إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بل الغمام و رفع الأوام في ذكر الفوائد والمسائل حول حديث النبيﷺ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ...» كتبه أبو إسحاق العلوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بل الغمام و رفع الأوام في ذكر الفوائد والمسائل حول حديث النبيﷺ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ...» كتبه أبو إسحاق العلوي

    بل الغمام و رفع الأوام
    في ذكر بعض الفوائد الحديثية والمسائل العلمية
    حول حديث النبي
    «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ»


    *******************

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . أما بعد:
    فهذه وريقات يسيرة جمعت فيها بعض الفوائد الحديثية والشوارد العلمية والمسائل الشرعية حول حديث من أحاديث نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم سميتها" بل الغمام ورفع الأوام(
    [1]) في ذكر بعض الفوائد الحديثية والمسائل العلمية حول حديث « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام »".
    وقد يسر الله لي قبل ذلك :
    1
    -جمع أربعين حديثا في هذا الباب أعني الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه على آله وسلم وأسميته"" التحفة السنية والهدية الهنية للأمة العلية بأربعين حديثا في فضل الصلاة والسلام على خير البرية" مع تعليقات يسيرة يسر الله إتمامها .
    2-ثم النظم عليها بقصيدة سميتها: "ضـبـــائـــر الــــريحـان في فضل الصلاة والسلام على المصطفى العدنان".
    3- ثم شرح عليها أسميته: " الياقوت و المرجان فـي تـــوضــــيـــح منـــظــومـة ضـبـــائـــر الــــريحـان في فضل الصلاة والسلام على المصطفى العدنان".
    4- وهذه الرسالة هي الرابعة حول هذا الموضوع ورتبتها على شكل المسائل فبلغت (13) مسألة وهي على النمط التالي :

    *******************

    المسألة الأولى:
    ما هو حال هذا الحديث ؟


    الحديث جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال : (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ).
    1-أخرجه أحمد في "مسنده" (10815)
    ومن طريقه ابن الجوزي في "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" رقم(278)
    2-وإسحاق بن راهويه في "مسند" (526)
    3- وعباس الترقفي" في حديثه المروي عنه" رقم (55).
    ومن طريقه أخرجه البيهقي في عدة من كتبه كالسنن الكبير(9519) والسنن الصغير(813)و" "حياة الأنبياء في قبورهم "(15)و"الشعب"(1476)-قال أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا عَبَّاسُ التَّرْقُفِيُّ...
    4-وأبو داود (2043) قال حدثنا محمد بن عوف...
    ومن طريقه أخرجه القاضي عياض في " الشفا " رقم (68) قال حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْفٍ...
    5-والطبراني في " المعجم الكبير"(3187) و" الأوسط" (3092)من طريق بَكْر بن سهل بن إسماعيل بن نافع ، قَالَ: نا مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ ...
    6-والبيهقي في الدعوات الكبرى" (151) من طريق أَبُي الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ الْعَدْلُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ...
    7-وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2061) قال أخبرني الحسين بن محمد بن علي ، ثنا يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن جميل ، ثنا محمد بن محمد بن صخر ...
    قلت –أبو إسحاق -:
    سبعتهم : -أحمد بن حنبل(ثقة حافظ فقيه حجة) وإسحاق بن راهويه( ثقة فقيه) وعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ (ثقة) ومُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ(ثقة حافظ) ومَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ(صدوق) ومُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ (متروك), ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَخْرٍ(ثقة),- قالوا- حَدَّثَنَا أو سَمِعْتُ- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه به

    8-و أخرجه ابن عساكر في "معجمه" رقم (1132) قال أخبرنا محمد بن بطال بن الحسن بن موسى أبو بكر الفقيه الهمذاني بقراءتي عليه بها قال ثنا الشيخ أبو الفضل محمد بن عثمان بن أحمد القومساني إملاء ثنا الحسين بن محمد الثقفي ثنا هارون بن محمد بن هارون العطار ثنا أبو علي الحسن بن علي السيسري([2]) ثنا حيوة بن شريح عن أبي صخر به.
    ثم قال ابن عساكر : "كذا فيه وقد سقط منه رجل بين السيسري وحيوة أظنه المقرئ ".

