• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

_ توضيح لبعض شبهات الخوارج _ خلاصة الكلام في الرد على من فُتن بتكفير الحكام وغيرهم من أهل الإسلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • _ توضيح لبعض شبهات الخوارج _ خلاصة الكلام في الرد على من فُتن بتكفير الحكام وغيرهم من أهل الإسلام


    خلاصة الكلام في الرد على من فُتن بتكفير الحكام وغيرهم من أهل الإسلام


    تقديم العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري


    الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله،،،،

    أما بعد:

    فقد طالعت فيما تضمنته هذه الرسالة المسماة:

    خلاصة الكلام

    للأخ/ علي بن حسن الحبيشي، فرأيتها رسالة طيبة، زاخرة بالأدلة ونقول كلام الأئمة، فيما تضمنته، نفع الله بها وجزى كاتبها خيرًا.

    كتبه: يحي بن علي الحجوري

    2/11/1433ﻫ




    مقدمة الشيخ/ أبي عبدالله محمد بن حزام الفضلي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،،،

    أما بعد:

    فقد اطلعت على كتاب أخينا الفاضل الداعي إلى الله : أبي بشار علي بن حسن بن علي محروس الحبيشي وفقه الله، الذي سماه:

    خلاصة الكلام في الرد على من فُتن بتكفير الحكام.

    فوجدته قد كتب فيه نصائح مفيدة، وبحوثاً مهمة، في الرد على المبتدعة الذين فُتنوا بتكفير الحكام على الإطلاق، وبتكفير المجتمعات المسلمة، فجزاه الله خيراً ونفع به وبكتابه الإسلام والمسلمين.



    كتبه أبو عبدالله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني

    ذو القعدة /1432ﻫ.




    المقدمة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله الذي جعلَ في كُلِّ زمانٍ فترةً مِنَ الرُّسل، بقايا من أهل العلم، يدعُون من ضَلَّ إلى الهُدى، ويَصْبِرُون منهم على الأذى، يُحْيُون بكتاب الله الموتى، ويُبْصِرُون بنور الله أهلَ العَمَى، فكم من قتيل لإبليس قد أَحْيَوْهُ، وكَمْ من ضالٍ تائهٍ قد هَدَوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الجاهلينَ، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنَانَ السُّنَّة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولونَ على اللهِ، وفِي اللهِ، وفي كتابِ اللهِ بغيرِ علم، يتكلمون بالُمتَشَابه منَ الكلام، ويخدعون جُهَّالَ الناس بما يُشَبِّهُون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين([1]).اﻫ.

    أما بعد:

    فإنَّ فتنة الغُلوِّ في التكفير والخروج، هِيَ أوَّلُ فتنةٍ ظهرت في زمن النبي ن، وآخر فتنةٍ تخرجُ مع الدَّجال مُنَاصِرَةً له، كما جاء في الحديث، وأعظم فتنة ابتلي بها المسلمين.

    والدليل على ذلك: ما جاء عند الإمام البخاري تحت باب: (مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الخَوَارِجِ لِلتَّأْلُّفِ وَأَنْ لَا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ):

    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ت، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ ن يَقْسِمُ، جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ذِي الخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟!». قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ؟ قَالَ: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ينْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ ينْظَرُ فِي نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ ينْظَرُ فِي رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ ينْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ، أَوْ قَالَ: ثَدْيَيْهِ، مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ قَالَ: مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ».

    قَالَ أَبُوسَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ ن، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا، قَتَلَهُمْ، وَأَنَا مَعَهُ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ النَّبِيُّ ن. ورواه مسلم.

    وفي رواية أخرى في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ت قال: بَعَثَ عليٌّ ت وهو باليمن بذهب في تربتها إلى رسول الله ن، فقسمها الرسول ن بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان، قال: فغضبت قريش، فقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا؟! فقال الرسول ن: «إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ». فجاء رجل كَثَّ اللحية، مشرفُ الوجنتين، غائرُ العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد! قال: فقال رسول الله ن: «فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي». قال: ثم أدبرالرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله: يروون أنه خالد بن الوليد، فقال رسول الله ن: «إِنَّ مِنْ ضِئضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

    وكذلك ما جاء من حديث أبي سعيد الخدري ت أن أبابكر جاء إلى رسول الله ن فقال: إن نظرت بوادي: كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي، فقال له النبي ن: «اذْهَبْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ». قال: فذهب إليه أبوبكر فلما رآه على تلك الحال كَرِهَ أن يقتُلَهُ فرجع إلى رسول الله ن، فقال النبي ن لعمر: «اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ». فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبوبكر فكره أن يقتله، قال: فرجع، فقال: يا رسول، إني رأيته يصلي متخشعًا؛ فكرهت أن أقتله. فقال: «يَا عَلِي، اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ». قال: فذهب عليٌّ فلم يَرَهُ، فرجع عليٌّ، فقال: يا رسول الله، إنه لم يره. فقال رسول الله ن: «إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيْهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيْهِ حَتَّى يَعُودُ السَّهْمُ مِنْ فَوْقِهِ، فَاقْتُلُوهُمْ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ».

    راجع: الصحيحة للألباني برقم (2495).

    وكذلك هُمْ آخر فتنة وأعظمها ظهورًا، وهي فتنة الدَّجَّال، فهم معها، وهم زادهَا وهم وقودهَا.

    فعن عبدالله بن عمر م قال: سمعت رسول الله ن يقول: «يُنْشِئُ نَشْئً يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيْهِمْ كُلَّمَا خَرَجَ فِرْقٌ -وفي رواية: قَرْنٌ- قَطَعَ حَتَّى يَخْرُجْ فِي أَعْرَاضِهِمْ الدَّجَّال».

    راجع: سنن ابن ماجه وكذلك الصحيحة برقم (2455).

    فإذا كان الخوارج مع أوَّل فتنة في الأمة، ومع آخر فتنة، وهم الذين يوطئون لأعظم فتنة، وهي فتنة الدجال، ففيهم يخرج، وبهم يقاتل، فلا عَجَبَ أن تَجُرَّ على الأمة الويلات، والفتن العمياء، والحروب الطَّاحنة، ومن هنا عدَّ العلماء الغُلُوَّ في التكفير فتنة لها شَرٌّ عظيمٌ، وخطرٌ جسيمٌ.

    قال الشوكاني رحمه الله: (وهاهنا تُسْكَبُ العبرات، ويُنَاح على الإسلام وأهله؛ لِمَا جَنَاهُ التَّعَصُّبُ في الدِّين على ظالم المسلمين، من التراهي بالكفر، لا لسنة، ولا لقرآن، ولا لبيان، ولا لبرهان، بل لما غلت مراجلُ العصبيةِ في الدَّين، وتمكَّن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقَّنهُم إلزامات بعضهم ببعض، بما هو جمع الهباء في الهواء والسَّراب بقيعة، فيالله! والمسلمين من هذه الفاقرة؛ التي هي أعظم فواقر الدين، والرَّزية التي ما رُزِيَ بمثلها سبيل المؤمنين).ا.ﻫ.

    فعلمت أخي القارئ، ما هو شَرُّ وخطرُ فِتْنَةِ الغُلُوِّ في التَّكفير، وأنَّ كُلَّ الفتن يصدر عنها، ويَرِدُ حَوْضَها ويشرب من لِبَانِهَا، إذًا لا جرم إن اشتد النكير على فتنة الغلو في التكفير، في القرآن والسنة، وآثار السلف الصالح، وأقوال العلماء الربانيين، فلقد جاءت النصوص الزاجرة عن هذا المرتع الوخيم، والمسلك المشين.

    قال ـ: ﴿﴾ [النساء:94].

    وفي الصحيحين من حديث ابن عمر م قال: قال رسول الله ن: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيْهِ: يَا كَافِرْ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».

    وفي الصحيحين كذلك من حديث أبي ذر ت أنه سمع النبي ن يقول: «مَنْ دَعَا رَجُلًا بِكُفْرٍ، أَوْ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَعَلَيْهِ».

    وعند الطبراني بسند صحيح، أن رسول الله ن قال: «مَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِه».

    وعن ابن مسعود ت قال: قال رسول الله ن: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».

    وعن جابر بن عبدالله ت قال: قال رسول الله ن: «إِنَّمَا دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ».

    وعن ثابت بن الضحاك، وكان من أصحاب الشجرة ي أن رسول ن قال: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْئ، عُذِّبَ فِيْهِ فِي نَار جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ». رواه البخاري.

    وقال ابنُ أبي العِزِّ الحنفي غ في الطحاوية: (واعلم رحمك الله وإيَّانا، أنَّ باب التَّكفير وعدم التكفير، بابٌ عَظُمَتِ الفتنة والمحنة فيه، وكَثُرَ فيه الافتراق، وتشتَّتَتَ فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه من جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق، الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، والمخالف لذلك في اعتقادهم، على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية...) ثم قال: (إنه من أعظم البَغْي، أن يُشْهَدَ على مُعَيَّنٍ أن الله لا يغفر له ولا يرحمه، بل يخلده في نار جهنم؛ فإن هذا حكم الكافر بعد الموت).

