سلمان العودة لا زال يصر على التكفير في كتابه (شكراً أيها الأعداء))
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وقد ظهر أثر الكثير منهم في الدراسات الإسلامية دعاة ومدرسين ومفتين يحملون ألقابا إسلامية كبيرة، والشهادات أكاديمية عالية، وهم من أجهل الناس، وأبعدهم عن حقيقة الإسلام.
ومن هؤلاء الذين ظهروا وتصدروا للإمامة الناس، وهم قد استسلموا للنظم التي سفتها رياح الغربي على المسلمين سلمان بن فهد العودة ظهر لنا بعنوان (الإسلام اليوم)الذي يحمل في مضمونه التغيير لحقائق الإسلام، والإتيان بالآراء الشاذة والمصطلحات الجديدة التي تثير الفتن، وتجلب على المسلمين الضعف والخور والتخاذل، ووجوه الانحطاط.
ظهر هذا المفكر الإسلامي والمثقف الأكاديمي الدكتور سلمان بن فهد العودة يحمل هموم هذه الأمة بأفكار تضاد هذا الدين ،فهو الفلاة لتحقيق لاتجاهات المختلفة، وجسر الآراء الشاذة، ومنبع للأقوال التي تشتمل على التهوين من أمر مسائل الدين، والجرأة لمخالفة كبار أئمة المسلمين.
وقد شاع ما لا يخفى عنه أنه يصوب أسهام النقد على المنهج السلفي وعلمائه ويصفوهم بالأوصاف القبيحة المنفرة غاية التنفير، ويشد بأهل الباطل، ويرفع من أقدارهم.
وهو واحد من الذين أحدثوا الجدال والخصومة والفرقة والحزبية في وسط مجتمعاتهم التي عرفت بلحمة الصف ووحدة الكلمة وصحة التمسك بالكتاب والسنة والدعوة إلي العقيدة الصحيحة.
كما أنه واحد من الذين تصدروا إلى قيادة الدعوة وإمامة الشباب، وقاموا بدفع الكثيرين منهم إلى الغرور والتطاول على أهل العلم والتحقير والتقليل من أهل الحق.
وهو من الذين منعوا من الإلقاء للمحاضرات، والتدريس برهة من الزمان بفتوى صدر من كبار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ؛بسبب توجهاته، وأفكار المخالفة .
وفي هذه الأيام كتب سلمان العودة عدة كتب ومن أبرزها كتاب:"شكرا أيها الأعداء".
وقد ملأ كتابه بمنهجه المعروف في التحامل على المنهج السلفي، وصب ألوم والتنقيص على منهج النقد وأهله.
وهو في هذا يسير على عادته القديمة من التمسك بمبادئه وأفكاره التي وضعها ضد منهج الجرح والتعديل ونقد الرجال والأشخاص، وتسمية ذلك بالجانب المظلم.
يعيد بهذا الكتاب حملته مرة أخرى على منهج النقد السلفي، ويوجه أسهامه على حملته بالأحكام الغليظة ويشيع ويذيع عنهم الأكاذيب الباطلة في الوقت الذي يدعي فيه أنه يدعو إلى التسامح وغض الطرف عن العاملين لأن الأمة تواجه الأخطار الكثيرة.
وفي كتابه هذا ما يقرب على أكثر من ثلث الكتاب التحامل والطعن والتحقير للنقد، ولمن يقوم بمنهج النقد.
ويعتبر كتابه هذا تلخيصا لجميع ما كتبه في الكتب وما ذكره في الأشرطة قديما؛فانظر في كتابه"شكرا أيها الأعداء"لهذه العناوين:"لماذا لا ترد"، وعنوان"الموت لأعدائي"، وعنوان أأنت كذلك"، وعنوان"شكرا للشيخين"، وعنوان"شكرا صديقي"، وعنوان"الدفاع عن العقيدة أولاً"، وعنوان"إذا عز أخوك فهن"، وعنوان"شتائم حضارية"، وعنوان"توظيف النص"وأخيرا، لا أخرا عنوان":"مقدمة في منهج النقد بفصوله"، وقارن كل هذه العناوين فيما كتبه قديما أو ألقاه محاضرة تجد كل ذلك تلخيصا لما كان يسير عليه في القديم.
إلا أن أسلوبه الذي يدعي فيه التصحيح للمفاهيم والاعتدال مكشوف جدا في هذه الكتاب حيث إنه يريد إسقاط النقد السلفي، والقضاء على الدعوة السلفية، وأما ما تظاهر به من فتح زمام التحرر من القيود ،هي مسألة وقت اقتضاها واقع التغير الذي يسير عليه لجمع المال الوفير وتسخير وسائل الأعلام المتطورة لخدمة منهجه بطريقة ماكرة، وإلا فسلمان العودة هو سلمان العودة قديما وحديثا ؛كما سيأتي بيان ذلك من خلال هذا الورقات، والمآخذ عليه في كتابه هذا كثيرة، ولكن أنبه على أمرين:
1- الإشارة الإجمالية لمنهجه الذي يدعي فيه أنه يدافع عن الإسلام والعقيدة وتصحيح أحوال المسلمين.
2- استمرار سلمان العودة بالتكفير على طريقة الخوارج مما يدل على أنه يسير على أصوله القديمة مع التظاهر بفتح زمام التحرر من القيود.
إن من الأمور المهمة للذي يريد إصلاح أحوال البشرية والأخذ بها إلى عزها وسعادتها أن يترسم خطى الأنبياء وطريقهم، وهذا هو الذي قررتها شريعة الإسلام ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ولذلك خص الله الحياة والسعادة والفلاح بالأتباع للرسل وجعل الشقاء والهلاك لمن خالفهم في جميع رسالات الرسل.
وعليه فإن الدعوة إلى الإسلام وتعريف الناس به، وإقناعهم بالإقبال عليه والالتزام بأحكامه والتجاوب مع قيمه ومبادئه وتوجيهاته، وإبعاد الناس عن التناقض معه، والتصادم به وظيفة كل مصلح ومجدد.
فدعوة الإصلاح لا تقوم إلا على هذه المنهج الرباني المتكامل الذي به يتمكّن الإنسان إذا ما وعاه وأخذ به من تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا ما أكدته نصوص كثيرة في القرآن والسنة، وجعلته في قمة الأعمال الجليلة عند الله تعالى، وهذا هو سبيل المجددين والمصلحين في الدعوة إلى الله تعالى ومعالجة ما فسد من أحوال البشرية قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33].
