توضيح الإشكال في أحكام اللقطة و الضوال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا بحث متواضع أفردته من شرحي على «منتقى ابن الجارود»؛ لأهميته، ورتبته وهذّبته وتوسعت فيه قليلاً رجاءً في الله عز وجل أن ينفع به، وسميته: »توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال«، وبالله التوفيق.
كتبه يحيى بن علي الحجوري
في: 26/شعبان/عام1426ﻫ.
تعريف اللقطة
قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد([1]) بن الأثير في »النهاية في غريب الحديث«، مادة (لقط)، اللقطة: بضم اللام وفتح القاف، اسم المال الملقوط، أي الموجود، والالتقاط أن يعثر على الشيء من غير قصد وطلب.
وقال بعضهم: هي اسم الملتقط كالضحكة والهمزة، فأما المال الملقوط، فهو بسكون القاف، والأول أصح.
وقال العلامة أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري رحمه الله في كتابه »لسان العرب«: واللّقطة بتسكين القاف، اسم الشيء الذي تجده ملقي، فتأخذه، وكذا المنبوذ من الصبيان، لقطة، وأما اللّقطة بفتح القاف، فهو الرجل اللقاط، يتبع اللقطات يلتقطها، قال ابن أبزى: وهذا هو الصواب؛ لأن الفُعلة للمفعول، كالضحكة، والفعَلة للفاعل، كالضُحَكة.
وقال بعد هذا: واللقطة واللقطة، واللقاطة، ما التقط.
وقال الحافظ ابن حجر في »فتح الباري« (5/78): واللقطة الشيء الذي يلتقط، وهو بضم اللام وفتح القاف، على المشهور عند أهل اللغة، والمحدثين.
قال عياض: لا يجوز غيره.
وقال الزمخشري في »الفائق«: اللّقَطَة بفتح القاف، والعامة تسكّنها، كذا قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون.
قال وأما بالفتح فهو اللاقط. وقال الأزهري: هذا الذي قاله هو القياس، ولكن الذي سمع من العرب، وأجمع عليه أهل اللغة والحديث، الفتح، وفيه لغتان أيضاً لُقاطة، بضم اللام، ولَقطة بفتحها، وقد نظم الأربعة ابن مالك حيث قال:
لُقاطَة ولَقَطة ولُقْطة ولُقَطة ما لا قط قد لَقَطه
قلت: والصحيح في ذلك أنها بضم اللام وفتح القاف وهذا الذي تدل عليه الأحاديث الآتية إن شاء الله، وأنت ترى أنه نقل إجماع أهل الحديث، وأهل اللغة عليه، والمقصود والله أعلم بنقل هذا الإجماع، إجماع أكثر أهل اللغة، لا كلهم كما تقدم الخلاف فيه.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك نصاً في آيتين من كتابه: الآية الأولى رقم (10/من سورة يوسف) قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾[يوسف: 7-10].
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسير الآية: الالتقاط: تناول الشيء من الطريق، ومنه اللقيط واللقطة، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة، وما قاله في ذلك أهل العلم واللغة.
قال ابن عرفة: الالتقاط: وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله تعالى يلتقطه بعض السيارة، أي: يجده من غير أن يحتسبه.
الآية الثانية رقم (8)، من سورة القصص، قال الله عز وجل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾[القصص: 7-8].
قال أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير رحمه الله تعالى: معناه: أن الله تعالى قيّضهم لالتقاطه، ليجعله لهم عدواً وحزناً، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه.
تعريف الضالة
قال بو السعادات ابن الأثير رحمه الله في تعريفها: الضالة، هي الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان وغيره، يقال ضل الشيء إذا ضاع، وضل الطريق إذا حار، وهي في الأصل فاعله، ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة، وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع، وتجمع على ضوال، وقد تطلق الضالة على المعاني، ومنه الحديث الحكمة، ضالة المؤمن([2]).
ومنه الحديث: »ذروني في الريح لعلي أضِلّ اللهَ«،([3]) أي أفوته، ويخفى عليه مكاني.
يقال ضلَلَتُ الشيء، وضلِلْتُه إذا جعلته في مكان لم تدر أين هو، وأضللته إذا ضيّعته، وضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء.
باب الحفاظ على المال وعدم تضييعه
قال الله تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً﴾[النساء: 5-6].
قال الإمام ابن كثير في »تفسيره« للآية: ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي تقوم بها معايشهم من التجارة وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحجر على السفهاء..
وقال القرطبي في »تفسيره« للآية: لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله : ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾[النساء:2]، وإيصال الصدقات إلى الزوجات بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه.
قلت: لم يأذن الله بدفع مال اليتيم إليه، إلا بعد البلوغ، وإيناس الرشد منه، حفاظاً للمال عن العبث.
قال ابن العربي، وقد قال بعض الناس: أن السفيه صفة ذم، والصغير والمرأة لا يستحقان ذماً، وهذا ضعيف، فإن النبي صلى الله عليه و سلم وصف المرأة بنقصان العقل، وكذلك الصغير، لم يفعلا ذلك بأنفسهما، فلا يلامان على ذلك النهي، اﻫ. من «أحكام القرآن» عند الآية.
وأخرج الجصاص في «أحكام القرآن» من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الحسن: السفهاء ابنك السفيه، وامرأتك السفيهة.
ومعمر لم يسمع من الحسن كما في »تحفة التحصيل« لأبي زرعة العراقي.
قال الراغب الأصفهاني في »مفردات القرآن«، واستعمل (السفه)، في خفّة النفس، لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية، قال في السفه الدنيوي: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾[النساء:5].
وقال في السفه الأخروي: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطاً﴾ [الجـن:4] فهذا من السفه في الدين.
قال أصحاب »نظرة النعيم« في (مكارم الرسول الكريم) (10/4635): وقد عرّف الفقهاء هذا النوع من السفه فقالوا: هو عبارة عن التصّرف في المال بخلاف مقتضى الشرع والعقل، بالتبذير فيه، والإسراف، والسفيه هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (334) في أول كتاب التيمم: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. اهـ
أخرجه مسلم رقم (367).
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث فيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم، وإن قلّتْ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه و سلم على التماسه. اهـ
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6309) في كتابه الدعوات باب التوبة: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم. ح، وحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »اللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ«.
وأخرجه مسلم رقم (2747)، وفي لفظ لمسلم: »لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ«.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (1211) في كتاب العمل في الصلاة، (باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة): حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا بِالْأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا.
قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانِيَ، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا، تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3190): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا« قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: »يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ«، قَالُوا: قَبِلْنَا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ، رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ.
قلت: فمعنى هذا أنه لولا الحفاظ على ماله ما قام وترك النبي صلى الله عليه و سلم، يحدث ولشدة حبه للعلم الذي هو أهم من المال، قال: ليتني لم أقم.
وفي الرواية التي بعدها قال: فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فو الله لوددت أني كنت تركتها.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2408): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ«.
وأخرجه مسلم رقم (593).
المال مال الله
قال تعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾[النور: من الآية33].
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3118) في كتاب فرض الخمس (باب قول الله تعالى فإن لله خمسه): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَاسْمُهُ نُعْمَانُ، عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ: »إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ«.
حكم لقطة مكة
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2434): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه و سلم مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: »إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ«. الحديث. إلخ.
وأخرجه مسلم رقم(1355).
وقال الإمام مسلم رحمه الله رقم (1353) في كتاب الحج (باب تحريم مكة وصيدها): حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح فتح مكة: »لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا«، وقال يوم الفتح -فتح مكة-: »إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها«.
وأخرجه البخاري رقم (1834)، في كتاب جزاء الصيد فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور به.
وقال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم (1724) كتاب اللقطة: حدثني أبو الطاهر، ويونس بن عبد الأعلى قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لقطة الحاج.
وعلق البخاري في »صحيحه« كتاب الجنائز (باب 77) قال: وقال أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم مثله.
ووصله ابن ماجة في سننه رقم (3109) (باب فضل مكة)، وفيه: »ولا يأخذ لقطتها إلا منشد«، وسنده: رجاله ثقات، وأبان بن صالح وثقه جمع من الائمة، فلا يلتفت إلى تجهيل ابن حزم له.
قلت: لم يثبت سماعها من النبي صلى الله عليه و سلم، وحديثها هذا يصلح للاحتجاج بشواهده.
قال النووي رحمه الله عقب حديث (1353): لا تحل لقطتها إلا لمنشد المنشد هو المعرف وطالبها يقال له ناشد وأصل النشد والانشاد رفع الصوت ومعنى الحديث لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة، ثم يتملّكها كما في باقي البلاد، بل لا يحل التقاطها، إلا لمن يعرفها أبداً، ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي، وابن مهدي، وأبو عبيد وغيرهم. اهـ المراد.
قلت: عزا هذا القول الحافظ في »الفتح« إلى الجمهور.
وقال أيضاً في »الفتح« (5/88)، والمعنى: لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط، فأما من أراد أن يعرفها، ثم يتملكها فلا، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف... قال: والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملّكها من أول وهلة، فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك، وأمر أن لا يأخذها إلا من عرّفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم، فلا تعرّف في غيرهم باتفاق.
وقال ابن الأثير في »النهاية« (مادة لقط): فأما مكة ففي لقطتها خلاف فقيل إنها كسائر البلاد، وقيل لا لهذا الحديث.والمراد بالإنشاد الدوام عليه، وإلا فلا فائدة لتخصيصها بالإنشاد واختار أبو عبيد أنه ليس يحل للملتقط الانتفاع بها وليس له إلا الإنشاد.
قال الأزهري: فرق بقوله هذا بين لقطة الحرم، ولقطة سائر البلدان، فإن لقطة غيرها إذا عرفت سنة حل الانتفاع بها، وإن طال تعريفه لها وحكم أنها لا تحل لأحد إلا بنية تعريفها ما عاش فأما أن يأخذها، وهو ينوي تعريفها سنة، ثم ينتفع بها كلقطة غيرها فلا. انتهى.
وبهذا قال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/332).
استحباب أخذ اللقطة لقصد تعريفها
تقدم في باب الحفاظ على المال، ذكر قول الله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾[النور:33]، ففي الآية: أن المال مال الله.
وتقدم حديث المغيرة المتفق عليه، وفيه: »وكره لكم قيل وقال، وإضاعة المال«، وربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة:2]، ويقول: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الحج:77]، وفي الباب أدلة كثيرة تدل على فضل نصرة المسلم منها حديث أنس بن مالك عند البخاري، رقم (2443): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً«، وحديث النعمان بن بشير عند البخاري (10/367)، ومسلم (2586): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »مثل المؤمنين في تؤادهم، وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«.
وفي البخاري (13)، ومسلم (45)، من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«.
وأخرج مسلم في »صحيحه« رقم (2699): من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : »مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ«. الحديث.
تبشير المسلم بالخير فيه أجر عظيم
وكم يفرح المسلم بإعادة ضالته إليه، وقد تقدم حديث أنس بن مالك، في باب الحفاظ على المال، وفيه أن ذلك الفرح برجوع ماله إليه قال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، ولأجل التماس الأجر في تبشير المسلم، حصل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، الاستباق إلى تبشير ابن مسعود رضي الله عنه، كما صح في »مسند أحمد« فقال رحمه الله رقم (175): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مَرْوَانَ: أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: جِئْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكُوفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلًا يُمْلِي الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَغَضِبَ وَانْتَفَخَ حَتَّى كَادَ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرَّحْلِ، فَقَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ وَيْحَكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَمَا زَالَ يُطْفَأُ وَيُسَرَّى عَنْهُ الْغَضَبُ حَتَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ، فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ«، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ لَهُ: »سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ« قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ: وَاللهِ لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُبَشِّرَنَّهُ، قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَبَشَّرَهُ وَلَا وَاللهِ مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ؛ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ.
وأخرج البخاري رقم (4418)، ومسلم رقم (2769)، على الثلاثة من حديث كعب بن مالك الطويل، وفيه أنه حين تاب الله على الثلاثة استبق الناس ليبشروهم، قال: فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ.
ولمحبة الله عز وجل لأنبيائه، وعباده المؤمنين بشرهم، وجعل الرؤيا الصالحة، والثناء الحسن عاجل بشرى المؤمن.
قال الله تعالى: عن نبيه إبراهيم: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات:101]، وقال: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾[هود:71].
وقال الله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً﴾[مريم:97].
وقال: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾[مريم:7]، وقال: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾[آل عمران:45].
وقال: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[البقرة:25].
وما لم نذكره في هذا الباب كثير في فضيلة التبشير بالخير لما فيه من إدخال السرور على المسلم المبشر بذلك، وتبشير المسلم برجوع ماله الذي فقده بعد ما تيسر له حصوله من أعظم المفرحات والمبشرات له في هذه الدنيا.
أقوال العلماء في ذلك
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2437) في كتاب اللقطة (باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ قُلْتُ لَا، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: »اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا«. انتهى.
وأخرجه مسلم (1723).
وسيأتي إن شاء الله بيان مشكل هذا الحديث في تحديد زمن تعريف الضالة.
قال النووي رحمه الله تحت حديث (1722)، من شرح مسلم: فأما الأخذ فهل هو واجب أم مستحب فيه مذاهب ومختصر ما ذكره أصحابنا ثلاثة أقوال أصحها عندهم يستحب، والثاني يجب، والثالث: إن كانت اللقطة في موضع يأمن عليها إذا تركها، استحب الأخذ وإلا وجب.
وقال الحافظ في »الفتح« عقب حديث أبي الذي ذكرناه آنفاً قال: وأشار (البخاري)، بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة، ومن حجتهم حديث الجارود مرفوعاً، ضالة المسلم حرق النار، أخرجه النسائي بسند صحيح.
قلت: حديث الجارود العبدي سنده عند النسائي رقم (5760)، وأحمد في »المسند« (5/80) رقم (20754)، والطبراني (2119)، من طريق الجريري فتارة، رواه عن أبي العلاء، يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف بن الشخير قال: حديثان بلغاني، عن رسول الله قد عرفت أن قد صدقتهما لا أدري أيهما قبل صاحبه، حدثني أبو مسلم الجذامي، قال: حدثنا الجارود فذكر الحديث مطولاً قال: »ضالة المسلم حَرَق النار، فلا تقربنها«، وهذا من طريق ابن عليّة، عن الجريري، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط.
وتارة رواه عن أبي العلاء، عن مطرف، عن أبي مسلم، عن الجارود العبدي به مختصراً، كما عند النسائي بالرقم السابق، وهذا من رواية يزيد بن زريع، عن الجريري، ويزيد ممن سمع منه قبل الاختلاط كما في التقييد والإيضاح للعراقي النوع (62)، فهذا سند رجاله ثقات.
وتارة رواه عن أبي العلاء، يزيد بن الشخير، عن أبي مسلم، وأسقط أخاه مطرفاً من السند، كما عند الدارمي (2602)، ولكن الحديث جاء عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن يزيد بن الشخير، عن أخيه مطرف، عن أبي مسلم، عن الجارود به.
أخرجه النسائي رقم (5761)، وأحمد في المسند (5/80)، رقم (20755).
وخالف الثوري شعبة بن الحجاج، وعبد الوهاب الثقفي، فروياه عن الحذاء، وتابع الحذاء على ذلك قتادة، وأيوب بن أبي تميمة، عند أحمد (5/80)، والطيالسي رقم (1390)، ولا ضير في ذلك فقد روى يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه، وروى عن أبي مسلم، وروايته، عن أخيه في »الصحيحين«، وروايته عن أبي مسلم الجذامي فعلى القول بسماعه من الأثنين، تصير زيادة (أخيه)، من المزيد في متصل الأسانيد، لو وجد تصريحه بالسماع، ولكن أبو مسلم هذا مجهول حال، وجاء الحديث عند أحمد (4/25)، رقم (16314)، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا حميد الطويل، قال: حدثنا الحسن، عن مطرف، عن أبيه، وهذا سند صحيح، رجاله ثقات، والحسن قد روى عن مطرف، كما في ترجمته من »تهذيب الكمال«، ومن طريق حميد، أخرجه أيضاً ابن حبان (11/249).
وأخرجه عبد الرزاق (11/131) قال: عن ابن جريج قال: سمعت أبا قزعة يزعم أن الجارود لما أسلم قال: يا رسول الله، أرأيت ما وجدنا بيننا وبين أهلنا من الإبل لنبلغ عليها قال: ذاك حرق النار.
قلت: هذا الحديث في إسناده اختلاف، ولكن رواه أئمة ثقات فمتن الحديث صحيح، كما قال الحافظ رحمه الله في »الفتح«، ثم قال: وحمل الجمهور ذلك على من لا يعرّفها.
قلت: وهو محمل حسن، ويؤيده حديث زيد بن خالد: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«. أخرجه مسلم رقم (1725).
وقال النووي عند الحديث: فهو ضال ما لم يعرفها أبداً، ولا يتملكها ولم ينكر على أبي رضي الله عنه، أخذ الصرّة، فدل على أنه جائز شرعاً، ويستلزم اشتماله على مصلحة حفظها وصيانتها عن الخونة، وتعريفها لتصل إلى صاحبها، ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء، أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، فمتى رجح أخذها وجب أو استحب، ومتى رجح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائز. انتهى.
قال ابن عبد البر رحمه الله في »التمهيد« (13/206): واختلف الفقهاء في الأفضل من أخذ اللقطة، أو تركها فروى ابن وهب، عن مالك أنه سئل عن اللقطة يجدها الرجل إيأخذها فقال: ما الشيء الذي له بال، فإني أرى ذلك أي يأخذها، وكذلك الذي يجد الشيء، فإن كان لا يقوى على تعريفه، فإنه يجد من هو أقوى ممن يثق به، يعطيه فيعرفها، ونقله ابن عبد البر، عن الليث، ثم قال: وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة إن شاء أخذها، وإن شاء تركها، وهو ظاهر حديث زيد بن خالد.اهـ
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/6)، كتاب اللقطة قال إمامنا رحمه الله: الأفضل ترك الالتقاط، وروى معنى ذلك عن ابن عباس، وابن عمر وبه قال جابر، وابن زيد، والربيع بن خثيم، وعطاء ومر شريح بدرهم فلم يعرض له.
وأختار أبو الخطاب أنه إذا وجدها بمضيعة، وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها، وهذا قول الشافعي، وحكى عنه قول آخر أنه يجب لقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]، فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله ، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن بن صالح، وأبو حنيفة، ولنا قول ابن عمر، وابن عباس، ولا نعرف لهما مخالفاً من الصحابة؛ ولأنه تعريض لنفسه لأكل الحرام فيها، وتضييع الواجب من تعريفها، وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم، وتخليل الخمر. انتهى المراد.
قلت: والصحيح استحباب أخذها لمن علم من نفسه القوة على حفظها وتعريفها، على ما تقدم من الأدلة والأقوال، وبالله التوفيق.
باب تحريم التقاط الضالة على من لم يعرفها
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (2582): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ«.
وأخرج مسلم رقم (2581)، بهذا السند، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟« قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: »إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ«.
وأخرج البخاري (8/83)، ومسلم (1679)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في خطبته يوم النحر: »إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام«.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2387): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ«.
وتقدم في باب استحباب أخذ اللقطة... حديث زيد بن خالد الجهني عند مسلم(1725): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«.
وحديث الجارود الذي في الباب الذي قبل هذا: »ضالة المؤمن حرق النار«.
وهذا يدل على أن آخذ الضالة لغير قصد تعريفها أنه مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، متوعد عليها بالنار، على ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، في تحديد الكبيرة، عند قول الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء:31]. انتهى.
وهذا قول شيخ الإسلام، وجماعة، وهو قول صحيح، وقال النووي في شرح مسلم: أول كتاب اللقطة، وأما تعريفها سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه.
قلت: وتارك الواجب عمداً آثم على ما هو مقرر في الأصول.
المبحث السادس
اللقطة التي يجب تعريفها، والتي لا يجب تعريفها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (1498): وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل، أن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه فخرج في البحر فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطباً، فذكر الحديث، وفيه: »فلما نشرها وجد المال«.
وأخرجه في كتاب اللقطة رقم (2430)، (باب إذا وجد خشبة في البحر، أو سوطاً أو نحوه).
والحديث متصل عند البخاري رقم (2063) فقال في آخره: حدثني عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث به، وعبد الله بن صالح: هو كاتب الليث.
وقال الحافظ في »المقدمة«: وعلق البخاري عن الليث شيئاً كثيراً كله عن أبي صالح (كاتب الليث) عن الليث.
قلت: معلوم أن البخاري ينتقي من أحاديث بعض الضعفاء مثل إسماعيل بن أبي أويس ما علمه من صحيح حديثه. فالحديث متصل صحيح.
وقال رحمه الله رقم (2431) (باب إذا وجد تمرة في الطريق): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: »لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا«.
وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ. وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا«.
وأخرجه مسلم (1071).
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2437): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ؟ قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«.وذكر تمام الحديث.
وأخرجه مسلم رقم (1723).
وتقدم حديث عائشة في باب الحفاظ على المال، وعدم تضييعه، متفق عليه، وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم أقام بالجيش في مكان ليس فيه ماء؛ للتماس عقد عائشة رضي الله عنها.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6789): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا«.
وأخرجه مسلم (1684).
وأخرج البخاري برقم (6793)، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: »لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي أَدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ، أَوْ تُرْسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ«.
وأخرجه مسلم برقم (1685).
وأخرج الحديث البخاري بعده بلفظ: »لم تقطع يد سارق على عهد النبي صلى الله عليه و سلم في أدنى من ثمن المجن، ترس أو حجفة...«.
وأخرجه مسلم كما تقدم.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6796): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
قال النووي في شرح الحديث رقم (1684): قال جماهير العلماء: لا تقطع إلا في نصاب لهذه الأحاديث الصحيحة، ثم اختلفوا في قدر النصاب فقال الشافعي: النصاب ربع دينار ذهباً، أو قيمته سواء كانت ثلاثة دراهم أو أقل، ولا يقطع في أقل منه، وبهذا قال الاكثرون، ومحمول على أن الثلاثة الدراهم كان ربع دينار فصاعداً.
وأما ما رواه الإمام البخاري رحمه الله رقم (6799) فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد، عن الأعمش، قال: سمعت أبا صالح قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده«.
وأخرجه مسلم رقم (1687).
قال النووي: الصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر، وهو يده في مقابل حقير من المال، وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل، في الحقارة.
أو أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فتقطع، فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه، أي أنه بدأ بسرقة الشيء الحقير، فتعود على السرقة حتى سرق ما تقطع به يده. (وهذا القول الأخير أصح).
قلت: فإذا كانت اليد تقطع في ربع دينار، وهو ما يعادل جراماً وربع جرام من الذهب (تقريباً)، فوجوب تعريف هذا القدر لأهميته من باب أولى، وقد يقال: إن القطع في هذا القدر كان سداً لذريعة أخذ أموال الناس بالباطل، فالجواب أن القول في هذا الموضع مثله، (وما عارض ذلك لا يصح) وهو كما يلي:
قال أبو داود رحمه الله رقم (1714): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ دِينَارًا فَأَتَى بِهِ فَاطِمَةَ فَسَأَلَتْ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: هُوَ رِزْقُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَكَلَ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَنْشُدُ الدِّينَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »يَا عَلِيُّ أَدِّ الدِّينَارَ«. انتهى.
وهذا حديث ضعيف فيه مبهم.
وأخرجه بعده رقم (1715) فقال: حدثنا الهيثم بن خالد الجهني، قالك حدثنا وكيع، عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى العبسي، عن علي رضي الله عنه فذكر بمثله.
وبلال بن يحيى، قال صاحب «تحفة التحصيل»: في سماعه من علي نظر.
وأخرجه بعده بسند فيه موسى بن يعقوب الزمعي: ضعيف. وأعل البيهقي هذا الحديث بالاضطراب فيه، ونكارة متنة، بعد أن ساق طرقه قال: والأحاديث التي وردت في اشتراط التعريف سنة في جواز الأكل أصح، وأكثر فهي أولى.
وقال بعده في متن هذا الحديث اختلاف وفي أسانيده ضعف، ويحتمل أن يكون أباح له إنفاقه قبل مضي السنة لوقوع الإضرار إليه.
قلت: بعد إعلاله لا يحتاج إلى توجيهه.
وقال أبو داود رحمه الله رقم (1717): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ أَبِي سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ شَبَابَةُ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانُوا لَمْ يَذْكُرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم.
وأخرجه البيهقي (6/195)، رقم (12099) وقال في رفع هذا الحديث شك، وفي إسناده ضعف. انتهى.
وضعفه الحافظ في »الفتح« (5/85) فقال: وفي إسناده ضعف، واختلف في رفعه ووقفه، وساق البيهقي بعده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »من ألتقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك فليعرّفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام«. انتهى.
وهو حديث ضعيف جداً لا يصلح لشيء وإنما ذكرناه ليعلم حاله، قال البيهقي تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد ضعفه يحيى ابن معين، ورماه جرير بن عبد الحميد بشرب الخمر. انتهى.
وقال الذهبي في ترجمته من »الميزان« ضعفه أحمد، ويحيى، والنسائي، وقال الدارقطني: متروك، وقال زائدة رأيته يشرب الخمر.
وأخرجه الطبراني في »الكبير« (22/273)، وأحمد (4/173)، من طريقه، وأما حديث جابر الذي قبله فهو وإن كان ضعيفاً؛ لكنه مؤيد بحديث التقاط الخشبة من البحر الذي عند البخاري وتقدم في أول هذا الباب، وبقصًة سويد بن غفلة أنه أخذ السوط، وانتفع به كما تقدم في هذا الباب، وهو في الصحيحين.
ولحديث أنس الذي ذكرناه في الباب، أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى تمرة ملقاة فقال: »لو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«.
الآثار وأقوال العلماء في ذلك
قال الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة رحمه الله في »المصنف« (5/191): حدثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عبد الله هو مولى لآل طلحة بن عبيد الله قال: سأل رجل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فقال لها: الرجل يجد سوطاً فقالت: لا بأس به، يصل به المسلم يده، قال: والحذاء؟ قالت: والحذاء، قال: والوعاء؟ قالت: والوعاء، قالت: لا أحل ما حرم الله، الوعاء يكون فيه النفقة.
وطلحة بن يحيى: حسن الحديث.
وعبد الله (ابن فروخ)، مولى آل طلحة قال الحافظ في »التقريب«: بصري صدوق، وقد وثقه ابن خلفون.
وهذا سند حسن.
وقال رحمه الله (5/192): حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانوا يرخصون من اللقطة في السير والعصا والسوط، وسنده صحيح، وذكر بهذا السند إلى منصور، عن طلحة بن مصرف، عن ابن عمر، أنه وجد تمرة فأكلها، وسنده رجاله ثقات، وطلحة بن مصرف: ثقة فاضل، وقد أدرك أنساً، وابن أبي أوفى، ولم أرى له رواية عن ابن عمر، لكن روايته عنه وسماعه منه محتمل؛ لأنه عاصره.
وأخرجه عبد الرزاق (10/144)، فجعله عن ابن عمر، وفي الباب حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«.
وقال ابن أبي شيبة في »المصنف« (5/192): حدثنا وكيع قال: حدثنا ربيعة بن عقبة الكناني قال: سمعت عطاء قال: لا بأس أن يلتقط العصا والسير والسوط، وسنده صحيح ربيعة بن عقبة، صوابه ربيعة بن عبيد، ويقال: ربيعة بن عتبة كما في »التقريب« و»الجرح والتعديل«، وغيرهما، وهو ثقة.
وقال ابن أبي شيبة رحمه الله (5/192): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عقبة بن عبيد الله قال: حدثني ميسرة بن عميرة أنه لقي أبا هريرة فقال: ما تقول في اللقطة، الحبل، والزمام، ونحو هذا؟ قال: تعرّفه فإن وجدت صاحبه رددته عليه، وإلا استمتعت به.
وفيه ميسرة بن عمران بن عمير، مذكور في »الجرح والتعديل« (8/435): وليس فيه جرح ولا تعديل، فشأنه شأن مجاهيل الحال.
قال الخرقي كما في »المغني« لابن قدامة (8/6)، كتاب اللقطة وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره...