    فكما ترى أن مدار طرق الحديث كلها تدور على هذا الطريق : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ عن حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
    فلهذا سنبين حال هذه السلسلة:
    1- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ: قال في التقريب : ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة.
    2- حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ : قال في التقريب : ثقة ثبت فقيه زاهد.
    3- أَبِي صَخْرٍ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ الْمَدَنِيِّ: هو ممن اختلف العلماء فيه كما ذكره ابن شاهين وقال عنه الذهبي : مختلف فيه , فلهذا نذكر أقوال العلماء فيه ونقوم حاله بإذن الله.
    قال أحمد: ليس به بأس.
    وقال أبو حاتم الرازي: ليس به بأس.
    وقال البغوي: صالح الحديث.
    وقال العجلي: ثقة.
    وقال الدراقطني: ثقة.
    قال النسائي: ليس بالقوي , وقال مرة: ضعيف.
    وقال يحيى بن معين: ثقة ليس به بأس ، وقال مرة : ضعيف الحديث بصري ، وقال مرة : حدث عنه.
    قال ابن عدي: صالح الحديث وإنما أنكرت عليه هذين الحديثين( المؤمن مؤالف) و(في القدرية) اللذين ذكرتهما ، وسائر حديثه أرجوا أن يكون مستقيما .
    وترجم له ثانية فقال : له أحاديث غير ما ذكرته ، وفي بعض هذه الأحاديث ، عن المقبري ويزيد الرقاشي ما لا يتابع عليه.
    وقال الحافظ في "تقريب التهذيب" (ص / 181) رقم (1546) : (حميد بن زياد أبو صخر بن أبي المخارق الخراط صاحب العباء مدني سكن مصر ويقال هو حميد بن صخر أبو مودود الخراط وقيل إنهما اثنان صدوق يهم من السادسة).اهـ
    اختلاف الأئمة في أبي صخر:
    ذكر ابن عدي في الكامل (2 / 269) والحافظ في "تهذيب الكمال" (7 / 368) وابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"(ص / 191) اختلاف الأئمة في أبي صخر فوثقه بعضهم ، وتكلم فيه آخرون واختلف الرواية عن يحيى بن معين فقال مرة ثقة ؛ ومرة ليس به بأس؛ وتارة ضعيف ؛ وأخرى ضعيف الحديث.
    وكذا اختلف الرواية عن أحمد فقال مرة لا بأس به وأخرى ضعيف . وكذا النسائي قال في "الضعفاء" (ص / 85) رقم (143) : ليس بالقوي, ثم حكى غير واحد عنه أنه قال: ضعيف. كما ذكره ابن عبد الهادي .
    4- يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير: ثقة , قال في التقريب : ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة.
    5- أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: الصحابي الجليل الحافظ المشهور عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني.
    فالحديث: حسن . والله أعلم.
    الترجيح بين الأقوال في أبي صخر وفي تصحيح حديثه:
    قال الطبراني في "المعجم الأوسط" (3 / 262) بعد ذكره الحديث : (لم يرو هذا الحديث عن يزيد إلا أبو صخر ولا عن أبي صخر إلا حيوة تفرد به عبد الله بن يزيد).
    1- ذهب الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي " (ص/ 192) إلى تضعيف الحديث فقال - بعد سرده لهذه الأقوال- : ( وقد عرف اختلاف الأئمة في عدالته والاحتجاج بخبره مع الاضطراب في اسمه وكنيته واسم أبيه فما تفرد به من الحديث ولم يتابعه عليه أحد لا ينهض إلى درجة الصحيح ، ولا ينتهي إلى درجة الصحة ، بل يستشهد به ويعتبر به ).
    ثم ناقش من قال من الأئمة أن الحديث على شرط مسلم كشيخه شيخ الإسلام كما في "اقتضاء الصراط" (1 / 324) قال بعد ذكره الحديث: ( وهذا الحديث على شرط مسلم). وابن ملقن قال في "تحفة المحتاج "(2 / 190): ( رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح).
    فقال في "الصارم المنكي " (ص /196- 197): (وقد روى مسلم في صحيحه حديثاً من رواية أبي صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عن داود بن عامر ب سعيد بن ابي وقاص-ثم ذكر حديثا- ... هكذا روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من رواية أبي صخر، عن ابن قسيط بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب والأعرج وأبي صالح وأبي حازم وغيرهم عنه، ورواه أيضاً من حديث معدان بن أبي طلحة الميعمري، عن ثوبان، فرواية أبي صخر متابعة لهذه الروايات وشاهدة لها .
    وهكذا عاد مسلم غالباً إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظه وقلة ضبطه، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئاً انفرد به ولم يتابع عليه فعلم أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر ، عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا ينبغي أن يقال هو على شرط مسلم ، وإنما هو حديث إسناده مقارب وهو صالح أن يكون متابعاً لغيره وعاضداً له ، والله أعلم).
    2- وذهب إلى تصحيحه الإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والعراقي وابن ملقن وابن حجر والسخاوي والمناوي والألباني وغيرهم.
    قال العلامة الألباني في "السلسلة " (5 / 265) بعد تخريجه الحديث : (و الراجح عندي أنه حسن الحديث . و في " التقريب " : " صدوق يهم " . و هذا أقرب إلى الصواب من قوله في " الفتح " ( 6 / 279 ) : " رجاله ثقات " ! وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 1 / 279 ) : " سنده جيد " . و أما النووي ، فقال في " الرياض " (1409 ) : " إسناده صحيح " ! ووافقه المناوي في " التيسير ") انتهى.
    وقال ابن عدي في الكامل(2 / 270)- في شأن حميد بن زياد أبو صخر- : وهو عندي صالح الحديث ، وإنما أنكر عليه هذان الحديثان ( المؤمن بألف ) (وهي القدرية) ، وسائر حديثه أرجو أن يكون مستقيماً .
    قلت:
    وبهذا ظهر تعيين ما أنكر على حميد بن صخر ، وليس منه هذا الحديث. ومقتضى هذا أن لا ينحط هذا الحديث عن درجة الحسن . كما قاله صاحب "مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح" (3 / 813).

    *******************


    المسألة الثانية :
    هل رد السلام في الحديث خاص بالقريب أو يشمل القريب والبعيد؟


    1- فهم عامة العلماء من الحديث أن المراد السلام عليه عند قبره، فيدل على تخصيص رد السلام بالقريب من القبر وحملوا السلام بأنه سلام تحية.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الباهر" كما في " مجموع الفتاوى "(27 / 324): ( كَانَ الدَّاخِلُ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ : { مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } وَهَذَا السَّلَامُ مَشْرُوعٌ لِمَنْ كَانَ يَدْخُلُ الْحُجْرَةَ . وَهَذَا السَّلَامُ هُوَ الْقَرِيبُ الَّذِي يَرُدُّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ . وَأَمَّا السَّلَامُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُفْعَلُ خَارِجَ الْحُجْرَةِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ فَهُوَ مِثْلُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ وَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلاةِ عَلَيْهِ . وَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَرَّةً عَشْرًا وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ مَرَّةً عَشْرًا . فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي الْحَيَاةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ . وَأَمَّا الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى التَّعْيِينِ فَهَذَا إنَّمَا أَمَرَ بِهِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا). اهـ
    وقال كما في "مجموع الفتاوى" (27 / 413) : ( وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ سَلَامَ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فِي الْمَحْيَا وَفِي الْمَمَاتِ إذَا زَارَ قَبْرَ الْمُسْلِمِ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ حَيًّا أَوْ زَارَ قَبْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ . فَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا السَّلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ : { مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ }).
    2- وقال أخرون من أهل العلم : الحديث عام يشمل القريب والبعيد فهو يرد كل من سلم عليه سواء كان قريبا أو بعيدا .
    قال العلامة المباركفوري رحمه الله في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (3 / 263):(والراجح عندي أن المراد بالسلام في الحديث سلام دعاء لا سلام تحية، فيتعين حمل الحديث على العموم، ولا يكون في ذلك فرق بين القريب والبعيد).
    قال الحفني: قوله ما من أحد أي مؤمن يسلم، الخ. ظاهره ولو بعيداً عن القبر، لكن خصه بعض الأئمة بالقريب منه، أما البعيد فيبلغه الملك-انتهى.
    وقال الحافظ العلامة ابن عبد الهادي المقدسي في "الصارم المنكي " (ص172): قوله: "ما من أحد يسلم" يحتمل أن يكون المراد به عند قبره كما فهمه جماعة من الأئمة، ويحتمل أن يكون معناه على العموم، وأنه لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الموافق للأحاديث المشهورة التي فيها "فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم، وإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم" يشير بذلك - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبُعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً. والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تبلغه، وتعرض عليه، كثيرة-انتهى.
    وقال : ( ولا يكون الحديث مختصاً بالزائر للقبر، الحاضر عنده، بل يحصل ذلك لكل مسلم قريباً كان أو بعيداً، وحينئذٍ تحصل فضيلة رد النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام على المسلّم من غير زيارة وحضور عند قبره. قال القاري في شرح الشفاء: ظاهر حديث أبي هريرة الإطلاق الشامل لكل مكان وزمان، ومن خص الرد بوقت الزيارة فعليه البيان-انتهى. انظر "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3 / 264)
    وقال الشوكاني: ليس في الحديث ما يدل على اعتبار كون المسلّم عليه على قبره، بل ظاهره أعم من ذلك-انتهى.
    قلت:
    القول الأول أقرب عندي من وجوه:

