إغاثة اللهفان
من أضرار الاختلاط وحبائل الشيطان
من أضرار الاختلاط وحبائل الشيطان
أذن بنشرها: فضيلة العلامة المحدث الناصح الأمين
أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري
شكر الله له
أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري
شكر الله له
كتبه: أبو عبدالرحمن محمد بن محمد الرقيبي العدني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن والاه إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الله سبحانه أمر عباده بالتعاون على البر والتقوى.
فقال سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
ومن التعاون على البر والتقوى: النصح للمسلمين؛ فقد جاء من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله, لِكْتَابِه, وَلرَسُولِه, وَلأئِمِّةِ المُسْلِميْنَ وَعَامَّتُهُمْ» رواه مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
قال الخطابي رحمه الله: معنى الحديث قوام الدين وعماده النصيحة. اهـ
والنصيحة هي: بذل النصح للغير, والنصح معناه: أن الشخص يحب لأخيه الخير ويدعوه إليه, ويبينه له, ويرغبه فيه, كما قال ذلك العثيمين عليه رحمة الله.
ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنْ أَحْدُكُمْ حَتَى يُحِبُّ لِأَخِيِهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ» متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه.
زاد الإمام أحمد وغيره في روايتهم: «مِنَ الخْيِرِ» وصححها العلامة الألباني رحمه الله.
وهذا حال المؤمنين الصادقين, قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ, مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
والمسلم للمسلم كالرجل الواحد, إذا اشتكى عينه اشتكى كله, وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله.
وفي «الصحيحين» من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المُؤْمِن لِلِمُؤْمِن كَالبُنْيَانْ», وفي لفظ: «كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبَّك بين أصابعه.
وبيَّن الله هذا الأمر في كتابه أيما تبيان, قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].
وقال تعالى مادحًا أمة محمد عليه الصلاة والسلام: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].
وقال تعالى آمرًا عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104], واللام في قوله: ﴿ وَلْتَكُنْ ﴾ للأمر كما ذكر ذلك أهل العلم, ومن في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ فيها قولان لأهل العلم: الأول: أنها للتبعيض, ويكون الأمر هنا كفائيًا إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين.
الثاني: أنها لبيان الجنس, وعلى هذا يكون الأمر للجميع.
ولما لم تأمر بنو إسرائيل بالمعروف وتنهى عن المنكر لعنة على لسان داود وعيسى ابن مريم, قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78-79].
وسكت الله عن اللذين لم ينهوا عن المنكر كما في قصة أصحاب السبت عندما قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: 164], قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 165] فبين سبحانه نجاة الآمرين بالمعروف, والناهين عن المنكر, وهلاك العاصين لله سبحانه, وسكت عن اللذين سكتوا, فسكوتٌ بسكوت.
- فمن هذا الباب أكتب نصيحة لإخواني أهل السنة السلفيين ناصحًا لهم بترك الدراسات الاختلاطية, وكذلك الأعمال الاختلاطية وغيرها بذكر بعض الأدلة التي تُحرم ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وفتوى العلماء مستعينًا بالله سبحانه راجيًا منه أن ينفع بها, وإن كانت قصيرة في موضوعها لقلة علمي, وقصر فهمي, ولكن عسى الله أن ينفع بها الإخوان.
وقبل الشروع في ذكر الأدلة أحببت أن أذكر إخواني بآيات تدل على وجوب الإنقاد لله سبحانه والتسليم لأمره سبحانه وتعالى بدون حرج ولا انزعاج لما أمر الله به سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1].
وقوله: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51].
فعُلم من ذلك أنه واجب على الإنسان طاعة الله سبحانه وتعالى, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أخبر سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59], وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: 20].
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
فعند قراءة هذه الآيات أو سماعها يُعلم أن الإنسان مأمور بالامتثال لما يؤمر به سواء كان له فيما نُهي عنه حاجة أو غيرها, وإني والله لا أظن أن من كان مؤمنًا صافي الإيمان نقي القلب, محبًا للرب, خاشعًا له, منقادًا لأوامره سبحانه وتعالى, وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم أنه بعدما ذكرنا من الأدلة حول الإنقياد والإتباع, والطاعة, وعدم المعصية لله سبحانه وتعالى أن سيقرأ الأدلة على تحريم شيء, وما سيعمل بها؛ لأن المؤمن كما أخبر الله سبحانه في كتابه منقادًا لأمره سبحانه غير مخالفًا له, قال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].
وهذه الآية نزلت عندما قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كلفنا ما لا نطيق, فقال عليه الصلاة والسلام: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا, كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا, بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ, فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.
فأسأل الله عزوجل أن ينفعني وإخواني بهذه النصيحة.
الأدلة على تحريم الإختلاط
إن الإختلاط حرام لا يجوز, لما دلت عليه الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الدخول على النساء, ومن هذه الأدلة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 53].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
والحمو هو: أخو الزوج أو قريبه؛ فشبهه عليه الصلاة والسلام بالموت لما في ذلك سن أضرار ومفاسد؛ فكم نسمع من أخٍ قتل أخاه.
والسبب أنه زنى بزوجة أخيه.
وهذا دليل صريح واضح حلي على تحريم الإختلاط سواءً كان بين الأقارب أو الأباعد.
ومن الأدلة على تحريم ذلك أنه تشبه بالكفار واتباعًا لأهوائهم, وقد نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم, قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19].
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18-19].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105].
وقال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].
وقال تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
وقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 74-75].