قال صلى الله عليه وسلم لعلي –رضي الله عنه-:((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حُمُر النَّعم))أخرجه البخاري في"صحيحه"في كتاب الجهاد كما في الفتح(6/85)باب دعا الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء كلهم أرسلوا بالحرص على هداية الناس قبل كل شيء وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الظلال إلى الحق هذا مقصد دعوة الأنبياء ؛فإن الله بعثهم للدعوة إليه، وتعليم الناس دينهم وعقيدتهم بما أمرهم الله عزَّ وجل.
وسلمان بن فهد العودة يسير على طريقة مبتدعة تنافي دعوة الأنبياء وأتباعهم فدعوته قائمة على الطرق والأساليب السياسة ويلبسها بلباس الإسلام، ولذلك يتغير ويدور بحسب تغيرات السياسة وتوجهها، وهو إمام دعوة التغيير للنصوص بمرور الأزمنة، واختلاف مدلولها بين عصر وعصر، وهذا ظهار جدا في منهجه.
والذي يتأمل سبيل سلمان العودة في الدعوة يجده يستخدم كل الأساليب والطرق في دعوته إلا دعوة الأنبياء وأساليبهم في الدعوة .
لذلك لم نجد سلمان بن فهد العودة في دعوته يحمل أمانة الدين التي حملها وقام بها المصلحون والمجددون من العناية بالعلم النافع والعمل الصالح، وتعليم الناس عقيدة السلف ونشرها بينهم، ودعوة الناس إلى الكتاب والسنة وحثهم على التمسك والالتزام بهما.
فلم نجد حرفا واحدا يقيم دعوته على دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- من إحياء ميراث النبوة وتجريد التوحيد لله تعالى وإعادة الدين على أصوله الأولى، وكيف أوله الأهمية العظمى والجهد الكبير في تعليم الناس وحثهم على العناية بالعلم النافع والعمل الصالح، وربوا أنفسهم وشعوبهم على هذا الأساس كما فعل أنبياء الله في الدعوة إلى الله.
وفي المقابل نجد سلمان بن فهد العودة يدعو إلى الانفتاح لمواكبة موكب الحضارة، ولتحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية الراكدة بزعمه، وهو الانخراط في العمل السياسي ودخول في الانتخابات والتطبيع مع الشعوب كما في (ص:264_وص:266)،
ولا يجد عنده المصلحون المخلصون الذين يحذرون من الشرك والبدع والعقائد الضالة والأفكار المنحرفة إلا السخرية والتشكيك فيهم .
ومن ثمَّ يزعم أنه يسعى إلى إصلاح دين المسلمين ودعوة الناس وهدايتهم بهذه الطرق المبتدعة المستوردة من النظم الباطلة.
وهذا مما يدل أن الخلاف مع سلمان ومن على طريقته ومنهجه إنما هو خلاف في أصول أهل السنة والجماعة، لا بالفروع ومسائل الاجتهاد والاختلاف والرأي .
وأهل العلم بدّعوا في كتب السنة والعقائد من لم ينتحل منهج السلف في المنهج والاعتقاد ومن يتكلم في دين الله بالجهل ويقول على دين الله ما لا يعلم.
واعتبروا طريقة أهل البدع ولأهواء في الإعراض عن نصوص الكتاب والسنة في الدعوة إلى الله سببا لمفارقتهم طريقة السلف ولزوم الجماعة التي أمروا بلزومها ؛لما يترتب على هذه المخالفة الكلام في الدين والعلم؛ بغير علم وبصيرة الذي يعد أصل الشرك والابتداع في دين الله كما هو ظاهر في الآراء التي يعتنقها والأقوال الشاذة التي يتبناها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 27 / 374):"والدين كله مأخوذ عن الرسول ليس لأحد بعده أن يغير من دينه شيئا هذا دين المسلمين بخلاف النصارى فإنهم يجوزون لعلمائهم وعبادهم أن يشرعوا شرعا يخالف شرع الله قال تعالى:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم))، ولهذا كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في شيء أنه عبادةٌ وطاعةٌ وقربةٌ إلا بدليل شرعي وإتباع لمن قبلهم لا يتكلمون في الدين بلا علم، فإن الله حرم ذلك بقوله تعالى:{قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون }".
وقال بن القيم في إعلام الموقعين(4/173)الفائدة الحادية عشرة :"إذا نزلت بالحاكم أو المفتى النازلة فإما أن يكون عالما بالحق فيها أو غالبا على ظنه بحيث قد استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أولا فان لم يكن عالما بالحق فيها ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتى ولا يقضى بما لا يعلم ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله ودخل تحت قوله تعالى :{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون}،فجعل القول عليه بلا علم أعظم المحرمات الأربع التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر ودخل تحت قوله تعالى:{ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله مالا تعلمون}".
إن مما يؤكد الخلاف مع سلمان العودة في أصول منهج أهل السنة والجماعة التكفير بالكبيرة، واستمراره بالتكفير وبيان ذلك ما يلي.
قال سلمان العودة في"كتاب شكرا أيها الأعداء"في عنوان "بيني وبين ابن جبرين" (ص:59):"ثمة - كتبت في كتابه هكذا (ثمت)- قضايا كنت أُتَابعُ بها منذ زمن نُثار وتُذكى حينا بعد حين وكان يقيني أن التشاغل بتفتيت مثل هذه الإثارات انصراف عن الأهم المجدي مما قصدنا إليه، وجعلناه هدفاً نجهد أن ننفق فيه ما أبقى الله لنا من أعمار.
ولذا تفارطت السّنون تباعاً، وأنا في غاية الإعراض عن التشاغل بهذه القضايا أو التعليق عليها، أو التعقيب على الردود حولها .
وكنت أرى أن المسألة ستتحول بمضيِّ الزمن من مرافعات شخصية إلى قضية علمية بحتة متجردة إلى حد كبير من انفعالاتها وحساباتها الوقتية.
ولذا فإن رسالة وصلتني من سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين –رحمه الله-جعلتني أقف لهذا الموضوع هذه المرة وأبيِّن فيه ما عندين وعسى ان يجعل الله في هذا الأمر خيرا لنا جميعا.
