حديث العين وكاء السه
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
الجاوي القدسي آل الطوري عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف –عفى الله عنه-
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد:
فقد أرسل إلي أخ مفضال يطلب مني أن أبيّن معنى حديث العين وكاء السه؟
الجواب مستعيناً بالله: قبل الشروع في الكلام عن معنى الحديث نذكر حاله أولاً. فالحديث أخرجه ابن ماجه في سننه (477) فقال: حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العين وكاء السه، فمن نام، فليتوضأ».
والحديث أخرجه أيضا الإمام أبو داود في سننه (203) وأبو يعلى في معجمه (260) من طريق بقية مثل ذلك السند.
في سندهم بقية وهو ابن الوليد وقد عنعن في موضعين، وهو مدلس تدليس التسوية.
والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (887) بتصريح بقية من شيخه الوضين بن عطاء، وعنعن في شيخ شيخه فلم يرتفع الضعف.
الوضين بن عطاء هو أبو كنانة الخزاعي الدمشقي صدوق سيء الحفظ ورمي بالقدر. ("تقريب التهذيب" /ص 581).
وقد أُنكر عليه حديث وكاء السه. قال الساجي: عنده حديث واحد منكر غير محفوظ عن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي حديث العينان وكاء السه. (انظر "تهذيب التهذيب" /11/ص 121).
محفوظ بن علقمة، هو أبو جنادة الحمصي، ثقة. (راجع "تهذيب التهذيب" /10/ص59).
عبد الرحمن بن عائذ الأزدي هو ثقة على الراجح، ولكن لم يسمع من علي رضي الله عنه. قال أبو حاتم وأبو زرعة: حديثه عن علي مرسل. (راجع "تهذيب التهذيب" /6/ص 204).
فالحديث ضعيف لتدليس بقية ونكارة الوضين، وللانقطاع بين عبد الرحمن وبين علي رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن القطان الفاسي بعد ذكر كلام الحافظ الإشبيلي رحمهما الله بأن الحديث مرسل: هو كما قال ليس بمتصل، ولكن بقي عليه أن يبين أنه من رواية بقية بن الوليد، وهو ضعيف، وهو دائبا يضعف به الأحاديث، وقد تقدم ذكر ذلك.
ويرويه بقية عن الوضين بن عطاء. والوضين واهي الحديث، قاله السعدي، وقد أنكر عليه هذا الحديث نفسه، ومنهم من يوثقه.
ويرويه الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة - وهو ثقة -.
ويرويه محفوظ عن عبد الرحمن بن عائذ، وهو مجهول الحال.
ويرويه ابن عائذ عن علي، ولم يسمع منه.
فهذه ثلاث علل سوى الإرسال، كل واحدة تمنع من تصحيحه، مسندا كان أو مرسلا.
(انتهى من "بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام"/3/ص 9).
بعض أحكام الحافظ ابن القطان رحمه الله ليست بصائبة ولكن الشاهد من كلامه هنا: أن الحديث ضعيف لبعض العلل.
وجاء من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد في مسنده (16879): حدثنا بكر بن يزيد، قال: أخبرنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم، عن عطية بن قيس الكلابي، أن معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العينين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.
وأخرجه الدارمي في سننه (749) وأبو يعلى في مسنده (7375) والطبراني في الكبير (875) من طريق أبو بكر بن أبي مريم.
في سندهم أبو بكر بن أبي مريم، وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير. وهو منكر الحديث، ضعيف جداً. (راجع "تهذيب التهذيب" /12/ص28).
عطية بن قيس الكلابي إمام قانت قارئ. ("سير أعلام النبلاء" /5/ ص324).
فالحديث ضعيف جداً.
وقال الإمام ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله: وسألت أبي عن حديث رواه بقية، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
وعن حديث أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم: العين وكاء سه؟
فقال: ليسا بقويين.
وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ، عن علي، بهذا الحديث؟
فقال: ابن عائذ، عن علي، مرسل.
(انتهى من "علل الحديث"/لابن أبي حاتم /1/ص561-564).
وقد خالف أبا بكر بن أبي مريم: مروان بن جناح وهو دمشقي ثقة، فقد رواه موقوفاً على معاوية رضي الله عنه.
