إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح القواعد الأربع للأخ الفاضل الداعي إلى الله سمير بن بشير الجزائري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح القواعد الأربع للأخ الفاضل الداعي إلى الله سمير بن بشير الجزائري حفظه الله

    شرح القواعد الأربع
    لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب النجدي التميمي رحمه الله تعالى
    م 1115ه ت 1206ه
    كتبه:
    أبو عبدالرحمن سمير بن بشير البرايجي الجزائري
    تقديم
    فضيلة الشيخ محمد بن علي بن حزام
    الفضلي البعداني
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة الشيخ محمد بن علي بن حزام حفظه الله
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
    أما بعد:
    فقد أيد الله سبحانه وتعالى دينه بمجددين يجددون الدين والدعوة إلى التوحيد والسنة كلما ضعف واندرس ومن أولئكم المجددين شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب النجدي /, فقد ألف في بيان التوحيد والتحذير من الشرك رسائل عديدة, ومن تلكم الرسائل المفيدة ما أسماه بـ«القواعد الأربع» فقد ذكر فيها قواعد مفيدة مأخوذة من الأدلة الشرعية.
    وقد قام أخونا الفاضل الباحث الداعي إلى الله عزوجل أبو عبد الرحمن سمير ابن بشير الجزائري بشرحها والتعليق عليها فأفاد وأجاد, فجزاه الله خيرًا ونفع به وبكتاباته وثبتنا وإياه على دينه.
    كتبه
    أبو عبد الله محمد بن علي بن حزام
    الفضلي البعداني يوم الإثنين الموافق13/ذو القعدة/1432ه
    بدماج حرسها الله تعالى وسائر بلاد المسلمين
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة
    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه, كما يحبه ربنا ويرضى, وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى, وعلى آله وصحبه ومن بهداهم اقتفى.
    أما بعد:
    فلما كان التوحيد أعظم العلوم وأشرفها على الإطلاق, أنزل الله كتبه وأرسل رسله, لتبليغه وتبيينه, ودعوة الناس إليه.
    قال الله تعالى: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ? [الأنبياء: 25].
    وقال تعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ? [النحل: 36].
    ولهذا كان أول ما يقرع الرسل على آذان أقوامهم بأمرهم بالتوحيد, كما قال تعالى عن أول رسول أرسله إلى الأرض: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ? [الأعراف: 59].
    وهكذا أخبر الله عزوجل عن عدة من الرسل أنهم يقولون لقومهم: ? اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ? كما في سورة الأعراف.
    فمن ثمَّ اعتنى علماء أهل السنة والجماعة بالتوحيد, من تأليفٍ وتدريسٍ, وشروحٍ.
    وممن كان له العناية الفائقة بالتوحيد: العلامة المجدد شيخ الإسلام: محمد بن عبدالوهاب :.
    فقد صنف عدة كتب ورسائل, ومن تلك الرسائل: الرسالة التي بين أيدينا, وهي: ”القواعد الأربع“ فقد نفع الله بها نفعًا عظيمًا, مع صغر حجمها وكثرة طالبيها.
    فاستعنت بالله على شرحها, شرحًا متوسطًا من غير تطويلٍ مُملٍ ولا تقصيرٍ مخلٍ, مستفيدًا من أهل الشأن في ذلك.
    فأسأل الله عزوجل أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم, وأن لا يجعل فيها نصيبًا للشيطان, وأن ينفع بشرحها, كما نفع بأصلها, والحمد لله رب العالمين.
    كتبه:
    أبو عبدالرحمن سمير بن بشير البرايجي الجزائري
    متن القواعد الأربع
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مبارَكًا أينما كنت، وأن يجعلك ممّن إذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنّ هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
    اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم: أن تعبد الله مخلصًا له الدين كما قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِِ?[الذاريات:56]. فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك: معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بـالله الـذي قـال الله فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?[النساء:116], وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.
    القاعدة الأولى: أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله ص مُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام، والدليل قوله تعالى: ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ? [يونس:31].
    القاعدة الثانية: أنّهم يقولون: ما دعوناهم وتوجّهنا إليهم إلا لطلب القُرْبة والشفاعة، فدليل القُربة قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ? [الزمر:3].
    ودليل الشفاعة قوله تعالى: ?وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ? [يونس:18]، والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيّة وشفاعة مثبَتة:
    فالشفاعة المنفيّة ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله، والدليل: قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ? [البقرة:254].
    والشفاعة المثبَتة هي: التي تُطلب من الله، والشّافع مُكْرَمٌ بالشفاعة، والمشفوع له: من رضيَ اللهُ قوله وعمله بعد الإذن كما قال تعالى: ?مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ? [البقرة:255].
    القاعدة الثالثة: أنّ النبي ص ظهر على أُناسٍ متفرّقين في عباداتهم منهم مَن يعبُد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار، ومنهم مَن يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله ص ولم يفرِّق بينهم، والدليل قوله تعالى: ?وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه? [الأنفال: 39].
    ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ? [فصلت:37].
    ودليل الملائكة قوله تعالى: ?وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا? [آل عمران:80].
    ودليل الأنبياء قوله تعالى: ?وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ? [المائدة:116].
    ودليل الصالحين قوله تعالى: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ? [الإسراء:57].
    ودليل الأشجار و الأحجار قوله تعالى: ?أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى? [النجم:19-20].
    وحديث أبي واقدٍ الليثي ا قال: خرجنا مع النبي ص إلى حُنين ونحنُ حدثاء عهدٍ بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» الحديث.
    القاعدة الرابعة: أنّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأوّلين، لأنّ الأوّلين يُشركون في الرخـاء ويُخـلصون في الـشدّة، ومشركوا زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدّة. والدليل قوله تعالى: ?فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ? [العنكبوت:65].
    تمت وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال المؤلف ::
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مبارَكًا أينما كنت، وأن يجعلك ممّن إذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنّ هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
    الشرح:
    بدأ هذه الرسالة العظيمة, كما هي عادته بالدعاء للقارئ والمستمع والمتعلم, وهذا يدل على شفقته واهتمامه بطلابه وبأمر القارئ, وهذا أسلوب حسن وحكمة دعوية, يسلكها الداعي إلى الله عزوجل, قال الله عزوجل: ?ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? [النحل: 125].
    وقال تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ? [يوسف: 108].
    قوله : أسأل الله الكريم: سأل المؤلف : الله عزوجل؛ لأنه علم أنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
    قال الله عزوجل: ?وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ? [البقرة: 186].
    وقال تعالى: ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ? [غافر: 60].
    وقال تعالى: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ? [النمل: 62].
    والكريم: اسم من أسمائه , قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ? [الانفطار: 6], ومعنى الكريم: كثير الخير.
    قال ابن القيم : في ”التبيان في أقسام القرآن“ (ص140): فإن الكريم هو البهي الكثير الخير, العظيم النفع, وهو من كل شيء أحسنه وأفضله, والله سبحانه وصف نفسه بالكرم ....., وبالجملة؛ فالكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير بسهولة ويسر. اه المقصود.
    وقال ابن منظور في ”لسان العرب“ [مادة: كرم] (12/75): الكريم من صفات الله وأسمائه, وهو الكثير الخير, الجواد المعطي, الذي لا ينفذُ عطاؤه, وهو الكريم المطلق .... اه المقصود.
    فلأمرين اختار المؤلف الدعاء بهذه الكلمة: (الكريم):
    الأول: أن الكريم من أسماء الله عزوجل, ولهذا توسل به المؤلف, قال الله تعالى في كتابه الكريم: ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا? [الأعراف: 180]
    والتوسل بأسماء الله وصفاته من التوسل المشروع, كما دلت عليه الآية.
    الثاني: ما في معنى الكريم من الدلالة على كثرة الخير, والله أعلم.
    قوله : رب العرش العظيم:
    هذا مأخوذ من نص القرآن, قال الله عزوجل: ?وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ? [التوبة: 129].
    والعرش في اللغة: هو سرير المُلك, ومنه قول الله عزوجل: ?أَهَكَذَا عَرْشُكِ? [النمل: 42], وقوله كذلك: ?وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ? [يوسف: 100].
    انظر: ”غريب القرآن” لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني (ص335), و”الصحاح“ للجوهري (3/849) مادة: (عرش).
    والعرش أعظم وأوسع المخلوقات, وهو سقفها, ولهذا وصفه الله تعالى بالعظمة, ولهذا والله أعلم ضَّمَّنَهُ المؤلف في دعائه لربه عزوجل.
    قوله : أن يتولاك في الدنيا والآخرة:
    قال شيخ الإسلام :: والولاية: ضد العداوة, وأصل الولاية: المحبة والقرب, وأصل العداوة: البغض والبعد. اه من رسالة ” الفرقان “ ضمن ”مجموعة التوحيد“ (2/540).
    والولاية تنقسم إلى قسمين:
    القسم الأول: ولاية مطلقة, وهذه لله عزوجل, لا تصلح لغيره, كالسيادة المطلقة.
    وولاية الله نوعان:
    النوع الأول: عامة، وهي الشاملة لكل أحد، قال الله تعالى: ?ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ? [الأنعام: 62]، فجعل له ولاية على هؤلاء المفترين، وهذه ولاية عامة.
    النوع الثاني: خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ? [محمد: 11]، وهذه ولاية خاصة، ومـقتضى السياق أن يقال: وليس مولى الكافرين، لكن قال : ?لَا مَوْلَى لَهُمْ?، أي: لا هو مولى للكافرين, ولا أولياؤهم الذين يتخذونهم آلهة من دون الله موالي لهم؛ لأنهم يوم القيامة يتبرءون منهم.
    القسم الثاني: ولاية مقيدة مضافة، فهذه تكون لغير الله، ولها في اللغة معان كثيرة، منها: الناصر المتولي للأمور، والسيد، والعتيق.
    قال تعالى: ?وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ? [التحريم: 4] ...... اه راجع: ”القول المفيد على كتاب التوحيد“ (3/126 وما بعد) للشيخ العثيمين :.
    والولي في اللغة: القريب.
    قال شيخ الإسلام : في رسالته ”الفرقان“ (2/540) ضمن مجموعة التوحيد: والولي: القريب, يقال: هذا يلي هذا, أي: يقرب منه, ومنه قوله ص: «ألحقوا الفرائض بأهلها, فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» أي: لأقرب رجل إلى الميت. اه, وانظر: ”فتح القدير“ عند تفسير الآية رقم (62-63) من سورة يونس.
