دراسة علمية متواضعة
في أحاديث ذمّ مدح الفاسق،
وتسييد المنافق, وتوقير المبتدعة
كتبها الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فقد ورد سؤال: ما حال حديث: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أغضبتم ربكم؟».
فأحبّ أن أجيب السؤال لا من أجل قضية محمد بن عبد الله الريمي الملقّب بـ: "الإمام"، ولكن من باب الدراسة العلمية في مصطلح الحديث وشئون المنهج السلفي.
فأرى أن أنشئ دراسة متواضعة في هذا الحديث، ثم أردفها بدراسة حديث توقير المبتدع ومدح الفاسق، سنداً ومتناً،
فأقول مستعيناً بالله تعالى معترفاً بأنه لا حول ولا قوة إلا به:
الباب الأول: دراسة متواضعة في حديث تسييد المنافق
إن الحديث أخرجه الإمام أحمد (22989) وأبو داود (4977) والبخاري في الأدب المفرد (460) والنسائي في "السنن الكبرى" (10073)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4542)، والمحاملي في الأمالي (379)، وابن منده في التوحيد (279)، كلهم عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم».
رجاله ثقات، غير أن سماع قتادة عن عبد الله بن بريدة تُكلم فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله: ولا يعرف سماع قتادة من بن بريدة. ("التاريخ الكبير"/4/ص12).
قال الترمذي رحمه الله: وقد قال بعض أهل العلم لا نعرف لقتادة سمعا من عبد الله بن بريدة. ("سنن الترمذي"/3/ص310).
وقتادة بن دعامة حافظ عصره، مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره، وهو في المرتبة الثالثة في "طبقات المدلسين" (ص 43) الذين قال فيهم الحافظ ابن حجر رحمه الله: الثالثة : من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من ردّ حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبلهم. ("طبقات المدلسين"/ص13).
فالحديث لا يصح بهذا السند.
والحديث جاء من وجه آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك" (7865))، وذكره البيهقي في "شعب الإيمان" (4542)، من طريق عقبة بن عبد الله الأصم: ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إذا قال الرجل للمنافقين يا سيد فقد أغضب ربه تبارك و تعالى».
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في "التلخيص" (6/ص336) تحت هذا الحديث: عقبة بن الأصم ضعيف.
عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي العبدي البصري ضعيف جداً. وقال عمرو بن علي: كان ضعيفاً واهي الحديث ليس بالحافظ. ("تهذيب التهذيب"/7/ص217).
ولا أستبعد أن يسمع قتادة هذا الحديث من هذا الراوي الضعيف فلم يصرّح به، والله أعلم.
قال شيخنا العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: أما حديث: «لا تقولوا للمنافق يا سيد؛ فإن يك سيدا أسخطتم ربكم» فهو حديث ضعيف منقطع من طريق قتادة ولم يسمع من عبد الله بن بريدة. ("الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى"/الأسئلة الإندونيسية /3 جمادى الثانية 1425 هـ).
والله تعالى أعلم بالصواب.
الباب الثاني: دراسة متواضعة في حديث مدح الفاسق
قد جاءت رواية في ذم مدح الفاسق، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
قال الإمام البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي إملاء، نا أبو زرعة الرازي، نا عيسى بن إبراهيم القرشي، نا المعافى بن عمران الموصلي، نا سابق وهو ابن عبد الله الرقي، عن أبي خلف، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يغضب إذا مدح الفاسق في الأرض». ("شعب الإيمان"/ (4543)).
وقال أيضا رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ، نا يعقوب بن إسحاق الهمداني، نا رباح بن الجراح، نا سابق البربري، عن أبي خلف، خادم أنس، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مدح الفاسق غضب الرب، واهتز له العرش». ("شعب الإيمان"/ (4544)).
في السند الأول سابق بن عبد الله الرقي، وفي الثاني سابق البربري.
قال الحافظ ابن عدي رحمه الله: وأظنّ أن سابق صاحب حديث: «إذا مدح الفاسق» وليس هو بالرقي لأن الرقي أحاديثه مستقيمة عن مطرف وأبي حنيفة وكل من روى حديثاً عن مطرف وأبي حنيفة وغيرهما، فلا أدري سابق هذا الذي ذكر في هذه النسخة هو الذي روى حديث: «إذا مدح الفاسق» أو غيره والله أعلم. وسابق البربري الذي يذكر هو غير ما ذكرت، وسابق البربري إنما له كلام في الحكمة وفي الزهد وغيره. ("الكامل في الضعفاء"/3/ص466).
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة سابق بن عبدالله الرقى: عن أبي خلف، عن أنس: «إذا مدح الفاسق اهتز العرش». رواه عنه المعافى بن عمران، وهذا خبر منكر، ولكن أبو خلف لا يعرف. ("ميزان الاعتدال"/2/ص109).
أبو خلف خادم أنس هو أبو خلف الأعمى البصري خادم أنس، نزل الموصل، قيل: اسمه حازم بن عطاء. قال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث ليس بالقوي. وقال ابن معين في الأعمى الراوي عن أنس: كذاب. ("تهذيب التهذيب"/12/ص95).
فالحديث موضوع.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فقد جاء في حديث أنس رفعه: «إذا مدح الفاسق غضب الرب» أخرجه أبو يعلى، وابن أبي الدنيا في "الصمت"، وفي سنده ضعف. ("فتح الباري" /10/ص478).
الباب الثالث: دراسة متواضعة في حديث توقير المبتدع
قد جاءت بعض الروايات في ذم توقير المبتدع، منها:
الرواية الأولى: حديث عائشة رضي الله عنها:
قال الإمام الطبراني رحمه الله: حدثنا محمد بن أبي زرعة نا هشام بن خالد نا الحسن بن يحيى الخشني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام». لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا الحسن بن يحيى الخشني. ("المعجم الأوسط"/(6772)).
محمد بن أبي زرعة، هو محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، لم أجد من يوثقه من المعتبرين. (راجع "تاريخ دمشق"/54/ص97).
وهشام بن خالد هو ابن يزيد بن مروان الأزرق أبو مروان الدمشقي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/11/ص35).
والحسن بن يحيى الخشني هو أبو عبد الملك الدمشقي صدوق له مناكير حتى حكم عليه بعض الحفاظ بالترك. ("تهذيب التهذيب"/2/ص281).
وجعل ابن عدي هذا الحديث: (من وقر صاحب بدعة) من مناكيره وقال: فلا أدري سرق هذا الحديث من الكتاب أم لا. ("الكامل في الضعفاء"/2/ص324).
وقد أخرج الحديث الإمام الآجري رحمه الله من طريق هشام بن خالد الدمشقي به. ("الشريعة"/للآجري/(1968)).
فالحديث بهذا السند ضعيف جداً من أجل الحسن بن يحيى الخشني.
وللإمام الآجري رحمه الله سند آخر حيث قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال : حدثنا أحمد بن سفيان المصري قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام». ("الشريعة"/للآجري /(1969)).
أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي وكان صالحا متنسكاً. ("تاريخ بغداد"/12/ص153).
أحمد بن سفيان المصري، لم أجد له ترجمة. وفي طبقته أحمد بن سفيان أبو سفيان النسائي ويقال المروزي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/1/ص29).
يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي تُكلم فيه، ولكنه كان جاراً لِلّيث بن سعد وهو أثبت الناس فيه. ("تهذيب التهذيب"/11/ص208).
الحديث بهذا السند صالح للشواهد على أقلّ أحواله.
والحديث بهذا السند أخرجه ابن عساكر رحمه الله في "تاريخ دمشق" (26/ص456).
الرواية الثانية: حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنهما:
قال أبو نعيم رحمه الله: حدثنا سليمان بن علان الوراق ثنا محمد بن محمد الواسطي ثنا أحمد بن معاوية بن بكر ثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الاسلام» غريب من حديث خالد تفرد به عيسى عن ثور. ("حلية الأولياء"/5/ص218).
