(أوكي) وأخواتها
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقِلون ﴾
و قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى :
{ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }:
(( وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات ، وأبينها ، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزلَ أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه))اهـ.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أما بعد:
هذا ليس بابًا جديدًا من أبواب النحو , ولكنه فصل محزن من فصول تهاون بعض أخواننا بلغتهم الأصيلة, من الشباب والمراهقين الذين استبدلوا ببعض مفرداتها الراقية ألفاظا أعجمية في مخاطباتهم اليومية وأحاديثهم الجانبية , يرددونها غيرَ واعين بما تكرّسه فيهم من التبعية العمياء .
اللغة العربية هي عماد الدِّين ، فالدين باللغة العربية قرآنا وسنة ، ولا يمكن فهم الدِّين والتلذذ بجمال القرآن والبيان الحسن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بفهم لغة العرب التي بها نزل القرآن الكريم
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية – حيث قال– : (( واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق )) اقتضاء الصراط المستقيم أقول الواجب علينا الاعتزاز بلغتنا التي امتدحها ربنا في مواضع كثيرة في القرآن حيث أنه أشار عز وجل إلى أنه أنزل هذا القرآن بهذه اللغة سبحان الله فلنعتز بها هذا أولا
ثانيا : لماذا نلجأ إلى رطانه العجم وألفاظهم ونحن لدينا لغة فيها من الكنوز والبلاغة ما لاتجده في لغة أخرى
ثالثا : أظن أن الكثيرين من المترطنين بهذه الرطانة يقصدون بذلك اظهار قدرتهم على الكلام بعدة لغات ولو سألت أحدهم عن بعض الألفاظ العربية -التي تحمل اللفظة منها مايزيد على العشرين بل والثلاثين معنا للكلمة الواحدة في بعض الأحيان - لرأيته يتذمر ويتملق وووو.....
رابعا : إنه من الانصاف القول أنك لاتجد في بعض الأحيان مرادفا عربيا للكلمة الأعجمية فيكون لابد من استخدام تلك اللفظة
وبدءا على عود فنحن لو افتخرنا بلغتنا افتخارنا باللغات الأخرى لما أدخلنا فيها حرفا أعجميا ، وللنظر إلى الأكراد مثلا فإنهم لا يتكلمون مع بعضهم باللغة العربية مع أنهم يتقنونها ألا يعد عندهم التكلم بلغة أخرى كالعربية مفخرة كلا إنها العزة والانتماء جاء عن عمر بن الخطاب الفاروق الملهم رضي الله عنه أنه قال : «ما تَكَلَّم الرجلُ الفَارِسِيَّةَ إلا خَبُثَ ، ولا خَبُث إلاَّ نَقَصَتْ مُروءته» . [رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/402 رقم 26805)].
وقال التابعي الجليل عطاء رحمه الله : «لا تعلَّمُوا رطانة الأعاجم» [رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/403 رقم 26806)] .
وروى داود بن أبي هند عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه سمِعَ قوماً يتكلَّمون بالفارسية ، فقال : «ما بالُ المجوسية بعد الحنيفية» ؟! [ رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/403 رقم 26807)] يقول الأزهري الإمام اللغوي المشهور ، في مقدمة كتابه «تهذيب اللغة» (1/3) : «الحمد لله ، على ما أسبغ علينا من نعمه الظاهرة والباطنة ، وهدانا إليه مِن تدبُّر تنزيله ، والتفكر في آياته ، والإيمان بمحكمه ومتشابه ، والبحث عن معانيه، والفحص عن اللغة العربية التي بها نزل الكتاب ، والاهتداء بما شرع فيه ودعا الخلق إليه ، وأوضح الصراط المستقيم به ، وهداهم إلى ما فضلنا به على كثير من أهل هذا العصر في معرفة لغات العرب التي بها نزل القرآن ، وورَدَت سنَّة المصطفى النبي المرتضى عليه السلام» .
وقد جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : «لسانُ العَرَب أوسعُ الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، والعلم بها عند العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه» [ رواه الأزهري في «تهذيب اللغة» (1/4-5)] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : «فإن نفس اللغة العربية مِن الدِّين ، ومعرفتها فرضٌ واجِبٌ ، فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسنة فرضٌ ، ولا يفهم إلا باللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب » . [«اقتضاء الصراط المستقيم» (1/469) ] .
