و"المحبة" وغيرهما، وهم عن حقائقها وعن طرائقهم عاطلون وبما يضار ذلك من المخازي والخبائث ناهضون وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    ومن اشتبه عليه حال هؤلاء القوم أو كان عنده شيء يحبسه حجة عاضدة لهم فليذكر ما عنده ليدحض شبهته إن شاء الله تعالى بالحجج البالغة والأدلة الواضحة. ومن قصر من ولاة الأمر صانهم الله تعالى في القيام بما وجب عليه من تظهير الأرض من هؤلاء الخبثاء وأفعالهم الخبيثة فقد احتقب إثما وصار للإسلام والشريعة خصماً. والله الكريم يمن بتوفيقه عليهم وعلينا وعلى جميع المسلمين.
    (انتهى من "فتاوى ابن الصلاح"/2/ص78-80).

    الباب الرابع: جواز التصفيق للنساء في الصلاة لحاجة مهمة

    قد جاء دليل خاص دال على جواز مشروعية التصفيق للنساء في الصلاة لحاجة مهمة ومصلحة راجحة.
    فعن سهل بن سعد رضي الله عنهما في قصة إصلاح بني عمرو بن عوف: ... وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقاً حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيح. قال سهل: التصفيح هو التصفيق. قال: وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت في صلاته. فلما أكثر الناس التفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف. وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى للناس فلما فرغ أقبل على الناس فقال: «يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيح؟ إنما التصفيح للنساء. من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله». الحديث. (أخرجه البخاري (1218) ومسلم (421)).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء». (أخرجه البخاري (1203) ومسلم (422)).
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث: ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها التصفيق ، ولا أمرها بالتسبيح ، وإنما تصفق المرأة إذا كان هناك رجال . فأما إن لم يكن معها غير النساء ، فقد سبق أن عائشة سبحت لأختها أسماء في صلاة الكسوف ، فإن المحذور سماع الرجال صوت المرأة ، وهو مأمون هاهنا ، فلا يكره للمرأة أن تسبح للمرأة في صلاتها . ويكره أن تسبح مع الرجال . ومن أصحابنا من قال : لا يكره . والأول : الصحيح .
    وقال بعض أصحابنا : الأفضل في حقها -أيضا- مع النساء التنبيه بالتصفيق - أيضا. والكلام في هذا ، يشبه الكلام في جهر المرأة بالقراءة إذا أمت النسوة .
    وتصفيق المرأة ، هو : أن تضرب بظهر كفها على بطن الأخرى ، هكذا فسره أصحابنا والشافعية وغيرهم . قالوا : ولا تضرب بطن الكف على بطن الكف ؛ فإن فعلت ذلك كره .
    وقال بعض الشافعية ، منهم : القاضي أبو الطيب الطبري : تبطل صلاتها به ، إذا كان على وجه اللعب ؛ لمنافاته صلاتها ، فإن جهلت تحريمه لم تبطل .
    قالوا : ولو سبحت المرأة ، أو صفق الرجل ، فقد خالفا السنة ، ولم تبطل صلاتهما بذلك . ويدل عليه : أن الصحابة أكثروا التصفيق خلف أبي بكر الصديق ، ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -بالإعادة ، وإنما أمرهم بالأكمل والأفضل . وقد قال طائفة من الفقهاء : متى أكثروا التصفيق بطلت الصلاة . والحديث يدل على خلافه ، إلا أن يحمل على أنهم لم يكونوا يعلمون منعه ، فيكون حكمهم حكم الجاهل .
    ("فتح الباري"/لابن رجب /7/ص157).
    وقال الحافظ محمد بن عبد الرحيم العراقي رحمه الله: وحكى الرافعي من أصحابنا في كيفية ذلك أوجها : ( أحدها ) وبه صدر كلامه أن تضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر . ( الثاني ) أن تضرب أكثر أصابعها اليمنى على ظهر أصابعها اليسرى . ( الثالث ) أن تضرب أصبعين على ظهر الكف. قال: والمعاني متقاربة والأول أشهر. قال: ولا ينبغي أن تضرب بطن الكف على بطن الكف فإن ذلك لعب فلو فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها وإن كان ذلك قليلا لأن اللعب ينافي الصلاة. ولم يذكر الرافعي التصفيق بالظهر على الظهر وذكره الماوردي في "الحاوي" وقال: إن ظاهر المذهب أنه يجوز تصفيقها كيف شاءت بطنا لبطن أو لظهر أو ظهرا لظهر فالكيفيات أربع. ("طرح التثريب"/2/ص400).
    وما حكمة اختيار التسبيح دون غيره من الأذكار؟ إن الإمام إذا سها أو نحو ذلك يحتاج إلى تنبيه. وأما رب العالمين فهو كامل الصفات، فناسب في هذا المقام التسبيه لأنه تنزيه الله من النقائص.
    قال الحافظ زين الدين محمد بن عبد الرحيم العراقي رحمه الله: وقال والدي رحمه الله في "شرح الترمذي" لا شك أن الاتباع في ذلك مقصود وربما يكون في التسبيح معنى لا يوجد في غيره من الأذكار لأنه يكون في الغالب تنبيها للإمام أو غيره على ما غفل عنه فناسب أن يأتي بلفظ يقتضي تنزيه الله تعالى عما هو جائز على البشر من النسيان والغفلة. ("طرح التثريب"/2/ص397).
    وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: فإن قيل: لماذا خُصَّ التنبيه بالتسبيح دون غيره من الذِّكْرِ؟ فالجواب: أن التسبيح يكون فيما إذا حَدَثَ للإمام نقصٌ صادرٌ عن نسيان أو خطأ، فناسب أن يكون التنبيه بالتسبيح؛ الذي هو تنزيه الله عن كلِّ نقص. ("الشرح الممتع على زاد المستقنع"/3/ص264-265).