قال صاحب »الشرح الكبير«: في المسألة الأولى، وتنقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما لا تتبعه الهمة كالسوط والشسع، والرغيف، يملكه يأخذه بلا تعريف.
ثم استدل بحديث جابر الذي قدمنا تخريجه في الباب، وهو صالح للاحتجاج بشواهده، ثم قال: وكذلك التمرة والكسرة، والخرقة، وما لا خطر له يجوز الانتفاع به من غير تعريف؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«، قال: ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة اليسير والانتفاع به. انتهى المراد.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم عقب حديث (1722): وأما الشيء الحقير فيجب تعريفه زمناً يظن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان. انتهى.
قلت: وقد قسم بعضهم الشيء الحقير إلى ما لا بال له، وما له بال، كما في »بداية المجتهد« لابن رشد (4/120): ولعل قول النووي محمول على تعريف الشيء الحقير الذي له بال زمناً غير محدود، وما لا بال له لا يعرف، وإنما ينتفع به مباشرة، وما بلغ حد النصاب المذكور في تلك الأدلة السابقة بما هو نحو ثلاثة دراهم، فيجب تعريفه سنة.
قلت: وهذا التقسيم حسن إلا أنه لم يثبت دليله ، وهو حديث أبي سعيد وغيره في الدينار الذي لقيه علي رضي الله عنه، كما تقدم في هذا الباب، وبما أنه لم يثبت دليله فجعل الشيء الحقير ينقسم إلى ما يعرف زمناً يغلب على الظن أن صاحبه لا يطلبه وآخر منه لا يعرف مما لا دليل عليه، فنعود إلى القول بأن اللقطة قسمان: أحدهما ماله شأن فهذا يجب تعريفه سنة بلا خلاف كما سيأتي في بابه.
والآخر ما لا شأن له، وهذا يؤخذ فإن جاء صاحبه يطلبه وجب تسليمه إليه؛ لأنه ما له وهو أحق به لحديث: »كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه«. متفق عليه، عن أبي بكرة.
وإن لم يطلبه صاحبه انتفع به، لاقطه بلا غضاضة، ويؤيد ذلك ما تقدم في الباب، ومنه قول سويد بن غفلة عند البخاري رقم (2437)، ومسلم (1723)، وفيه أنه وجد سوطاً فقيل له ألقه؟ فقال: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به.
وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/205) في كتاب القضاء في اللقطة: وأجمعوا على أن اللقطة ما لم تكن تافهاً يسيراً أو شيئاً لا بقاء له، فإنها تعرف حولاً كاملاً، وأجمعوا على أن صاحبها إذا جاء فهو أحق بها من ملتقطها، إذا ثبت له أنه صاحبها.
المبحث السابع
معرفة اللقطة ووجوب تعريفها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2428): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم عَنْ اللُّقَطَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: »اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً...«.
وأخرجه مسلم.
وقال الإمام البخاري رحمه الله برقم (2433): وقال أحمد بن سعيد: حدثنا روح، قال: حدثنا زكريا، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عن مكة: »لا يعضد عضاها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد«.
وأخرجه مسلم (1353).
وساق البخاري بعده عن أبي هريرة مثله، وأخرجه مسلم (1345).
وأخرج البخاري رقم (2427) (باب ضالة الإبل)، حديث زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عما يلتقطه فقال: »عرّفها سنة، ثم احفظ عفاصها، ووكائها، فإن جاء أحد يخبرك بها، وإلا فاستنفقها«، قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: »هي لك أو لأخيك أو للذئب«، قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي صلى الله عليه و سلم فقال: »مالك ولها، معها حذؤها وسقاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر«.
وأخرجه البخاري رقم (2436)، باب ذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها إليه بلفظ: »عرفها سنة، ثم أعرف وكاءها وعفاصها«.
وأخرجه البخاري رقم (2428)، باب ضالة الإبل بلفظ: »أعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة«.
وفي هذا اللفظ إشكال: هو أنه روي تارة بلفظ: «عرّفها سنة، ثم اعرف عفاصها ووكاءها»، فقدم التعريف على معرفة العفاص، والوكاء، وهذا مشكل؛ لأن المعرف يحتاج أن يعرف اللقطة حتى يعرفها بخبرة ودراية، فلا يخدع في إعطاء غير صاحبها، واللفظ الآخر: «اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها»، فجعل معرفة العفاص والوكاء مقدماً على التعريف، وهذا هو الصحيح في المعنى.
وعلى اللفظ الصحيح أخرجه البخاري في كتاب العلم رقم (91)، (باب الغضب في الموعظة، من طريق سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد به.
وفي المساقاة رقم (2372)، باب شرب الناس والدواب من الأنهار، من طريق مالك بن أنس، عن ربيعة به.
وفي اللقطة رقم (2428)، باب ضالة الغنم، عن سليمان، عن ربيعة به كما تقدم.
وفي اللقطة أيضاً رقم (2429)، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها من طريق مالك به، كما تقدم.
وفي كتاب الطلاق رقم (5292)، باب حكم المفقود في أهله وماله من طريق سفيان عن يحيى بن سعيد، عن يزيد مولى المنبعث به.
قال سفيان فلقيت ربيعة بن عبد الرحمن، ولم أحفظ عنه شيئاً غير هذا فذكر الحديث.
وفي »الأدب« رقم (6112)، (باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله من طريق إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة به.
وهذه الأبواب التي ذكرناها، هي فوائد وأحكام تستفاد من هذا الحديث.
والحديث أخرجه مسلم في أول كتاب اللقطة رقم (1722)، باللفظين تقدم التعريف على معرفة الوكاء وبتقديم معرفة الوكاء والعفاص على التعريف.
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث، قوله: »عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها«، هذا ربما أوهم أن معرفة الوكاء والعفاص تتأخر على تعريفها سنة، وباقي الروايات صريحة في تقديم المعرفة على التعريف، فيجاب عن هذه الرواية أن هذه معرفة أخرى، ويكون مأموراً بمعرفتين، فيعرفها أول ما يلتقطها حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ولئلا تختلط وتشتبه، فإذا عرّفها سنة، وأراد تملّكها استحب له أن يعرفها أيضاً مرة أخرى، تعريفاً وافياً محققاً؛ ليعلم قدرها ووصفها فيردها إلى صاحبها إذا جاء بعد تملكها وتلفها. انتهى.
وقال الحافظ في »الفتح« (5/81) تحت الحديث برقم (2427)، بعد نقل كلام النووي هذا، قال قلت: ويحتمل أن تكون (ثم)، في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيباً ولا تقتضي تخالفاً يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحداً، والقصة واحدة.
وليس الغرض إلا أن يقع التعريف، والتعريف مع قطع النهي عن إيهما أسبق. انتهى. وقول النووي هنا أقوى.
وقوله: »اعرفها عفاصها«، قال ابن الأثير: العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة، أو نحو ذلك من العفص، وهو الثني والعطف، وبه سمي الجلد الذي يجعل في رأس القارورة عفاصاً. من »النهاية« مادة (عفص).
وقال في مادة (وكأ): الوكاء هو الخيط الذي تشد به الصرّة والكيس وغيرهما. انتهى.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم عند حديث (1722): والعفاص، بكسر العين، والفاء والصاد المهملة وهو الوعاء التي تكون فيه النفقة جلداً كان أو غيره، ويطلق العفاص أيضاً على الجلد الذي يكون على رأس القارورة؛ لأنه كالوعاء له، فأما الذي يدخل في فم القارورة من خشب أو جلد أو خرقة مجموعة، ونحو ذلك فهو الصمام.
قال يقال عفصتها عفصاً إذا شددت العفاص عليها، واعفصتها إعفاصاً إذا جعلت لها عفاصاً، وقال في الوكاء كما قال ابن الأثير: وزاد يقال أوكيته إيكاء، فهو موكي لا همز، وأخرج الإمام مسلم رحمه الله رقم (1725): من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها«.
وتقدم حديث الجارود العبدي في استحباب أخذ اللقطة، وفيه: »لقطة المؤمن حرق النار«، وهو محمول على حديث زيد بن خالد، أي: إذا لم يعرفها ملتقطها كما تقدم بيانه هناك.
قال النووي في شرح مسلم في باب اللقطة، وأما تعريف سنة فقدة أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة، ولا في معنى التافهة.
وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/205): وأجمعوا أن اللقطة ما لم تكن تافهاً يسيراً أو شيئاً لا بقاء له، فإنها تعرف حولاً كاملاً. انتهى.
وقال ابن رشد في »بداية المجتهد« (4/117): اتفق العلماء على تعريف ما كان له بال منها سنة.
المبحث الثامن
مدة تعريف اللقطة وأين يكون
تقدم في الأحاديث التي في الفصل قبل هذا أنها تعرف سنة، وأشكل على ذلك ما أخرجه البخاري رقم (2437)، في كتاب اللقطة فقال رحمه الله: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت سويد بن غفلة قال: كنت مع سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان في غزاة، فوجدت سوطاً فقال لي: ألقه، قلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فلما حججنا فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: وجدت صرة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم فيها مائة دينار، فأتيت بها النبي صلى الله عليه و سلم فقال: »عرفها حولاً«، فعرفتها حولاً ثم أتيت فقال: »عرفها حولاً« فعرفتها حولاً، ثم أتيت الرابعة فقال: اعرف عدتها ووكائها ووعائها، فإ، جاء صاحبها وإلا استمتع بها.
وقال: حدثنا عبدان قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن سلمة بهذا قال: فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري أثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.
وأخرجه مسلم (1723).
ففي هذا الحديث الأمر بتعريفها أكثر من سنة قال الحافظ ابن حجر في »الفتح« (5/79)، عند قوله فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً، وهذا التردد في تحديد التعريف من سلمة بن كهيل، كما هو مبين في »صحيح مسلم« (1723).
قال شعبة الراوي للحديث، عن سلمة فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عاماً واحداً، وأخرج الحديث أبو داود والطيالسي في مسنده رقم (554)، فقال في آخره قال شعبة: فلقيت سلمة بعد ذلك فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.
وأخرجه الطحاوي في »شرح معاني الآثار« (3/423): وفيه قال شعبة ، ثم أن سلمة بن كهيل، شك في ذلك.
قال الحافظ: وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد في الباب، فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال: يحمل حديث أبي بن كعب على مزيد الورع، عن التصرف في اللقطة، والمبالغة في التعفف عنها، وحيث زيد على مالا بد منه، أو لاحتياج الأعرابي، واستغناء أبي. انتهى.
القول في أوجه الجمع، ثم قال: قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرّف ثلاثة أعوام إلا شيء جاء عن عمر. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: وقد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة، ولم يشترط أحد تعريف ثلاثة أعوام إلا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعله لم يثبت عنه.
قلت: قال ابن أبي شيبة رحمه الله في »المصنف« (5/190): حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد قال: كان عمر بن الخطاب يأمر أن تعرف اللقطة سنة، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها خُيّر.
وهذا سند صحيح، رجاله ثقات.
وكيع: هو ابن الجراح، وسفيان: هو الثوري، وإبراهيم بن عبد الأعلى هو الجعفي الكوفي: وثقه أحمد والنسائي وغيرهما، روى عن سويد بن غفلة، وسويد إمام مخضرم من كبار التابعين، روى عن أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي وابن مسعود، وبلال، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وغيرهم من كبار الصحابة.
وروايته عن عمر في صحيح مسلم كما رمز بذلك الحافظ المزي في تهذيبه، ورواية إبراهيم بن عبد الأعلى عنه كذلك في مسلم.
وهذا تأييد قوي لقول النووي رحمه الله بأن القول بتعريف اللقطة أكثر من سنة، لم يثبت عن عمر، وأن الثابت عنه القول بتعريفها سنة واحدة.
ونقل الحافظ في »الفتح« (5/79): في مدة تعريف اللقطة خمسة أقوال نذكرها تنازلياً أولها: أنها تعرف ثلاثة أحوال.
ثانيها: أنها تعرّف حولاً واحداً.
ثالثها: أنها تعرّف أربعة أشهر.
رابعها: أنها تعرّف ثلاثة أشهر.
خامسها: أنها تعرف ثلاثة أيام.
وإليك أدلة هذه الأقوال:
أما القول الأول: فدليله حديث أبي الذي نحن في صدد بيانه، وتقدم ذكر بعض الزوائد في الحديث تبين أن سلمة بن كهيل، أخطأ رحمه الله في الزيادة على تعريفها سنة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله فيما نقله عنه الحافظ في »الفتح«: بأن هذه الزيادة غلط، ومثله قول المنذري فيما مضى من هذا الباب.
قال الحافظ: والذي يظهر أن سلمة بن كهيل، أخطأ فيها ثم تثبت واستذكر واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه راويه.
قلت: ومما يؤيد القول بوهم سلمة بن كهيل في هذه الزيادة نقولات الإجماع على خلاف تلك الزيادة.
وأن اللقطة لا يجب تعريفها إلا سنة واحدة، والقول باستحباب التعريف الزائد على سنة قول بشرع لم يثبت عليه دليل، وإنما هو مبني على وهم بعض رواة الحديث.
كما جزم بذلك الأئمة، ولا يعوّل على الخطأ، وممن أعلّه ابن حزم في »المحلى« (8/262) قال: هذا حديث ظاهره صحة السند إلا أن سلمة بن كهيل أخطأ فيه بلا شك.
وأما القول الثاني: بأنّها تعرف سنة، فقد تقدّم ذكر أدلته ومناقشتها، وعمدة هذا القول حديث زيد بن خالد الجهني، المتفق عليه عند أهل الكتب الستة أنّ النبي قال: »عرّفها سنة«.
والقول الثالث: أنها تعرف أربعة أشهر، وهذا مذكور في »المحلى« (8/264): من طريق شريك، عن أبي يعقوب العبدي، عن زيد بن صوحان العبدي: أن عمر أمره أن يعرف قلادة التقطها أربعة أشهر، فإن جاء صاحبها وإلا وضعها في بيت المال.
قلت: وسند هذا ضعيف، فيه شريك القاضي، وأبو يعقوب العبدي صوابه أبو يعفور، وهو وقدان: ثقة، وفيه أبو شيخ العبدي مذكور في »الجرح والتعديل«(9/391): ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فالأثر: ضعيف.
فعلم من هذه أن هذه أقوال شاذة، ولم يثبت منها سنداً أو متناً إلا القول أنها تعرف سنة، ويليه القول أنها تعرف أكثر من سنة، لكنه وهم من سلمة بن كهيل، فلم يثبت معنا من الأقوال غير القول بتعريفها سنة.
وأما القول الرابع أنها تعرف ثلاثة أشهر، فأخرج عبد الرزاق في المصنف (10/132)، رقم (18608)، قال عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يزعم أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب وجد جملاً ضالاً فجاء به عمر فقال عمر عرفه شهراً ففعل، ثم جاءه به فقال عمر: زد شهراً ففعل ثم جاءه فقال عمر: زد شهراً، ففعل، ثم جاءه فقال: إنا قد أسمناه، وقد أكل علف ناضحاً، فقال عمر: مالك وله، أين وجدته فأخبره قال: أذهب فأرسله حيث وجدته. انتهى.
وهذا سند منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير، وبين عمر، وله رواية عن عمر، ذكر ذلك ابن أبي حاتم في »الجرح والتعديل« (5/101): ولكن سماعه فيه بعد، فإن عمر رضي الله عنه استشهد سنة ثلاثة وعشرين، وعبد الله بن عبيد بن عمير توفي سنة (113)، ولم يذكره الحافظ المزي في »تهذيبه« أنه من الرواة عن عمر.
وأما القول الخامس: أنها تعرف ثلاثة أيام، فقد نقله ابن حزم في »المحلى« (8/259): بسند عبد الرزاق في »المصنف« (8/136): عن ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن أميّة: أن معاوية بن عبد الله الجهني، أخبره أن أباه عبد الله قال إسماعيل: وقد سمعت أن له صحبةً أقبل من الشام فوجد صرة فيها ذهب مائة، فأخذها فجاء بها إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر أنشدها الآن على باب المسجد ثلاثة أيام، ثم عرفها سنة، فإن اعترفت وإلا فهي لك.
وهذا سند فيه معاوية بن عبد الله الجهني.
ذكره البخاري في »التاريخ الكبير« (7/361)، وابن أبي حاتم في »الجرح والتعديل« (8/377)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وتقدم أنه جاء عند عبد الرزاق (10/142)، وأبي داود من طرق لم تثبت أن علياً وجد دينار، فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعرفه ثلاثة أيام، وتقدم أنه ضعيف وأيضاً في الشيء الحقير، وله عن عمر طريق أخرى في »المحلى« (8/252): ضعيفة مرفوعاً وبعضها ضعفها ابن حزم نفسه بقوله: وهذا حديث هالك؛ لأن الليث لم يسم من أخذ عنه، وقد يرضى الفاضل من لا يُرضى، هذا سفيان الثوري يقول: لم أر أصدق من جابر الجعفي، قال: وجابر مشهور بالكذب.
قلت: فجعل هذا القول اختيار ابن حزم كما في »الفتح« فيه نظر لا سيما وقد قال في أول كتاب اللقطة من »المحلى« (8/257)، وفرض على من أخذه أن يشهد عليه عدلاً واحداً، فأكثر ثم يعرفه ... فلا يزال كذلك سنة قمرية. إلخ.
فرع: وأما زمان التعريف فقد ذكر ابن قدامة في المغني أنه النهار دون الليل؛ لأن النهار مجمع الناس، وملتقاهم دون الليل.
قلت: ويعرفها في مظنة وجود صاحبها من ليل ونهار؛ لأن الغرض هو التخلص منها بأدائها لصاحبها، والله أعلم.
فرع: فيمن يتولى تعريفها.
قال ابن قدامة: وللملتقط أن يتولاها بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعاً بتعريفها فذاك، وإن دفع أجراً لمعرفها فهو على الملتقط، (وليس منها، وبهذا قال الشافعي، وأصحاب الرأي)، وقال مالك: إن أعطي منها شيئاً لمن عرفها فلا غرم عليه.
فرع: فإن التقطها إثنان أو أكثر فعرفوها حولاً يملكونها جميعاً بعد الحول، وعليهم ضمان حفظها ومرعاها حتى يجئ صاحبها ومن رعاها أخذ مقابل أتعابه، كما سيأتي في المباحث الآتية.
فرع:
ولا تدفع إلى صاحبها إلا بوصفها وصفاً صحيحاً، أو إقامة البينة على أنه صاحبها؛ لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها، (فيصير ذلك من أضاعتها، وإضاعة مال المسلم حرام، وما شرع التقاطها إلا لحفظها وإيصالها إلى صاحبها، وفي عدم التحري في صاحبها تضييع لها ومن دفعها إلى غير صاحبها على اجتهاد صحيح منه، بحصول البينة وكانوا كاذبين أو بمصادقة وصف لها من غير صاحبها، فقد برئت ذمته، والأثم على الآخذ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: »إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر«.([4])
وقوله: »إنكم تختصمون إليّ فأقضي بنحو ما أسمع، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار«.([5])
المبحث التاسع
حكم الإشهاد على اللقطة
قال الإمام ابن الجارود رحمه الله في »المنتقى« رقم (671): حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن عياض بن حمار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من التقط لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيّب، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها، ولا فهي مال الله يؤتيه من يشاء«. الحديث صحيح.
رجاله ثقات، وسعيد بن عامر: هو الضبي: ثقة صالح، وباقي رجال السند أئمة مشاهير.
وأخرجه أبو داود رقم (1709)، والنسائي في الكبرى (5/344)، وابن ماجة رقم (2505)، وأحمد في »المسند« (4/266)، رقم (1781)، و(18336)، وابن حبان (11/256)، رقم (4894)، والبيهقي (6/187)، وآخرون من طريق خالد الحذاء به.
واختلف الرواة عن خالد الحذاء، فرواه عبد الوهاب الثقفي عند ابن ماجة ووهيب بن خالد، وخالد الطحان عند أبي داود قالوا: ذا عدل أو ذوي عدل على الشك، عن خالد شعبة، كما في »المنتقى« وغيره، وإسماعيل بن علية عند أحمد (4/266)، وقال الطحاوي في »شرح مشكل الآثار« (4/462)، رقم (2862).
وقال الحافظ في »التلخيص« رقم (1332): بعد حديث عياض بن حمار، قال: وفي الباب عن مالك بن عميرة، عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل، وساقه ابن الملقن في »البدر المنير« (7/154)، بعد حديث عياض.
فائدة: روى مالك بن عميرة، عن أبيه نحواً من هذا الحديث، ولفظه: أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن اللقطة فقال: »عرفها، فإن وجدت من يعرفها فادفعها إليه، وإلا فاستمتع بها، وأشهد بها عليك، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلا فهو مال الله تعالى يؤتيه من يشاء«. انتهى. ولم يذكر سنده لننظر فيه.
وقال الحافظ في »الفتح« (5/81)، تحت حديث (2427)، إسناده واهٍ جداً.
قلت: ومثله بهذا الحال لا يصلح في الشواهد، ولكن يستفاد معرفة حاله، وحديث الباب صحيح لذاته، وهو كافي في الدلالة على المقصود، ثم عثرت على سند حديث عمير أبي مالك أحاله ابن الأثير في »أسد الغابة« (3/793)، رقم (4081)، إلى الإسماعيلي، وذكر صاحب كتاب »هدي القاصد إلى أصحاب الحديث الواحد« (4/100)، رقم (1964)، قال أخرجه ابن المرزبان، عن محمد بن المطلب، عن علي بن قرين، عن زيد بن حفص قال: سمعت مالك بن عمير، يحدث عن أبيه، فذكره.
قلت: وأبو سعيد البقال سعد بن المرزبان تركه الفلاس، وقال البخاري: منكر الحديث، وفي »لسان الميزان« محمد بن المطلب: مجهول، وباقي رجال السند لم أبحث عنهم.
قال ابن عبد البر رحمه الله في »التمهيد« (13/215): واختلفوا فيمن أخذ لقطة، ولم يشهد على نفسه أنه التقطها، وأنها عنده، ثم هلكت عنده، وهو لم يشهد، ثم ذكر حديث عياض، وقال: معنى هذا الحديث عندي، والله أعلم: أن ملتقط اللقطة إذا عرفها، وسلك فيها سنتها ولم يكن مغيباً ولا كاتماً، وكان معلناً معرفاً، كان بفعله ذلك أميناً، ولا يضمن إلا بما يضمن به الأمانات، وإذا لم يعرفها ولم يسلك بها سنتها، ثم قامت عليه البينة بأنه وجد لقطة ذكروها، وضمها إلى بيته، ثم أدعى تلفها ضمن؛ لأنه بذلك الفعل خارج عن حدود الأمانة. اهـ المراد.
وقال الخطابي: فليشهد أمر تأديب، وإرشاد، وذلك لمعنيين:
أحدهما: لما يتخوفه في العاجل من تسويل الشيطان، وانبعاث الرغبة فيها إلى الخيانة بعد الأمانة.
والآخر ما يؤمن حدوث المنية فيها فيدعيها ورثته، ويحوزوها في تركته، فحاصل قوله: أن الإشهاد أمر إرشاد، وليس بلازم. اهـ من »عون المعبود« (5/90)، وكذا قال البغوي في »شرح السنة« (8/315): وقال الصنعاني في »سبل السلام« (3/951): أفاد الحديث زيادة: وجوب الإشهاد بعدلين على التقاطها، وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي، فقالوا: يجب الإشهاد على اللقطة وعلى أوصافها، وذهب مالك وهو أحد قولي الشافعي أنه لا يجب والحق وجوب الإشهاد...
وفي قوله: »فهو مال الله يؤتيه من يشاء« دليل للظاهرية في أنها تصير ملكاً للملتقط، ولا يضمنها، وقد يجاب بأن هذا مقيد بما سلف من إيجاب الضمان، وأما قوله صلى الله عليه و سلم: »يؤتيه من يشاء« فالمراد أنه تحل انتفاعه بها، بعد مرور سنة التعريف. انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله في »نيل الأوطار« بعد حديث رقم (2461): الأمر يدل على وجوب الإشهاد وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو حنيفة، وفي كيفية الإشهاد قولان:
أحدهما: يشهد أنه وجد لقطة ولا يُعلم بالعفاص، ولا غيره، لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها.
والثاني: يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار بعض الشافعي إلى التوسط بين الوجهين، فقال: لا يستوعب الصفات، ولكن بعضها.
قال النووي في »الروضة« (4/453): وهو الأصح، وصحح أيضاً عدم الوجوب، والقول بالاستحباب قول الجمهور.
وقال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/334): وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجب الإشهاد عليها، وهو المشهور نظراً إلى حديث زيد وغيره، حيث لم يأمره صلى الله عليه و سلم بالإشهاد، نعم يستحب لحديث عياض بن حمار، وأوجبه بن أبي موسى وأبو بكر في التنبيه لظاهر الأمر، والشهود عدلان فصاعداً، ولا يشهد على الصفات لاحتمال شياعه فيعتمده المدعي الكاذب، والله أعلم. انتهى.
قلت: الحديث في الإشهاد عليها صحيح، وليس عندنا دليل يصرفه عن الوجوب إلا ما ذكروا أنه لم يُذكر في أحاديث اللقطة الأخرى.
والجواب: أن هذا فيه مزيد بيان وعلى مثل ذلك يقال من علم حجة على من لم يعلم.
وعدم الإشهاد عليها مدعاة إلى تملّكها كما سبق بيانه،وتملكها مباشرة حرام، وما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم، فعدم الإشهاد عليها محرم، والإشهاد واجب، ولا يذكر كل أوصافها حتى لا يتوصل الكذاب لأخذها، ولكن بذكر بعض أوصافها كما صححه النووي رحمه الله وآخرون.
المبحث العاشر
صفة تعريف اللقطة
قال الإمام ابن الجارود رحمه الله رقم (670): أخبرنا بن عبد الحكم، ان بن وهب أخبرهم قال: أخبرني عمرو بن الحارث، وهشام بن سعد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً من مزينة أتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال: كيف ترى فيما يوجد في الطريق الميتاء، وفي القرية المسكونة قال: »عرفه سنة، فإن جاء باغيه فادفعه إليه، وإلا فشأنك بها، وإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه، وما كان في الطريق غير الميتاء أو القرية المسكوونة فيه وفي الركاز الخمس«.
وأخرجه أبو داود رقم (1710)، وأحمد في »المسند« (2/180)، والدارقطني (4/235)، والبغوي (8/318)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به، وهذا سند حسن.
وقوله الطريق الميتاء بكسر الميم، العامرة كما في مسند أحمد بلفظ العامرة المسلوكة.
ففي هذا الحديث أن من وجد لقطة في طريق غير مسلوكة ففيها الخمس، لأنها لم يجر عليها ملك أحد في الإسلام شأنها شأن الركاز، أما ما وجد في طريق ميتاء أي عامرة مسلوكة، فإنها تعرف سنة، ثم يصير شأنها بعد السنة، شأن اللقطة له أن يتصرف فيها، فإن جاء صاحبها يوماً من الدهر فهي لصاحبها على تفاصيل سيأتي ذكرها إن شاء الله.
قوله: وما كان في الطريق غير الميتاء أو القرية غيرالمسكونة، في أبي داود وكان في الخراب، يعني ففيها، وفي الركاز الخمس، أي: في اللقطة التي توجد في الخراب الخمس، كما أن في الركاز الخمس، والركاز دفين الجاهلية، كما في النهاية لابن الأثير، و»مختار الصحاح«، قال البغوي في »شرح السنة« (8/320): من وجد مالاً في طريق مسلوك فهو لقطة، وإن وجد في أرض العارية التي لم يجر عليها ملك في الإسلام، فهو ركاز يجب فيه الخمس، والباقي للواجد. اهـ
قال الطيبي في »شرح المشكاة« تحت رقم (3036)، وما يأتيه الناس غالباً من المسالك، لقطة يجب تعريفها إذ الغالب أنه ملك مسلم، وأعطى ما يوجد في برية الأراضي العادية التي لم تجر عليها عمارة إسلامية، ولم تدخل في ملك مسلم حكم الركاز إذ الظاهر أنه لاملك له. اهـ
قوله فإن جاء باغيه: أي صاحبها كما سبق في الأحاديث الماضية.