    وقال الزجاجي في ”اشتقاق أسماء الله“ (ص113): الولي في كلام العرب على ضروب عشرة, مخرجها كلها من قولهم: (هذا الشيء يلي هذا الشيء) وأوليت الشيء: إذا جعلته يليه لا حاجز بينهما ....., فالله عزوجل ولي المؤمنين, أي: ناصرهم ومصلح شؤونهم, والمثني عليهم. اه باختصار.
    والولي في الشرع: هو المؤمن التقي, قال الله عزوجل: ?أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ? [يونس:62، 63]. انظر ”الفتاوى“ لشيخ الإسلام : (11/22).
    مسألة:
    قال الزجاجي في ”اشتقاق أسماء الله“ (ص114): فإن قال قائل: فقد أنعم الله عزوجل على الكافرين, كما أنعم على المؤمنين, أفيجوز أن تقول: الله ولي الكافرين؟
    ثم أجاب عليه بما حاصله: أن للولي عدة معان, وأن المؤمنين لما أنعم الله عليهم, قابلوا إنعامه بالشكر والإقرار والطاعة والتوحيد, ولهذا جاز أن يقال في حقهم: ولي المؤمنين, وأما الكفار فلم يقروا بنعمة الله وجحدوها, فلا يجوز أن يقال: الله ولي الكافرين, وكذلك أن الله منع إطلاق ذلك للكفار في القرآن.قال الله عزوجل: ?اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ? [البقرة: 257]. اه بتصرف.
    فالمؤلف : دعا للقارئ أن يتولاه الله في دنياه وآخرته؛ لأنه إذا تولاك الله في الدنيا والآخرة, فقد فزت فوزًا عظيمًا, لأن الله يتولى المؤمنين والصالحين, ويخرجهم من الظلمات إلى النور, كما قال الله عزوجل: ?اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ? [البقرة: 257], وقال جل في علاه: ?إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ? [الأعراف: 196].
    وبين الله عزوجل في كتابه: أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وبشرهم في الدنيا والآخرة.
    قال الله تعالى: ?أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُـوا وَكَانُـوا يَـتَّـقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ? [يونس: 62-64].
    قوله: أن يجعلك مباركًا أينما كنت:
    البركة مأخوذة من برك, وتطلق في اللغة على معنيين:
    أحدها: ثبوت الخير ولزومه.
    قال أحمد بن فارس في ”معجم مقاييس اللغة“ مادة [برك] (1/327): برك: الباء والراء والكاف أصل واحد, وهو ثبات الشيء ....., يقال: برك البعير يبرك بروكًا. اه
    وقال الراغب الأصفهاني في ”المفردات“ (ص119): والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء.
    وقال ابن القيم : في ”جلاء الأفهام“ (ص347) ط/دار علم الفوائد: وحقيقتها: الثبوت واللزوم والاستقرار, فمنه برك البعير: إذا استقر على الأرض, ومنه المبرك: لموضع البروك .... اه
    الثاني: كثرة الخير ودوامه, أو تقول: الزيادة والنماء.
    قال ابن القيم : في ”بدائع الفوائد“ (2/681): وحقيقة اللفظة: أن البركة كثرة الخير ودوامه, ولا أحد أحق بذلك وصفًا وفعلاً منه تبارك وتعالى. اه
    راجع: ”الصحاح“ للجوهري (4/1294), و”معجم مقاييس اللغة“ لابن فارس (1/330), و”لسان العرب“ لابن منظور (1/386) [مادة: برك], و”تفسير القرطبي“ (7/233) ولابن القيم : بحثًا جيدًا في ”جلاء الأفهام“ (347 وما بعد).
    قال أبو السعادات في ”النهاية“ [مادة: برك]: حديث الصلاة على النبي ص: «وبارك على محمد وعلى آله محمد» أي: أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة, وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه, وتطلق البركة أيضًا على الزيادة, والأصل الأول. اه
    فعلى هذا فلا منافاة بين المعنيين, فـتكـون الـبركة معناها: ثبوت الشيء وكثرة الخير فيه, ودوامه على صاحبه, ولهذا المعنى والله أعلم دعى المؤلف : به للقارئ لأنه إذا جعلك الله مباركًا, فقد فزت فوزًا عظيمًا, لأن البركة تكون في المال والإيمان والتوحيد, وفي العلم, وفي السنة, وفي الثبات على الدين, وغير ذلك, وتكون في الأمكنة والأزمنة وهي صفة ذاتية فعلية له, كما قال ابن القيم : في ”جلاء الأفهام“ (351) ط/ دار علم الفوائد ...., فتباركه سبحانه صفة ذات له, وصفة فعل .....
    فائدة:
    قال ابن القيم : في ”بدائع الفوائد“ (2/680) ط/دار عالم الفوائد: وأما صيغة تبارك فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه بقوله: ?تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ? [الأعراف: 54], ?تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ? [الملك: 1], ?فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ? [المؤمنون: 14], ?وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ? [الزخرف: 85], ?تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ? [الفرقان: 1], ?تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ? [الفرقان: 10], ?تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا? [الفرقان: 61] أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه مختصة به, لا تطلق على غيره, وجاءت على بناء السعة والمبالغة كتعالى وتعاظم ونحوه .... اه
    قلت: ورد لفظة (تبارك) في القرآن في تسعة مواضع, ذكر ابن القيم : منها سبعة, وبقي اثنان, وهما قوله تعالى: ?اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ? [غافر: 64], وقوله تعالى: ?تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ? [الرحمن: 78].
    قوله : وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر, وإذا ابتلي صبر, وإذا أذنب استغفر, فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
    أخذ المؤلف : هذه الجملة من كلام العلامة ابن القيم : في مقدمة كتابه الحافل:” الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب “ , ولهذا ننقل شرح هذه الجملة من كلام ابن القيم رحمه الله؛ فإنه : شرحها شرحًا طيبًا مفيدًا.
    قال ابن القيم ::
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الله سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة أن يتولاكم في الدنيا والآخرة، وأن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يجعلكم ممن إذا أنعم الله عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر؛ فإن هذه الأمور الثلاثة وهي عنوان سعادة العبد، وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، ولا ينفك عبد عنها أبداً.
    فإن العبد دائمًا يتقلب بين هذه الأطباق الثلاث:
    الأول: نعم من الله تعالى تترادف عليه، فقيدها (الشكر) .
    وهو مبني على ثلاثة أركان :
    الاعتراف بها باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها, فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها.
    الثاني: محن من الله تعالى يبتليه بها.
    ففرضه فيها (الصبر) والتسليم, والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحو ذلك.
    فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة ، فإذا قام بها العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوباً.
    فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء، كما عليه عبودية في السراء, وله عليه عبودية فيما يكره, كما له عليه عبودية فيما يحب, وأكثر الخلق يعطون العبودية في المكاره, فبه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى . . .
    فإذا أراد الله بعبده خيراً فتح له باب من أبواب (التوبة) والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به سبب رحمته، حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أوقعه.
    ..... فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وظلمها وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده.
    فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين، لا يمكنه أن يسير إلا بهما، فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه . . . اه باختصار.
    وفي هذه الجملة التي ذكرها المؤلف رحمه الله تبعًا لابن القيم رحمه الله الجمع بين الخوف والرجاء, وفيهما أيضًا ردٌ على عدة فرق مخالفة للكتاب والسنة, وفهم السلف الصالح.
    قال الله تعالى جامعًا بين الخوف والرجاء: ?إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ? [الانفطار: 13، 14].
    وقال تعالى: ?إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ? [الأعراف: 167].
    وقال تعالى: ?أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا? [الإسراء: 57] وغيرها من الآيات.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ” مدارج السالكين “ (1/517): القلب في سيره إلى الله عزوجل بمنزلة الطائر, فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه, فمتى سلم الرأس والجناحان, فهو عرضة لكل صائد وكاسر. اه
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا قال بعض السلف: من عبدالله بالحب وحده فهو زنديق, ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري, ومن عبده بالرجاء وحده, فهو مرجيء, ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد. اه من ” مجموع الفتاوى “ (15/21) و(11/390-391).
    قال المؤلف :: اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين، كما قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات: 56].
    الشرح:
    هذا دعاء عظيم من المؤلف رحمه الله للقارئ الذي يحب أن يستفيد من هذا العلم.
    قوله: اعلم, هذه كلمة يؤتى بها لتنبيه القارئ على الأمر المهم الذي ينبغي الانصات له.
    قوله : أرشدك الله لطاعته.
    الرُّشْدُ والرَّشَدُ في اللغة: خلاف الغيِّ قال الله تعالى: ? لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ? قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ? فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى? لَا انْفِصَامَ لَهَا ? وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ?[البقرة: 256].
    وفي الشرع: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم. اهـ
    قاله الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير سورة الجن الآية رقم (2).
    وقال القرطبي : في تفسير سورة الحجرات الآية رقم (7) (16/314): والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تَصَلُّبٍ فيه, من الرَّشاد وهي الصخرة. اه
    والطاعة في اللغة: الانقياد ضد الكُره قال الله تعالى: ? ثُمَّ اسْتَوَى? إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ?[فصلت: 11]. انظر: ” مفردات الفرآن “ و ” لسان العرب “ و ” القموس المحيط “ و ” مختار الصحاح “ مادة [طوع].
    وفي الشرع: هي امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه.
    قوله : أن الحنيفية ملة إبراهيم:
    إبراهيم هو: خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام, قال الله تعالى: ?وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا? [النساء: 125].
    والخلة هي: كمال المحبة, وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة. قاله ابن القيم : في ” جلاء الأفهام “ (313).
    وكذلك سماه الله: إمامًا وأمةً, وقانتًا, وحنيفًا, وهو أول من يكسى يوم القيامة, كما جاء في ” الصحيحين “ عن ابن عباس, وأثنى الله عليه في مواضع كثيرة في القرآن الكريم.
    قال القرطبي : في تفسير سورة البقرة, الآية رقم: (135): وسمي إبراهيم حنيفًا, لأنه حنف إلى دين الله وهو الإسلام.