    وقال ابن عبدالبر غ: (السُّنَّة والقرآنُ يَنْهَيَانِ عن تفسيق المسلم وتكفيره، إلَّا ببيانٍ لا إشكال فيه، ومن جهَةِ النَّظَرِ الصَّحيح الذي لا مَدْفَعَ له أنَّ كُلَّ من ثبت له عقد الإسلام في وقت، بإجماع المسلمين، ثم أذنب ذنبًا أو تأوَّل تأويلًا، فاختلفوا بعدُ في خروجه من الإسلام، لم يكن في اختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجَّةً، ولا يخرج من الإسلام المتَّفق عليه، إلَّا باتِّفاق آخر، أو سنَّةٍ ثابتةٍ، لا مُعَارض لها، ولقد اتَّفق أهل السُّنَّة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر، على أنَّ أحدًا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام، وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النَّظر أن لا يُكَفَّر إلَّا من اتفق الجميع على تكفيره، أو قام على تكفيره دليلٌ لا مدفع له من كتابٍ أو سُنَّة).

    وقال القرطبي غ ونقل عنه ابن حجر غ في الفتح: (وباب التكفير بابٌ خطيرٌ؛ أقدم عليه كثيرٌ من الناس فسقطوا، وتوقَّف فيه الفحول فسلموا، ولا تعدل بالسَّلامة شيئ).

    وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب غ: (وبالجملة، فيجب على من نصح نفسه أو تكلم في هذه المسائل، أن لا يعمل إلَّا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام، بمجرد فهمه واستحسان عقله؛ فإنَّ إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله من أعظم أمور الدين، وقد استزلَّ الشيطان أكثر الناس في هذه المسائل).اﻫ.

    فنبدأ في:

    الحكم بما أنزل الله وحكمه باختصار

    أولا: الحكمُ بمَا أنزَلَ اللهُ في الكتابِ والسُّنَّة واجبٌ؛ إذِ الحكمُ بغير ما أنزلَ اللهُ يُنَافِي التَّوحيد، إمَّا أصله وإمَّا كماله.

    ونذكر بعض صور الشَّرك الأكبر في الحكم والحكام، والتي إذا وقع الحاكم في أحد هذه الصور وقع في الشرك الأكبر:

    * إذا اعتقد الحاكم أن الحكم بما أنزل اللهُ غيرُ واجبٍ عليه.

    * إذا اعتقد أنَّه مخيَّرٌ بين حكمه وبين حكم الله.

    * إذا اعتقد الحاكمُ أنَّ حكمهُ مساوٍ لحكم الله.

    * إذا اعتقد الحاكمُ أنَّ حكمهُ أفضلُ من حكم الله.

    * إذا أتى الحاكمُ بِحُكْمٍٍ من عند نفسه، ثُمَّ يقولُ: هذا من عند الله.

    * إذا اعتقد الحاكمُ أنَّ حكم الله لا يصلحُ لهذا الزمان.

    وهذه بعض صور الشرك الأصغر عند الحاكم

    إذا اعتقد الحاكمُ أنَّ الحكم بمَا أنزل اللهُ واجبٌ، وأنَّ حكمَهُ بغير ما أنزل الله حرامٌ، وإنَّما حَكَمَ بغير ما أنزل الله، إما لهوًى في نفسه، أو لشيءٍ من حُضُوضِ الدُّنيا، أو لمنصب من المناصب، أو خوفًا على كُرْسِيِّهِ، أو خشيةَ المضايقةِ الخارجيةِ، وإلى غير ذلك من هذه الأسباب الدنيوية.

    هذه هي بعضُ صور الشِّرك الأصغر والأكبر عند الحكام.

    وهذه نبذه مختصرة عن:

    بعض العلماء الذين تكلَّموا في هذه المسألة

    #1$ قال شيخ الإسلام ابن تيمية غ في منهاج السنة (5/130): (لا ريب أنَّ من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل اللهُ على رسوله فهو كافر، فمن استحل أنْ يحكمَ بين الناس بما يراه هو عدلًا، من غير اتِّباع لما أنزلَ الله، فهو كافرٌ؛ فإنَّه ما من أمَّةٍ إلَّا وهِيَ تأمُرُ بالحكم بالعدل، وقد يكون العدلُ في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثيرٌ من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها اللهُ: كَسَوَالِفِ البَادِيَةِ، وكَأَوَامِرِ المُطَاعِينَ فِيهِمْ، ويرون أنَّ هذا هو الذي ينبغي الحكم به، دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر؛ فإنَّ كثيرًا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلَّا بالعادات الجارية لهم، التي يأمر بها المطاعون، فهؤٰلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلَّا بما أنز ل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كُفَّارٌ وإلَّا كانوا جُهَّالًا).

    #2$ وقال أيضًا غ في منهاج السنة (5/130-131): (وقد أمر الله المسلمين كلَّهم إذا تنازعوا في شيءٍ أن يردُّوه إلى الله والرسول فقال تعالى: ﴿ﯾﯿﰍﰎ﴾[النساء:59].

    وقال تعالى: ﴿﴾ [النساء:65].

    فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم، فقد أقسم اللهُ بنفسه أنَّه لا يؤمن، وأمَّا من كان ملتزمًا لحكم الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، لكن عصى واتَّبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة، وهذه الآية مما يحتجُّ بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر، الذين لا يحكُمُون بما أنزل الله، ثم يزعمون أنَّ اعتقادهم هو حكم الله، وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا، وما ذكرته يدلُّ على سياق الآية).اﻫ.

    #3$ وقال بن أبي العز الحنفي غ في شرح العقيدة الطحاوية (323-324): (وهنا أمرٌ يجبُ أن يتفطَّن له، وهو أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرًا يَنْقُلُ عن الملَّةٍِ، وقد يكون معصيةً كبيرةً أو صغيرةً، ويكونُ كفرًا إمَّا مجازًا، وإمَّا كفرًا أصغر، على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم؛ فإنَّه إن اعتقد أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله واجبٌ، وأنَّه مخيَّرٌ فيه، واستهان به، مع تيقُّنه أنَّه حكم الله، فهذا كفرٌ أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه، بأنَّهُ مستحقٌّ للعقوبة، فهذا عاصٍٍ، ويسمَّى كافرًا كفرًا مجازيًّا، أو كفرًا أصغر، وإن جهل حكم الله فيها، مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطىءٌ، له أجرٌ على اجتهاده وخطؤُهُ مغفور).

    #4$ وقد ذكر الإمام أبو عبدالله بن بطة غ في كتاب الإبانة (2/723): (باب: ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفرٍ غيرِ خارجٍ به من الملة) وذكر ضمن هذا الباب الحكم بغير ما أنزل الله، وأورد آثار الصحابة والتابعين الدَّالة أنَّهُ كفرٌ أصغر، غير ناقل عن الملَّة).

    #5$ وقال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب غ في كتابه مسائل لخصها الإمام محمد بن عبدالوهاب (1/147): (لا ريب أنَّ من لم يعتقد وجوب الحكم به فهو كافرٌ، فمن استحل أن يحكم بما يراه هو عدل من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر).اﻫ.مختصرًا.

    #6$ وقال الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ غ في منهاج التأسيس (ص 71): (وإنَّما يحرمُ إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسُّنَّة؛ كأحكام اليونان والإفرنج والتَّتَار، وقوانينهم التي مصدرها أراؤهم وأهواؤهم، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية).اﻫ.

    #7$ وقال غ في عيون المسائل (2/605): (وما ذكرته عن الأعراب من الفرق بين من استحل الحكم بما أنزل الله ومن لم يستحل، فهو الَّذي عليه العمل وإليه المرجع عند أهل العلم).

    * وعلق عليه العلامة سليمان بن سحمان غ فقال في عيون المسائل (2/603): (يعني: أنَّ من استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ورأى أنَّ حكم الطاغوت أحسنُ من حكم الله، فمن اعتقد هذا فهو كافر، وأمَّا من لم يستحل هذا، ويرى أنَّ حكم الطاغوت باطلٌ، وأنَّ حكم الله ورسوله هو الحقُّ، فهو لا يكفر ولا يخرج من الإسلام).اﻫ.

    #8$ قال القشيري غ: (ومذهبُ الخوارج: أنَّ من ارتشى وحكم بغير حكم الله، فهو كافرٌ، وعزا هذا إلى الحسن والسدي).اﻫ.