وكانت رسالة الشيخ عبارة عن سؤال وصله من أحد الشباب ،ضمنته عدة أسئلة ترجع إلى سؤالين ،هما مثار الجدل لهذه القضايا ،أقتصر عليهما.
يقول السائل:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.نود من فضيلة شيخنا عبد الله الجبرين الجواب عن الأسئلة الآتية:
1- ما حكم الشرع فيمن قال عن مغنٍّ يجاهر بفسقه ما نصه :"هذا لا يغفر الله له !إلا أن يتوب ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بأنه لا يعافى((كل أمتي مُعافى...))لأنهم مرتدين بفعلهم هذا ردة عن الإسلام !!هذا مخلد- واليعاذ بالله-في نار جهنم إلا أن يتوب!!لماذا ؟ لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل:{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء:32].
بالله عليكم الذي يعرف أن الزنا حرام وفاحشة، ويسخط الله هل يفتخر أمام الناس ؟أمام الملايين أو مئات الألوف من الناس ؟!لا يفعل هذا أبدا......إلى أخر كلامه ...
وقد دعاني هذا الخطاب من سماحة الشيخ رحمه الله إلى التعليق بما يلي:
1- فالقول الأول المتعلق بالغناء، ورد في كلمة ألقيتها بعنوان (جلسة على الرصيف).
وقد أشار الأخ الكريم إلى أن المتكلم نوصح فلم يرجع، وكأنه فهم من هذه الكلمات أنني أكفر أصحاب المعاصي، وهذا الكلام لو افترض أنه يوهم ما أشار الأخ السائل ،ما كان خلقيا أن يفصل عن سياقه ولا عن حال قائله، والكلام الشفهي عادة ما يكون ارتجالا
لا يتمكن المتحدث فيه من استحضار اللوازم ، ويراد المحترزات، وحبك الصياغة باللغة العلمية المحكمة ،كما يقع حال الكتابة والتدوين .
على أنه من المعلوم لدى أهل العلم أنه لا يؤخذ أحد بمفهوم كلامه إذا كان له منطوق كلام صريح بخلافه كما قرر ذلك الإمام ابن الوزير في"العواصم والقواصم)وحكاه اتفاقا بين أهل النظر". والأصل أن حال المتكلم ومشهور قوله كاف في إيضاح مراده ومع ذلك فإني أوضح الأمر .....إهـ
أقول :تضمن كلام سلمان العودة في شريطه جلسة على الرّصيف أمورا:
الأمر الأول:إن هذه الألفاظ التي أدين فيها بالتكفير إنما هي مجرد فهم وليست من منطوق كلامه ولا من تركيبة ألفاظه، وإليك هذه الألفاظ:
1- هذا لا يغفر الله له !إلا أن يتوب.
2- لأنهم مرتدين بفعلهم هذا!!
3- هذه ردة عن الإسلام !!
4- هذا مخلد- واليعاذ بالله-في نار جهنم إلا أن يتوب.
5- لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل:{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء:32].
6- لا يفعل هذا مؤمن أبدا.
وهذه الأمور الستة نصَّ عليها منطوق كلامه وصريح ألفاظه لا كما يدعي سلمان أن السائل فهم هذا من مفهوم كلامه.
وهذه ألفاظ تكفر هذا الفنان المجاهر بفسقه، وما اعتذر به فليس بعذر، وإنما هذا من تضليلاته ومراوغاته الكثيرة.
والغريب العجيب إن هذه الألفاظ يرها سلمان العودة من النصيحة مع الشفقة والرحمة وحب الخير للناس قال في (ص:63):"فلا تحمل مقالات الناس فوق قدرها ونصابها ، ولا تعزل عن سياقها الخاص والعام، ولا يتطلب من ورائها معنى وقر في ذهن السامع أو القارئ ،فأصر على الإلزام به؛ لأن المقصود-إن شاء الله- هو البيان والنصيحة ،مع الشفقة والرحمة، وحب الخير للناس".
الأمر الثاني:
إن هذا المعنى الذي فهمه السائل، وهو التكفير بالمعاصي إنما هو بسبب التسجيل الذي غالبا ما يكون صاحبه يلقي المحاضرة شفهيا، وارتجالا لا يتمكن فيها من استحضار اللوازم، ويراد المحترزات، وهذا بخلاف حبك الصياغة باللغة العلمية المحكمة ،كما يقع حال الكتابة والتدوين.
أقول:كنت أتمنى أن سلمان كان صادقا حتى نقول هذا الكلام إنما سبق لسان ويقبل ما اعتذر به هنا وأنه فعلا لا يتبناه!!
إلا أن هذا الشريط "جلسة في الرصيف"قد دونه سلمان نفسه بيده وأخرجه كتابا مؤلفا مطبوعا بعنوان الشريط نفسه ؛فماذا يقال عن الكلام الشفهي ويجاب عن صياغة الارتجال أمام ما سطرته يده .
والطامة الكبرى أن سلمان له شريط أخر بعد هذا التكفير بعنوان "الشباب أسئلة ومشكلات"بتاريخ (21/5/1411هـ)ويقول فيه:"فمثل هؤلاء ،لاشكَّ أن عملهم هذا ردَّة عن الإسلام !أقول هذا وأنا مرتاح مطمئنُّ القلبِ إلى ذلك".
سلمان العودة أكثر من الكذب بالهراء الذي لا يعجز عنه أحد ولو كان أجبن الجبناء وقال في كتابه هذا أمور لا يلجأ إليها عادة إلا الأدعياء.
قال سلمان العودة في (ص:62-64):"والأصل أن حال المتكلم ومشهور قوله كاف في إيضاح مراده ومع ذلك فإني أوضح الأمر ....
قال الشيخ عبد الملك رمضاني وفقه الله في كتابه :مدارك النظر"الطبعة السادسة (1423هـ):"وقد كنت أودُّ أن يتنبه الأخ لهذا الخطأ الواضح، ولا يسترسل في الإصرار ؛فإن الرجوع إلى الحق فضيلةٌ ،فإذا به يعيد التكفير لهذا الشخص في شريط سَمَّاه تسميةً سياسيةً:(المراجعات)!