    والحَنَفُ: الميل, ومنه رِجْلٌ حنفاء, ورَجُلٌ أحْنَفُ, وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها ..... اه وهذا من حيث اللغة.
    والحنيف في الشرع: ما ذكره العلامة ابن القيم : في ” جلاء الأفهام “ (ص305-306) فقال: والحنيف: المقبل على الله تعالى, المعرض عما سواه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: والحنيف المستقيم إلى ربه, دون ما سواه. اهـ من ” الفتاوى “ (5/239).
    والملة هي: الدين والشريعة.انظر:” مختار الصحاح “ (341) مادة (ملل).
    قوله : أن تعبد الله مخلصًا له الدين:
    هذه هي الحنيفية الحقيقية أن تعبدالله وحده بإخلاص له, وتبتعد عن الشرك بشتى أنواعه, والذرائع التي تؤدي إليه وتبتعد أيضًا عن أهله.
    والإخلاص في اللغة: ضد الرياء وهو التنقية والتصفية.
    وفي الشرع: هو عبادة الله وحده وإرادة وجهه.
    قوله : كما قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات: 56]:
    ثم استدل المؤلف : بهذه الآية على أن ملة إبراهيم عبادة الله وحده بإخلاص, وهذه آية عظيمة بين الله عزوجل فيها الحكمة في خلق الخلق, وأنه ما خلقهم إلا لعبادته وحده لا شريك له, لكن منهم من عبدالله, ومنهم من عصاه, لأن هذه حكمة شرعية أمرنا بها, فقد تقع وقد لا تقع ولو كانت حكمة قدرية كان لا بد أن تقع.
    وهذه الآية تشبه قوله تعالى:?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ? [النساء: 64] ثم قد يطاع وقد يعصى, وكذلك ما خلقهم إلا للعبادة, ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون. انظر: “الفتاوى” لشيخ الإسلام (8/51-53-56).
    قال ابن كثير : في تفسير هذه الآية: ومعنى الآية: أنه خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له, فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء, ومن عصاه عذبه أشد العذاب, وأخبر أنه غير محتاج إليهم, بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم, فهو خالقهم ورازقهم. اه
    والعبادة في اللغة هي: الخضوع والتذلل مع المحبة.
    قال العلامة ابن القيم : في “نونيته” (ص70) ط/دار ابن الجوزي:
    وعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبـِّهِ مَعَ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَـــــانِ
    وعَليْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دَائِرٌ مَا دَاَرَ حَتَّى قَامِتِ القُطْبَــانِ
    وَمَدَارُهُ بِالْأَمْرِ أَمْرُ رَسُوْلِه لا بِالْهَوَى والنَّفْسِ والشَّيْطَانِ
    وقال : في ” مدارج السالكين “ (1/74): و(العبادة) تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع, والعرب تقول: طريق معبد, أي: مذلل, والتعبد: التذلل والخضوع, فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له, لم تكن عابدًا له, ومن خضعت له بلا محبة, لم تكن عابدًا له, حتى تكون محبًا خاضعًا. اهـ
    وأحسن تعريف للعبادة في الشرع: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية :: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه, من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. اه من”مجموع الفتاوى “ (10/149).
    قال المؤلف :: فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته، فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة؛ فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة.
    الشرح:
    قوله : فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته:
    عرفنا هذا من الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله سابقًا, وهي قوله تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات: 56].
    قوله : فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد:
    تعرفنا على العبادة فيما سبق, فلنتعرف هنا على التوحيد الذي لا تسمى العبادةَ عبادةً ولا تصح إلا به.
    التوحيد في اللغة: مصدر وحدَّ يوحد توحيدًا أي: نسبة إليه الوحدانية.
    وفي الشرع: هو إفراد الله عزوجل بالربوبية والألوهية, والأسماء والصفات.
    أو تقول: هو إفراد الله عزوجل بما يختص به .
    وينقسم توحيد الله عزوجل إلى ثلاثة أقسام:
    1)توحيد الربوبية, وهو: إفراد الله عزوجل بالخلق والملك والتدبير, أو تقول: هو إفراد الله عزوجل بأفعاله.
    2)توحيد الألوهية, وهو: إفراد الله عزوجل بالعبادة, أو تقول: هو إفراد الله عزوجل بأفعال العباد.
    3)توحيد الأسماء والصفات, وهو: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو ما أثبته له نبيه في سنته, ونفي ما نفاه عنه من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل.
    أو تقول باعتبار آخر: أن التوحيد ينقسم إلى قسمين :
    1)توحيد المرسِل, وهو الله.
    2)توحيد المُرسَل وهو الرسول.
    فتوحيد الله عزوجل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1)توحيد الربوبية.
    2)توحيد الألوهية.
    3)توحيد الأسماء والصفات.
    وتوحيد الرسول قسمٌ واحدٌ, وهو: اتباع النبي ق.
    فائدة:
    جمعت أقسام توحيد الله الثلاثة في قول الله عزوجل: ?رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا? [مريم: 65].
    ومعنى قول المؤلف :: أن العبادة لا تسمى عبادة؛ إلا مع التوحيد.
    أي: لا تسمى عبادة صحيحة يقبلها الله ويرضاها, إلا مع التوحيد.
    فيشترط لقبول العبادة شرطين لا تصح العبادة إلا بهما:
    الأول: الإخلاص لله, بأن لا يشرك معه غيره.
    الثاني: المتابعة لرسول الله ق.
    والأدلة على هذين الشرطين كثيرة, منها قوله تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ? [البينة: 5].
    وقوله تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ? [الأنعام: 162، 163].
    وقوله تعالى: ?أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ? [الزمر: 3].
    وقوله تعالى: ?قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [آل عمران: 31].
    وقوله تعالى: ?وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ? [الحشر: 7].
    وقوله تعالى: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ? [النور: 63].
    وحديث أبي هريرة ا, أنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ق: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ, لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ, أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» أخرجه البخاري في “صحيحه” رقم (99).
    وحديث أبي هريرة ا, أن رسول الله ق قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» أخرجه البخاري في صحيحه برقم (7280).
    وحديث أم المؤمنين عائشة ك قالت: قال رسول الله ق: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». أخرجه البخاري في “صحيحه ”برقم (2697), ومسلم في “صحيحه” برقم (1718).
    وفي رواية لمسلم برقم (1718) وعلقها البخاري في صحيحه قبل حديث رقم (7350): «من عمل عملاً ليس علىه أمرنا فهو رد». وغيرها من الأدلة.
    ومعنى أنه رد: أي مردود على صاحبه.
    فعلم من هذا أن العبادة لا تسمى عبادة صحيحه إلا إذا توفر فيها الشرطان المتقدمان.
    ثم مَثَّلَ بمثال على أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد.
    فقال :: كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة:
    أي: لا تسمى صلاة صحيحة وحقيقية إلى إذا توفرت فيها الشروط التي منها الطهارة, كما قال النبي ق: «لا تقبل صلاة بغير طهور, ولا صدقة من غلول». أخرجه مسلم في “صحيحه” برقم (224) عن ابن عمر ب.
    قوله :: فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة:
    أولاً: نتعرف على الشرك وأقسامه وتعاريفه.
    الشرك في اللغة: يدل على المقارنة وخلاف الإنفراد.
    ويطلق كذلك على:
    1)المداخلة.2) المخالطة.3) المشاركة.
    4) الإلتباس.5) النصيب.6) التسوية.
    انظر: “مفردات ألفاظ القرآن” للراغب الأصفهاني (451), و“معجم مقاييس اللغة” (3/265), و“المعجم الوسيط” (480), و“لسان العرب” (7/99), و“الصحاح” (4/1307).
    وفي الشرع هو: تسوية غير الله بالله, فيما هو من خصائص الله.
    “حاشية كتاب التوحيد” لعبدالرحمن بن قاسم النجدي (ص15), “التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية” للرشيد (ص122).
    وينقسم إلى قسمين: شرك أكبر, وشرك أصغر, وكل منهما ينقسم إلى جلي وخفي.
    وتفصيل ذلك كالتالي:
    1) الشرك الأكبر:
    تعريفه: هو الذي لا يغفره الله عزوجل إلا بالتوبة منه, وهو أن يتخذ من دون الله ندًا, سواء في الربوبية, أو الألوهية, أو الأسماء والصفات. نحوه في ” المدارج “ (1/450).
    قال العلامة العثيمين : كما في “مجموع فتاواه” (2/202): الشرك الأكبر: وهو كل شرك أطلقه الشارع, وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه.
    فمثال الشرك الأكبر الجلي (أي: الظاهر): دعاء الأموات, وعبادة الأوثان, والأصنام وغيره.
    ومثال الشرك الأكبر الخفي (أي: الباطن) وهو الذي يكون في القلوب, كشرك المنافقين وريائهم.
    قال الله عزوجل: ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا? [النساء: 142].
    2)الشرك الأصغر:
    تعريفه: هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر, ووسيلة للوقوع فيه, وجاء في النصوص تسميته شركًا. اهـ من ” فتاوى اللجنة الدائمة “ (1/748).
    وبنحو هذا عرفه الشيخ السعدي في ” القول السديد “ (ص32), والشيخ العثيمين كما في ” فتاواه “ (2/203).
    وكما تقدم أنه ينقسم إلى جلي وخفي.
    فمثال الشرك الأصغر الجلي (أي: الظاهر): الحلف بغير الله, كالحلف بالأنبياء, والأمانة, والكعبة, وكلبس الحلقة والخيط وغيرها من الأعمال والأقوال.
    ومثال الشرك الأصغر الخفي (أي: الباطن): كيسير الرياء, والتصنع للخلق, كالذي يقوم يرائي في صلاته أو صدقته, أو في قرائته للقرآن, لقصد أن يمدحه الناس على ذلك, وغير ذلك من الأقوال والأعمال.
    فائدة:
    الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر:
    1)أن الشرك الأكبر لا يغفر الله لصاحبه إذا مات عليه ولم يتب, لقوله تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا? [النساء: 48], أما الشرك الأصغر فهو تحت مشيئة الله, وقيل: لا يغفره الله, ولكن يعذب العبد على قدره, ثم مآله إلى الجنة, والأول أقرب والله أعلم.