قال الإمام ابن عدي رحمه الله: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي، حدثنا صالح بن شعيب، حدثنا محمد بن أسد، حدثنا الوليد، حدثنا مروان بن جناح عن عطية بن قيس عن معاوية قال: العين وكاء السه، موقوف. قال الوليد: ومروان أثبت من بن أبي مريم. ("الكامل في ضعفاء الرجال" /2/ص 209).
وقال الإمام البيهقي رحمه الله: كذا رواه أبو بكر بن أبي مريم، مرفوعا، وهو ضعيف. ورواه مروان بن جناح، عن عطية، عن معاوية، موقوفا عليه. ("معرفة السنن والآثار"/1/ص367).
ومعنى الحديث:
قال الخطابي رحمه الله: السه اسم من أسماء الدبر. والوكاء الرباط الذي يشد به القربة ونحوها من الأوعية. وفي بعض الكلام الذي يجري مجرى الأمثال حفظ ما في الوعاء بِشدّ الوكاء. ("معالم السنن" /1/ص 72).
ويغني عنه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم». (أخرجه الإمام أحمد (18095) والترمذي (96) وابن خزيمة (17)/سنده حسن).
قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين النوم والغائط والبول فدل على أن النوم ناقض للوضوء.
وهل النوم الخفيف ينقض الوضوء؟ قاله بعض العلماء ولكنه ليس بصواب، لأدلة أخرى.
فالنوم الخفيف –أي: الذي لا يغلب على العقل- لا ينقضه، لحديث أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون». (أخرجه مسلم (376)).
وأخرجه مسلم بعد ذلك بلفظ: أقيمت صلاة العشاء فقال رجل: لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم - أو بعض القوم - ثم صلوا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء، حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب فقال: الصلاة - قال عطاء: قال ابن عباس -: فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه الآن، يقطر رأسه ماء، واضعا يده على رأسه، فقال: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن يصلوها هكذا». (أخرجه البخاري (571) ومسلم (462)).
بوّب عليه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة: باب من نام قبل العشاء لمن غلب.
فتبين أن الناقض هو النوم المستغرق لا الخفيف.
وما علة كون النوم المستغرق ناقضاً للوضوء؟
إن صح حديث علي وحديث معاوية لكانا دليلين على أن النوم المستغرق مظنة خروج الحدث.
قال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله: والحديثان يدلان على أن النوم ليس بناقض بنفسه، وإنما هو مظنة النقض فهما من أدلة القائلين بذلك. ("سبل السلام" /1/ص 103).
ولكن الحديثين ضعيفان شديدا الضعف فلا حجة فيهما.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وهما حديثان ضعيفان لا حجة فيهما من جهة النقل، وقد ذكرتهما في "التمهيد". ("الاستذكار" /1/ص151).
وقال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله: وفي كلا الإسنادين ضعف إسناد حديث معاوية، وإسناد حديث علي. ("سبل السلام" /1/ص 103).
إنما هو كلام معاوية رضي الله عنه.
ويحتمل أن تكون العلة: كون النوم المستغرق مزيلاً للعقل. وزوال العقل ناقض للوضوء بالإجماع.
فنوم الصحابة لما ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم ليس مستغرقاً لعقولهم فلم يحتاجوا إلى إعادة الوضوء.
قال ابن بطال رحمه الله: ولا يدل قوله: (ثم استيقظوا) على النوم المستغرق الذى يزيل العقل وينقض الوضوء؛ لأن العرب تقول: استيقظ من سنته وغفلته، وإلى هذا ذهب الشافعى فى أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، ويشبه أيضا مذهب مالك فى مراعاته النوم الخفيف فى كل الأحوال؛ لأنه ليس بحدث وهو رد على المزنى فى قوله: إن قليل النوم وكثيره حدث ينقض الوضوء؛ لأنه محال أن يذهب على أصحاب الرسول أن النوم حدث ينقض الوضوء، فيصلون بالنوم، ولا يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، وقد روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأبى أمامة، وأبى هريرة أنهم كانوا ينامون قعودا، ولا يتوضئون، فدل هذا أنه كان نوما خفيفا. فإن قال قائل: فقد جاء عن أنس أنهم حين كانوا ينتظرون الصلاة مع النبى، عليه السلام، ناموا مضطجعين، ثم صلوا ولم يتوضئوا، ذكره الطبرى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون الصلاة مع الرسول فيضعون جنوبهم، ثم يقمون فيصلون ولا يتوضئون) . ففي هذا حجة لمن لم ير من النوم وضوءا أصلا، وهو قول أبى موسى الأشعرى، وأبى مجلز، وعمرو بن دينار، فهذا خلاف ما تأولت فى هذه الأحاديث، أنهم كانوا ينامون نوما خفيفا. ("شرح صحيح البخارى" /لابن بطال /2/ص 196).