وما زاد فيه إلا أن وصفه ببعض الأوصاف الأخرى، وجاء فيه بأخطر مِمَّا كان ،ألا وهو التقعيد للتكفير بتعليل الاستخفاف؛ فجعل فيه المجاهر بالمعصية مستخفا، والمستخف عنده كافر؛ لأنه عنده لا يؤمن بحرمة الزنى، وجعل دليله على ذلك الإصرار!
وأوَّل من كفر المصرَّ على الذنب هم نجدات الخوارج.انظر :مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري(1/175-المكتبة العصرية)
قال في(ص:62):"وهذا القول المذكور لا يقصد به المعنى الذي ظنه السائل، وليس المراد فعل الخنا، أو حتى الزنا بمجردها، وإنما التمدح بالفجور والزنا والثناء عليه وعلى أهله وانتقاص من لا يفعله ،بأنه ليس لديه الفتوة والرجولة والقوة، وبين هذا وذاك فرق كبير...".
أقول:إن كلام سلمان العودة السابق الذي رد به على أن هذا عبارة عن فهم من السائل وهو لازم كلامه ولا يلتزم به لأنه ليس من صريح كلامه ولا من منطوقه هراء في هراء بيِّن ذلك قوله:"وإنما التمدح بالفجور والزنا والثناء عليه وعلى أهله وانتقاص من لا يفعله بأنه ليس لديه الفتوة والرجولة والقوة، وبين هذا وذاك فرق كبير..."إهـ.
إن حقيقة مذهب الخوارج في التكفير هو ما وصفه وشرح هنا سلمان العودة من التكفير حيث علق حكم التكفير بمجرد المجاهرة، والتمدح بها .
علل بهذا سلمان العودة على عدم الإيمان بحرمة الزنى، واعتبره بهذا كافرا, وهذا ما قصده سلمان العودة حيث قال:"وبين هذا وذاك فرق كبير"، وليس في المجاهرة والتمدح بها غير أنها انتقلت المعصية من كونها معصية فردية تضر صاحبها إلى كونها معصية عامة.
فمجرد التمدح بالكبيرة أو بفعل المعاصي ليس باستحلال ،حتى يعلل به، وقد أفتى كبار العلماء أن المجاهر بالكبيرة لا يكفر حتى يقترن معه الاستحلال لأنها معصية، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا يكفر صاحبها إلا إذا استحلها.
ولجهل سلمان العودة وتخبطه من قديم بمسألة الاستحلال، والاستخفاف ،وقع بما وقع فيه هنا من مذهب الخوارج بالتكفير بالمعصية الذي هرب منه.
قال الشيخ عبد الملك رمضاني في"مدارك النظر(ص:153):"وما زاد فيه إلا أن وصفه ببعض الأوصاف الأخرى، وجاء فيه بأخطر مما كان ؛ألا وهو التعقيد للتكفير بتعليل الاستخفاف؛ فجعل فيه المجاهر بالمعصية مستخفّا، والمستخف عنده كافر؛ لأنه عنده لا يؤمن بحرمة الزنى، وجعل دليله على ذلك الإصرار !
وأول من كفر المصِرَّ على الذنب هم نجدات الخوارج انظر مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/175-المكتبة العصرية).
فكما قيل:كحلها فأعماها! لأن الرجل إذا أخطأ من غير تقعيد ،أمكن أن يعتذر له، ولكنه إذا قعَّد لا سيما إذا قعَّد على مذهب بعض أهل البدع – فقد سدَّ عليك طريق الاعتذار له فلا يقال:ألقى الكلام على عواهنه! ، ولكنه ألقاه على قواعده!!.
مع أنه قد أتى في قصة هذا الفنان بالاعتبارات الكاملة ؛وذلك أن :
-قوله:(يفتخر أمام الناس ....)،أي بمعصيته ويجاهر بها ويدعو إليها....فهذا وصف .
- وقوله:(هذه ردة عن الإسلام! هذا مخلد في نار جهنم ...!) ،فهذا حُكم .
- وقوله:(هذا لا يغفر الله له إلا أن يتوب ؛لأن النبي حكم بأنه لا يعافى)، وثم نزع بحديث : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين!!))فهذا تعليل للحكم السابق واستدلال.
فمن كان خطؤه كذلك ،لا يكفي في تراجعه أن يدعي أن العبارة غير مسبوكة أو غير محبوكة؛ لأن الخطأ ليس في التعبير ،كما بيَّنتُ هنا من: الوصف والحكم والتعليل ؛لأن الذي يحكم بكفر المجاهرين بالمعصية ،بدليل الحديث السابق لا يقال فيه:أخطأ في التعبير، ولذلك لما جاء لـ(يحْبِك العبارة ويَسبكها )جاء بتلك القاعدة الغريبة!!.
لقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله عمَّا يأتي:
((ذكر بعض الأشاعرة في كتبهم أن مرتكب الكبيرة مستخفَّا بها يكفر ،فهل وافقهم على ذلك أحد من أهل السنة.
فأجاب:لا أعلم ذلك، إذا كان ما فيه استهزاء هو ما ركبها إلا مستخفَّا ،لولا تهاونه ما ركبها ، لولا تهاونه بالزنى والعقوق ما فعله ،فالذي عليه أهل السنة والجماعة أنه عاصٍ ناقص الإيمان ، ولو تساهل ،المستهترون يتساهلون))من شريط بعنوان مناقشة حول مسألة التكفير بغير ما أنزل الله) .انظر لزما للزيادة مدارك النظر (صـ154-163) للشيخ عبد المالك الجزائري.
إن هذا الطريقة في التكفير قد نوصح فيه سلمان العودة قديما ودار بينه وبين الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز-رحمه الله- نقاشا طويلا، وتضمنت كلمة الشيخ العلامة ابن باز التحذير لسلمان العودة ومن معه من مسلك الخوارج في التكفير انظر شريط سمعي من تسجيلات دار ابن رجب بالمدينة تحت عنوان: ((مناقشة حول مسألة التكفير)).
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:-
فإن مما ابتلي به الإسلام والمسلمون في هذه الأزمان الدكاترة الأكاديميين من ذوي التوجهات الحزبية، والمناهج الحركية .وقد ظهر أثر الكثير منهم في الدراسات الإسلامية دعاة ومدرسين ومفتين يحملون ألقابا إسلامية كبيرة، والشهادات أكاديمية عالية، وهم من أجهل الناس، وأبعدهم عن حقيقة الإسلام.