سليمان بن علان الوراق لم أجد له ترجمة.
ومحمد بن محمد الواسطي هو محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي، الإمام الحافظ الكبير، محدث العراق أبو بكر، أحد أئمة هذا الشأن ببغداد. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص383).
وأحمد بن معاوية بن بكر هو الباهلي، حدث عن الثقات بالبواطيل، ويسرق الحديث. ("الكامل في الضعفاء"/1/ص173).
ومن هنا علمنا أن تفرد عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد بهذا الإسناد لهذا الحديث جاء من قبل أحمد بن معاوية الباهلي السارق. فالحديث بهذا السند موضوع.
الرواية الثالثة: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:
قال الإمام الطبراني رحمه الله: حدثنا أحمد بن النضر العسكري ثنا سليمان بن سلمة الخبائري ثنا بقية بن الوليد ثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام». ("مسند الشاميين"/(413)).
أحمد بن النضر العسكري هو ابن بحر أبو جعفر العسكري، كان من ثقات الناس وأكثرهم كتاباً. ("تاريخ بغداد"/5/ص185).
وسليمان بن سلمة الخبائري هو أبو أيوب الحمصى، متروك، وكان يكذب. ("ميزان الاعتدال"/2/ص209).
بقية بن الوليد مدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في شيخ ثور بن يزيد.
وثور بن يزيد هو ابن زياد الكلاعي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/2/ص30).
وخالد بن معدان ثقة، ولكن قال أبو حاتم الرازي: حديثه عن معاذ مرسل، ربما كان بينهما اثنان. ("تهذيب التهذيب"/3/ص102).
وقد تابع أحمد بن النضر: صاحب بن محمود فرواه عن سليمان بن سلمة عن بقية بن الوليد به. (أخرجه أبو بكر الشاشي في "المسند" (1326)).
فالحديث ضعيف جدّاً من أجل سليمان بن سلمة.
وقد تابع سليمان بن سلمة: عمرو بن عثمان الحمصي، أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ص97).
وعمرو بن عثمان الحمصي هو ابن سعيد بن كثير، أبو حفص الحمصي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/8/ص66).
بقية بن الوليد مدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في شيخ ثور بن يزيد.
فالحديث ضعيف من أجل عنعنة بقية بن الوليد والانقطاع بين خالد بن معدان ومعاذ بن جبل رضي الله عنه.
الرواية الرابعة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
قال الإمام ابن عدي رحمه الله: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن الفرج ثنا الربيع بن سليمان يعني الجيزي ثنا أبو عبيد بهلول بن عبيد قال: ثنا عبد الملك بن جريج سمعت عطاء يذكر عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «من وقر أهل البدع فقد أعان على هدم الإسلام». ("الكامل في الضعفاء"/2/ 65).
في سنده بهلول بن عبيد أو ابن عبد الله الكندي يكنى أبا عبيد بصري. قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث ذاهب. وقال: أبو زرعة الرازي: ليس بشيء منكر الحديث. ("الجرح والتعديل"/2/ص429).
فالحديث بهذا السند ضعيف جداً.
الراواية الخامسة: حديث إبراهيم بن ميسرة مرسلا:
قال الإمام البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق الصنعاني نا محمد بن إسحاق أنا أبو همام نا حسان بن إبراهيم عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("شعب الإيمان"/7/ص60-61).
أبو العباس محمد بن يعقوب ثقة إمام.
ومحمد بن إسحاق الصنعاني مجهول الحال.
ومحمد بن إسحاق الثاني هو أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام الحافظ الثقة، شيخ الاسلام. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص388).
وأبو همام هو الوليد بن شجاع السكوني الكوفى الحافظ، صدوق. ("ميزان الاعتدال"/4/ص339).
وحسان بن إبراهيم هو ابن عبد الله الكرماني، صدوق. ("تهذيب التهذيب"/2/ص214).
ومحمد بن مسلم الطائفي هو ابن سوسن الطائفي، صدوق على الراجح. ("تهذيب التهذيب"/9/ص393).
وإبراهيم بن ميسرة ثقة كثير الحديث. ("تهذيب التهذيب"/1/ص150).
هذا الحديث مرسل ضعيف.
فلا يثبت عندي حديث في هذا الباب، والله أعلم.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: حديث: «من وقر صاحب البدعة فقد أعان على هدم الإسلام. فيه بهلول بن عبيد -عن ابن جريج- قال ابن حبان يسرق الحديث.
ورواه أحمد بن معاوية -وهو متهم- ثنا عيسى بن يونس عن ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر مرفوعاً مثل الذي قبله.
ورواه الحسن بن يحيى الخشني -متروك- عن هشام عن أبيه عن عائشة مثله.
(انتهى من " تلخيص كتاب الموضوعات" /للذهبي/ص81).
وقال الإمام السخاوي رحمه الله: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام»، وأسانيده ضعيفة، بل قال ابن الجوزي: كلها موضوعة. ("المقاصد الحسنة" /للسخاوي/ص646-647).
وقال الحافظ العراقي رحمه الله: حديث: «إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت"، وابن عدي في "الكامل" وأبو يعلى، والبيهقي في "الشعب" من حديث أنس بسند ضعيف. وفي حديث آخر: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام»، حديث: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام» غريب بهذا اللفظ. والمعروف: «من وقّر صاحب بدعة» الحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة، والطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية" من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة. ("تخريج الإحياء"/للحافظ العراقي /2/ص397).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: حديث: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» إسناده ضعيف. ("الفوائد المجموعة"/ص211).
الباب الرابع: دراسة متواضعة في آثار ذم توقير المبتدعة
وجاءت بعض الآثار في هذا الباب منها:
الأثر الأول: قول إبراهيم بن ميسرة رحمه الله:
قال الإمام اللالكائي رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد بن محمد الحناط ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : ومن وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"/للالكائي (240)).
محمد بن عبد الرحمن بن جعفر، لم أجد له ترجمة.
سعيد بن محمد الحناط هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الحناط الحافظ المعروف. ("تهذيب الكمال"/27/ص38).
وإسحاق بن إبراهيم ، هو إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم بن كامجرا أبو يعقوب المروزي، صدوق. ("تهذيب التهذيب"/1/ص195).
حسان بن إبراهيم الكرماني صدوق كما سبق.
محمد بن مسلم هو الطائفي ، صدوق كما سبق. ("تهذيب التهذيب"/9/ص393).
فأثر إبراهيم ضعيف من أجل محمد بن عبد الرحمن بن جعفر.
الأثر الثاني: قول الفضيل بن عياض رحمه الله:
قال أبو نعيم رحمه الله: حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ومحمد بن علي قالا: ثنا أبو يعلى ثنا عبدالصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("حلية الأولياء"/8/ص103).
عبد الله بن محمد بن جعفر شيخ أبي نعيم هو الإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، المعروف بأبي الشيخ، صاحب التصانيف. ("سير أعلام النبلاء"/16/ص276).
ومحمد بن علي هو محمد بن علي بن حبيش الناقد، ثقة ثبت. ("تاريخ بغداد"/3/ص86).
وأبو يعلى هو الموصلي الإمام الثقة المشهور.
وعبد الصمد بن يزيد مردويه صاحب الفضيل بن عياض يكنى أبا عبد الله ويقال له مردويه الصائغ يروي حكايات قال ابن عدي: لا أعرف له شيئاً مسنداً. قال أبو يعلى الموصلي: وقال يحيى بن معين لمردويه: كيف سمعت كلام فضيل؟ قال: أطراف، قال: كنت تقول له كذا وكذا، قال: أي ضعفه يحيى. مات مردويه سنة خمس وثلاثين ومائتين انتهى. وهذا الظن يخالف ما رواه إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أنه قال: سألت يحيى بن معين عن مردويه الصائغ، فقال: لا بأس به، ليس ممن يكذب. وقال الحسين بن قهم: كان ثقة من أهل السنة، والورع، وقد كتب الناس عنه. ("لسان الميزان"/2 / ص 114 /دار الكتاب الإسلامي).
