نصيحة واستتابة لقناة سهيل وغيرها من القنوات الكذابة
كلمةٌ لفضيلة شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
سائلٌ يقول:
نشر عنكم في قناة سهيل أنكم تركتكم حزب المؤتمر وانظممتم إلى أحزاب اللقاء المشترك المعارضة؟
الجواب:
حسبنا الله ونعم الوكيل, ما أكثر الكذب في هذه الأزمنة , والكذب كبيرة من كبائر الذنوب, قال الله عز وجل ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلَئِكَ همُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل:105] , والكذب من موانع الهداية, قال تعالى ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر:28] , والكذب يتجارى بصاحبه حتى يكتب عند الله كذاباً, كما في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( عليكم بالصدق, فإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)).
والكذب ريبة كما ثبت من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم (( دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة)).
الكذب مذموم في الجاهلية وفي الإسلام وفي سائر الملل, قال أبو سفيان رضي الله عنه قبل أن يسلم وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي.
تحاشى الكذب وهو آنذاك كان مشركاً.
وأقوامٌ في هذه الأزمنة سواء في الإذاعات وفي غيرها لا يتحرون الصدق ولا يتحاشون من الكذب .
وربما اعتبروا ذلك من السياسة, وهو والله من المذمات والخساسة, ففي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه لما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل عليه السلام (( أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) والله عز وجل يقول في كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] ويقول سبحانه ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد:21]
وما أحسن ما قيل :
فما رأيناهم يتحرون الصدق, ولا يتحاشون من الكذب حتى في نقل الأحاديث, أهم شيءٍ أن يصلوا إلى مقاصدهم, ولو بالكذب على الله أوعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أوعلى الناس نسأل الله العافية.
وهذا ليس باب النصر, بل هو باب الهزيمة, لأنه كبيرة من كبائر الذنوب, أجمع المسلمون و أجمعت الملل على تحريم الكذب, والله يقول في كتابه الكريم ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [يونس:27], ومن أشد السيئات الكذب, فإنه من أسباب المذلة والمهانة, فتجب التوبة إلى الله عز وجل من جميع الذنوب ومن أعظمها الكذب.
وهذا كلامٌ لابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد، يناسب أن يُقرأ هنا, نصيحةً لمن أراد الله له السلامة من هذه الكبيرة .
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد: ص156:
فصل: إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ويفسد عليك تصورها وتعليمها للناس, فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً والحق باطلاً والباطل حقاً والخير شراً والشر خيراً, فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له, ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه, ونفس الكاذب مُعرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل, وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال, وسرى حكم الكذب إليها, فصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله, ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار)) وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد, ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك من أصلها, ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق, وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب, فكل عمل صالح ظاهرٌ أو باطن فمنشؤه الصدق, وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب, والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه, ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته, فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب, قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] وقال تعالى ﴿قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة:119] وقال تعالى ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد:21] وقال تعالى ﴿وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة:90] اهـ كلامه رحمه الله.
وتوعد الله الكذابين بالعذاب فقال تعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة:10] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )). فالكذب علامة من علامات المنافق نسأل الله العافية.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (( ج20 ص74 ))
فصل:
الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها, ويظهر ذلك من وجوه:
أحدها :أن الإنسان هو حي ناطق فالوصف المقوم له الفاصل له عن غيره من الدواب هو المنطق, والمنطق قسمان : خبر وإنشاء والخبر صحته بالصدق وفساده بالكذب, فالكاذب أسوأ حالاً من البهيمة العجماء, والكلام الخبري هو المميز للإنسان وهو أصل الكلام الإنشائي فإنه مظهر العلم, والإنشاء مظهر العمل. والعلم متقدم على العمل وموجب له, فالكاذب لم يكفه أنه سلب حقيقة الإنسان حتى قلبها إلى ضدها, ولهذا قيل: لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا إخاء لملوك ولا سؤدد لبخيل, فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان.
