إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله .
أما بعد
فهذه مسألة من المسائل التي سئل عنها الإمام أبومحمد ابن حزم الظاهري ـ رحمه الله ـ كما في كتابه *التلخيص لوجوه التخليص * فأجاب بهذا الجواب الماتع وطرق فيها مسائل عدة ضمنها فوائد تشد لها الرحال لا سيما في باب اللغة فأحببت أن اختزلها من أخواتها لأتحف بها إخواني طلبة العلم الأفاضل وغيرهم من الأماجد ولقد من الله علي بتحقيق رسالته تلك وعرضتها على شيخنا العلامة الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ فقدم لها وهذه مقدمته ـ حفظه الله وأطال في عمره على طاعته ـ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد :
فأقول شكر الله لشيخنا العلامة ووالدنا الوقور الحنون أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ على تقديمه وتشجيعه فرغم كثرة أعماله وتزاحمها عليه قرأها وقدم لها فجزاه الله عني خير الجزاء
وإلى ما قصدناه
3ـ وسألتم - رحمنا الله وإياكم - عن طلب العلم، وهل الآداب من العلم، تعنون النحو واللغة والشعر، وعن طلب الاشتغال بروايات القراء السبعة المشهورين على اختلاف ألفاظها وأحكامها، وعن قراءة الحديث، وعن مسائل، فنعم - وفقنا الله وإياكم لما يرضيه - :
أما الاشتغال بروايات القراء المشهورين السبعة وقراءة الحديث وطلب علم النحو، واللغة، فإن طلب هذه العلوم فرض واجب على المسلمين على الكفاية، بمعنى أن من قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط، فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها، ولو سورة أي سورة
كانت، أو أي آية، فهذا لابد لكل إنسان منه([1]).
ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة([2]) فيه وضبط قراءتهم [243 ب] كلهم، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل، قال عليه السلام : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "([3]) ، فكفى بهذا فضلاً، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع، وحرام على المسلمين تضييعه، وذهابه من أشراط الساعة([4])، وكذلك ذهاب العلم([5]).
وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا، لأن الله يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم/4]، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا به([6]) ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه([7]) على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو سقط لسقط الإسلام([8]) فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية([9]) لا يجب التقصير عنها لأحد.
وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به. وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء/36]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمونَ﴾ [الأعراف/33]، وقال تعالى: ﴿وَتَقُولونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور/15]. فمن لم يعلم اللسان الذي به خاطبنا الله عز وجل، ولم يعرف اختلاف المعاني فيه لاختلاف الحركات في ألفاظه، ثم أخبر عن الله بأوامره ونواهيه فقد قال على الله ما لا يعلم. وكيف يفتي في الطهارة من لا يعلم الصعيد في لغة العرب وكيف يفتي في الذبائح من لا يدري ماذا يقع عليه اسم الذكاة في لغة العرب أم كيف يفتي في الدين من لا يدري خفض اللام([10]) أو رفعها من قول الله عز وجل ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة/3]ومثل هذا في القرآن والسنة كثير، وفي هذا كفاية. فمن طلب علم النحو واللغة على النية التي ذكرنا فهو [244/أ] أعظم أجر وأفضل علم، ومن طلبهما ليكونا له مكسباً ومعاشاً فهو مأجور محسن، ولكن أجره دون أجر الأول، وفوق سائر الصناعات التي يعاش منها، لأنه يعلم الخير ويبقي آخر عالماً فيمن علم، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى إقامة المظالم وإحياء رسوم الجور والتدرب في أحكام المكوس والقبالات والمخاطبة عن فساق الملوك بما يرضيهم ويسخط الله عز وجل، فقد خاب وخسر وغدا في لعنة الله وراح فيها، لأنه ظالم، وقد قال الله: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود/18].
وأما علم الشعر فإنه على ثلاثة أقسام:
أحدها : أن لا يكون للإنسان علم غيره فهذا حرام، يبين ذلك قوله عليه السلام : لان يملأ، أو يمتلئ، جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً([11]).
والثاني: الاستكثار منه، فلسنا نحبه وليس بحرام، ولا يأثم المستكثر منه إذا ضرب في علم دينه بنصيب، ولكن الاشتغال بغيره أفضل.