فالأثر إلى فضيل بن عياض رحمه الله حسن، والحمد لله رب العالمين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما قوله : "من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا" ، وقوله: "من وقَّرَ صاحب بدعة أعان على هَدْم الإسلام" ونحو ذلك، فهذا الكلام معروف عن الفُضَيْل بن عِيَاض. ("مجموع الفتاوى"/18/ص346).
الأثر الثالث: قول أبي إسحاق الهمداني رحمه الله:
قال الإمام أبو جعفر الفريابي رحمه الله: حدثني إسماعيل بن سيف ، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ، قال : سمعت أن أبا إسحاق الهمداني يقول : من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("القدر" /للفريابي /(341)).
إسماعيل بن سيف ، من هو؟ قد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي جعفر الفريابي أن من مشايخه: إسماعيل بن سيف الرياحي. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص102).
وفي "الجرح والتعديل" (2/ص176) لابن أبي حاتم ذكر: إسماعيل بن سيف أبو إسحاق روى عن عون بن عمرو أخى رياح القيسي، وذكر أن أباه –أبا حاتم الرازي قال: هو مجهول اهـ.
وهناك إسماعيل بن سيف بصري حدث بأحاديث عن الثقات غير محفوظة ويسرق الحديث، قاله ابن عدي رحمه الله. ("الكامل في الضعفاء"/1/ص324).
ويحتمل أنهما واحد. قال ابن حجر رحمه الله بعد ذكر تراجمتهما: وعندي أنه الذي قبله. ("لسان الميزان"/1/ص410).
حسان بن إبراهيم الكرماني صدوق.
والأثر أخرجه الإمام الآجري رحمه الله في "الشريعة" (1972) من طريق الفريابي به.
فالأثر إلى أبي إسحاق الهمداني إما ضعيف خفيف وإما ضعيف شديد، فلا يثبت بأي احتمالين.
الأثر الرابع: قول الحسن البصري رحمه الله:
قال ابن الأعرابي رحمه الله: نا عبد الله ، نا داود بن المحبر ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن قال: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("معجم ابن الأعرابي"/(1090)).
عبد الله هو عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح أبو محمد المخرمي، صدوق. ("تاريخ بغداد"/10/ص81).
وداود بن المحبر هو داود بن المحبر بن قحذم، أبو سليمان البصري، متروك. ("ميزان الاعتدال"/2/ص20).
والربيع بن صبيح هو أبو بكر البصري فيه ضعف. ("تهذيب التهذيب"/3/ص214).
فأثر الحسن ضعيف جداً.
الخلاصة: لا يثبت عندي –على قصر باعي- أثر في هذا الباب إلا أثر من الإمام الثقة السلفي الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله، وهو أثر حسن الإسناد، والحمد لله رب العالمين.
الباب الخامس: مفردات الأحاديث
قبل أن نشرع في الكلام على حكم تسييد المنافق، وتوقير المبتدع، ومدح الفاسق، نذكر شيئا من مفردات الأحاديث:
مفردات الحديث الأول: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم».
معنى المنافق:
قال ابن الأثير رحمه الله: نافقَ يُنَافق مُنافَقةً ونِفاقا وهو مأخوذ من النَّافِقاء : أحَد جِحَرة اليَرْبوع إذا طُلِب من واحِدٍ هرَب إلى الآخَر وخرَج منه. وقيل: هو من النَّفَق: وهو السَّرَب الذي يُسْتَتَر فيهِ لِسَتْرِه كُفْرَه. ("النهاية في غريب الأثر" /5/ ص 82/مادة ن-ف-ق/المكتبة العصرية).
قال ابن منظور رحمه الله: قال أبو عبيد: سمي المنافقُ مُنافقاً للنَّفَق وهو السَّرَب في الأَرض وقيل إنما سمي مُنافقاً لأنه نافَقَ كاليربوع وهو دخوله نافقاءه يقال قد نفق به ونافَقَ وله جحر آخر يقال له القاصِعاء فإذا طلِبَ قَصَّع فخرج من القاصِعاء فهو يدخل في النافِقاء ويخرج من القاصِعاء أو يدخل في القاصِعاء ويخرج من النافِقاء فيقال هكذا يفعل المُنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه. الجوهري: والنافِقاء إحدى جِحَرةَ اليَرْبوع يكتمها ويُظْهر غيرها وهو موضع يرققه فإذا أُتِيَ من قِبَلِ القاصِعاء ضرب النافِقاء برأْسه فانْتَفَق أَي خرج والجمع النَّوَافِقُ. اهـ ("لسان العرب" /8/ص657 /مادة ن-ف-ق /دار الحديث).
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ولما تقرَّر عند الصحابة - رضي الله عنهم - أنَّ النفاق هو اختلافُ السرِّ والعلانية خشي بعضهم على نفسه أنْ يكونَ إذا تغير عليه حضورُ قلبه ورقتُه وخشوعه عندَ سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أنْ يكونَ ذلك منه نفاقاً، كما في "صحيح مسلم"() عن حنظلة الأسيدي أنَّه مرَّ بأبي بكر وهو يبكي، فقال: ما لك؟ قالَ : نافق حنظلةُ يا أبا بكر، نكون عندَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُذكِّرُنا بالجنة والنار كأنّا رأيُ عين، فإذا رجعنا، عافَسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً، قالَ أبو بكر: فوالله إنّا لكذلك، فانطلقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ : «ما لك يا حَنْظَلة؟» قال: نافق حنظلة يا رسولَ الله، وذكر له مثلَ ما قال لأبي بكر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو تَدُومونَ على الحال التي تقومون بها من عندي، لصَافَحَتكُم الملائكة في مجالسكم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً». ("جامع العلوم والحكم" - الحديث الثامن والأربعون/ص 750/ط. دار ابن رجب).
معنى السيد:
قال ابن الأثير رحمه الله: والسَّيّد يُطْلق على الربِّ، والمالِك، والشَّرِيف، والفاَضِل، والكَرِيم، والحَليِم، ومُتَحمِّل أذَى قَومِه، والزَّوج، والرئيس، والمقدَّم . وأصله من ساَدَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقُلبت الواو ياء لأجْل الياءِ السَّاكِنَة قبلها ثم أدغمت. ("النهاية في غريب الأثر" /2/ص 1029).
الحديث الثاني: «إن الله عز وجل يغضب إذا مدح الفاسق في الأرض».
معنى المدح:
قال ابن منظور رحمه الله: المدح نقيض الهجاء وهو حسن الثناء. ("لسان العرب" /2/ص589).
معنى الفاسق:
الفاسق هو الخارج عن طاعة الله كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: 50].
قال ابن منظور رحمه الله: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق. ("لسان العرب (10/ 308).
وقال القرطبي رحمه الله: والفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عزوجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان. ("الجامع لأحكام القرآن"/1/ص 246).
الحديث الثالث: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام».
معنى البدعة:
البدعة هي طريقة –عقدية أو قولية أو فعلية- مخترعة في الدين ليست من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الصحابة رضي الله عنهم. قال الجوهري رحمه الله: والبدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال. ("الصحاح في اللغة"/1/ص35).
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: وهو ما لم يكن في عصر النبي مما فعله أو أقر عليه أو علم مع قواعد شريعته الإذن فيه وعدم النكير عليه نحو ما سنشرحه في الفصل الآتي عقيب هذا الفصل، وفي معنى ذلك ما كان في عصر الصحابه رضى الله عنهم مما أجمعوا عليه قولا أو فعلا أو تقريراً. ("الباعث على إنكار البدع والحوادث"/ص 20).