    الوجه الأول: أن في الأحاديث التي فيها تبليغ الملائكة صلاة وسلام المرء على النبي صلى الله عليه وسلم وردت خاصة في البعيد وليس فيها رد الروح إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يرد عليها ففي الحديث خصيصة ليست في الأحاديث الأخرى.
    الوجه الثاني: أن هذه التسليمة التي يرد عليها النبي صلى الله وسلم سلام تحية وإن كانت متضمنة للدعاء أيضا وليست التسليمة المطلقة التي يسلم الله وملائكته عشرا على من سلمه.
    الوجه الثالث: أن أكثر الأئمة استدلوا لهذا الحديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا يدل أن الحديث مختص بالحاضر عند قبره صلى الله عليه وسلم فقط.
    قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (27 / 26): (وَأَكْثَرُ مَا اعْتَمَدَهُ الْعُلَمَاءُ فِي " الزِّيَارَةِ " قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } ) .
    وقال كما في "مجموع الفتاوى" (27 / 30): (وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ وَلَا قَبْرِ الْخَلِيلِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ أَصْلًا ؛ بَلْ إنَّمَا اعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَادِيثِ السَّلَامِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ }).
    وقال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي " (ص: 189): (وأعلم أن هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من الأئمة في مسألة الزيارة، وهو أجود ما استدل به في هذا الباب).
    ومما نقل في توضيح معنى الحديث ما قاله أحد رجال السند وهو الْمُقْرِئَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ كما عند أبي طاهر في "جزئه المنتخب" (3) قال حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّرَّاجِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ خَالِدٍ الْحَزَوَّرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُقْرِئَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ". فَقَالَ: هَذَا فِي الزِّيَارَةِ، إِذَا زَارَنِي فَسَلَّمَ عَلَيَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ. وإسناده صحيح إليه.

    *******************


    المسألة الثالثة:
    هل معنى السلام في الحديث بمعنى التحية أو بمعنى الدعاء؟


    رجح بعض العلماء أن المراد بالسلام في الحديث سلام دعاء لا سلام تحية ومنهم العلامة المباركفوري رحمه الله كما في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (3 / 263): (والراجح عندي أن المراد بالسلام في الحديث سلام دعاء لا سلام تحية). وهو من القائلين بأن لفظ الحديث عام يشمل كل من سلم عليه سواء كان قريبا بعيدا).
    قلت:
    يقصد بــ"سلام دعاء" بالتي يسلم الله وملاكته على صاحبها عشرا.

    والذي يظهر لي والله أعلم أن المراد بالسلام في الحديث سلام تحية وهي أيضا متضمنة للدعاء ولا مانع من يسلم الله وملائكته على صاحبها عشرا , ولكن كما ذكرنا آنفا أن الفرق بين السلام القريب والبعيد هو أن القريب يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم والبعيد يبلغ ويسلم الله وملائكته على صاحبها عشرا. وقد تقدم كلام شيخ الإسلام في ذلك آنفا.
    وقال في موضع أخر كما في "مجموع الفتاوى" (27 / 415): (وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الَّذِي يُسْتَحَبُّ عِنْدَ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ هُوَ سَلَامُ التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ كَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ قَبْرِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ لِقَائِهِ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } وَقَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } . وَكَانَ إذَا أَتَى الْمَقَابِرَ قَالَ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ . أَنْتُمْ لَنَا فَرْطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ . أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَة لَنَا وَلَكُمْ } وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ } .).
    فلهذا فيكون معنى السلام في الحديث بمعنى التحية المتضمنة للدعاء والله أعلم ونظير ذلك تحية أصحاب القبور فهي تحية مع دعاء.
    قال العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله في "عون المعبود " (11 / 94) : ( الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة وقد ثبت عن النبي أنه دخل المقبرة فقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين فقدم الدعاء على اسم المدعو له فهو في تحية الأحياء وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما وكقول الشماخ عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق والسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم). انتهى.
    وإن كان السلام قد يكون تحية محضة وذلك عند ردك للكافر .
    قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11 / 13) : ( قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" : السلام يطلق بإزاء معان : منها السلامة , ومنها التحية ومنها أنه اسم من أسماء الله – قال- وقد يأتي بمعنى التحية محضا وقد يأتي بمعنى السلامة محضا وقد يأتي مترددا بين المعنيين كقوله تعالى :"ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا" فإنه يحتمل التحية والسلامة).

    *******************

    المسألة الرابعة:

    هل الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع سلام المسلم أو تبلغه الملائكة ذلك؟



    مقتضى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يسمع تسليمة القريب بدون أن يبلغه ملك بخلاف البعيد فقد صرحت الأدلة بأن الملائكة تبلغه .
    ورجح بعضهم أن الحديث ليس صريحا بذلك.
    قال العلامة المباركفوري في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "(3 / 264): (قال القاري: الزائر إذا صلى وسلم عند قبره سمعه سماعاً حقيقياً بخلاف من يصلي ويسلم عليه من بعيد، فإن ذلك لا يبلغه إلا بواسطة لما جاء عنه بسند جيد: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعيداً علمته-انتهى. قلت: أخرج هذا الحديث أبوبكر بن أبي شيبة، والبيهقي، والعقيلي من طريق العلاء بن عمرو الحنفي، عن محمد بن مروان السدي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من صلى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً عن قبري بلغته. قال العقيلي: لا أصل له من حديث الأعمش، وليس بمحفوظ-انتهى. قلت: قد تكلم ابن حبان، والأزدي في العلاء بن عمرو، فقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال الأزدي: لا يكتب عنه بحال. ومحمد بن مروان السدي متروك الحديث، متهم بالكذب، ورواه الطبراني من طريق العلاء أيضاً، ولفظه: من صلى علي من قريب سمعته، ومن صلى علي من بعيد أبلغته. وقد رواه أبوالشيخ في كتاب الثواب بلفظ الطبراني من رواية أبي معاوية عن الأعمش، قال في الصارم: وهو خطأ فاحش، وإنما هو محمد بن مروان السدي، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب. وقال ابن القيم في جلاء الأفهام: هذا الحديث غريب جداً، وقد ظهر بهذا أن قول القاري "بسند جيد" ليس بجيد، وكذا ما قال الحافظ في الفتح في رواية أبي الشيخ "أنه أخرجها بسند جيد" لا يخلو عن نظر وإشكال. وهذا، وقد ورد ما يدل على عدم السماع عند القبر، وهو ما روى البيهقي في الشعب بسند فيه محمد بن موسى الكديمي البصري، ومحمد بن مروان السدي، والكديمي متهم بالكذب، ووضع الحديث، والسدي متهم بالكذب، متروك الحديث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً: ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكّل الله به ملكاً يبلغني. وفي رواية: من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني، الخ.) اهـ.
    قلت:
    الراجح أنه يسمع فيرد عليه وليس هذا بمستغرب فكما أنه يسمع بنفسه كلام الملك عند تبليغه تسليمة البعيد فإنه يسمع بنفسه أيضا تسليمة القريب فيرد الله له روحه فيرد عليه .