والثالث: الأخذ منه بنصيب، فهذا نحبه ونحض عليه، لأن النبي عليه السلام قد استنشد الشعر([12])، وأنشد حسان على منبره عليه السلام. وقال عليه السلام : " إن من الشعر حكماً "([13]) وفيه عون على الاستشهاد في النحو واللغة. فهذا المقدار هو الذي يجب الاقتصار عليه من رواية الشعر، وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما من قال الشعر في الحكمة والزهد فقد أحسن وأجر، وأما من قال معاتباً
لصديقه ومراسلاً له، وراثياً من مات من إخوانه بما ليس باطلاً، ومادحاً لمن استحق الحمد بالحق، فليس بآثم ولا يكره ذلك، وأما من قال هاجياً لمسلم، ومادحاً بالكذب، ومشبباً بحرم المسلمين، فهو فاسق، وقد بين الله هذا كله بقوله ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء/224] ([14]).
والذي يجب على طالب العلم أن لا يقتصر على أقل منه من النحو، فمعرفة ما يمر من القرآن والسنة من الإعراب، ويكفي من ذلك كتاب الواضح أو كتاب الزجاجي([15]) ، فإن قال وأوغل حتى يحكم كتاب سيبويه([16]) وما جرى مجراه فقد أحسن، وذلك زيادة في فضله وأجره. وأما من اللغة فمثل ذلك أيضاً، ويجزئ عنه منه [244 ب] الغريب المصنف لأبي عبيد([17]) ، فإن زاد وأوغل واستكثر من دواوين اللغة فقد أحسن وأجر. ويجب رواية شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وما خف من مختار أشعار الجاهلين ومختار أشعار المسلمين، غير مستكثر من ذلك، ولكن بقدر ما يتدرب في فهم معاني لغة العرب ومخارج كلامهم.
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : رحمة الله على هذا الإمام فقد كان آية في فنون شتى
وإلى هنا ينتهي ما اختزلته من رسالته التلخيص و إن رأيت نشرها كلها فعلت وأسأله الله التوفيق والسداد في أموري كلها والحمد لله رب العالمين
[1] لأن الأمر كما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ».[ أخرجه البخاري برقم (785) ومسلم (394) عن عبادة بن الصامت ] وفيه دليل على ركنية الفاتحة أما الزيادة عليها فمستحب على الأصح وكلام المصنف يوهم وجوبها وانظر كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ حول هذه المسألة كما في كتابه الماتع صفة صلاة النبي ـ الأصل ـ (1/303ـ310) وانظر المحلى (3/273) رقم المسألة (360)
[2] وهم نافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن كثير المكي وزياد بن العلاء البصري وعبد الله ابن عامر اليحصبي وعاصم بن أبي النجود الأسدي وحمزة بن حبيب الكوفي وعلي بن حمزة الكسائي [ وانظر تراجمهم في شرح طيبة النشر لابن الجزري ص8ـ12]
[3] أخرجه البخاري برقم (5027) عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
[4] لحديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب . حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك . ولا صدقة . وليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة . فلا يبقى في الأرض منه أية . وتبقى طوائف من الناس والشيخ الكبير والعجوز . يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله . فنحن نقولها ) فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة . ثم ردها عليه ثلاثا . كل ذلك يعرض عنه حذيفة . ثم أقبل عليه في الثالثة فقال ياصلة تنجيهم من النار . ثلاثا ﴾
أخرجه ابن ماجة برقم (4049) بسند صحيح رجاله ثقات وروي موقوفاً على حذيفة عند الحاكم برقم (8589) بإسناد صحيح قال البزار في مسنده (7/260): وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة موقوفا ، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب ، عن أبي معاوية .اهـ
وهذا منه إعلال للحديث بالوقف
قال البوصيري ـ رحمه الله ـ : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن أبي مالك بإسناده ومتنه .. اهـ [ مصباح الزجاجة 4/194]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا يرد قول البزار من تفرد أبي معاوية برفعه فإن قول البوصيري : بإسناده يقتضي أنه يكون أبو عوانة رواه مرفوعاً فيكون أبو معاوية متابعاً وعلى كل سواءً قلنا إن الحديث مرفوع أو موقوف فله حكم الرفع لأن مثل هذا لا يقال من قبيل الرأي وقد صححه مرفوعاً كل من الحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح والبوصيري والعلامة الألباني في الصحيحة برقم (87) والعلامة الوادعي في الصحيح المسند وقد أعل بعضهم الحديث مرفوعاً وموقوفاً ولم يصب في ذلك .