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله: فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصها بالعبادات. وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول : البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية. ("الاعتصام"/ص 26).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فالبدعة ضد الشرعة، والشرعة ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، وإن لم يفعل على عهده كالاجتماع في التراويح على إمام واحد وجمع القرآن في المصحف . وقتل أهل الردة والخوارج ونحو ذلك . وما لم يشرعه الله ورسوله، فهو بدعة وضلالة : مثل تخصيص مكان أو زمان باجتماع على عبادة فيه كما خص الشارع أوقات الصلوات وأيام الجمع والأعياد. وكما خص مكة بشرفها والمساجد الثلاثة وسائر المساجد بما شرعه فيها من الصلوات وأنواع العبادات كل بحسبه؛ وبهذا التفسير يظهر الجمع بين أدلة الشرع من النصوص والإجماعات، فإن المراد بالبدعة ضد الشرعة وهو ما لم يشرع في الدين، فمتى ثبت بنص أو إجماع في فعل أنه مما يحبه الله ورسوله، خرج بذلك عن أن يكون بدعة. ("مجموع الفتاوى"/23 /ص133-134).
وقال رحمه الله: والبدعة : ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات؛ كأقوال الخوارج والروافض والقدرية والجهمية، وكالذين يتعبدون بالرقص والغناء في المساجد، والذين يتعبدون بحلق اللحي وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم. ("مجموع الفتاوى"/18/ص346).
الباب السادس: حكم توقير أهل الباطل
إن أهل الباطل هم الذين أهانوا أنفسهم بدناءة المعاصي، فخرجوا عن طاعة الله العلي العظيم وأطاعوا الشيطان الدنيء الرجيم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في عقوبات المعاصي: ومن عقوباتها: أنها تصغِّر النفس، وتقمعها، وتدسِّيها، وتحقِّرها حتى تصير أصغر كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنمها، وتزكيها، وتكبرها. قال تعالى: ﴿قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها﴾ والمعنى: قد أفلح من كبرها، وأعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خسر من أخفاها، وحقرها، وصغرها بمعصية الله. وأصل التدسية: الإخفاء، منه قوله تعالى: ﴿يدسّه في التراب﴾. فالعاصي يدسّ نفسه في المعصية، ويخفي مكانها، ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به، قد انقمع عند نفسه، وانقمع عند الله، وانقمع عند الخلق. فالطاعة والبر تكبِّر النفس، وتعزها، وتعليها حتى تصير أشرف شيء، وأكبره، وأزكاء، وأعلاه. ومع ذلك فهي أذلّ شيء وأحقره وأصغره لله تعالى. وبهذا الذلّ حصل لها هذا العز والشرف والنمو. فما صغر النفس مثل معصية الله، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله. ("الجواب الكافي"/ص52-53).
ولا شك أنه لا يجوز مدح الفاسق وتوقير المبتدعة، فضلا عن المنافق نفاقاً اعتقادياً، لأن حقهم الإذلال والإهانة. ولا نعظِّم أعداء الله ومن أذلّهم الله. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ [المجادلة/20]. وقال جل ذكره: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: 152].
قال شيخ الإسلام -رحمه الله -: والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله والمهان عندهم من أهانه الله، بحسب ما يرضى الله ورسوله لا بحسب الأهواء فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فانه لا يضر إلا نفسه فهذا هو الأصل الذى عليهم اعتماده. ("مجموع الفتاوى" /28 /ص 17).
وأما تعظيم المبطلين فإنه يخالف منهج السلف.
قال الإمام الآجري رحمه الله: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية ، وكل من ينسب إلى المعتزلة ، وجميع الروافض ، وجميع النواصب ، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة ، وصح عنه ذلك ، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه ، ولا يجالس ولا يصلي خلفه ، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه ، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله ، بل يذله بالهوان له ، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. ("الشريعة"/ باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء /للآجري).
وقال شمس الحق آبادي رحمه الله في شأن المنافق: وهو ممن لا يستحق التعظيم. ("عون المعبود"/13/ص221).
بل من وقّر المبتدع فقد خالف الإجماع.
قال الإمام أبو عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمـن الصابوني - رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. ("عقيدة السلف وأصحاب الحديث" /ص 114/دار المنهاج).
فتعظيم الفاسق والمبطل، والقول بأن المنافق سيد يعتبر معصية، والمعصية سبب لعموم وعيد الله، فلا يجوز ذلك، إلا عند خوف من الضرر.
قال الطيبي رحمه الله: ومولانا داخل في هذا الوعيد . بل أشد . وكذا قوله: أستاذي . والكلام في حر قال ذلك عند أمن الفتنة . أما لو قال عبدا وأمة لمالكه أو مالكها أو قاله حر لخوف الفتنة لو لم يقله فلا يدخل في هذا الوعيد. (كما في "فيض القدير شرح الجامع الصغير"/1/ص411).
وهذا الصنيع يعتبر محادة لله وتغريراً لمن يعرف حال هذا الفاسق، فازداد الضرر واستحق فاعله الإثم.
قال المناوي رحمه الله: فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل والإشعار باستحسان فسقه وإغرائه على إقامته. ("فيض القدير"/1/ص441).
وهذا الصنيع فعله كثير من المميعين والمرائين الذين يطلبون الجاه والرياسة من أهل الدنيا.
قال المناوي رحمه الله: وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا. ("فيض القدير"/1/ص441).
وهذا الصنيع يعين على هدم الإسلام كما قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("حلية الأولياء"/8/ص103/حسن الإسناد).
قال المناوي رحمه الله: لأن المبتدع مخالف للسنة مائل عن الاستقامة ومن وقره حاول اعوجاج الاستقامة لأن معاونة نقيض الشيء معاونة لرفع ذلك الشيء، فكان الظاهر أن يقال: من وقر المبتدع فقد استخف السنة، فوضع موضعه أعان على هدم الإسلام إيذانا بأن مستخف السنة مستخف للإسلام، ومستخفه هادم لبنائه، وهو من باب التغليظ. فإذا كان هذا حال الموقر فما حال المبتدع. ومفهومه أن من وقر صاحب سنة فقد أعان على تشييد الإسلام ورفع بنائه. ("فيض القدير"/6/ص237).
وعلى سبيل المثال: فالرافضة يسعون جادين على هدم الإسلام تماماً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالرافضة تنتحل النقل عن أهل البيت لما لا وجود له . وأصل من وضع ذلك لهم زنادقة، مثل رئيسهم الأول عبد الله بن سبأ، الذي ابتدع لهم الرفض، ووضع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة، وأنه ظُلِم ومُنِع حقه، وقال : إنه كان معصومًا، وغرض الزنادقة بذلك التوسل إلى هدم الإسلام؛ ولهذا كان الرفض باب الزندقة والإلحاد، فالصابئة المتفلسفة ومن أخذ ببعض أمورهم، أو زاد عليهم من القرامطة والنصيرية والإسماعيلية والحاكمية وغيرهم إنما يدخلون إلى الزندقة والكفر بالكتاب والرسول، وشرائع الإسلام من باب التشيع والرفض، والمعتزلة ونحوهم تنتحل القياس والعقل . وتطعن في كثير مما ينقله أهل السنة والجماعة، ويعللون ذلك بما ذكر من الاختلاف ونحوه . وربما جعل ذلك بعض أرباب الملة من أسباب الطعن فيها، وفي أهلها، فيكون بعض هؤلاء المتعصبين ببعض هذه الأمور الصغار ساعيًا في هدم قواعد الإسلام الكبار . ("مجموع الفتاوى"/22/ص367).
فمن وقّرهم أو مدحهم أو سيّدهم فقد أعان على هدم الإسلام.
والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
صنعاء 5 شوال 1435 من الهجرة.
في أحاديث ذمّ مدح الفاسق،
وتسييد المنافق, وتوقير المبتدعة
كتبها الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فقد ورد سؤال: ما حال حديث: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أغضبتم ربكم؟».
فأحبّ أن أجيب السؤال لا من أجل قضية محمد بن عبد الله الريمي الملقّب بـ: "الإمام"، ولكن من باب الدراسة العلمية في مصطلح الحديث وشئون المنهج السلفي.