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في شرح حديث زرّ بن حبيش رضي الله عنه: قالوا: ففي هذا الحديث التسوية بين الغائط والبول والنوم. قالوا: والقياس أنه لما كان كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله حدثاً. قال أبو عمر: هذا قول شاذ غير مستحسن. والجمهور من العلماء على خلافه والآثار كلها عن الصحابة ترفعه. وقد يحتمل قوله: لكن من غائط وبول ونوم ثقيل غالب على النفس والله أعلم. ("التمهيد" /18/ص246).
وقال عبيد الله المباركفوري رحمه الله: والراجح عندي: أن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدارك ناقض سواء كان من المضطجع والمستلقي أو غيرهما، فالاستغراق والغلبة على العقل هو الملاك عندي، فإذا حصل ذلك انتقض الوضوء على أي هيئة كان النائم، ولا يقصر الحكم على هيئة الاضطجاع كما يدل عليه حديث ابن عباس، فإنه ضعيف، ولا ينتقض الوضوء بنوم المضطجع إن كان النوم غير مستغرق. ("مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" /2/ص 33).
وقال ابن بطال رحمه الله: وإجماع العلماء على أن النوم مزيل للعقل ينقض الوضوء، يرد قول من لم ير من النوم وضوءا أصلا. ("شرح صحيح البخاري" /لابن بطال /2/ ص197).
والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
إندونيسيا، 3 شعبان 1436 هـ.
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
الجاوي القدسي آل الطوري عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف –عفى الله عنه-
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد:
فقد أرسل إلي أخ مفضال يطلب مني أن أبيّن معنى حديث العين وكاء السه؟
الجواب مستعيناً بالله: قبل الشروع في الكلام عن معنى الحديث نذكر حاله أولاً. فالحديث أخرجه ابن ماجه في سننه (477) فقال: حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العين وكاء السه، فمن نام، فليتوضأ».
والحديث أخرجه أيضا الإمام أبو داود في سننه (203) وأبو يعلى في معجمه (260) من طريق بقية مثل ذلك السند.
في سندهم بقية وهو ابن الوليد وقد عنعن في موضعين، وهو مدلس تدليس التسوية.
والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (887) بتصريح بقية من شيخه الوضين بن عطاء، وعنعن في شيخ شيخه فلم يرتفع الضعف.
الوضين بن عطاء هو أبو كنانة الخزاعي الدمشقي صدوق سيء الحفظ ورمي بالقدر. ("تقريب التهذيب" /ص 581).
وقد أُنكر عليه حديث وكاء السه. قال الساجي: عنده حديث واحد منكر غير محفوظ عن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي حديث العينان وكاء السه. (انظر "تهذيب التهذيب" /11/ص 121).
محفوظ بن علقمة، هو أبو جنادة الحمصي، ثقة. (راجع "تهذيب التهذيب" /10/ص59).
عبد الرحمن بن عائذ الأزدي هو ثقة على الراجح، ولكن لم يسمع من علي رضي الله عنه. قال أبو حاتم وأبو زرعة: حديثه عن علي مرسل. (راجع "تهذيب التهذيب" /6/ص 204).
فالحديث ضعيف لتدليس بقية ونكارة الوضين، وللانقطاع بين عبد الرحمن وبين علي رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن القطان الفاسي بعد ذكر كلام الحافظ الإشبيلي رحمهما الله بأن الحديث مرسل: هو كما قال ليس بمتصل، ولكن بقي عليه أن يبين أنه من رواية بقية بن الوليد، وهو ضعيف، وهو دائبا يضعف به الأحاديث، وقد تقدم ذكر ذلك.