وقال عليه الصلاة والسلام: «خَالِفُوا اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى» الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَّبَهَ بِقَومٍ فَهُو مِنْهُم».
فعلم من هذه الأدلة تحريم التشبه بالكفار سواءً كان في الإختلاط أو غيره كلبس البنطال في الأعمال الإختلاطية, أو المدارس, أو غيرها, من التشبه بالكافرين أعداء الدين.
فلا شك أن من تشبه بهم عديم أو ضعيف الغيرة على دين رب العالمين, وأنه غير معتز بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا كان محبًا لله سبحانه, ولرسوله صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم, قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
فسيترك ما أفتوا به بعض المخطئين في هذا الجانب, ويتمسك بكتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وسيأتي إن شاء الله تعالى الرد على بعض الشبه التي ألقاها الواقعون في هذا الذنب.
ومن الأدلة على تحريم الإختلاط:
التبرج والسفور, والنظر إلى النساء, قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33].
وقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 30-31].
فتوى العلماء في الإختلاط
سُئل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمة الله عليه: ماذا يقول الإسلام عن اختلاط النساء والرجال وذلك فيما يقال عنه مناقشات, وتفاهم في المسائل الدينية؟
فأجاب: اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات: الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال: وهذا لا إشكال في جوازه. الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد: وهذا لا إشكال في تحريمه. الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك: فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر، ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل: أما المجمل فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ؛ لأن النفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر. وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة. أما الأدلة من الكتاب فستة: الدليل الأول: قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ وجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامنًا فطلبت منه أن يواقعها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وكذلك إذا حصل اختلاط الرجال بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه. الدليل الثاني: أمر الله الرجال بغض البصر وأمر النساء بذلك، فقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ الآية.
وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر، ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة؛ فقد روى الحاكم في [المستدرك] ، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: « يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة »، قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث. وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا، فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطو » متفق عليه، واللفظ لمسلم، وإنما كان زنا؛ لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليها لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه. الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها؛ لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها وكذلك الاختلاط. الدليل الرابع: قال تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾, وجه الدلالة: إنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزًا في نفسه؛ لئلا يكون ن سببًا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من الفساد. الدليل الخامس: قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ فسرها ابن عباس وغيره: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به، فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد علم الله من قلبه أنه ود لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها. وجه الدلالة: أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالاختلاط إذن. الدليل السادس: أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين، لما تقرر في علم الأصول: أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه، وليس هناك دليل يدل الخصوص، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق؟! على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم، وقل الوزاع ممن أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم. وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشرة أدلة:
1- روى الإمام أحمد في [المسند] بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي»، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت.
وروى ابن خزيمة في «صحيحه»، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة».
وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. وجه الدلالة أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه، فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى.
2- ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها » قال الترمذي بعد إخراجه: حديث صحيح.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن المصلين على حدة، ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخيرية، وما ذلك إلا لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللائي يشغلن البال، وربما أفسدن عليه العبادة وشوشن النية والخشوع، فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط وإنما هو مقاربة ذلك فكيف إذا وقع الاختلاط؟!
3- روى مسلم في صحيحه، عن زينب زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا ».
وروى أبو داود في سننه، والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات ».
قال ابن دقيق العيد : (فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببًا لتحريك شهوة المرأة أيضًا... قال: ويلحق بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال، وقال الخطابي في [معالم السنن]: التفل سوء الرائحة، يقال: امرأة تفلة: إذا لم تتطيب، ونساء تفلات).
4- روى أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة على الرجال فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون؟! هذا لا يجوز.
5- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » رواه مسلم, وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء، وهو يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟! هذا لا يمكن، فإذا لا يجوز الاختلاط.
6- روى أبو داود في [السنن] والبخاري في [الكنى] بسنديهما، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: « استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق » فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
هذا لفظ أبي داود ، قال ابن الأثير في [النهاية في غريب الحديث]: (يحققن الطريق: أن يركبن حقها وهو وسطها). وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!
7- روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابًا للنساء وقال: «لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد» وروى البخاري في [التاريخ الكبير] له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخلوا المسجد من باب النساء».
وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولًا، وخروجًا، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ سدًا لذريعة الاختلاط، فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى.
8- روى البخاري في «صحيحه»، عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرًا».
وفي رواية ثانية له: (كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية ثالثة: (كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال). وجه الدلالة: أنه منع الاختلاط بالفعل، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع. 9- روى الطبراني في [المعجم الكبير] عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له».
قال الهيثمي في [مجمع الزوائد]: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في [الترغيب والترهيب]: رجاله ثقات.
10- وروى الطبراني أيضًا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لأن يزحم رجل خنزيرًا متلطخًا بطين وحمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له», وجه الدلالة من الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرمًا لها؛ لما في ذلك من الأثر السيئ، وكذلك الاختلاط يمنع لذلك، فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له: أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع؛ حسمًا لمادة الفساد، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني. نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يزيد المهتدي منهم هدى، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء، إنه سميع قريب مجيب. اهـ. رابعًا: يصح لغير المسلم أن يبني ما يتخذ مسجدًا، وإذا أمكن أن يكون تحت إدارة مسلم تعين ذلك، وإلا فيجوز أن يديره من بناه ولو كان كافرًا. خامسًا: يستحب للمسلم أن ينفق من ماله في بناء المساجد ونحوها من المشاريع الخيرية، بل ذلك من القرب العظيمة إذا كان ذلك من غير الزكاة، أما الزكاة فلا تصرف إلا في مصارفها الثمانية. سادسًا: يجوز لغير المسلمين أن ينفقوا على مشاريع الإسلام؛ كالمساجد، والمدارس إذا كان لا يترتب عليه ضرر على المسلمين أكثر من النفع, وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم.