ويقول الأزهري في مقدمته (1/5) : «إن تعلم العربية التي يُتوصَّل بها إلى تعلم ما به تجري الصلاة من تنزيل وذكر ، فرضٌ على عامَّةِ المسلمين . وأن على الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسنن والآثار ، وأقاويل المفسِّرين من الصحابة والتابعين ، من الألفاظ الغربية والمخاطبات العربية ، فإن من جهل سِعة لسان العرب وكثرة ألفاظها ، وافتِنانها في مذاهبها ، جهل جُمَل علم الكتاب» . ومما يبين الاهتمام باللغة العربية- لغة القرآن- كراهة السَّلف للرطانة وهي التشبه بالأعاجم في كلامهم ولغتهم ، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/461-462) : «وأما الرطانة ، وتسمية شهورهم بالأسماء العجمية ، فقال أبو محمد الكرماني - المسمى بحرب -: «باب تسمية الشهور بالفارسية : قلت لأحمد فإن للفرس أياماً وشهوراً ، يسمونها بأسماء لا تعرف ؟ فكره ذلك أشد الكراهة .
وروى فيه عن مجاهد حديثاً أنه كَرِهَ أن يقال : آذرماه ، وذي ماه . قلت : فإن كان اسم رجل أسميه به ؟ فكرهه ...، وكان ابن المبارك يكره الأسماء الفارسية .. وكتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما : «أما بعد . فتفقهوا في السُّنة ، وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن ، فإنه عربي ، وتمعددوا فإنكم معدّيّون» [رواه ابن أبي شيبة في «المُصَنَّف» (15/433 رقم 30534)].
ومن الخطر المحدق بنا إقحام لغة أُخْرى إلى جانب اللغة الأم في تدريس الصغار ، لا سيما وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة أن تدريس لغة أخرى مع العربية إلى ما قبل تسع سنوات يؤثر تأثيراً بالغاً على اللغة العربية ، كما هو مشاهد الآن ، فأكثر الطلاب يحسن اللغة الأجنبية ولكنه جاهل في لغته العربية التي نزل بها القرآن . بل تستمع إلى مسؤول كبير يقرأ من ورقة كُتِبت له وهو خريج جامعات كبيرة دنيوياً فلا يُحسِن منها إلا القليل وتتأمل في كلامه فتجد اللحن الفاحش والخطأ الواضح .قال الشيخ فيصل آل المبارك : رحمه الله - : ولما كان الاختلاط بالأعاجم مظنةلفساد اللسان العربي ، حرص السلف على تقويم ألسنة الصغار من اللحن ، فقد جاء عن نافع عن ابن عمر : رضي الله عنهما - : ((أنه كان يضرب بنيه علىاللحن))
رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 508 والبيهقي في الكبرى 2 / 18 .( 1 )
ولم يكن السلف مُغفلين لعلوم العربية عند تعليمأبناءهم بل كانوا يولونه قدرًا كبيرًا ، فقد أرسل معاوية, رضي الله عنه , إلى دغفل، فسأله عن اللغهالعربية وعن أنساب العرب ، وسأله عن النجوم ، فإذا رجل عالم ، قال :
((يا دغفل من أين حفظت هذا ؟ ، قال : ( بلسان سؤول ، وقلب عقول, ) ،
فعلّمهالعربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس)) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 528 .(
ولما دفع عبد الملك ولده إلى الشعبي يؤدبهم قال : (علمهم الشعر يمجدواوينجدوا ، وحسن شعورهم تشتد رقابهم ، وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 512 .انتهى كلامه .وقد كان السلف رحمهم الله يستغفرون الله من اللحن...
وإنا لله من أبناء عصرنا كيف يستبدلون رطانة العجم بلغة القرآن...وإني لأعجب وما عجبي بمنقض ٍ ما قيمة (هاي) في مقابل ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ؟! و (ثانكس ) في مقابل (جزاك الله خيراً ) ؟! أهو التقليد الأعمى الذي درج عليه الأقزام من بني جلدتنا أم ليقال فلانٌ متحضر؟! بئس الاثنين والله.والخوف من اللحن هو الّذي شيّب عبد الملك بن مروان ، فقد سئل عن شيب استقرّ عنده : (أسرع إليك الشّيب يا أمير المؤمنين ؟؟) فقال شيّبني ارتقاء المنابر مخافة اللّحن ..)
لا بد لا بد لا بد
من إبعاد كل لغة تؤثر على لغتنا ، لأن العربية عزنا وفخرنا وديننا .
والحمد لله في الأولى والأخرة.