ومن هؤلاء الذين ظهروا وتصدروا للإمامة الناس، وهم قد استسلموا للنظم التي سفتها رياح الغربي على المسلمين سلمان بن فهد العودة ظهر لنا بعنوان (الإسلام اليوم)الذي يحمل في مضمونه التغيير لحقائق الإسلام، والإتيان بالآراء الشاذة والمصطلحات الجديدة التي تثير الفتن، وتجلب على المسلمين الضعف والخور والتخاذل، ووجوه الانحطاط.
ظهر هذا المفكر الإسلامي والمثقف الأكاديمي الدكتور سلمان بن فهد العودة يحمل هموم هذه الأمة بأفكار تضاد هذا الدين ،فهو الفلاة لتحقيق لاتجاهات المختلفة، وجسر الآراء الشاذة، ومنبع للأقوال التي تشتمل على التهوين من أمر مسائل الدين، والجرأة لمخالفة كبار أئمة المسلمين.
وقد شاع ما لا يخفى عنه أنه يصوب أسهام النقد على المنهج السلفي وعلمائه ويصفوهم بالأوصاف القبيحة المنفرة غاية التنفير، ويشد بأهل الباطل، ويرفع من أقدارهم.
وهو واحد من الذين أحدثوا الجدال والخصومة والفرقة والحزبية في وسط مجتمعاتهم التي عرفت بلحمة الصف ووحدة الكلمة وصحة التمسك بالكتاب والسنة والدعوة إلي العقيدة الصحيحة.
كما أنه واحد من الذين تصدروا إلى قيادة الدعوة وإمامة الشباب، وقاموا بدفع الكثيرين منهم إلى الغرور والتطاول على أهل العلم والتحقير والتقليل من أهل الحق.
وهو من الذين منعوا من الإلقاء للمحاضرات، والتدريس برهة من الزمان بفتوى صدر من كبار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ؛بسبب توجهاته، وأفكار المخالفة .
وفي هذه الأيام كتب سلمان العودة عدة كتب ومن أبرزها كتاب:"شكرا أيها الأعداء".
وقد ملأ كتابه بمنهجه المعروف في التحامل على المنهج السلفي، وصب ألوم والتنقيص على منهج النقد وأهله.
وهو في هذا يسير على عادته القديمة من التمسك بمبادئه وأفكاره التي وضعها ضد منهج الجرح والتعديل ونقد الرجال والأشخاص، وتسمية ذلك بالجانب المظلم.
يعيد بهذا الكتاب حملته مرة أخرى على منهج النقد السلفي، ويوجه أسهامه على حملته بالأحكام الغليظة ويشيع ويذيع عنهم الأكاذيب الباطلة في الوقت الذي يدعي فيه أنه يدعو إلى التسامح وغض الطرف عن العاملين لأن الأمة تواجه الأخطار الكثيرة.
وفي كتابه هذا ما يقرب على أكثر من ثلث الكتاب التحامل والطعن والتحقير للنقد، ولمن يقوم بمنهج النقد.
ويعتبر كتابه هذا تلخيصا لجميع ما كتبه في الكتب وما ذكره في الأشرطة قديما؛فانظر في كتابه"شكرا أيها الأعداء"لهذه العناوين:"لماذا لا ترد"، وعنوان"الموت لأعدائي"، وعنوان أأنت كذلك"، وعنوان"شكرا للشيخين"، وعنوان"شكرا صديقي"، وعنوان"الدفاع عن العقيدة أولاً"، وعنوان"إذا عز أخوك فهن"، وعنوان"شتائم حضارية"، وعنوان"توظيف النص"وأخيرا، لا أخرا عنوان":"مقدمة في منهج النقد بفصوله"، وقارن كل هذه العناوين فيما كتبه قديما أو ألقاه محاضرة تجد كل ذلك تلخيصا لما كان يسير عليه في القديم.
إلا أن أسلوبه الذي يدعي فيه التصحيح للمفاهيم والاعتدال مكشوف جدا في هذه الكتاب حيث إنه يريد إسقاط النقد السلفي، والقضاء على الدعوة السلفية، وأما ما تظاهر به من فتح زمام التحرر من القيود ،هي مسألة وقت اقتضاها واقع التغير الذي يسير عليه لجمع المال الوفير وتسخير وسائل الأعلام المتطورة لخدمة منهجه بطريقة ماكرة، وإلا فسلمان العودة هو سلمان العودة قديما وحديثا ؛كما سيأتي بيان ذلك من خلال هذا الورقات، والمآخذ عليه في كتابه هذا كثيرة، ولكن أنبه على أمرين:
1- الإشارة الإجمالية لمنهجه الذي يدعي فيه أنه يدافع عن الإسلام والعقيدة وتصحيح أحوال المسلمين.
2- استمرار سلمان العودة بالتكفير على طريقة الخوارج مما يدل على أنه يسير على أصوله القديمة مع التظاهر بفتح زمام التحرر من القيود.
الإشارة الإجمالية لمنهجه الذي يدعي فيه أنه يدافع عن الإسلام والعقيدة وتصحيح أحوال المسلمين.
إن من الأمور المهمة للذي يريد إصلاح أحوال البشرية والأخذ بها إلى عزها وسعادتها أن يترسم خطى الأنبياء وطريقهم، وهذا هو الذي قررتها شريعة الإسلام ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ولذلك خص الله الحياة والسعادة والفلاح بالأتباع للرسل وجعل الشقاء والهلاك لمن خالفهم في جميع رسالات الرسل.
وعليه فإن الدعوة إلى الإسلام وتعريف الناس به، وإقناعهم بالإقبال عليه والالتزام بأحكامه والتجاوب مع قيمه ومبادئه وتوجيهاته، وإبعاد الناس عن التناقض معه، والتصادم به وظيفة كل مصلح ومجدد.
فدعوة الإصلاح لا تقوم إلا على هذه المنهج الرباني المتكامل الذي به يتمكّن الإنسان إذا ما وعاه وأخذ به من تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا ما أكدته نصوص كثيرة في القرآن والسنة، وجعلته في قمة الأعمال الجليلة عند الله تعالى، وهذا هو سبيل المجددين والمصلحين في الدعوة إلى الله تعالى ومعالجة ما فسد من أحوال البشرية قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33].