انظر «فتاوى اللجنة الدائمة» (3/134).
قال العلامة ابن باز رحمه الله في «مجموع فتاويه» (5/234):
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة الجزيرة بعددها رقم 3754 وتاريخ 15/4/1403هـ الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية, ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول:
إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع», وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع؛ لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات، ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل.
وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور, وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي, وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث، ولولا ما في ذلك من الإطالة لذكرت كثيرًا منها, وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» منها تسعة وتسعين دليلاً, ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت, نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط, وأما ما يتعلق بالحاجة إلى معرفة الخاطب مخطوبته؛ فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما يشفي بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم امرأة؛ فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل» فيشرع له أن ينظر إليها بدون خلوة قبل عقد النكاح إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر بعث من يثق به من النساء للنظر إليها, ثم إخباره بخلْقِها وخُلُقها, وقد درج المسلمون على هذا في القرون الماضية, وما ضرهم ذلك بل حصل لهم من النظر إلى المخطوبة أو وصف الخاطبة لها ما يكفي، والنادر خلاف ذلك لا حكم له, والله المسئول أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم وسعادتهم في العاجل والآجل, وأن يحفظ عليهم دينهم, وأن يغلق عنهم أبواب الشر ويكفيهم مكايد الأعداء إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبهوبعد:
فإن الله سبحانه أمر عباده بالتعاون على البر والتقوى.
فقال سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
ومن التعاون على البر والتقوى: النصح للمسلمين؛ فقد جاء من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله, لِكْتَابِه, وَلرَسُولِه, وَلأئِمِّةِ المُسْلِميْنَ وَعَامَّتُهُمْ» رواه مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
قال الخطابي رحمه الله: معنى الحديث قوام الدين وعماده النصيحة. اهـ
والنصيحة هي: بذل النصح للغير, والنصح معناه: أن الشخص يحب لأخيه الخير ويدعوه إليه, ويبينه له, ويرغبه فيه, كما قال ذلك العثيمين عليه رحمة الله.
ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنْ أَحْدُكُمْ حَتَى يُحِبُّ لِأَخِيِهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ» متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه.
زاد الإمام أحمد وغيره في روايتهم: «مِنَ الخْيِرِ» وصححها العلامة الألباني رحمه الله.
وهذا حال المؤمنين الصادقين, قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ, مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
والمسلم للمسلم كالرجل الواحد, إذا اشتكى عينه اشتكى كله, وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله.
وفي «الصحيحين» من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المُؤْمِن لِلِمُؤْمِن كَالبُنْيَانْ», وفي لفظ: «كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبَّك بين أصابعه.
وبيَّن الله هذا الأمر في كتابه أيما تبيان, قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].
وقال تعالى مادحًا أمة محمد عليه الصلاة والسلام: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].
وقال تعالى آمرًا عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104], واللام في قوله: ﴿ وَلْتَكُنْ ﴾ للأمر كما ذكر ذلك أهل العلم, ومن في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ فيها قولان لأهل العلم: الأول: أنها للتبعيض, ويكون الأمر هنا كفائيًا إذا قام به من يكفي سقط عن الآخرين.
الثاني: أنها لبيان الجنس, وعلى هذا يكون الأمر للجميع.
ولما لم تأمر بنو إسرائيل بالمعروف وتنهى عن المنكر لعنة على لسان داود وعيسى ابن مريم, قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78-79].
وسكت الله عن اللذين لم ينهوا عن المنكر كما في قصة أصحاب السبت عندما قالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: 164], قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 165] فبين سبحانه نجاة الآمرين بالمعروف, والناهين عن المنكر, وهلاك العاصين لله سبحانه, وسكت عن اللذين سكتوا, فسكوتٌ بسكوت.
- فمن هذا الباب أكتب نصيحة لإخواني أهل السنة السلفيين ناصحًا لهم بترك الدراسات الاختلاطية, وكذلك الأعمال الاختلاطية وغيرها بذكر بعض الأدلة التي تُحرم ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وفتوى العلماء مستعينًا بالله سبحانه راجيًا منه أن ينفع بها, وإن كانت قصيرة في موضوعها لقلة علمي, وقصر فهمي, ولكن عسى الله أن ينفع بها الإخوان.
وقبل الشروع في ذكر الأدلة أحببت أن أذكر إخواني بآيات تدل على وجوب الإنقاد لله سبحانه والتسليم لأمره سبحانه وتعالى بدون حرج ولا انزعاج لما أمر الله به سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1].
وقوله: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51].
فعُلم من ذلك أنه واجب على الإنسان طاعة الله سبحانه وتعالى, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كما أخبر سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59], وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: 20].