ثم إن الحديث من أدلة العذر بالجهل وليس من أدلة عدم تكفير تارك الصلاة ـ وبالله التوفيق
[5] لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا ».[ أخرجه البخاري برقم (80) ومسلم ( ) ]
[6] قال ابن خلدون وهو يتكلم عن علوم اللسان العربي :
أركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب. ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة.اهـ المراد [مقدمة ابن خلدون (ص339) ]
وقال ـ وهو يتكلم عن التفسير :
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب، فوضعت الدواوين في ذلك، بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان. فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن، لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم.اهـ [المقدمة ص279]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وفي المصنف لابن أبي شيبة برقم (30546) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم ﴾ وإسناده صحيح قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله اهـ [ اقتضاء الصراط ص 207]
[7] لقد فصل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة تفصيلاً حسناً فقال :
فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا اهـ المراد [ الرسالة الفقرة رقم 167 وفقرة 168]
[8] قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية اهـ [اقتضاء الصراط ص207]
قوله : ثم منها .. الخ هو التفصيل الذي ذكره الشافعي ـ رحمه الله ـ .
[9] لأن تعلمها على هذه النية من الدين قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين اهـ [ اقتضاء الصراط ص 162]
[10] روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أبي الأسود الديلي ـ رحمه الله ـ قدم أعرابي في زمان عمر فقال من يقرئني مما أنزل الله على محمد قال فأقرأه رجل براءة فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " ( 1 ) بالجر فقال الأعرابي أوقد برئ الله من رسوله إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة ... وفيه : فقال عمر ليس هكذا يا أعرابي قال فكيف هي يا أمير المؤمنين فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " فقال الأعرابي وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة وأمر بالأسود فوضع النحو .اهـ
وفيه رجل مبهم وعنعنة ابن جريج .
فائدة : قال في صبح الأعشى ـ بعد ما أورد طرفاً من القصة المذكورة ـ : (1/206)
على أن الحسن قد قرأها بالجر على القسم وقد ذهب على الأعرابي فهم ذلك لخفائه اهـ
[11] بوب عليه الإمام البخاري فقال : " باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعم والقرآن " والحديث عنده برقم (6155) ومسلم (2257) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
قال أبو عبيد ـ رحمه الله ـ : ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر اهـ (الفتح شرح حديث رقم 6154)
وقال ابن رشيق : فإنما هو من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن اهـ (العمدة 1/29)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وقد ذم قوم الشعر مطلقاً استدلالا منهم بحديث أبي سعيد الخدري في مسلم برقم (2459) قال بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ».
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وان كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه و سلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب ... إلى أن قال : وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق اليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله اعلم اهـ [شرحه على المسلم 15/17]
قوله وقالوا : هو كلام .. " جاء مرفوعاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (7692) عن عبد الله بن عمرو وقال : لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن زياد اهـ
قلت : وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف في حفظه وللحديث شاهد عند البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الشِّعْرِ فَقَالَ :« هُوَ كَلاَمٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ ».
قال البيهقي : وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلٌ. (الكبرى برقم (1113) )
فهذا شاهد قوي فيحسن الحديث ـ والله أعلم ـ
وقال العلامة الألباني : صحيح لغيره اهـ (صحيح الأدب برقم (664)
[12] أخرجه مسلم برقم (2255) من حديث عمروبن الشريد عن أبيه قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا ». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ « هِيهِ ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.
[13] أخرجه البخاري برقم (6145) عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ .
[14] قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : وهو يتكلم عن تناشد الأشعار في المسجد :
أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك ، فمن مانع مطلقا ، ومن مجيز مطلقا. والأولى التفصيل ، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان ، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها ، فهو حسن في المساجد وغيرها ؛ كقول القائل :
طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ... وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز ؛ لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر ، والمساجد منزهة عن ذلك ؛ لقوله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}. وقد يجوز إنشاده في المسجد ؛ كقول القائل :
كفحل العداب القرد يضربه الندى ... تعلى الندى في متنه وتحدرا
وقول الآخر :
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز ؛ لأنه خال عن الفواحش والكذب اهـ [ الجامع لأحكام القرآن 12/248 تفسير سورة النور ]
وقال في تفسير سورة الشعراء :
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهي ، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر ، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا ، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى ، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله اهـ المراد [ الجامع 13/133]
[15] الزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى 340هـ اهـ [ بغية الوعاة للسيوطي 2/77 والسير 15/475] وأما كتابه فهو " الجمل " .