    قال شيخ الإسلام كما في " مجموع الفتاوى " (1 / 233): (وَإِنْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ إذْ كَانَ يَسْمَعُ السَّلَامَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَرِيبِ وَيُبَلَّغُ سَلَامَ الْبَعِيدِ ).
    وقال كما في "مجموع الفتاوى" (27 / 16) : (فَهُوَ يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَيُبَلَّغُ سَلَامَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَعِيدِ).

    *******************


    المسألة الخامسة:
    هل يتأتى في هذا الزمن سلام تحية عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث سدت حجرة عائشة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنيت على القبر حيطان مرتفعة مستديرة حوله ، ثم بنى عليه جدران من ركني القبر الشمالين ؟



    قال العلامة المباركفوري رحمه الله في "مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح" (3 / 805- 806) : ( قال العلامة الشيخ محمد بشير السهسواني في "صيانة الإنسان" (ص21-24) : إن زيارة قبره {صلى الله عليه وسلم} المعهودة في زماننا هل يرفع فيها الصوت ويجهر له بالقول أم لا ؟ والأول منهي عنه لقوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " [49 : 2]. وقال : في هذا الشق يلزم ثلاث محذورات ، الأول : رفع الصوت في المسجد. والثاني : رفع الصوت في مسجد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} . والثالث : رفع الصوت عند رسول الله {صلى الله عليه وسلم} . قال : والشق الثاني أيضاً باطل ، فإن السلام المشروع عند القبر سلام تحية لا سلام دعاء ، وسلام التحية لا بد فيه من أن يفعل بحيث يسمعه المسلّم عليه حتى يرده على المسلّم.
    قال في المواهب وشرحه للزرقاني : ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه ، بأن يقف بمكان قريب منه ، ويرفع صوته إلى حد لو كان حياً مخاطباً لسمعه عادة-انتهى.
    وقال الزرقاني : والظاهر أن المراد بالعندية قرب القبر بحيث يصدق عليه عرفاً أنه عنده ، وبالبُعد ما عداه وإن كان بالمسجد-انتهى.
    ولما سدت حجرة عائشة التي هي مدفن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ، وبنيت على القبر حيطان مرتفعة مستديرة حوله ، ثم بنى عليه جدران من ركني القبر الشمالين ، تعذر الوصول إلى قرب القبر ، فالزائرون اليوم إنما يسلمون من مسافة لو سلم على حي من تلك المسافة لما سمعه فكيف يسمعه النبي {صلى الله عليه وسلم} ويرده عليه ولو سلم حياته {صلى الله عليه وسلم} في القبر ؟ فإن قيل : إن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بعد الممات يمكن أن يزداد قوة سمعه فيسمع من تلك المسافة. فيقال : أي دليل على هذا من كتاب وسنة. ومجرد الإمكان العقلي لا يغني عن شيء ، علا أنه هل لذلك تحديد أم لا ؟ على الثاني يستوي المسلم من بعيد والمسلم عند القبر ، وهذا باطل عند من يقول بقربة الزيارة ، فإنهم فضلوا السلام عند القبر على السلام من بعيد كالسبكي ، وابن حجر المكي. وعلى الأول فلا بد من بيانه بدليل شرعي وأنى له ذلك ؟) . اهـ .

    *******************
    المسألة السادسة:

    أيهما أفضل السلام عليه عند قبره والصلاة والسلام عليه عند البعد سواء كنت في مجلس أو داخلا وخارجا من المسجد أو...إلخ ؟



    قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى " (27 / 416) : (وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ . وَاَللَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ) .

    *******************


    المسألة السابعة:
    هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أم السلام المسلم فقط؟