قوله: فأدها إليه، أكثر الأحاديث ليس فيها البينة، وبوب البخاري رحمه الله في »صحيحه« رقم (2426)، باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة، دفع إليه، ثم ذكر حديث أبي بن كعب السابق.
وتقدم في الباب الذي قبله حديث عياض بن حمار، وهو صحيح، وفيه فليشهد عليها ولا يكتم ولا يغيب، وأخرج البزار (1367)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن اللقطة؟ فقال: »تعرّف ولا تغيّب ولا تكتم، فإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء«، قال الهيثمي في »مجمع الزوائد« (4/168)، رجاله رجال الصحيح.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (6/رقم:1209)، بسند صحيح إلى مالك، عن أيوب بن موسى، عن معاوية بن عبد الله بن بدر، أن أباه أخبره أنه نزل منزلاً بطريق الشام، فوجد صرة فيها ثمانون ديناراً، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر رضي الله عنه: عرفها سنة على أبواب المساجد، واذكرها لمن يقدم من الشام، فإن مضت السنة فشأنك بها.
وهذا أثر صحيح.
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/10)، الفصل السادس في كيفية التعريف، وهو أن يذكر جنسها لا غير فيقول: من ضاع منه ذهب أو فضة، أو دنانير أو ثياب، ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب بطرق الشام، ولا تصفها... (لأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها... فتضيع على ما لكها.
وقال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/321): وظاهر كلام الخرقي في أن السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية، وهو صحيح لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فإذا عرَّفَت كان أقرب إلى وصولها إليه بخلاف ما لو تأخر ذلك التعريف بعض الحول، أثم، وعرّف بقيته، لقوله صلى الله عليه و سلم: »إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم«، وإن تركه جميع الحول سقط على المنصوص لسقوط حكمة التعريف وهو تطلع المالك لها في الحول الأول، وقيل لا يسقط نظراً لقوله صلى الله عليه و سلم: »إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم«، وهنا قد استطاع التعريف على وجه ناقص فوجب عليه.
قلت: وهذا القول الأخير هو الصحيح الذي يؤيده حديث زيد بن خالد، فليعرّفها سنة، والحديث الذي استدل به الشارح قال: ومحل التعريف هو محل وجدانها إن أمكن، وفي الأسواق وأبواب المساجد في أدبار الصلوات ونحو ذلك من مجامع الناس؛ لأن المقصود من التعريف إظهار ربها عليها، وهذه الأماكن مظنّة ذلك بخلاف غيرها.
وقال بعض العلماء إنه لا يدفعها إليه إلا ببينة، وهذا القول لا دليل عليه، وبعدم البينة قال مالك، وأحمد وغيرهما، وإنما تطلب منه البينة عند الإثبات أنه ليس بصادق في دعواه.
وانظر »شرح السنة« للبغوي (8/313)، و»فتح الباري« (5/79): (أخذ الضالة بنية عدم تعريفها لا يجوز)، لحديث زيد بن خالد، عند مسلم رقم (1725): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«.
قال النووي رحمه الله: هذا دليل للمذهب المختار؛ أنه يلزمه تعريف اللقطة مطلقاً سواء أراد تملكها أو حفظها على صاحبها هذا هو الصحيح، ويجوز أن يكون المراد بالضالة هنا ضالة الإبل ونحوها مما لا يجوز التقاطها للتملك، بل تلتقط للحفظ على صاحبها فيكون معناه، من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها أبداً، ولا يتملكها،والمراد بالضال المفارق للصواب وفي جميع أحاديث الباب، دليل على أن التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا على إذن سلطان، وهذا مجمع عليه. اهـ
قوله: (فلم أجده)، قال الحافظ: قال العلماء محل التعريف المحافل كأبواب المساجد والأسواق، ونحو ذلك، يقول: »من ضاعت له نفقة أو نحو ذلك من العبارات، ولا يذكر شيئاً من الصفات«. اهـ من »الفتح« (5/82)، كما تقدم قول الزركشي فيرتب مع هذا القول سواء.
وقوله: سنة قال الحافظ، أي متواليه فلو عرفها سنة متفرقة لم يكف.
قال العلماء يعرفها في كل يوم مرتين، ثم مرة في كل أسبوع، ثم في كل شهر، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه، بل يجوز بوكيله، ويعرفها في مكان سقوطها وفي غيره.
قلت: لا اعرف دليلاً على هذا التحديد الزمني، وإنما يعاد في ذلك إلى العرف، وإلى ما يقرب العبد إلى الله من حيث تحرّى مجامع الناس في أي وقت كان، والله أعلم.
المبحث الحادي عشر
تنزيه المساجد عن إنشاد الضالة فيها
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (568)، في كتاب المساجد باب (18): حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمر قال: حدثنا ابن وهب عن حيوة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنى لهذا«.
وقال رحمه الله (569): وحدثني حجاج بن الشاعر، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له«.
وأخرج الطبراني في »الكبير« كما في »مجمع الزوائد« (2/25)، رقم (2045)، عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رجلاً ينشد ضالة في المسجد فاسكته وانتهره وقال: قد نهينا عن هذا.
وهو مع الشك فيه، أيضاً منقطع بين ابن سيرين وابن مسعود كما أكده المنذري في »الترغيب والترهيب« رقم (444)، بذلك وتبعه الهيثمي في »مجمع الزوائد«.
وقال الإمام النسائي رحمه الله في »الكبرى« (1/396) رقم (798): أخبرنا محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني زيد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: جاء رجل ينشد ضالة في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت«.
وسنده صحيح بشواهده، فإن أبا الزبير: مدلس، وقد عنعن، لكنه في الشواهد وباقي رجاله ثقات، محمد بن سلمة هو الباهلي: ثقة.
وأبو عبد الرحيم: هو خالد بن يزيد الجمحي: ثقة فقيه خال محمد بن سلمة.
وأخرج أبو داود رقم (1079)، والترمذي رقم (322)، والنسائي (714)، وابن ماجة (766)، وأحمد (2/179)، وابن خزيمة (3/158)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/137)، والبغوي في شرح السنة (2/372)، كلهم من طريق محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: »نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة«. وسنده حسن.
قال ابن الأثير رحمه الله: الضالة الضائعة، ونشدها طلبها والسؤال عنها.
وقوله من دعا إلى الجمل الأحمر، أراد به من وجد الجمل الأحمر، فدعا إليه صاحبه ليأخذه.
قلت: وهذا لا يتعارض مع النهي عن لقطة لإبل، فإن هذا السائل لعله لم يعلم الحكم في عدم لفظه الجمال أو أنه أراد من رآه فيدعوني أو يخبرني لآخذه.
قال البغوي رحمه الله (2/374): وأما طلب الضالة في المسجد، ورفع الصوت بغير الذكر، فمكروه، ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي تقدم في الباب.
قلت: بل محرم كما سيأتي.
وأخرج الطبراني في »الأوسط« رقم (1698) فقال: حدثنا أحمد قال: أخبرنا إسحاق بن راهوية قال: قلت لأبي مَرّة، ما ذكر موسى بن عقبة، عن عمرو بن أبي عمر، عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد ينشد ضالة عنه فقال النبي صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت«.
قال الهيثمي في »مجمع الزوائد« (2/24) رقم (2043): رجاله ثقات.
قلت: وهذا سند صحيح.
وقال الإمام الترمذي رحمه الله رقم (1321): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً؛ فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ«.
وأخرجه النسائي في »الكبرى«، وابن الجارود (562)، وأخرجه ابن حبان (4/528)، رقم (1650)، والحاكم (2/56)، والبيهقي (2/447)، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة به.
هذا حديث حسن، وآخر في صحيح مسلم كما تقدم في هذا الباب.
وقال النووي رحمه الله فيه فوائد منها النهي عن نشد الضالة في المسجد، قال: وقوله صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت« وأمر أن يقال مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه، وينبغي لسامعه أن يقول: »لا وجدت، فإن المساجد لم تبن لهذا«، أو يقول: »لا وجدت فإنما بنيت المساجد لما بنيت له«، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم. انتهى.
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله في »سبل السلام« (1/259)، تحت حديث رقم (239)، ما معناه من سمع من ينشد ضالة في المسجد فليدع عليه... ومثله قول الشيخ البسام رحمه الله في شرحه على »بلوغ المرام« عند الحديث المذكور.
ضالة في المسجد؛ فليدع عليه جهراً بقوله: (لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)، وهذا الحكم عام سواء كانت حيواناً أو متاعاً، أو نقداً أو غير ذلك بجامع (العلة)، والحديث يدل على تحريم نشد الضالة في المسجد، ووجوب الدعاء عليه بهذا الدعاء. انتهى المراد.
المبحث الثاني عشر
من وجد لقطة ثم ضاعت عليه هل يضمن قال الله تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم﴾.
قال ابن أبي شيبة رحمه الله (5/195): حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الحارث العكلي قال: من أخذ شيئاً، فلا ضمان عليه.
وهذا سند صحيح إلى الحارث العكلي.
وحدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن قال: »إذا ضاعت اللقطة فصاحبها ضامن«، وهذا أثر صحيح إلى الحسن.
حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حجاج، عن رجل، عن علي في رجل أخذ ضالة فضلّت منه قال: هو أمين([6]). انتهى.
وهو أثر ضعيف مبهم.
قال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (8/27): فصل وإن ضاعت اللقطة من ملتقطها بغير تفريط فلا ضمان عليه؛ لأنها أمانة في يده فأشبهت الوديعة.
فإن التقطها آخر فعرف أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه؛ لأنه قد ثبت له حق التموّل وولاية التعريف فلا يزول ذلك بالضياع، فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرّفها حولاً ملكها؛ لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان، فيثبت الملك به كالأوَّل، ولا يملك الأول انتزاعها؛ لأن الملك مقدم على حق التملك، فإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني، وليس له مطالبة الأول؛ لأنه لم يفرد. انتهى المراد وتبعه صاحب »الشرح الكبير«.
وقال الماوردي في »الحاوي الكبير« (441): فلو ضاعت اللقطة من الواجد لها فالتقطها آخر، ثم علم الواجد الأوّل بها، فإن كان ذلك بعد أن تملكها الأول عند استكمال تعريفها حولاً، فالملتقط الأول أحق بها من الثاني، لاستقرار ملكه عليها، وإن كان قبل استكمال الأول لتعريفها حولاً ففي احقهما بها وجهان:
أحدهما: الأول لتقدّم يده.
الثاني: الثاني أحق بها لثبوت يده.
قلت: والأقرب أنها للملتقط الأول؛ لأنه مسئول عنها، ومطالب بها، إذا ثبت أنها بيده، ولأن ادعاء أنها فقدت منه يجعل عند الناس ريبة في قوله: وأنه انفقها وقد حث الشرع على الاستبراء للدين والعرض.
وقال النووي رحمه الله في »شرح مسلم« (تحت حديث 1722): فإن تلفت بعد التملك لزم الملتقط بدلها عندنا، وعند الجمهور، وقال داود: لا يلزمه.
وقال الشيرازي في »المهذب« (16/136) مع «المجموع»: فإن أخذها واحد وضاعت منه ووجدها غيره وجب عليه ردها إلى الأول؛ لأنه سبق إليها فقدّ كما لو سبق إلى موات متجّحرة.
قال النووي في »الروضة«: الأول أحق بها على الأصح.
قال الرافعي كما في »شرح المهذب« (16/138): ومحل الخلاف إذا التقط الآخر قبل استكمال ملك الآخذ، أما لو كان الواجد قد تملكها بعد البينة بالتعريف فيلزمه ردها إليه بلا خلاف. في »الحاوي« و»البحر«. انتهى.
وقد تقدم الترجيح أنها للأول.
قلت: ويلحق بهذا الفصل ما ذكر في »مجموع الفتاوى« لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (30/411): أنه سئل عن رجل وجد فرساً لرجل من المسلمين مع أناس من العرب، فأخذ الفرس منهم، ثم أن الفرس مرض بحيث أنه لم يقدر على المشيء، فهو للآخذ بيع الفرس لصاحبها أم لا.
فأجاب شيخ الإسلام: بل يجب في هذا الحال أن يبيعه الذي استنقذه لصاحبه وإن لم يكن وكله في البيع، وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها، ويحفظ الثمن. انتهى.
ومن هذه الأقوال علم أن الملتقط ضامن لما التقطه إذا فرط فيه، حتى إن فقدها، أما إن لم يفرط فيلزمه اليمين لصاحب المال المفقود، أنه وجد ماله ثم ضاع عليه، أو تلف عليه بدون تفريط منه، وليس عليه ضمان لقول الله تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:91]، والله أعلم.
المبحث الرابع عشر
بعد تعريف لقطة غير مكة سنة كاملة هل تكون ملكاً لملتقطها كسائر حلال ماله
أخرج مسلم في »صحيحه« في كتاب (اللقطة) عقب رقم (1722): عن يزيد مولى المنبعث قال: سمعت زيد بن خالد الجهني يقول، فذكر حديث وفيه قال: »عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه«.
وأخرج البخاري الحديث رقم (2428)، وجعل هذا من قول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها، وكانت وديعة عنده.
قال يحيى: فهذا الذي لا أدري أفي حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم هو أم شيء من عنده. انتهى.
قال الحافظ في »الفتح«: وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى، وذلك فيما أخرجه مسلم رقم (1722/5)، وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد، عن سليمان بن ربيعة عند مسلم والفهمي عن سليمان، عن يحيى، وربيعة جميعاً عند الطحاوي، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها، فترجم على باب (9)، من كتاب اللقطة فقال: (باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه؛ لأنها وديعة عنده)، وذكر حديث زيد بن خالد، وفيه قال: »عرفها سنة، ثم اعرف وكائها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه«.
قال الحافظ: قال ابن المنير قوله: فإن جاء صاحبها فأدها إليه يدل على بقاء ملك صاحبها، (أي بعد السنة، وبعد انفاق ملتقطها)، خلافاً لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان.
قال الحافظ ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعاً لجماعة من السلف.
وإذا ادعى أنه أكلها، ثم غرمها، ثم ضاعت قُبل قوله أيضاً، وهو الراجح من الأقوال. انتهى.
قال الخرقي في »المختصر«: فإن جاء ربها وإلا كانت كسائر ماله.
قال الزركشي رحمه الله في »شرح مختصر الخرقي« قال: يعني إذا عرفها فإن جاء ربها في الحول فهي باقية على ملكه، وإن انقضى الحول ولم تعرف صارت عند انقضاء الحول كسائر مال الملتقط على المذهب بلا ريب.
واستدل من قال بأنها تصير كسائر ماله بحديث أبي بن كعب عند البخاري رقم (2446)، ومسلم رقم (1723)، وفيه: (وإلا فاستمتع بها).
وفي رواية لمسلم رقم (1722/6)بلفظ: »فهي لك«.
وفي رواية من حديث زيد بن خالد، عند مسلم (12/389)، بلفظ: »فشأنك بها«.
قلت: وكل هذه الألفاظ لا تدل على تملّكها تملكاً مطلقاً مع معارضتها لتلك الألفاظ الصريحة في أنها بعد تعريفها حولاً تصير عنده وديعة، ومع ملاحظة ما ذكر في الباب الماضي من حرمة مال المسلم.
والظاهر من هذه الألفاظ أن الملتقط بعد تعريف اللقطة سنة له أن يتملكها ويصير ضامناً، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها للأدلة المذكورة في الباب الماضي ومنها حديث: »كل المسلم على المسلم حرام«، وليس له أن يتملكها من صاحبها بعد الحول أبداً، لا هو ولا ورثته من بعده.
قال ابن قدامة في »المغني« (8/34): الملتقط إذا مات واللقطة موجودة بعينها قام وارثه مقامه في تعريفها تمام الحول إن مات قبل الحول ويملكها بعد إتمام التعريف، فإن مات بعد الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث، فإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت، بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته، إن اتسعت لذلك، وإن ضاقت التركة زاحم الغرماء بدلها، سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله، وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريطه فلا ضمان عليه، ولا شيء لصاحبها...
وقال المزني: قال الشافعي رحمه الله: فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة، على أنه متى جاء صاحبها في حياته أو بعد موته فهو غريم إن كان استهلكها، وعزى الماوردي في »الحاوي« (9/444)، هذا القول إلى جمهور الفقهاء.
وقال شارح »المهذب« (16/141): إذا جاء صاحب اللقطة في أثناء مدة التعريف أو بعد انقضائها، وقبل أن يتملكها الواجد، واثبت أنه صاحبها أخذها يزيادتها المتصلة، كالسمن في الحيوان، وتعليم الصنعة للعبد، والمنفصلة كالولد واللبن والصوف، ونحو ذلك.
أما إذا عرفها سنة ولم يجد صاحبها، فله أن يديم حفظها لصاحبها وله أن يتملكها سواء كان فقيراً أو غنياً.
وقال النووي في »شرح مسلم« (12/387): فإن جاء صاحبها بعد تملكها أخذها بزيادتها المتصلة دون المنفصلة. انتهى.
وما نقله شارح »المهذّب«، هو الصواب، والعدل في ذلك أنه إن جاء صاحبها أخذها زيادتها المتصلة والمنفصلة، ويعطي ملتقطها من زياداتها مقابل أتعابه حسب العرف، فلو أنه وجد ألف ريال، وتاجر فيها حتى كثر فليدفع الألف إلى صاحبه ويصير في الزيادة كالمضارب معه فيها، وبهذا يحفظ لكل واحد منهما حقه، والحمد لله.
المبحث الخامس عشر
إن كانت اللقطة مما تجب فيه الزكاة فهل يخرج ملتقطها زكاتها مدة بقائها عنده
قال الخرقي كما في »المغني« (4/27) في كتاب (الزكاة): واللقطة إذا صارت بعد الحول كسائر مال الملتقط استقبل بها حولاً، ثم زكاها فإن جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً منها.
قلت: حاصله أنه يعرفها سنة، ولا يخرج زكاتها لأنها في أثناء هذه المدة ليست في ملكه، وعلى صاحبها أن يخرج زكاتها بعد الحصول عليها.
أما بعد مضي السنة فإنه يصير جائز التصرف فيها فعليه أن يخرج زكاتها عند وجوب ذلك منها، فإن نقصت عن النصاب توقف عن إخراج الزكاة منها لعدم توفر شرط من شروط الزكاة وهو بلوغ النصاب.
والدليل على أنه لا يخرج زكاتها قبل الحول، حديث: »لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه«.
والدليل على أنه يخرج زكاتها بعد الحول أنها صارت في ملكه وأدلته زكاة المال الزكوي معلومة في القرآن والسنة.
المبحث السادس عشر
حكم لقطة غير المسلم
قال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3804): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »أَلَا لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَلَا اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ«.
فيه مروان بن أبي رؤبة: مجهول حال، لكن الحديث في »مسند أحمد« قال رحمه الله رقم (1717): حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدم به، وهذا إسناد صحيح.
قال الصنعاني في »سبل السلام« تحت رقم (890): فدل على أن اللقطة من ماله كاللقطة من مال المسلم، وهذا محمول على التقاطها من محل غالب أهله ذميون، وإلا فاللقطة لا تعرف من مال أي إنسان عند التقاطها. انتهى.
قال الإمام ابن قدامة في »المغني« (8/33)، في شرح قول الخرقي: (من وجد لقطة في دار الحرب فكان في جيش) قال أحمد: يعرفها سنة في دار الإسلام، ثم يطرحها في المقسّم قال: إنما عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموال أهل الحرب مباحة، يجوز أن تكون لمسلم، ومعناه والله أعلم أنه يتم التعريف في دار الإسلام.
فأما ابتداء التعريف فيكون في الجيش الذي هو فيه (أي جيش المسلمين)؛ لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم، فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام.
فأما إن دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم؛ لأن أموالهم محرمة عليه، فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام، وإن دخل إليهم متلصصاً فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموالهم مباحةً له، ثم يكون حكمها حكم غنيمته، ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة.
أما التقاط اللقطة فليس لغير المسلم التقاطها؛ لأنه ليس من أهل الأمانة، والتقاطها يشترط فيه الأمانة والقيام بتعريفها، والكافر ليس عنده من الدين ما يحمله على ذلك، سواء كان ذمياً أو غيره.
قال ابن قدامة: وهذا قول بعض أصحاب الشافعي.
قلت: وهذا صحيح مؤيد بأدلة اشتراط عدالة الإسلام، وهو قول الشيرازي في »المهذب« (16/174)، مع »المجموع« أيضاً، ومعنى ذلك أن ولي الأمر لا يقرها في يده إن علم أنها معه، ونقل الشارح عن الجمهور أن الفاسق أهل لأخذ اللقطة.
قلت: أما فسقة المسلمين فقول الجمهور هو الصحيح، أن فاسق المسلمين له أخذ اللقطة، ويجب عليه تعريفها، وإن خاف أن لا يقوم بتعريفها فلا يجوز له التقاطها، كما قدمنا مبحث ذلك، والحمد لله.
المبحث السابع عشر
الظّفَرْ وهو من وجد ضالته فله أخذها ولو استحالت إلى أكثر من واحد بالشراء
قال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3531): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتَّبِعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ«.
وأخرجه النسائي (7/313)، وأحمد في »المسند« (5/13)، رقم (20146)، فقال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن سعيد بن زيد بن عقبة، عن أبيه، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »إذا سرق متاع أو ضاع له متاع فوجده بيد رجل بعينه، هو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن«.
وهذا سند فيه ضعف، من أجل حجاج بن أرطأة، لكنه متابع بالذي قبله، وباقي رجال السند ثقات، ومن طريق سعيد.
أخرجه ابن ماجة رقم (2331)، باب من سرق له شيء فوجده في يد رجل اشتراه. فالحديث حسن.
ونبحوه من حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (2402)، ومسلم رقم (1559)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من أدرك ماله بعينه عند إنسان أفلس فهو أحق من غيره«.
قال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (7/105) قال أحمد في رجل يجد سرقته بعينها عند إنسان قال: هو ملكه يأخذه، لحديث: سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتَّبِعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ«.
وقال ابن قدامة كما في »المغني« (ومن أخذت ثيابه من الحمام ووجد بدلها وأخذ مداسه وترك له بدله، لم يملكه بذلك)، قال: فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره، فيعرفها كاللقطة.
ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من المتروكة، وكانت مما لا تشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه، فلا حاجة إلى التعريف؛ لأن التعريف إنما جعل في المال الضائع عن ربه، ليعلم به ويأخذه، وهذا عالم به راضٍ بـبدله عوضاً عما أخذه.
قلت: هذا فيما إذا تيقن أن هذه المداس مداس الذي أخذ مداسه، وإذا ارتاب هل هي له أو لغيره، فليترك أخذها حتى لا يصير مظلوماً وظالماً لغيره.
المبحث الثامن عشر
اتباع الحصادين وأخذ ما يسقط منهم
قال الإمام البيهقي رحمه الله في »الكبرى« (6/195) رقم (12102): أخبرنا أبو الحسن بن بشران العدل قال: أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، قال: حدثنا سعدان بن نصر قال: حدثنا أبو معاوية، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: قال لي أبو الدرداء رضي الله عنه: »لا تسألي أحداً شيئاً«.
قلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه، فاخبطيه ثم أطحنيه، ثم أعجنيه ثم كليه، ولا تسألي أحداً شيئاً.
وهذا سند صحيح.
فرع: قال ابن قدامة (8/28): ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد؛ لأن الدر يكون في البحر، بدليل قول الله تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾[فاطر:12]، ولأن الأصل عدم ملكها لغيره، فإن باعها الصياد ولم يعلم فوجدها المشتري في بطنها فالدرة للصياد. نص عليه أحمد... فأشبه من باع داراً له فيها مال مدفون.
قلت: والدار إذا اشتراها أحد فوجد فيها مالاً مدفوناً فالأصل أن المال للبائع، إلا أن يشترط المشتري؛ لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من ابتاع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع«. متفق عليه.
فإن وجد في جوف السمكة دراهم ودنانير فهي لقطة؛ لأن ذلك لا يخلق في البحر، قال (8/29): ومن وجد عنبرة على ساحل البحر فهي له.
الأصل عدم الملك فيها، فكانت مباحة لآخذها كالصيد.
وقال (8/30): وإن صاد غزالاً فوجده مخضوباً أو في عنقه خرز أو في أذنه قرط ونحو ذلك، مما يدل على ثبوت اليد عليه، فهو لقطة؛ لأن ذلك يدل على أنه كان مملوكاً.
وقال (8/41)، ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملاً بغير جعل لم يستحق عوضاً، لا نعلم في هذا خلافاً.
ومعناه أنه إن طلب جعلاً على رد اللقطة فله ذلك قال ابن قدامة: وإن اتفقا على العوض، واختلف في قدره فالقول قول المالك.
وقال (8/48): وإن كان الملتقط سفيهاً أو طفلاً قام وليه بتعريفها، فإن تمت السنة ضمها إلى مال واجدها.
وقال (ص50): وإذا وجد العبد لقطة، فله أخذها بغير إذن سيده، ويصح التقاطه، وقال (ص53): والمكاتب كالحر في اللقطة.
فصل الضوال
وإن ضالة الإبل لايجوز التقاطها، وضالة الغنم يجوز التقاطها وأكلها مع ضمانها إن جاء صاحبها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2427) في كتاب (اللقطة باب ضالة الإبل): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا؛ وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا«، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: »لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ«، قَالَ: ضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ«.
وأخرجه مسلم (1722).
قال: فتمعّر وجهه صلى الله عليه و سلم (أي تغير)، وقال مالك: ولها معها سقاؤها، وحذؤها ترد الماء وتأكل الشجر، وحذاؤها خفها وسقاؤها، أي: أنها تدخر الماء في جوفها.
قال الحافظ في »الفتح« (5/80): حكمة النهي عن التقاط الإبل، أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس، قالوا: وفي معنى الإبل كل ممتنع بقوته عن صغار السباع، كالبقر والخيل والبغال، والحمير لما علل به صلى الله عليه و سلم من قوله: »دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها«، وقال في الشاة: »خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب«، فعلل جواز أخذ الشاة بكونها معرضة للذئب.
قلت: وبقياس الممتنع بقوّته عن صغار السباع قال جمهور العلماء.
انظر شرح »مختصر الخرقي« للزركشي (4/348)، و»المغني« لابن قدامة (8/63)، و»شرح السنة« للبغوي (8/315)، و»فتح الباري« (5/80)، و»شرح النووي على مسلم« وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/210): فيه دليل واضح على أن العلة في ذلك خوف التلف والذهاب...
قلت: الحديث نص على الإبل فقط، فالأولى البقاء على النصّ دون الحاق غير المنصوص به، وبعض الملحقات كالحمير لا تتحد فيها العلة مع الإبل، فإنها لا تمتنع عن الضُبع ساعةً واحدة، وكذلك الإبل لا تمتنع عن الأسد، فتحديد ما امتنع عن صغار السباع فيه نظر لعدم الدليل عليه، ولكن يجب البقاء على ظاهر النص كما تعبّدنا الله بذلك.
وقال البغوي، والنووي وغيرهما: لا يجوز التقاط ضالة الإبل، وأن ضالة الغنم تؤخذ وتعرف وإذا أكلها ضمن قيمتها.
قال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/206): واجمعوا أن أخذ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها.
قال الحافظ (5/83): واجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لأخذها منه.
قال النووي، والحافظ: واللام في قوله: «هي (لك)، أو لأخيك، أو للذئب»، ليست للتمليك، فإنه قال: أو للذئب، والذئب لا يملك باتفاق، وأنها وديعة عند ملتقطها لرواية، ولتكن وديعة عنده، كما في مسلم وتقدم بيانه، وبوب البخاري على ذلك برقم (2436).
بوب الإمام البخاري رحمه الله برقم (2435)، وذكر حديث بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا يحلبن أحد ماشية أمرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع ما شيتهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلا بإذنه.
قال ابن عبد البر: في هذا الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه.
قلت: وهذا هو الصحيح لعموم أدلته تحريم مال المسلم التي تقدم ذكر بعضها في هذه الرسالة، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه.
جواز الأكل وروينا بأسانيد صحاح موصولة عن النبي صلى الله عليه و سلم، وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى بالاتباع.