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
فعند قراءة هذه الآيات أو سماعها يُعلم أن الإنسان مأمور بالامتثال لما يؤمر به سواء كان له فيما نُهي عنه حاجة أو غيرها, وإني والله لا أظن أن من كان مؤمنًا صافي الإيمان نقي القلب, محبًا للرب, خاشعًا له, منقادًا لأوامره سبحانه وتعالى, وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم أنه بعدما ذكرنا من الأدلة حول الإنقياد والإتباع, والطاعة, وعدم المعصية لله سبحانه وتعالى أن سيقرأ الأدلة على تحريم شيء, وما سيعمل بها؛ لأن المؤمن كما أخبر الله سبحانه في كتابه منقادًا لأمره سبحانه غير مخالفًا له, قال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].
وهذه الآية نزلت عندما قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كلفنا ما لا نطيق, فقال عليه الصلاة والسلام: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا, كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا, بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ, فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾.
فأسأل الله عزوجل أن ينفعني وإخواني بهذه النصيحة.
الأدلة على تحريم الإختلاط
إن الإختلاط حرام لا يجوز, لما دلت عليه الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الدخول على النساء, ومن هذه الأدلة قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 53].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
والحمو هو: أخو الزوج أو قريبه؛ فشبهه عليه الصلاة والسلام بالموت لما في ذلك سن أضرار ومفاسد؛ فكم نسمع من أخٍ قتل أخاه.
والسبب أنه زنى بزوجة أخيه.
وهذا دليل صريح واضح حلي على تحريم الإختلاط سواءً كان بين الأقارب أو الأباعد.
ومن الأدلة على تحريم ذلك أنه تشبه بالكفار واتباعًا لأهوائهم, وقد نهانا الله سبحانه عن التشبه بهم, قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: 19].
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18-19].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105].
وقال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].
وقال تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
وقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 74-75].
وقال عليه الصلاة والسلام: «خَالِفُوا اليَهُوْدُ وَالنَّصَارَى» الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَّبَهَ بِقَومٍ فَهُو مِنْهُم».
فعلم من هذه الأدلة تحريم التشبه بالكفار سواءً كان في الإختلاط أو غيره كلبس البنطال في الأعمال الإختلاطية, أو المدارس, أو غيرها, من التشبه بالكافرين أعداء الدين.
فلا شك أن من تشبه بهم عديم أو ضعيف الغيرة على دين رب العالمين, وأنه غير معتز بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا كان محبًا لله سبحانه, ولرسوله صلى الله عليه وسلم كان كما وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم, قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
فسيترك ما أفتوا به بعض المخطئين في هذا الجانب, ويتمسك بكتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وسيأتي إن شاء الله تعالى الرد على بعض الشبه التي ألقاها الواقعون في هذا الذنب.
ومن الأدلة على تحريم الإختلاط:
التبرج والسفور, والنظر إلى النساء, قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33].
وقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 30-31].
فتوى العلماء في الإختلاط
سُئل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمة الله عليه: ماذا يقول الإسلام عن اختلاط النساء والرجال وذلك فيما يقال عنه مناقشات, وتفاهم في المسائل الدينية؟
فأجاب: اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات: الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال: وهذا لا إشكال في جوازه. الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد: وهذا لا إشكال في تحريمه. الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك: فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر، ولكشف حقيقة هذا القسم فإننا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل: أما المجمل فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ؛ لأن النفس أمارة بالسوء والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر. وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة. أما الأدلة من الكتاب فستة: الدليل الأول: قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ وجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامنًا فطلبت منه أن يواقعها ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ وكذلك إذا حصل اختلاط الرجال بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه. الدليل الثاني: أمر الله الرجال بغض البصر وأمر النساء بذلك، فقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ الآية.
وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر، ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة؛ فقد روى الحاكم في [المستدرك] ، عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: « يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة »، قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث. وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليهن زنا، فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطو » متفق عليه، واللفظ لمسلم، وإنما كان زنا؛ لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها فتعلق في قلبه فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليها لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه. الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها؛ لأن كشف ذلك أو شيء منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها وكذلك الاختلاط. الدليل الرابع: قال تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾, وجه الدلالة: إنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزًا في نفسه؛ لئلا يكون ن سببًا إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من الفساد. الدليل الخامس: قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ فسرها ابن عباس وغيره: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به، فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد علم الله من قلبه أنه ود لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها لزنى بها. وجه الدلالة: أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالاختلاط إذن. الدليل السادس: أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين، لما تقرر في علم الأصول: أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه، وليس هناك دليل يدل الخصوص، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق؟! على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم، وقل الوزاع ممن أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم. وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشرة أدلة:
1- روى الإمام أحمد في [المسند] بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنها، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك، قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي»، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت.
وروى ابن خزيمة في «صحيحه»، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة».
وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. وجه الدلالة أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه، فلأن يمنع الاختلاط من باب أولى.
2- ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: « خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها » قال الترمذي بعد إخراجه: حديث صحيح.
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن المصلين على حدة، ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخيرية، وما ذلك إلا لبعد المتأخرات من الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللائي يشغلن البال، وربما أفسدن عليه العبادة وشوشن النية والخشوع، فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط وإنما هو مقاربة ذلك فكيف إذا وقع الاختلاط؟!
3- روى مسلم في صحيحه، عن زينب زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا ».
وروى أبو داود في سننه، والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات ».
قال ابن دقيق العيد : (فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببًا لتحريك شهوة المرأة أيضًا... قال: ويلحق بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال، وقال الخطابي في [معالم السنن]: التفل سوء الرائحة، يقال: امرأة تفلة: إذا لم تتطيب، ونساء تفلات).