[16] إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارس البصري اهـ [ السير 8/351ـ352]
[17] الامام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله اه (السير 10/490) واسم كتابه : "الغريب المصنف في علم اللسان " قال ابن درستويه : .. والغريب المصنف من أجل كتبه في اللغة اهـ (السير 10/494) وقال محقق السير لم يطبع بعد ومنه نسختان بدار الكتب المصرية ونسخة بمكتبة الفاتح بتركيا اهـ ومكث في جمعه أربعين سنة (10/496)
أما بعد
فهذه مسألة من المسائل التي سئل عنها الإمام أبومحمد ابن حزم الظاهري ـ رحمه الله ـ كما في كتابه *التلخيص لوجوه التخليص * فأجاب بهذا الجواب الماتع وطرق فيها مسائل عدة ضمنها فوائد تشد لها الرحال لا سيما في باب اللغة فأحببت أن اختزلها من أخواتها لأتحف بها إخواني طلبة العلم الأفاضل وغيرهم من الأماجد ولقد من الله علي بتحقيق رسالته تلك وعرضتها على شيخنا العلامة الناصح الأمين يحيى بن علي الحجوري ـ حفظه الله ـ فقدم لها وهذه مقدمته ـ حفظه الله وأطال في عمره على طاعته ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
فقد طالعت في هذه الرسالة المسماة " التلخيص لوجوه التخليص " المنسوبة إلى الإمام أبي محمد ابن حزم الأندلسي ـ رحمه الله ـ مع تحقيقها والتعليق عليها لأخينا الباحث المفيد علي بن رشيد العفري فرأيت تعليقه عليها تعليقاً مفيداً مناسباً لمضمونها ـ فجزى الله أخانا علي العفري خيراً ووفقه ـ
كتبه
يحيى بن علي الحجوري
3/رجب /1431هـ
كتبه
يحيى بن علي الحجوري
3/رجب /1431هـ
وإلى ما قصدناه
آداب طلب العلم وكيفية النبوغ فيه
أما الاشتغال بروايات القراء المشهورين السبعة وقراءة الحديث وطلب علم النحو، واللغة، فإن طلب هذه العلوم فرض واجب على المسلمين على الكفاية، بمعنى أن من قام بطلبها حتى يعم بعلمه تعليم من طلبها أو فتيا من استفتاه فيها من أهل بلده أو قريته، فإذا قام بذلك من يغنى بهذا القدر، سقط فرض طلبها حينئذ عن الباقين، إلا ما يخص كل إنسان في نفسه فقط، فالذي يلزم كل إنسان من حفظ القرآن فهو أم القرآن وشيء من القرآن معها، ولو سورة أي سورة
كانت، أو أي آية، فهذا لابد لكل إنسان منه([1]).
ثم طلب علم القرآن واختلاف القراء السبعة([2]) فيه وضبط قراءتهم [243 ب] كلهم، فرض على الكفاية وفضل عظيم لمن طلبه إن كان في بلده كثير ممن يحكمه وأجر جزيل، قال عليه السلام : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "([3]) ، فكفى بهذا فضلاً، وقد أمر عليه السلام بتعليم القرآن فمن تعلمه فهو خير، ولو ضاع هذا الباب لذهب القرآن وضاع، وحرام على المسلمين تضييعه، وذهابه من أشراط الساعة([4])، وكذلك ذهاب العلم([5]).
وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية أيضاً كما قدمنا، لأن الله يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم/4]، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بين الله لنا ديننا وخاطبنا به([6]) ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم النحو واللغة، ولابد منه([7]) على الكفاية كما قدمنا، ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو سقط لسقط الإسلام([8]) فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره، بهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية([9]) لا يجب التقصير عنها لأحد.