قال صلى الله عليه وسلم لعلي –رضي الله عنه-:((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حُمُر النَّعم))أخرجه البخاري في"صحيحه"في كتاب الجهاد كما في الفتح(6/85)باب دعا الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء كلهم أرسلوا بالحرص على هداية الناس قبل كل شيء وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الظلال إلى الحق هذا مقصد دعوة الأنبياء ؛فإن الله بعثهم للدعوة إليه، وتعليم الناس دينهم وعقيدتهم بما أمرهم الله عزَّ وجل.
وسلمان بن فهد العودة يسير على طريقة مبتدعة تنافي دعوة الأنبياء وأتباعهم فدعوته قائمة على الطرق والأساليب السياسة ويلبسها بلباس الإسلام، ولذلك يتغير ويدور بحسب تغيرات السياسة وتوجهها، وهو إمام دعوة التغيير للنصوص بمرور الأزمنة، واختلاف مدلولها بين عصر وعصر، وهذا ظهار جدا في منهجه.
والذي يتأمل سبيل سلمان العودة في الدعوة يجده يستخدم كل الأساليب والطرق في دعوته إلا دعوة الأنبياء وأساليبهم في الدعوة .
لذلك لم نجد سلمان بن فهد العودة في دعوته يحمل أمانة الدين التي حملها وقام بها المصلحون والمجددون من العناية بالعلم النافع والعمل الصالح، وتعليم الناس عقيدة السلف ونشرها بينهم، ودعوة الناس إلى الكتاب والسنة وحثهم على التمسك والالتزام بهما.
فلم نجد حرفا واحدا يقيم دعوته على دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- من إحياء ميراث النبوة وتجريد التوحيد لله تعالى وإعادة الدين على أصوله الأولى، وكيف أوله الأهمية العظمى والجهد الكبير في تعليم الناس وحثهم على العناية بالعلم النافع والعمل الصالح، وربوا أنفسهم وشعوبهم على هذا الأساس كما فعل أنبياء الله في الدعوة إلى الله.
وفي المقابل نجد سلمان بن فهد العودة يدعو إلى الانفتاح لمواكبة موكب الحضارة، ولتحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية الراكدة بزعمه، وهو الانخراط في العمل السياسي ودخول في الانتخابات والتطبيع مع الشعوب كما في (ص:264_وص:266)،
ولا يجد عنده المصلحون المخلصون الذين يحذرون من الشرك والبدع والعقائد الضالة والأفكار المنحرفة إلا السخرية والتشكيك فيهم .
ومن ثمَّ يزعم أنه يسعى إلى إصلاح دين المسلمين ودعوة الناس وهدايتهم بهذه الطرق المبتدعة المستوردة من النظم الباطلة.
وهذا مما يدل أن الخلاف مع سلمان ومن على طريقته ومنهجه إنما هو خلاف في أصول أهل السنة والجماعة، لا بالفروع ومسائل الاجتهاد والاختلاف والرأي .
وأهل العلم بدّعوا في كتب السنة والعقائد من لم ينتحل منهج السلف في المنهج والاعتقاد ومن يتكلم في دين الله بالجهل ويقول على دين الله ما لا يعلم.
واعتبروا طريقة أهل البدع ولأهواء في الإعراض عن نصوص الكتاب والسنة في الدعوة إلى الله سببا لمفارقتهم طريقة السلف ولزوم الجماعة التي أمروا بلزومها ؛لما يترتب على هذه المخالفة الكلام في الدين والعلم؛ بغير علم وبصيرة الذي يعد أصل الشرك والابتداع في دين الله كما هو ظاهر في الآراء التي يعتنقها والأقوال الشاذة التي يتبناها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 27 / 374):"والدين كله مأخوذ عن الرسول ليس لأحد بعده أن يغير من دينه شيئا هذا دين المسلمين بخلاف النصارى فإنهم يجوزون لعلمائهم وعبادهم أن يشرعوا شرعا يخالف شرع الله قال تعالى:{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم))، ولهذا كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في شيء أنه عبادةٌ وطاعةٌ وقربةٌ إلا بدليل شرعي وإتباع لمن قبلهم لا يتكلمون في الدين بلا علم، فإن الله حرم ذلك بقوله تعالى:{قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون }".
وقال بن القيم في إعلام الموقعين(4/173)الفائدة الحادية عشرة :"إذا نزلت بالحاكم أو المفتى النازلة فإما أن يكون عالما بالحق فيها أو غالبا على ظنه بحيث قد استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أولا فان لم يكن عالما بالحق فيها ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتى ولا يقضى بما لا يعلم ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله ودخل تحت قوله تعالى :{قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون}،فجعل القول عليه بلا علم أعظم المحرمات الأربع التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر ودخل تحت قوله تعالى:{ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله مالا تعلمون}".
الأمر الثاني:
استمرار سلمان العودة بالتكفير على طريقة الخوارج مما يدل على أنه يسير على أصوله القديمة مع التظاهر بفتح زمام التحرر من القيود.
استمرار سلمان العودة بالتكفير على طريقة الخوارج مما يدل على أنه يسير على أصوله القديمة مع التظاهر بفتح زمام التحرر من القيود.
إن مما يؤكد الخلاف مع سلمان العودة في أصول منهج أهل السنة والجماعة التكفير بالكبيرة، واستمراره بالتكفير وبيان ذلك ما يلي.
قال سلمان العودة في"كتاب شكرا أيها الأعداء"في عنوان "بيني وبين ابن جبرين" (ص:59):"ثمة - كتبت في كتابه هكذا (ثمت)- قضايا كنت أُتَابعُ بها منذ زمن نُثار وتُذكى حينا بعد حين وكان يقيني أن التشاغل بتفتيت مثل هذه الإثارات انصراف عن الأهم المجدي مما قصدنا إليه، وجعلناه هدفاً نجهد أن ننفق فيه ما أبقى الله لنا من أعمار.
ولذا تفارطت السّنون تباعاً، وأنا في غاية الإعراض عن التشاغل بهذه القضايا أو التعليق عليها، أو التعقيب على الردود حولها .
وكنت أرى أن المسألة ستتحول بمضيِّ الزمن من مرافعات شخصية إلى قضية علمية بحتة متجردة إلى حد كبير من انفعالاتها وحساباتها الوقتية.