4- روى أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة على الرجال فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون؟! هذا لا يجوز.
5- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء » رواه مسلم, وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء، وهو يقتضي الوجوب فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟! هذا لا يمكن، فإذا لا يجوز الاختلاط.
6- روى أبو داود في [السنن] والبخاري في [الكنى] بسنديهما، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: « استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق » فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
هذا لفظ أبي داود ، قال ابن الأثير في [النهاية في غريب الحديث]: (يحققن الطريق: أن يركبن حقها وهو وسطها). وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!
7- روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابًا للنساء وقال: «لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد» وروى البخاري في [التاريخ الكبير] له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخلوا المسجد من باب النساء».
وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولًا، وخروجًا، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ سدًا لذريعة الاختلاط، فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى.
8- روى البخاري في «صحيحه»، عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرًا».
وفي رواية ثانية له: (كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية ثالثة: (كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال). وجه الدلالة: أنه منع الاختلاط بالفعل، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع. 9- روى الطبراني في [المعجم الكبير] عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له».
قال الهيثمي في [مجمع الزوائد]: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في [الترغيب والترهيب]: رجاله ثقات.
10- وروى الطبراني أيضًا من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لأن يزحم رجل خنزيرًا متلطخًا بطين وحمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له», وجه الدلالة من الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرمًا لها؛ لما في ذلك من الأثر السيئ، وكذلك الاختلاط يمنع لذلك، فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له: أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع؛ حسمًا لمادة الفساد، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني. نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يزيد المهتدي منهم هدى، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات والأخذ على أيدي السفهاء، إنه سميع قريب مجيب. اهـ. رابعًا: يصح لغير المسلم أن يبني ما يتخذ مسجدًا، وإذا أمكن أن يكون تحت إدارة مسلم تعين ذلك، وإلا فيجوز أن يديره من بناه ولو كان كافرًا. خامسًا: يستحب للمسلم أن ينفق من ماله في بناء المساجد ونحوها من المشاريع الخيرية، بل ذلك من القرب العظيمة إذا كان ذلك من غير الزكاة، أما الزكاة فلا تصرف إلا في مصارفها الثمانية. سادسًا: يجوز لغير المسلمين أن ينفقوا على مشاريع الإسلام؛ كالمساجد، والمدارس إذا كان لا يترتب عليه ضرر على المسلمين أكثر من النفع, وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم.
انظر «فتاوى اللجنة الدائمة» (3/134).
قال العلامة ابن باز رحمه الله في «مجموع فتاويه» (5/234):
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة الجزيرة بعددها رقم 3754 وتاريخ 15/4/1403هـ الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية, ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول:
إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع, واضربوهم عليها لعشر, وفرقوا بينهم في المضاجع», وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع؛ لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات، ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل.
وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور, وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي, وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث، ولولا ما في ذلك من الإطالة لذكرت كثيرًا منها, وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» منها تسعة وتسعين دليلاً, ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت, نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط, وأما ما يتعلق بالحاجة إلى معرفة الخاطب مخطوبته؛ فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما يشفي بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم امرأة؛ فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل» فيشرع له أن ينظر إليها بدون خلوة قبل عقد النكاح إذا تيسر ذلك، فإن لم يتيسر بعث من يثق به من النساء للنظر إليها, ثم إخباره بخلْقِها وخُلُقها, وقد درج المسلمون على هذا في القرون الماضية, وما ضرهم ذلك بل حصل لهم من النظر إلى المخطوبة أو وصف الخاطبة لها ما يكفي، والنادر خلاف ذلك لا حكم له, والله المسئول أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم وسعادتهم في العاجل والآجل, وأن يحفظ عليهم دينهم, وأن يغلق عنهم أبواب الشر ويكفيهم مكايد الأعداء إنه جواد كريم.
وقال العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى في فتواه في حكم الدراسة الإختلاطية:
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
فامتثالاً لقول الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] ولقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43], نتوجه بهذا السؤال لفضيلة الشيخ/ يحيى بن علي الحجوري حفظه الله وهو كما يلي:
السؤال: ظهرت الآن في كثير من مناطق البلاد اليمنية، مدارس تسمى محو الأمية، يُدرسون فيها النساء، وغالبًا أن المدرسين يكونون رجالاً يدرسون نساءً شابات أو مراهقات أو نحو ذلك، فيحصل الاختلاط والنظر والله أعلم ماذا يحصل غيره الآن أو في المستقبل، ونحن في بلاد بني قيس -حاشد- نعاني من هذا جدًا، فنرجوا منكم يا فضيلة الشيخ أن تبينوا لنا الحكم الشرعي في هذا العمل، ومسئولية الآباء تجاه أبنائهم وبناتهم؟، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب وفقنا الله وإياكم لكل خير: إن هذه الدراسة الاختلاطية منكر من المنكرات التي لا فلاح لهذه الأمة إلا بإنكارها، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104].
وإنكار المنكر من صفات المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71].
ولقد لعن الله أمةً من بني إسرائيل على ترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:78-79].