ويرويه بقية عن الوضين بن عطاء. والوضين واهي الحديث، قاله السعدي، وقد أنكر عليه هذا الحديث نفسه، ومنهم من يوثقه.
ويرويه الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة - وهو ثقة -.
ويرويه محفوظ عن عبد الرحمن بن عائذ، وهو مجهول الحال.
ويرويه ابن عائذ عن علي، ولم يسمع منه.
فهذه ثلاث علل سوى الإرسال، كل واحدة تمنع من تصحيحه، مسندا كان أو مرسلا.
(انتهى من "بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام"/3/ص 9).
بعض أحكام الحافظ ابن القطان رحمه الله ليست بصائبة ولكن الشاهد من كلامه هنا: أن الحديث ضعيف لبعض العلل.
وجاء من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
قال الإمام أحمد في مسنده (16879): حدثنا بكر بن يزيد، قال: أخبرنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم، عن عطية بن قيس الكلابي، أن معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العينين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء.
وأخرجه الدارمي في سننه (749) وأبو يعلى في مسنده (7375) والطبراني في الكبير (875) من طريق أبو بكر بن أبي مريم.
في سندهم أبو بكر بن أبي مريم، وهو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير. وهو منكر الحديث، ضعيف جداً. (راجع "تهذيب التهذيب" /12/ص28).
عطية بن قيس الكلابي إمام قانت قارئ. ("سير أعلام النبلاء" /5/ ص324).
فالحديث ضعيف جداً.
وقال الإمام ابن أبي حاتم الرازي رحمه الله: وسألت أبي عن حديث رواه بقية، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
وعن حديث أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم: العين وكاء سه؟
فقال: ليسا بقويين.
وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ، عن علي، بهذا الحديث؟
فقال: ابن عائذ، عن علي، مرسل.
(انتهى من "علل الحديث"/لابن أبي حاتم /1/ص561-564).
وقد خالف أبا بكر بن أبي مريم: مروان بن جناح وهو دمشقي ثقة، فقد رواه موقوفاً على معاوية رضي الله عنه.
قال الإمام ابن عدي رحمه الله: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي، حدثنا صالح بن شعيب، حدثنا محمد بن أسد، حدثنا الوليد، حدثنا مروان بن جناح عن عطية بن قيس عن معاوية قال: العين وكاء السه، موقوف. قال الوليد: ومروان أثبت من بن أبي مريم. ("الكامل في ضعفاء الرجال" /2/ص 209).
وقال الإمام البيهقي رحمه الله: كذا رواه أبو بكر بن أبي مريم، مرفوعا، وهو ضعيف. ورواه مروان بن جناح، عن عطية، عن معاوية، موقوفا عليه. ("معرفة السنن والآثار"/1/ص367).
ومعنى الحديث:
قال الخطابي رحمه الله: السه اسم من أسماء الدبر. والوكاء الرباط الذي يشد به القربة ونحوها من الأوعية. وفي بعض الكلام الذي يجري مجرى الأمثال حفظ ما في الوعاء بِشدّ الوكاء. ("معالم السنن" /1/ص 72).
ويغني عنه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم». (أخرجه الإمام أحمد (18095) والترمذي (96) وابن خزيمة (17)/سنده حسن).
قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين النوم والغائط والبول فدل على أن النوم ناقض للوضوء.
وهل النوم الخفيف ينقض الوضوء؟ قاله بعض العلماء ولكنه ليس بصواب، لأدلة أخرى.
فالنوم الخفيف –أي: الذي لا يغلب على العقل- لا ينقضه، لحديث أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون». (أخرجه مسلم (376)).
وأخرجه مسلم بعد ذلك بلفظ: أقيمت صلاة العشاء فقال رجل: لي حاجة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم - أو بعض القوم - ثم صلوا.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعشاء، حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب فقال: الصلاة - قال عطاء: قال ابن عباس -: فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إليه الآن، يقطر رأسه ماء، واضعا يده على رأسه، فقال: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن يصلوها هكذا». (أخرجه البخاري (571) ومسلم (462)).
بوّب عليه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة: باب من نام قبل العشاء لمن غلب.