اللقطة بعد التعريف أو الحقيرة بغير تعريف يأكلها الغني والفقير، لحديث أنس: »لولا أن أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«، وقد تقدم.
ولحديث زيد بن خالد: »عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها«، وبوب البيهقي اللقطة يأكلها الغني والفقير، إذا لم تعرف بعد تعريف سنة.
قال الحافظ بن حجر: واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة، ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا، فالجمهور على وجوب الرد، إن كانت العين موجودة، أو البدل إن كانت استهلكت، لحديث زيد بن خالد، عن البخاري رقم (2428)، قال: عرفها سنة، يقول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها (وكانت وديعة عنده).
قلت: ويؤيد هذه الزيادة حديث: »كل المسلم على المسلم حرام«، وحديث: »إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام«، وحديث: »لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه«. وهذه أحاديث صحاح.
باب اللقيط
قال ابن الأثير في »النهاية«: هو الطفل الذي يوجد مرمياً في الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه.
اللقيط لا يجوز تركه ضائعاً واللقيط حر
وأخرج البخاري رحمه الله برقم (2442) فقال: حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أن سالماً أخبره: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة«. وأخرجه مسلم رقم (2580).
وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾[المائدة:32]، وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾[المائدة:2].
قال الإمام مالك رحمه الله في »الموطأ«: ومن طريقه البيهقي في »الكبرى« (6/202) رقم (12133)، والبغوي في »شرح السنة« (8/322): عن ابن شهاب، عن سنين أبي جميلة رجل بن بني سليم، أنه وجد منبوذاً زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها، فقال: عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، قال: كذلك، قال: نعم، قال عمر: إذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.
ولفظ حديث الشافعي، وحديث عبد الرزاق مختصراً: أنه التقط منبوذاً فجاء به إلى عمر، فقال له عمر: هو حر، وولاؤه لك، ونفقته علينا من بيت المال.
وسنده صحيح.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (6/202)، رقم (1235)، من طريق الحسن، عن علي رضي الله عنه أنه قضى في اللقيط أنه حر، وقرأ هذه الآية: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف:20].
قال الإمام مالك رحمه الله : الأمر المجمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وولاؤه للمسلمين يرثونه ويعقلونه.
قال البغوي رحمه الله: فيه بيان أن اللقيط إذا وجد لا يجوز تضييعه وهو محكوم بحريته وإسلامه، فيكون ميراثه للمسلمين، إذا مات ونفقته من بيت مال المسلمين، وإذا التقطه غير أمين لا يترك في يده، بل يأخذه الإمام فيضعه عند أمين، ويصرف عليه من بيت المال. انتهى. من »شرح السنة« (8/323).
وقال ابن الأثير في »النهاية« مادة (لقط): وهو في قول عامة الفقهاء حر، لا ولاء عليه لأحد، ولا يرثه ملتقطه.
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/68): أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر.
قال: وإذا جنى جناية تحملها العاقلة، والعقل على بيت المال، لأن ميراثه له ونفقته عليه، وإن وجد مع اللقيط شيء فهو له وينفق عليه منه، وهو أيضاً قول الشافعي وأصحاب الرأي، وإن تعذر نفقته فعلى من علم حاله من المسلمين الانفاق عليه حذراً من هلاكه بإنجائه من الغرق، وإذا ادعاه فمن الحقته القافة أو ما يقوم مقامها من تحليل الدم، به يلحق به لما في «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
وذكره بعده من قول الحسن.
اللقيط: يتبع أبويه في الكفر، فإذا أسلم أحدهما تبعه الولد لحديث: »كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، كما تنتج البيهيمة بهيمة عجماء، هل تحسون فيها من جدعاء«، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾[الروم:30].
أخرجه البخاري رقم (1385)، ومسلم رقم (2658).
وقالت عائشة: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، أخرجه البخاري رقم (2297).
وأخرج البخاري رقم (3909)، ومسلم رقم (2146)، من حديث أسماء بنت أبي بكر أنها حملت بعبد الله بن الزبيربمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم حنكه، ثم دعا له وبرك عليه، وكان أوّل مولود ولد في الإسلام. وأخرج البخاري رقم (3865)، من حديث ابن عمر قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه: اجتمع الناس عليه قالوا: صبأ عمر، صبأ عمر، وأنا على ظهر بيتي فجاء العاص بن وائل وعليه قباء ديباج مكففة بحرير فقال: صبأ عمر، فمه أنا له جار قال: فتفرق الناس، قال: فعجبت من عزه يومئذٍ.
قال البيهقي في »الكبرى« (6/12149): فعمر بن الخطاب أسلم، وعبد الله بن عمر صبي فصار مسلماً بإسلامه، وذلك لما في الحديث الثابت، عن نافع، عن ابن عمر قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني. أخرجه البخاري رقم (2664، 4097).
وقد قيل أن حفصة وعبد الله أسلما قبل أبيهما، وعبد الله كان صغيراً حينئذٍ فإنما تم إسلامه بإسلام أبيه.
وأخرج البخاري رحمه الله في »صحيحه« رقم (1353): أن ابن عباس رضي الله عنه قال: أنا وأمي من المستضعفين، كانت أمي من النساء وأنا من الولدان.
فعلم من هذه الأدلة: أن الطفل اللقيط يحكم بإسلامه بلا نزاع إلا أن يوجد في بلد الكفار، ولا مسلم فيه، انظر »الإنصاف« للمرداوي (6/434).
واللقيط ينفق عليه من بيت مال المسلمين لقول عمر: وعلينا نفقته من بيت مال المسلمين، وإن وجد معه شيء من المال فينفق، فإن لم يوجد معه شيء فلا يلزم الملتقط الانفاق عليه في قول عامة أهل العلم.
قال المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية، والملك، والولاء، منتفية، والتقاطه إنما هو تخليص له من الهلال، وولاءه لسائر المسلمين؛ لأنهم يرثون من ولا وارث له، وليس لكافر التقاط لمسلم؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾[النساء:90]، ولقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]. نقلاً من »المغني«.
وإن اختلف فيه اثنان فعلى المدعي البينة، وإذا قتل عمداً فوليه الإمام إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية.
قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه »الإجماع« (148): وأجمعوا أن اللقيط حر، وأجمعوا على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتاً، أن غسله ودفنه يجب في مقابر المسلمين، وأجمعوا ن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة ولده، وأجمعوا أنه إذا أدرك (أي بلغ)، وكان عدلاً جازت شهادته، وأجمعوا أن المرأة لو أدعت اللقيط أنه ابنها لم يقبل قولها، وأجمعوا أن ما وُجد معه من مال أنه له. انتهى.
أحكام المفقود
أخرج الإمام الدارقطني في »سننه« (3/312) رقم (3804)، والبيهقي في »الكبرى« (7/445)، رقم (15565)، من طريق سوار بن مالك قال: أخبرنا محمد بن شرحبيل الهمداني، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر«، وجاء عنه هنا أنه قال: هي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل.
وهذا سند ضعيف جداً.
سوار بن مصعب، وشيخه محمد بن شرحبيل متروكان كما في ترجمتهما من «ميزان الأعتدال» للذهبي.
قال الحافظ بن حجر في »التلخيص الحبير«(4/ رقم 1642)، إسناده ضعيف، وضعفه أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق، وابن القطان وغيرهم، ولا نعلم شيئاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه و سلم في امرأة المفقود.
وأخرج البيهقي رقم (15561)، من طريق عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي، وقال البخاري فيه نظر، وروى أثراً عن علي فتعقبه الذهبي في الميزان.
وقال هذا كذب على علي، وجاء من طريق سعيد بن جبير، عن علي عند البيهقي، وطريق أخرى عند البيهقي رقم (15561)، من طريق عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي.
وقال البخاري فيه نظر، وروى أثراً عن علي وجاء من طريق سعيد بن جبير، عن علي عند البيهقي، وطريق أخرى عند البيهقي رقم (15562)، من طريق سيار أبي الحكم، عن علي، ومن طريق سماك، عن حنش، عن علي أنه قال: امرأة المفقود لا تتزوج، وإن تزوجت فقدم زوجها، فهي امرأته إن شاء طلق، وإن شاء أمسك.
والأثر من هذه الطرق حسن، وحسنه الحافظ في »الفتح« (9/431).
وقال عبد الرزاق في »المصنف« (7/85)، رقم (1237)، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر وعثمان قضيا في المفقود: أن امرأته تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشراً بعد ذلك، ثم تزوج فإن جاء زوجها الأول خيّر بين الصداق وبين امرأته.
وهذا سند صحيح.
وقال سعيد بن منصور في »السنن« (1/402): أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وابن عمر أنهما قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر ينفق عليها في الأربع سنين من مال زوجها؛ لأنها حبست نفسها عليه.
وهذان الأثران صحيحان.
وعلق البخاري في »صحيحه« مع «الفتح» (9/429)، عن سعيد بن المسيب قال: إذا فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة ووصله عبد الرزاق في »المصنف« (7/89)، من طريق الثوري ، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب به بزيادة إذا فقد في غير الصف، أي: في غير المعركة، فأربع سنين.
قال الإمام مالك رحمه الله في »الموطأ« (ص575)، ومن طريقه البيهقي في »الكبرى« (7/445)، رقم (15566)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تحل وهذا سند رجاله ثقات، وسماع سعيد من عمر مختلف فيه.
وله شاهد أخرجه، عبد الرزاق في »المصنف« (7/87)، والبيهقي (7/445)، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلاً من الأنصار خرج يصلي مع قومه، فأسرته الجن، ففقد فانطقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضت عليه القصة فسأل عمر قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد فأمرها أن تربص أربع سنين، فلما انقضت الأربع السنين أتته فأخبرته، فسأل قومها فقالوا: نعم، فأمرها أن تتزوج، فتزوجت فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب، وأخبره أنه أسرته الجن.
وأخرجه البيهقي في »الكبرى« رقم (15569)، بسند صحيح إلى ابن أبي ليلى به.
وأخرج القصة سعيد بن منصور رقم (1754)، من طريق يحيى بن جعدة: أن رجلاً انتسفته الجن على عهد عمر، فذكر القصة.
وأخرج البيهقي رقم (15568)، بسند صحيح.
فعلم صحة هذه الفتوى، عن عمر بأن من غاب عنها زوجها تتربص أربع سنين، ثم تتزوج.
قال البخاري رحمه الله في كتاب الطلاق من صحيحه (باب 22)، باب حكم المفقود في أهله وماله، ثم ذكر المعلق عن سعيد الذي تقدم تخريجه، وقال: واشترى ابن مسعود جارية، فالتمس صاحبها سنة فلم يجده، وفقد، فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فلان فلي، وعليّ وقال: هكذا فافعلوا باللقطة.
وقال ابن عباس نحوه، وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه، لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خيره فسنّته سنة المفقود.
وقال الحافظ في »الفتح« أثر ابن مسعود، أخرجه سعيد بن منصور بسند جيّد، وأن تصدق باللقطة بعد تعريفها سنة، إن جاء صاحبها، فهو ضامن لآدائها، وكان الأجر للمتصدقين، وعليه الغرم.
وقوله: فلي وعليّ، أي الثواب، وعليّ الغرامة.
وقال عن أثر ابن عباس، أخرجه دعلج في مسند ابن عباس له، بسند صحيح أنه قال: انظر هذه الضوال فشد يدك بها عاماً فإن جاء ربها، فادفعها إليه، وإلا فجاهد بها وتصدق، فإن جاء فخيّره بين الأجر والمال.
وقال عن أثر الزهري، فسنته سنة المفقود قال: مذهب الزهري في امرأة المفقود أنها تربص أربع سنين.
وقد أخرجه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن عمر.
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح، عن ابن عمر ، وابن عباس قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين.
قال: وثبت أيضاً عن عثمان، وابن مسعود في رواية، عن جمع من التابعين كالنخعي ، وعطاء والزهري، ومكحول، والشعبي، واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها للحاكم، وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين واتفقوا أيضاً على أنها إن تزوجت فجاء الزوج الأول خيّر بين زوجته وبين الصداق، فإذا اختار الزوج الأول الصداق عزمه الثاني، ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد (أنه إذا كان في معركة أو في غير معركة)، إلا سعيد بن المسيب.
وقال الشعبي كما في »الفتح« (9/431): إذا تزوجت فبلغها أن زوجها الأول حي فرق بينها وبين الثاني ، واعتدت منه فإن مات الأول تعتد منه عدت الوفاة المتعينة ثانياً.
ونقل الإمام الصنعاني في »سبل السلام« (ص1143): أنه لا وجه للتربّص، لكن إن ترك لها الغائب ما يقوم بها فهو كالحاضر إذا لم يفتها الوطء، وهو حق له لا لها وإلا فسخها الحاكم عند مطالتها من دون المفقود لقوله تعالى: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً ﴾[البقرة:231]، ولحديث: »لا ضرر ولا ضرار«، والحاكم وضع لرفع المضارة في الإيلاء، والظهار، وهذا أبلغ، والفسخ مشروع بالعيب ونحوه.
قال الصنعاني: وهذا أحسن الأقوال. انتهى.
وقال شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله في درس «صحيح البخاري» عند الباب (22)، كتاب الطلاق، ولها أن تصبر مدة استطاعتها، فإذا تضررت أو خشيت على نفسها الفتنة، فلها أن تفسخ الأول، وتتزوج، وكان يستدل على هذه الفتوى بأدلة رفع الضرر التي تقدم ذكرها.
قلت: ومن الأدلة على فتوى شيخنا مع ما تقدم قول الله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286]، وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16].
وقول النبي صلى الله عليه و سلم: »ما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم«، وقوله تعالى: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طـه:2].
وقول النبي صلى الله عليه و سلم: »إن هذا الدين يسر«، ومعنى ذلك أنها لها أن تنتظر زوجها مدة عمرها إذا أطاقت ذلك بلا مشقة عليها، ولا فتنة.
ولها أن تفسخه، وتتزوج قبل الأربع إذا شق عليها الانتظار أو خافت على نفسها فتنة، وهذا القول تجمع به الأقوال المذكورة في الباب مثل قول عمر، وقول علي، ومن قال بذلك مع الأدلة العامة القوية في الباب.
أما تقسيم تركة المفقود، فقال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (8/547): فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها. انتهى.
(حكم حلب ما شية الغير)
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2435): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ«.
وأخرجه مسلم رقم (1726).
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3/423)، رقم (15488): حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ يَعْنِي الْجَارِيَّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم بِمِنًى فَكَانَ فِيمَا خَطَبَ بِهِ أَنْ قَالَ: »وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ«، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي فَأَخَذْتُ مِنْهَا شَاةً فَاجْتَزَرْتُهَا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ قَالَ: إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا فَلَا تَمَسَّهَا.
وفيه: عمارة بن حارثة لم نر معتبراً، وثقه، وقيل بن جارية.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (5/223)، رقم (24942): حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَادَتِي نُرِيدُ الْهِجْرَةَ حَتَّى أَنْ دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَخَلَّفُونِي فِي ظَهْرِهِمْ قَالَ: قَالَ: فَأَصَابَنِي مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لِي: لَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَأَصَبْتَ مِنْ ثَمَرِ حَوَائِطِهَا، فَدَخَلْتُ حَائِطًا فَقَطَعْتُ مِنْهُ قِنْوَيْنِ، فَأَتَانِي صَاحِبُ الْحَائِطِ فَأَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَخْبَرَهُ خَبَرِي وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ، فَقَالَ لِي: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: »خُذْهُ وَأَعْطِي صَاحِبَ الْحَائِطِ الْآخَرَ«، وَخَلَّى سَبِيلِي.
وهو حديث حسن، وله شواهد في »التلخيص الحبير« (3/1012)، رقم (1249).
وأخرج أبو داود (7/285): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: أَصَابَتْنِي سَنَةٌ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَفَرَكْتُ سُنْبُلًا فَأَكَلْتُ وَحَمَلْتُ فِي ثَوْبِي، فَجَاءَ صَاحِبُهُ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ لَهُ: »مَا عَلَّمْتَ إِذْ كَانَ جَاهِلًا، وَلَا أَطْعَمْتَ إِذْ كَانَ جَائِعًا«، أَوْ قَالَ: »سَاغِبًا« وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي، وَأَعْطَانِي وَسْقًا أَوْ نِصْفَ وَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
هذا حديث صحيح.
وفي الباب جملة أدلة منها:
ماأخرجه أحمد في »المسند« (3598)، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، »هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟« قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: »فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ«، فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: »اقْلِصْ« فَقَلَصَ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: »يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ«.
وهو حديث حسن.
وقال الإمام أحمد في »المسند« (3/351): حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَأَصْحَابَهُ مَرُّوا بِامْرَأَةٍ فَذَبَحَتْ لَهُمْ شَاةً، وَاتَّخَذَتْ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا اتَّخَذْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَادْخُلُوا فَكُلُوا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَأَصْحَابُهُ، وَكَانُوا لَا يَبْدَءُونَ حَتَّى يَبْتَدِئَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم لُقْمَةً، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُسِيغَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »هَذِهِ شَاةٌ ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا«، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا لَا نَحْتَشِمُ مِنْ آلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَلَا يَحْتَشِمُونَ مِنَّا، نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَّا.
هذا حديث صحيح.
وأخرج أبو داود (7/371): من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن النهبى.
وهو حديث صحيح.
وجاء عن رجل من بني ليث، يقال له علية بن الحكم، عند أحمد (5/367)، بسند صحيح.
وأخرج ابن ماجة (2/1299)، من حديث سماك بن الحكم، قال: أصبنا غنماً للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فمر النبي صلى الله عليه و سلم قال: »إن النهبة لا تحل«.
وهو حديث حسن.
وصح عند أبي داود (7/372)، »عون المعبود«، عن رجل من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »إن النهبة ليست بأحل من الميتة«.
وهذا حديث حسن.
وأخرج البخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النهبى والمثلة.
وأخرج مسلم في »صحيحه« من حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »الظلم ظلمات يوم القيامة«. والحديث متفق عليه عن ابن عمر.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة...«.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (9/359): عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: »من مر منكم بحائط فليأكل في بطنه ولا يتخذ خبنة«.
وفي رواية بعده أنه قال: »إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحداً منكم، فإذا مررتم براعي الإبل، فنادوا با راعي الإبل، فإن جابكم فاستقوه، وإن لم يجبكم، فائتوها فحلوها، واشربوا ثم صروها«.
قال البيهقي: هذا عن عمر رضي الله عنه صحيح بإسناديه جميعاً، وهو عندنا محمول على حال الضرورة. انتهى.
وقال الإمام النووي رحمه الله في »شرحه على مسلم« تحت حديث رقم (1726)، وفي الحديث من الفوائد تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه، وأنه لا فرق بين اللبن وغيره، وسواء المحتاج وغيره إلا المضطر الذي لا يجد ميتة، ويجد طعاماً لغيره، فيأكل الطعام للضرورة، ويلزمه بدله لمالكه عندنا، وعند الجمهور، وقال بعض السلف، وبعض المحدثين لا يلزمه، وهذا ضعيف.
فإن وجد ميتة وطعاماً لغيره ففيه خلاف مشهور للعلماء، وفي مذهبنا الأصح عندنا أكل الميتة، أما غير المضطر إذا كان له أدلال على صاحب اللبن، أوغيره من الطعام بحيث يعلم أو يظن أن نفسه تطيب بأكل منه بغير إذنه فله الأكل بغير إذنه، وقد قدمنا بيان هذا مرات، وأما شرب النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وهما قاصدان المدينة في الهجرة من لبن غنم الراعي ، فقد قدمنا بيان وجهه، وأنه يحتمل أنهما شرباه إدلالاً على صاحبه؛ لأنهما كانا يعرفانه أو أنه إذن للراعي أن يسقي منه من مر به...
قلت: حديث ابن مسعود المتقدم، فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يشرب من لبن لصاحب الغنم، وإنما رزق رزقه الله من شاة لم ينز عليها الفحل.
إحياء الموات
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2335): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ«.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3/338)، رقم (14636) قال: حدثنا حماد بن زيد قال: سمعت هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر.
وقال (3/356): حديثا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من أحياء أرضاً ميتة فله«.
والحديث صحيح.
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من أحيا أرضاً ميتة فهو له، وليس لعرق ما لم حق«.
وفي الباب غير ذلك من الأحاديث، وقصدنا هو حكم المسألة المتعلق بموضوعنا.
قال الإمام البخاري رحمه الله، في باب (15)، من كتاب الحرث المزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتاً، ورأى ذلك عليٌ في أرض الخراب بالكوفة موات وقال عمر: من أحيا أرضاً ميتة فهي له.
ويروى عن عمر، وابن عوف، عن النبي صلى الله عليه و سلم، ثم ذكر حديث عائشة الذي في أول الباب.
قال الحافظ في »الفتح«: الموات الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة، وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع، أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران، أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك، أم لم يأذن وهذا قول الجمهور، واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر، وما يصاد من طير وحيوان، فإنهم اتفقوا على أن من أخذه أوصاده يملكه سواء قرب من العمران، أم بعد سواء أذن الإمام أم لم يأذن.
قال: وأثر عمر وصله مالك في »الموطأ«، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مثله.
وروينا في الخراج ليحيى بن آدم سبب ذلك فقال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
قال: كان الناس يتجرون، يعني الأرض على عهد عمر فقال: »من أحيا أرضاً فهي له«.
وذكر أن حديث عمرو بن عوف، وصله إسحاق بن راهويه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم فذكره.
قال: وهو عند الطبراني، ثم البيهقي (6/رقم11777)، وكثير هذا ضعيف.
قلت: هو متروك.
تمت مراجعة الرسالة
في يوم الجمعة 16/من شهر ذي القعدة عام 1426هـ
والحمد لله
فهارس الموضوعات
مقدمة. PAGEREF _Toc123516099 \h 3
تعريف اللقطة. PAGEREF _Toc123516100 \h 4
تعريف الضالة. PAGEREF _Toc123516101 \h 7
باب الحفاظ على المال وعدم تضييعه. PAGEREF _Toc123516102 \h 8
المال مال الله.. PAGEREF _Toc123516103 \h 12
حكم لقطة مكة. PAGEREF _Toc123516104 \h 13
استحباب أخذ اللقطة لقصد تعريفها PAGEREF _Toc123516105 \h 16
تبشير المسلم بالخير فيه أجر عظيم PAGEREF _Toc123516106 \h 17
أقوال العلماء في ذلك.. PAGEREF _Toc123516107 \h 19
باب تحريم التقاط الضالة على من لم يعرفها PAGEREF _Toc123516108 \h 23
المبحث السادس اللقطة التي يجب تعريفها، والتي لا يجب تعريفها PAGEREF _Toc123516109 \h 25
الآثار وأقوال العلماء في ذلك.. PAGEREF _Toc123516110 \h 31
المبحث السابع معرفة اللقطة ووجوب تعريفها PAGEREF _Toc123516111 \h 34
المبحث الثامن من مدة تعريف اللفظة وأين يكون. PAGEREF _Toc123516112 \h 38
فرع: فيمن يتولى تعريفها. PAGEREF _Toc123516113 \h 43
فرع: PAGEREF _Toc123516114 \h 44
المبحث التاسع حكم الإشهاد على اللقطة. PAGEREF _Toc123516115 \h 45
المبحث العاشر صفة تعريف اللقطة. PAGEREF _Toc123516116 \h 49
المبحث الحادي عشر تنزيه المساجد عن إنشاد الضالة فيها PAGEREF _Toc123516117 \h 54
المبحث الثاني عشر من وجد لقطة ثم ضاعت عليه هل يضمن قال الله تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم﴾. PAGEREF _Toc123516118 \h 57
المبحث الرابع عشر بعد تعريف لقطة غير مكة سنة كاملة هل تكون ملكاً لملتقطها كسائر حلال ماله PAGEREF _Toc123516119 \h 60
المبحث الخامس عشر إن كانت اللقطة مما تجب فيه الزكاة فهل يخرج ملتقطها زكاتها مدة بقائها عنده PAGEREF _Toc123516120 \h 64
المبحث السادس عشر حكم لقطة غير المسلم PAGEREF _Toc123516121 \h 65
المبحث السابع عشر الظّفَرْ وهو من وجد ضالته فله أخذها ولو استحالت إلى أكثر من واحد بالشراء PAGEREF _Toc123516122 \h 67
المبحث الثامن عشر اتباع الحصادين وأخذ ما يسقط منهم PAGEREF _Toc123516123 \h 69
فصل الضوال. PAGEREF _Toc123516124 \h 71
وإن ضالة الإبل لايجوز التقاطها، وضالة الغنم يجوز التقاطها وأكلها مع ضمانها إن جاء صاحبها PAGEREF _Toc123516125 \h 71
باب اللقيط. PAGEREF _Toc123516126 \h 75
اللقيط لا يجوز تركه ضائعاً واللقيط حر. PAGEREF _Toc123516127 \h 75
أحكام المفقود PAGEREF _Toc123516128 \h 80
(حكم حلب ما شية الغير) PAGEREF _Toc123516129 \h 86
إحياء الموات.. PAGEREF _Toc123516130 \h 91
فهارس الموضوعات.. PAGEREF _Toc123516131 \h 93
من اصداراتنا
([1]) المبارك بن محمد بن الأثير، صاحب «النهاية» وصاحب جامع الأصول، وأخوه الأوسط أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير صاحب «أسد الغابة في معرفة الصحابة»، و«الكامل في التاريخ». وأخوهما الأصغر أبو الفتح نصر الله صاحب كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، وكلهم مترجمون في «سير أعلام النبلاء» للذهبي رحمهم الله جميعاً.
([2]) الحديث ساق طرقه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص228)، رقم (415)، وكل طرقه ضعيفة.
([3]) أخرجه أحمد في «المسند» (4/447)، من حديث معاوية بن حيدة، وهو حديث صحيح.
([4]) أخرجه البخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716)، من حديث عمرو بن العاص.
([5]) أخرجه البخاري رقم (6967)، ومسلم رقم (1713)، من حديث أم سلمة.
([6]) كذا في «المصنف» طبعة الباز، ولعله: (فهو ضامن) فإن هذه الطبعة مليئة بالأغلاط، والتصحيفات المطبعيّة.
﴿ توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال ﴾
مقدمةالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا بحث متواضع أفردته من شرحي على «منتقى ابن الجارود»؛ لأهميته، ورتبته وهذّبته وتوسعت فيه قليلاً رجاءً في الله عز وجل أن ينفع به، وسميته: »توضيح الإشكال في أحكام اللقطة والضوال«، وبالله التوفيق.
كتبه يحيى بن علي الحجوري
في: 26/شعبان/عام1426ﻫ.
تعريف اللقطة
قال الإمام أبو السعادات المبارك بن محمد([1]) بن الأثير في »النهاية في غريب الحديث«، مادة (لقط)، اللقطة: بضم اللام وفتح القاف، اسم المال الملقوط، أي الموجود، والالتقاط أن يعثر على الشيء من غير قصد وطلب.
وقال بعضهم: هي اسم الملتقط كالضحكة والهمزة، فأما المال الملقوط، فهو بسكون القاف، والأول أصح.
وقال العلامة أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري رحمه الله في كتابه »لسان العرب«: واللّقطة بتسكين القاف، اسم الشيء الذي تجده ملقي، فتأخذه، وكذا المنبوذ من الصبيان، لقطة، وأما اللّقطة بفتح القاف، فهو الرجل اللقاط، يتبع اللقطات يلتقطها، قال ابن أبزى: وهذا هو الصواب؛ لأن الفُعلة للمفعول، كالضحكة، والفعَلة للفاعل، كالضُحَكة.
وقال بعد هذا: واللقطة واللقطة، واللقاطة، ما التقط.
وقال الحافظ ابن حجر في »فتح الباري« (5/78): واللقطة الشيء الذي يلتقط، وهو بضم اللام وفتح القاف، على المشهور عند أهل اللغة، والمحدثين.
قال عياض: لا يجوز غيره.
وقال الزمخشري في »الفائق«: اللّقَطَة بفتح القاف، والعامة تسكّنها، كذا قال وقد جزم الخليل بأنها بالسكون.