فإنكار المنكر نجاة، وعدم ذلك مسخ وهلكة، قال تعالى عن أصحاب السبت: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [الأعراف:165-166]، وأخرج البخاري في «صحيحه» من حديث النعمان بن يشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها: كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا؛ ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نحوا ونجوا جميعًا»، فيجب إنكار هذه الدراسة الاختلاطية بين الرجال والنساء غير المحارم، لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب:53] وهذا الخطاب شامل لجميع المؤمنين، وفي «الصحيحين» من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفريت الحموا؟ قال: «الحموا الموت»، والحمو قريب الزوج وقد قيل عنه الموت فكيف بغيره؟!.
ولأن من منكرات الاختلاط نظر الرجال والنساء الأجانب بعضهم إلى بعض، وربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...﴾ الآية، [النور:31] ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب:59] وثبت في «صحيح مسلم» من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة ققال: «اصرف بصرك» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، ولأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» متفق عليه، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اطلع على بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه» وفي «الصحيحين» من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».
وإنما شرع النظر إلى المخطوبة لما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «فاذهب فانظر، فإن في أعين الأنصار شيئًا» وثبت في «مسند أحمد» من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطب أحدكم المرأة، فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».
ففي هذين الحديثين دلالة على أنه يشرع النظر إلى المخطوبة؛ لقصد الزواج بها، وأصحاب الاختلاط يمتعون أبصارهم الخائنة بإطلاق النظر فيما حرم الله بما لا مبرر له من الشرع.
ومن منكرات الاختلاط في المدارس وغيرها أنه تشبه ببني إسرائيل وهو أول فتنتهم فقد ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينضر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» وثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم».
الاختلاط فتح باب الفتنة، وألأضرار الدينية، والدنيوية، على الأمة بدليل ما في «الصحيحين» من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، وثبت عند أحمد في «المسند» من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان يكرهما ابن دم، يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل عند الحساب».
الدراسة الاختلاطية قد يحصل فيها مصافحة النساء الأجنبيات وهذا محرم، لما ثبت عند الطبراني وغيره من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» وفي «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد مرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام.
الإختلاط من أسباب فساد القلوب كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب:53] وإذا فسد القلب فسد الجسد كله، كما في «الصحيحين» من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب».
إختلاط النساء بالرجال فيه تعويدهن على قلة الحياء وقد كان النساء في عهد سلفنا الصالح رضي الله عنهم في غاية الحشمة والحياء، ثبت عند البخاري ومسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا ذهب الحياء ذهب الإيمان قال: عليه الصلاة والسلام «الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهم رفع الآخر» أخرجه الحاكم في «المستدرك» من حديث ابن عمر رضي الله عنه بسند صحيح.
الإختلاط يذهب الغيرة على المحارم، والغيرة على المحارم من صفات الله عزوجل، ومن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صفات المؤمنين، فقد أخرج البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: لو رأيت رجلًا مع مرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن...»، وفي «الصحيحين» واللفظ: لمسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله؛ أن يأتي المرأ ما حرم الله عليه»، وفي «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبدة، أو تزني أمته».
والإختلاط ذريعة للزنا فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه»، وإذا فشى الزنا حصل بالأمة أنواع البلايا؛ فقد ثبت عند أحمد والحاكم في «المستدرك» وللفظ: لأحمد، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تضهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا منعوا القطر من السماء، ولو لا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم».
والذي يرضى لابنه أو لابنته أو من يملك رعايته بالاختلاط يكون غاشًا له وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم:6]، وفي «الصحيحين» من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة»، وفي لفظ: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة»، فعلم بحمد الله من هذه الأدلة تحريم الدراسة الاختلاطية، وأنه لا يجوز لمسلم أن يدرّس فيها، ولا يدْرس ولا يُدرّس أبناءه، ولا بناته، ولا من يلي أمرهم فيها؛ صغارًا كانوا أو كبارًا، فإن ذلك ترويض على الفساد، ونشر لأفكار الكفار الداعين بأموالهم وانفسهم إلى إبعاد المسلمين عن دينهم الحق قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة:105]، وقال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء:89]، وقال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:120].
وكثير من المسلمين هداهم الله لو دخل الكفار جحر ضب لدخلوه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووالله إن عاقبة ذلك وخيمة، وأضراره جسيمة، فنسأل الله أن يوفق ولاة الأمور لإزالة هذا المنكر وغيره من المنكرات، وأن يدفع عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين كل فتنة، إنه على كل شيء قدير.
كتب هذه الفتوى أبو عبد الرحمن: يحيى بن علي الحجوري.
راجيًا من الله عزوجل أن ينفع بها المسلمين، ويأجره عليها يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، (10/شعبان/1423هـ).
وقد أفتت اللجنة الدائمة على تحريم الإختلاط في التعليم في فتوى رقم (6758) وما بعدها:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم من جمعية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت ، إلى سماحة الرئيس العام، والمحال إليها برقم 269 في 8 / 2 / 1404 هـ، ونصه:
نظرًا لما يعانيه طلبة وطالبات جامعة الكويت ، من قضية اختلاط الجنسين في الصف التعليمي الواحد، وأقصد بالاختلاط: اختلاط الرجل والمرأة مع بعضهم البعض، ومنهن النساء الكاسيات العاريات، والمتحجبات، وقد أفتى البعض بجواز التعليم المختلط مستدلًا باختلاط الرجال والنساء في حالة الطواف في الحج والعمرة، علمًا بأن الزنا قد تفشى بين الطلبة الغير ملتزمين بالإسلام باسم الحرية الشخصية، وقد كثرت رحلاتهم المختلطة التي يخلو فيها الطالب والطالبة فقط، وأصبحت الجامعة معرضا لأحدث الأزياء المعاصرة، والمكياج، وتسريحات الشعر، مع كثرة العزاب من الجنسين.