    2)أن الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال, لقوله تعالى: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا? [الفرقان: 23].
    وقوله تعالى: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [الزمر: 65].
    وقوله تعالى: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الأنعام: 88].
    وأما الشرك الأصغر, فلا يحبط إلا العمل الذي قارنه.
    3) أن الشرك الأكبر مخرج من الملة الإسلامية, لقوله تعالى: ?تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ? [الشعراء: 97، 98].
    وأما الشرك الأصغر, فلا يخرج من الملة الإسلامية, وهو أكبر من الكبائر بالإجماع .
    4)أن الشرك الأكبر صاحبه خالد مخلد في النار, وإذا مات عليه لقوله تعالى: ?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ? [المائدة: 72], وأما الشرك الأصغر فلا يخلد صاحبه في النار وإن دخل النار فمآله للجنة.
    5)أن الشرك الأكبر صاحبه حلال الدم والمال, لقوله تعالى: ?فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ? [التوبة: 5]
    ولقول النبي ق: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم, إلا بحق الإسلام, وحسابهم على الله». أخرجه البخاري برقم (25), واللفظ له, ومسلم رقم (22) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
    بخلاف الشرك الأصغر, فلا يحل دم ومال صاحبه. انظر: ” التنبيهات السنية “ للرشيد (123), و ” عقيدة التوحيد “ للفوزان (ص92-99).
    بعد ما عرفنا الشرك, نرجع إلى كلام المصنف رحمه الله تعالى.
    فقوله: فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة:
    نعم إذا دخل الشرك في العبادة؛ فإنها تفسد ولا تصح, ولا يقبلها الله عزوجل؛ لأنه لم تتوفر فيها الشروط .
    ثم ضرب : مثالاً على ذلك, فقال: كالحدث إذا دخل في الطهارة.
    فنعم إذا دخل الحدث في الطهارة فسدت, وهذا لا يشك فيه أحد له عقل سليم.
    وقد دل على هذا قول النبي ق: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». أخرجه البخاري برقم (6954), ومسلم برقم (225) واللفظ للبخاري.
    قال المؤلف :: فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل, وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، وهي الشرك بالله، الذي قال الله تعالى فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?, وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.
    الشرح:
    قوله :: فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل, وصار صاحبه من الخالدين في النار:
    نعم هذا الذي ذكره المؤلف : أدلته كثيرة من الكتاب والسنة.
    قال الله عزوجل: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا? [الفرقان: 23].
    وقال تعالى: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [الزمر: 65].
    وقال تعالى: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الأنعام: 88].
    وقال تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا? [النساء: 48].
    وقال تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا? [النساء: 116].
    وقال تعالى: ?إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ? [المائدة: 72] وغيرها من الآيات.
    وفي ”صحيح مسلم“ رقم (93) عن جابر بن عبدالله ب قال: أتى النبي ق رجل, فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة, ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار».
    وفي ”صحيح البخاري“ رقم (1238), و ” مسلم “ رقم (92) عن عبدالله بن مسعود ا أنه قال: قال رسول الله ق: «من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار».
    وفي لفظ للبخاري رقم (4497) عنه ا: «من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار». وغيرها من الأحاديث.
    قوله :: عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك :
    لأن الإنسان إذا عرف الشيء وعرف أنه خطر عليه, وأنه سبب لإحباط عمله, وسبب في الدخول إلى النار والخلود فيها, ابتعد عنه وحَذِرَهُ وحذَّر منه.
    قوله :: لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة :
    أي: ينجيك, والشبكة مأخوذة من الشَّبك.
    قال ابن منظور في ”لسان العرب“ (7/20) مادة شبك: والشبك: الخلط والتداخل, ومنه تشبيك الأصابع. اهـ
    قوله :: وهي الشرك بالله: هذا بيان للشبكة التي يجب على كل إنسان أن يحذر منها , ويدعوا الله أن يجنبه إياها, ولهذا قال الخليل عليه السلام: ?وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ? [إبراهيم: 35].
    قوله :: الذي قال الله تعالى فيه: ?إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ?:
    هذا بيان من المؤلف : لمدى خطورة هذه الشبكة التي هي الشـرك بالله عزوجل, وأنه لا يغفره الله تعالى.
    قال ابن جرير الطبري : في تأويل هذه الآية: وقد أبانت هذه الآية, أن كل صاحب كبيرة, ففي مشيئة الله, إن شاء عفا عنه ذنبه, وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركًا بالله تبارك وتعالى. اه
    فتبين لنا مدى خطر الشرك بالله, وأنه لا يغفره الهء إلا بتوبة صادقة, وإقلاع تامٍ وأنه أعظم ذنب عصي الله به, وأن صاحبه خالدٌ مخلدٌ في النار والعياذ بالله, فلهذا يجب علينا أن نعرف هذا الشرك معرفة تامة, سواءً الشرك الأكبر أو الأصغر, أو الخفي, ونعرف الأسباب التي تكون ذريعة للوقوع فيه كي نجتنبها, ونبتعد عنها, ونُحَذِّرُ الناس من شرها.
    قوله :: وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه:
    نبه المؤلف : أن هذه المعرفة للشرك تكون بأربعة قواعد, ذكرها الله في كتابه الذي هو القرآن الكريم, ولم يأتي بها المؤلف رحمه الله من لدن نفسه, وإنما هي من قرآنٍ كريمٍ محفوظٍ.
    قال الله تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9].
    والقواعد لغة: جمع قاعدة, والقاعدة أصل الأُسِّ, والقواعد: الأِسَاسُ, وقواعد البيت إِسَاسُهُ, وفي التنزيل: ?وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ? [البقرة: 127], وفيه: ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ? [النحل: 26] ....
    وقواعد الهودج: خشبات أربع معترضة في أسفله تركب عيدان الهودج فيها. اهـ
    من ” لسان العرب “ (11/239) مادة (قعد).
    قال المؤلف ::
    القاعدة الأولى: أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله ص مُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام، والدليل قوله تعالى: ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ? [يونس:31].
    ? الشرح:
    ? قوله :: أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله ص يُقِرُّون بأنّ الله تعالى هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام:
    اشتملت هذه القاعدة العظيمة الجليلة المفيدة المهمَّة على أمرين وهما:
    1)أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله ص, مقرون بأن الله هو الخالق المدبر.
    2)أن هذا الإقرار لم يدخلهم في الإسلام.
    فنبدأ بتوضيح الأمر الأول, ويتضح لنا بأمور:
    الأمرالأول: الأدلة من القرآن على أن الكفار مقرون بأن الله هو الخالق المدبر, وبعض أقوال العلماء في ذلك, وأدلة هذا كثيرة جدًا في القرآن.
    منها الآية التي ساقها المؤلف : وهي قوله تعالى: ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ? [يونس: 31].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ? [الزخرف: 87].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ? [الزخرف: 9].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ? [لقمان: 25].
    ومنها قوله تعالى: ?قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ? [المؤمنون: 84 - 89].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ? [العنكبوت: 61].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ? [العنكبوت: 63].
    ومنها قوله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ? [الزمر: 38].
    أقوال بعض الأئمة الأعلام في هذا:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كما في ”الفتاوى“ (11/50-51): فإن التوحيد الواجب أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا ولا نجعل له ندا في إلهيته لا شريكا ولا شفيعا. فأما " توحيد الربوبية " وهو الإقرار بأنه خالق كل شيء فهذا قد أقر به المشركون الذين قال الله فيهم: ?وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ? [يوسف: 106]قال ابن عباس: تسألهم من خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله وهم يعبدون غيره ....
    فالكفار المشركون مقرون أن الله خالق السموات والأرض وليس في جميع الكفار من جعل لله شريكا مساويا له في ذاته وصفاته وأفعاله هذا لم يقله أحد قط لا من المجوس الثنوية ولا من أهل التثليث ولا من الصابئة المشركين الذين يعبدون الكواكب والملائكة ولا من عباد الأنبياء والصالحين ولا عباد التماثيل والقبور وغيرهم؛ فإن جميع هؤلاء وإن كانوا كفارا مشركين متنوعين في الشرك فهم مقرون بالرب الحق الذي ليس له مثل في ذاته وصفاته وجميع أفعاله. اهـ باختصار.
    وقال :: وأما الربوبية, فكانوا مقرين بها, قال الله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ? [لقمان: 25], وقال: ?قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ? إلى قوله: ?فَأَنَّى تُسْحَرُونَ؟? وما اعتقد أحد منهم قط أن الأصنام هي التي تنزل الغيث, وترزق العالم وتدبره .... اهـ من ” مجموع الفتاوى “ (1/91).
    وقال :: .... وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم, وإنما نازعوا في بعض تفاصيله, كنزاع المجوس والثنوية والطبيعية والقدرية, وأمثالهم من ضلال المتفلسفة, والمعتزلة, ومن يدخل فيهم. اهـ من” مجموع الفتاوى “ (14/14-15).
    قال ابن أبي العز : في ”شرح الطحاوية“ (ص86) ط/الرسالة: وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ، كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَهُوَ الْغَايَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْكَلَامِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى نَقِيضِهِ طَائِفَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، بَلِ الْقُلُوبُ مَفْطُورَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَعْظَمَ مِنْ كَوْنِهَا مَفْطُورَةً عَلَى الْإِقْرَارِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، كَمَا قَالَتِ الرُّسُلُ فِيمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: ?قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ? [سورة إِبْرَاهِيمَ: 10]. اهـ
    وقال رحمه الله تعالى: وَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ مَعْلُومَ الِامْتِنَاعِ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، بِاعْتِبَارِ إِثْبَاتِ خَالِقَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنَّ ثَمَّ خَالِقًا خَلَقَ بَعْضَ الْعَالَمِ، كَمَا يَقُولُهُ الثَّنَوِيَّةُ فِي الظُّلْمَةِ، وَكَمَا يَقُولُهُ الْقَدَرِيَّةُ فِي أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ، وَكَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَهُ الدَّهْرِيَّةُ فِي حَرَكَةِ الْأَفْلَاكِ أَوْ حَرَكَاتِ النُّفُوسِ، أَوِ الْأَجْسَامِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ أُمُورًا مُحْدَثَةً بِدُونِ إِحْدَاثِ اللَّهِ إِيَّاهَا، فَهُمْ مُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ قَدْ يَظُنُّ فِي آلِهَتِهِ شَيْئًا مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضُرٍّ، بِدُونِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ ذَلِكَ. اهـ من ” شرح الطحاوية “ (ص93).
    قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه النفيس: ”تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد“ (ص49-50):
    الأصل الرابع: أنَّ المشركين الذين بعث اللهُ الرسولَ إليهم مقرُّون أنَّ الله خالقُهم ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله? [الزخرف: 87] ، وأنَّه هو الذي خلق السموات والأرض ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ? [الزخرف: 9]، وأنَّه الرزَّاق الذي يُخرج الحيَّ من الميِّت ويُخرج الميِّتَ من الحي، وأنَّه الذي يُدبِّرُ الأمرَ من السماء إلى الأرض، وأنَّه الذي يَملك السمعَ والأبصار والأفئدة ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ? [يونس: 31]، ?قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ? [المؤمنون: 84 - 89]؟
    إلى أن قال: وكلُّ مشرك مُقر بأنَّ الله خالقُه وخالق السموات والأرض وربُّهن وربُّ ما فيهنَّ ورازقُهم، ولهذا احتجَّ عليهم الرسل بقولهم: ?أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ? [النحل: 17]، وبقولهم: ?إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ? [الحج: 73]، والمشركون مقرُّون بذلك لا ينكرونه. اهـ بتصرف.
    الأمر الثاني: أن توحيدالربوبية يستلزم توحيد الألوهية وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية:
    قال أبو العباس ابن تيمية : كما في ”مجموع الفتاوى“ (2/37): فإثبات الألوهية يوجب إثبات الربوبية, ونفي الربوبية يوجب نفي الألوهية, إذ الإلهية هي الغاية, وهي مستلزمة للبداية, كاستلزام العلة الفائية للفاعلية. اهـ
    وقال :: ....... والرسل دعوا الخلق إلى توحيد الإلهية, وذلك متضمن لتوحيد الربوبية .... اهـ من”درء تعارض العقل والنقل“ (9/344).
    قال ابن أبي العز : في ”شرح الطحاوية“ (ص94): وَتَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ مُتَضَمِّنٌ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ دُونَ الْعَكْسِ. فَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ يَكُونُ عَاجِزًا، وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. قَالَ تَعَالَى: ?أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ? [الأعراف: 191]، وَقَالَ تَعَالَى: ?أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ? [النحل: 17].
    ومعنى قولنا: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية.
    أنه إذا اعتقد وأقر أن الله هو المتفرد بالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والرزق وغيرها من أمور الربوبية.
    أنه يلزمه أن يفرده بالعبادة مثل: الصلاة والدعاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية وغيرها من أنواع العبادة, ولا يجوز صرف شيءٍ منها لغير الله عزوجل, وإلا كان كاذبًا بدعواه الإقرار بالربوبية.
    ومعنى قولنا: وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية.
    أنه إذا أفرد شخصٌ الله عزوجل بالعبادة, مثل: الصلاة والدعاء والتوكل والرغبة والرهبة وغيرها من أنواع العبادة.
    تضمن هذا أنه يعترف أن الله هو المتفرد بالخلق والملك والتدبير والإحياء والإماتة, وغيرها من أفعال الله عزوجل, لأنه لا يعبد أحدًا, ويفرده بالعبادة إلا وهو يعتقد أنه هو الذي له القدرة على النفع والضر وإلا كانت عبادته له لغوًا, لأن العاجز والناقص الذي لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعًا أو يدفع عن نفسه ضرًا, لا يستحق أن يفرد بالعبادة.
    الأمر الثالث: أن المشركين مع اعترافهم بتوحيد الربوبية فقد وقع منهم بعض الشركيات فيه:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ::... فإن هذا التوحيد (أي: الربوبية) الذي هو عندهم الغاية, قد كان مشركو العرب يقرون به, كما أخبر الله عنهم, ولكن كثير من الطوائف قَصَّرَ فيه, مع إثباته لأصله, كالقدرية الذين يخرجون أفعال الحيوان عن قدرة الله ومشيئته وخلقه, ولازم قولهم حدوث محدثات كثيرة بلا محدث. اهـ من”در تعارض العقل والنقل“ (9/345-346).
    وقد سبق كلام ابن أبي العز في الأمر الثاني, أنه قد وقع بعض المشركين في الشرك بالربوبية؛ فجدد به العهد فإنه مهم.
    ودليله حديث زيد بن خالد الجهني ا قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ص صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» أخرجه البخاري رقم (846), ومسلم رقم (71) واللفظ له.
    فمن اعتقد منهم: أن هذا نسبة إيجاد, أي: أن هذا النوء هو الفاعل بنفسه دون الله, وهو الذي ينزل المطر ويوجده, فهذا شركٌ أكبر في الربوبية, وكفر.
    ومن اعتقد منهم أن هذا سبب وتعلق به, مع اعتقاده أن الله هو الخالق الفاعل, فهذا شرك أصغر في الربوبية, لأن القاعدة تقول: كل من أثبت لله سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا ولا قدريًا, فقد أشرك بالله. أي: الشرك الأصغر.
    وكذلك مما حصل فيه الشرك في الربوبية, من المشركين المتقدمين والمتأخرين: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه.
    وهذا بحسب اعتقاد الشخص؛ فإن اعتقد أن هذه الحلقة أو الخيط هو الفاعل بنفسه دون الله, وأنه هو الذي يرفع البلاء أو يدفعه, فهذا شرك أكبر في الربوبية؛ لأنه جعل خالقًا آخر مع الله, وإن اعتقد أن الله هو الخالق الفاعل الذي يرفع البلاء ويدفعه, وأن هذه الحلقة أو الخيط سبب, فهذا شرك أصغر في الربوبية للقاعدة المتقدمة:
    كل من أثبت لله سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا ولا قدريًا, فقد أشرك, وأمثلة هذا كثيرة مما حصل من المجوسية والثنوية والدهرية والفلاسفة والقدرية في أفعال الحيوان ...! فبعضهم يجحده على سبيل التعطيل, مثل ما حصل من فرعون وبعضهم على سبيل التشريك, مثل ما حصل من المجوسية الثنوية.
    فائدة:
    أشهر من عرف تجاهله لتوحيد الربوبية: فرعون عليه لعنة الله, مع استيقانه بها في الباطن.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ”درء تعارض العقل والنقل“ (8/38-39): وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقناً في الباطن، كما قال له موسى عليه السلام: ?لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ? [الإسراء: 102].
    وقال تعالى عنه وعن قومه: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ? [النمل: 14].
    ولهذا قال: ?وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ? [الشعراء: 23] على وجه الانكار له, قال له موسى: ?رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ? [الشعراء: 24 - 28].
    وقال الصنعاني :: وهذا فرعون مع غلوه في كفره ودعواه أقبح دعوى, ونطقه بالكلمة الشنعاء, يقول الله في حقه حاكيًا عن موسى عليه السلام: ?لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ? [الإسراء: 102]. اهـ من
    ” تطهير الاعتقاد “ (ص49).
    وقال الشنقيطي : في ”تفسيره“ (2/482) تفسير سورة يونس الآية رقم (31): أما تجاهل فرعون لعنه الله لربوبيته جل وعلا في قوله: ?قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ? [الشعراء: 23] فإنه تجاهل عارف؛ لأنه عبد مربوب, كما دلت عليه, وذكر الآيتين اللتين سبقتا. اهـ, وكذلك انظر: ” تفسيره “ (3/410).
    توضيح الأمر الثاني: وهو أن هذا الإقرار بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام.
    فنعم هذا التوحيد الذي أقر به المشركون, لم يدخلهم في الإسلام لأنهم أشركوا بالله في توحيد العبادة الذي هو لازم توحيد الربوبية, وأقسام التوحيد متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض.
    قال الشيخ سليمان بن عبدالله ::
    وهذا التوحيد (أي: الربوبية) لا يكفي العبد في حصول الإسلام, بل لا بد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الألوهية ...., فهم كانوا يعلمون أن جميع ذلك لله وحده لا شريك له, ولم يكونوا بذلك مسلمين, بل قال تعالى: ?وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ? [يوسف: 106]. اه بتصرف واختصار من ” تيسير العزيز الحميد “ (1/141) ت/أسامة.
    وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : في ”أضواء البيان“ (2/482) بعد أن ذكر بعض الآيات الدالة على إقرارهم بتوحيد الربوبية: والآيات المذكورة صريحة في أن الاعتراف بربوبيته جل وعلا, لا يكفي في الدخول في دين الإسلام إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله نفيًا وإثباتًا. اه
    وإقرارهم هذا لم ينفعهم, بل قاتلهم النبي ص واستحل دمائهم وأموالهم, وسبى نسائهم وذراريهم.
    لأن هذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله كما قال تعالى: ?وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ? [يوسف: 106].
    قال الصنعاني : في ”تطهير الاعتقاد“ (ص57): إذا تـقرر عنـدك أن المشركين لم ينفعهم الإقرار بالله تعالى, مع إشراكهم في العبادة, ولا يغني عنهم من الله شيئًا. اه
    بل هذا الإقرار بتوحيد الربوبية من الحجة عليهم.
    قال شيخ الإسلام : كما في ”الفتاوى“ (1/23): فأما توحيد الربوبية الذي أقر به الخلق, وقرره أهل الكلام, فلا يكفي وحده, بل هو من الحجة عليهم. اه
    وانظر كذلك: ” دعوة التوحيد “ ص44 للعلامة الهراس : .?
    قال المؤلف ::
    القاعدة الثانية: أنّهم يقولون: ما دعوناهم وتوجّهنا إليهم إلا لطلب القُرْبة والشفاعة، فدليل القُربة قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ?[الزمر:3].
    ودليل الشـفـاعـة قـوله تعالى: ?وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ? [يونس:18]، والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفيّة وشفاعة مثبَتة:
    فالشفاعة المنفيّة ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله، والدليل: قوله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ? [البقرة:254].
    والشفاعة المثبَتة هي: التي تُطلب من الله، والشّافع مُكْرَمٌ بالشفاعة، والمشفوع له: من رضيَ اللهُ قوله وعمله بعد الإذن كما قال تعالى: ?مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ? [البقرة:255].