ولذا فإن رسالة وصلتني من سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين –رحمه الله-جعلتني أقف لهذا الموضوع هذه المرة وأبيِّن فيه ما عندين وعسى ان يجعل الله في هذا الأمر خيرا لنا جميعا.
وكانت رسالة الشيخ عبارة عن سؤال وصله من أحد الشباب ،ضمنته عدة أسئلة ترجع إلى سؤالين ،هما مثار الجدل لهذه القضايا ،أقتصر عليهما.
يقول السائل:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.نود من فضيلة شيخنا عبد الله الجبرين الجواب عن الأسئلة الآتية:
1- ما حكم الشرع فيمن قال عن مغنٍّ يجاهر بفسقه ما نصه :"هذا لا يغفر الله له !إلا أن يتوب ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بأنه لا يعافى((كل أمتي مُعافى...))لأنهم مرتدين بفعلهم هذا ردة عن الإسلام !!هذا مخلد- واليعاذ بالله-في نار جهنم إلا أن يتوب!!لماذا ؟ لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل:{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء:32].
بالله عليكم الذي يعرف أن الزنا حرام وفاحشة، ويسخط الله هل يفتخر أمام الناس ؟أمام الملايين أو مئات الألوف من الناس ؟!لا يفعل هذا أبدا......إلى أخر كلامه ...
وقد دعاني هذا الخطاب من سماحة الشيخ رحمه الله إلى التعليق بما يلي:
1- فالقول الأول المتعلق بالغناء، ورد في كلمة ألقيتها بعنوان (جلسة على الرصيف).
وقد أشار الأخ الكريم إلى أن المتكلم نوصح فلم يرجع، وكأنه فهم من هذه الكلمات أنني أكفر أصحاب المعاصي، وهذا الكلام لو افترض أنه يوهم ما أشار الأخ السائل ،ما كان خلقيا أن يفصل عن سياقه ولا عن حال قائله، والكلام الشفهي عادة ما يكون ارتجالا
لا يتمكن المتحدث فيه من استحضار اللوازم ، ويراد المحترزات، وحبك الصياغة باللغة العلمية المحكمة ،كما يقع حال الكتابة والتدوين .
على أنه من المعلوم لدى أهل العلم أنه لا يؤخذ أحد بمفهوم كلامه إذا كان له منطوق كلام صريح بخلافه كما قرر ذلك الإمام ابن الوزير في"العواصم والقواصم)وحكاه اتفاقا بين أهل النظر". والأصل أن حال المتكلم ومشهور قوله كاف في إيضاح مراده ومع ذلك فإني أوضح الأمر .....إهـ
أقول :تضمن كلام سلمان العودة في شريطه جلسة على الرّصيف أمورا:
الأمر الأول:إن هذه الألفاظ التي أدين فيها بالتكفير إنما هي مجرد فهم وليست من منطوق كلامه ولا من تركيبة ألفاظه، وإليك هذه الألفاظ:
1- هذا لا يغفر الله له !إلا أن يتوب.
2- لأنهم مرتدين بفعلهم هذا!!
3- هذه ردة عن الإسلام !!
4- هذا مخلد- واليعاذ بالله-في نار جهنم إلا أن يتوب.
5- لأنه لا يؤمن بقول الله عز وجل:{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء:32].
6- لا يفعل هذا مؤمن أبدا.
وهذه الأمور الستة نصَّ عليها منطوق كلامه وصريح ألفاظه لا كما يدعي سلمان أن السائل فهم هذا من مفهوم كلامه.
وهذه ألفاظ تكفر هذا الفنان المجاهر بفسقه، وما اعتذر به فليس بعذر، وإنما هذا من تضليلاته ومراوغاته الكثيرة.
والغريب العجيب إن هذه الألفاظ يرها سلمان العودة من النصيحة مع الشفقة والرحمة وحب الخير للناس قال في (ص:63):"فلا تحمل مقالات الناس فوق قدرها ونصابها ، ولا تعزل عن سياقها الخاص والعام، ولا يتطلب من ورائها معنى وقر في ذهن السامع أو القارئ ،فأصر على الإلزام به؛ لأن المقصود-إن شاء الله- هو البيان والنصيحة ،مع الشفقة والرحمة، وحب الخير للناس".
الأمر الثاني:
إن هذا المعنى الذي فهمه السائل، وهو التكفير بالمعاصي إنما هو بسبب التسجيل الذي غالبا ما يكون صاحبه يلقي المحاضرة شفهيا، وارتجالا لا يتمكن فيها من استحضار اللوازم، ويراد المحترزات، وهذا بخلاف حبك الصياغة باللغة العلمية المحكمة ،كما يقع حال الكتابة والتدوين.
أقول:كنت أتمنى أن سلمان كان صادقا حتى نقول هذا الكلام إنما سبق لسان ويقبل ما اعتذر به هنا وأنه فعلا لا يتبناه!!
إلا أن هذا الشريط "جلسة في الرصيف"قد دونه سلمان نفسه بيده وأخرجه كتابا مؤلفا مطبوعا بعنوان الشريط نفسه ؛فماذا يقال عن الكلام الشفهي ويجاب عن صياغة الارتجال أمام ما سطرته يده .
والطامة الكبرى أن سلمان له شريط أخر بعد هذا التكفير بعنوان "الشباب أسئلة ومشكلات"بتاريخ (21/5/1411هـ)ويقول فيه:"فمثل هؤلاء ،لاشكَّ أن عملهم هذا ردَّة عن الإسلام !أقول هذا وأنا مرتاح مطمئنُّ القلبِ إلى ذلك".
سلمان العودة أكثر من الكذب بالهراء الذي لا يعجز عنه أحد ولو كان أجبن الجبناء وقال في كتابه هذا أمور لا يلجأ إليها عادة إلا الأدعياء.
قال سلمان العودة في (ص:62-64):"والأصل أن حال المتكلم ومشهور قوله كاف في إيضاح مراده ومع ذلك فإني أوضح الأمر ....
قال الشيخ عبد الملك رمضاني وفقه الله في كتابه :مدارك النظر"الطبعة السادسة (1423هـ):"وقد كنت أودُّ أن يتنبه الأخ لهذا الخطأ الواضح، ولا يسترسل في الإصرار ؛فإن الرجوع إلى الحق فضيلةٌ ،فإذا به يعيد التكفير لهذا الشخص في شريط سَمَّاه تسميةً سياسيةً:(المراجعات)!