    #9$ وقال الشيخ محمد بن إبراهيم غ في مجموع الفتاوى (1/80) له: (وكذلك تحقيق معنى: محمد رسول الله، من تحكيم شريعته، والتَّقيُّد بها، ونبذ ما خالفها من القوانين والأوضاع، وسائر الأشياء الَّتِي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي من حكم بها (يعني: القوانين الوضعيَّة) أو حاكم إليها، معتقدًا صحَّة ذلك وجوازه، فهو كافرٌ الكُفْرَ النَّاقل عن الملَّة، وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه، فهو كافرٌ الكُفْرَ العمليَّ الَّذي لا ينقل عن الملَّة).اﻫ.

    #10$ وقال الشيخ أبوهبة الله إسماعيل بن إبراهيم الإسعردي غ في تحذير أهل الإيمان من الحكم بغير ما أنزل الرحمن (ص 141): (ومن لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله، واستحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلًا، من غير اتِّباع لما أنزل الله، فهو كافرٌ... فهؤٰلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلَّا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلُّوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفَّار، وإن كانوا جُهَّالًا ضُلالًا لا يعلمون).اﻫ.

    #11$ وسئل الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز غ كما في كتاب مرجعياتٌ في الفقه السياسي والفكري (ص 12):

    (سؤال: ما حكم سنِّ القوانين الوضعيَّة؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بِسَنِّهِ هذه القوانين؟

    الجواب: إذا كان القانون يوافق الشَّرع، فلا بأس به، إذا سَنَّ قانونًا في شأن الطَّريق، في شأن الشَّوارع، في غير ذلك من الأشياء التي تنفع الناس، وليس فيها مخالفةً للشَّرع؛ ولكن لتنفيذ الأمور، فلا بأس بها، أمَّا القوانين التي تخالف الشَّرع فلا، إذا سَنَّ قانونًا معناه أنَّهُ لا حدَّ للزاني، ولا حدَّ على السَّارق، ولا حدَّ على شارب الخمر، فهذا باطلٌ، وهذه القوانين باطلةٌ، وإذا استحلها الوالي كَفَرَ، إذا قال: أنها حلالٌ، ولا بأس بها. فهذا يكونُ كفرًا، بل من استحل ما حرَّمَ اللهُ كَفَرَ).اﻫ.

    #12$ وسئل أيضًاغ كما في مجموع الفتاوى لا بن باز (3/99-991):

    (سؤال: هل يعتبر الحُكَّامُ الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفَّارًا؟ وإذا قلنا: أنَّهُم مسلمون، فماذا نقول في قوله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:44].

    الجواب: الحكَّام بغير ما أنزل الله، الذي يرى أنَّ ذلك أحسنُ من شرع الله، فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكم القوانين الوضعيَّةِ بدلًا من شرع الله، ويرى أنَّ ذلك جائزًا، ولو قال: إن تحكيم الشَّريعة أفضل، فهو كافر، لكونه استحلَّ ما حرَّم اللهُ، أمَّا من حكم بغير ما أنزل الله، اتِّباعا للهوى، أو لرشوةٍ، أو لعداوةٍ بينه وبين المحكوم عليه، أو لأسبابٍ أخرى، وهو يعلم أنَّهُ عاصٍٍ لله بذلك، وأنَّ الواجب عليه تحكيمُ شرع الله، فهذا يعتبرُ من أهل المعاصي والكبائر، ويعتبرُ قد أتى كفرًا أصغر، وظلمًا أصغر، وفسقًا أصغر.

    كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس وعن طاووس وجماعة من السَّلف الصَّالح، وهو المعروف عند أهل العلم، والله وليُّ التَّوفيق).اﻫ.

    #13$ وقال أيضًا غ كما في قضيَّة التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال (72-73): (من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أمور:

    1- من قال: أنا أحكم بهذا -يعني: القانون الوضعي- لأنَّهُ أفضل من الشَّريعة الإسلاميَّة، فهو كافرٌ كفرًا أكبر.

    2- ومن قال: أنا أحكم بهذا؛ لأنَّهُ مثل الشَّريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز، وبالشَّريعة جائزٌ، فهو كافرٌ كفرًا أكبر.

    3- ومن قال: أنا أحكمُ بهذا، والحكم بالشَّريعة الإسلاميَّة أفضل، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهو كافرٌ كفرًا أكبر.

    4- ومن قال: أنا أحكم بهذا، وهو يعتقد أنَّ الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ويقول: الحكم بالشَّريعة الإسلاميَّة أفضلُ، ولا يجو ز الحكمُ بغيرها، ولكنَّهُ متساهلٌ، أو يفعل هذا الأمر صادر من حكَّامِهِ، فهو كافرٌ كفرًا أصغر، لا يخرج من الملَّة، ويعتبر من أكبر الكبائر).اﻫ.

    #14$ وسئلت اللجنة الدائمة فتوى رقم (6310):

    (سؤال: ما حكم من يتحاكم بالقوانين الوضعيَّة، وهو يعلم بطلانها؟ فلا يحاربها ولا يعمل على إزالتها؟

    الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

    الواجب التَّحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ن عند الاختلاف، قال تعالى: ﴿ﰍﰎ﴾ [النساء:59].

    وقال تعالى: ﴿﴾ [النساء:65].

    والتَّحاكم يكون إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنَّةِ رسول الله ن، فإن لم يتحاكم إليهما مستحلًا التَّحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعيَّة؛ بدافع طمع في مال أو منصب، فهو مرتكب معصية، وفاسقٌ فسقًا دون فسق، ولا يخرج من دائرةِ الإيمان).

    #15$ وسئل العلامة الشيخ عبد المحسن العباد في المسجد النبوي في المدينة النبوية، في درس شرح سنن أبي داود (ذي القعدة1420ﻫ):

    (هل استبدال الشَّريعة الإسلامية بالقوانين الوضعيَّة كفرٌ في ذاته؟ وهل هناك فرقٌ في الحكم مرةً بغير ما أنزل الله، وجعل القوانين تشريعًا عامًّا، مع اعتقاد عدم جواز ذلك؟

    فأجاب: يبدو أنَّهُ لا فرق بين الحكم في مسألةٍ أو عشرٍ أو مئةٍ أو ألفٍ أو أقلٍ أو أكثر، لا فرق؛ ما دام الإنسان يعتبر نفسه أنَّهُ مخطئٌ، وأنَّهُ فعل أمرًا منكرًا، وأنَّهُ فعل معصيةً، وأنَّهُ خائفٌ من الذَّنب، فهذا كُفْرٌ دون كُفْرٍ، وأمَّا مع الاستحلال، ولو كان في مسألةٍ واحدةٍ يستحل فيها الحكم بغير ما أنزل الله، يعتبر نفسه حلالًا، فإنَّهُ يكون كفرًا، والخوارجُ لهم معاص وكبائر، ولم يقل أحدٌ من السَّلف بكفرهم بسببها).اﻫ.

    #16$ وسئل العلامة ابن عثيمين غ:

    (سؤال: هل هناك فرقٌ في المسألة المعيَّنَة، التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله، وبين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًّا؟

    فأجاب بقوله: نعم هناك فرقٌ؛ فإنَّ المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًّا لا يتأتَّي فيها التَّقسيم السابق، وإنَّما هيَ من القسم الأوَّل فقط, لأنَّ هذا المُشرِّع تشريعًا يخالف الإسلام، إنَّما شرَّعَهُ لاعتقاده أنَّهُ أصلح من الإسلام، وأنفع للعباد، كما سبقت الإشارةُ إليه.

    والحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:

    أحدهما: أن يستبدل هذا الحكم بحكم الله تعالى؛ بحيث يكون عالمًا بحكم الله، ولكنَّهُ يرى أن الحكم المخالف له أولى وأنفع للعباد من حكم الله، أو أنَّهُ مساوٍ لحكم الله، أو أنَّ العدول عن حكم الله إليه جائزٌ، يجعله القانون الذي يجب التحاكم إليه، فمثل هذا كافرٌ كفرًا مخرجًا من الملَّة، لأنَّ فاعله لم يرض بالله ربًّا، ولا بمحمدٍ رسولًا، ولا بالإسلام دينًا، وعليه ينطبق قوله تعالى: ﴿ﯿﰀﰁ﴾ [المائدة:50].

    وقوله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:44].

    وقوله تعالى: ﴿ﯗﯘ**﴾ [محمد:26-28] فلا ينفعُهُ صلاةٌ ولا زكاةٌ ولا صومٌ ولاحجٌّ؛ لأنَّ الكافر ببعضٍ كافرٌ به كلَّه.

    قال الله تعالى: ﴿ﭼﭽﭿﮈﮉﮏﮐ﴾ [البقرة:85].

    وقال ـ: ﴿ﭿ﴾ [النساء:150].

    الثاني: أن يستبدل بحكم الله تعالى حكمًا مخالفًا له في قضيَّةٍ معيَّنةٍ، دون أن يجعل ذلك قانونًا يجبُ التَّحاكم إليه فله ثلاثُ حالاتٍ:

    الأولى: أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله تعالى، معتقدًا أنَّ ما خالفَهُ أولى منه، وأنفع للعباد، أو أنَّهُ مساوٍ له، أو أنَّ العُدُول عن حكم الله جائز، فهذا كافرٌ كفرًا مخرجًا عن الملَّة؛ لما سبق في القسم الأوَّل.