( أوكي ) ترددها وقلبـك يطـربُ ** وتلوكُ من ( أخواتها ) مـا يُجلَـبُ
فتقول : ( يَسْ ) مترنمًا بجوابهـا ** وبـ( نُو) ترد القولَ إذ لا ترغـبُ
وتعدّ ( وَنْ ) مستغنيًا عن ( واحدٍ )** وبـ( تُو) تثنّي العدّ حين تُحسِّـبُ
تصف الجديد ( نيو) و( أُولْدَ) قديمَه ** و(بْليزَ) تستجدي بها مـن تطلـبُ
وإذا تودعنا فـ( بـايُ ) وداعُنـا ** وتصيح (ولكمْ -هايَ) حين ترحـبُ
مهلا بُنـيّّ .. فمستعـارُ حديثِكـم ** عبثٌ ..وعُجْمَـةُ لفظِـه لا تُعـرَبُ
تدعو أخـاك اليعربـيّ كـأعجـمٍ ** مستعرضًـا برطانـةٍ تتقـلـبُ !!
تستبـدل الأدنـى بخيـر كلامِنـا ** وكـأنّ زامـرَ حيِّنـا لا يُطـرِبُ !!
أنـعـدّ ذاك هزيـمـةً نفسـيـةً ** أم أنّه شغـبٌ .. فـلا نستغـربُ ؟
مهلا أخي في الضّاد يا ابن عروبتي ** إن الفصاحـةَ واجـبٌ بـك يُنـدَبُ
حسْبُ العروبةِ أن تخـاذلَ قومُهـا ** فلنحتفـظْ منهـا بلفـظٍ يَـعْـذُبُ
للشاعر : محمد بن عبد الله العود .
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقِلون ﴾
و قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى :
{ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }:
(( وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات ، وأبينها ، وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزلَ أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه))اهـ.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وسلم, أما بعد:
هذا ليس بابًا جديدًا من أبواب النحو , ولكنه فصل محزن من فصول تهاون بعض أخواننا بلغتهم الأصيلة, من الشباب والمراهقين الذين استبدلوا ببعض مفرداتها الراقية ألفاظا أعجمية في مخاطباتهم اليومية وأحاديثهم الجانبية , يرددونها غيرَ واعين بما تكرّسه فيهم من التبعية العمياء .
اللغة العربية هي عماد الدِّين ، فالدين باللغة العربية قرآنا وسنة ، ولا يمكن فهم الدِّين والتلذذ بجمال القرآن والبيان الحسن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بفهم لغة العرب التي بها نزل القرآن الكريم
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية – حيث قال– : (( واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق )) اقتضاء الصراط المستقيم أقول الواجب علينا الاعتزاز بلغتنا التي امتدحها ربنا في مواضع كثيرة في القرآن حيث أنه أشار عز وجل إلى أنه أنزل هذا القرآن بهذه اللغة سبحان الله فلنعتز بها هذا أولا
ثانيا : لماذا نلجأ إلى رطانه العجم وألفاظهم ونحن لدينا لغة فيها من الكنوز والبلاغة ما لاتجده في لغة أخرى
ثالثا : أظن أن الكثيرين من المترطنين بهذه الرطانة يقصدون بذلك اظهار قدرتهم على الكلام بعدة لغات ولو سألت أحدهم عن بعض الألفاظ العربية -التي تحمل اللفظة منها مايزيد على العشرين بل والثلاثين معنا للكلمة الواحدة في بعض الأحيان - لرأيته يتذمر ويتملق وووو.....
رابعا : إنه من الانصاف القول أنك لاتجد في بعض الأحيان مرادفا عربيا للكلمة الأعجمية فيكون لابد من استخدام تلك اللفظة
وبدءا على عود فنحن لو افتخرنا بلغتنا افتخارنا باللغات الأخرى لما أدخلنا فيها حرفا أعجميا ، وللنظر إلى الأكراد مثلا فإنهم لا يتكلمون مع بعضهم باللغة العربية مع أنهم يتقنونها ألا يعد عندهم التكلم بلغة أخرى كالعربية مفخرة كلا إنها العزة والانتماء جاء عن عمر بن الخطاب الفاروق الملهم رضي الله عنه أنه قال : «ما تَكَلَّم الرجلُ الفَارِسِيَّةَ إلا خَبُثَ ، ولا خَبُث إلاَّ نَقَصَتْ مُروءته» . [رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/402 رقم 26805)].
وقال التابعي الجليل عطاء رحمه الله : «لا تعلَّمُوا رطانة الأعاجم» [رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/403 رقم 26806)] .