وما زاد فيه إلا أن وصفه ببعض الأوصاف الأخرى، وجاء فيه بأخطر مِمَّا كان ،ألا وهو التقعيد للتكفير بتعليل الاستخفاف؛ فجعل فيه المجاهر بالمعصية مستخفا، والمستخف عنده كافر؛ لأنه عنده لا يؤمن بحرمة الزنى، وجعل دليله على ذلك الإصرار!
وأوَّل من كفر المصرَّ على الذنب هم نجدات الخوارج.انظر :مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري(1/175-المكتبة العصرية)
الأمر الثالث:
سلمان العودة يناقض كلامه فيثبت ما نفاه، ويقع فيما هرب منه من التكفير الذي عليه مذهب الخوارج
سلمان العودة يناقض كلامه فيثبت ما نفاه، ويقع فيما هرب منه من التكفير الذي عليه مذهب الخوارج
قال في(ص:62):"وهذا القول المذكور لا يقصد به المعنى الذي ظنه السائل، وليس المراد فعل الخنا، أو حتى الزنا بمجردها، وإنما التمدح بالفجور والزنا والثناء عليه وعلى أهله وانتقاص من لا يفعله ،بأنه ليس لديه الفتوة والرجولة والقوة، وبين هذا وذاك فرق كبير...".
أقول:إن كلام سلمان العودة السابق الذي رد به على أن هذا عبارة عن فهم من السائل وهو لازم كلامه ولا يلتزم به لأنه ليس من صريح كلامه ولا من منطوقه هراء في هراء بيِّن ذلك قوله:"وإنما التمدح بالفجور والزنا والثناء عليه وعلى أهله وانتقاص من لا يفعله بأنه ليس لديه الفتوة والرجولة والقوة، وبين هذا وذاك فرق كبير..."إهـ.
إن حقيقة مذهب الخوارج في التكفير هو ما وصفه وشرح هنا سلمان العودة من التكفير حيث علق حكم التكفير بمجرد المجاهرة، والتمدح بها .
علل بهذا سلمان العودة على عدم الإيمان بحرمة الزنى، واعتبره بهذا كافرا, وهذا ما قصده سلمان العودة حيث قال:"وبين هذا وذاك فرق كبير"، وليس في المجاهرة والتمدح بها غير أنها انتقلت المعصية من كونها معصية فردية تضر صاحبها إلى كونها معصية عامة.
فمجرد التمدح بالكبيرة أو بفعل المعاصي ليس باستحلال ،حتى يعلل به، وقد أفتى كبار العلماء أن المجاهر بالكبيرة لا يكفر حتى يقترن معه الاستحلال لأنها معصية، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولا يكفر صاحبها إلا إذا استحلها.
ولجهل سلمان العودة وتخبطه من قديم بمسألة الاستحلال، والاستخفاف ،وقع بما وقع فيه هنا من مذهب الخوارج بالتكفير بالمعصية الذي هرب منه.
قال الشيخ عبد الملك رمضاني في"مدارك النظر(ص:153):"وما زاد فيه إلا أن وصفه ببعض الأوصاف الأخرى، وجاء فيه بأخطر مما كان ؛ألا وهو التعقيد للتكفير بتعليل الاستخفاف؛ فجعل فيه المجاهر بالمعصية مستخفّا، والمستخف عنده كافر؛ لأنه عنده لا يؤمن بحرمة الزنى، وجعل دليله على ذلك الإصرار !
وأول من كفر المصِرَّ على الذنب هم نجدات الخوارج انظر مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/175-المكتبة العصرية).
فكما قيل:كحلها فأعماها! لأن الرجل إذا أخطأ من غير تقعيد ،أمكن أن يعتذر له، ولكنه إذا قعَّد لا سيما إذا قعَّد على مذهب بعض أهل البدع – فقد سدَّ عليك طريق الاعتذار له فلا يقال:ألقى الكلام على عواهنه! ، ولكنه ألقاه على قواعده!!.
مع أنه قد أتى في قصة هذا الفنان بالاعتبارات الكاملة ؛وذلك أن :
-قوله:(يفتخر أمام الناس ....)،أي بمعصيته ويجاهر بها ويدعو إليها....فهذا وصف .
- وقوله:(هذه ردة عن الإسلام! هذا مخلد في نار جهنم ...!) ،فهذا حُكم .
- وقوله:(هذا لا يغفر الله له إلا أن يتوب ؛لأن النبي حكم بأنه لا يعافى)، وثم نزع بحديث : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين!!))فهذا تعليل للحكم السابق واستدلال.
فمن كان خطؤه كذلك ،لا يكفي في تراجعه أن يدعي أن العبارة غير مسبوكة أو غير محبوكة؛ لأن الخطأ ليس في التعبير ،كما بيَّنتُ هنا من: الوصف والحكم والتعليل ؛لأن الذي يحكم بكفر المجاهرين بالمعصية ،بدليل الحديث السابق لا يقال فيه:أخطأ في التعبير، ولذلك لما جاء لـ(يحْبِك العبارة ويَسبكها )جاء بتلك القاعدة الغريبة!!.
لقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله عمَّا يأتي:
((ذكر بعض الأشاعرة في كتبهم أن مرتكب الكبيرة مستخفَّا بها يكفر ،فهل وافقهم على ذلك أحد من أهل السنة.
فأجاب:لا أعلم ذلك، إذا كان ما فيه استهزاء هو ما ركبها إلا مستخفَّا ،لولا تهاونه ما ركبها ، لولا تهاونه بالزنى والعقوق ما فعله ،فالذي عليه أهل السنة والجماعة أنه عاصٍ ناقص الإيمان ، ولو تساهل ،المستهترون يتساهلون))من شريط بعنوان مناقشة حول مسألة التكفير بغير ما أنزل الله) .انظر لزما للزيادة مدارك النظر (صـ154-163) للشيخ عبد المالك الجزائري.
إن هذا الطريقة في التكفير قد نوصح فيه سلمان العودة قديما ودار بينه وبين الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز-رحمه الله- نقاشا طويلا، وتضمنت كلمة الشيخ العلامة ابن باز التحذير لسلمان العودة ومن معه من مسلك الخوارج في التكفير انظر شريط سمعي من تسجيلات دار ابن رجب بالمدينة تحت عنوان: ((مناقشة حول مسألة التكفير)).