    الثانية: أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله، معتقدًا أنَّهُ أولى وأنفع، لكن خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه، أو نفع المحكوم له، فهذا ظالمٌ وليس بكافرٍ، وعليه يتنزَّلُ قولُ الله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:45].

    الثالثة: أن يكون كذلك، لكن خالفه لهوًى في نفسه، أو مصلحةً تعود إليه، فهذا فاسقٌ وليس بكافرٍٍ، وعليه يتنزَّل قولُ الله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:47].

    وهذه المسألة -أعني: مسألةُ الحكم بغير ما أنزل الله- من المسائل الكبرى الَّتِي ابتُلِي بها حُكَّامُ هذا الزَّمان، فعَلَى المرء أن لا يتسرَّع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه، حتَّى يتبين له الحقُّ، لأنَّ المسألة خطيرةٌ، نسأل الله تعالى أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانتهم، كما أنَّ على المرءِ الَّذي آتاه الله العلم، أن يُبَيِّنَهُ لهؤٰلاء الحكَّام؛ لتقومُ الحجَّةُ عليهم، وتبِينُ المحجَّة، فيهلك من هلك عن بيِّنَةٍ، ويحيى من حَيِيَ عن بيِّنةٍ، ولا يحقرنَّ نفسه عن بيانه، ولا يهابَنَّ أحدًا فيه؛ فإنَّ العزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين. والله وليُّ التوفيق).اﻫ.

    #17$ وقال الشيخ عبد المحسن العبيكان كما في لقاءٍ معه: (وهؤٰلاء أيضًا يركِّزون على تحكيم بعض الدول في القوانين الوضعيَّة، ويجعلون من تحكيم القوانين الوضعيَّة كفرًا مخرجًا عن ملَّة الإسلام، ينبوعٌ للناس أن يخرجوا على الحاكم، وأن يُثِيرُوا الفتنة والقتال، ثم يحصل لهم التمكين والخلافة كما يزعمون).اﻫ.

    فهذه بعض أقوال أهل العلم من القدماء والمعاصرين في هذه المسألة، وهو كلامٌ كافٍ شافٍ، لمن كان له قلب، أو ألقى السَّمع وهو شهيدٌ، ففيه البَيَانُ والوُضُوحُ.

    فتبيَّن للقارئ من خلال ما تقدم: متى يكون الحاكم مشركًا شركًا أكبر؟ ومتى يكون كافرًا كفرًا أكبر؟ ومتى يكون كافرًا كفرًا أصغر؟ ومتى يكون ظالمًا؟ ومتى يكون فاسقًا؟ وإلى غير ذلك في التفصيل السابق...

    أمَّا الآن فسأسوق بعض شُبَهِ هؤٰلاء الخوارج المبتدعة الضُّلال وأذنابهم، من السَّرُوريَّةِ والقُطْبِيَّةِ والإخوانِ والإحسانِ وغيرهم، في تكفير حكَّام المسلمين مطلقًا؛ لأنهم لا يتورَّعون في هذه المسألة، ولا ينظرون إلى كلام العلماء، ولا ينظرون إلى ما قاله المفسرون، ولا ينظرون إلى شروط التَّكفير وموانعه، وإنَّما يستعجلون في هذه المسألة بغير علم، فيكفرون حُكَّامَ المسلمين بغير حقٍّ.

    بعض الأسباب المجرئة لهؤلاء الجهال على التكفير:

    #1$ الجهل بالشَّرع وبكيفيَّة التعامل مع النُّصوص.

    #2$ مفارقة جماعة المسلمين وإمامهم.

    #3$ تكفير ولاة أمور المسلمين بشبةٍ واهيةٍ.

    #4$ طعنهم في العلماء، وسوء ظنهم بهم.

    #5$ اتباعهم الأصاغر وبعدهم عن الأكابر.

    #6$ اتباع المتشابه.

    #7$ تحريف النصوص الشرعية.

    #8$ خلطهم بين المعاصي والذنوب، وبين الشَّرك ودون الشَّرك.

    #9$ غلطهم في معنى الموالاة، ومتى تكون مكفرةً، ومتى لا تكون كذلك.

    #10$ عدم فهمهم لضوابط تعامل المسلمين مع الكفار.

    فجاء أهل السُّنَّة ووضَّحوا هذه المسألة توضيحًا كافيًا شافيًا.

    بعض شبه الخوارج في تكفير الحكام

    الشبهة الأولى: احتجاجهم بقوله تعالى: ﴿

    وهيَ من أعظم الشُّبه التي يدندن بها هؤٰلاء الجهَّال في تكفير الحكَّام مطلقًا، وهذه الشبهة هيَ احتجاجهم بقول الله: ﴿﴾ [المائدة:44]، فيقولون: إذن هذا الحاكم لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر.

    * كلام العلماء حول هذه الآية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن العلماء المعاصرين

    #1$ عن طاوس عن عبدالله بن عباس م في قوله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:44ٍ]:

    ليس الكفر الذي تذهبون إليه.

    وفي رواية: إنَّه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفر ينقل عن الملَّة: ﴿﴾ [المائدة:44]: كُفْرٌ دُوْنَ كُفْرٍ.

    * وقد تُوبع طاوس عليه عن ابن عباس م، تابعه عليُّ بن أبي طلحة عنه، بلفظ: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق.

    فأصل هذه المسألة: هو ما تقدم عن ابن عباس م، وأمَّا قول الخوارج فلم يقل فيه إمام من الأئمة ولا مفسر من المفسرين.

    #2$ قال ابن القيم الجوزية غ في مدارج السالكين (1/335ـ 336): (وهذا تأويل ابن عباس م وعامه الصحابة ي في قوله تعالى: ﴿﴾[المائدة:44]. قال ابن عباس م: ليس بكفر ينقل عن الملَّة، بل إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كَفَرَ بالله واليوم الآخر).اﻫ.

    #3$ وقال عطاء: (هو كُفْرٌ دُوْنَ كُفْرٍ، وظُلْمٌ دُوْنَ ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دُوْنَ فِسْقٍ).

    واعلم أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة من أصحاب الحديث والأثر، أتباع السَّلف الصَّالح، متَّفقون على تلقي هذا الأثر عن حَبْرِ هذه الأمة وترجمان القرآن ابن عباس م بالقبول، ومجمعون على صحته، فهم عاملون به داعون إليه.

    قال الحاكم غ في المستدرك (ص2/393): هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

    ونقل الحافظ ابن كثير غ في تفسير القرآن العظيم (2/64) عنه قوله: صحيح على شرط الشيخين واحتج به.

    #4$ وقال شيخ المفسرين الطبري غ في جامع البيان (6/166-167): (وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت الآيات في كفار أهل الكتاب؛ لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات، ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، فهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرٌ عنهم أولى.

    فإن قال قائل: فإن الله -تعالى ذكره- قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصًا؟ قيل: أن الله تعالى عمَّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بشركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كلِّ من لم يحكم بما أنزل لله جاحدًا به، هو بالله كافر، كما قال بن عباس).اﻫ.

    #5$ وقال الإمام أبو المظفر السمعاني غ في تفسير القرآن (2/42): (وقال ابن عباس الآية في المسلمين، وأراد به كفرًا دون كفرٍ، واعلم: أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم.

    وللآية تأويلان:

    أحدهما: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًّا وجحدًا، فأولئك هم الكافرون.

    الثاني: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فألئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم).اﻫ.

    #6$ وقال أبوبكر بن العربي غ أحكام القرآن (2/624ـ625): (اختلف فيه المفسرون، فمنهم من قال: الكافرون والظالمون والفاسقون، كُلُّهُ لليهود، ومنهم من قال: الكافرون للمشركين، والظالمون لليهود، والفاسقون للنصارى، وبه أقول؛ لأنه ظاهر الآيات، وهو اختيار: ابن عباس، وجابر بن زيد، وابن أبي زائدة، وابن شبرمة. وقال طاووس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملَّة، ولكنه كُفْرٌ دون كُفْرٍ.

    هذا يختلف:

    * إن حكم بما عنده على أنَّه من عند الله، فهو تبديلٌ له يوجب الكفر.

    * وإن حكم به هوًى ومعصيةً، فهو ذَنْبٌ تدركه المغفرة، على أصل أهل السُّنَّة في الغفران).

    #7$ وقال القرطبي غ في الجامع لأحكام القرآن (6/190): (... فأمَّا المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرةً).

    #8$ وقال البقاعي غ في نضم الدرر (2/460): (ولمَّا نهى عن الأمرين، وكان ترك الحكم بالكتاب إمَّا لاستهانة، أو لخوف، أو رجاءً، أو شهوةً، رتَّب ختام الآيات على الكفر والظلم والفسوق، قال ابن عباس م: من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقرٌّ فهو ظالم فاسق).اﻫ.