    الشرح:
    قوله :: ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة:
    أي: أن الكفار يزعمون أنهم ما عبدوا الأصنام وغيرها, إلا لطلب القربة والتذلل عندهم, أي: كي يقربونهم إلى الله تعالى, وهذه شبهة منهم وهي شبهة باطلة, فإن كل مشرك ما يعبد, ويدعو معبودًا إلا وهو يعتقد فيه شيئًا من النفع, كما قال ابن القيم : في ”مدارج السالكين“ (1/343): فالمشرك إنما يتخذ معبدوه لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع. اهـ
    قوله :: فدليل القربة قوله تعالى: ?وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ?[الزمر:3]:
    قال العماد ابن كثير : في تفسير هذه الآية:
    ثـم أخـبر تعالى عن عُبّاد الأصنام من المشركين أنهم يقولون: ?مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى? أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدنيا، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به .....
    ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تمـلكه وما مـلـك ". وهذه الشبـهة هي التي اعتمدهـا المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ? [النحل:36], ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ? [الأنبياء:25] ... اه
    فيستفاد من الآية التي ذكرها المؤلف أمور:
    1)إقرار المشركين بأنهم يعبدون الأصنام, لقوله: ?مَا نَعْبُدُهُمْ?.
    2)أنهم يقولون: ما عبدنا الأصنام إلا لطلب القربة والتزلف, وهذه شبهة باطلة.
    3)أنهم معترفون بالله, وأنه أفضل من أصنامهم, وإنما اتخذوهم للقربى كما يزعمون.
    4)أن بين المشركين وأوليائهم نزاعٌ وخصومة يوم القيامة.
    5)أن الحكم لله وحده يوم القيامة.
    6)أن من كان كاذبًا كفَّارًا؛ فإن الله لا يوفقه للهداية , لقوله: ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ? [الزمر:3].
    7)بيان أنهم كاذبون, وكفار بدعواهم أنهم ما عبدوا أصنامهم إلا لطلب القربى والتزلف, كما دل عليه قوله تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ? [الزمر:3].
    انظر: ”التفسير الثمين“ للعلامة العثيمين : عند تفسير الآية التي ذكرها المؤلف (12/257 وما بعد).
    قوله :: ودليل الشفاعة قوله تعالى: ?وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ? [يونس:18]:
    قال ابن كثير : في تفسير هذه الآية: ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتُها عند الله، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئًا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدا؛ ولهذا قال تعالى: ?قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ?.
    وقال ابن جرير: معناه أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؟ ثم نزه نفسه عن شركهم وكفرهم، فقال: ?سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ?. اه
    وتعريف الشفاعة في اللغة: هي مشتـقـة مـن شفـع يشفع شفاعة, إذا جعل الشيء اثنين, والشفع ضد الوتر, لأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع.
    وفي الشرع: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم, وقيل: هي سؤال الخير للغير.
    قوله :: والشفاعة شفاعتان: شفاعة منفية, وشفاعة مثبتة ..... إلخ:
    وتنقسم الشفاعة في القرآن إلى قسمين:
    1) شفاعة مثبتة.
    2) شفاعة منفية.
    فالشفاعة المثبتة هي: التي تطلب من الله, ولا تقبل إلا بأربعة شروط:
    الأول: قدرة الشافع على الشفاعة, كما قال الله تعالى في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشفاعة ?وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ? [يونس: 18].
    وقال تعالى: ?وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ? [الزخرف: 86] وغيرها من الآيات.
    الثاني: إسلام المشفوع له, قال الله تعالى: ?مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ? [غافر: 18].
    والمراد بالظالمين هنا: الكافرون, كما بينه المـفـسـرون, ويستـثنى من المشركين: أبو طالب عم النبي ص؛ فإن النبي ص يشفع له حتى يصير في ضحضاح من النار.
    كما في ”الصحيحين“ عن العباس بن عبدالمطلب, أنه قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء, فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «نعم, هو في ضحضاح من نار, ولولا أنا, لكان في الدرك الأسفل من النار» أخرجه البخاري برقم (6208), ومسلم برقم (209).
    الثالث: إذن الله للشافع, كما قال تعالى: ?مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ? [البقرة: 255].
    الرابع: الرضـا عـن المـشفـوع لـه, كما قال تعالى: ?وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى? [الأنبياء: 28].
    وقال تعالى: ?وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى? [النجم: 26].
    انظر: ”كتاب الشفاعة“ (23-25) للعلامة الوادعي :.
    والشفاعة المنفية: هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
    كما قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ? [البقرة: 254].
    وقال تعالى: ?وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ? [البقرة: 48].
    وقال تعالى: ?فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ? [الشعراء : 100 - 102] وغيرها من الآيات.
    وتنقسم الشفاعة المثبتة إلى قسمين رئيسيين:
    1)شفاعة خاصة بالنبي ص.
    2)شفاعة عامة للنبي ص ولغيره.
    فالشفاعة الخاصة أنواع:
    1- الشفاعة العظمى في أهل الموقف حتى يقضي الله بينهم, وهذا يكون بعد أن يتأخر علنها أولو العزم عليهم الصلاة والسلام, وهذه الشفاعة لم ينكرها أحد حتى المعتزلةُ والأشاعرةُ.
    والأحاديث فيها متواترة.
    منها: حديث أبي هريرة وأنس ب في ”الصحيحين“ بطوله.
    2- شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة, وهذا يدل عليه قول الله تعالى: ?حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا? [الزمر: 73].
    فقوله: ?وَفُتِحَتْ? دليل على أنهم يجدونها مغلقة حتى يشفع النبي ص في فتح الأبواب كي يدخلونها, بخلاف ما قال في أهل النار ? حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا? [الزمر: 71].
    وحديث أنس ا في ”صحيح مسلم“ برقم (196) قال: قال رسول الله ص: «أنا أول الناس يشفع في الجنة, وأنا أكثر الأنبياء تبعًا».
    وفي لفظ آخر له: «أنا أول شفيع في الجنة, لم يصدق نبي من الأنبياء, ما صدقت, وإن من الأنبياء نبيًا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد».
    3- شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب, وهذا مستثنى من قوله تعالى: ?فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ? [المدثر: 48] ومنهم من قال: معنى الآية لا تنفعهم في إخراجهم من النار, أما التخفيف فتنفع, والأول أقرب, ودل على هذا كذلك حديث العباس بن عبدالمطلب في ”الصحيحين“ أنه قال: يا رسول الله, هل نفعت أبا طالب بشيء؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «نعم, هو في ضحضاح من نار, ولولا أنا, لكان في الدرك الأسفل من النار» .
    والشفاعة العامة أنواع:
    1) الشفاعة في رفع درجات المؤمنين وزيادة ثوابهم.
    وهذه لم ينكرها أحد, ووافقت على هذه المعتزلة والأشاعرة.
    ويدل عليها دعاء النبي ص لأبي سلمة: «اللهم اغفر لأبي سلمة, وارفع درجته في المهديين الحديث» أخرجه مسلم برقم (920) من حديث أم سلمة ك.
    2) الشفاعة فيمن دخل النار من عصاة أهل التوحيد أن يخرج منها.
    والأحاديث في هذا متواترة عن النبي ص, وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة, وبدعوا من أنكرها وصاحوا به من كل جانب, ونادوا عليه بالضلال وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم على جهلهم .
    3) الشفاعة فيمن يستحق النار من العصاة من أمته ? ألَّا يدخلوها, ويستدل لهذا بحديث ابن عباس ب في «صحيح مسلم» برقم (948) «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه»?
    قال المؤلف ::
    القاعدة الثالثة: أنّ النبي ص ظهر على أُناسٍ متفرّقين في عباداتهم, منهم مَن يعبُد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار، ومنهم مَن يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول الله ص ولم يفرِّق بينهم، والدليل قوله تعالى: ? {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ? [الأنفال: 39].
    ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ?[فصلت:37].
    ودليل الملائكة قوله تعالى: ?وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا? [آل عمران:80].
    ودليل الأنبياء قوله تعالى: ?وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ? [المائدة:116].
    ودليل الصالحين قوله تعالى: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ? [الإسراء:57].
    ودليل الأحجار والأشجار قوله تعالى: ?أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى? [النجم:19-20].
    وحديث أبي واقدٍ الليثي ا قال: خرجنا مع النبي ص إلى حُنين ونحنُ حـدثـاء عـهدٍ بكـفـر، ولـلمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله إجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» الحديث.
    الشرح:
    قوله :: أنّ النبي ص ظهر على أُناسٍ متفرّقين في عباداتهم, منهم مَن يعبُد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأحجار والأشجار، ومنهم مَن يعبد الشمس والقمر:
    قال العلامة الفوزان حفظه الله تعالى في ”شرح القواعد الأربع“ (ص25) ضمن سلسلة شرح الرسائل: وهذا من قبح الـشرك أن أصحـابـه لا يجتمعون على شيء واحد، بخلاف الموحّدين فإن معبودهم واحد -سبحانه وتعالى-: ?ءأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ*مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا? [يوسف: 39-40]، فمن سـلبـيّات الشرك وأباطيله: أن أهله متفرقون في عباداتهم لا يجمعهم ضابط لأنهم لا يسيرون على أصل، وإنما يسيرون على أهوائهم ودعايات المضللين، فتكثر تفرقاتهم: ?ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ? [الزمر: 29]، فالذي يعبد الله وحده مثل المملوك الذي يُعَبِّدُهُ شخص واحد يرتاح معه، يعرف مقاصده ويعرف مطالبه ويرتاح معه، لكن المشرك مثل الذي له عدة مالكين، ما يدري من يُرضي منهم، كل واحد له هوى، وكل واحد له طلب، وكل واحد له رغبة، كل واحد يريده أن يأتي عنده، ولهذا قال سبحانه: ?ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ? يعني: يملكه عِدَّة أشخاص، لا يدري من يرضي منهم، ?وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ? مالكه شخص واحد، هذا يرتاح معه، هذا مثل ضربه الله للمشرك وللموحد. اه
    قوله :: وقاتلهم رسول الله ص ولم يفرِّق بينهم، والدليل قوله تعالى: ?وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ? [الأنفال: 39].