    سئلت اللجنة الدائمة : هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه، كما في الحديث من صلى علي عند قبري سمعته إلى آخر الحديث. أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    فأجابت: الأصل: أن الأموات عموما لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم، كما قال تعالى: { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيدا عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم « أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم » .
    أما حديث: « من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي بعيدا بلغته » فهو حديث ضعيف عند أهل العلم .
    وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم، بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز ) اهـ انظر "فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الأولى " (1 / 472).
    وقد صرحت اللجنة الدائمة في فتوى أخرى لها بأنه صلى الله عليه وسلم يسمع سلام الزائر الحاضر عند قبره.
    حيث سئلت: هل يسمع الموتى؟ (يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم).
    فأجابت: سماع الأصوات من خواص الأحياء، فإذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات من في الدنيا ولا يسمع حديثهم، قال الله تعالى: { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف، بوجه الشبه، وإذا فالموتى أدخل في عدم السماع وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وعموا عنها، وقالوا: قلوبنا غلف، وفي هذا يقول تعالى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } وأما سماع قتلى الكفار الذين قبروا في القليب يوم بدر نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وقوله لهم: « هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا » وقوله لأصحابه: « ما أنتم بأسمع لما أقول منهم » حينما استنكروا نداءه أهل القليب فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها فاستثنيت من الأصل العام بالدليل، وهكذا سماع الميت قرع نعال مشيعي جنازته مستثنى من هذا) اهـ انظر "فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الأولى (1 / 477).
    ***
    وسئلت: إن رجلا يؤمن بضروريات الإيمان -يعني: تمام عقيدته مطابق لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم- ومع هذا فهو يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع صوته بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم حينما يصلي ويسلم عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم، فهل هو بهذه العقيدة مسلم من أهل السنة والجماعة أم هو مبتدع من أهل الهوى؟
    فأجابت : أولا: لا يشرع للمسلم كلما دخل المسجد النبوي التردد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء عنده ولا اتخاذه عيدا يعود إليه المرة بعد المرة؛ لما رواه أبو داود بإسناد حسن رواته ثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » ، ولما رواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في [المختارة] « عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم » وإسناده جيد، وكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص على الخير منا وأحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف بحقه على الأمة وبآداب زيارته منا، ومع ذلك لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يتردد على قبره صلى الله عليه وسلم والدعاء عنده، لكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا حضر إلى المدينة من سفر فقط جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه)، ثم ينصرف، ولهذا كره مالك بن أنس رحمه الله لأهل المدينة أن يأتي أحدهم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلما دخل المسجد، وقال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
    ثانيا: النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره الحياة البرزخية التي يتهيأ له معها أن يتنعم بما يفيض الله تعالى عليه من أنواع النعيم والكرامة، وليس حيا الحياة التي كانت له في الدنيا؛ لقوله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } وقد صلى عليه الصحابة رضي الله عنهم صلاة الجنازة ووضعوه في لحده عليه الصلاة والسلام، ولا يكون ذلك وهو حي الحياة الدنيوية، وقد نزلت بهم أحداث ومشكلات ولم يستفتوه في أحداثهم ولا استشاروه في حل مشكلاتهم وهم في أشد الحاجة إلى ذلك، فدل على أن أجله قد انتهى، وأن الموت قد نزل به كغيره من البشر، وقد علم الصحابة رضي الله عنهم ذلك فأقاموا الخلفاء عنه تباعا واجتهدوا في شؤون دينهم ودنياهم على ضوء كتاب الله وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم دون رجوع إليه واستشارة له وهو في قبره، والأصل في الأموات أنهم لا يسمعون كلام الناس، لكن روى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ». وبذلك تعلم أن الرجل الذي سألت عنه لا حرج عليه فيما ذهب إليه؛ عملا بهذا الحديث الشريف. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز )اهـ. من "فتاوى اللجنة الدائمة "المجموعة الأولى (1 / 479- 481).
    وللعلامة ابن باز قولان في هذه المسألة مرة ذهب إلى أنه يسمع:
    قال رحمه الله : (ويسمع بها سلام المسلم عليه عندما يرد الله عليه روحه ذلك الوقت , كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » ). "مجموع فتاوى ابن باز" (2 / 386)
    ومرة قال بأن الحديث ليس صريحا بذلك .
    فقال رحمه الله : ( وقد احتج جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - يسمع سلام المسلمين عليه إذا ردت عليه روحه , وقال آخرون من أهل العلم ليس هذا الحديث صريحا في ذلك وليس فيه دلالة على أن ذلك خاص بمن سلم عليه عند قبره , بل ظاهر الحديث يعم جميع المسلمين عامة .
    وقد ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد حسن . وسبق قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام » .
    فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - يبلغ صلاة المصلين عليه وسلامهم , وليس فيها أنه يسمع ذلك فلا يجوز أن يقال أنه يسمع ذلك إلا بدليل صحيح صريح يعتمد عليه , فإن هذه الأمور وأشباهها توقيفية ليس للرأي فيها مجال , وقد قال الله سبحانه : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } وقد رددنا هذه المسألة إلى القرآن العظيم وإلى السنة الصحيحة فلم نجد ما يدل على سماعه - صلى الله عليه وسلم - صلاة المصلين وسلامهم , وإنما في السنة الدلالة على أنه يبلغ ذلك , وفي بعضها التصريح بأن الملائكة هي التي تبلغه ذلك , والله سبحانه أعلم ).اهـ "مجموع فتاوى ابن باز" (2 / 394)

    *******************


    المسألة الثامنة :
    هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة في الصلاة والسلام عليه عند قبره؟.



    جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (1 / 474)
    س4: أي صلوات أفضل عند قبره الشريف، أعني: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بصيغة الطلب، وهل ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي يصلي عليه عند قبره الشريف، وهل أخرج النبي صلى الله عليه وسلم يده من قبره الشريف لأحد من الصحابة العظام أو للأولياء الكرام لجواب السلام؟
    ج4: (أ) لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم - صيغة معينة في الصلاة والسلام عليه عند قبره، فيجوز أن يقال عند زيارته: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، فإن معناها: الطلب والإنشاء وإن كان اللفظ خبرا، ويجوز أن يصلى عليه بالصلاة الإبراهيمية فيقول: اللهم صل على محمد ، والأفضل: أن يسلم عليه بصيغة الخبر كما يسلم على بقية القبور، ولأن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا زاره يقول:« السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه » ثم ينصرف .
    (ب) لم يثبت في كتاب ولا في سنة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى من زار قبره، والأصل: عدم الرؤية حتى يثبت ذلك بدليل من الكتاب أو السنة.
    (جـ) الأصل في الميت نبيا أو غيره: أنه لا يتحرك في قبره بمد يده أو غيرها، فما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يده لبعض من سلم عليه غير صحيح، بل هو وهم وخيال لا أساس له من الصحة.
    وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
    *******************


    المسألة التاسعة :
    هل يشرع للمسلم كلما دخل المسجد النبوي التردد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه والدعاء عنده ؟.



    جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (1 / 479) فتوى رقم ( 2641 ) :
    س: إن رجلا يؤمن بضروريات الإيمان -يعني: تمام عقيدته مطابق لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم- ومع هذا فهو يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع صوته بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم حينما يصلي ويسلم عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم، فهل هو بهذه العقيدة مسلم من أهل السنة والجماعة أم هو مبتدع من أهل الهوى؟
    ج: أولا: لا يشرع للمسلم كلما دخل المسجد النبوي التردد إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء عنده ولا اتخاذه عيدا يعود إليه المرة بعد المرة؛ لما رواه أبو داود بإسناد حسن رواته ثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » ، ولما رواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في [المختارة] « عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم » وإسناده جيد، وكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص على الخير منا وأحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف بحقه على الأمة وبآداب زيارته منا، ومع ذلك لم ينقل عن أحد منهم أنه كان يتردد على قبره صلى الله عليه وسلم والدعاء عنده، لكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا حضر إلى المدينة من سفر فقط جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه)، ثم ينصرف، ولهذا كره مالك بن أنس رحمه الله لأهل المدينة أن يأتي أحدهم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلما دخل المسجد، وقال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
    ثانيا: النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره الحياة البرزخية التي يتهيأ له معها أن يتنعم بما يفيض الله تعالى عليه من أنواع النعيم والكرامة، وليس حيا الحياة التي كانت له في الدنيا؛ لقوله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }
    *******************


    المسألة العاشرة :
    رد النبي سلام المسلم عليه هل يترتب على ذلك نفعه صلى الله عليه وسلم للحي؟



    جاء في أحد أجوبة اللجنة من فتاويها -المجموعة الثانية - (2 / 456)وذلك عن الجواب السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 20845 )
    قالوا : (وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام » فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم ، ولا يترتب على ذلك نفع النبي صلى الله عليه وسلم للحي ولا ضره إلا ما يحصل من الثواب من الله سبحانه لمن صلى وسلم عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا يطلب منه صلى الله عليه وسلم في قبره ما يطلب منه في الدنيا من قضاء الحاجات وحل المشكلات ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يطلبون منه ذلك لعلمهم أنه لا يجوز .
    وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... الرئيس
    بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ) اهـ.