قال وأما بالفتح فهو اللاقط. وقال الأزهري: هذا الذي قاله هو القياس، ولكن الذي سمع من العرب، وأجمع عليه أهل اللغة والحديث، الفتح، وفيه لغتان أيضاً لُقاطة، بضم اللام، ولَقطة بفتحها، وقد نظم الأربعة ابن مالك حيث قال:
لُقاطَة ولَقَطة ولُقْطة ولُقَطة ما لا قط قد لَقَطه
قلت: والصحيح في ذلك أنها بضم اللام وفتح القاف وهذا الذي تدل عليه الأحاديث الآتية إن شاء الله، وأنت ترى أنه نقل إجماع أهل الحديث، وأهل اللغة عليه، والمقصود والله أعلم بنقل هذا الإجماع، إجماع أكثر أهل اللغة، لا كلهم كما تقدم الخلاف فيه.
وقد ذكر الله عز وجل ذلك نصاً في آيتين من كتابه: الآية الأولى رقم (10/من سورة يوسف) قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾[يوسف: 7-10].
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسير الآية: الالتقاط: تناول الشيء من الطريق، ومنه اللقيط واللقطة، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة، وما قاله في ذلك أهل العلم واللغة.
قال ابن عرفة: الالتقاط: وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله تعالى يلتقطه بعض السيارة، أي: يجده من غير أن يحتسبه.
الآية الثانية رقم (8)، من سورة القصص، قال الله عز وجل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾[القصص: 7-8].
قال أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير رحمه الله تعالى: معناه: أن الله تعالى قيّضهم لالتقاطه، ليجعله لهم عدواً وحزناً، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه.
تعريف الضالة
قال بو السعادات ابن الأثير رحمه الله في تعريفها: الضالة، هي الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان وغيره، يقال ضل الشيء إذا ضاع، وضل الطريق إذا حار، وهي في الأصل فاعله، ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة، وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع، وتجمع على ضوال، وقد تطلق الضالة على المعاني، ومنه الحديث الحكمة، ضالة المؤمن([2]).
ومنه الحديث: »ذروني في الريح لعلي أضِلّ اللهَ«،([3]) أي أفوته، ويخفى عليه مكاني.
يقال ضلَلَتُ الشيء، وضلِلْتُه إذا جعلته في مكان لم تدر أين هو، وأضللته إذا ضيّعته، وضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء.
باب الحفاظ على المال وعدم تضييعه
قال الله تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً﴾[النساء: 5-6].
قال الإمام ابن كثير في »تفسيره« للآية: ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي تقوم بها معايشهم من التجارة وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحجر على السفهاء..
وقال القرطبي في »تفسيره« للآية: لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله : ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾[النساء:2]، وإيصال الصدقات إلى الزوجات بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه.
قلت: لم يأذن الله بدفع مال اليتيم إليه، إلا بعد البلوغ، وإيناس الرشد منه، حفاظاً للمال عن العبث.
قال ابن العربي، وقد قال بعض الناس: أن السفيه صفة ذم، والصغير والمرأة لا يستحقان ذماً، وهذا ضعيف، فإن النبي صلى الله عليه و سلم وصف المرأة بنقصان العقل، وكذلك الصغير، لم يفعلا ذلك بأنفسهما، فلا يلامان على ذلك النهي، اﻫ. من «أحكام القرآن» عند الآية.
وأخرج الجصاص في «أحكام القرآن» من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الحسن: السفهاء ابنك السفيه، وامرأتك السفيهة.
ومعمر لم يسمع من الحسن كما في »تحفة التحصيل« لأبي زرعة العراقي.
قال الراغب الأصفهاني في »مفردات القرآن«، واستعمل (السفه)، في خفّة النفس، لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية والأخروية، قال في السفه الدنيوي: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾[النساء:5].
وقال في السفه الأخروي: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطاً﴾ [الجـن:4] فهذا من السفه في الدين.
قال أصحاب »نظرة النعيم« في (مكارم الرسول الكريم) (10/4635): وقد عرّف الفقهاء هذا النوع من السفه فقالوا: هو عبارة عن التصّرف في المال بخلاف مقتضى الشرع والعقل، بالتبذير فيه، والإسراف، والسفيه هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (334) في أول كتاب التيمم: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. اهـ
أخرجه مسلم رقم (367).
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث فيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم، وإن قلّتْ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه و سلم على التماسه. اهـ
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6309) في كتابه الدعوات باب التوبة: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم. ح، وحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »اللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ«.
وأخرجه مسلم رقم (2747)، وفي لفظ لمسلم: »لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ«.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (1211) في كتاب العمل في الصلاة، (باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة): حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا بِالْأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا.
قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانِيَ، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا، تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3190): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا« قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: »يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ«، قَالُوا: قَبِلْنَا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ، رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ.
قلت: فمعنى هذا أنه لولا الحفاظ على ماله ما قام وترك النبي صلى الله عليه و سلم، يحدث ولشدة حبه للعلم الذي هو أهم من المال، قال: ليتني لم أقم.
وفي الرواية التي بعدها قال: فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فو الله لوددت أني كنت تركتها.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2408): حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ«.
وأخرجه مسلم رقم (593).
المال مال الله
قال تعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾[النور: من الآية33].
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3118) في كتاب فرض الخمس (باب قول الله تعالى فإن لله خمسه): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَاسْمُهُ نُعْمَانُ، عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ: »إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ«.
حكم لقطة مكة
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2434): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه و سلم مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: »إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ«. الحديث. إلخ.
وأخرجه مسلم رقم(1355).
وقال الإمام مسلم رحمه الله رقم (1353) في كتاب الحج (باب تحريم مكة وصيدها): حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح فتح مكة: »لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا«، وقال يوم الفتح -فتح مكة-: »إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها«.
وأخرجه البخاري رقم (1834)، في كتاب جزاء الصيد فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور به.
وقال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم (1724) كتاب اللقطة: حدثني أبو الطاهر، ويونس بن عبد الأعلى قالا: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن لقطة الحاج.
وعلق البخاري في »صحيحه« كتاب الجنائز (باب 77) قال: وقال أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم مثله.
ووصله ابن ماجة في سننه رقم (3109) (باب فضل مكة)، وفيه: »ولا يأخذ لقطتها إلا منشد«، وسنده: رجاله ثقات، وأبان بن صالح وثقه جمع من الائمة، فلا يلتفت إلى تجهيل ابن حزم له.
قلت: لم يثبت سماعها من النبي صلى الله عليه و سلم، وحديثها هذا يصلح للاحتجاج بشواهده.
قال النووي رحمه الله عقب حديث (1353): لا تحل لقطتها إلا لمنشد المنشد هو المعرف وطالبها يقال له ناشد وأصل النشد والانشاد رفع الصوت ومعنى الحديث لا تحل لقطتها لمن يريد أن يعرفها سنة، ثم يتملّكها كما في باقي البلاد، بل لا يحل التقاطها، إلا لمن يعرفها أبداً، ولا يتملكها، وبهذا قال الشافعي، وابن مهدي، وأبو عبيد وغيرهم. اهـ المراد.
قلت: عزا هذا القول الحافظ في »الفتح« إلى الجمهور.
وقال أيضاً في »الفتح« (5/88)، والمعنى: لا تحل لقطتها إلا لمن يريد أن يعرفها فقط، فأما من أراد أن يعرفها، ثم يتملكها فلا، وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده، وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف... قال: والغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها، وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق إلى الآفاق البعيدة، فربما داخل الملتقط الطمع في تملّكها من أول وهلة، فلا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك، وأمر أن لا يأخذها إلا من عرّفها، وفارقت في ذلك لقطة العسكر ببلاد الحرب بعد تفرقهم، فلا تعرّف في غيرهم باتفاق.
وقال ابن الأثير في »النهاية« (مادة لقط): فأما مكة ففي لقطتها خلاف فقيل إنها كسائر البلاد، وقيل لا لهذا الحديث.والمراد بالإنشاد الدوام عليه، وإلا فلا فائدة لتخصيصها بالإنشاد واختار أبو عبيد أنه ليس يحل للملتقط الانتفاع بها وليس له إلا الإنشاد.
قال الأزهري: فرق بقوله هذا بين لقطة الحرم، ولقطة سائر البلدان، فإن لقطة غيرها إذا عرفت سنة حل الانتفاع بها، وإن طال تعريفه لها وحكم أنها لا تحل لأحد إلا بنية تعريفها ما عاش فأما أن يأخذها، وهو ينوي تعريفها سنة، ثم ينتفع بها كلقطة غيرها فلا. انتهى.
وبهذا قال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/332).
استحباب أخذ اللقطة لقصد تعريفها
تقدم في باب الحفاظ على المال، ذكر قول الله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾[النور:33]، ففي الآية: أن المال مال الله.
وتقدم حديث المغيرة المتفق عليه، وفيه: »وكره لكم قيل وقال، وإضاعة المال«، وربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة:2]، ويقول: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الحج:77]، وفي الباب أدلة كثيرة تدل على فضل نصرة المسلم منها حديث أنس بن مالك عند البخاري، رقم (2443): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً«، وحديث النعمان بن بشير عند البخاري (10/367)، ومسلم (2586): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »مثل المؤمنين في تؤادهم، وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«.
وفي البخاري (13)، ومسلم (45)، من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه«.
وأخرج مسلم في »صحيحه« رقم (2699): من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : »مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ«. الحديث.
تبشير المسلم بالخير فيه أجر عظيم
وكم يفرح المسلم بإعادة ضالته إليه، وقد تقدم حديث أنس بن مالك، في باب الحفاظ على المال، وفيه أن ذلك الفرح برجوع ماله إليه قال: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، ولأجل التماس الأجر في تبشير المسلم، حصل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، الاستباق إلى تبشير ابن مسعود رضي الله عنه، كما صح في »مسند أحمد« فقال رحمه الله رقم (175): حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مَرْوَانَ: أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: جِئْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكُوفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلًا يُمْلِي الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَغَضِبَ وَانْتَفَخَ حَتَّى كَادَ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرَّحْلِ، فَقَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ وَيْحَكَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَمَا زَالَ يُطْفَأُ وَيُسَرَّى عَنْهُ الْغَضَبُ حَتَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ، فَلَمَّا كِدْنَا أَنْ نَعْرِفَهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ«، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ يَدْعُو فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ لَهُ: »سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ« قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قُلْتُ: وَاللهِ لَأَغْدُوَنَّ إِلَيْهِ فَلَأُبَشِّرَنَّهُ، قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ لِأُبَشِّرَهُ فَوَجَدْتُ أَبَا بَكْرٍ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَبَشَّرَهُ وَلَا وَاللهِ مَا سَبَقْتُهُ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ؛ إِلَّا وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ.
وأخرج البخاري رقم (4418)، ومسلم رقم (2769)، على الثلاثة من حديث كعب بن مالك الطويل، وفيه أنه حين تاب الله على الثلاثة استبق الناس ليبشروهم، قال: فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ.
ولمحبة الله عز وجل لأنبيائه، وعباده المؤمنين بشرهم، وجعل الرؤيا الصالحة، والثناء الحسن عاجل بشرى المؤمن.
قال الله تعالى: عن نبيه إبراهيم: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات:101]، وقال: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾[هود:71].
وقال الله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً﴾[مريم:97].
وقال: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾[مريم:7]، وقال: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾[آل عمران:45].
وقال: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[البقرة:25].
وما لم نذكره في هذا الباب كثير في فضيلة التبشير بالخير لما فيه من إدخال السرور على المسلم المبشر بذلك، وتبشير المسلم برجوع ماله الذي فقده بعد ما تيسر له حصوله من أعظم المفرحات والمبشرات له في هذه الدنيا.
أقوال العلماء في ذلك
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2437) في كتاب اللقطة (باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ قُلْتُ لَا، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: »اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا«. انتهى.
وأخرجه مسلم (1723).
وسيأتي إن شاء الله بيان مشكل هذا الحديث في تحديد زمن تعريف الضالة.
قال النووي رحمه الله تحت حديث (1722)، من شرح مسلم: فأما الأخذ فهل هو واجب أم مستحب فيه مذاهب ومختصر ما ذكره أصحابنا ثلاثة أقوال أصحها عندهم يستحب، والثاني يجب، والثالث: إن كانت اللقطة في موضع يأمن عليها إذا تركها، استحب الأخذ وإلا وجب.
وقال الحافظ في »الفتح« عقب حديث أبي الذي ذكرناه آنفاً قال: وأشار (البخاري)، بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة، ومن حجتهم حديث الجارود مرفوعاً، ضالة المسلم حرق النار، أخرجه النسائي بسند صحيح.
قلت: حديث الجارود العبدي سنده عند النسائي رقم (5760)، وأحمد في »المسند« (5/80) رقم (20754)، والطبراني (2119)، من طريق الجريري فتارة، رواه عن أبي العلاء، يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف بن الشخير قال: حديثان بلغاني، عن رسول الله قد عرفت أن قد صدقتهما لا أدري أيهما قبل صاحبه، حدثني أبو مسلم الجذامي، قال: حدثنا الجارود فذكر الحديث مطولاً قال: »ضالة المسلم حَرَق النار، فلا تقربنها«، وهذا من طريق ابن عليّة، عن الجريري، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط.
وتارة رواه عن أبي العلاء، عن مطرف، عن أبي مسلم، عن الجارود العبدي به مختصراً، كما عند النسائي بالرقم السابق، وهذا من رواية يزيد بن زريع، عن الجريري، ويزيد ممن سمع منه قبل الاختلاط كما في التقييد والإيضاح للعراقي النوع (62)، فهذا سند رجاله ثقات.
وتارة رواه عن أبي العلاء، يزيد بن الشخير، عن أبي مسلم، وأسقط أخاه مطرفاً من السند، كما عند الدارمي (2602)، ولكن الحديث جاء عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن يزيد بن الشخير، عن أخيه مطرف، عن أبي مسلم، عن الجارود به.
أخرجه النسائي رقم (5761)، وأحمد في المسند (5/80)، رقم (20755).
وخالف الثوري شعبة بن الحجاج، وعبد الوهاب الثقفي، فروياه عن الحذاء، وتابع الحذاء على ذلك قتادة، وأيوب بن أبي تميمة، عند أحمد (5/80)، والطيالسي رقم (1390)، ولا ضير في ذلك فقد روى يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه، وروى عن أبي مسلم، وروايته، عن أخيه في »الصحيحين«، وروايته عن أبي مسلم الجذامي فعلى القول بسماعه من الأثنين، تصير زيادة (أخيه)، من المزيد في متصل الأسانيد، لو وجد تصريحه بالسماع، ولكن أبو مسلم هذا مجهول حال، وجاء الحديث عند أحمد (4/25)، رقم (16314)، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا حميد الطويل، قال: حدثنا الحسن، عن مطرف، عن أبيه، وهذا سند صحيح، رجاله ثقات، والحسن قد روى عن مطرف، كما في ترجمته من »تهذيب الكمال«، ومن طريق حميد، أخرجه أيضاً ابن حبان (11/249).
وأخرجه عبد الرزاق (11/131) قال: عن ابن جريج قال: سمعت أبا قزعة يزعم أن الجارود لما أسلم قال: يا رسول الله، أرأيت ما وجدنا بيننا وبين أهلنا من الإبل لنبلغ عليها قال: ذاك حرق النار.
قلت: هذا الحديث في إسناده اختلاف، ولكن رواه أئمة ثقات فمتن الحديث صحيح، كما قال الحافظ رحمه الله في »الفتح«، ثم قال: وحمل الجمهور ذلك على من لا يعرّفها.
قلت: وهو محمل حسن، ويؤيده حديث زيد بن خالد: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«. أخرجه مسلم رقم (1725).
وقال النووي عند الحديث: فهو ضال ما لم يعرفها أبداً، ولا يتملكها ولم ينكر على أبي رضي الله عنه، أخذ الصرّة، فدل على أنه جائز شرعاً، ويستلزم اشتماله على مصلحة حفظها وصيانتها عن الخونة، وتعريفها لتصل إلى صاحبها، ومن ثم كان الأرجح من مذاهب العلماء، أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، فمتى رجح أخذها وجب أو استحب، ومتى رجح تركها حرم أو كره وإلا فهو جائز. انتهى.
قال ابن عبد البر رحمه الله في »التمهيد« (13/206): واختلف الفقهاء في الأفضل من أخذ اللقطة، أو تركها فروى ابن وهب، عن مالك أنه سئل عن اللقطة يجدها الرجل إيأخذها فقال: ما الشيء الذي له بال، فإني أرى ذلك أي يأخذها، وكذلك الذي يجد الشيء، فإن كان لا يقوى على تعريفه، فإنه يجد من هو أقوى ممن يثق به، يعطيه فيعرفها، ونقله ابن عبد البر، عن الليث، ثم قال: وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة إن شاء أخذها، وإن شاء تركها، وهو ظاهر حديث زيد بن خالد.اهـ
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/6)، كتاب اللقطة قال إمامنا رحمه الله: الأفضل ترك الالتقاط، وروى معنى ذلك عن ابن عباس، وابن عمر وبه قال جابر، وابن زيد، والربيع بن خثيم، وعطاء ومر شريح بدرهم فلم يعرض له.
وأختار أبو الخطاب أنه إذا وجدها بمضيعة، وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها، وهذا قول الشافعي، وحكى عنه قول آخر أنه يجب لقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]، فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله ، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن بن صالح، وأبو حنيفة، ولنا قول ابن عمر، وابن عباس، ولا نعرف لهما مخالفاً من الصحابة؛ ولأنه تعريض لنفسه لأكل الحرام فيها، وتضييع الواجب من تعريفها، وأداء الأمانة فيها فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم، وتخليل الخمر. انتهى المراد.
قلت: والصحيح استحباب أخذها لمن علم من نفسه القوة على حفظها وتعريفها، على ما تقدم من الأدلة والأقوال، وبالله التوفيق.
باب تحريم التقاط الضالة على من لم يعرفها
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (2582): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ«.
وأخرج مسلم رقم (2581)، بهذا السند، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟« قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: »إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ«.
وأخرج البخاري (8/83)، ومسلم (1679)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في خطبته يوم النحر: »إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام«.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2387): حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ«.
وتقدم في باب استحباب أخذ اللقطة... حديث زيد بن خالد الجهني عند مسلم(1725): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«.
وحديث الجارود الذي في الباب الذي قبل هذا: »ضالة المؤمن حرق النار«.
وهذا يدل على أن آخذ الضالة لغير قصد تعريفها أنه مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، متوعد عليها بالنار، على ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، في تحديد الكبيرة، عند قول الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً﴾ [النساء:31]. انتهى.
وهذا قول شيخ الإسلام، وجماعة، وهو قول صحيح، وقال النووي في شرح مسلم: أول كتاب اللقطة، وأما تعريفها سنة فقد أجمع المسلمون على وجوبه.
قلت: وتارك الواجب عمداً آثم على ما هو مقرر في الأصول.
المبحث السادس
اللقطة التي يجب تعريفها، والتي لا يجب تعريفها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (1498): وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل، أن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه فخرج في البحر فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطباً، فذكر الحديث، وفيه: »فلما نشرها وجد المال«.
وأخرجه في كتاب اللقطة رقم (2430)، (باب إذا وجد خشبة في البحر، أو سوطاً أو نحوه).
والحديث متصل عند البخاري رقم (2063) فقال في آخره: حدثني عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث به، وعبد الله بن صالح: هو كاتب الليث.
وقال الحافظ في »المقدمة«: وعلق البخاري عن الليث شيئاً كثيراً كله عن أبي صالح (كاتب الليث) عن الليث.
قلت: معلوم أن البخاري ينتقي من أحاديث بعض الضعفاء مثل إسماعيل بن أبي أويس ما علمه من صحيح حديثه. فالحديث متصل صحيح.
وقال رحمه الله رقم (2431) (باب إذا وجد تمرة في الطريق): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: »لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا«.
وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ. وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا«.
وأخرجه مسلم (1071).
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2437): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ فَوَجَدْتُ سَوْطًا فَقَالَا لِي: أَلْقِهِ؟ قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »عَرِّفْهَا حَوْلًا«.وذكر تمام الحديث.
وأخرجه مسلم رقم (1723).
وتقدم حديث عائشة في باب الحفاظ على المال، وعدم تضييعه، متفق عليه، وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم أقام بالجيش في مكان ليس فيه ماء؛ للتماس عقد عائشة رضي الله عنها.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6789): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا«.
وأخرجه مسلم (1684).
وأخرج البخاري برقم (6793)، فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: »لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي أَدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ، أَوْ تُرْسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ«.
وأخرجه مسلم برقم (1685).
وأخرج الحديث البخاري بعده بلفظ: »لم تقطع يد سارق على عهد النبي صلى الله عليه و سلم في أدنى من ثمن المجن، ترس أو حجفة...«.
وأخرجه مسلم كما تقدم.
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6796): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
قال النووي في شرح الحديث رقم (1684): قال جماهير العلماء: لا تقطع إلا في نصاب لهذه الأحاديث الصحيحة، ثم اختلفوا في قدر النصاب فقال الشافعي: النصاب ربع دينار ذهباً، أو قيمته سواء كانت ثلاثة دراهم أو أقل، ولا يقطع في أقل منه، وبهذا قال الاكثرون، ومحمول على أن الثلاثة الدراهم كان ربع دينار فصاعداً.
وأما ما رواه الإمام البخاري رحمه الله رقم (6799) فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد، عن الأعمش، قال: سمعت أبا صالح قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده«.
وأخرجه مسلم رقم (1687).
قال النووي: الصواب أن المراد التنبيه على عظيم ما خسر، وهو يده في مقابل حقير من المال، وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة والحبل، في الحقارة.
أو أنه إذا سرق البيضة فلم يقطع جره ذلك إلى سرقة ما هو أكثر منها فتقطع، فكانت سرقة البيضة هي سبب قطعه، أي أنه بدأ بسرقة الشيء الحقير، فتعود على السرقة حتى سرق ما تقطع به يده. (وهذا القول الأخير أصح).
قلت: فإذا كانت اليد تقطع في ربع دينار، وهو ما يعادل جراماً وربع جرام من الذهب (تقريباً)، فوجوب تعريف هذا القدر لأهميته من باب أولى، وقد يقال: إن القطع في هذا القدر كان سداً لذريعة أخذ أموال الناس بالباطل، فالجواب أن القول في هذا الموضع مثله، (وما عارض ذلك لا يصح) وهو كما يلي:
قال أبو داود رحمه الله رقم (1714): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ دِينَارًا فَأَتَى بِهِ فَاطِمَةَ فَسَأَلَتْ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: هُوَ رِزْقُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَكَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَكَلَ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ تَنْشُدُ الدِّينَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »يَا عَلِيُّ أَدِّ الدِّينَارَ«. انتهى.
وهذا حديث ضعيف فيه مبهم.
وأخرجه بعده رقم (1715) فقال: حدثنا الهيثم بن خالد الجهني، قالك حدثنا وكيع، عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى العبسي، عن علي رضي الله عنه فذكر بمثله.
وبلال بن يحيى، قال صاحب «تحفة التحصيل»: في سماعه من علي نظر.
وأخرجه بعده بسند فيه موسى بن يعقوب الزمعي: ضعيف. وأعل البيهقي هذا الحديث بالاضطراب فيه، ونكارة متنة، بعد أن ساق طرقه قال: والأحاديث التي وردت في اشتراط التعريف سنة في جواز الأكل أصح، وأكثر فهي أولى.
وقال بعده في متن هذا الحديث اختلاف وفي أسانيده ضعف، ويحتمل أن يكون أباح له إنفاقه قبل مضي السنة لوقوع الإضرار إليه.
قلت: بعد إعلاله لا يحتاج إلى توجيهه.
وقال أبو داود رحمه الله رقم (1717): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ الْمُغِيرَةِ أَبِي سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ شَبَابَةُ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانُوا لَمْ يَذْكُرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم.
وأخرجه البيهقي (6/195)، رقم (12099) وقال في رفع هذا الحديث شك، وفي إسناده ضعف. انتهى.
وضعفه الحافظ في »الفتح« (5/85) فقال: وفي إسناده ضعف، واختلف في رفعه ووقفه، وساق البيهقي بعده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »من ألتقط لقطة يسيرة حبلاً أو درهماً أو شبه ذلك فليعرّفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام«. انتهى.
وهو حديث ضعيف جداً لا يصلح لشيء وإنما ذكرناه ليعلم حاله، قال البيهقي تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد ضعفه يحيى ابن معين، ورماه جرير بن عبد الحميد بشرب الخمر. انتهى.
وقال الذهبي في ترجمته من »الميزان« ضعفه أحمد، ويحيى، والنسائي، وقال الدارقطني: متروك، وقال زائدة رأيته يشرب الخمر.
وأخرجه الطبراني في »الكبير« (22/273)، وأحمد (4/173)، من طريقه، وأما حديث جابر الذي قبله فهو وإن كان ضعيفاً؛ لكنه مؤيد بحديث التقاط الخشبة من البحر الذي عند البخاري وتقدم في أول هذا الباب، وبقصًة سويد بن غفلة أنه أخذ السوط، وانتفع به كما تقدم في هذا الباب، وهو في الصحيحين.
ولحديث أنس الذي ذكرناه في الباب، أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى تمرة ملقاة فقال: »لو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«.
الآثار وأقوال العلماء في ذلك
قال الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة رحمه الله في »المصنف« (5/191): حدثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عبد الله هو مولى لآل طلحة بن عبيد الله قال: سأل رجل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فقال لها: الرجل يجد سوطاً فقالت: لا بأس به، يصل به المسلم يده، قال: والحذاء؟ قالت: والحذاء، قال: والوعاء؟ قالت: والوعاء، قالت: لا أحل ما حرم الله، الوعاء يكون فيه النفقة.
وطلحة بن يحيى: حسن الحديث.
وعبد الله (ابن فروخ)، مولى آل طلحة قال الحافظ في »التقريب«: بصري صدوق، وقد وثقه ابن خلفون.
وهذا سند حسن.
وقال رحمه الله (5/192): حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانوا يرخصون من اللقطة في السير والعصا والسوط، وسنده صحيح، وذكر بهذا السند إلى منصور، عن طلحة بن مصرف، عن ابن عمر، أنه وجد تمرة فأكلها، وسنده رجاله ثقات، وطلحة بن مصرف: ثقة فاضل، وقد أدرك أنساً، وابن أبي أوفى، ولم أرى له رواية عن ابن عمر، لكن روايته عنه وسماعه منه محتمل؛ لأنه عاصره.
وأخرجه عبد الرزاق (10/144)، فجعله عن ابن عمر، وفي الباب حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«.
وقال ابن أبي شيبة في »المصنف« (5/192): حدثنا وكيع قال: حدثنا ربيعة بن عقبة الكناني قال: سمعت عطاء قال: لا بأس أن يلتقط العصا والسير والسوط، وسنده صحيح ربيعة بن عقبة، صوابه ربيعة بن عبيد، ويقال: ربيعة بن عتبة كما في »التقريب« و»الجرح والتعديل«، وغيرهما، وهو ثقة.
وقال ابن أبي شيبة رحمه الله (5/192): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عقبة بن عبيد الله قال: حدثني ميسرة بن عميرة أنه لقي أبا هريرة فقال: ما تقول في اللقطة، الحبل، والزمام، ونحو هذا؟ قال: تعرّفه فإن وجدت صاحبه رددته عليه، وإلا استمتعت به.
وفيه ميسرة بن عمران بن عمير، مذكور في »الجرح والتعديل« (8/435): وليس فيه جرح ولا تعديل، فشأنه شأن مجاهيل الحال.
قال الخرقي كما في »المغني« لابن قدامة (8/6)، كتاب اللقطة وهي المال الضائع من ربه يلتقطه غيره...
قال صاحب »الشرح الكبير«: في المسألة الأولى، وتنقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما لا تتبعه الهمة كالسوط والشسع، والرغيف، يملكه يأخذه بلا تعريف.
ثم استدل بحديث جابر الذي قدمنا تخريجه في الباب، وهو صالح للاحتجاج بشواهده، ثم قال: وكذلك التمرة والكسرة، والخرقة، وما لا خطر له يجوز الانتفاع به من غير تعريف؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«، قال: ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة اليسير والانتفاع به. انتهى المراد.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم عقب حديث (1722): وأما الشيء الحقير فيجب تعريفه زمناً يظن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان. انتهى.