الثاني: أن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب
فإن محمداً رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب قال الله تعالى : ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [ الزمر : 32، 33 ] .
الثالث : أن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق, فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب وعلى كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب, وفي الصحيحين عن أنس بن مالك(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثٌ من كن فيه كان منافقاً إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) .
الرابع : أن الصدق هو أصل البر والكذب أصل الفجور, كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا )) .
الخامس : أن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين, كما قال تعالى : ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 221 : 223 ] .
السادس : أن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والمبلسين هو الصدق والكذب .
السابع : أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب وكلام العلماء والمشايخ, قال الله تعالى ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [ الحج : 30، 31 ] ; ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين" وقرأ هذه الآية وقال : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين )) وكان متكئا فجلس فقال : ((ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
الثامن : أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التي هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور, والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ﴾ [ البقرة : 143 ] وركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه, وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام، بل هي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله وبين خلقه وركن الفتيا التي هي إخبار المفتي بحكم الله . وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد من المتعاملين للآخر بما في سلعته, وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .
التاسع: أن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق, كما جاء في الأثر: " أساس النفاق الذي بني عليه الكذب". وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) وفي حديث آخر : (( على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب )) ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة, ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .
العاشر : أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله هو الصدق والإخلاص, كما جمع الله بينهما في قوله : ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [ الحج : 30، 31 ] ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك في مواضع كقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة : 119 ] وقوله تعالى : ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [ الزمر : 32، 33 ]
وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الشعراء : 192 : 196 ] إلى قوله : ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 221 : 223 ] وقال تعالى : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ﴾ [ الأنعام : 93 ] وقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ [ النساء : 135 ] .اهـ كلام شيخ الإسلام.
وثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صحيح البخاري أنه قال" لئن أخرَّ من السماء أحب إليِّ من أن اكذب ".
وثبت عن الزهري أنه دخل على ابن عبد الملك فقال له: من الذي تولى كبره يا زهري؟ قال عبدالله بن أبي بن سلول, قال كذبت! الذي تولى كبره علي بن ابي طالب!
فقال الزهري: أنا أكذب لا أم لك, والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلالٌ ما كذبتُ, حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها: " أن الذي تولى كبره منهم هو عبد الله بن أبي بن سلول" , واشتد غضبه, فقال ابن عبد الملك لعلنا أغضبنا الشيخ .
وحاصل ذلك أننا أردنا نصيحة لهؤلاء الذين ينشرون الكذب عليهم بتقوى الله وأن يتحروا الصدق ويجتنبوا الكذب.
فنحن لم نكن في المؤتمر, ولم نكن في أحزاب اللقاء المشترك, ولا في أي حزب من هذه الأحزاب من قبل ولا من بعد ؛ فإن الحزبية محرمة والتحزب تشبه بالكافرين ومفرق للمسلمين والله عز وجل يقول ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:32]وقال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام:159]
وقال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]
وقال تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] وثبت في صحيح مسلم برقم 1715 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال))
نشر عنكم في قناة سهيل أنكم تركتكم حزب المؤتمر وانظممتم إلى أحزاب اللقاء المشترك المعارضة؟
الجواب:
حسبنا الله ونعم الوكيل, ما أكثر الكذب في هذه الأزمنة , والكذب كبيرة من كبائر الذنوب, قال الله عز وجل ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلَئِكَ همُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل:105] , والكذب من موانع الهداية, قال تعالى ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر:28] , والكذب يتجارى بصاحبه حتى يكتب عند الله كذاباً, كما في الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( عليكم بالصدق, فإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)).
والكذب ريبة كما ثبت من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم (( دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة)).
الكذب مذموم في الجاهلية وفي الإسلام وفي سائر الملل, قال أبو سفيان رضي الله عنه قبل أن يسلم وَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي.
تحاشى الكذب وهو آنذاك كان مشركاً.