    *******************


    المسألة الحادية عشر :
    هل رد السلام على المسَّلم – خصيصة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم فقط أو أن غيره يشاركون معه في ذلك؟



    الحديث الذي ذكره ( تمام ، والخطيب ، وابن عساكر ، وابن النجار ) عن أبى هريرة (ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه و رد عليه السلام) , فهو حديث ضعيف انظر في "ضعيف الجامع" رقم :(5208). وقيل جاء عن ابن عباس وضعفه الألباني في "الصحيحة". ورجح أن المحفوظ عن أبي هريرة رضي الله عنه .
    وقد استدل به بعض الأئمة ك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن عبد الهادي والعلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين النجدي وغيره , في عدم الخصوصية ذلك بنينا صلى الله عليه وسلم.
    والراجح :
    والذي يظهر لي والله أعلم أن هذه الخصيصة - رد الميت الذي في قبره سلام من سّلم عليه – خاصة فقط بنبينا صلى الله عليه وسلم , كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم : (ما من أحد يُسَلِّمُ عليّ؛ إلا رَدَّ الله عَلَيَّ روحي، حتى أرُدَّ عليه السلامَ ) ؛ إلا إذا دل دليل صحيح أن غيره يشارك معه في ذلك.
    وقد سألت شيخنا الجليل المتفنن أبا عبد الرحمن فتح بن عبد الحافظ القدسي حفظه الله هذه المسألة فقال : (الذي يظهر الخصوص لعدم ثبوت دليل المجيز). انتهى
    ثم وقفت على كلام نفسي للعلامة الألباني رحمه الله معلقا على حديث أبي هريرة في تحقيقه كتاب "الآيات البينات "(1 / 79) - : (كما في حديث أبي داود الآتي , قلت: وبالجملة فحياة الأنبياء بعد الموت حياة برزخية ولنبينا صلى الله عليه وسلم فيها من الخصائص ما ليس لغيره كهذه الخصوصية وغيرها مما يأتي ولكن لا يجوز التوسع في ذلك بالأقيسة والأهواء كما جاء في آخر " مراقي الفلاح " تحت " فصل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم " ما نصه : ومما هو مقرر عند المحققين أنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق بجميع الملاذ والعبادات غير أنه حجب عن أبصار القاصرين).

    *******************


    المسألة الثانية عشر :
    ما هو الجواب في الإشكال الوارد على الحديث:( (إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام) بأن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه ، وهو الموت ، وهو لا يلتئم مع كونه حياً دائماً ، بل رد روحه يلزمه تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة ، إذ الكون لا يخلو من أن يسلم عليه بل قد يتعدد في آن واحد كثيراً؟.