    الباب الخامس: تنبيه لمن ترك الطيب وتعاطى الرديء

    من تعجب بشيء فليكبّر الله أو ليسبّحه، كما ورد بعض الأدلة على ذلك. فالتسبيح والتكبير من ذكر الله، وذكر الله أفضل الأعمال.
    عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال: قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟». قالوا: بلى. قال: «ذكر الله تعالى». (أخرجه الإمام أحمد (5/195)، والترمذي )3377)/أحوذي)، وابن ماجه ((3790)/دار السلام)، وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الصحيح المسند" (1038) /دار الآثار).
    فمن ترك ذكر الله بل مال إلى التصفيق ففي التصفيق ذنب التشبه بالكفار، وفوات أجر ذكر الله فبئس للظالمين بدلاً.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله عز و جل ويصلون على النبي صلى الله عليه و سلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وان دخلوا الجنة للثواب». (أخرجه الإمام أحمد (9966)/صحيح).
    وإذا كان التسبيح أفضل من التصفيق –بلا شك-، فلماذا شرع للرجال دون النساء عند تذكير الإمام أو نحوه؟ ذلك لوجود المصلحة الأعظمى وهي سلامة قلوب الرجال –الإمام أو المأمومين- من فتنة صوت النساء. أو نقول: درأً عن مفسدة الافتتان بصوت النساء.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وكأن منع النساء من التسبيح لأنها مأموره بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء. ("فتح الباري"/3/ص77).
    وقال الحافظ محمد العراقي رحمه الله: حكى القاضي عياض وأبو العباس القرطبي عن الشافعي ومن قال مثله في أن المشروع للنساء التصفيق أنهم عللوا ذلك بأن أصواتهن عورة كما منعن من الأذان ، ومن الجهر بالإقامة والقراءة. وقال القاضي أبو بكر بن العربي في قوله: «إنما التصفيق للنساء» يعني أن أصواتهن عورة فلا يظهرنه ا هـ . لكن الصحيح عند الشافعية أن صوتها ليس بعورة. نعم إن خشي الافتتان بسماعه حُرّم وإلا فلا. فالتعليل بخوف الافتتان أولى كما فعله ابن عبد البر فقال في "الاستذكار": وقال بعضهم: إنما كره التسبيح للنساء لأن صوت المرأة فتنة، ولهذا منعت من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في صلاتها ا هـ .
    لكن قول القاضي عياض والقرطبي والجهر بالإقامة أولى من قوله : والإقامة لأنها لم تمنع من الإقامة وإنما منعت من الجهر بها. فالمرأة تقيم إلا أنها لا تجهر بذلك والله أعلم .
    (انتهى من "طرح التثريب"/2/ص400-401).
    فإن لم يكن في الجماعة رجل، زال المخوف منه فشرع التسبيح في حقهنّ كما في حديث أسماء بنت أبي بكر عن أختها عائشة رضي الله عنهم. فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء وقالت: سبحان الله. فقلت: آية؟ فأشارت أي: نعم. (أخرجه البخاري (184) ومسلم (905)).
    وقد مر بنا كلام الإمام ابن رجب رحمه الله في ذلك.
    وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: وقال بعض العلماء: إذا لم يكن معها رِجَال فإنَّها تُسبِّح كالرِّجَال؛ وذلك لأن التسبيح ذِكْرٌ مشروع جنسه في الصَّلاة، بخلاف التصفيق؛ فإنه فِعْلٌ غير مشروع جنسه في الصلاة، ولجأت إليه المرأة فيما إذا كانت مع رِجَال؛ لأن ذلك أصون لها وأبعد عن الفتنة. ("الشرح الممتع على زاد المستقنع"/3/ص 264).