    #9$ وقال أبوحيان غ في البحر المحيط (3/492): (﴿﴾[المائدة:44]: ظاهر هذا العموم، فيشمل هذه الأمة وغيرهم ممن كان قبلهم، وإن كان الظَّاهر أنَّه في سياق خطاب اليهود، وإلى أنَّها عامة في اليهود وغيرهم، ذهب ابن مسعود وإبراهيم وعطاء وجماعة، ولكن كُفرٌ دون كفر، وظُلْمٌ دون ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دون فِسْقٍ، يعني: أنَّ كفر المسلم ليس مثل كفر الكافر، وكذلك ظلمه وفسقه لا يخرجه ذلك عن الملَّة، قاله: ابن عباس وطاووس).اﻫ.

    #10$ وقال الخازن غ في تفسيره (1/310) مختصره: (فقال جماع من المفسرين: إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار، ومن غير حكم الله من اليهود؛ لأن المسلم وإن ارتكب كبيرةً لا يقال: إنه كافر، وهذا قول ابن عباس وقتادة والضَّحاك، ويدلُّ على صحَّة هذا القول، ما روي عن البراء بن عازب ت).

    #11$ وقال جمال الدين القاسمي غ في محاسن التأويل (6/1998م): (كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، بقيد الاستهانة والجحود له، وهو الذي نحاه كثيرون، وأثروه عن عكرمة وابن عباس).

    #12$ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية غ في مجموع الفتاوى (7/312): (وإذا كان من قول السَّلف: أنَّ الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنَّه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملَّة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: ﴿﴾[المائدة:44] قالوا: كفروا كفرًٍا لا ينقل عن الملَّة. وقد تبعهم على ذلك أحمد وغيرهم من أئمة السُّنَّة).

    #13$ وقال أيضًا غ في (7/522): (وقال ابن عباس وغير واحد من السَّلف في قوله تعالى: ﴿﴾[المائدة:44]: فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون، كُفْرٌ دون كُفْرٍ، وظُلْمٌ دون ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دون فِسْقٍ، وقد ذكر ذلك أحمد والبخاري وغيرهما).

    #14$ وقال غ في (7/350-351): (وقد يكون مسلِمًا، وفيه كُفْرٌ دون الكُفْرِ الذي يَنْقُلُ عن الإسلام بالكُلِّيَّةِ، كما قال الصحابة: ابن عباس، وغيره: كُفْرٌ دون كُفْرٍ، وهذا قول عامَّة السَّلَفِ، وهو الَّذي نصَّ عليه أحمد وغيره).

    #15$ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية غ في مجموع الفتاوى (3/267ـ 268): (والإنسان متَّى حلَّل الحرام -المجمع عليه-، أو حرَّم الحلال -المجمع عليه-، أو بدَّل الشَّرع -المجمع عليه-، كان كافرًا مرتدًّا باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله تعالى على أحد القولين: ﴿﴾[المائدة:44] أي: المُسْتَحِلُّ للحكم بغير ما أنزل الله).اﻫ.

    #16$ وقال ابن الجوزي غ في زاد الميسر (2/366-367): (والمراد بالكفر المذكور في الآية قولان:

    أحدهما: أنه الكفر بالله تعالى.

    والثاني: أنه الكفر بذلك الحكم، وليس بكفر ينقل عن الملَّة.

    وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا له وهو يعلم أن الله أنزله كما فعلت اليهود فهو كافر، ومن لم يحكم به ميلًا إلى الهوى من غير جحود، فهو ظالم فاسق، وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرَّ بِهِ ولم يحكم به فهو ظالم فاسق).اﻫ.

    #17$ وقال البيضاوي غ في تفسيره (1/ 468): (ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهينًا به منكرًا له: ﴿﴾ لاستهانتهم به، وتمردهم؛ بأن حكموا بغيره، ولذلك وصفهم بقوله: ﴿﴾ و﴿﴾و﴿﴾ فكفَّرَهم لإنكاره، وظَلَّمَهُم بالحكم على خلافه، وفسَّقَهُمْ بالخروج عنه).

    #18$ وقال الفخر الرازي غ في التفسير الكبير (6/6): (وقال عكرمة: قوله: ﴿﴾ إنَّما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أمَّا من عرف بقلبه كونه حكم الله، وأقرَّ بلسانه حكم الله، إلَّا أنه أتى بما يضادة، فهو حاكم بما أنزل الله تباك وتعالى، ولكنه تاركٌ له، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية، وهذا هو الجواب الصحيح، والله أعلم).

    #19$ وقال الشيخ العلامة الشنقيطي غ في أضواء البيان (2/104): (واعلم أنَّ تحرير المقام في هذا البحث: أن الكفر والظلم والفسق كُلُّ واحدٍ منها أُطْلِقَ في الشَّرع مُرادًا به المعصية تارةً، والكفرُ المخرجُ من الملَّة أخرى: ﴿﴾ معارضة للرسل وإبطال لأحكام الله، فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرجة عن الملَّة... ﴿﴾ معتقدًا أنه مرتكب حرامًا فاعل قبيحًا، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج من الملَّة).اﻫ.

    #20$ وقال الشيخ السعدي غ في تيسير الكريم الرحمن (2/296-297): (فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفرًا يَنْقُلُ عن الملَّة، وذلك اعتقاد جُلِّهِ وجوازه، وقد يكون كبيرةً من كبائر الذنوب ومن أعمال الكفر قد استحق من فَعَلَهُ العذاب الشديد... ﴿﴾[المائدة:44] قال ابن عباس: كُفْرٌ دون كُفْرٍ، وظُلْمٌ دون ظُلْمٍ، وفِسْقٌ دون فِسْقٍ، فهو ظُلْمٌ أكبر عند استحلاله، وعظيمةً كبيرةٌ عند فعله غير مستحل له).اﻫ.

    #21$ وقال العلامة الألباني غفي الصحيحة (6/109-116): (وقد جاء عن السَّلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: (كفر دون كفر) صحَّ ذلك عن ترجمان القرآن: عبدالله بن عباس م، ثم تلقَّاه عنه بعض التابعين وغيرهم، ولابد من ذِكْرِ ما تَيَسَّر لي عنهم، لعل في ذلك إنارةً للسَّبيل، أمام من ضَلَّ اليوم في هذه المسائل الخطيرة، ونحا نَحْوَ الخوارج الذين يكفِّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يُصَلُّون ويصُومُون...) اﻫ.ثم ساق غ بعض الآثار المتقدمة وخرَّجها وبين صحَّتها.

    #22$ وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين غ في تعليقه على كتاب التخدير من فتنة التكفير (ص68-69): (لكن لمَّا كان هذا (الآثر) لا يُرْضِي هؤٰلاء المفتونين بالتكفير، صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول، ولا يصحُّ عن ابن عباس!! فيقال لهم: كيف لا يصحُّ وقد تلقاه من هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث، وتقولون: لا نقبل. ثم هب أن الأمر كما قلتم إنه لا يصح عن ابن عباس، فلدينا نصوصًا أخرى تدلُّ على أن الكفر قد يطلق ولا يراد به الكفر المخرج من الملَّة، كما في الآية المذكورة، وكما في قوله ن: «اثْنَتَانِ بِالنَّاسِ هُمْ بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ». وهذه لا تخرج عن الملَّة بلا إشكال، لكن كما قيل: قلة البضاعة من العلم، وقلة فهم القواعد الشرعيَّة العامة، هي التي توجب هذا الضلال، ثم شيئٌ آخر نضيفة إلى ذلك، وهو: سوءُ الإرادة التي تستلزم سوءَ الفهم، لأنَّ الإنسان إذا كان يريد شيئًا لزم من ذلك أن ينتقل فهمة إلى ما يريد، ثم يحرِّفُ النُّصوص على ذلك، وكان من القواعد المعروفة عند العلماء، أنهم يقولون: استدل ثم اعتقد، لا تعتقد ثم تستدل فتضل.

    فالأسباب ثلاثة هي:

    الأول: قلة البضاعة من العلم الشرعي. الثاني: قلة فقة القواعد الشرعية. والثالث: سوء الفهم المبنى على سوء الإرادة.

    وأمَّا بالنسبة لأثر ابن عباس م فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، كلهم تلقوه بالقبول، ويتكلمون به، وينقلونه فالأثر صحيح).اﻫ.