قلت: وقد قسم بعضهم الشيء الحقير إلى ما لا بال له، وما له بال، كما في »بداية المجتهد« لابن رشد (4/120): ولعل قول النووي محمول على تعريف الشيء الحقير الذي له بال زمناً غير محدود، وما لا بال له لا يعرف، وإنما ينتفع به مباشرة، وما بلغ حد النصاب المذكور في تلك الأدلة السابقة بما هو نحو ثلاثة دراهم، فيجب تعريفه سنة.
قلت: وهذا التقسيم حسن إلا أنه لم يثبت دليله ، وهو حديث أبي سعيد وغيره في الدينار الذي لقيه علي رضي الله عنه، كما تقدم في هذا الباب، وبما أنه لم يثبت دليله فجعل الشيء الحقير ينقسم إلى ما يعرف زمناً يغلب على الظن أن صاحبه لا يطلبه وآخر منه لا يعرف مما لا دليل عليه، فنعود إلى القول بأن اللقطة قسمان: أحدهما ماله شأن فهذا يجب تعريفه سنة بلا خلاف كما سيأتي في بابه.
والآخر ما لا شأن له، وهذا يؤخذ فإن جاء صاحبه يطلبه وجب تسليمه إليه؛ لأنه ما له وهو أحق به لحديث: »كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه«. متفق عليه، عن أبي بكرة.
وإن لم يطلبه صاحبه انتفع به، لاقطه بلا غضاضة، ويؤيد ذلك ما تقدم في الباب، ومنه قول سويد بن غفلة عند البخاري رقم (2437)، ومسلم (1723)، وفيه أنه وجد سوطاً فقيل له ألقه؟ فقال: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به.
وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/205) في كتاب القضاء في اللقطة: وأجمعوا على أن اللقطة ما لم تكن تافهاً يسيراً أو شيئاً لا بقاء له، فإنها تعرف حولاً كاملاً، وأجمعوا على أن صاحبها إذا جاء فهو أحق بها من ملتقطها، إذا ثبت له أنه صاحبها.
المبحث السابع
معرفة اللقطة ووجوب تعريفها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2428): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم عَنْ اللُّقَطَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: »اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً...«.
وأخرجه مسلم.
وقال الإمام البخاري رحمه الله برقم (2433): وقال أحمد بن سعيد: حدثنا روح، قال: حدثنا زكريا، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عن مكة: »لا يعضد عضاها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد«.
وأخرجه مسلم (1353).
وساق البخاري بعده عن أبي هريرة مثله، وأخرجه مسلم (1345).
وأخرج البخاري رقم (2427) (باب ضالة الإبل)، حديث زيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي النبي صلى الله عليه و سلم فسأله عما يلتقطه فقال: »عرّفها سنة، ثم احفظ عفاصها، ووكائها، فإن جاء أحد يخبرك بها، وإلا فاستنفقها«، قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: »هي لك أو لأخيك أو للذئب«، قال: ضالة الإبل؟ فتمعر وجه النبي صلى الله عليه و سلم فقال: »مالك ولها، معها حذؤها وسقاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر«.
وأخرجه البخاري رقم (2436)، باب ذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها إليه بلفظ: »عرفها سنة، ثم أعرف وكاءها وعفاصها«.
وأخرجه البخاري رقم (2428)، باب ضالة الإبل بلفظ: »أعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها سنة«.
وفي هذا اللفظ إشكال: هو أنه روي تارة بلفظ: «عرّفها سنة، ثم اعرف عفاصها ووكاءها»، فقدم التعريف على معرفة العفاص، والوكاء، وهذا مشكل؛ لأن المعرف يحتاج أن يعرف اللقطة حتى يعرفها بخبرة ودراية، فلا يخدع في إعطاء غير صاحبها، واللفظ الآخر: «اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها»، فجعل معرفة العفاص والوكاء مقدماً على التعريف، وهذا هو الصحيح في المعنى.
وعلى اللفظ الصحيح أخرجه البخاري في كتاب العلم رقم (91)، (باب الغضب في الموعظة، من طريق سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد به.
وفي المساقاة رقم (2372)، باب شرب الناس والدواب من الأنهار، من طريق مالك بن أنس، عن ربيعة به.
وفي اللقطة رقم (2428)، باب ضالة الغنم، عن سليمان، عن ربيعة به كما تقدم.
وفي اللقطة أيضاً رقم (2429)، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها من طريق مالك به، كما تقدم.
وفي كتاب الطلاق رقم (5292)، باب حكم المفقود في أهله وماله من طريق سفيان عن يحيى بن سعيد، عن يزيد مولى المنبعث به.
قال سفيان فلقيت ربيعة بن عبد الرحمن، ولم أحفظ عنه شيئاً غير هذا فذكر الحديث.
وفي »الأدب« رقم (6112)، (باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله من طريق إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة به.
وهذه الأبواب التي ذكرناها، هي فوائد وأحكام تستفاد من هذا الحديث.
والحديث أخرجه مسلم في أول كتاب اللقطة رقم (1722)، باللفظين تقدم التعريف على معرفة الوكاء وبتقديم معرفة الوكاء والعفاص على التعريف.
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث، قوله: »عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها«، هذا ربما أوهم أن معرفة الوكاء والعفاص تتأخر على تعريفها سنة، وباقي الروايات صريحة في تقديم المعرفة على التعريف، فيجاب عن هذه الرواية أن هذه معرفة أخرى، ويكون مأموراً بمعرفتين، فيعرفها أول ما يلتقطها حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ولئلا تختلط وتشتبه، فإذا عرّفها سنة، وأراد تملّكها استحب له أن يعرفها أيضاً مرة أخرى، تعريفاً وافياً محققاً؛ ليعلم قدرها ووصفها فيردها إلى صاحبها إذا جاء بعد تملكها وتلفها. انتهى.
وقال الحافظ في »الفتح« (5/81) تحت الحديث برقم (2427)، بعد نقل كلام النووي هذا، قال قلت: ويحتمل أن تكون (ثم)، في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي ترتيباً ولا تقتضي تخالفاً يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحداً، والقصة واحدة.
وليس الغرض إلا أن يقع التعريف، والتعريف مع قطع النهي عن إيهما أسبق. انتهى. وقول النووي هنا أقوى.
وقوله: »اعرفها عفاصها«، قال ابن الأثير: العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة، أو نحو ذلك من العفص، وهو الثني والعطف، وبه سمي الجلد الذي يجعل في رأس القارورة عفاصاً. من »النهاية« مادة (عفص).
وقال في مادة (وكأ): الوكاء هو الخيط الذي تشد به الصرّة والكيس وغيرهما. انتهى.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم عند حديث (1722): والعفاص، بكسر العين، والفاء والصاد المهملة وهو الوعاء التي تكون فيه النفقة جلداً كان أو غيره، ويطلق العفاص أيضاً على الجلد الذي يكون على رأس القارورة؛ لأنه كالوعاء له، فأما الذي يدخل في فم القارورة من خشب أو جلد أو خرقة مجموعة، ونحو ذلك فهو الصمام.
قال يقال عفصتها عفصاً إذا شددت العفاص عليها، واعفصتها إعفاصاً إذا جعلت لها عفاصاً، وقال في الوكاء كما قال ابن الأثير: وزاد يقال أوكيته إيكاء، فهو موكي لا همز، وأخرج الإمام مسلم رحمه الله رقم (1725): من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها«.
وتقدم حديث الجارود العبدي في استحباب أخذ اللقطة، وفيه: »لقطة المؤمن حرق النار«، وهو محمول على حديث زيد بن خالد، أي: إذا لم يعرفها ملتقطها كما تقدم بيانه هناك.
قال النووي في شرح مسلم في باب اللقطة، وأما تعريف سنة فقدة أجمع المسلمون على وجوبه إذا كانت اللقطة ليست تافهة، ولا في معنى التافهة.
وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/205): وأجمعوا أن اللقطة ما لم تكن تافهاً يسيراً أو شيئاً لا بقاء له، فإنها تعرف حولاً كاملاً. انتهى.
وقال ابن رشد في »بداية المجتهد« (4/117): اتفق العلماء على تعريف ما كان له بال منها سنة.
المبحث الثامن
مدة تعريف اللقطة وأين يكون
تقدم في الأحاديث التي في الفصل قبل هذا أنها تعرف سنة، وأشكل على ذلك ما أخرجه البخاري رقم (2437)، في كتاب اللقطة فقال رحمه الله: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت سويد بن غفلة قال: كنت مع سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان في غزاة، فوجدت سوطاً فقال لي: ألقه، قلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، فلما حججنا فمررت بالمدينة فسألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقال: وجدت صرة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم فيها مائة دينار، فأتيت بها النبي صلى الله عليه و سلم فقال: »عرفها حولاً«، فعرفتها حولاً ثم أتيت فقال: »عرفها حولاً« فعرفتها حولاً، ثم أتيت الرابعة فقال: اعرف عدتها ووكائها ووعائها، فإ، جاء صاحبها وإلا استمتع بها.
وقال: حدثنا عبدان قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن سلمة بهذا قال: فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري أثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.
وأخرجه مسلم (1723).
ففي هذا الحديث الأمر بتعريفها أكثر من سنة قال الحافظ ابن حجر في »الفتح« (5/79)، عند قوله فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً، وهذا التردد في تحديد التعريف من سلمة بن كهيل، كما هو مبين في »صحيح مسلم« (1723).
قال شعبة الراوي للحديث، عن سلمة فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عاماً واحداً، وأخرج الحديث أبو داود والطيالسي في مسنده رقم (554)، فقال في آخره قال شعبة: فلقيت سلمة بعد ذلك فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.
وأخرجه الطحاوي في »شرح معاني الآثار« (3/423): وفيه قال شعبة ، ثم أن سلمة بن كهيل، شك في ذلك.
قال الحافظ: وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد في الباب، فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال: يحمل حديث أبي بن كعب على مزيد الورع، عن التصرف في اللقطة، والمبالغة في التعفف عنها، وحيث زيد على مالا بد منه، أو لاحتياج الأعرابي، واستغناء أبي. انتهى.
القول في أوجه الجمع، ثم قال: قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرّف ثلاثة أعوام إلا شيء جاء عن عمر. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: وقد أجمع العلماء على الاكتفاء بتعريف سنة، ولم يشترط أحد تعريف ثلاثة أعوام إلا ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعله لم يثبت عنه.
قلت: قال ابن أبي شيبة رحمه الله في »المصنف« (5/190): حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد قال: كان عمر بن الخطاب يأمر أن تعرف اللقطة سنة، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها خُيّر.
وهذا سند صحيح، رجاله ثقات.
وكيع: هو ابن الجراح، وسفيان: هو الثوري، وإبراهيم بن عبد الأعلى هو الجعفي الكوفي: وثقه أحمد والنسائي وغيرهما، روى عن سويد بن غفلة، وسويد إمام مخضرم من كبار التابعين، روى عن أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي وابن مسعود، وبلال، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وغيرهم من كبار الصحابة.
وروايته عن عمر في صحيح مسلم كما رمز بذلك الحافظ المزي في تهذيبه، ورواية إبراهيم بن عبد الأعلى عنه كذلك في مسلم.
وهذا تأييد قوي لقول النووي رحمه الله بأن القول بتعريف اللقطة أكثر من سنة، لم يثبت عن عمر، وأن الثابت عنه القول بتعريفها سنة واحدة.
ونقل الحافظ في »الفتح« (5/79): في مدة تعريف اللقطة خمسة أقوال نذكرها تنازلياً أولها: أنها تعرف ثلاثة أحوال.
ثانيها: أنها تعرّف حولاً واحداً.
ثالثها: أنها تعرّف أربعة أشهر.
رابعها: أنها تعرّف ثلاثة أشهر.
خامسها: أنها تعرف ثلاثة أيام.
وإليك أدلة هذه الأقوال:
أما القول الأول: فدليله حديث أبي الذي نحن في صدد بيانه، وتقدم ذكر بعض الزوائد في الحديث تبين أن سلمة بن كهيل، أخطأ رحمه الله في الزيادة على تعريفها سنة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله فيما نقله عنه الحافظ في »الفتح«: بأن هذه الزيادة غلط، ومثله قول المنذري فيما مضى من هذا الباب.
قال الحافظ: والذي يظهر أن سلمة بن كهيل، أخطأ فيها ثم تثبت واستذكر واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه راويه.
قلت: ومما يؤيد القول بوهم سلمة بن كهيل في هذه الزيادة نقولات الإجماع على خلاف تلك الزيادة.
وأن اللقطة لا يجب تعريفها إلا سنة واحدة، والقول باستحباب التعريف الزائد على سنة قول بشرع لم يثبت عليه دليل، وإنما هو مبني على وهم بعض رواة الحديث.
كما جزم بذلك الأئمة، ولا يعوّل على الخطأ، وممن أعلّه ابن حزم في »المحلى« (8/262) قال: هذا حديث ظاهره صحة السند إلا أن سلمة بن كهيل أخطأ فيه بلا شك.
وأما القول الثاني: بأنّها تعرف سنة، فقد تقدّم ذكر أدلته ومناقشتها، وعمدة هذا القول حديث زيد بن خالد الجهني، المتفق عليه عند أهل الكتب الستة أنّ النبي قال: »عرّفها سنة«.
والقول الثالث: أنها تعرف أربعة أشهر، وهذا مذكور في »المحلى« (8/264): من طريق شريك، عن أبي يعقوب العبدي، عن زيد بن صوحان العبدي: أن عمر أمره أن يعرف قلادة التقطها أربعة أشهر، فإن جاء صاحبها وإلا وضعها في بيت المال.
قلت: وسند هذا ضعيف، فيه شريك القاضي، وأبو يعقوب العبدي صوابه أبو يعفور، وهو وقدان: ثقة، وفيه أبو شيخ العبدي مذكور في »الجرح والتعديل«(9/391): ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فالأثر: ضعيف.
فعلم من هذه أن هذه أقوال شاذة، ولم يثبت منها سنداً أو متناً إلا القول أنها تعرف سنة، ويليه القول أنها تعرف أكثر من سنة، لكنه وهم من سلمة بن كهيل، فلم يثبت معنا من الأقوال غير القول بتعريفها سنة.
وأما القول الرابع أنها تعرف ثلاثة أشهر، فأخرج عبد الرزاق في المصنف (10/132)، رقم (18608)، قال عن ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يزعم أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب وجد جملاً ضالاً فجاء به عمر فقال عمر عرفه شهراً ففعل، ثم جاءه به فقال عمر: زد شهراً ففعل ثم جاءه فقال عمر: زد شهراً، ففعل، ثم جاءه فقال: إنا قد أسمناه، وقد أكل علف ناضحاً، فقال عمر: مالك وله، أين وجدته فأخبره قال: أذهب فأرسله حيث وجدته. انتهى.
وهذا سند منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير، وبين عمر، وله رواية عن عمر، ذكر ذلك ابن أبي حاتم في »الجرح والتعديل« (5/101): ولكن سماعه فيه بعد، فإن عمر رضي الله عنه استشهد سنة ثلاثة وعشرين، وعبد الله بن عبيد بن عمير توفي سنة (113)، ولم يذكره الحافظ المزي في »تهذيبه« أنه من الرواة عن عمر.
وأما القول الخامس: أنها تعرف ثلاثة أيام، فقد نقله ابن حزم في »المحلى« (8/259): بسند عبد الرزاق في »المصنف« (8/136): عن ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن أميّة: أن معاوية بن عبد الله الجهني، أخبره أن أباه عبد الله قال إسماعيل: وقد سمعت أن له صحبةً أقبل من الشام فوجد صرة فيها ذهب مائة، فأخذها فجاء بها إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر أنشدها الآن على باب المسجد ثلاثة أيام، ثم عرفها سنة، فإن اعترفت وإلا فهي لك.
وهذا سند فيه معاوية بن عبد الله الجهني.
ذكره البخاري في »التاريخ الكبير« (7/361)، وابن أبي حاتم في »الجرح والتعديل« (8/377)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وتقدم أنه جاء عند عبد الرزاق (10/142)، وأبي داود من طرق لم تثبت أن علياً وجد دينار، فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعرفه ثلاثة أيام، وتقدم أنه ضعيف وأيضاً في الشيء الحقير، وله عن عمر طريق أخرى في »المحلى« (8/252): ضعيفة مرفوعاً وبعضها ضعفها ابن حزم نفسه بقوله: وهذا حديث هالك؛ لأن الليث لم يسم من أخذ عنه، وقد يرضى الفاضل من لا يُرضى، هذا سفيان الثوري يقول: لم أر أصدق من جابر الجعفي، قال: وجابر مشهور بالكذب.
قلت: فجعل هذا القول اختيار ابن حزم كما في »الفتح« فيه نظر لا سيما وقد قال في أول كتاب اللقطة من »المحلى« (8/257)، وفرض على من أخذه أن يشهد عليه عدلاً واحداً، فأكثر ثم يعرفه ... فلا يزال كذلك سنة قمرية. إلخ.
فرع: وأما زمان التعريف فقد ذكر ابن قدامة في المغني أنه النهار دون الليل؛ لأن النهار مجمع الناس، وملتقاهم دون الليل.
قلت: ويعرفها في مظنة وجود صاحبها من ليل ونهار؛ لأن الغرض هو التخلص منها بأدائها لصاحبها، والله أعلم.
فرع: فيمن يتولى تعريفها.
قال ابن قدامة: وللملتقط أن يتولاها بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعاً بتعريفها فذاك، وإن دفع أجراً لمعرفها فهو على الملتقط، (وليس منها، وبهذا قال الشافعي، وأصحاب الرأي)، وقال مالك: إن أعطي منها شيئاً لمن عرفها فلا غرم عليه.
فرع: فإن التقطها إثنان أو أكثر فعرفوها حولاً يملكونها جميعاً بعد الحول، وعليهم ضمان حفظها ومرعاها حتى يجئ صاحبها ومن رعاها أخذ مقابل أتعابه، كما سيأتي في المباحث الآتية.
فرع:
ولا تدفع إلى صاحبها إلا بوصفها وصفاً صحيحاً، أو إقامة البينة على أنه صاحبها؛ لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها، (فيصير ذلك من أضاعتها، وإضاعة مال المسلم حرام، وما شرع التقاطها إلا لحفظها وإيصالها إلى صاحبها، وفي عدم التحري في صاحبها تضييع لها ومن دفعها إلى غير صاحبها على اجتهاد صحيح منه، بحصول البينة وكانوا كاذبين أو بمصادقة وصف لها من غير صاحبها، فقد برئت ذمته، والأثم على الآخذ لقول النبي صلى الله عليه و سلم: »إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أجتهد فأخطأ فله أجر«.([4])
وقوله: »إنكم تختصمون إليّ فأقضي بنحو ما أسمع، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار«.([5])
المبحث التاسع
حكم الإشهاد على اللقطة
قال الإمام ابن الجارود رحمه الله في »المنتقى« رقم (671): حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن عياض بن حمار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من التقط لقطة فليشهد ذا عدل، أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيّب، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها، ولا فهي مال الله يؤتيه من يشاء«. الحديث صحيح.
رجاله ثقات، وسعيد بن عامر: هو الضبي: ثقة صالح، وباقي رجال السند أئمة مشاهير.
وأخرجه أبو داود رقم (1709)، والنسائي في الكبرى (5/344)، وابن ماجة رقم (2505)، وأحمد في »المسند« (4/266)، رقم (1781)، و(18336)، وابن حبان (11/256)، رقم (4894)، والبيهقي (6/187)، وآخرون من طريق خالد الحذاء به.
واختلف الرواة عن خالد الحذاء، فرواه عبد الوهاب الثقفي عند ابن ماجة ووهيب بن خالد، وخالد الطحان عند أبي داود قالوا: ذا عدل أو ذوي عدل على الشك، عن خالد شعبة، كما في »المنتقى« وغيره، وإسماعيل بن علية عند أحمد (4/266)، وقال الطحاوي في »شرح مشكل الآثار« (4/462)، رقم (2862).
وقال الحافظ في »التلخيص« رقم (1332): بعد حديث عياض بن حمار، قال: وفي الباب عن مالك بن عميرة، عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل، وساقه ابن الملقن في »البدر المنير« (7/154)، بعد حديث عياض.
فائدة: روى مالك بن عميرة، عن أبيه نحواً من هذا الحديث، ولفظه: أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن اللقطة فقال: »عرفها، فإن وجدت من يعرفها فادفعها إليه، وإلا فاستمتع بها، وأشهد بها عليك، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلا فهو مال الله تعالى يؤتيه من يشاء«. انتهى. ولم يذكر سنده لننظر فيه.
وقال الحافظ في »الفتح« (5/81)، تحت حديث (2427)، إسناده واهٍ جداً.
قلت: ومثله بهذا الحال لا يصلح في الشواهد، ولكن يستفاد معرفة حاله، وحديث الباب صحيح لذاته، وهو كافي في الدلالة على المقصود، ثم عثرت على سند حديث عمير أبي مالك أحاله ابن الأثير في »أسد الغابة« (3/793)، رقم (4081)، إلى الإسماعيلي، وذكر صاحب كتاب »هدي القاصد إلى أصحاب الحديث الواحد« (4/100)، رقم (1964)، قال أخرجه ابن المرزبان، عن محمد بن المطلب، عن علي بن قرين، عن زيد بن حفص قال: سمعت مالك بن عمير، يحدث عن أبيه، فذكره.
قلت: وأبو سعيد البقال سعد بن المرزبان تركه الفلاس، وقال البخاري: منكر الحديث، وفي »لسان الميزان« محمد بن المطلب: مجهول، وباقي رجال السند لم أبحث عنهم.
قال ابن عبد البر رحمه الله في »التمهيد« (13/215): واختلفوا فيمن أخذ لقطة، ولم يشهد على نفسه أنه التقطها، وأنها عنده، ثم هلكت عنده، وهو لم يشهد، ثم ذكر حديث عياض، وقال: معنى هذا الحديث عندي، والله أعلم: أن ملتقط اللقطة إذا عرفها، وسلك فيها سنتها ولم يكن مغيباً ولا كاتماً، وكان معلناً معرفاً، كان بفعله ذلك أميناً، ولا يضمن إلا بما يضمن به الأمانات، وإذا لم يعرفها ولم يسلك بها سنتها، ثم قامت عليه البينة بأنه وجد لقطة ذكروها، وضمها إلى بيته، ثم أدعى تلفها ضمن؛ لأنه بذلك الفعل خارج عن حدود الأمانة. اهـ المراد.
وقال الخطابي: فليشهد أمر تأديب، وإرشاد، وذلك لمعنيين:
أحدهما: لما يتخوفه في العاجل من تسويل الشيطان، وانبعاث الرغبة فيها إلى الخيانة بعد الأمانة.
والآخر ما يؤمن حدوث المنية فيها فيدعيها ورثته، ويحوزوها في تركته، فحاصل قوله: أن الإشهاد أمر إرشاد، وليس بلازم. اهـ من »عون المعبود« (5/90)، وكذا قال البغوي في »شرح السنة« (8/315): وقال الصنعاني في »سبل السلام« (3/951): أفاد الحديث زيادة: وجوب الإشهاد بعدلين على التقاطها، وقد ذهب إلى هذا أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي، فقالوا: يجب الإشهاد على اللقطة وعلى أوصافها، وذهب مالك وهو أحد قولي الشافعي أنه لا يجب والحق وجوب الإشهاد...
وفي قوله: »فهو مال الله يؤتيه من يشاء« دليل للظاهرية في أنها تصير ملكاً للملتقط، ولا يضمنها، وقد يجاب بأن هذا مقيد بما سلف من إيجاب الضمان، وأما قوله صلى الله عليه و سلم: »يؤتيه من يشاء« فالمراد أنه تحل انتفاعه بها، بعد مرور سنة التعريف. انتهى.
وقال الشوكاني رحمه الله في »نيل الأوطار« بعد حديث رقم (2461): الأمر يدل على وجوب الإشهاد وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو حنيفة، وفي كيفية الإشهاد قولان:
أحدهما: يشهد أنه وجد لقطة ولا يُعلم بالعفاص، ولا غيره، لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها.
والثاني: يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث، وأشار بعض الشافعي إلى التوسط بين الوجهين، فقال: لا يستوعب الصفات، ولكن بعضها.
قال النووي في »الروضة« (4/453): وهو الأصح، وصحح أيضاً عدم الوجوب، والقول بالاستحباب قول الجمهور.
وقال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/334): وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجب الإشهاد عليها، وهو المشهور نظراً إلى حديث زيد وغيره، حيث لم يأمره صلى الله عليه و سلم بالإشهاد، نعم يستحب لحديث عياض بن حمار، وأوجبه بن أبي موسى وأبو بكر في التنبيه لظاهر الأمر، والشهود عدلان فصاعداً، ولا يشهد على الصفات لاحتمال شياعه فيعتمده المدعي الكاذب، والله أعلم. انتهى.
قلت: الحديث في الإشهاد عليها صحيح، وليس عندنا دليل يصرفه عن الوجوب إلا ما ذكروا أنه لم يُذكر في أحاديث اللقطة الأخرى.
والجواب: أن هذا فيه مزيد بيان وعلى مثل ذلك يقال من علم حجة على من لم يعلم.
وعدم الإشهاد عليها مدعاة إلى تملّكها كما سبق بيانه،وتملكها مباشرة حرام، وما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم، فعدم الإشهاد عليها محرم، والإشهاد واجب، ولا يذكر كل أوصافها حتى لا يتوصل الكذاب لأخذها، ولكن بذكر بعض أوصافها كما صححه النووي رحمه الله وآخرون.
المبحث العاشر
صفة تعريف اللقطة
قال الإمام ابن الجارود رحمه الله رقم (670): أخبرنا بن عبد الحكم، ان بن وهب أخبرهم قال: أخبرني عمرو بن الحارث، وهشام بن سعد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً من مزينة أتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال: كيف ترى فيما يوجد في الطريق الميتاء، وفي القرية المسكونة قال: »عرفه سنة، فإن جاء باغيه فادفعه إليه، وإلا فشأنك بها، وإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه، وما كان في الطريق غير الميتاء أو القرية المسكوونة فيه وفي الركاز الخمس«.
وأخرجه أبو داود رقم (1710)، وأحمد في »المسند« (2/180)، والدارقطني (4/235)، والبغوي (8/318)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به، وهذا سند حسن.
وقوله الطريق الميتاء بكسر الميم، العامرة كما في مسند أحمد بلفظ العامرة المسلوكة.
ففي هذا الحديث أن من وجد لقطة في طريق غير مسلوكة ففيها الخمس، لأنها لم يجر عليها ملك أحد في الإسلام شأنها شأن الركاز، أما ما وجد في طريق ميتاء أي عامرة مسلوكة، فإنها تعرف سنة، ثم يصير شأنها بعد السنة، شأن اللقطة له أن يتصرف فيها، فإن جاء صاحبها يوماً من الدهر فهي لصاحبها على تفاصيل سيأتي ذكرها إن شاء الله.
قوله: وما كان في الطريق غير الميتاء أو القرية غيرالمسكونة، في أبي داود وكان في الخراب، يعني ففيها، وفي الركاز الخمس، أي: في اللقطة التي توجد في الخراب الخمس، كما أن في الركاز الخمس، والركاز دفين الجاهلية، كما في النهاية لابن الأثير، و»مختار الصحاح«، قال البغوي في »شرح السنة« (8/320): من وجد مالاً في طريق مسلوك فهو لقطة، وإن وجد في أرض العارية التي لم يجر عليها ملك في الإسلام، فهو ركاز يجب فيه الخمس، والباقي للواجد. اهـ
قال الطيبي في »شرح المشكاة« تحت رقم (3036)، وما يأتيه الناس غالباً من المسالك، لقطة يجب تعريفها إذ الغالب أنه ملك مسلم، وأعطى ما يوجد في برية الأراضي العادية التي لم تجر عليها عمارة إسلامية، ولم تدخل في ملك مسلم حكم الركاز إذ الظاهر أنه لاملك له. اهـ
قوله فإن جاء باغيه: أي صاحبها كما سبق في الأحاديث الماضية.
