قصة كلام البهيمة
في إثبات دلائل النبوة
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة مؤلف عفا الله عنهفي إثبات دلائل النبوة
كتبه الفقير إلى الله:
أبو فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وآله أجمعين أما بعد:
فقد جائتني رسالة قال فيها صاحبها –حفظه الله-: يتعلق بما نقله ابن كثير في "البداية والنهاية" عن البيهقي في قصة أعرابي أسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب ما أعطاه الله من المعجزات حيث تكلم ضب بكلام فصيح. فهل هذه الرواية صحيحة؟ لأن ابن كثير لم يذكر حالها. جزاكم الله خيرا.
فأقول بتوفيق الله تعالى ومتعاونا على البر والتقوى:
الباب الأول: حال قصة ضب الأعرابي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث المشار إليه أخرجه الإمام البيهقي رحمه الله فقال: أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من بيهق ، قراءة عليه من أصل كتابه ، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ في شعبان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بجرجان ، حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي ، حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا معمر بن سليمان ، حدثنا كهمس ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه ، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً ، وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله ، فلما رأى الجماعة قال : ما هذا ؟ قالوا : هذا الذي يذكر أنه نبي ، فجاء حتى شق الناس ، فقال : واللات والعزى ما اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إلي منك ولا أمقت ، ولولا أن يسميني قومي عجولاً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك : الأسود ، والأحمر ، والأبيض ، وغيرهم. فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فأقوم فأقتله ، قال : «يا عمر ، أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا» ، ثم أقبل على الأعرابي ، فقال : «ما حملك على أن قلت ما قلت ؟ وقلت غير الحق ؟ ولم تكرمني في مجلسي». قال : وتكلمني أيضا ؟ -استخفافا برسول الله صلى الله عليه وسلم ،- واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب. وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ضب» ، فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعا : لبيك وسعديك، يا زين من وافى القيامة ، قال : «من تعبد يا ضب ؟» قال : الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله ، وفي الجنة رحمته ، وفي النار عقابه. قال : «فمن أنا يا ضب ؟» قال : رسول رب العالمين ، وخاتم النبيين ، وقد أفلح من صدقك ، وقد خاب من كذبك.
قال الأعرابي : لا أتبع أثرا بعد عين، والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إلي منك ، وإنك اليوم أحب إلي من والدي ، ومن عيني ، ومني ، وإني لأحبك بداخلي وخارجي وسري وعلانيتي: أشهد أن لا إله إلا الله ، وإنك رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحمد لله الذي هداك بي ، إن هذا الدين يعلو ولا يعلى ، ولا يقبل إلا بصلاة ، ولا تقبل الصلاة إلا بقرآن». قال : فعلمني ، فعلمه : قل هو الله أحد. قال : زدني فما سمعت في البسيط ولا في الرجز أحسن من هذا . قال: « يا أعرابي ، إن هذا كلام الله ليس بشعر ، إنك إن قرأت قل هو الله أحد مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن ، وإن قرأت مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن ، وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله» ، قال الأعرابي : نعم الإله إلها يقبل اليسير ويعطي الجزيل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألك مال » ؟ قال : فقال : ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : « أعطوه» ، فأعطوه حتى أبطروه ، فقام عبد الرحمن بن عوف ، فقال : يا رسول الله ، إن له عندي ناقة عشراء دون البختية وفوق الأعرى ، تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى الأعرابي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قد وصفت ناقتك ، فأصف ما لك عند الله يوم القيامة» قال : نعم ، قال : «لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر ، وعنقها من زبرجد أصفر ، عليها هودج وعلى الهودج السندس والإستبرق، وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف ، يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة»، فقال عبد الرحمن : قد رضيت . فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة معهم ألف سيف وألف رمح ، فقال لهم : أين تريدون ؟ فقالوا : نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله ، قال : لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فحدثهم الحديث ، فقالوا بأجمعهم : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم دخلوا ، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم فتلقاهم بلا رداء، فنزلوا عن ركابهم يقبلون حيث وافوا منه وهم يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم قالوا : يا رسول الله ، مرنا بأمرك ، قال : «كونوا تحت راية خالد بن الوليد»، فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم.
قلت –أي: البيهقي-: قد أخرجه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في "المعجزات" بالإجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ ، فقال : كتب إلي أبو أحمد بن عدي الحافظ ، يذكر أن محمد بن علي بن الوليد السلمي حدثهم فذكره وزاد في آخره : قال أبو أحمد ، أنبأنا محمد بن علي السلمي ، كان ابن عبد الأعلى يحدث بهذا مقطوعا ، وحدثنا بطوله من أصل كتابه مع رعيف الوراق. قلت : وروى ذلك في حديث عائشة ، وأبي هريرة ، وما ذكرناه هو أمثل الإسناد فيه ، والله أعلم.
(انتهى من "دلائل النبوة"/للبيهقي /6/ص168).
وأخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" برقم (266).
هذا السند الأمثل الذي ذكره البيهقي رحمه الله، فيه محمد بن علي بن الوليد السلمي. قال فيه الحافظ الإسماعيلي رحمه الله: وهو منكر الحديث. ("معجم أسامي الشيوخ"/لأبي بكر الإسماعيلي/1/ص232).
وقال فيه علي بن محمد الكناني رحمه الله: أتى بخبر باطل، الحمل فيه عليه. ("تنزيه الشريعة المرفوعة"/1/ص110).
لماذا أن يكون الحمل عليه؟ لأنه هو المتفرد بها مع شدة ضعفه. قال الحافظ الطبراني في "المعجم الصغير" (948): تفرد به محمد بن عبد الأعلى.
وقال ابن دحية رحمه الله في "نهاية السول في خصائص الرسول": هذا خبر موضوع. (نقله السيوطي كما في "جامع الأحاديث" (28414)).
ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (6/ص149) وقال: حديث الضب على ما فيه من النكارة والغرابة.
وقال في آخر القصة في ص150: وهو أيضا ضعيف والحمل فيه على هذا السلمي والله أعلم.
وقال الإمام الذهبي رحمه الله بعد النقل عن البيهقي: صدق والله البيهقى، فإنه خبر باطل. ("ميزان الاعتدال"/ (7964)).
لا شك أن الحديث ضعيف جدا، بل موضوع، والدعوة الإسلامية لا تنصر إلا بالصدق.
الباب الثاني: بعض الأدلة الثابتة في كلام البهائم وصنيعها فيها دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
تكفينا أدلة صحيحة في ذكر كلام الحيوانات علامة لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وتكفينا مثلاً رواية سعيد بن المسيب وأبو أسامة بن عبدالرحمن أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث». فقال الناس: سبحان الله -تعجبا وفزعا- أبقرة تكلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «فإني أومن به وأبو بكر وعمر».
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه فالتفت إليه الذئب فقال له من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري؟». فقال الناس: سبحان الله. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر».
(أخرجه البخاري (2324) ومسلم (2388)).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال: ألا تتقي الله، تنزع مني رزقا ساقه الله إلي. فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس. فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي الصلاة جامعة ثم خرج، فقال للراعي: «أخبرهم»، فأخبرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «صدق والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده». (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل (11809)/وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (2266)).
ومن علامات النبوة أيضاً فهم النبي صلى الله عليه وسلم شكوى البهائم ممن ظلمها.
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم خلفه فأسرّ إليّ حديثا لا أخبر به أحدا أبدا. وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه . فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم حنّ وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم سراته وذفراه فسكن، فقال: «من صاحب الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: «أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله؟ إنه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه». (أخرجه الإمام أحمد (1745) وصححه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (2264)).
ومن آيات النبوة خضوع البدنات للنبي صلى الله عليه وسلم وتسابقها للنحر.
عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: «إن أعظم الأيام عند الله [ تبارك وتعالى ] يوم النحر ثم يوم القر» . وقال: وقرب لرسول الله صلى الله عليه و سلم بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ. فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال: قال: «من شاء اقتطع». (أخرجه الإمام أحمد (19098) وأبو داود (1765) وحسنه الإمام الوادعي رحمه الله في "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (2267)).
هذه الأدلة الثابتة وأمثالها كافية في إثبات عظم آيات الله في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها عبر ومواعظ.
الباب الثالث: بعض الإشكالات حول الحديث الموضوع
إذا قال قائل: إن كثيراً من الموضوعات ألفاظها عجيبة تشتهيها النفوس.
الجواب –بالله التوفيق-: الألفاظ اللذيذة تسحب القلوب، ولكنها لا تدل على صحة الحديث، بل كثير من الوضاعين يتحرون ألفاظاً حكيمة يجلبون بها قلوب الناس. قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: ثم إن الواضع : ربما صنع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه و سلم. ("مقدمة ابن الصلاح"/ص 58).
وإذا قال قائل: إن حديث جابر رضي الله عنه ليس في سنده كذاب، فلا يحكم بالوضع.
الجواب –بالله التوفيق-: قد يعرف الوضع بالنظر إلى السند، وقد يعرف من النظر إلى المتن، لأن الوضع قد يطرأ على راو شديد الغفلة أو نحو ذلك، ليسوا من الوضاعين، ولكنهم لم يشعروا بدخول الوضع في مروياتهم.
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: وربما غلط غالط فوقع في شبه الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار». ("مقدمة ابن الصلاح"/ص 58).
الحديث أخرجه ابن ماجد في سننه (1333) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قال الإمام ابن عدي رحمه الله: وبلغني عن محمد بن عبد الله بن نمير أنه ذكر له هذا الحديث عن ثابت فقال: باطل، شُبه على ثابت. وذلك أن شريك كان مزاحاً، وكان ثابت رجلاً صالحاً، فيشتبه أن يكون ثابت دخل على شريك وكان شريك يقول: الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم. قال: فالتفت فرى ثابتاً، فقال يمازحه: (من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار). فظنّ ثابت لغفلته أن هذا الكلام الذي قال شريك هو من الإسناد الذي قرأه، فحمله على ذلك، وإنما ذلك قول شريك. ("الكامل في الضعفاء"/2/ص99).
وإذا قال قائل: هل يحكم على الحديث بالوضع من غير النظر إلى سند الحديث؟
الجواب –بالله التوفيق-: نعم، بقرائن أحوال الحديث. قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً بإقرار واضعه، أو ما يتنزل منزلة إقراره. وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي. فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها. ("مقدمة ابن الصلاح"/ص 58).
وإذا قال قائل: من يعرف أن الحديث موضوع بدون النظر إلى السند؟
الجواب –بالله التوفيق-: هذا وظيفة الحفاظ المتقنين المتضلعين للسنة النبوية.
سئل الإمام ابن القيم رحمه الله: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده؟
فأجاب رحمه الله: هذا سؤال عظيم القدر وإنما يعرف ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة واختلطت بدمه ولحمه وصار له فيها ملكة واختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهديه فيما يأمر به وينهى عنه ويخبر عنه ويدعو إليه ويحبه ويكرهه ويشرعه للأمة بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه و سلم كواحد من أصحابه الكرام فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه و سلم وهديه وكلامه وأقواله وأفعاله وما يجوز أن يخبر عنه وما لا يجوز ما لا يعرف غيره... إلخ.
("نقد المنقول والمحك المميز"/لابن القيم/ص 3/ط. مكتبة الرضوان).
والله تعالى أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين.
صنعاء، 8 رجب 1435 هـ.