لذا نناشدكم بأن تفتونا في أسئلتنا، وتبينوا لنا الحق من الباطل، وترشدونا إلى الصواب، وأرجو أن تسهبوا لنا في الإجابة؛ حيث إنه سيطبع ويوزع على طلبة الجامعة. فالسؤال: 1- تبيان حرمة التعليم المختلط مع الأدلة والرد على من يزعم بالجواز مستدلًا بالطواف. 2- وعلى من يقع إثم اختلطنا في الجامعة؟ علماً بأننا ننكر ذلك دائمًا، ولو تركنا الجامعة لعاث فيها المفسدون إفسادً ا. 3- وهل تبيح محاولة اختصار المباني، وقلة التكلفة والمدرسين والمختبرات في الجامعة، إلى أن يبيحوا لنا الاختلاط للتوفير في أجهزة الجامعة ومدرسيها؟
وأجابت بما يلي:
أولًا: اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد، وانتهاك الحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي من أقوى الأدلة على تحريمه.
أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام فهو قياس مع الفارق، فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كن يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كن يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال, ونسأل الله أن يوفق المسئولين في الحكومات الإسلامية للقضاء على الاختلاط في التعليم، ويصلح أحوالهم، إنه سميع مجيب.
ثانيًا: تقع المسئولية على الحكام والعلماء إرشادًا وتنفيذًا، وعلى ولي أمر المرأة الخاص كذلك، كل بحسبه؛ لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها... » الحديث رواه البخاري ومسلم .
ثالثًا: لا يبيح القصد إلى توفير النفقات والأجهزة والمدرسين الاختلاط، فالتعليم واجب في حدود الاستطاعة، والتنسيق فيه قد يقضي على كثير من المشاكل، وتستر المرأة باللباس الشرعي يقضي على كثير من الفتن، ومن أراد الخير واتباع الشرع يسر الله طريقه، وهداه إلى سواء السبيل، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ إلى أن قال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
رد بعض الشبه التي ألقاها بعض الواقعين في المدارس والأعمال الإختلاطية والتشبه بالكفار
1) هذا بيت الله الحرام فيه اختلاط الرجال بالنساء؛ فلماذا تنكرون علينا في المدارس والأعمال وغيرها؟
الجواب: لو أنك طلبت العلم الشرعي لما تفوهت بمثل هذا الكلام؛ لأنك إذا كنت عالمًا بشريعة الله سبحانه وتعالى, لعلمت أن المرأة لا يجوز لها أن تحج بدون محرم, ثم إن النساء كانوا يحججن خلف الرجال, كما تقدم ذلك في «فتوى اللجنة الدائمة», وعلى هذا بطل قولك هذا, وأما ما ألقوه أهل الهوى من الشبه التي جاءت في اختلاط الرجال بالنساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها, وما هي منسوخة, ومنها ما هي ضعيفة.
2) إذا نحن لم ندرس في هذه المدارس الإختلاطية ما سيكون هناك أطباء ولا مهندسون ولا غير ذلك؟
الجواب: هذا كلام غير صحيح؛ لأنه لو أننا امتنعنا عن المدارس أو العمل في الإختلاط لوجدت مدارس وأعمال بدون اختلاط سواءً كانت للرجال أو النساء؛ فعلى هذا يكون من وقع في الإختلاط لا حُجة له؛ لأنها ليست مبنية على دليل, لا من كتاب ولا سنة, ولا على منهج سلف هذه الأمة.
3) إذا نحن امتنعنا من المدارس أو الأعمال الإختلاطية ما سيمتنع غيرنا؟
الجواب: إذا أنت امتنعت عن المدارس الإختلاطية قمت بما أوجب الله عليك وغيرك إذا لم يمتنع عن هذا الذنب عاصٍ لله سبحانه غير مطيع له سبحانه.
4) إذا لم أدرس كيف سأجد العمل؟
الجواب: قال الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6].
وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت: 60].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].
وقال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].
والأدلة على ذلك كثيرة وأسباب الرزق الحلال, كذلك كثير والله المستعان.
5) وإذا قلته له: إن المدارس الإختلاطية يحصل فيها نظر الرجال إلى النساء غير المحارم, ونظر النساء إلى الرجال غير المحارم قد يحصل من وراء ذلك الزنا والعياذ بالله, قال لك: أولادي مؤدبون شريفون, عفيفون, طاهرون, نظيفون, متقون ... إلى غير ذلك من التزكيات؟
الجواب: إن النساء فتنة, وهم أول فتنة بني إسرائيل, كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.
وإن الرجل ضعيف أمام هذا الجانب, كما قال تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].
قال بعض المفسرون: أي: لا يستطيع أن يتملك نفسه عن النساء, الشاهد من ذلك أن النساء فتنةً على الرجال, وكذلك الرجال فتنة على النساء؛ فإذا علمت أن هذه المدارس الإختلاطية سبب الفتنة؛ فاعلم أنك قد ألقيت بنفسك أو أولادك في الفتنة, والله عزوجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج: 10].
و«من دل على خير, كان له مثل أجر فاعله لا ينقص من أجره شيئًا, ومن دل على ضلالة كان له مثل إثم فاعله, لا ينقص من إثمه شيئًا».