    الباب السادس: لا قشور في الإسلام

    إن شرائع الإسلام كلها مهمة، وقد أمرنا الله تعالى بالتمسك بها كلها مع مراعاة آداب الشريعة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين﴾ [البقرة/208]
    وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك. ("تفسير القرآن العظيم"/1/ص 565).
    وأمرنا باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا نزيغ عن شيء منها لأن الأمر جسيم. قال الله سبحانه: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18].
    وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
    وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «قد تركتكم على البيضاء. ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك». (أخرجه ابن ماجه (42)/صحيح).
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة. فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح. ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك». (أخرجه الإمام أحمد (6764) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3250)).
    وعلى رجل من الأنصار من أصحاب الرسول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «فمن اقتدى بي فهو مني. ومن رغب عن سنتي فليس مني. إن لكل عمل شرة، ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى». (أخرجه الإمام أحمد (23521) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (3251)).
    عن أبي بكر رضي الله عنه قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ. (أخرجه البخاري (3093) ومسلم (1759)).
    وقال الإمام الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقول: الاعتصام بالسنة نجاة ، والعلم يقبض سريعا ، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا ، وذهاب العلماء ذهاب ذلك كله. ("شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"/ للالكائي /رقم (119)/صحيح الأثر).
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن لم تسعه السنة حتى تعداها إلى البدعة مرق من الدين. ومن أطلق للناس ما لم يطلقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضى للإطلاق فقد جاء بشريعة ثانية، ولم يكن تبعاً للرسول، فلينظر أمره أين يضع قدمه. ("الفتاوى الكبرى"/3/ص167).
    وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن السنة حصن الله الحصين الذي من دخله كان من الآمنين وبابه الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين. ("اجتماع الجيوش الإسلامية"/ص 6).
    فالشريعة كلها مهمة، وأما تقسيم الحزبيين الدين إلى القشور واللب فهو تقسيم باطل.
    وقال فضيلة المفتي الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله في رده على محمد الغزالي: وهل في الإسلام قشور ؟! إنّ وصف الإسلام بأن فيه قشورا وجذورا كذب وفرية على الله وعلى الإسلام وعلى من جاء بالإسلام ويخاف على من يقول ذلك أن يكون قد ارتد عن الإسلام إن كان من جملة أهله قبل هذه الكلمة ونحن نقول إن الإسلام كلّه جذور لا قشور فيه وحق لا باطل فيه وصدق لا كذب فيه ومن زعم خلاف ذلك فهو منافق، ...إلخ. ("المورد العذب الزلال" / ص188 /دار الآثار).

    سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    صنعاء، 27 جمادى الأولى 1435 هـ.

    فهرس الرسالة
    Contents
يعمل...
X