فأرى أن أنشئ دراسة متواضعة في هذا الحديث، ثم أردفها بدراسة حديث توقير المبتدع ومدح الفاسق، سنداً ومتناً،
فأقول مستعيناً بالله تعالى معترفاً بأنه لا حول ولا قوة إلا به:
الباب الأول: دراسة متواضعة في حديث تسييد المنافق
إن الحديث أخرجه الإمام أحمد (22989) وأبو داود (4977) والبخاري في الأدب المفرد (460) والنسائي في "السنن الكبرى" (10073)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4542)، والمحاملي في الأمالي (379)، وابن منده في التوحيد (279)، كلهم عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم».
رجاله ثقات، غير أن سماع قتادة عن عبد الله بن بريدة تُكلم فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله: ولا يعرف سماع قتادة من بن بريدة. ("التاريخ الكبير"/4/ص12).
قال الترمذي رحمه الله: وقد قال بعض أهل العلم لا نعرف لقتادة سمعا من عبد الله بن بريدة. ("سنن الترمذي"/3/ص310).
وقتادة بن دعامة حافظ عصره، مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره، وهو في المرتبة الثالثة في "طبقات المدلسين" (ص 43) الذين قال فيهم الحافظ ابن حجر رحمه الله: الثالثة : من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من ردّ حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبلهم. ("طبقات المدلسين"/ص13).
فالحديث لا يصح بهذا السند.
والحديث جاء من وجه آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك" (7865))، وذكره البيهقي في "شعب الإيمان" (4542)، من طريق عقبة بن عبد الله الأصم: ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إذا قال الرجل للمنافقين يا سيد فقد أغضب ربه تبارك و تعالى».
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في "التلخيص" (6/ص336) تحت هذا الحديث: عقبة بن الأصم ضعيف.
عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي العبدي البصري ضعيف جداً. وقال عمرو بن علي: كان ضعيفاً واهي الحديث ليس بالحافظ. ("تهذيب التهذيب"/7/ص217).
ولا أستبعد أن يسمع قتادة هذا الحديث من هذا الراوي الضعيف فلم يصرّح به، والله أعلم.
قال شيخنا العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري حفظه الله: أما حديث: «لا تقولوا للمنافق يا سيد؛ فإن يك سيدا أسخطتم ربكم» فهو حديث ضعيف منقطع من طريق قتادة ولم يسمع من عبد الله بن بريدة. ("الإفتاء على الأسئلة الواردة من دول شتى"/الأسئلة الإندونيسية /3 جمادى الثانية 1425 هـ).
والله تعالى أعلم بالصواب.
الباب الثاني: دراسة متواضعة في حديث مدح الفاسق
قد جاءت رواية في ذم مدح الفاسق، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
قال الإمام البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي إملاء، نا أبو زرعة الرازي، نا عيسى بن إبراهيم القرشي، نا المعافى بن عمران الموصلي، نا سابق وهو ابن عبد الله الرقي، عن أبي خلف، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يغضب إذا مدح الفاسق في الأرض». ("شعب الإيمان"/ (4543)).
وقال أيضا رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ، نا يعقوب بن إسحاق الهمداني، نا رباح بن الجراح، نا سابق البربري، عن أبي خلف، خادم أنس، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مدح الفاسق غضب الرب، واهتز له العرش». ("شعب الإيمان"/ (4544)).
في السند الأول سابق بن عبد الله الرقي، وفي الثاني سابق البربري.
قال الحافظ ابن عدي رحمه الله: وأظنّ أن سابق صاحب حديث: «إذا مدح الفاسق» وليس هو بالرقي لأن الرقي أحاديثه مستقيمة عن مطرف وأبي حنيفة وكل من روى حديثاً عن مطرف وأبي حنيفة وغيرهما، فلا أدري سابق هذا الذي ذكر في هذه النسخة هو الذي روى حديث: «إذا مدح الفاسق» أو غيره والله أعلم. وسابق البربري الذي يذكر هو غير ما ذكرت، وسابق البربري إنما له كلام في الحكمة وفي الزهد وغيره. ("الكامل في الضعفاء"/3/ص466).
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ترجمة سابق بن عبدالله الرقى: عن أبي خلف، عن أنس: «إذا مدح الفاسق اهتز العرش». رواه عنه المعافى بن عمران، وهذا خبر منكر، ولكن أبو خلف لا يعرف. ("ميزان الاعتدال"/2/ص109).
أبو خلف خادم أنس هو أبو خلف الأعمى البصري خادم أنس، نزل الموصل، قيل: اسمه حازم بن عطاء. قال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث ليس بالقوي. وقال ابن معين في الأعمى الراوي عن أنس: كذاب. ("تهذيب التهذيب"/12/ص95).
فالحديث موضوع.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فقد جاء في حديث أنس رفعه: «إذا مدح الفاسق غضب الرب» أخرجه أبو يعلى، وابن أبي الدنيا في "الصمت"، وفي سنده ضعف. ("فتح الباري" /10/ص478).
الباب الثالث: دراسة متواضعة في حديث توقير المبتدع
قد جاءت بعض الروايات في ذم توقير المبتدع، منها:
الرواية الأولى: حديث عائشة رضي الله عنها:
قال الإمام الطبراني رحمه الله: حدثنا محمد بن أبي زرعة نا هشام بن خالد نا الحسن بن يحيى الخشني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام». لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا الحسن بن يحيى الخشني. ("المعجم الأوسط"/(6772)).
محمد بن أبي زرعة، هو محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، لم أجد من يوثقه من المعتبرين. (راجع "تاريخ دمشق"/54/ص97).
وهشام بن خالد هو ابن يزيد بن مروان الأزرق أبو مروان الدمشقي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/11/ص35).
والحسن بن يحيى الخشني هو أبو عبد الملك الدمشقي صدوق له مناكير حتى حكم عليه بعض الحفاظ بالترك. ("تهذيب التهذيب"/2/ص281).
وجعل ابن عدي هذا الحديث: (من وقر صاحب بدعة) من مناكيره وقال: فلا أدري سرق هذا الحديث من الكتاب أم لا. ("الكامل في الضعفاء"/2/ص324).
وقد أخرج الحديث الإمام الآجري رحمه الله من طريق هشام بن خالد الدمشقي به. ("الشريعة"/للآجري/(1968)).
فالحديث بهذا السند ضعيف جداً من أجل الحسن بن يحيى الخشني.
وللإمام الآجري رحمه الله سند آخر حيث قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال : حدثنا أحمد بن سفيان المصري قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام». ("الشريعة"/للآجري /(1969)).
أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي وكان صالحا متنسكاً. ("تاريخ بغداد"/12/ص153).
أحمد بن سفيان المصري، لم أجد له ترجمة. وفي طبقته أحمد بن سفيان أبو سفيان النسائي ويقال المروزي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/1/ص29).
يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي تُكلم فيه، ولكنه كان جاراً لِلّيث بن سعد وهو أثبت الناس فيه. ("تهذيب التهذيب"/11/ص208).
الحديث بهذا السند صالح للشواهد على أقلّ أحواله.
والحديث بهذا السند أخرجه ابن عساكر رحمه الله في "تاريخ دمشق" (26/ص456).
الرواية الثانية: حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنهما:
قال أبو نعيم رحمه الله: حدثنا سليمان بن علان الوراق ثنا محمد بن محمد الواسطي ثنا أحمد بن معاوية بن بكر ثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الاسلام» غريب من حديث خالد تفرد به عيسى عن ثور. ("حلية الأولياء"/5/ص218).
سليمان بن علان الوراق لم أجد له ترجمة.
ومحمد بن محمد الواسطي هو محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي، الإمام الحافظ الكبير، محدث العراق أبو بكر، أحد أئمة هذا الشأن ببغداد. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص383).
وأحمد بن معاوية بن بكر هو الباهلي، حدث عن الثقات بالبواطيل، ويسرق الحديث. ("الكامل في الضعفاء"/1/ص173).
ومن هنا علمنا أن تفرد عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد بهذا الإسناد لهذا الحديث جاء من قبل أحمد بن معاوية الباهلي السارق. فالحديث بهذا السند موضوع.