6) الدين يسر وليس بعسر؟
الجواب: الدين يسر فيما يسره الله تعالى من الأمور الشرعية المباحة, وليس هذا بعذر شرعي حيث أننا نحل ما حرم الله تعالى على حساب أن الدين يسر؛ فأنت لست بأرحم من الله تعالى بعباده, فمن رحمة الله سبحانه وتعالى؛ أنه حرم الإختلاط لما يحصل فيه من فساد القلوب والأخلاق؛ فكم نسمع من أمور تحصل في هذه المدارس والأعمال الإختلاطية وغيرها.
ومنها: ما سمعنا في جامعة صنعاء عن ذلك السفاح الذي سفك دماء بنات المسلمين.
وكم يحصل في الإختلاط من جرائم الزنى, والحب, والغرام, والغزل, والعشق؛ فقد أخبرني أناس ممن يعملون في هذه الأماكن الإختلاطية وغيرها, قال أحدهم: مراتٍ عديدة نقبض على شباب وشابات في أماكن الخلوة التي في هذه الأعمال أو المدارس الإختلاطية, وهم في مقدمات الزنى من تقبيل وغيره.
وقال الآخر: أنه رأى شابًا وشابه خرجا من مكان خلوة وهم ينفضون التراب من على ملابسهم, ولم يشعروا به.
وكم من أمور غيرها, كخروج الشباب مع الشابات من فصل الدراسة: إلى البوفيات وغيرها, والعياذ بالله سبحانه وتعالى.
7) ألبس البنطال في العمل؛ لأني مضطرًل لذلك, وإلا فأنا كارهٌ له, وما بقي إلى بضع سنين وأتقاعد؟
الجواب: أنت لست مضطرًا لذلك؛ لأنك لن تموت إذا لم تعمل في هذا المجال, ولن يضيع أولادك؛ لأنه ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]؛ ولأن الله سبحانه وعد برزقك ورزق أولادك, كما قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].
ولكن لما سيطر حب الدنيا على قلبك, واتبعت هواك, أصبحت تبحث عن مخرج لك حتى تحافظ على مصدر ذلك المال؛ فوجدت فتوى لم تقم دليل ولا برهان لا من كتاب ولا سنة, ولا قول سلف هذه الأمة, وتغافلت عن الموت, وعن سكراته؛ فظننت أنك ستعيش حتى تكمل تلك السنين, وهذا لضعف إيمانك وقلة زادك؛ لأنك إذا تهاونت في هذا الأمر؛ فاعلم أنك ستتهاون في أمر غيره إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى.
واعلم أن الإنسان المخلص دينه لله سبحانه وتعالى منقادًا ومطيعًا لأوامره سبحانه ولو كان يريد من الدنيا ما يُريد والله المستعان.
8) إن أخي في مقام الأخ لزوجتي؛ لأن الله قد حرم عليه أن يتزوجها, وأنا زوجٌ لها, وكذلك حرم عليَّ أن أجمع بين الأختين؛ فعلى هذا أختها في مقام أخت لي؟
الجواب: إن الله سبحانه وتعالى حرم على أخيك أن يتزوج بزوجتك, وهي ما زالت زوجةً لك كما حرمها على غيره؛ فإذا مت أو طلقتها حلَّت له ولغيره, والذي حرم عليك أن تجمع بين الأختين هو الذي حرم عليك أن تدخل على أخت زوجتك؛ فلن تجد آية ولا حديث تجوز لك ذلك, بل إن الآيات والأحاديث حرمت دخولك عليها كما مر في حديث الدخول على النساء.
ثم إنك إذا طلقت زوجتك, أو ماتت جاز لك أن تتزوج بها؛ فعلى هذا هي ليست بمحرمٍ لك, والله المستعان.
9) والديَّ يضغطون عليَّ في الدراسة, وإذا لم أدرس سيغضبون مني, وقد يضربوني, وقد يخرجوني من المنزل؛ فأنا مضطرٌ أن أرضي والدي؟
الجواب: قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].
وقال تعالى مخبرًا عن قوله للمؤمنين: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51].
وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].
وكما أنه واجب عليك طاعة والديك بالمعروف, واجبٌ عليك أن لا تطيعهم في المعصية كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15].
وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: 8].
10) أولادي لا يزالون صغارًا ولا يعقلون, وإنما أدخلتهم المدرسة لكي يتعلموا القراءة والكتابة فقط وبعد ذلك سأخرجهم إن شاء الله تعالى؟
الجواب: إذا كان أولادك لا يعقلون كما تقول؛ فليس هنالك داعيٌ أن تدخلهم في الدراسة, لأنهم لا يعقلون الدراسة, وإن كانوا سيعقلون الدراسة وسيتعلمونها؛ فكذلك هم سيعقلون المنكرات وسيتعلمونها, وتحملت أنت إثم الغاش لرعيته, ورضيت لهم المنكر, وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (علموهم الخير).
وفعلك هذا ليس من الخير, وأولادك أمانة في عنقك, وستسأل عنهم يوم القيامة, ولا خلاص لك إلا بتأديبهم, وتربيتهم التربية الحسنة الشرعية, وترغيبهم في الخير, وتحذيرهم من الشر وأهله, وأماكنه ووسائله.
فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ, وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَّةً, فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ؛ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» متفق عليه.
والحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين.
كتبه: أبو عبدالرحمن محمد بن محمد الرقيبي العدني وفقه الله.
في دار الحديث بدماج حرسها الله من كل سوء ومكروه
في دار الحديث بدماج حرسها الله من كل سوء ومكروه
تعليق