وأما من وسم اسمه باسم العلم والفقه وهو جاهل للنحو والغة فحرام عليه أن يفتي في دين الله بكلمة، وحرام على المسلمين أن يستفتوه، لأنه لا علم له باللسان الذي خاطبنا الله تعالى به. وإذا لم يعلمه فحرام عليه أن يفتي بما لا يعلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء/36]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمونَ﴾ [الأعراف/33]، وقال تعالى: ﴿وَتَقُولونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور/15]. فمن لم يعلم اللسان الذي به خاطبنا الله عز وجل، ولم يعرف اختلاف المعاني فيه لاختلاف الحركات في ألفاظه، ثم أخبر عن الله بأوامره ونواهيه فقد قال على الله ما لا يعلم. وكيف يفتي في الطهارة من لا يعلم الصعيد في لغة العرب وكيف يفتي في الذبائح من لا يدري ماذا يقع عليه اسم الذكاة في لغة العرب أم كيف يفتي في الدين من لا يدري خفض اللام([10]) أو رفعها من قول الله عز وجل ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة/3]ومثل هذا في القرآن والسنة كثير، وفي هذا كفاية. فمن طلب علم النحو واللغة على النية التي ذكرنا فهو [244/أ] أعظم أجر وأفضل علم، ومن طلبهما ليكونا له مكسباً ومعاشاً فهو مأجور محسن، ولكن أجره دون أجر الأول، وفوق سائر الصناعات التي يعاش منها، لأنه يعلم الخير ويبقي آخر عالماً فيمن علم، ومن طلبهما ليتوصل بهما إلى إقامة المظالم وإحياء رسوم الجور والتدرب في أحكام المكوس والقبالات والمخاطبة عن فساق الملوك بما يرضيهم ويسخط الله عز وجل، فقد خاب وخسر وغدا في لعنة الله وراح فيها، لأنه ظالم، وقد قال الله: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود/18].
وأما علم الشعر فإنه على ثلاثة أقسام:
أحدها : أن لا يكون للإنسان علم غيره فهذا حرام، يبين ذلك قوله عليه السلام : لان يملأ، أو يمتلئ، جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً([11]).
والثاني: الاستكثار منه، فلسنا نحبه وليس بحرام، ولا يأثم المستكثر منه إذا ضرب في علم دينه بنصيب، ولكن الاشتغال بغيره أفضل.
والثالث: الأخذ منه بنصيب، فهذا نحبه ونحض عليه، لأن النبي عليه السلام قد استنشد الشعر([12])، وأنشد حسان على منبره عليه السلام. وقال عليه السلام : " إن من الشعر حكماً "([13]) وفيه عون على الاستشهاد في النحو واللغة. فهذا المقدار هو الذي يجب الاقتصار عليه من رواية الشعر، وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما من قال الشعر في الحكمة والزهد فقد أحسن وأجر، وأما من قال معاتباً
لصديقه ومراسلاً له، وراثياً من مات من إخوانه بما ليس باطلاً، ومادحاً لمن استحق الحمد بالحق، فليس بآثم ولا يكره ذلك، وأما من قال هاجياً لمسلم، ومادحاً بالكذب، ومشبباً بحرم المسلمين، فهو فاسق، وقد بين الله هذا كله بقوله ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء/224] ([14]).
والذي يجب على طالب العلم أن لا يقتصر على أقل منه من النحو، فمعرفة ما يمر من القرآن والسنة من الإعراب، ويكفي من ذلك كتاب الواضح أو كتاب الزجاجي([15]) ، فإن قال وأوغل حتى يحكم كتاب سيبويه([16]) وما جرى مجراه فقد أحسن، وذلك زيادة في فضله وأجره. وأما من اللغة فمثل ذلك أيضاً، ويجزئ عنه منه [244 ب] الغريب المصنف لأبي عبيد([17]) ، فإن زاد وأوغل واستكثر من دواوين اللغة فقد أحسن وأجر. ويجب رواية شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، وما خف من مختار أشعار الجاهلين ومختار أشعار المسلمين، غير مستكثر من ذلك، ولكن بقدر ما يتدرب في فهم معاني لغة العرب ومخارج كلامهم.