فتبين أن الناقض هو النوم المستغرق لا الخفيف.
وما علة كون النوم المستغرق ناقضاً للوضوء؟
إن صح حديث علي وحديث معاوية لكانا دليلين على أن النوم المستغرق مظنة خروج الحدث.
قال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله: والحديثان يدلان على أن النوم ليس بناقض بنفسه، وإنما هو مظنة النقض فهما من أدلة القائلين بذلك. ("سبل السلام" /1/ص 103).
ولكن الحديثين ضعيفان شديدا الضعف فلا حجة فيهما.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: وهما حديثان ضعيفان لا حجة فيهما من جهة النقل، وقد ذكرتهما في "التمهيد". ("الاستذكار" /1/ص151).
وقال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله: وفي كلا الإسنادين ضعف إسناد حديث معاوية، وإسناد حديث علي. ("سبل السلام" /1/ص 103).
إنما هو كلام معاوية رضي الله عنه.
ويحتمل أن تكون العلة: كون النوم المستغرق مزيلاً للعقل. وزوال العقل ناقض للوضوء بالإجماع.
فنوم الصحابة لما ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم ليس مستغرقاً لعقولهم فلم يحتاجوا إلى إعادة الوضوء.
قال ابن بطال رحمه الله: ولا يدل قوله: (ثم استيقظوا) على النوم المستغرق الذى يزيل العقل وينقض الوضوء؛ لأن العرب تقول: استيقظ من سنته وغفلته، وإلى هذا ذهب الشافعى فى أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، ويشبه أيضا مذهب مالك فى مراعاته النوم الخفيف فى كل الأحوال؛ لأنه ليس بحدث وهو رد على المزنى فى قوله: إن قليل النوم وكثيره حدث ينقض الوضوء؛ لأنه محال أن يذهب على أصحاب الرسول أن النوم حدث ينقض الوضوء، فيصلون بالنوم، ولا يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، وقد روى عن ابن عمر، وابن عباس، وأبى أمامة، وأبى هريرة أنهم كانوا ينامون قعودا، ولا يتوضئون، فدل هذا أنه كان نوما خفيفا. فإن قال قائل: فقد جاء عن أنس أنهم حين كانوا ينتظرون الصلاة مع النبى، عليه السلام، ناموا مضطجعين، ثم صلوا ولم يتوضئوا، ذكره الطبرى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون الصلاة مع الرسول فيضعون جنوبهم، ثم يقمون فيصلون ولا يتوضئون) . ففي هذا حجة لمن لم ير من النوم وضوءا أصلا، وهو قول أبى موسى الأشعرى، وأبى مجلز، وعمرو بن دينار، فهذا خلاف ما تأولت فى هذه الأحاديث، أنهم كانوا ينامون نوما خفيفا. ("شرح صحيح البخارى" /لابن بطال /2/ص 196).
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في شرح حديث زرّ بن حبيش رضي الله عنه: قالوا: ففي هذا الحديث التسوية بين الغائط والبول والنوم. قالوا: والقياس أنه لما كان كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله حدثاً. قال أبو عمر: هذا قول شاذ غير مستحسن. والجمهور من العلماء على خلافه والآثار كلها عن الصحابة ترفعه. وقد يحتمل قوله: لكن من غائط وبول ونوم ثقيل غالب على النفس والله أعلم. ("التمهيد" /18/ص246).
وقال عبيد الله المباركفوري رحمه الله: والراجح عندي: أن النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدارك ناقض سواء كان من المضطجع والمستلقي أو غيرهما، فالاستغراق والغلبة على العقل هو الملاك عندي، فإذا حصل ذلك انتقض الوضوء على أي هيئة كان النائم، ولا يقصر الحكم على هيئة الاضطجاع كما يدل عليه حديث ابن عباس، فإنه ضعيف، ولا ينتقض الوضوء بنوم المضطجع إن كان النوم غير مستغرق. ("مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" /2/ص 33).
وقال ابن بطال رحمه الله: وإجماع العلماء على أن النوم مزيل للعقل ينقض الوضوء، يرد قول من لم ير من النوم وضوءا أصلا. ("شرح صحيح البخاري" /لابن بطال /2/ ص197).
والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
إندونيسيا، 3 شعبان 1436 هـ.