وروى داود بن أبي هند عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه سمِعَ قوماً يتكلَّمون بالفارسية ، فقال : «ما بالُ المجوسية بعد الحنيفية» ؟! [ رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13/403 رقم 26807)] يقول الأزهري الإمام اللغوي المشهور ، في مقدمة كتابه «تهذيب اللغة» (1/3) : «الحمد لله ، على ما أسبغ علينا من نعمه الظاهرة والباطنة ، وهدانا إليه مِن تدبُّر تنزيله ، والتفكر في آياته ، والإيمان بمحكمه ومتشابه ، والبحث عن معانيه، والفحص عن اللغة العربية التي بها نزل الكتاب ، والاهتداء بما شرع فيه ودعا الخلق إليه ، وأوضح الصراط المستقيم به ، وهداهم إلى ما فضلنا به على كثير من أهل هذا العصر في معرفة لغات العرب التي بها نزل القرآن ، وورَدَت سنَّة المصطفى النبي المرتضى عليه السلام» .
وقد جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال : «لسانُ العَرَب أوسعُ الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، والعلم بها عند العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه» [ رواه الأزهري في «تهذيب اللغة» (1/4-5)] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : «فإن نفس اللغة العربية مِن الدِّين ، ومعرفتها فرضٌ واجِبٌ ، فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسنة فرضٌ ، ولا يفهم إلا باللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب » . [«اقتضاء الصراط المستقيم» (1/469) ] .
ويقول الأزهري في مقدمته (1/5) : «إن تعلم العربية التي يُتوصَّل بها إلى تعلم ما به تجري الصلاة من تنزيل وذكر ، فرضٌ على عامَّةِ المسلمين . وأن على الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسنن والآثار ، وأقاويل المفسِّرين من الصحابة والتابعين ، من الألفاظ الغربية والمخاطبات العربية ، فإن من جهل سِعة لسان العرب وكثرة ألفاظها ، وافتِنانها في مذاهبها ، جهل جُمَل علم الكتاب» . ومما يبين الاهتمام باللغة العربية- لغة القرآن- كراهة السَّلف للرطانة وهي التشبه بالأعاجم في كلامهم ولغتهم ، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/461-462) : «وأما الرطانة ، وتسمية شهورهم بالأسماء العجمية ، فقال أبو محمد الكرماني - المسمى بحرب -: «باب تسمية الشهور بالفارسية : قلت لأحمد فإن للفرس أياماً وشهوراً ، يسمونها بأسماء لا تعرف ؟ فكره ذلك أشد الكراهة .
وروى فيه عن مجاهد حديثاً أنه كَرِهَ أن يقال : آذرماه ، وذي ماه . قلت : فإن كان اسم رجل أسميه به ؟ فكرهه ...، وكان ابن المبارك يكره الأسماء الفارسية .. وكتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما : «أما بعد . فتفقهوا في السُّنة ، وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن ، فإنه عربي ، وتمعددوا فإنكم معدّيّون» [رواه ابن أبي شيبة في «المُصَنَّف» (15/433 رقم 30534)].
ومن الخطر المحدق بنا إقحام لغة أُخْرى إلى جانب اللغة الأم في تدريس الصغار ، لا سيما وقد قرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة أن تدريس لغة أخرى مع العربية إلى ما قبل تسع سنوات يؤثر تأثيراً بالغاً على اللغة العربية ، كما هو مشاهد الآن ، فأكثر الطلاب يحسن اللغة الأجنبية ولكنه جاهل في لغته العربية التي نزل بها القرآن . بل تستمع إلى مسؤول كبير يقرأ من ورقة كُتِبت له وهو خريج جامعات كبيرة دنيوياً فلا يُحسِن منها إلا القليل وتتأمل في كلامه فتجد اللحن الفاحش والخطأ الواضح .قال الشيخ فيصل آل المبارك : رحمه الله - : ولما كان الاختلاط بالأعاجم مظنةلفساد اللسان العربي ، حرص السلف على تقويم ألسنة الصغار من اللحن ، فقد جاء عن نافع عن ابن عمر : رضي الله عنهما - : ((أنه كان يضرب بنيه علىاللحن))
رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 508 والبيهقي في الكبرى 2 / 18 .( 1 )
ولم يكن السلف مُغفلين لعلوم العربية عند تعليمأبناءهم بل كانوا يولونه قدرًا كبيرًا ، فقد أرسل معاوية, رضي الله عنه , إلى دغفل، فسأله عن اللغهالعربية وعن أنساب العرب ، وسأله عن النجوم ، فإذا رجل عالم ، قال :
((يا دغفل من أين حفظت هذا ؟ ، قال : ( بلسان سؤول ، وقلب عقول, ) ،
فعلّمهالعربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس)) رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 528 .(
ولما دفع عبد الملك ولده إلى الشعبي يؤدبهم قال : (علمهم الشعر يمجدواوينجدوا ، وحسن شعورهم تشتد رقابهم ، وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام رواه ابن أبي الدنيا في العيال 1 / 512 .انتهى كلامه .وقد كان السلف رحمهم الله يستغفرون الله من اللحن...