الرواية الثالثة: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:
قال الإمام الطبراني رحمه الله: حدثنا أحمد بن النضر العسكري ثنا سليمان بن سلمة الخبائري ثنا بقية بن الوليد ثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام». ("مسند الشاميين"/(413)).
أحمد بن النضر العسكري هو ابن بحر أبو جعفر العسكري، كان من ثقات الناس وأكثرهم كتاباً. ("تاريخ بغداد"/5/ص185).
وسليمان بن سلمة الخبائري هو أبو أيوب الحمصى، متروك، وكان يكذب. ("ميزان الاعتدال"/2/ص209).
بقية بن الوليد مدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في شيخ ثور بن يزيد.
وثور بن يزيد هو ابن زياد الكلاعي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/2/ص30).
وخالد بن معدان ثقة، ولكن قال أبو حاتم الرازي: حديثه عن معاذ مرسل، ربما كان بينهما اثنان. ("تهذيب التهذيب"/3/ص102).
وقد تابع أحمد بن النضر: صاحب بن محمود فرواه عن سليمان بن سلمة عن بقية بن الوليد به. (أخرجه أبو بكر الشاشي في "المسند" (1326)).
فالحديث ضعيف جدّاً من أجل سليمان بن سلمة.
وقد تابع سليمان بن سلمة: عمرو بن عثمان الحمصي، أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ص97).
وعمرو بن عثمان الحمصي هو ابن سعيد بن كثير، أبو حفص الحمصي، ثقة. ("تهذيب التهذيب"/8/ص66).
بقية بن الوليد مدلس تدليس التسوية، وقد عنعن في شيخ ثور بن يزيد.
فالحديث ضعيف من أجل عنعنة بقية بن الوليد والانقطاع بين خالد بن معدان ومعاذ بن جبل رضي الله عنه.
الرواية الرابعة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
قال الإمام ابن عدي رحمه الله: ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن الفرج ثنا الربيع بن سليمان يعني الجيزي ثنا أبو عبيد بهلول بن عبيد قال: ثنا عبد الملك بن جريج سمعت عطاء يذكر عن بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «من وقر أهل البدع فقد أعان على هدم الإسلام». ("الكامل في الضعفاء"/2/ 65).
في سنده بهلول بن عبيد أو ابن عبد الله الكندي يكنى أبا عبيد بصري. قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث ذاهب. وقال: أبو زرعة الرازي: ليس بشيء منكر الحديث. ("الجرح والتعديل"/2/ص429).
فالحديث بهذا السند ضعيف جداً.
الراواية الخامسة: حديث إبراهيم بن ميسرة مرسلا:
قال الإمام البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق الصنعاني نا محمد بن إسحاق أنا أبو همام نا حسان بن إبراهيم عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("شعب الإيمان"/7/ص60-61).
أبو العباس محمد بن يعقوب ثقة إمام.
ومحمد بن إسحاق الصنعاني مجهول الحال.
ومحمد بن إسحاق الثاني هو أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام الحافظ الثقة، شيخ الاسلام. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص388).
وأبو همام هو الوليد بن شجاع السكوني الكوفى الحافظ، صدوق. ("ميزان الاعتدال"/4/ص339).
وحسان بن إبراهيم هو ابن عبد الله الكرماني، صدوق. ("تهذيب التهذيب"/2/ص214).
ومحمد بن مسلم الطائفي هو ابن سوسن الطائفي، صدوق على الراجح. ("تهذيب التهذيب"/9/ص393).
وإبراهيم بن ميسرة ثقة كثير الحديث. ("تهذيب التهذيب"/1/ص150).
هذا الحديث مرسل ضعيف.
فلا يثبت عندي حديث في هذا الباب، والله أعلم.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: حديث: «من وقر صاحب البدعة فقد أعان على هدم الإسلام. فيه بهلول بن عبيد -عن ابن جريج- قال ابن حبان يسرق الحديث.
ورواه أحمد بن معاوية -وهو متهم- ثنا عيسى بن يونس عن ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر مرفوعاً مثل الذي قبله.
ورواه الحسن بن يحيى الخشني -متروك- عن هشام عن أبيه عن عائشة مثله.
(انتهى من " تلخيص كتاب الموضوعات" /للذهبي/ص81).
وقال الإمام السخاوي رحمه الله: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام»، وأسانيده ضعيفة، بل قال ابن الجوزي: كلها موضوعة. ("المقاصد الحسنة" /للسخاوي/ص646-647).
وقال الحافظ العراقي رحمه الله: حديث: «إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق» أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت"، وابن عدي في "الكامل" وأبو يعلى، والبيهقي في "الشعب" من حديث أنس بسند ضعيف. وفي حديث آخر: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام»، حديث: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام» غريب بهذا اللفظ. والمعروف: «من وقّر صاحب بدعة» الحديث رواه ابن عدي من حديث عائشة، والطبراني في "الأوسط"، وأبو نعيم في "الحلية" من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة. ("تخريج الإحياء"/للحافظ العراقي /2/ص397).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: حديث: «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» إسناده ضعيف. ("الفوائد المجموعة"/ص211).
الباب الرابع: دراسة متواضعة في آثار ذم توقير المبتدعة
وجاءت بعض الآثار في هذا الباب منها:
الأثر الأول: قول إبراهيم بن ميسرة رحمه الله:
قال الإمام اللالكائي رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد بن محمد الحناط ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ، قال : حدثنا محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : ومن وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"/للالكائي (240)).
محمد بن عبد الرحمن بن جعفر، لم أجد له ترجمة.
سعيد بن محمد الحناط هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد الحناط الحافظ المعروف. ("تهذيب الكمال"/27/ص38).
وإسحاق بن إبراهيم ، هو إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم بن كامجرا أبو يعقوب المروزي، صدوق. ("تهذيب التهذيب"/1/ص195).
حسان بن إبراهيم الكرماني صدوق كما سبق.
محمد بن مسلم هو الطائفي ، صدوق كما سبق. ("تهذيب التهذيب"/9/ص393).
فأثر إبراهيم ضعيف من أجل محمد بن عبد الرحمن بن جعفر.
الأثر الثاني: قول الفضيل بن عياض رحمه الله:
قال أبو نعيم رحمه الله: حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر ومحمد بن علي قالا: ثنا أبو يعلى ثنا عبدالصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("حلية الأولياء"/8/ص103).
عبد الله بن محمد بن جعفر شيخ أبي نعيم هو الإمام الحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، المعروف بأبي الشيخ، صاحب التصانيف. ("سير أعلام النبلاء"/16/ص276).
ومحمد بن علي هو محمد بن علي بن حبيش الناقد، ثقة ثبت. ("تاريخ بغداد"/3/ص86).
وأبو يعلى هو الموصلي الإمام الثقة المشهور.
وعبد الصمد بن يزيد مردويه صاحب الفضيل بن عياض يكنى أبا عبد الله ويقال له مردويه الصائغ يروي حكايات قال ابن عدي: لا أعرف له شيئاً مسنداً. قال أبو يعلى الموصلي: وقال يحيى بن معين لمردويه: كيف سمعت كلام فضيل؟ قال: أطراف، قال: كنت تقول له كذا وكذا، قال: أي ضعفه يحيى. مات مردويه سنة خمس وثلاثين ومائتين انتهى. وهذا الظن يخالف ما رواه إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أنه قال: سألت يحيى بن معين عن مردويه الصائغ، فقال: لا بأس به، ليس ممن يكذب. وقال الحسين بن قهم: كان ثقة من أهل السنة، والورع، وقد كتب الناس عنه. ("لسان الميزان"/2 / ص 114 /دار الكتاب الإسلامي).
فالأثر إلى فضيل بن عياض رحمه الله حسن، والحمد لله رب العالمين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما قوله : "من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا" ، وقوله: "من وقَّرَ صاحب بدعة أعان على هَدْم الإسلام" ونحو ذلك، فهذا الكلام معروف عن الفُضَيْل بن عِيَاض. ("مجموع الفتاوى"/18/ص346).