    نعم قاتلهم رسول الله ص وأباح دماءهم, ولم يفرق بين أحد منهم, سواء عبد صنمًا أو شجرًا أو حجرًا أو وليًا أو صالحًا أو ملكًا؛ لأنهم صرفوا العبادة لغير الله والله عزوجل يقول في كتابه الكريم: ?وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا? [الجن: 18].
    ويقول تعالى: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ? [المؤمنون: 117].
    وقال تعالى: ?وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ? [الأنفال: 39].
    فالله عزوجل أمرنا بقتالهم كلهم من غير تفريق بينهم, وكذلك النبي ص لم يفرق بينهم, وقاتلهم وأباح دمائهم, وإنما هي أسماء تغيرت فقط, يجمعها علة واحدة, وهي: صرف العبادة لغير الله.
    قال ابن جرير الطبري : في تأويل الآية التي استدل بها المؤلف: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك, ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له, فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة, ?وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ?يقول: وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره. اه
    قوله :: ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ?[فصلت:37]:
    استدل المؤلف : بهذه الآية على أنه كان موجود في زمن النبي ص من كان يعبد الشمس والقمر من الكفار, وكذلك يدل عليه قول النبي ص في النهي عن الصلاة حين تطلع الشمس: «فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان, وحينئذ يسجد لها الكفار» الحديث أخرجه مسلم برقم (832) من حديث عمرو بن عبسة السُّلمي ا.
    وكذلك مما يدل على أنهم كانوا يسجدون للشمس قوله تعالى: ?وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ? [النمل: 24].
    قوله :: ودليل الملائكة قوله تعالى: ?وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا? [آل عمران:80].
    وهذه الآية فيها دليل لما استدل له المؤلف أن هناك من يعبد الملائكة.
    قال أبو عبدالله القرطبي في تفسير هذه الآية: وهذا موجود في النصارى, يعظمون الأنبياء والملائكة حتى يجعلوهم لهم أربابًا. اه
    وقال أبو الفداء إسماعيل بن كثير : في تفسير هذه الآية: أي: ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله, لا نبي مرسل, ولا ملك مقرب. اه
    فائدة:
    الملائكة: عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء, وإنما هم عابدون لله ليلاً ونهارًا, كما قال تعالى: ? وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ? [الأنبياء: 19، 20] وهم لا يعصون الله ما أمرهم, كما قال تعالى: ?لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ? [التحريم: 6].
    وعددهم كثير ولهم وظائف يقومون بها وأعمال مختلفة.
    فمنهم: الموكل بالوحي؛ كجبريل.
    ومنهم: الموكل بالقطر والنبات؛ كميكائيل.
    ومنهم: الموكل بالنفخ في الصور؛ كإسرافيل إلى غير ذلك.
    ومنهم: من عرف صفته, ومنهم من عرف اسمه, ومنهم من عرف عمله, ومنهم من لم نعرفهم, فيجب علينا الإيمان بوجودهم.
    قوله :: ودليل الأنبياء قوله تعالى: ?وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ? [المائدة:116]:
    النبي: هو الذي يبعثه الله لتقرير شرع من قبله.
    ففي هذه الآية دلالة واضحة لما استدل له المؤلف من أن هناك من كان يعبد الأنبياء.
    لأن هذا الخطاب من الله عزوجل لعيسى عليه السلام يكون يوم القيامة, والاستفهام في قوله: ?أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ? للتوبيخ والتقريع على الذين اتخذوا عيسى وأمه إلهين.
    قال ابن كثير : في تفسير هذه الآية: هذا أيضًا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم، علـيه السـلام، قـائـلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله: ?يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ?؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد .... اه المقصود, وانظر كذلك: ”الجامع لأحكام القرآن“ للقرطبي : عند تفسير الآية.
    قوله :: ودليل الصالحين قوله تعالى: ?أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا? [الإسراء:57].
    الصالح: ضد الفاسد, وهو القائم بحقوق الله, وحقوق عباده. انظر: ”مجموع الفتاوى“ (7/56-57) لشيخ الإسلام ابن تيمية :.
    سبب نزول الآية:
    أخرج الإمام مسلم في ”صحيحه“ رقم (3030) عن عبدالله بن مسعود ا, أنه قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرًا من الجن؛ فأسلم النفر من الجن, واستمسك الإنس بعبادتهم, فنزلت: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ?.
    وله من طريق أخرى, فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون, فنزلت: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ?.
    وأصله في البخاري برقم (4714) وليس فيه التصريح بالنزول.
    انظر: ”الصحيح المسند من أسباب النزول“ (ص147) للعلامة الوادعي رحمه الله تعالى.
    ومن السلف من قال: أنها نزلت فيمن يعبد المسيح وأمه والعزير والملائكة, ولكن هذا لم يثبت فيه نص.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : في الكلام على قوله تعالى: ?قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ? [الإسراء: 56] الآيتين: لما ذكر أن من السلف من ذكر أنهم من الملائكة, ومنهم من ذكر أنهم من الإنس؛ ومنهم من ذكر أنهم من الجن, لفظ السلف يذكرون جنس المراد من الآية على التمثيل, كما يقول الترجمان لمن سأله عن الخبز, فيريه رغيفًا, والآية هنا قصد بها التعميم, لكل ما يدعى من دون الله, فكل من دعا ميتًا أو غائبًا من الأنبياء والصالحين, سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية, كما تتناول من دعا الملائكة والجن ..... اه
    انظر: ”مجموع الفتاوى“ (15/226)و”التفسير الكبير“ (5/178) و ”الاستغاثة في الرد على البكري“ (293) ط/دار المنهاج.
    وقال : كذلك في هذه الآية بعد أن ذكر أقوال السلف في تفسيرها: وهذه الأقوال كلها حق, فإن الآية تعم كل من كان معبوده عابدًا, سواء من الملائكة أو من الجن أو من البشر .... اه من”الاستغاثة“ (291) ط/دار المنهاج.
    فبهذا تبين لنا وجه استدلال المؤلف : بهذه الآية أن هناك من كان يعبد الصالحين, وبالله التوفيق.
    ومعنى الوسيلة في الآية: ?يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ? [الإسراء: 57] هي: القربة, أي: يتقربون إلى الله تعالى بفعل الطاعات, والابتعاد عن المحظورات.
    الـوسيـلة هي مـن التـوسـل, معناها في الـلغة: القربة والواسطة, والوصول إلى الشيء والغاية المقصودة.
    قال ابن الأثير في ”النهاية“: مادة (وسل) هي في الأصـل: مـا يتـوصـل به الشيء ويتقرب به, وجمعها: وسائل, يقال: وسل إليه وسيلَة وتوَسَّل, والمراد به القرب من الله تعالى. اه بتصرف يسير.
    وقال الراغب الأصفهاني في ”مفردات ألفاظ القرآن“ (ص871): الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة وهي أخص من الوصيلة؛ لتضمنها لمعنى الرغبة. قال تعالى: ?وَابْتَغُوا إِلْيهِ الوَسِيلةُ? [المائدة:35] وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والوَاسلُ: الراغب إلى الله تعالى. اه
    هذا هو معنى الوسيلة.
    أما أهل الزيغ والشبه, فسروا الوسيلة بأن تجعل بينك وبين الله واسطة من الخلق من الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم.
    ونرد عليهم من وجهين:
    1) أن هذا الذي فسرتم به لم يفسر به أحد من المفسرين, ولا أحد من أهل اللغة.
    2) أن الوسائط تنقسم إلى قسمين:
    منها: ما يكون حقًا ومن أنكرها كفر, ومنها: ما يكون باطلًا, من أثبتها كفر.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : في القسم الأول: وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين, واليهود, والنصارى؛ فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره, قال تعالى: ? اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ? [الحج: 75] ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل . . .
    فهذه الوسائط تطاع وتتبع ويقتدى بها, كما قال تعالى: ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ? [النساء: 64] وقال تعالى: ?مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ? [النساء: 80] .... اه بتصرف من”مجموع الفتاوى“ (1/122-123).
    وقال : في القسم الثاني: وإن أراد بالواسطة: أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار, مثل: أن يكـون واسـطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم, يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه؛ فهـذا مـن أعظـم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين, حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء, يجتلبون بهم المنافع ويدفعون بهم المضار . اه من ”مجموع الفتاوى“ (1/123).
    وقال :: فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم, ويتوكل عليهم, ويسألهم جلب المنافع, ودفع المضار مثل: أن يسألهم غفران الذنب, وهداية القلوب, وتفريج الكروب, وسد الفاقات, فهو كافر بإجماع المسلمين. اه من ”مجموع الفتاوى“ (1/124).
    وقال المؤلف : في ”نواقض الإسلام“: من جعل بينه وبين الله وسائط, يدعوهم ويسألهم الشفاعة, ويتوكل عليهم, كفر إجماعًا. اهـ
    قوله :: ودليل الأحجار والأشجار قوله تعالى: ?أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى? [النجم:19-20].
    يتبين لنا وجه استدلال المؤلف : بهذه الآية بشرحها.
    قال أبو الفداء إسماعيل بن كثير : في تفسير هذه الآية: يقول تعالى مقرِّعًا للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان، واتخاذهم البيوت لها مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن عليه السلام ?أفرأيتم اللات? وكانت "اللات" صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيت بالطائف، له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. اهـ
    قلت: هذا معنى (اللاتَ) بتخفيف التاء وهي قراءة الجمهور .
    وقرأ غيرهم: (اللاتَّ) بتشديد التاء.
    ومعناه: ما أخرجه البخاري في ” صحيحه “ برقم (4859) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ اللآتُ رَجُلاً يَلتُ سَوِيقَ الحَاجِّ.
    وكذلك أخرجه ابن جرير : في ”تفسيره“ عن مجاهد: قال كان يَلتُّ السَّويقَ لهم, فمات, فعكفوا على قبره فعبدوه, وهو صحيح.
    قال ابن كثير : في ”تفسيره“: وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب, فهدماها وجعلا مكانها مسجد الطائف. اه
    وأما العزى, فهي كما قال ابن كثير : في ”تفسيره“: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة, وهي بين مكة والطائف, كانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا عزى, ولا عزَّى لكم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم . اهـ
    قلت: أرسل لها النبي ص خالد بن الوليد ا, فهدمها وأزالها وقتل السدنة التي كانت عليها.