قوله: فأدها إليه، أكثر الأحاديث ليس فيها البينة، وبوب البخاري رحمه الله في »صحيحه« رقم (2426)، باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة، دفع إليه، ثم ذكر حديث أبي بن كعب السابق.
وتقدم في الباب الذي قبله حديث عياض بن حمار، وهو صحيح، وفيه فليشهد عليها ولا يكتم ولا يغيب، وأخرج البزار (1367)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن اللقطة؟ فقال: »تعرّف ولا تغيّب ولا تكتم، فإن جاء صاحبها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء«، قال الهيثمي في »مجمع الزوائد« (4/168)، رجاله رجال الصحيح.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (6/رقم:1209)، بسند صحيح إلى مالك، عن أيوب بن موسى، عن معاوية بن عبد الله بن بدر، أن أباه أخبره أنه نزل منزلاً بطريق الشام، فوجد صرة فيها ثمانون ديناراً، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر رضي الله عنه: عرفها سنة على أبواب المساجد، واذكرها لمن يقدم من الشام، فإن مضت السنة فشأنك بها.
وهذا أثر صحيح.
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/10)، الفصل السادس في كيفية التعريف، وهو أن يذكر جنسها لا غير فيقول: من ضاع منه ذهب أو فضة، أو دنانير أو ثياب، ونحو ذلك لقول عمر رضي الله عنه لواجد الذهب بطرق الشام، ولا تصفها... (لأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها... فتضيع على ما لكها.
وقال الزركشي في »شرح مختصر الخرقي« (4/321): وظاهر كلام الخرقي في أن السنة تلي الالتقاط وتكون متوالية، وهو صحيح لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فإذا عرَّفَت كان أقرب إلى وصولها إليه بخلاف ما لو تأخر ذلك التعريف بعض الحول، أثم، وعرّف بقيته، لقوله صلى الله عليه و سلم: »إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم«، وإن تركه جميع الحول سقط على المنصوص لسقوط حكمة التعريف وهو تطلع المالك لها في الحول الأول، وقيل لا يسقط نظراً لقوله صلى الله عليه و سلم: »إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم«، وهنا قد استطاع التعريف على وجه ناقص فوجب عليه.
قلت: وهذا القول الأخير هو الصحيح الذي يؤيده حديث زيد بن خالد، فليعرّفها سنة، والحديث الذي استدل به الشارح قال: ومحل التعريف هو محل وجدانها إن أمكن، وفي الأسواق وأبواب المساجد في أدبار الصلوات ونحو ذلك من مجامع الناس؛ لأن المقصود من التعريف إظهار ربها عليها، وهذه الأماكن مظنّة ذلك بخلاف غيرها.
وقال بعض العلماء إنه لا يدفعها إليه إلا ببينة، وهذا القول لا دليل عليه، وبعدم البينة قال مالك، وأحمد وغيرهما، وإنما تطلب منه البينة عند الإثبات أنه ليس بصادق في دعواه.
وانظر »شرح السنة« للبغوي (8/313)، و»فتح الباري« (5/79): (أخذ الضالة بنية عدم تعريفها لا يجوز)، لحديث زيد بن خالد، عند مسلم رقم (1725): أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها«.
قال النووي رحمه الله: هذا دليل للمذهب المختار؛ أنه يلزمه تعريف اللقطة مطلقاً سواء أراد تملكها أو حفظها على صاحبها هذا هو الصحيح، ويجوز أن يكون المراد بالضالة هنا ضالة الإبل ونحوها مما لا يجوز التقاطها للتملك، بل تلتقط للحفظ على صاحبها فيكون معناه، من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها أبداً، ولا يتملكها،والمراد بالضال المفارق للصواب وفي جميع أحاديث الباب، دليل على أن التقاط اللقطة وتملكها لا يفتقر إلى حكم حاكم ولا على إذن سلطان، وهذا مجمع عليه. اهـ
قوله: (فلم أجده)، قال الحافظ: قال العلماء محل التعريف المحافل كأبواب المساجد والأسواق، ونحو ذلك، يقول: »من ضاعت له نفقة أو نحو ذلك من العبارات، ولا يذكر شيئاً من الصفات«. اهـ من »الفتح« (5/82)، كما تقدم قول الزركشي فيرتب مع هذا القول سواء.
وقوله: سنة قال الحافظ، أي متواليه فلو عرفها سنة متفرقة لم يكف.
قال العلماء يعرفها في كل يوم مرتين، ثم مرة في كل أسبوع، ثم في كل شهر، ولا يشترط أن يعرفها بنفسه، بل يجوز بوكيله، ويعرفها في مكان سقوطها وفي غيره.
قلت: لا اعرف دليلاً على هذا التحديد الزمني، وإنما يعاد في ذلك إلى العرف، وإلى ما يقرب العبد إلى الله من حيث تحرّى مجامع الناس في أي وقت كان، والله أعلم.
المبحث الحادي عشر
تنزيه المساجد عن إنشاد الضالة فيها
قال الإمام مسلم رحمه الله رقم (568)، في كتاب المساجد باب (18): حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمر قال: حدثنا ابن وهب عن حيوة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنى لهذا«.
وقال رحمه الله (569): وحدثني حجاج بن الشاعر، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له«.
وأخرج الطبراني في »الكبير« كما في »مجمع الزوائد« (2/25)، رقم (2045)، عن ابن سيرين أو غيره قال: سمع ابن مسعود رجلاً ينشد ضالة في المسجد فاسكته وانتهره وقال: قد نهينا عن هذا.
وهو مع الشك فيه، أيضاً منقطع بين ابن سيرين وابن مسعود كما أكده المنذري في »الترغيب والترهيب« رقم (444)، بذلك وتبعه الهيثمي في »مجمع الزوائد«.
وقال الإمام النسائي رحمه الله في »الكبرى« (1/396) رقم (798): أخبرنا محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني زيد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: جاء رجل ينشد ضالة في المسجد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت«.
وسنده صحيح بشواهده، فإن أبا الزبير: مدلس، وقد عنعن، لكنه في الشواهد وباقي رجاله ثقات، محمد بن سلمة هو الباهلي: ثقة.
وأبو عبد الرحيم: هو خالد بن يزيد الجمحي: ثقة فقيه خال محمد بن سلمة.
وأخرج أبو داود رقم (1079)، والترمذي رقم (322)، والنسائي (714)، وابن ماجة (766)، وأحمد (2/179)، وابن خزيمة (3/158)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/137)، والبغوي في شرح السنة (2/372)، كلهم من طريق محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: »نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، وعن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة«. وسنده حسن.
قال ابن الأثير رحمه الله: الضالة الضائعة، ونشدها طلبها والسؤال عنها.
وقوله من دعا إلى الجمل الأحمر، أراد به من وجد الجمل الأحمر، فدعا إليه صاحبه ليأخذه.
قلت: وهذا لا يتعارض مع النهي عن لقطة لإبل، فإن هذا السائل لعله لم يعلم الحكم في عدم لفظه الجمال أو أنه أراد من رآه فيدعوني أو يخبرني لآخذه.
قال البغوي رحمه الله (2/374): وأما طلب الضالة في المسجد، ورفع الصوت بغير الذكر، فمكروه، ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي تقدم في الباب.
قلت: بل محرم كما سيأتي.
وأخرج الطبراني في »الأوسط« رقم (1698) فقال: حدثنا أحمد قال: أخبرنا إسحاق بن راهوية قال: قلت لأبي مَرّة، ما ذكر موسى بن عقبة، عن عمرو بن أبي عمر، عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً دخل المسجد ينشد ضالة عنه فقال النبي صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت«.
قال الهيثمي في »مجمع الزوائد« (2/24) رقم (2043): رجاله ثقات.
قلت: وهذا سند صحيح.
وقال الإمام الترمذي رحمه الله رقم (1321): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً؛ فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللهُ عَلَيْكَ«.
وأخرجه النسائي في »الكبرى«، وابن الجارود (562)، وأخرجه ابن حبان (4/528)، رقم (1650)، والحاكم (2/56)، والبيهقي (2/447)، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة به.
هذا حديث حسن، وآخر في صحيح مسلم كما تقدم في هذا الباب.
وقال النووي رحمه الله فيه فوائد منها النهي عن نشد الضالة في المسجد، قال: وقوله صلى الله عليه و سلم: »لا وجدت« وأمر أن يقال مثل هذا فهو عقوبة له على مخالفته وعصيانه، وينبغي لسامعه أن يقول: »لا وجدت، فإن المساجد لم تبن لهذا«، أو يقول: »لا وجدت فإنما بنيت المساجد لما بنيت له«، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم. انتهى.
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله في »سبل السلام« (1/259)، تحت حديث رقم (239)، ما معناه من سمع من ينشد ضالة في المسجد فليدع عليه... ومثله قول الشيخ البسام رحمه الله في شرحه على »بلوغ المرام« عند الحديث المذكور.
ضالة في المسجد؛ فليدع عليه جهراً بقوله: (لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)، وهذا الحكم عام سواء كانت حيواناً أو متاعاً، أو نقداً أو غير ذلك بجامع (العلة)، والحديث يدل على تحريم نشد الضالة في المسجد، ووجوب الدعاء عليه بهذا الدعاء. انتهى المراد.
المبحث الثاني عشر
من وجد لقطة ثم ضاعت عليه هل يضمن قال الله تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم﴾.
قال ابن أبي شيبة رحمه الله (5/195): حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الحارث العكلي قال: من أخذ شيئاً، فلا ضمان عليه.
وهذا سند صحيح إلى الحارث العكلي.
وحدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن قال: »إذا ضاعت اللقطة فصاحبها ضامن«، وهذا أثر صحيح إلى الحسن.
حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن حجاج، عن رجل، عن علي في رجل أخذ ضالة فضلّت منه قال: هو أمين([6]). انتهى.
وهو أثر ضعيف مبهم.
قال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (8/27): فصل وإن ضاعت اللقطة من ملتقطها بغير تفريط فلا ضمان عليه؛ لأنها أمانة في يده فأشبهت الوديعة.
فإن التقطها آخر فعرف أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه؛ لأنه قد ثبت له حق التموّل وولاية التعريف فلا يزول ذلك بالضياع، فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرّفها حولاً ملكها؛ لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان، فيثبت الملك به كالأوَّل، ولا يملك الأول انتزاعها؛ لأن الملك مقدم على حق التملك، فإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني، وليس له مطالبة الأول؛ لأنه لم يفرد. انتهى المراد وتبعه صاحب »الشرح الكبير«.
وقال الماوردي في »الحاوي الكبير« (441): فلو ضاعت اللقطة من الواجد لها فالتقطها آخر، ثم علم الواجد الأوّل بها، فإن كان ذلك بعد أن تملكها الأول عند استكمال تعريفها حولاً، فالملتقط الأول أحق بها من الثاني، لاستقرار ملكه عليها، وإن كان قبل استكمال الأول لتعريفها حولاً ففي احقهما بها وجهان:
أحدهما: الأول لتقدّم يده.
الثاني: الثاني أحق بها لثبوت يده.
قلت: والأقرب أنها للملتقط الأول؛ لأنه مسئول عنها، ومطالب بها، إذا ثبت أنها بيده، ولأن ادعاء أنها فقدت منه يجعل عند الناس ريبة في قوله: وأنه انفقها وقد حث الشرع على الاستبراء للدين والعرض.
وقال النووي رحمه الله في »شرح مسلم« (تحت حديث 1722): فإن تلفت بعد التملك لزم الملتقط بدلها عندنا، وعند الجمهور، وقال داود: لا يلزمه.
وقال الشيرازي في »المهذب« (16/136) مع «المجموع»: فإن أخذها واحد وضاعت منه ووجدها غيره وجب عليه ردها إلى الأول؛ لأنه سبق إليها فقدّ كما لو سبق إلى موات متجّحرة.
قال النووي في »الروضة«: الأول أحق بها على الأصح.
قال الرافعي كما في »شرح المهذب« (16/138): ومحل الخلاف إذا التقط الآخر قبل استكمال ملك الآخذ، أما لو كان الواجد قد تملكها بعد البينة بالتعريف فيلزمه ردها إليه بلا خلاف. في »الحاوي« و»البحر«. انتهى.
وقد تقدم الترجيح أنها للأول.
قلت: ويلحق بهذا الفصل ما ذكر في »مجموع الفتاوى« لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (30/411): أنه سئل عن رجل وجد فرساً لرجل من المسلمين مع أناس من العرب، فأخذ الفرس منهم، ثم أن الفرس مرض بحيث أنه لم يقدر على المشيء، فهو للآخذ بيع الفرس لصاحبها أم لا.
فأجاب شيخ الإسلام: بل يجب في هذا الحال أن يبيعه الذي استنقذه لصاحبه وإن لم يكن وكله في البيع، وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها، ويحفظ الثمن. انتهى.
ومن هذه الأقوال علم أن الملتقط ضامن لما التقطه إذا فرط فيه، حتى إن فقدها، أما إن لم يفرط فيلزمه اليمين لصاحب المال المفقود، أنه وجد ماله ثم ضاع عليه، أو تلف عليه بدون تفريط منه، وليس عليه ضمان لقول الله تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:91]، والله أعلم.
المبحث الرابع عشر
بعد تعريف لقطة غير مكة سنة كاملة هل تكون ملكاً لملتقطها كسائر حلال ماله
أخرج مسلم في »صحيحه« في كتاب (اللقطة) عقب رقم (1722): عن يزيد مولى المنبعث قال: سمعت زيد بن خالد الجهني يقول، فذكر حديث وفيه قال: »عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه«.
وأخرج البخاري الحديث رقم (2428)، وجعل هذا من قول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها، وكانت وديعة عنده.
قال يحيى: فهذا الذي لا أدري أفي حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم هو أم شيء من عنده. انتهى.
قال الحافظ في »الفتح«: وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى، وذلك فيما أخرجه مسلم رقم (1722/5)، وكذلك جزم برفعها خالد بن مخلد، عن سليمان بن ربيعة عند مسلم والفهمي عن سليمان، عن يحيى، وربيعة جميعاً عند الطحاوي، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها، فترجم على باب (9)، من كتاب اللقطة فقال: (باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه؛ لأنها وديعة عنده)، وذكر حديث زيد بن خالد، وفيه قال: »عرفها سنة، ثم اعرف وكائها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه«.
قال الحافظ: قال ابن المنير قوله: فإن جاء صاحبها فأدها إليه يدل على بقاء ملك صاحبها، (أي بعد السنة، وبعد انفاق ملتقطها)، خلافاً لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان.
قال الحافظ ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعاً لجماعة من السلف.
وإذا ادعى أنه أكلها، ثم غرمها، ثم ضاعت قُبل قوله أيضاً، وهو الراجح من الأقوال. انتهى.
قال الخرقي في »المختصر«: فإن جاء ربها وإلا كانت كسائر ماله.
قال الزركشي رحمه الله في »شرح مختصر الخرقي« قال: يعني إذا عرفها فإن جاء ربها في الحول فهي باقية على ملكه، وإن انقضى الحول ولم تعرف صارت عند انقضاء الحول كسائر مال الملتقط على المذهب بلا ريب.
واستدل من قال بأنها تصير كسائر ماله بحديث أبي بن كعب عند البخاري رقم (2446)، ومسلم رقم (1723)، وفيه: (وإلا فاستمتع بها).
وفي رواية لمسلم رقم (1722/6)بلفظ: »فهي لك«.
وفي رواية من حديث زيد بن خالد، عند مسلم (12/389)، بلفظ: »فشأنك بها«.
قلت: وكل هذه الألفاظ لا تدل على تملّكها تملكاً مطلقاً مع معارضتها لتلك الألفاظ الصريحة في أنها بعد تعريفها حولاً تصير عنده وديعة، ومع ملاحظة ما ذكر في الباب الماضي من حرمة مال المسلم.
والظاهر من هذه الألفاظ أن الملتقط بعد تعريف اللقطة سنة له أن يتملكها ويصير ضامناً، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها للأدلة المذكورة في الباب الماضي ومنها حديث: »كل المسلم على المسلم حرام«، وليس له أن يتملكها من صاحبها بعد الحول أبداً، لا هو ولا ورثته من بعده.
قال ابن قدامة في »المغني« (8/34): الملتقط إذا مات واللقطة موجودة بعينها قام وارثه مقامه في تعريفها تمام الحول إن مات قبل الحول ويملكها بعد إتمام التعريف، فإن مات بعد الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث، فإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت، بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، أو بقيمتها إن لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته، إن اتسعت لذلك، وإن ضاقت التركة زاحم الغرماء بدلها، سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله، وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريطه فلا ضمان عليه، ولا شيء لصاحبها...
وقال المزني: قال الشافعي رحمه الله: فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة، على أنه متى جاء صاحبها في حياته أو بعد موته فهو غريم إن كان استهلكها، وعزى الماوردي في »الحاوي« (9/444)، هذا القول إلى جمهور الفقهاء.
وقال شارح »المهذب« (16/141): إذا جاء صاحب اللقطة في أثناء مدة التعريف أو بعد انقضائها، وقبل أن يتملكها الواجد، واثبت أنه صاحبها أخذها يزيادتها المتصلة، كالسمن في الحيوان، وتعليم الصنعة للعبد، والمنفصلة كالولد واللبن والصوف، ونحو ذلك.
أما إذا عرفها سنة ولم يجد صاحبها، فله أن يديم حفظها لصاحبها وله أن يتملكها سواء كان فقيراً أو غنياً.
وقال النووي في »شرح مسلم« (12/387): فإن جاء صاحبها بعد تملكها أخذها بزيادتها المتصلة دون المنفصلة. انتهى.
وما نقله شارح »المهذّب«، هو الصواب، والعدل في ذلك أنه إن جاء صاحبها أخذها زيادتها المتصلة والمنفصلة، ويعطي ملتقطها من زياداتها مقابل أتعابه حسب العرف، فلو أنه وجد ألف ريال، وتاجر فيها حتى كثر فليدفع الألف إلى صاحبه ويصير في الزيادة كالمضارب معه فيها، وبهذا يحفظ لكل واحد منهما حقه، والحمد لله.
المبحث الخامس عشر
إن كانت اللقطة مما تجب فيه الزكاة فهل يخرج ملتقطها زكاتها مدة بقائها عنده
قال الخرقي كما في »المغني« (4/27) في كتاب (الزكاة): واللقطة إذا صارت بعد الحول كسائر مال الملتقط استقبل بها حولاً، ثم زكاها فإن جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً منها.
قلت: حاصله أنه يعرفها سنة، ولا يخرج زكاتها لأنها في أثناء هذه المدة ليست في ملكه، وعلى صاحبها أن يخرج زكاتها بعد الحصول عليها.
أما بعد مضي السنة فإنه يصير جائز التصرف فيها فعليه أن يخرج زكاتها عند وجوب ذلك منها، فإن نقصت عن النصاب توقف عن إخراج الزكاة منها لعدم توفر شرط من شروط الزكاة وهو بلوغ النصاب.
والدليل على أنه لا يخرج زكاتها قبل الحول، حديث: »لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه«.
والدليل على أنه يخرج زكاتها بعد الحول أنها صارت في ملكه وأدلته زكاة المال الزكوي معلومة في القرآن والسنة.
المبحث السادس عشر
حكم لقطة غير المسلم
قال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3804): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَوْفٍ، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »أَلَا لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، وَلَا اللُّقَطَةُ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا فَلَمْ يَقْرُوهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ«.
فيه مروان بن أبي رؤبة: مجهول حال، لكن الحديث في »مسند أحمد« قال رحمه الله رقم (1717): حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدم به، وهذا إسناد صحيح.
قال الصنعاني في »سبل السلام« تحت رقم (890): فدل على أن اللقطة من ماله كاللقطة من مال المسلم، وهذا محمول على التقاطها من محل غالب أهله ذميون، وإلا فاللقطة لا تعرف من مال أي إنسان عند التقاطها. انتهى.
قال الإمام ابن قدامة في »المغني« (8/33)، في شرح قول الخرقي: (من وجد لقطة في دار الحرب فكان في جيش) قال أحمد: يعرفها سنة في دار الإسلام، ثم يطرحها في المقسّم قال: إنما عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموال أهل الحرب مباحة، يجوز أن تكون لمسلم، ومعناه والله أعلم أنه يتم التعريف في دار الإسلام.
فأما ابتداء التعريف فيكون في الجيش الذي هو فيه (أي جيش المسلمين)؛ لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم، فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام.
فأما إن دخل دارهم بأمان فينبغي أن يعرفها في دارهم؛ لأن أموالهم محرمة عليه، فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام، وإن دخل إليهم متلصصاً فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموالهم مباحةً له، ثم يكون حكمها حكم غنيمته، ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة.
أما التقاط اللقطة فليس لغير المسلم التقاطها؛ لأنه ليس من أهل الأمانة، والتقاطها يشترط فيه الأمانة والقيام بتعريفها، والكافر ليس عنده من الدين ما يحمله على ذلك، سواء كان ذمياً أو غيره.
قال ابن قدامة: وهذا قول بعض أصحاب الشافعي.
قلت: وهذا صحيح مؤيد بأدلة اشتراط عدالة الإسلام، وهو قول الشيرازي في »المهذب« (16/174)، مع »المجموع« أيضاً، ومعنى ذلك أن ولي الأمر لا يقرها في يده إن علم أنها معه، ونقل الشارح عن الجمهور أن الفاسق أهل لأخذ اللقطة.
قلت: أما فسقة المسلمين فقول الجمهور هو الصحيح، أن فاسق المسلمين له أخذ اللقطة، ويجب عليه تعريفها، وإن خاف أن لا يقوم بتعريفها فلا يجوز له التقاطها، كما قدمنا مبحث ذلك، والحمد لله.
المبحث السابع عشر
الظّفَرْ وهو من وجد ضالته فله أخذها ولو استحالت إلى أكثر من واحد بالشراء
قال الإمام أبو داود رحمه الله رقم (3531): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتَّبِعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ«.
وأخرجه النسائي (7/313)، وأحمد في »المسند« (5/13)، رقم (20146)، فقال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن سعيد بن زيد بن عقبة، عن أبيه، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »إذا سرق متاع أو ضاع له متاع فوجده بيد رجل بعينه، هو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن«.
وهذا سند فيه ضعف، من أجل حجاج بن أرطأة، لكنه متابع بالذي قبله، وباقي رجال السند ثقات، ومن طريق سعيد.
أخرجه ابن ماجة رقم (2331)، باب من سرق له شيء فوجده في يد رجل اشتراه. فالحديث حسن.
ونبحوه من حديث أبي هريرة عند البخاري رقم (2402)، ومسلم رقم (1559)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من أدرك ماله بعينه عند إنسان أفلس فهو أحق من غيره«.
قال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (7/105) قال أحمد في رجل يجد سرقته بعينها عند إنسان قال: هو ملكه يأخذه، لحديث: سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: »مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتَّبِعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ«.
وقال ابن قدامة كما في »المغني« (ومن أخذت ثيابه من الحمام ووجد بدلها وأخذ مداسه وترك له بدله، لم يملكه بذلك)، قال: فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره، فيعرفها كاللقطة.
ويحتمل أن ينظر في هذا فإن كانت ثم قرينة تدل على السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من المتروكة، وكانت مما لا تشتبه على الآخذ بثيابه ومداسه، فلا حاجة إلى التعريف؛ لأن التعريف إنما جعل في المال الضائع عن ربه، ليعلم به ويأخذه، وهذا عالم به راضٍ بـبدله عوضاً عما أخذه.
قلت: هذا فيما إذا تيقن أن هذه المداس مداس الذي أخذ مداسه، وإذا ارتاب هل هي له أو لغيره، فليترك أخذها حتى لا يصير مظلوماً وظالماً لغيره.
المبحث الثامن عشر
اتباع الحصادين وأخذ ما يسقط منهم
قال الإمام البيهقي رحمه الله في »الكبرى« (6/195) رقم (12102): أخبرنا أبو الحسن بن بشران العدل قال: أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار، قال: حدثنا سعدان بن نصر قال: حدثنا أبو معاوية، عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: قال لي أبو الدرداء رضي الله عنه: »لا تسألي أحداً شيئاً«.
قلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه، فاخبطيه ثم أطحنيه، ثم أعجنيه ثم كليه، ولا تسألي أحداً شيئاً.
وهذا سند صحيح.
فرع: قال ابن قدامة (8/28): ومن اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي للصياد؛ لأن الدر يكون في البحر، بدليل قول الله تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾[فاطر:12]، ولأن الأصل عدم ملكها لغيره، فإن باعها الصياد ولم يعلم فوجدها المشتري في بطنها فالدرة للصياد. نص عليه أحمد... فأشبه من باع داراً له فيها مال مدفون.
قلت: والدار إذا اشتراها أحد فوجد فيها مالاً مدفوناً فالأصل أن المال للبائع، إلا أن يشترط المشتري؛ لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من ابتاع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع«. متفق عليه.
فإن وجد في جوف السمكة دراهم ودنانير فهي لقطة؛ لأن ذلك لا يخلق في البحر، قال (8/29): ومن وجد عنبرة على ساحل البحر فهي له.
الأصل عدم الملك فيها، فكانت مباحة لآخذها كالصيد.
وقال (8/30): وإن صاد غزالاً فوجده مخضوباً أو في عنقه خرز أو في أذنه قرط ونحو ذلك، مما يدل على ثبوت اليد عليه، فهو لقطة؛ لأن ذلك يدل على أنه كان مملوكاً.
وقال (8/41)، ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملاً بغير جعل لم يستحق عوضاً، لا نعلم في هذا خلافاً.
ومعناه أنه إن طلب جعلاً على رد اللقطة فله ذلك قال ابن قدامة: وإن اتفقا على العوض، واختلف في قدره فالقول قول المالك.
وقال (8/48): وإن كان الملتقط سفيهاً أو طفلاً قام وليه بتعريفها، فإن تمت السنة ضمها إلى مال واجدها.
وقال (ص50): وإذا وجد العبد لقطة، فله أخذها بغير إذن سيده، ويصح التقاطه، وقال (ص53): والمكاتب كالحر في اللقطة.
فصل الضوال
وإن ضالة الإبل لايجوز التقاطها، وضالة الغنم يجوز التقاطها وأكلها مع ضمانها إن جاء صاحبها
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2427) في كتاب (اللقطة باب ضالة الإبل): حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ: »عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا؛ وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا«، قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: »لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ«، قَالَ: ضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ: »مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ«.
وأخرجه مسلم (1722).
قال: فتمعّر وجهه صلى الله عليه و سلم (أي تغير)، وقال مالك: ولها معها سقاؤها، وحذؤها ترد الماء وتأكل الشجر، وحذاؤها خفها وسقاؤها، أي: أنها تدخر الماء في جوفها.
قال الحافظ في »الفتح« (5/80): حكمة النهي عن التقاط الإبل، أن بقاءها حيث ضلت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس، قالوا: وفي معنى الإبل كل ممتنع بقوته عن صغار السباع، كالبقر والخيل والبغال، والحمير لما علل به صلى الله عليه و سلم من قوله: »دعها فإن معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها«، وقال في الشاة: »خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب«، فعلل جواز أخذ الشاة بكونها معرضة للذئب.
قلت: وبقياس الممتنع بقوّته عن صغار السباع قال جمهور العلماء.
انظر شرح »مختصر الخرقي« للزركشي (4/348)، و»المغني« لابن قدامة (8/63)، و»شرح السنة« للبغوي (8/315)، و»فتح الباري« (5/80)، و»شرح النووي على مسلم« وقال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/210): فيه دليل واضح على أن العلة في ذلك خوف التلف والذهاب...
قلت: الحديث نص على الإبل فقط، فالأولى البقاء على النصّ دون الحاق غير المنصوص به، وبعض الملحقات كالحمير لا تتحد فيها العلة مع الإبل، فإنها لا تمتنع عن الضُبع ساعةً واحدة، وكذلك الإبل لا تمتنع عن الأسد، فتحديد ما امتنع عن صغار السباع فيه نظر لعدم الدليل عليه، ولكن يجب البقاء على ظاهر النص كما تعبّدنا الله بذلك.