    قال العلامة المباركفوري في "مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح " (3 / 806):(إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام) هذا مشكل على من ذهب إلى أن الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم ، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، ووجه الإشكال فيه أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه ، وهو الموت ، وهو لا يلتئم مع كونه حياً دائماً ، بل رد روحه يلزمه تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة ، إذ الكون لا يخلو من أن يسلم عليه بل قد يتعدد في آن واحد كثيراً .
    وقد أجابوا عنه بأجوبة :
    أحدها : أن المراد بقوله : "رد الله على روحي" ، أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه ، لا أنها تعاد ثم تنزع. قال السيوطي في تأليفه الذي أفرده للجواب عن هذا الإشكال سماه "انتباه الأذكياء بحياة الأنبياء" ما نصه : أن قوله " رد الله روحي" جملة حالية ، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه "قد" كقوله تعالى : "أو جاءوكم حصرت صدورهم " [4 : 90] أي قد حصرت ، وكذا ههنا يقدر "قد" والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد ، و"حتى" ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو ، فصار تقدير الحديث : ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذل : وأرد عليه ، وإنما جاء الإشكال من أن جملة "رد الله علي روحي" بمعنى حال أو استقبال ، وظن أن "حتى" تعليلية ولا يصح ذلك كله ، وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله ، ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرار المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة ، وتكرر المفارقة يلزم منه محذورات ، منها : تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده ، أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم ، ومنها : مخالف سائر الناس من الشهداء وغيرهم ، إذ لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ ، وهو {صلى الله عليه وسلم} أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة ، ومنها : مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتتان ، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل. ومنها : مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء. وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله-انتهى. وهذا الجواب هو أحسن الأجوبة وأقواها عند السيوطي كما صرح به في رسالته ، وقد تلقى هذا الجواب عن البيهقي وسيأتي ما فيه من الكلام.
    الثاني : أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى ، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه ، قال السيوطي : لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة ، بل كنى به عن مطلق الصيرورة ، وحسنه هنا مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله : حتى أرد عليه السلام ، فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره بآخره ، وليس المراد بردها عودها بعد مفارقة بدنها ، وإنما النبي {صلى الله عليه وسلم} بالبرزخ مشغول بأحوال الملكوت ، مستغرق في مشاهدته تعالى كما هو في الدنيا بحالة الوحي ، فعبر عن أفاقته من تلك الحالة برد الروح. وقال البيهقي : ويحتمل أن يكون رداً معنوياً ، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية ، والملأ الأعلى عن هذا العالم ، فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه-انتهى.
    وقد نظر في هذين الجوابين الحافظ أبوعبدالله بن محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي في "الصارم المنكي (ص 179 ، 203) فقال : في كل منهما نظر !.
    أما الأول فمضمونه رد روحه {صلى الله عليه وسلم} بعد موته إلى جسده ، واستمرارها فيه قبل سلام من يسلم عليه ، وليس هذا المعنى مذكور في الحديث ، ولا هو ظاهره ، بل هو مخالف لظاهره ، فإن قوله "إلا رد الله علي روحي" بعد قوله "ما من أحد يسلم على "يقتضي رد الروح بعد السلام ، ولا يقتضي استمرارها في الجسد ، وليعلم أن رد الروح بعد السلام للبدن وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه ، ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة ، بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة برزخية لا تزيل عن الميت اسم الموت ، وقد ثبت في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في عذاب القبر ونعيمه ، وفي بيان الميت وحاله ، أن روحه تعاد إلى جسده مع العلم بأنها غير مستمرة فيه وأن هذه الإعادة ليست مستلزمة لإثبات حياة مزيلة لاسم الموت ، بل هي نوع حياة برزخية ، والحياة جنس تحته أنواع ، وكذلك الموت ، فإثبات بعض أنواع الموت لا ينافي الحياة كما في الحديث الصحيح عن النبي {صلى الله عليه وسلم} : أنه كان إذا استيقظ من النوم قال : الحمد لله الذي أحياناً بعد ما أماتنا وإليه النشور ، وتعلق الروح بالبدن واتصالها به يتنوع أنواعاً ، أحدها : تعلقها به في هذا العالم يقظة ومناماً. الثاني : تعلقها به في البرزخ ، والأموات متفاوتون في ذلك ، فالذي للرسل والأنبياء أكمل مما للشهداء ، ولهذا لا تبلى أجسادهم ، والذي للشهداء أكمل مما لغيرهم من المؤمنين الذين ليسوا بشهداء. والثالث : تعلقها به يوم البعث الآخر ، ورد الروح إلى البدن في البرزخ لا يستلزم الحياة المعهودة ، ومن زعم استلزمه لها لزمه ارتكاب أمور باطلة مخالفة للحس ، والشرع ، والعقل ، وهذا المعنى المذكور في حديث أبي هريرة من رده {صلى الله عليه وسلم} السلام على من يسلم عليه قد ورد نحوه في الرجل يمر بقبر أخيه ، فذكر ما رواه ابن عبد البر من حديث ابن عباس مرفوعاً : ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه. حتى يرد عليه السلام ، ثم قال : ولم يقل أحد إن هذا الرد يقتضي استمرار الروح في الجسد ، ولا قال إنه يستلزم حياة نظير الحياة المعهودة ، ثم ذكر آثاراً عن أبي هريرة ، وعائشة بمعناه ، وقال : قد روي في هذا الباب آثار كثيرة ، وفي الجملة رد الروح على الميت في البرزخ ، ورد السلام على من يسلم عليه لا يستلزم الحياة التي يظنها بعض الغالطين ، وإن كانت نوع حياة برزخية ، وقول من زعم أنها نظير الحياة المعهودة ، مخالف للمنقول والمعقول ، ويلزم منه مفارقته الروح للرفيق الأعلى ، وحصولها تحت التراب قرناً بعد قرن والبدن حي مدرك سميع بصير تحت أطباق التراب والحجارة ، ولوازم هذا الباطلة مما لا يخفى على العقلاء وبهذا يعلم بطلان تأويل قوله "إلا رد الله على روحي" بأن معناه : إلا وقد رد الله علي روحي ، وأن ذلك مستمر وأحياه الله قبل يوم النشور ، وأقره تحت التراب واللبن ، فيا ليت شعري هل فارقت روحه الكريمة الرفيق الأعلى واتخذت ببيت تحت الأرض مع البدن أم في الحال الواحد هي في المكانين ؟ قال : وأما الجواب الثاني : وهو أن هذا رد معنوي ، ففيه نوع من الحق ، لكن صاحبه قصر فيه غاية التقصير ، وهو إنما يصح ويجيء على قول أهل السنة من الفقهاء والمحدثين وغيرهم أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها ، وأنها تقارن البدن ، وتصعد وتنزل ، وتقبض ، وتنعم ، وتعذب ، وتدخل ، وتخرج ، وتذهب ، وتجيء ، وتسأل ، وتحاسب ، ويقبضها الملك ، ويعرج بها إلى السماء ، ويشيعها ملائكة السموات إن كانت طيبة ، وإن كانت خبيثة طرحت طرحاً ، وأنه تحس ، وتدرك ، وتأكل ، وتشرب في البرزخ من الجنة ، كما دلت عليه السنة الصحيحة في أرواح الشهداء خصوصاً ، والمؤمنين عموماً ، ومع هذا فلها شأن آخر غير شأن البدن ، فإنها تكون في الملأ الأعلى فوق السموات ، وقد تعلقت بالبدن تعلقاً يقتضي رد السلام على من سلم ، وهي في مستقرها في عليين مع الرفيق الأعلى ، وقد مر النبي {صلى الله عليه وسلم} ليلة الإسراء على موسى قائماً يصلي في قبره ، ثم رآه في السماء السادسة ، ولا ريب أن موسى لم يرفع من قبره تلك الليلة لا هو ولا غيره من الأنبياء الذين رآهم في السموات ، بل لم تزل تلك منازلهم من السموات ، وإنما رآهم النبي {صلى الله عليه وسلم} ليلة الإسراء في منازلهم التي كانوا فيها من حين رفعهم الله سبحانه إليها ، ولم تكن صلاة موسى بقبره بموجبه مفارقة روحه للسماء السادسة ، وحلولها في القبر بل هي مستقرها ، ولها تعلق بالبدن قوي ، حتى حمله على الصلاة ، وإذا كان النائم تقوى نفسه وفعلها في حال النوم حتى تحرك البدن ، وتقيمه وتوثر فيه فما ظن بأرواح الأنبياء ، وقد ثبت في الصحيح : أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، تأكل من ثمار الجنة ، وتشرب من أنهارها ، وتسرح فيها حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، وهذا شأنها حتى يبعثها الله سبحانه إلى أجسادها ، ومع هذا فإذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوا به وردوا عليه السلام ، بل ونسمة المؤمن كذلك مع كونها طائراً تعلق في شجر الجنة ترد على صاحبها ، وتشعر به إذا سلم عليه المسلم ، وقد قال أبو الدرداء : إذا نام العبد عرج بروحه حتى يؤتى بها إلى العرش ، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود. ذكره ابن مندة في كتاب الروح. قال : فهذه روح النائم متعلقة ببدنه ، وهي في السماء تحت العرش ، وترد إلى البدن في أكثر وقت ، فروح النائم مستقرها البدن ، تصعد حتى تبلغ السماء ، وترى ما هنالك ، ولم تفارق البدن فراقاً كلياً ، وعكسه أرواح الأنبياء ، والصديقين والشهداء ، مستقرها في عليين ، وترد إلى البدن أحياناً ، ولم تفارق مستقرها ، ومن لم ينشرح صدره لفهم هذا والتصديق به فلا يبادر إلى رده وإنكاره بغير علم ، فإن للأرواح شأناً آخر غير شأن الأبدان ، ولا يلتفت إلى كثافة طبع الجهمى ، وغلظ قلبه ، ورقة إيمانه ، ومبادرته إلى تكذيب ما لم يحط بعلمه-انتهى.
    الجواب الثالث : أن المراد بالروح الملك المؤكل بإبلاغه السلام.
    الرابع : أن المراد بالروح هنا النطق من إطلاق اللازم وإرادته الملزوم ، أي فهو {صلى الله عليه وسلم} في البرزخ مشغول بالمشاهدة كما كان في الدنيا ، إلا أنه تعالى أعطاه قوة في الدنيا على تبليغ الأحكام : والاشتغال بالخلق ظاهراً مع شغل باطنه بشهود مولاه ، وفي البرزخ لا شغل له بالخلق أصلاً بل بالشهود ، فلا ينطق بالكلام إلا إذا سلم عليه شخص ، فيرد عليه إكراماً له ، فنطقه {صلى الله عليه وسلم} موجود بالقوة ؛ فلما لم يوجد بالفعل لشغله بحضرة القدس صار كالممنوع من النطق ، فلذا قال "رد الله علي روحي " أي نطقي. قال الخفاجي : استعارة رد الروح للنطق بعيدة وغير معروفة ، وكون المراد بالروح "الملك" تأباه الإضافة لضمير ، إلا أنه ملك موكل كان ملازماً له فاختص به ، على أنه أقرب الأجوبة ، وقد ورد إطلاق الروح على الملك في القرآن.
    الخامس : أن الأنبياء والشهداء أحياء ، وحياة الأنبياء أقوى ، وإذا لم يسلط عليهم الأرض فهم كالنائمين ، والنائم لا يسمع ولا ينطق حتى ينتبه كما قال تعالى : "والتي لم تمت في منامها " [39 : 42]الآية ، فالمراد بالرد الإرسال الذي في الآية ، وحينئذٍ فمعناه أنه إذا سمع الصلاة والسلام بواسطة أو بدونها تيقظ ورد ، لا أن روحه قبض قبض الممات ، ثم ينفخ وتعاد كموت الدنيا وحياتها ؛ لأن روحه مجردة نورانية ، وهذا لمن زاره. ومن بعُد عنه تبلغه الملائكة سلامه ، ذكره الخفاجي.
    وقد استشكل هذا الحديث من جهة أخرى. وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة.
    وأجيب بأن أمور لا تدرك بالعقل ، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة.