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : رحمة الله على هذا الإمام فقد كان آية في فنون شتى
وإلى هنا ينتهي ما اختزلته من رسالته التلخيص و إن رأيت نشرها كلها فعلت وأسأله الله التوفيق والسداد في أموري كلها والحمد لله رب العالمين
[1] لأن الأمر كما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ « لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ».[ أخرجه البخاري برقم (785) ومسلم (394) عن عبادة بن الصامت ] وفيه دليل على ركنية الفاتحة أما الزيادة عليها فمستحب على الأصح وكلام المصنف يوهم وجوبها وانظر كلام العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ حول هذه المسألة كما في كتابه الماتع صفة صلاة النبي ـ الأصل ـ (1/303ـ310) وانظر المحلى (3/273) رقم المسألة (360)
[2] وهم نافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن كثير المكي وزياد بن العلاء البصري وعبد الله ابن عامر اليحصبي وعاصم بن أبي النجود الأسدي وحمزة بن حبيب الكوفي وعلي بن حمزة الكسائي [ وانظر تراجمهم في شرح طيبة النشر لابن الجزري ص8ـ12]
[3] أخرجه البخاري برقم (5027) عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ
[4] لحديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب . حتى لايدري ماصيام ولا صلاة ولا نسك . ولا صدقة . وليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة . فلا يبقى في الأرض منه أية . وتبقى طوائف من الناس والشيخ الكبير والعجوز . يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله . فنحن نقولها ) فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة . ثم ردها عليه ثلاثا . كل ذلك يعرض عنه حذيفة . ثم أقبل عليه في الثالثة فقال ياصلة تنجيهم من النار . ثلاثا ﴾
أخرجه ابن ماجة برقم (4049) بسند صحيح رجاله ثقات وروي موقوفاً على حذيفة عند الحاكم برقم (8589) بإسناد صحيح قال البزار في مسنده (7/260): وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة موقوفا ، ولا نعلم أحدا أسنده إلا أبو كريب ، عن أبي معاوية .اهـ
وهذا منه إعلال للحديث بالوقف
قال البوصيري ـ رحمه الله ـ : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن أبي مالك بإسناده ومتنه .. اهـ [ مصباح الزجاجة 4/194]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وهذا يرد قول البزار من تفرد أبي معاوية برفعه فإن قول البوصيري : بإسناده يقتضي أنه يكون أبو عوانة رواه مرفوعاً فيكون أبو معاوية متابعاً وعلى كل سواءً قلنا إن الحديث مرفوع أو موقوف فله حكم الرفع لأن مثل هذا لا يقال من قبيل الرأي وقد صححه مرفوعاً كل من الحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح والبوصيري والعلامة الألباني في الصحيحة برقم (87) والعلامة الوادعي في الصحيح المسند وقد أعل بعضهم الحديث مرفوعاً وموقوفاً ولم يصب في ذلك .
ثم إن الحديث من أدلة العذر بالجهل وليس من أدلة عدم تكفير تارك الصلاة ـ وبالله التوفيق
[5] لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا ».[ أخرجه البخاري برقم (80) ومسلم ( ) ]
[6] قال ابن خلدون وهو يتكلم عن علوم اللسان العربي :
أركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب. ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة.اهـ المراد [مقدمة ابن خلدون (ص339) ]
وقال ـ وهو يتكلم عن التفسير :
ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب، فوضعت الدواوين في ذلك، بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان. فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن، لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم.اهـ [المقدمة ص279]
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وفي المصنف لابن أبي شيبة برقم (30546) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم ﴾ وإسناده صحيح قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله اهـ [ اقتضاء الصراط ص 207]
[7] لقد فصل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة تفصيلاً حسناً فقال :
فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه لا متبوعا اهـ المراد [ الرسالة الفقرة رقم 167 وفقرة 168]
[8] قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية اهـ [اقتضاء الصراط ص207]
قوله : ثم منها .. الخ هو التفصيل الذي ذكره الشافعي ـ رحمه الله ـ .
[9] لأن تعلمها على هذه النية من الدين قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان وصارت معرفته من الدين اهـ [ اقتضاء الصراط ص 162]
[10] روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أبي الأسود الديلي ـ رحمه الله ـ قدم أعرابي في زمان عمر فقال من يقرئني مما أنزل الله على محمد قال فأقرأه رجل براءة فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " ( 1 ) بالجر فقال الأعرابي أوقد برئ الله من رسوله إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه فبلغ عمر مقالة ... وفيه : فقال عمر ليس هكذا يا أعرابي قال فكيف هي يا أمير المؤمنين فقال " أن الله برئ من المشركين ورسوله " فقال الأعرابي وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة وأمر بالأسود فوضع النحو .اهـ
وفيه رجل مبهم وعنعنة ابن جريج .