الأثر الثالث: قول أبي إسحاق الهمداني رحمه الله:
قال الإمام أبو جعفر الفريابي رحمه الله: حدثني إسماعيل بن سيف ، حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ، قال : سمعت أن أبا إسحاق الهمداني يقول : من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("القدر" /للفريابي /(341)).
إسماعيل بن سيف ، من هو؟ قد ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي جعفر الفريابي أن من مشايخه: إسماعيل بن سيف الرياحي. ("سير أعلام النبلاء"/14/ص102).
وفي "الجرح والتعديل" (2/ص176) لابن أبي حاتم ذكر: إسماعيل بن سيف أبو إسحاق روى عن عون بن عمرو أخى رياح القيسي، وذكر أن أباه –أبا حاتم الرازي قال: هو مجهول اهـ.
وهناك إسماعيل بن سيف بصري حدث بأحاديث عن الثقات غير محفوظة ويسرق الحديث، قاله ابن عدي رحمه الله. ("الكامل في الضعفاء"/1/ص324).
ويحتمل أنهما واحد. قال ابن حجر رحمه الله بعد ذكر تراجمتهما: وعندي أنه الذي قبله. ("لسان الميزان"/1/ص410).
حسان بن إبراهيم الكرماني صدوق.
والأثر أخرجه الإمام الآجري رحمه الله في "الشريعة" (1972) من طريق الفريابي به.
فالأثر إلى أبي إسحاق الهمداني إما ضعيف خفيف وإما ضعيف شديد، فلا يثبت بأي احتمالين.
الأثر الرابع: قول الحسن البصري رحمه الله:
قال ابن الأعرابي رحمه الله: نا عبد الله ، نا داود بن المحبر ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن قال: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("معجم ابن الأعرابي"/(1090)).
عبد الله هو عبد الله بن محمد بن أيوب بن صبيح أبو محمد المخرمي، صدوق. ("تاريخ بغداد"/10/ص81).
وداود بن المحبر هو داود بن المحبر بن قحذم، أبو سليمان البصري، متروك. ("ميزان الاعتدال"/2/ص20).
والربيع بن صبيح هو أبو بكر البصري فيه ضعف. ("تهذيب التهذيب"/3/ص214).
فأثر الحسن ضعيف جداً.
الخلاصة: لا يثبت عندي –على قصر باعي- أثر في هذا الباب إلا أثر من الإمام الثقة السلفي الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله، وهو أثر حسن الإسناد، والحمد لله رب العالمين.
الباب الخامس: مفردات الأحاديث
قبل أن نشرع في الكلام على حكم تسييد المنافق، وتوقير المبتدع، ومدح الفاسق، نذكر شيئا من مفردات الأحاديث:
مفردات الحديث الأول: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم».
معنى المنافق:
قال ابن الأثير رحمه الله: نافقَ يُنَافق مُنافَقةً ونِفاقا وهو مأخوذ من النَّافِقاء : أحَد جِحَرة اليَرْبوع إذا طُلِب من واحِدٍ هرَب إلى الآخَر وخرَج منه. وقيل: هو من النَّفَق: وهو السَّرَب الذي يُسْتَتَر فيهِ لِسَتْرِه كُفْرَه. ("النهاية في غريب الأثر" /5/ ص 82/مادة ن-ف-ق/المكتبة العصرية).
قال ابن منظور رحمه الله: قال أبو عبيد: سمي المنافقُ مُنافقاً للنَّفَق وهو السَّرَب في الأَرض وقيل إنما سمي مُنافقاً لأنه نافَقَ كاليربوع وهو دخوله نافقاءه يقال قد نفق به ونافَقَ وله جحر آخر يقال له القاصِعاء فإذا طلِبَ قَصَّع فخرج من القاصِعاء فهو يدخل في النافِقاء ويخرج من القاصِعاء أو يدخل في القاصِعاء ويخرج من النافِقاء فيقال هكذا يفعل المُنافق يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه. الجوهري: والنافِقاء إحدى جِحَرةَ اليَرْبوع يكتمها ويُظْهر غيرها وهو موضع يرققه فإذا أُتِيَ من قِبَلِ القاصِعاء ضرب النافِقاء برأْسه فانْتَفَق أَي خرج والجمع النَّوَافِقُ. اهـ ("لسان العرب" /8/ص657 /مادة ن-ف-ق /دار الحديث).
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ولما تقرَّر عند الصحابة - رضي الله عنهم - أنَّ النفاق هو اختلافُ السرِّ والعلانية خشي بعضهم على نفسه أنْ يكونَ إذا تغير عليه حضورُ قلبه ورقتُه وخشوعه عندَ سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أنْ يكونَ ذلك منه نفاقاً، كما في "صحيح مسلم"() عن حنظلة الأسيدي أنَّه مرَّ بأبي بكر وهو يبكي، فقال: ما لك؟ قالَ : نافق حنظلةُ يا أبا بكر، نكون عندَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُذكِّرُنا بالجنة والنار كأنّا رأيُ عين، فإذا رجعنا، عافَسنا الأزواج والضيعة فنسينا كثيراً، قالَ أبو بكر: فوالله إنّا لكذلك، فانطلقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ : «ما لك يا حَنْظَلة؟» قال: نافق حنظلة يا رسولَ الله، وذكر له مثلَ ما قال لأبي بكر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو تَدُومونَ على الحال التي تقومون بها من عندي، لصَافَحَتكُم الملائكة في مجالسكم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً». ("جامع العلوم والحكم" - الحديث الثامن والأربعون/ص 750/ط. دار ابن رجب).
معنى السيد:
قال ابن الأثير رحمه الله: والسَّيّد يُطْلق على الربِّ، والمالِك، والشَّرِيف، والفاَضِل، والكَرِيم، والحَليِم، ومُتَحمِّل أذَى قَومِه، والزَّوج، والرئيس، والمقدَّم . وأصله من ساَدَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقُلبت الواو ياء لأجْل الياءِ السَّاكِنَة قبلها ثم أدغمت. ("النهاية في غريب الأثر" /2/ص 1029).
الحديث الثاني: «إن الله عز وجل يغضب إذا مدح الفاسق في الأرض».
معنى المدح:
قال ابن منظور رحمه الله: المدح نقيض الهجاء وهو حسن الثناء. ("لسان العرب" /2/ص589).
معنى الفاسق:
الفاسق هو الخارج عن طاعة الله كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: 50].
قال ابن منظور رحمه الله: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق. ("لسان العرب (10/ 308).
وقال القرطبي رحمه الله: والفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عزوجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان. ("الجامع لأحكام القرآن"/1/ص 246).
الحديث الثالث: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام».
معنى البدعة:
البدعة هي طريقة –عقدية أو قولية أو فعلية- مخترعة في الدين ليست من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الصحابة رضي الله عنهم. قال الجوهري رحمه الله: والبدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال. ("الصحاح في اللغة"/1/ص35).
وقال الإمام أبو شامة رحمه الله: وهو ما لم يكن في عصر النبي مما فعله أو أقر عليه أو علم مع قواعد شريعته الإذن فيه وعدم النكير عليه نحو ما سنشرحه في الفصل الآتي عقيب هذا الفصل، وفي معنى ذلك ما كان في عصر الصحابه رضى الله عنهم مما أجمعوا عليه قولا أو فعلا أو تقريراً. ("الباعث على إنكار البدع والحوادث"/ص 20).