وأقوامٌ في هذه الأزمنة سواء في الإذاعات وفي غيرها لا يتحرون الصدق ولا يتحاشون من الكذب .
وربما اعتبروا ذلك من السياسة, وهو والله من المذمات والخساسة, ففي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه لما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم قال له جبريل عليه السلام (( أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) والله عز وجل يقول في كتابه العزيز ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] ويقول سبحانه ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد:21]
وما أحسن ما قيل :
الصدق حلو وهو المر ..... والصدق لا يتركه الحر
جوهرة الصدق لها زينة ..... يحسدها الياقوت والدر
أما الكذب ففضيحة على صاحبه في الدنيا والآخرة، سواء أكان الكذب على الله أوعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الضعيفة والقصص المكذوبة. جوهرة الصدق لها زينة ..... يحسدها الياقوت والدر
فما رأيناهم يتحرون الصدق, ولا يتحاشون من الكذب حتى في نقل الأحاديث, أهم شيءٍ أن يصلوا إلى مقاصدهم, ولو بالكذب على الله أوعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أوعلى الناس نسأل الله العافية.
وهذا ليس باب النصر, بل هو باب الهزيمة, لأنه كبيرة من كبائر الذنوب, أجمع المسلمون و أجمعت الملل على تحريم الكذب, والله يقول في كتابه الكريم ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [يونس:27], ومن أشد السيئات الكذب, فإنه من أسباب المذلة والمهانة, فتجب التوبة إلى الله عز وجل من جميع الذنوب ومن أعظمها الكذب.
وهذا كلامٌ لابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد، يناسب أن يُقرأ هنا, نصيحةً لمن أراد الله له السلامة من هذه الكبيرة .
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد: ص156:
فصل: إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ويفسد عليك تصورها وتعليمها للناس, فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً والحق باطلاً والباطل حقاً والخير شراً والشر خيراً, فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له, ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه, ونفس الكاذب مُعرضة عن الحقيقة الموجودة نزاعة إلى العدم مؤثرة للباطل, وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التي هي مبدأ كل فعل إرادي فسدت عليه تلك الأفعال, وسرى حكم الكذب إليها, فصار صدورها عنه كصدور الكذب عن اللسان فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله, ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار)) وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد, ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك من أصلها, ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق, وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب, فكل عمل صالح ظاهرٌ أو باطن فمنشؤه الصدق, وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب, والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه, ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته, فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب, قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] وقال تعالى ﴿قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة:119] وقال تعالى ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد:21] وقال تعالى ﴿وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة:90] اهـ كلامه رحمه الله.
وتوعد الله الكذابين بالعذاب فقال تعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة:10] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )). فالكذب علامة من علامات المنافق نسأل الله العافية.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (( ج20 ص74 ))
فصل:
الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها, ويظهر ذلك من وجوه:
أحدها :أن الإنسان هو حي ناطق فالوصف المقوم له الفاصل له عن غيره من الدواب هو المنطق, والمنطق قسمان : خبر وإنشاء والخبر صحته بالصدق وفساده بالكذب, فالكاذب أسوأ حالاً من البهيمة العجماء, والكلام الخبري هو المميز للإنسان وهو أصل الكلام الإنشائي فإنه مظهر العلم, والإنشاء مظهر العمل. والعلم متقدم على العمل وموجب له, فالكاذب لم يكفه أنه سلب حقيقة الإنسان حتى قلبها إلى ضدها, ولهذا قيل: لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا إخاء لملوك ولا سؤدد لبخيل, فإن المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان.
الثاني: أن الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب
فإن محمداً رسول الله الصادق الأمين ومسيلمة الكذاب قال الله تعالى : ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [ الزمر : 32، 33 ] .
الثالث : أن الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق, فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب وعلى كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب, وفي الصحيحين عن أنس بن مالك(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثٌ من كن فيه كان منافقاً إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) .
الرابع : أن الصدق هو أصل البر والكذب أصل الفجور, كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا )) .