    #23$ وأخيرًا نختم الجواب على هذه الشبهة، بكلمةٍ طيبةٍ مفصلةً للشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني غ كما في التحذير من فتنة التكفير (ص56-72) ما نصُّهُ: (... ومن هؤٰلاء الخوارج قدماء ومحدثين، فإن أصل فتنة التكفير في هذا الزمان، -بل منذ أزمان- هو آية يدندنون دائمًا حولها ألَّا وهي قوله تعالى: ﴿﴾[المائدة:44] فيأخذونها من غير فهوم عميقة، ويوردونها بلا معرفة دقيقة، ونحن نعلم أن هذه الآية الكريمة قد تكررت وجاءت خاتمتها بألفاظ ثلاث هي: ﴿﴾ و﴿﴾ و﴿﴾ فمن تمام جهل الذين يحتجون من هذه الآية باللفظ الأول منها فقط: ﴿﴾ أنهم لم يُلِمُّوا على الأقل ببعض النُّصوص الشَّرعيَّة -قرآنًا أم سُنَّة- التي جاء فيها ذكر لفظة الكفر، فأخذوها -بغير نظر- على أنها تعني: الخروج من الدين، وأنه لا فرق بين هذا الذي وقع في الكفر، وبين أولئك المشركين من اليهود والنصارى وأصحاب الملل الأخرى، الخارجة عن ملَّة الإسلام، بينما لفظة: (الكفر) في لغة الكتاب والسُّنَّة، لا تعني دائمًا هذا الذي يدندنون حوله، ويسلطون هذا الفهم الخاطئ المغلوط عليه. فشأن لفظة: ﴿﴾ من حيث أنها لا تدل على معنى واحد، هو ذاته شأن اللفظين الأخيرين: ﴿﴾ و﴿﴾ فكما أنَّ من وُصِفَ بأنه ظالمٌ أو فاسقٌ، لا يلزم بالضَّرورة ارتداده عن دينه، فكذلك من وُصِفَ بأنه كافرٌ سواءً بسواءٍ.

    وهذا التَّنَوُّعُ في معنى اللفظ الواحد، هو الذي تدل عليه اللغة، ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب لغة القرآن الكريم، فمن أجل ذلك كان الواجب على كلِّ من يتصدى لإصدار الأحكام على المسلمين -سواءً كانوا حكَّامًا أو محكومين- أن يكون على علم واسع بالكتاب والسُّنَّة، وعلى ضوء منهج السلف الصالح، والكتاب والسنة لا يمكن فهمهما، وكذلك ما تفرع عنهما، إلا بطرق معرفة اللغة العربية, وآدابها معرفةً خاصةً دقيقةً.

    فإن كان لدى طالب العلم نَقْصٌ في معرفة اللغة العربية، فإن مما يساعده في استدراك ذلك النقص الرجوع إلى فهم من قبله من الأئمة والعلماء، وبخاصة أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية، ولنرجع إلى آية: ﴿﴾ [المائدة:44] فما المراد بالكفر فيها: هل هو الخروج عن الملَّة؟ أو أنه غير ذلك؟ فأقول: لابد من الدِّقَّة في فهم هذه الآية؛ فإنها قد تعنى الكفر العملي، وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام.

    ويساعدنا في هذا الفهم حَبْرُ الأمة، وترجمان القرآن عبدالله بن عباس م الذي أجمع المسلمون جميعًا -إلَّا من كان من الفِرَقِ الضَّالَّة على أنَّه إمامٌ فريدٌ في التفسير، فكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تمامًا، من أن هناك أناسًا يفهمون هذه الآية فهمًا سطحيًّا من غير تفصيل، فقال ت: (ليس الكفر الذي تذهبون إليه) و(أنه ليس كفرًا ينقل عن الملَّة) و(هو كفر دون كفر) ولعلَّه يعني: بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي ت، ثمَّ كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين، فقال: (ليس الأمر كما قالوا، أو كما ظنُّوا أنَّما هو كفر دون كفر). فهذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية، هو الحكم الذي لا يمكن أن يُفْهَم سواه، من النصوص التي أشرت إليها قبل، ثم إنَّ كلمة: (الكفر) ذكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية، ولا يمكن أن تحمل فيها على أنها تساوي الخروج من الملَّة، من ذلك مثلًا الحديث المعروف في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود ت قال: قال رسول الله ن: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». فالكفر هنا هي المعصية التي هي الخروج عن الطاعة، ولكن الرسول ؛ وهو أفصح الناس بيانًا، بالغ في الزَّجر قائلًا: «...وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».

    ومن ناحية أخرى: هل يمكن لنا أن نحمل الفقرة الأولى في هذا الحديث: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ». على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث، ضمن الآيةالسابقة: ﴿﴾ [المائدة:44].

    الجواب: أن هذا قد يكون فسقًا مرادفًا للكفر الذي هو بمعنى الخروج عن الملَّة، وقد يكون الفسق مرادفًا للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملَّة، وإنَّما يعني ما قاله ترجمان القرآن أنه: (كفر دون كفر).

    وهذا الحديث يؤكِّدُ أنَّ الكفر قد يكون بهذا المعنى، وذلك لأن الله يقول: ﴿ﮟﮠﮭﮮﯕﯖ﴾ [الحجرات:9].

    إذ قد ذكر ربُّنا هنا الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة المحقَّة المؤمنة، ومع ذلك فلم يحكم على الباغية بالكفر، مع أن الحديث يقول: «... وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».

    إذن فقتاله كُفْرٌ دُوْنَ كُفْرٍ، كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة تمامًا، فقتال المسلم للمسلم بَغْيٌ واعتداءٌ، وفِسْقٌ وَكُفْرٌ، ولكنْ هَذَا يَعْنِي: أنَّ الكُفْرَ قد يكون كُفْرًا عَمَلِيًّا، وقد يكون كُفْرًا اعْتِقَادِيًّا.

    ومن هُنا جاء هذا التفصيل الدقيق، الذي تولى بيانه وشرحه الامام بحقٍّ شيخ الإسلام ابن تيمية غ، وتولى ذلك من بعده تلميذه البار ابن القيم الجوزيةغ، إذ لهما الفضل في التنبيه والدندنه على تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم، الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة، فابن تيمية يرحمه الله وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية: يدندنان دائمًا حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي، والكفر العملي، وإلَّا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج على جماعة المسلمين، التي وقع فيها الخوارج، قد يماوض بعض أذنابهم حديثًا.

    وخلاصة القول: أن قوله ن «وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».لا يعني مطلقًا الخروج عن المِلَّةِ والأحاديث في هذا كثيرًا جدًّا، فهي جميعًا حجةٌ دامغةٌ على أولئك الذين يقفون عند فهمهم القاصر للآية السابقة، ويلتزمون تفسيرها بالكفر الاعتقادي، فحسبنا الآن هذا الحديث؛ لأنه دليلٌ قاطعٌ على أنَّ قتال المسلم لإخية المسلم هو كفر، بمعنى: الكفر العملي، وليس هو الكفر الاعتقادي.

    فإذا عدنا إلى: (جماعة التكفير) أو من تفرَّع عنهم وإطلاقهم على الحكام وعلى من يعيشون تحت رايتهم، وينتظمون تحت إمرتهم وتوظيفهم الكفر والردَّة، فإن ذلك منهم مبنيٌّ على وجهة نظرتهم الفاسدة، القائمة على أن هؤٰلاء ارتكبوا المعاصي، فكفروا بذلك.

    ومن جملة الأمور التي يفيد ذكرها وحكايتها، أنني التقيت مع بعض أولئك الذين كانوا مع جماعة التكفير، ثم هداهم الله :

    فقلت لهم: هاأنتم كفَّرتم بعض الحكام فما بالكم، مثلًا تكفرون أئمة المساجد؟ وخطباء المساجد؟ ومؤذني المساجد؟ وخدمة المساجد؟ وما بالكم تكفرون أساتذة العلم الشرعي في المدارس وغيرها؟!

    قالوا: لأن هؤٰلاء رَضُوا بحكم الحكام الذي يحكمون بغير ما أنزل الله، فأقول: إذا كان هذا الرِّضا قلبيًّا بالحكم بغير ما أنزل الله، فحينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي، فأيُّ حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، هو يرى ويعتقدُ أنَّ هذا الحكم هو الحكم اللائق تبنيه في هذا العصر، وأنه لا يليق به تبنيه للحكم الشرعي المنصوص في الكتاب والسُّنَّة، فلا شكَّ أن هذا الحكم يكون كُفْرُهُ كفرًا اعتقاديًّا، وليس كفرًا عمليًّا فقط، ومن رَضِيَ ارتضاءه واعتقاده، فإنه يلحق به؟ ثم قلت لهم: فأنتم أوَّلًا لا تستطيعون أن تحكموا على كلِّ حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة أو بكثير منها؛ أنه لو سئل عن الحكم بغير ما أنزل الله لأجاب: بأن الحكم بهذه القوانين هو الحقُّ والصَّالح في هذا العصر، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام؛ لأنهم لو قالوا ذلك: لصاروا كفَّارًا حَقًّا دون شكٍّ ولا ريب، فإذا انتقلنا الى المحكومين وفيهم العلماء والصالحون وغيرهم، فكيف تحكمون عليهم بالكفر بمجرد أنهم يعيشون تحت حكم يشملهم، كما يشملكم أنتم تمامًا؟ ولكنكم تعلنون أن هؤٰلاء كفَّارًا مرتدون، والحكم بما أنزل الله هو الواجب، ثم تقولون معتذر ين لأنفسكم: أن مخالفة الحكم الشرعي بمجرد العمل، لا يستلزم الحكم على هذا العامل بأنَّه مرتدٌّ عن دينه؟ وهذا نظير ما يقوله غيركم، سوى أنكم تزيدون عليهم بغير حق، الحكم بالتكفير والردَّة.