فائدة : قال في صبح الأعشى ـ بعد ما أورد طرفاً من القصة المذكورة ـ : (1/206)
على أن الحسن قد قرأها بالجر على القسم وقد ذهب على الأعرابي فهم ذلك لخفائه اهـ
[11] بوب عليه الإمام البخاري فقال : " باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعم والقرآن " والحديث عنده برقم (6155) ومسلم (2257) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
قال أبو عبيد ـ رحمه الله ـ : ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر اهـ (الفتح شرح حديث رقم 6154)
وقال ابن رشيق : فإنما هو من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه، ومنعه من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن اهـ (العمدة 1/29)
قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : وقد ذم قوم الشعر مطلقاً استدلالا منهم بحديث أبي سعيد الخدري في مسلم برقم (2459) قال بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذُوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ».
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره وان كان لا فحش فيه وتعلق بقوله صلى الله عليه و سلم خذوا الشيطان وقال العلماء كافة هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه قالوا وهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وهذا هو الصواب ... إلى أن قال : وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا أو كان الشعر هو الغالب عليه أو كان شعره هذا من المذموم وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق اليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ولا عموم لها فلا يحتج بها والله اعلم اهـ [شرحه على المسلم 15/17]
قوله وقالوا : هو كلام .. " جاء مرفوعاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام) أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (7692) عن عبد الله بن عمرو وقال : لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن زياد اهـ
قلت : وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف في حفظه وللحديث شاهد عند البيهقي من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الشِّعْرِ فَقَالَ :« هُوَ كَلاَمٌ فَحَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ ».
قال البيهقي : وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلٌ. (الكبرى برقم (1113) )
فهذا شاهد قوي فيحسن الحديث ـ والله أعلم ـ
وقال العلامة الألباني : صحيح لغيره اهـ (صحيح الأدب برقم (664)
[12] أخرجه مسلم برقم (2255) من حديث عمروبن الشريد عن أبيه قَالَ رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ « هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِى الصَّلْتِ شَيْئًا ». قُلْتُ نَعَمْ قَالَ « هِيهِ ». فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ « هِيهِ ». حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ.
[13] أخرجه البخاري برقم (6145) عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ .
[14] قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : وهو يتكلم عن تناشد الأشعار في المسجد :
أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك ، فمن مانع مطلقا ، ومن مجيز مطلقا. والأولى التفصيل ، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان ، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها ، فهو حسن في المساجد وغيرها ؛ كقول القائل :
طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ... وذريني لست أبغي غير ربي أحدا
فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ... فما إن تجدي من دونه ملتحدا
وما لم يكن كذلك لم يجز ؛ لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر ، والمساجد منزهة عن ذلك ؛ لقوله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}. وقد يجوز إنشاده في المسجد ؛ كقول القائل :
كفحل العداب القرد يضربه الندى ... تعلى الندى في متنه وتحدرا
وقول الآخر :
إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز ؛ لأنه خال عن الفواحش والكذب اهـ [ الجامع لأحكام القرآن 12/248 تفسير سورة النور ]
وقال في تفسير سورة الشعراء :
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهي ، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر ، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا ، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى ، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله اهـ المراد [ الجامع 13/133]
[15] الزجاجي هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى 340هـ اهـ [ بغية الوعاة للسيوطي 2/77 والسير 15/475] وأما كتابه فهو " الجمل " .
[16] إمام النحو حجة العرب أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارس البصري اهـ [ السير 8/351ـ352]
[17] الامام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله اه (السير 10/490) واسم كتابه : "الغريب المصنف في علم اللسان " قال ابن درستويه : .. والغريب المصنف من أجل كتبه في اللغة اهـ (السير 10/494) وقال محقق السير لم يطبع بعد ومنه نسختان بدار الكتب المصرية ونسخة بمكتبة الفاتح بتركيا اهـ ومكث في جمعه أربعين سنة (10/496)
تعليق