وقال البغوي، والنووي وغيرهما: لا يجوز التقاط ضالة الإبل، وأن ضالة الغنم تؤخذ وتعرف وإذا أكلها ضمن قيمتها.
قال ابن عبد البر في »التمهيد« (13/206): واجمعوا أن أخذ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها.
قال الحافظ (5/83): واجمعوا على أن مالكها لو جاء قبل أن يأكلها الواجد لأخذها منه.
قال النووي، والحافظ: واللام في قوله: «هي (لك)، أو لأخيك، أو للذئب»، ليست للتمليك، فإنه قال: أو للذئب، والذئب لا يملك باتفاق، وأنها وديعة عند ملتقطها لرواية، ولتكن وديعة عنده، كما في مسلم وتقدم بيانه، وبوب البخاري على ذلك برقم (2436).
بوب الإمام البخاري رحمه الله برقم (2435)، وذكر حديث بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا يحلبن أحد ماشية أمرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع ما شيتهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحدٍ إلا بإذنه.
قال ابن عبد البر: في هذا الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه.
قلت: وهذا هو الصحيح لعموم أدلته تحريم مال المسلم التي تقدم ذكر بعضها في هذه الرسالة، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه.
جواز الأكل وروينا بأسانيد صحاح موصولة عن النبي صلى الله عليه و سلم، وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى بالاتباع.
اللقطة بعد التعريف أو الحقيرة بغير تعريف يأكلها الغني والفقير، لحديث أنس: »لولا أن أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها«، وقد تقدم.
ولحديث زيد بن خالد: »عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها«، وبوب البيهقي اللقطة يأكلها الغني والفقير، إذا لم تعرف بعد تعريف سنة.
قال الحافظ بن حجر: واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة، ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا، فالجمهور على وجوب الرد، إن كانت العين موجودة، أو البدل إن كانت استهلكت، لحديث زيد بن خالد، عن البخاري رقم (2428)، قال: عرفها سنة، يقول يزيد: إن لم تعرف استنفق بها صاحبها (وكانت وديعة عنده).
قلت: ويؤيد هذه الزيادة حديث: »كل المسلم على المسلم حرام«، وحديث: »إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام«، وحديث: »لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه«. وهذه أحاديث صحاح.
باب اللقيط
قال ابن الأثير في »النهاية«: هو الطفل الذي يوجد مرمياً في الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه.
اللقيط لا يجوز تركه ضائعاً واللقيط حر
وأخرج البخاري رحمه الله برقم (2442) فقال: حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب: أن سالماً أخبره: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة«. وأخرجه مسلم رقم (2580).
وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾[المائدة:32]، وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾[المائدة:2].
قال الإمام مالك رحمه الله في »الموطأ«: ومن طريقه البيهقي في »الكبرى« (6/202) رقم (12133)، والبغوي في »شرح السنة« (8/322): عن ابن شهاب، عن سنين أبي جميلة رجل بن بني سليم، أنه وجد منبوذاً زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها، فقال: عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، قال: كذلك، قال: نعم، قال عمر: إذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.
ولفظ حديث الشافعي، وحديث عبد الرزاق مختصراً: أنه التقط منبوذاً فجاء به إلى عمر، فقال له عمر: هو حر، وولاؤه لك، ونفقته علينا من بيت المال.
وسنده صحيح.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (6/202)، رقم (1235)، من طريق الحسن، عن علي رضي الله عنه أنه قضى في اللقيط أنه حر، وقرأ هذه الآية: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف:20].
قال الإمام مالك رحمه الله : الأمر المجمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وولاؤه للمسلمين يرثونه ويعقلونه.
قال البغوي رحمه الله: فيه بيان أن اللقيط إذا وجد لا يجوز تضييعه وهو محكوم بحريته وإسلامه، فيكون ميراثه للمسلمين، إذا مات ونفقته من بيت مال المسلمين، وإذا التقطه غير أمين لا يترك في يده، بل يأخذه الإمام فيضعه عند أمين، ويصرف عليه من بيت المال. انتهى. من »شرح السنة« (8/323).
وقال ابن الأثير في »النهاية« مادة (لقط): وهو في قول عامة الفقهاء حر، لا ولاء عليه لأحد، ولا يرثه ملتقطه.
وقال ابن قدامة في »المغني« (8/68): أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر.
قال: وإذا جنى جناية تحملها العاقلة، والعقل على بيت المال، لأن ميراثه له ونفقته عليه، وإن وجد مع اللقيط شيء فهو له وينفق عليه منه، وهو أيضاً قول الشافعي وأصحاب الرأي، وإن تعذر نفقته فعلى من علم حاله من المسلمين الانفاق عليه حذراً من هلاكه بإنجائه من الغرق، وإذا ادعاه فمن الحقته القافة أو ما يقوم مقامها من تحليل الدم، به يلحق به لما في «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
وذكره بعده من قول الحسن.
اللقيط: يتبع أبويه في الكفر، فإذا أسلم أحدهما تبعه الولد لحديث: »كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، كما تنتج البيهيمة بهيمة عجماء، هل تحسون فيها من جدعاء«، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾[الروم:30].
أخرجه البخاري رقم (1385)، ومسلم رقم (2658).
وقالت عائشة: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، أخرجه البخاري رقم (2297).
وأخرج البخاري رقم (3909)، ومسلم رقم (2146)، من حديث أسماء بنت أبي بكر أنها حملت بعبد الله بن الزبيربمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم حنكه، ثم دعا له وبرك عليه، وكان أوّل مولود ولد في الإسلام. وأخرج البخاري رقم (3865)، من حديث ابن عمر قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه: اجتمع الناس عليه قالوا: صبأ عمر، صبأ عمر، وأنا على ظهر بيتي فجاء العاص بن وائل وعليه قباء ديباج مكففة بحرير فقال: صبأ عمر، فمه أنا له جار قال: فتفرق الناس، قال: فعجبت من عزه يومئذٍ.
قال البيهقي في »الكبرى« (6/12149): فعمر بن الخطاب أسلم، وعبد الله بن عمر صبي فصار مسلماً بإسلامه، وذلك لما في الحديث الثابت، عن نافع، عن ابن عمر قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فاستصغرني. أخرجه البخاري رقم (2664، 4097).
وقد قيل أن حفصة وعبد الله أسلما قبل أبيهما، وعبد الله كان صغيراً حينئذٍ فإنما تم إسلامه بإسلام أبيه.
وأخرج البخاري رحمه الله في »صحيحه« رقم (1353): أن ابن عباس رضي الله عنه قال: أنا وأمي من المستضعفين، كانت أمي من النساء وأنا من الولدان.
فعلم من هذه الأدلة: أن الطفل اللقيط يحكم بإسلامه بلا نزاع إلا أن يوجد في بلد الكفار، ولا مسلم فيه، انظر »الإنصاف« للمرداوي (6/434).
واللقيط ينفق عليه من بيت مال المسلمين لقول عمر: وعلينا نفقته من بيت مال المسلمين، وإن وجد معه شيء من المال فينفق، فإن لم يوجد معه شيء فلا يلزم الملتقط الانفاق عليه في قول عامة أهل العلم.
قال المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لأن أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية، والملك، والولاء، منتفية، والتقاطه إنما هو تخليص له من الهلال، وولاءه لسائر المسلمين؛ لأنهم يرثون من ولا وارث له، وليس لكافر التقاط لمسلم؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾[النساء:90]، ولقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]. نقلاً من »المغني«.
وإن اختلف فيه اثنان فعلى المدعي البينة، وإذا قتل عمداً فوليه الإمام إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية.
قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه »الإجماع« (148): وأجمعوا أن اللقيط حر، وأجمعوا على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتاً، أن غسله ودفنه يجب في مقابر المسلمين، وأجمعوا ن نفقة اللقيط غير واجبة على الملتقط كوجوب نفقة ولده، وأجمعوا أنه إذا أدرك (أي بلغ)، وكان عدلاً جازت شهادته، وأجمعوا أن المرأة لو أدعت اللقيط أنه ابنها لم يقبل قولها، وأجمعوا أن ما وُجد معه من مال أنه له. انتهى.
أحكام المفقود
أخرج الإمام الدارقطني في »سننه« (3/312) رقم (3804)، والبيهقي في »الكبرى« (7/445)، رقم (15565)، من طريق سوار بن مالك قال: أخبرنا محمد بن شرحبيل الهمداني، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: »امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر«، وجاء عنه هنا أنه قال: هي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل.
وهذا سند ضعيف جداً.
سوار بن مصعب، وشيخه محمد بن شرحبيل متروكان كما في ترجمتهما من «ميزان الأعتدال» للذهبي.
قال الحافظ بن حجر في »التلخيص الحبير«(4/ رقم 1642)، إسناده ضعيف، وضعفه أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق، وابن القطان وغيرهم، ولا نعلم شيئاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه و سلم في امرأة المفقود.
وأخرج البيهقي رقم (15561)، من طريق عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي، وقال البخاري فيه نظر، وروى أثراً عن علي فتعقبه الذهبي في الميزان.
وقال هذا كذب على علي، وجاء من طريق سعيد بن جبير، عن علي عند البيهقي، وطريق أخرى عند البيهقي رقم (15561)، من طريق عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي.
وقال البخاري فيه نظر، وروى أثراً عن علي وجاء من طريق سعيد بن جبير، عن علي عند البيهقي، وطريق أخرى عند البيهقي رقم (15562)، من طريق سيار أبي الحكم، عن علي، ومن طريق سماك، عن حنش، عن علي أنه قال: امرأة المفقود لا تتزوج، وإن تزوجت فقدم زوجها، فهي امرأته إن شاء طلق، وإن شاء أمسك.
والأثر من هذه الطرق حسن، وحسنه الحافظ في »الفتح« (9/431).
وقال عبد الرزاق في »المصنف« (7/85)، رقم (1237)، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر وعثمان قضيا في المفقود: أن امرأته تتربص أربع سنين، وأربعة أشهر وعشراً بعد ذلك، ثم تزوج فإن جاء زوجها الأول خيّر بين الصداق وبين امرأته.
وهذا سند صحيح.
وقال سعيد بن منصور في »السنن« (1/402): أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وابن عمر أنهما قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر ينفق عليها في الأربع سنين من مال زوجها؛ لأنها حبست نفسها عليه.
وهذان الأثران صحيحان.
وعلق البخاري في »صحيحه« مع «الفتح» (9/429)، عن سعيد بن المسيب قال: إذا فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة ووصله عبد الرزاق في »المصنف« (7/89)، من طريق الثوري ، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب به بزيادة إذا فقد في غير الصف، أي: في غير المعركة، فأربع سنين.
قال الإمام مالك رحمه الله في »الموطأ« (ص575)، ومن طريقه البيهقي في »الكبرى« (7/445)، رقم (15566)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تحل وهذا سند رجاله ثقات، وسماع سعيد من عمر مختلف فيه.
وله شاهد أخرجه، عبد الرزاق في »المصنف« (7/87)، والبيهقي (7/445)، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلاً من الأنصار خرج يصلي مع قومه، فأسرته الجن، ففقد فانطقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضت عليه القصة فسأل عمر قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد فأمرها أن تربص أربع سنين، فلما انقضت الأربع السنين أتته فأخبرته، فسأل قومها فقالوا: نعم، فأمرها أن تتزوج، فتزوجت فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب، وأخبره أنه أسرته الجن.
وأخرجه البيهقي في »الكبرى« رقم (15569)، بسند صحيح إلى ابن أبي ليلى به.
وأخرج القصة سعيد بن منصور رقم (1754)، من طريق يحيى بن جعدة: أن رجلاً انتسفته الجن على عهد عمر، فذكر القصة.
وأخرج البيهقي رقم (15568)، بسند صحيح.
فعلم صحة هذه الفتوى، عن عمر بأن من غاب عنها زوجها تتربص أربع سنين، ثم تتزوج.
قال البخاري رحمه الله في كتاب الطلاق من صحيحه (باب 22)، باب حكم المفقود في أهله وماله، ثم ذكر المعلق عن سعيد الذي تقدم تخريجه، وقال: واشترى ابن مسعود جارية، فالتمس صاحبها سنة فلم يجده، وفقد، فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين، وقال: اللهم عن فلان، فإن أتى فلان فلي، وعليّ وقال: هكذا فافعلوا باللقطة.
وقال ابن عباس نحوه، وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه، لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خيره فسنّته سنة المفقود.
وقال الحافظ في »الفتح« أثر ابن مسعود، أخرجه سعيد بن منصور بسند جيّد، وأن تصدق باللقطة بعد تعريفها سنة، إن جاء صاحبها، فهو ضامن لآدائها، وكان الأجر للمتصدقين، وعليه الغرم.
وقوله: فلي وعليّ، أي الثواب، وعليّ الغرامة.
وقال عن أثر ابن عباس، أخرجه دعلج في مسند ابن عباس له، بسند صحيح أنه قال: انظر هذه الضوال فشد يدك بها عاماً فإن جاء ربها، فادفعها إليه، وإلا فجاهد بها وتصدق، فإن جاء فخيّره بين الأجر والمال.
وقال عن أثر الزهري، فسنته سنة المفقود قال: مذهب الزهري في امرأة المفقود أنها تربص أربع سنين.
وقد أخرجه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن عمر.
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح، عن ابن عمر ، وابن عباس قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين.
قال: وثبت أيضاً عن عثمان، وابن مسعود في رواية، عن جمع من التابعين كالنخعي ، وعطاء والزهري، ومكحول، والشعبي، واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها للحاكم، وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين واتفقوا أيضاً على أنها إن تزوجت فجاء الزوج الأول خيّر بين زوجته وبين الصداق، فإذا اختار الزوج الأول الصداق عزمه الثاني، ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد (أنه إذا كان في معركة أو في غير معركة)، إلا سعيد بن المسيب.
وقال الشعبي كما في »الفتح« (9/431): إذا تزوجت فبلغها أن زوجها الأول حي فرق بينها وبين الثاني ، واعتدت منه فإن مات الأول تعتد منه عدت الوفاة المتعينة ثانياً.
ونقل الإمام الصنعاني في »سبل السلام« (ص1143): أنه لا وجه للتربّص، لكن إن ترك لها الغائب ما يقوم بها فهو كالحاضر إذا لم يفتها الوطء، وهو حق له لا لها وإلا فسخها الحاكم عند مطالتها من دون المفقود لقوله تعالى: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً ﴾[البقرة:231]، ولحديث: »لا ضرر ولا ضرار«، والحاكم وضع لرفع المضارة في الإيلاء، والظهار، وهذا أبلغ، والفسخ مشروع بالعيب ونحوه.
قال الصنعاني: وهذا أحسن الأقوال. انتهى.
وقال شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله في درس «صحيح البخاري» عند الباب (22)، كتاب الطلاق، ولها أن تصبر مدة استطاعتها، فإذا تضررت أو خشيت على نفسها الفتنة، فلها أن تفسخ الأول، وتتزوج، وكان يستدل على هذه الفتوى بأدلة رفع الضرر التي تقدم ذكرها.
قلت: ومن الأدلة على فتوى شيخنا مع ما تقدم قول الله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286]، وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16].
وقول النبي صلى الله عليه و سلم: »ما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم«، وقوله تعالى: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طـه:2].
وقول النبي صلى الله عليه و سلم: »إن هذا الدين يسر«، ومعنى ذلك أنها لها أن تنتظر زوجها مدة عمرها إذا أطاقت ذلك بلا مشقة عليها، ولا فتنة.
ولها أن تفسخه، وتتزوج قبل الأربع إذا شق عليها الانتظار أو خافت على نفسها فتنة، وهذا القول تجمع به الأقوال المذكورة في الباب مثل قول عمر، وقول علي، ومن قال بذلك مع الأدلة العامة القوية في الباب.
أما تقسيم تركة المفقود، فقال ابن قدامة رحمه الله في »المغني« (8/547): فأما ماله فاتفقوا على أنه لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها. انتهى.
(حكم حلب ما شية الغير)
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2435): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ«.
وأخرجه مسلم رقم (1726).
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3/423)، رقم (15488): حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ يَعْنِي الْجَارِيَّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمَارَةَ بْنَ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم بِمِنًى فَكَانَ فِيمَا خَطَبَ بِهِ أَنْ قَالَ: »وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ«، قَالَ فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ لَقِيتُ غَنَمَ ابْنِ عَمِّي فَأَخَذْتُ مِنْهَا شَاةً فَاجْتَزَرْتُهَا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ قَالَ: إِنْ لَقِيتَهَا نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَةً وَأَزْنَادًا فَلَا تَمَسَّهَا.
وفيه: عمارة بن حارثة لم نر معتبراً، وثقه، وقيل بن جارية.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (5/223)، رقم (24942): حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمِّهِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَادَتِي نُرِيدُ الْهِجْرَةَ حَتَّى أَنْ دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَخَلَّفُونِي فِي ظَهْرِهِمْ قَالَ: قَالَ: فَأَصَابَنِي مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَمَرَّ بِي بَعْضُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لِي: لَوْ دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَأَصَبْتَ مِنْ ثَمَرِ حَوَائِطِهَا، فَدَخَلْتُ حَائِطًا فَقَطَعْتُ مِنْهُ قِنْوَيْنِ، فَأَتَانِي صَاحِبُ الْحَائِطِ فَأَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَخْبَرَهُ خَبَرِي وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ، فَقَالَ لِي: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: »خُذْهُ وَأَعْطِي صَاحِبَ الْحَائِطِ الْآخَرَ«، وَخَلَّى سَبِيلِي.
وهو حديث حسن، وله شواهد في »التلخيص الحبير« (3/1012)، رقم (1249).
وأخرج أبو داود (7/285): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: أَصَابَتْنِي سَنَةٌ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَفَرَكْتُ سُنْبُلًا فَأَكَلْتُ وَحَمَلْتُ فِي ثَوْبِي، فَجَاءَ صَاحِبُهُ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم فَقَالَ لَهُ: »مَا عَلَّمْتَ إِذْ كَانَ جَاهِلًا، وَلَا أَطْعَمْتَ إِذْ كَانَ جَائِعًا«، أَوْ قَالَ: »سَاغِبًا« وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي، وَأَعْطَانِي وَسْقًا أَوْ نِصْفَ وَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
هذا حديث صحيح.
وفي الباب جملة أدلة منها:
ماأخرجه أحمد في »المسند« (3598)، فقال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم، وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، »هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟« قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: »فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ«، فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: »اقْلِصْ« فَقَلَصَ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: »يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ«.
وهو حديث حسن.
وقال الإمام أحمد في »المسند« (3/351): حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَأَصْحَابَهُ مَرُّوا بِامْرَأَةٍ فَذَبَحَتْ لَهُمْ شَاةً، وَاتَّخَذَتْ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا اتَّخَذْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَادْخُلُوا فَكُلُوا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم وَأَصْحَابُهُ، وَكَانُوا لَا يَبْدَءُونَ حَتَّى يَبْتَدِئَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم لُقْمَةً، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُسِيغَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم: »هَذِهِ شَاةٌ ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا«، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا لَا نَحْتَشِمُ مِنْ آلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَلَا يَحْتَشِمُونَ مِنَّا، نَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَّا.
هذا حديث صحيح.
وأخرج أبو داود (7/371): من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن النهبى.
وهو حديث صحيح.
وجاء عن رجل من بني ليث، يقال له علية بن الحكم، عند أحمد (5/367)، بسند صحيح.
وأخرج ابن ماجة (2/1299)، من حديث سماك بن الحكم، قال: أصبنا غنماً للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فمر النبي صلى الله عليه و سلم قال: »إن النهبة لا تحل«.
وهو حديث حسن.
وصح عند أبي داود (7/372)، »عون المعبود«، عن رجل من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »إن النهبة ليست بأحل من الميتة«.
وهذا حديث حسن.
وأخرج البخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النهبى والمثلة.
وأخرج مسلم في »صحيحه« من حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »الظلم ظلمات يوم القيامة«. والحديث متفق عليه عن ابن عمر.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة...«.
وأخرج البيهقي في »الكبرى« (9/359): عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: »من مر منكم بحائط فليأكل في بطنه ولا يتخذ خبنة«.
وفي رواية بعده أنه قال: »إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحداً منكم، فإذا مررتم براعي الإبل، فنادوا با راعي الإبل، فإن جابكم فاستقوه، وإن لم يجبكم، فائتوها فحلوها، واشربوا ثم صروها«.
قال البيهقي: هذا عن عمر رضي الله عنه صحيح بإسناديه جميعاً، وهو عندنا محمول على حال الضرورة. انتهى.
وقال الإمام النووي رحمه الله في »شرحه على مسلم« تحت حديث رقم (1726)، وفي الحديث من الفوائد تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه، وأنه لا فرق بين اللبن وغيره، وسواء المحتاج وغيره إلا المضطر الذي لا يجد ميتة، ويجد طعاماً لغيره، فيأكل الطعام للضرورة، ويلزمه بدله لمالكه عندنا، وعند الجمهور، وقال بعض السلف، وبعض المحدثين لا يلزمه، وهذا ضعيف.
فإن وجد ميتة وطعاماً لغيره ففيه خلاف مشهور للعلماء، وفي مذهبنا الأصح عندنا أكل الميتة، أما غير المضطر إذا كان له أدلال على صاحب اللبن، أوغيره من الطعام بحيث يعلم أو يظن أن نفسه تطيب بأكل منه بغير إذنه فله الأكل بغير إذنه، وقد قدمنا بيان هذا مرات، وأما شرب النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وهما قاصدان المدينة في الهجرة من لبن غنم الراعي ، فقد قدمنا بيان وجهه، وأنه يحتمل أنهما شرباه إدلالاً على صاحبه؛ لأنهما كانا يعرفانه أو أنه إذن للراعي أن يسقي منه من مر به...
قلت: حديث ابن مسعود المتقدم، فيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يشرب من لبن لصاحب الغنم، وإنما رزق رزقه الله من شاة لم ينز عليها الفحل.
إحياء الموات
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (2335): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ: »مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ«.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3/338)، رقم (14636) قال: حدثنا حماد بن زيد قال: سمعت هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر.
وقال (3/356): حديثا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: »من أحياء أرضاً ميتة فله«.
والحديث صحيح.
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: »من أحيا أرضاً ميتة فهو له، وليس لعرق ما لم حق«.
وفي الباب غير ذلك من الأحاديث، وقصدنا هو حكم المسألة المتعلق بموضوعنا.
قال الإمام البخاري رحمه الله، في باب (15)، من كتاب الحرث المزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتاً، ورأى ذلك عليٌ في أرض الخراب بالكوفة موات وقال عمر: من أحيا أرضاً ميتة فهي له.
ويروى عن عمر، وابن عوف، عن النبي صلى الله عليه و سلم، ثم ذكر حديث عائشة الذي في أول الباب.
قال الحافظ في »الفتح«: الموات الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة، وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع، أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران، أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك، أم لم يأذن وهذا قول الجمهور، واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر، وما يصاد من طير وحيوان، فإنهم اتفقوا على أن من أخذه أوصاده يملكه سواء قرب من العمران، أم بعد سواء أذن الإمام أم لم يأذن.
قال: وأثر عمر وصله مالك في »الموطأ«، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه مثله.
وروينا في الخراج ليحيى بن آدم سبب ذلك فقال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
قال: كان الناس يتجرون، يعني الأرض على عهد عمر فقال: »من أحيا أرضاً فهي له«.
وذكر أن حديث عمرو بن عوف، وصله إسحاق بن راهويه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم فذكره.
قال: وهو عند الطبراني، ثم البيهقي (6/رقم11777)، وكثير هذا ضعيف.
قلت: هو متروك.
تمت مراجعة الرسالة
في يوم الجمعة 16/من شهر ذي القعدة عام 1426هـ
والحمد لله
فهارس الموضوعات
مقدمة. PAGEREF _Toc123516099 \h 3
تعريف اللقطة. PAGEREF _Toc123516100 \h 4
تعريف الضالة. PAGEREF _Toc123516101 \h 7
باب الحفاظ على المال وعدم تضييعه. PAGEREF _Toc123516102 \h 8
المال مال الله.. PAGEREF _Toc123516103 \h 12
حكم لقطة مكة. PAGEREF _Toc123516104 \h 13
استحباب أخذ اللقطة لقصد تعريفها PAGEREF _Toc123516105 \h 16
تبشير المسلم بالخير فيه أجر عظيم PAGEREF _Toc123516106 \h 17
أقوال العلماء في ذلك.. PAGEREF _Toc123516107 \h 19
باب تحريم التقاط الضالة على من لم يعرفها PAGEREF _Toc123516108 \h 23
المبحث السادس اللقطة التي يجب تعريفها، والتي لا يجب تعريفها PAGEREF _Toc123516109 \h 25
الآثار وأقوال العلماء في ذلك.. PAGEREF _Toc123516110 \h 31
المبحث السابع معرفة اللقطة ووجوب تعريفها PAGEREF _Toc123516111 \h 34
المبحث الثامن من مدة تعريف اللفظة وأين يكون. PAGEREF _Toc123516112 \h 38
فرع: فيمن يتولى تعريفها. PAGEREF _Toc123516113 \h 43
فرع: PAGEREF _Toc123516114 \h 44
المبحث التاسع حكم الإشهاد على اللقطة. PAGEREF _Toc123516115 \h 45
المبحث العاشر صفة تعريف اللقطة. PAGEREF _Toc123516116 \h 49
المبحث الحادي عشر تنزيه المساجد عن إنشاد الضالة فيها PAGEREF _Toc123516117 \h 54
المبحث الثاني عشر من وجد لقطة ثم ضاعت عليه هل يضمن قال الله تعالى: ﴿ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم﴾. PAGEREF _Toc123516118 \h 57
المبحث الرابع عشر بعد تعريف لقطة غير مكة سنة كاملة هل تكون ملكاً لملتقطها كسائر حلال ماله PAGEREF _Toc123516119 \h 60
المبحث الخامس عشر إن كانت اللقطة مما تجب فيه الزكاة فهل يخرج ملتقطها زكاتها مدة بقائها عنده PAGEREF _Toc123516120 \h 64
المبحث السادس عشر حكم لقطة غير المسلم PAGEREF _Toc123516121 \h 65
المبحث السابع عشر الظّفَرْ وهو من وجد ضالته فله أخذها ولو استحالت إلى أكثر من واحد بالشراء PAGEREF _Toc123516122 \h 67
المبحث الثامن عشر اتباع الحصادين وأخذ ما يسقط منهم PAGEREF _Toc123516123 \h 69
فصل الضوال. PAGEREF _Toc123516124 \h 71
وإن ضالة الإبل لايجوز التقاطها، وضالة الغنم يجوز التقاطها وأكلها مع ضمانها إن جاء صاحبها PAGEREF _Toc123516125 \h 71
باب اللقيط. PAGEREF _Toc123516126 \h 75
اللقيط لا يجوز تركه ضائعاً واللقيط حر. PAGEREF _Toc123516127 \h 75
أحكام المفقود PAGEREF _Toc123516128 \h 80
(حكم حلب ما شية الغير) PAGEREF _Toc123516129 \h 86
إحياء الموات.. PAGEREF _Toc123516130 \h 91
فهارس الموضوعات.. PAGEREF _Toc123516131 \h 93
من اصداراتنا
([1]) المبارك بن محمد بن الأثير، صاحب «النهاية» وصاحب جامع الأصول، وأخوه الأوسط أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير صاحب «أسد الغابة في معرفة الصحابة»، و«الكامل في التاريخ». وأخوهما الأصغر أبو الفتح نصر الله صاحب كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، وكلهم مترجمون في «سير أعلام النبلاء» للذهبي رحمهم الله جميعاً.
([2]) الحديث ساق طرقه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص228)، رقم (415)، وكل طرقه ضعيفة.
([3]) أخرجه أحمد في «المسند» (4/447)، من حديث معاوية بن حيدة، وهو حديث صحيح.
([4]) أخرجه البخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716)، من حديث عمرو بن العاص.
([5]) أخرجه البخاري رقم (6967)، ومسلم رقم (1713)، من حديث أم سلمة.
([6]) كذا في «المصنف» طبعة الباز، ولعله: (فهو ضامن) فإن هذه الطبعة مليئة بالأغلاط، والتصحيفات المطبعيّة.