الخامس : أن الصادق تنزل عليه الملائكة والكاذب تنزل عليه الشياطين, كما قال تعالى : ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 221 : 223 ] .
السادس : أن الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والمبلسين هو الصدق والكذب .
السابع : أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب وكلام العلماء والمشايخ, قال الله تعالى ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [ الحج : 30، 31 ] ; ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين" وقرأ هذه الآية وقال : (( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين )) وكان متكئا فجلس فقال : ((ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
الثامن : أنه ركن الشهادة الخاصة عند الحكام التي هي قوام الحكم والقضاء والشهادة العامة في جميع الأمور, والشهادة خاصة هذه الأمة التي ميزت بها في قوله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ﴾ [ البقرة : 143 ] وركن الإقرار الذي هو شهادة المرء على نفسه, وركن الأحاديث والأخبار التي بها يقوم الإسلام، بل هي ركن النبوة والرسالة التي هي واسطة بين الله وبين خلقه وركن الفتيا التي هي إخبار المفتي بحكم الله . وركن المعاملات التي تتضمن أخبار كل واحد من المتعاملين للآخر بما في سلعته, وركن الرؤيا التي قيل فيها : أصدقهم رؤيا أصدقهم كلاما والتي يؤتمن فيها الرجل على ما رأى .
التاسع: أن الصدق والكذب هو المميز بين المؤمن والمنافق, كما جاء في الأثر: " أساس النفاق الذي بني عليه الكذب". وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )) وفي حديث آخر : (( على كل خلق يطبع المؤمن ليس الخيانة والكذب )) ووصف الله المنافقين في القرآن بالكذب في مواضع متعددة, ومعلوم أن المؤمنين هم أهل الجنة وأن المنافقين هم أهل النار في الدرك الأسفل من النار .
العاشر : أن المشايخ العارفين اتفقوا على أن أساس الطريق إلى الله هو الصدق والإخلاص, كما جمع الله بينهما في قوله : ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ [ الحج : 30، 31 ] ونصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة دال على ذلك في مواضع كقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [ التوبة : 119 ] وقوله تعالى : ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [ الزمر : 32، 33 ]
وقال تعالى لما بين الفرق بين النبي والكاهن والساحر : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الشعراء : 192 : 196 ] إلى قوله : ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [ الشعراء : 221 : 223 ] وقال تعالى : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ﴾ [ الأنعام : 93 ] وقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا ﴾ [ النساء : 135 ] .اهـ كلام شيخ الإسلام.
وثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صحيح البخاري أنه قال" لئن أخرَّ من السماء أحب إليِّ من أن اكذب ".
وثبت عن الزهري أنه دخل على ابن عبد الملك فقال له: من الذي تولى كبره يا زهري؟ قال عبدالله بن أبي بن سلول, قال كذبت! الذي تولى كبره علي بن ابي طالب!
فقال الزهري: أنا أكذب لا أم لك, والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلالٌ ما كذبتُ, حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها: " أن الذي تولى كبره منهم هو عبد الله بن أبي بن سلول" , واشتد غضبه, فقال ابن عبد الملك لعلنا أغضبنا الشيخ .
وحاصل ذلك أننا أردنا نصيحة لهؤلاء الذين ينشرون الكذب عليهم بتقوى الله وأن يتحروا الصدق ويجتنبوا الكذب.
فنحن لم نكن في المؤتمر, ولم نكن في أحزاب اللقاء المشترك, ولا في أي حزب من هذه الأحزاب من قبل ولا من بعد ؛ فإن الحزبية محرمة والتحزب تشبه بالكافرين ومفرق للمسلمين والله عز وجل يقول ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:32]وقال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام:159]
وقال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران:103]
وقال تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] وثبت في صحيح مسلم برقم 1715 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال))
تم تسجيل هذه المادة وتفريغها
عصر يوم الثلاثاء (24/ ربيع الثاني /1432هـ)
الموضوع في موقع الشيخ
على هذا الرابط
تعليق