    قلت : هذا الجواب هو الجواب الحق الصحيح عن كل إشكال يرد على هذا الحديث ، فنؤمن بظاهر الحديث ، ونصدق به ؟ ونكل علمه إلى الله ورسوله ، ولا نقيس أمر البرزخ على ما نشاهده في الدنيا فإن هذا من قياس الغائب على الشاهد. وهو غاية الجهل والغباوة والظلم والضلال). انتهى كلامه.

    *******************


    المسألة الثالثة عشر:
    هل الحديث يدل على أن النبي يسمع دعاء واستغاثة من يستغيث به بعد موته؟



    قال شيخ الإسلام في "الرد على البكري " (1 / 254) : ( لا يخلو إما أن يكون الحديث عاما في سلام البعيد و القريب و إما أن يكون خاصا بالقريب فإن كان الثاني فلا حجة فيه على سماع خطاب البعيد بغير واسطة تبليغ الملائكة و إن كان الأول فالحجة فيه أضعف من وجهين
    أحدهما أنه حينئذ لا يبقى السلام عند قبره بخصوصه حديث ولا سنة أصلا بل لا يبقى فرق بين السلام عليه من القريب و البعيد كما لم يفرق بين الصلاة من القريب و البعيد
    لكن هذا خلاف ما عرف من السنة و خلاف ما عليه الأئمة من استحباب السلام عليه عند قبره فإنه قد سن إذا زار القبور زائر مطلقا أن يسلم عليهم و كان صلى الله عليه و سلم يخرج إلى أهل البقيع يسلم عليهم و يدعو لهم فكيف لا يسلم على الميت عند قبره وقد كان الصحابة يسلمون عليه عند قبره وقد كان ابن عمر يقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت رواه مالك عن نافع عنه و رواه أحمد و غيره .
    الثاني إن الذي في الحديث أن الله يرد عليه روحه ليرد السلام وهذا قد يكون بتوسط تبليغ الملائكة وقد يكون بمباشرته هو سماع المسلم و إذا احتمل الأمرين فتعيين أحدهما مما يفتقر إلى دليل و الأحاديث المتقدمة تدل على أن صلاة البعيد و سلامه معروض عليه مبلغ إليه بواسطة الملائكة و ذلك ينفي السماع مباشرة من غير تبليغ فإن كان يسمع كلام المخاطب بنفسه لم يحتج إلى واسطة).
    وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (1 / 473)
    س3: نداء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل حاجة والاستعانة به في المصائب والنوائب من قريب - أعني: عند قبره الشريف - أو من بعيد أشرك قبيح أم لا؟
    ج3: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان ذلك عند قبره أم بعيدا عنه، كأن يقول: يا رسول الله اشفني، أو رد غائبي، أو نحو ذلك؛ لعموم قوله تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }وقوله عز وجل: { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } وقوله عز وجل: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز


    َكتبَه ُ
    أبُو إسْحَاق عَبْد النَّاصِر الْعَلَوِي السَّعَدِي
    انتهيت منها ظهيرة يوم الإثنين(11) / جمادى الآخرة / 1437هـ
    في مدينة هرجيسا أرض الصومال المحروسة
    *******************








    [1] ) من ( آمَ وإيمَ ، - وهو العطش- لا يكون الأُوامَ إلا أن يَضِجَّ العَطْشانُ من شِدَة العَطَش) اهـ من " المخصص " (1 / 454) لابن سيده

    [2] ) وأبو علي الحسن بن علي بن عيسى السيسري لم أجد ترجمة له! وذكر أنه روى عن يزيد بن هارون ، وعثمان بن عمر بن فارس بن لقيط بن قيس وخلف ابن تميم وروى عنه أبو الحسين هارون بن محمد بن هارون الدينوري الأصم العطار , والحسين بن محمد بن غفير انظر رواياته في" حلية الأولياء " (10 / 388) و"تاريخ بغداد "(11 / 280) و"شرح السنة " (1 / 430).

    *******************

    ويمكن تحميل الملف من المرفقات بصيغة بي دي إف
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إسحاق عبد الناصر السعدي; الساعة 21-03-2016, 09:55 PM.
يعمل...
X