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله: فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه، وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصها بالعبادات. وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول : البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية. ("الاعتصام"/ص 26).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فالبدعة ضد الشرعة، والشرعة ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب، وإن لم يفعل على عهده كالاجتماع في التراويح على إمام واحد وجمع القرآن في المصحف . وقتل أهل الردة والخوارج ونحو ذلك . وما لم يشرعه الله ورسوله، فهو بدعة وضلالة : مثل تخصيص مكان أو زمان باجتماع على عبادة فيه كما خص الشارع أوقات الصلوات وأيام الجمع والأعياد. وكما خص مكة بشرفها والمساجد الثلاثة وسائر المساجد بما شرعه فيها من الصلوات وأنواع العبادات كل بحسبه؛ وبهذا التفسير يظهر الجمع بين أدلة الشرع من النصوص والإجماعات، فإن المراد بالبدعة ضد الشرعة وهو ما لم يشرع في الدين، فمتى ثبت بنص أو إجماع في فعل أنه مما يحبه الله ورسوله، خرج بذلك عن أن يكون بدعة. ("مجموع الفتاوى"/23 /ص133-134).
وقال رحمه الله: والبدعة : ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات؛ كأقوال الخوارج والروافض والقدرية والجهمية، وكالذين يتعبدون بالرقص والغناء في المساجد، والذين يتعبدون بحلق اللحي وأكل الحشيشة، وأنواع ذلك من البدع التي يتعبد بها طوائف من المخالفين للكتاب والسنة، والله أعلم. ("مجموع الفتاوى"/18/ص346).
الباب السادس: حكم توقير أهل الباطل
إن أهل الباطل هم الذين أهانوا أنفسهم بدناءة المعاصي، فخرجوا عن طاعة الله العلي العظيم وأطاعوا الشيطان الدنيء الرجيم.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في عقوبات المعاصي: ومن عقوباتها: أنها تصغِّر النفس، وتقمعها، وتدسِّيها، وتحقِّرها حتى تصير أصغر كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنمها، وتزكيها، وتكبرها. قال تعالى: ﴿قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها﴾ والمعنى: قد أفلح من كبرها، وأعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خسر من أخفاها، وحقرها، وصغرها بمعصية الله. وأصل التدسية: الإخفاء، منه قوله تعالى: ﴿يدسّه في التراب﴾. فالعاصي يدسّ نفسه في المعصية، ويخفي مكانها، ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به، قد انقمع عند نفسه، وانقمع عند الله، وانقمع عند الخلق. فالطاعة والبر تكبِّر النفس، وتعزها، وتعليها حتى تصير أشرف شيء، وأكبره، وأزكاء، وأعلاه. ومع ذلك فهي أذلّ شيء وأحقره وأصغره لله تعالى. وبهذا الذلّ حصل لها هذا العز والشرف والنمو. فما صغر النفس مثل معصية الله، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله. ("الجواب الكافي"/ص52-53).
ولا شك أنه لا يجوز مدح الفاسق وتوقير المبتدعة، فضلا عن المنافق نفاقاً اعتقادياً، لأن حقهم الإذلال والإهانة. ولا نعظِّم أعداء الله ومن أذلّهم الله. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ [المجادلة/20]. وقال جل ذكره: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الأعراف: 152].
قال شيخ الإسلام -رحمه الله -: والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله والمهان عندهم من أهانه الله، بحسب ما يرضى الله ورسوله لا بحسب الأهواء فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فانه لا يضر إلا نفسه فهذا هو الأصل الذى عليهم اعتماده. ("مجموع الفتاوى" /28 /ص 17).
وأما تعظيم المبطلين فإنه يخالف منهج السلف.
قال الإمام الآجري رحمه الله: ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة أن يهجر جميع أهل الأهواء من الخوارج والقدرية والمرجئة والجهمية ، وكل من ينسب إلى المعتزلة ، وجميع الروافض ، وجميع النواصب ، وكل من نسبه أئمة المسلمين أنه مبتدع بدعة ضلالة ، وصح عنه ذلك ، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه ، ولا يجالس ولا يصلي خلفه ، ولا يزوج ولا يتزوج إليه من عرفه ، ولا يشاركه ولا يعامله ولا يناظره ولا يجادله ، بل يذله بالهوان له ، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك. ("الشريعة"/ باب ذكر هجرة أهل البدع والأهواء /للآجري).
وقال شمس الحق آبادي رحمه الله في شأن المنافق: وهو ممن لا يستحق التعظيم. ("عون المعبود"/13/ص221).
بل من وقّر المبتدع فقد خالف الإجماع.
قال الإمام أبو عثمان إسماعيل ابن عبد الرحمـن الصابوني - رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. ("عقيدة السلف وأصحاب الحديث" /ص 114/دار المنهاج).
فتعظيم الفاسق والمبطل، والقول بأن المنافق سيد يعتبر معصية، والمعصية سبب لعموم وعيد الله، فلا يجوز ذلك، إلا عند خوف من الضرر.
قال الطيبي رحمه الله: ومولانا داخل في هذا الوعيد . بل أشد . وكذا قوله: أستاذي . والكلام في حر قال ذلك عند أمن الفتنة . أما لو قال عبدا وأمة لمالكه أو مالكها أو قاله حر لخوف الفتنة لو لم يقله فلا يدخل في هذا الوعيد. (كما في "فيض القدير شرح الجامع الصغير"/1/ص411).
وهذا الصنيع يعتبر محادة لله وتغريراً لمن يعرف حال هذا الفاسق، فازداد الضرر واستحق فاعله الإثم.
قال المناوي رحمه الله: فمن مدحه فقد وصل ما أمر الله به أن يقطع وواد من حاد الله مع ما في مدحه من تغرير من لا يعرف حاله وتزكية من ليس لها بأهل والإشعار باستحسان فسقه وإغرائه على إقامته. ("فيض القدير"/1/ص441).
وهذا الصنيع فعله كثير من المميعين والمرائين الذين يطلبون الجاه والرياسة من أهل الدنيا.
قال المناوي رحمه الله: وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقراء في زماننا. ("فيض القدير"/1/ص441).
وهذا الصنيع يعين على هدم الإسلام كما قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: من أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. ("حلية الأولياء"/8/ص103/حسن الإسناد).
قال المناوي رحمه الله: لأن المبتدع مخالف للسنة مائل عن الاستقامة ومن وقره حاول اعوجاج الاستقامة لأن معاونة نقيض الشيء معاونة لرفع ذلك الشيء، فكان الظاهر أن يقال: من وقر المبتدع فقد استخف السنة، فوضع موضعه أعان على هدم الإسلام إيذانا بأن مستخف السنة مستخف للإسلام، ومستخفه هادم لبنائه، وهو من باب التغليظ. فإذا كان هذا حال الموقر فما حال المبتدع. ومفهومه أن من وقر صاحب سنة فقد أعان على تشييد الإسلام ورفع بنائه. ("فيض القدير"/6/ص237).
وعلى سبيل المثال: فالرافضة يسعون جادين على هدم الإسلام تماماً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فالرافضة تنتحل النقل عن أهل البيت لما لا وجود له . وأصل من وضع ذلك لهم زنادقة، مثل رئيسهم الأول عبد الله بن سبأ، الذي ابتدع لهم الرفض، ووضع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة، وأنه ظُلِم ومُنِع حقه، وقال : إنه كان معصومًا، وغرض الزنادقة بذلك التوسل إلى هدم الإسلام؛ ولهذا كان الرفض باب الزندقة والإلحاد، فالصابئة المتفلسفة ومن أخذ ببعض أمورهم، أو زاد عليهم من القرامطة والنصيرية والإسماعيلية والحاكمية وغيرهم إنما يدخلون إلى الزندقة والكفر بالكتاب والرسول، وشرائع الإسلام من باب التشيع والرفض، والمعتزلة ونحوهم تنتحل القياس والعقل . وتطعن في كثير مما ينقله أهل السنة والجماعة، ويعللون ذلك بما ذكر من الاختلاف ونحوه . وربما جعل ذلك بعض أرباب الملة من أسباب الطعن فيها، وفي أهلها، فيكون بعض هؤلاء المتعصبين ببعض هذه الأمور الصغار ساعيًا في هدم قواعد الإسلام الكبار . ("مجموع الفتاوى"/22/ص367).
فمن وقّرهم أو مدحهم أو سيّدهم فقد أعان على هدم الإسلام.
والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
صنعاء 5 شوال 1435 من الهجرة.
تعليق