    ومن جملة المسائل التي توضح خطأهم وتكشف ضلالهم: أن يقال لهم: متى يُحْكَمُ على المسلم، الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وقد يصلي، بأنه ارتدَّ عن دينه، أيكفي مرةً واحدة؟ أم أنه يجب أن يُعْلِنْ أنَّه مرتدٌّ عن الدين؟

    إنهم لن يعرفوا جوابًا، ولن يهتدوا صوابًا، فنضطر إلى أن نضرب لهم المثال التالي!!

    فنقول: قاضي يحكم بالشَّرع هكذا عادته ونظامه، لكنه في حكومةٍ واحدةٍ زلَّت به القدم فحكم بخلاف الشرع، أي: أعطى الحقَّ للظَّالم وحرم المظلوم، فهذا قطعًا حكم بغير ما أنزل الله، فهل تقولون: بأنه كفر كُفْرَ رِدَّةٍ؟

    سيقولون: لا، لأن هذا صدر منه مرةً واحدةً.

    فنقول: إن صدر منه نفس الحكم مرةً ثانيةً، أو حُكم آخر، وخالف الشَّرع أيضًا، فهل يكفر؟ ثم نكرر عليهم ثلاث مرات، أربع مرات...

    متى تقولون أنه كفر؟ لن يستطيعوا وضع حدٍّ بتعداد أحكامه التي خالف فيها الشَّرع، ثم لا يكفرونه بها، في حين يستطيعون عكس ذلك تمامًا، إذا علم منه أنه في الحكم الأول استحسن الحكم بغير ما أنزل الله مستحلًّا له، واستقبح الحكم الشرعي، فساعتئذ يكون الحكم عليه بالرِدَّةِ صحيحًا.

    ومن المرة الأولى، وعلى العكس من ذلك، لو رأينا منه عشرات الحكومات في قضايا متعددةٍ خالف فيها الشَّرع، وإذا سألناه: لماذا حكمت بغير ما أنزل الله ؟ فرَدَّ قائلًا: خفت وخشيت على نفسي! أو: ارتشيت مثلًا، فهذا أسوأ من الأول بكثير، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقول بكفره حتى يُعْرِبْ عمَّا في قلبه: بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله ، فحينئذ فقط نستطيع أن نقول: إنه كافر كُفْرَ رِدَّةٍ.

    وخلاصة الكلام: لابد من معرفة أنَّ الكفر كالفسق والظلم، ينقسم إلى قسمين:

    - كُفْرٌ وفِسْقٌ وظُلْمٌ يُخْرِجُ من المِلَّةِ، وكلُّ ذلك يعود إلى الاستحلال القلبي.

    - وآخر لا يُخْرِجُ من المِلَّةِ، يعود إلى الاستحلال العملي.

    فكُلُّ المعاصي وبخاصةً ما فَشَا في هذا الزمان، من استحلال عملي للرِّبا، الزِّنا، وشرب الخمر، وغيرها، هي من الكفر العملي، فلا يجوز أن نكفر عموم العصاة المتلبسين بشيءٍ من هذه المعاصي؛ لمجرد ارتكابهم لها واستحلالهم إيَّاها، عمليًّا إلَّا إذا ظهر لنا منهم يقينًا ما يكشف لنا عمَّا في قرار نفوسهم، أنَّهم لا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله اعتقادًا، فإذا عرفنا أنهم وقعوا في هذه المخالفة القلبيَّة، حكمنا عليهم حينئذ بأنَّهم كفروا كُفْرَ رِدَّةٍ.

    أمَّا إذا لم نعلم ذلك، فلا سبيل لنا إلى الحكم بكفرهم؛ لأننا نخشى أن نقع تحت وعيد قوله ؛: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيْهِ: يَا كَافِرْ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا».

    والأحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرةٌ جدًّا، أذكر منها حديثًا ذا دلالةٍ كبيرةٍ، وهو في قصة ذلك الصحابي، الذي قاتل أحد المشركين، فلما رأى هذا المشرك أنه صار تحت ضربةِ سيف المسلم الصحابي، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالا بها الصَّحابي فقتله، فلما بلغ خبره النبي ن أنكر عليه ذلك أشدَّ الإنكار، فاعتذر الصحابي: أن المشرك ما قالها إلَّا خوفًا من القتل! لكنَّ جوابه ن كان: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ».

    إذن الكفر الاعتقادي ليس له علاقةٌ أساسية بمجرد العمل، إنَّما علاقته الكبرى بالقلب، ونحن لا نستطيع أن نعلم ما في قلب الفاسق والفاجر والسارق والزاني والمرابي، وما شابههم إلَّا إذا عَبَّر عمَّا في قلبه بلسانه، أمَّا عمله فينبئُ أنه خالف الشَّرع مخالفةً عمليةً، فنحن نقول: أنك خالفت، وأنك فسقت، وأنك فجرت، لكن لا نقول أنك كفرت وارتددت عن دينك، حتى يظهر منه شيئ يكون لنا عذرًا عند الله في الحكم بردته، ثم يأتي الحكم المعروف في الإسلام عليه، ألا وهو قوله ن: «مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ».

    ولقد قلت، وما أزال أقول لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين:

    هَبُوا أَنَّ هؤٰلاء الحكام كُفَّارًا كُفْرَ رِدَّةٍ، وَهَبُوا أَيْضًا أنَّ هناك حاكِمًا أعلى على هؤٰلاء، فالواجب والحالَةُ هذه: أن يطبِّقَ هذا الحاكم الأعلى فيهم الحدَّ، ولكن الآن ماذا تستفيدون أنتم من النَّاحية العملية، إذا سلمنا جدلًا، أنَّ هؤٰلاء الحكام كفَّارًا كفر رِدَّةٍ؟ ماذا يمكن أن تصنعوا وتفعلوا؟

    إذا قالوا: ولاءً وبراءً: فنقول: الولاءُ والبراءُ مرتبطان بالموالاةِ والمعاداة، قلبية وعملية، وعلى حسب الاستطاعة، فلا يشترط؛ لوجودهما اعلان التَّكفير، وإشهار الرِدَّةِ بل إن الولاءَ والبراءَ قد يكونان في مبتدع أو عاصي أو ظالم.

    ثم أقول لهؤٰلاء: هاهم هؤٰلاء الكفار قد احتلُّوا من بلاد الإسلام مواقع عدة، ونحن مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين، فما الذي نستطيع نحن وأنتم فعله مع هؤٰلاء؟ حتى تقفوا أنتم وحدكم ضدَّ أولئك الحكام، الذين تظنون وتدَّعون أنهم كفارًا).اﻫ. بطوله.

    فقد تقدم أن تفسير ابن عباس م لقول الله : ﴿﴾ [المائدة:44]. وقد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله ت في الآية: (كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ). وقوله أيضًا: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه).

    وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطإ ومجانبة الصواب، وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملَّة، فإنه معصيةٌ عُظْمَى أكبر من الكبائر، كالزنى وشرب الخمر والسرقة واليمين الغموس وغيرها؛ فإن معصية سمَّاها اللهُ في كتابه كفرًا أعظم من معصية لم يسمِّها كُفْرًا، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقيادًا ورضاءً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    الشبهة الثانية: يحتجون بموالاتهم للكفار أي الحكام

    فيحتجون على تكفير الحكام بهذا.

    والجواب على هذه الشبهة: نقول إنَّهم يجهلون معنى الموالاة؟ ومتى تكون مكفرةً؟ ومتى لا تكون كذلك؟

    ومن أخطر الأسباب الداعية إلى التكفير: الجهل بالشرع، وهذا الجهل له صور عديدة، ومن أهم ذلك: جهل هؤٰلاء الضَّالين الخارجين عن السُّنَّة بمعنى الموالاة, وغلطهم في الموالاة من ناحيتين:

    الناحية الأولى: ظنهم أن الموالاة قسمٌ واحدٌ، وتُخْرِجْ من الملَّة بشتى صورها وأشكالها.

    الناحية الثانية: ظنهم بعض الأمور المشروعة أنها من الموالاة.

    والصورة الثانية: تتضمن الحديث عن ضوابط التعامل مع الكفار، وكذلك تتضمن الحديث عن درء شرِّ الكفار، بما يظهر من صورته أنه موالاة، وهو ليس كذلك؛ فالموالاة أقسام وأنواع، فمنها المكفر، ومنها المفسق، وثمة أمور يتوهم البعض أنها من الموالاة، وليس الأمر كذلك.