وإنا لله من أبناء عصرنا كيف يستبدلون رطانة العجم بلغة القرآن...وإني لأعجب وما عجبي بمنقض ٍ ما قيمة (هاي) في مقابل ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ؟! و (ثانكس ) في مقابل (جزاك الله خيراً ) ؟! أهو التقليد الأعمى الذي درج عليه الأقزام من بني جلدتنا أم ليقال فلانٌ متحضر؟! بئس الاثنين والله.والخوف من اللحن هو الّذي شيّب عبد الملك بن مروان ، فقد سئل عن شيب استقرّ عنده : (أسرع إليك الشّيب يا أمير المؤمنين ؟؟) فقال شيّبني ارتقاء المنابر مخافة اللّحن ..)
لا بد لا بد لا بد
من إبعاد كل لغة تؤثر على لغتنا ، لأن العربية عزنا وفخرنا وديننا .
والحمد لله في الأولى والأخرة.
( أوكي ) ترددها وقلبـك يطـربُ ** وتلوكُ من ( أخواتها ) مـا يُجلَـبُ
فتقول : ( يَسْ ) مترنمًا بجوابهـا ** وبـ( نُو) ترد القولَ إذ لا ترغـبُ
وتعدّ ( وَنْ ) مستغنيًا عن ( واحدٍ )** وبـ( تُو) تثنّي العدّ حين تُحسِّـبُ
تصف الجديد ( نيو) و( أُولْدَ) قديمَه ** و(بْليزَ) تستجدي بها مـن تطلـبُ
وإذا تودعنا فـ( بـايُ ) وداعُنـا ** وتصيح (ولكمْ -هايَ) حين ترحـبُ
مهلا بُنـيّّ .. فمستعـارُ حديثِكـم ** عبثٌ ..وعُجْمَـةُ لفظِـه لا تُعـرَبُ
تدعو أخـاك اليعربـيّ كـأعجـمٍ ** مستعرضًـا برطانـةٍ تتقـلـبُ !!
تستبـدل الأدنـى بخيـر كلامِنـا ** وكـأنّ زامـرَ حيِّنـا لا يُطـرِبُ !!
أنـعـدّ ذاك هزيـمـةً نفسـيـةً ** أم أنّه شغـبٌ .. فـلا نستغـربُ ؟
مهلا أخي في الضّاد يا ابن عروبتي ** إن الفصاحـةَ واجـبٌ بـك يُنـدَبُ
حسْبُ العروبةِ أن تخـاذلَ قومُهـا ** فلنحتفـظْ منهـا بلفـظٍ يَـعْـذُبُ
للشاعر : محمد بن عبد الله العود .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :
«وأمَّا اعتياد الخِطَاب بغير اللُّغة العربية التي هي شعار الإسلام ، ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمِصرِ وأهلهِ ، أو لأهل الدار ، للرجل مع صاحبه ، أو لأهل السوق أو للأمراء ، أو لأهل الديوان ، أو لأهل الفقه ، فلا ريب أن هذا مكروه ، فإنه من التشبه بالأعاجم ، وهو مكروه كما تقدَّم ، ولهذا كان المسلمون المتقدِّمون لمَّا سكنوا أرض الشام ومصر ، ولغة أهلهما رومية ، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية ، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية ، عوَّدوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار : مسلمهم وكافرهم ، وهكذا كانت خراسان قديماً .
ثمَّ إنهم تساهلوا في أمر اللغة ، واعتادوا الخطاب بالفارسية ، حتى غلبت عليهم ، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ، ولا ريب أنَّ هذا مكروه ، غنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية ، حتى يتقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله» . [«الاقتضاء» (1/468-469)] .
وكتبه:أبو الخطاب فؤاد بن علي السنحاني
دار الحديث بدماج حرسها الله
ليلة السبت 24/جماد الاول 1431
تعليق