    كما في حديث أبي الطفيل ا, قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى فأتاها خالد بن الوليد وكانت على تلال السمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى النبي فأخبره فقال: ارجع فإنك لم تصنع [شيئا] فرجع خالد فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه يا عزى عوريه وإلا فموتي برغم! قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره قال: «تلك العزى». أخرجه النسائي في ”الكبرى“ برقم (11547), وأبو يعلى في ” مسنده “ رقم (902) بإسناد صحيح, وهو في ”الصحيح المسند“ للعلامة الوادعي برقم (535).
    وأما مناة فهي: صَنَمٌ بين مكَّةَِ والمدينة, كانت بالمُشلَّلِ من قديد, كما في البخاري رقم (4861) عن عائشة ك.
    قال ابن كثير : في ”تفسيره“: وأما مناة فكانت بالمُشلَّلِ عند قُديد, بين مكة والمدينة, وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها, ويهلون منها للحج إلى الكعبة, وروى البخاري عن عائشة نحوه. اه
    وقال : كذلك في ”تفسيره“ نقلاً عن ابن إسحاق: فبعث رسول الله ص أبا سفيان صخر بن حرب, فهدمها. ويقال: علي بن أبي طالب. اه
    تنبيه مهم: قال ابن كثير : في ”تفسيره“: وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أُخَر تعظمها العرب, كتعظيم الكعبة, غير هذه الثلاثة التي نص عليها (الله) في كتابه العزيز, وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها. اهـ
    قوله :: وحديث أبي واقدٍ الليثي ا قال: خرجنا مع النبي ص إلى حُنين ونحنُ حدثاء عهدٍ بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط الحديث .
    وتكملته: فقال رسول الله ص: «اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ?اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ? [الأعراف: 138] ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
    والشاهد من الحديث: استدلال المؤلف : هو قوله: «وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم».
    ففي هذا دلالة واضحة على أنهم كانوا يعبدون الأشجار, ويعظمونها ويتبركون بها ويقيمون عندها, لأن العكوف هو: المكوث.
    قال ابن الأثير : في ” النهاية “ مادة (نوط): اجعل لنا ذات أنواط هي: اسم شجرة بعينها كانت للمشركين, ينوطون بها سلاحهم, أي: يعلقونه بها, ويعكفون حولها, فسألوه أن يجعل لهم مثلها, فنهاهم عن ذلك, وأنواط: جمع نوط وهو مصدر سمِّي به المَنُوط. اهـ
    وفي هذا الحديث فوائد كثيرة:
    1) أن المشركين كانوا يعبدون الأشجار ويعظمونها ويعكفون عندها, ويتبركون بها, ولأجل هذا أورد المؤلف الحديث.
    2) أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه, لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة, لقوله: ونحن حدثاءعهد بكفر.
    3) أن هذا علم من أعلام النبوة, لكونه وقع كما أخبر.
    4) النهي عن التشبه بأهل الجاهلية.
    5) التكبير عند التعجب.
    6) الغضب عند التعليم.
    7) إنكار المنكر ولو بالشدة.
    8) سد الذرائع الموصلة إلى الشرك.
    9) أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة, لقوله: لتركبن سنن من كان قبلكم.
    10) أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء.
    11) أنه قد يخفى على أهل الفضل بعض الشركيات.
    12) أن الإنسان يقول أو يفعل أمرًا يظنه حسنًا, وهو مخالف.
    13) أن الإنسان قد يقع في الشرك بسبب الجهل.
    14) الحث على تعلم العقيدة الصحيحة, ومعرفة ما يضادها من الشرك والبدع والخرافات, حتى يكون الإنسان على حذرٍ منها.
    15) أن العبادات توقيفية.
    16) أدب الصحابة مع رسول الله ص, لأنهم لم يفعلوا شيئًا حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    17) بطلان التبرك بالأشجار ومثله الأحجار, وأنه من الشرك.
    18) جواز الحلف من غير استحلاف.
    19) بيان خطورة الجهل وآفاته المضرة.
    20) أن التبرك بالأشجار والأحجار يجعلها آلهة, وإن لم يسموها آلهة.
    انظر: ”مسائل كتاب التوحيد“ و”فتح المجيد“ و”القول المفيد“ و”إعانة المستفيد“ عند شرح (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما).?
    قال المؤلف ::
    القاعدة الرابعة: أنّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأوّلين، لأنّ الأوّلين يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدّة، ومشركوا زماننا شركهم دائمٌ؛ في الرخاء والشدّة. والدليل قوله تعالى: ?فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ? [العنكبوت:65].
    تمت وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
    الشرح:
    قوله :: أنّ مشركي زماننا أغلظ شركًا من الأوّلين، لأنّ الأوّلين يُشركون في الرخاء ويُخلصون في الشدّة، ومشركوا زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدّة:
    ذكر المؤلف : هنا علة وأمرًا واحدًا, في أن مشركي زماننا أغلظ وأشد شركًا من المشركين الأولين, وزاد في ”كشف الشبهات“ علة وأمرًا آخرًا, ما نصه: فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
    أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولايدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء. كما قال تعالى: ?وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا? [الإسراء: 67]
    وقوله: ?قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ? [الأنعام: 40 - 41]
    وقوله: ?وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ?إلى قوله: ?قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ? [الزمر: 8] وقوله: ?وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ? [لقمان: 32].
    فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله ص يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له وينسون سادتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهمًا راسخًا، والله المستعان.
    الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله. إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أشجارًا أو أحجارًا مطيعةً لله ليست عاصية.
    وأهل زماننا يدعون مع الله أناسًا من أفسق الناس. والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك.
    والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به.
    إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً, وأخف شركًا من هؤلاء. اه المقصود.
    قلت: والذي ذكره المؤلف : حاصل في كثير من الصوفية.
    فإنهم إذا حصل لهم شيء يدعون ناسًا من أفجر الناس, فتراهم إذا حصل لأحدهم شيء, ينسى الله عزوجل الذي خلقه, وينادي: يا ابن عربي أو يا ابن علوان أو يا رافعي وغيرهم.
    وكذلك هذا حاصل في الرافضة, فتراهم ينادون عليًا أو الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.
    ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا ما يحصل من كثير من العامة أنهم إذا حصل لأحدهم شيء مفاجئ قال: يا أمي, ويغفل عن ذكر الله عزوجل.
    وهذا سمعناه منهم بآذاننا والله المستعان.
    فيجب على الإنسان في الرخاء والشدة: الرجوع إلى الله عزوجل الذي يخرج الحي من الميت, ويخرج الميت من الحي, وهو الذي تكفل لعباده إذا دعوه أن يستجيب لهم.
    قال الله عزوجل في كتابه: ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ? [غافر: 60].
    وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه, قال جل في علاه: ?أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ? [النمل: 62] وغيرها من الآيات.
    قوله :: والدليل قوله تعالى: ?فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ? [العنكبوت:65].
    استدل المؤلف : بهذا النص القرآني على أن المشركين الأولين كانوا يخلصون ويوحدون ويجأرون, ويرجعون إلى الله تعالى, ويدعونه إذا حصلت لهم شدة بأن خافوا الغرق والسقوط من السفن والهلاك في البحر, لماذا؟ لأنهم عرفوا أنه لا ينجيهم في تلك الحال معبوداتهم الباطلة التي كانوا يعبدونها من أصنام وأوثان وأشجار وأحجار وغيرها, وعلموا أنه لا ينجيهم في تلك الحال إلا الله عزوجل, الذي بيده الأمور, فدعوه وأخلصوا له, فإذا نجاهم الله عزوجل وفرج عنهم, ووصلوا إلى البر, رجعوا إلى شركهم وكفرهم بالله عزوجل, وانقلبوا على أعقابهم.
    ولهذه الآية الكريمة نظائر كثيرة في القرآن, وآيات توضحها.
    كقوله تعالى: ?هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ? [يونس:22- 23].
    وقوله تعالى: ?وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا? [الإسراء: 67].
    وقوله تعالى: ?قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ? [الأنعام: 63، 64].
    وقوله تعالى: ?وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ? [لقمان: 32].
    وقوله تعالى: ?وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ? [الزمر: 8] وغيرها من الآيات.
    قوله :: تمت وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم :
    ختم هذه الرسالة العظيمة بالصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد الأمين ص, وعلى من اقتدى بهداه, من آله الأشراف الذين تمسكوا بدينه ولم يبدلوا ويغيروا, وعلى أصحابه الأتقياء الأبرار الذين حفظوا دينه من بعده, وقاموا به حق القيام, من تبليغٍ وتعليمٍ وتربية وصبر وغيرها, رضي الله عنهم وأرضاهم.
    تم تحرير هذه الرسالة بفضل الله وإعانته وتوفيقه: صبيحة يوم الأحد, الموافق: 9/شعبان/عام 1432هـ/ بمكتبة دار الحديث بدماج حرسها الله والقائمين عليها
    كتبه: الفقير إلى ربه: أبو عبد الرحمن سمير بن بشير البرايجي الجزائري
    رابط الملف وورد وبي دي آف :هنا أو رابط آخر من : هنا













  • #2
    المشاركة الأصلية بواسطة أبو عبد الله سعد بن محمد المسيلي الجزائري مشاهدة المشاركة
    شرح القواعد الأربع
    لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب النجدي التميمي رحمه الله تعالى
    م 1115ه ت 1206ه
    كتبه:
    أبو عبدالرحمن سمير بن بشير البرايجي الجزائري
    تقديم
    فضيلة الشيخ محمد بن علي بن حزام
    الفضلي البعداني

    تم تحرير هذه الرسالة بفضل الله وإعانته وتوفيقه: صبيحة يوم الأحد, الموافق: 9/شعبان/عام 1432هـ/ بمكتبة دار الحديث بدماج حرسها الله والقائمين عليها
    كتبه: الفقير إلى ربه: أبو عبد الرحمن سمير بن بشير البرايجي الجزائري
    رابط الملف وورد وبي دي آف :هنا أو رابط آخر من : هنا













    جزى الله أخانا سمير خيرا على هذه الشروح الماتعة والمفيدة ونسأل الله أن يبارك في دعوته ونسأل الله أن يبعد عنه شر المفتونين الحاسدين

    تعليق

    يعمل...
    X