    معنى الموالاة والتولي: الموالاة مأخوذة من الفعل: وَالَى يُوَالِي مُوَالَاةً، وهي بمعنى: النُّصرةَ والتأييدَ. قال تعالى: ﴿﴾ [آلعمران:٦٨]، وقال تعالى: ﴿﴾ [المائدة:55].

    والآيات في الموالاةِ كثيرةٌ، وكلُّها بمعنى: النُّصرة والتأييد، فأمر تعالى بمحبة المؤمنين ونصرتهم، ونهى عن محبة الكفار ونصرتهم.

    * قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب غ في تسيير العزيز الحميد (عن الموالاة): (هي لازم الحبِّ، وهي النُّصرة والإكرام والاحترام، والكَوْنُ مع المحبوبين باطنًا وظاهرًا).اﻫ.

    وما ذكره الشيخ سليمان غ هو الموالاة التامَّة، التي من صرفها لله ورسوله والمؤمنين كان مؤمنًا تامَّ الإيمان، ومن صرفها للمشركين كان مشركًا مثلهم.

    أقسام الموالاة:

    وتنقسم الموالاه إلى قسمين: موالاةٌ مكفرة، وموالاةٌ محرمة، لا تخرج من الملَّة.

    فالموالاة المكفرة: هي التامَّة التي تكون مشتملة على حبِّ دين الكفار، وحب ظهوره على المسلمين، أو العمل على ذلك، ولها صور:

    الصورة الأولى: محبَّةُ الكفار لدينهم في الباطن، مع إظهار العداوة لهم في الظاهر، فهذه موالاة مكفرة، وهي ما كان عليه المنافقون، وهذه من صور التولي المخرج من الملَّة، عند من يفرق بين الموالاة والتَّولي.

    الصورة الثانية: محبَّةُ الكفار، والرغبة فيهم وفي دينهم، باطنًا وظاهرًا، فهذا كُفْرٌ صريحٌ، وهذه هي الموالاة التامَّة.

    * قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ غ: (وأصل: الموالاة هو: الحبُّ والنصرة والصداقة، ودون ذلك مراتب متعددة، ولكل ذنب حظُّه وقسطه من الوعيد والذَّم، وهذا عند السَّلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وفي غيره، وإنَّما أُشْكِلَ الأمرُ، وخفيت المعاني، والتبست الأحكام على خلوفٍ من العجم والمولدين؛ الذين لا درايةَ لهم بهذا الشأن، ولا ممارسة لهم بمعاني السُّنَّة والقرآن).اﻫ.

    * وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن غ كما في الدرر السنية (11-30-34): (وأمَّا إيواؤهم ونقض العهد لهم، ومظاهرتهم ومعاونتهم، والاستبشار بنصرهم، وموالاة وليهم، ومعاداة عدوهم من أهل الإسلام: فكُلُّ هذه الأمور زائدةٌ على الإقامة بين أظهرهم، وكُلُّ عمل من هذه الأعمال، قد توعَّد الله بالعذاب والخلود فيه، وسلب الإيمان، وحلول السَّخَطِ بِهِ، وغير ذلك مما هو مضمون الآيات المحكمات، التي قد تقدمت).اﻫ.

    * وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء(2-71-72)، بسؤالٍ ما نَصُّهُ:

    (سؤال: ما هي حدود الموالاة التي يكَفَّرُ صاحبها، وتخرجه من الملَّة حيث نسمع أن من أكل مع المشرك أو جلس معه فهو مشرك؟!

    الجواب: موالاة الكفَّار التي يكفَّر بها من والاهم: هي محبتهم ونصرتهم على المسلمين، لا مجرد التَّعامل معهم بالعدل، ولا مخالطتهم لدعوتهم للإسلام، ولا غشيان مجالسهم والسفر إليهم للبلاغ ونشر الإسلام، وبالله التوفيق).اﻫ.

    * وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي غ في أضواء البيان (2/111): (ويفهم من ظواهر هذه الآيات أنَّ من تولَّى الكفَّار عمدًا واختيارًا رغبةً فيهم، أنه كافرٌ مثلهم).اﻫ.

    * وقال شيخ الإسلام ابن تيمية غ في اقتضاء الصراط المستقيم (1/241 فما بعدها): (وهذا الحديث يعني: حديث: «وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». أقَلُّ أحواله أن يقتضي تحريم المشتَبِّه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المشتبه بهم، كما في قوله تعالى: ﴿ﭣﭤ﴾ [المائدة:51]، وهو نظير ما سنذكره عن عبدالله بن عمر م أنه قال: (مَنْ بَنَى بِأَرْضِ المُشْرِكِينَ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ، حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ).

    فقد يُحمَلُ هذا على التشبُّهِ المطلق؛ فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنَّه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرَا أو معصيةً أو شِعَارًا للكفر أو للمعصية، كان حكمه كذلك).اﻫ.

    * وقال ابن عثيمين غ لما سُئِلَ عن الموالاة: (وهذه المسألة من أدقِّ المسائل وأخطرها، ولا سيَّما عند الشباب؛ لأن بعض الشباب يظنُّ أنَّ أيَّ شيئٍ يكون فيه اتصالٌ مع الكفار فهو موالاةٌ لهم، وهو ليس كذلك). اﻫ. الباب المفتوح (3/466).

    * قال ابن تيمية غ كما في الفتاوى (7/522): وقد تَحْصُلُ للرجل مودَتُهم لِرَحِمٍ أو حاجةٍ، فتكون ذنْبًا ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا.

    - كما حصل لحاطب بن أبي بلعته، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي ن وأنزل الله فيه: ﴿﴾ [الممتحنة:1].

    - وكما حصل لسعد بن عبادة لمَّا انتصر لابن أبي في قِصَّةِ الإفك، فقال لسعد بن معاذ: كذبت والله! لا تقتله، ولا تقدر على قتله. قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا؛ ولكن احتملته الحمية).اﻫ.

    الشبهة الثالثة: التي يدندنون بها في تكفيرهم للحكام والخروج عليهم، بحجة أنهم أعانوا الكفار على المسلمين

    والردُّ على الشُّبْهَةِ من أربعةِ أوجهٍ:

    الوجه الأول: لا ينبغي تصديقُ كُل ما يقال، لا سيَّما إن أريد به إيقاع الإثم على المسلم، فضلًا عن إيقاع الكفر، وقد أمرنا الله تعالى بالتثبّيت في خبر الفاسق، لاسيَّما أنَّ الاعتماد في مثل هذه الأمور إما على: خبرِ كافرٍ أو فاسق أو مجهول، أو على توقعات مدَّعِي السِّياسة، المبنيَّة على القرائن التي تحتملُ الصَّواب والخطأ.

    الوجه الثاني: إن من الحكام المراد تكفيرهم بهذا، من ينفي عن نفسه إعانة الكفار على المسلمين، وحيث كان المتكلم هو أعرف الناس بشأن نفسه، وجب تصديقه؛ حتى يثبت لدينا ما يقطع بكذبه.

    الوجه الثالث: ليست كلُّ إعانةٍ مكفرةٌ؟ بل في الأمر تفصيل، فمع الاعتراف بكونه معصية لله تعالى، إلَّا أنه لا يكون كفرًا مطلقًا؛ فإنه إن أعانهم لإجل دينهم كفر، وأمَّا إن أعانهم لإجل الدنيا فإنَّه لا يَكْفُرْ، وهذا التَّفصيلُ هو ما دلَّت عليه الأدلَّةُ، وقال به أهل العلم.

    الوجه الرابع: أنَّه وعلى سبيل التَّسليم، لو قيل بتكفير كُلِّ معينٍ مطلقًا، أو جَرَى لأحدهما أنه أعان الكفَّار على الوجه المكَفِّر، فليس كُلُّ واقعٍٍ في الكُفْرِ يكونُ كافرًا، فكما أنَّ الإثم قد يختلف، فكذلك الكفر؛ ببيان الآخر بالتثبيت، قال تعالى: ﴿﴾ [الحجرات:6].

    بيان أنه ليست كل إعانةٍ مكفرة:

    ووجه دلالة الحديث:

    #1$ أنه أعان كفَّار قريش حين كاتبهم بخبر غزو النبي ن لهم.

    #2$ ولم يحكم النبي ن بكفره.

    #3$ ولم يوافق النبي ن عمر بن الخطاب في تكفيره لحاطب م.

    #4$ ورجع عمر ت عن تكفيره وبكى، وقال: (الله ورسوله أعلم).

    #5$ ولم يترك النبي ن تكفير حاطب إلَّا لِعُذْرٍ؛ أنَّه: قصد الدنيا بإعانته، حيث اعتذر بأنه يريد أن تكون له يَدٌ على قريش؛ ليحمي أهله الذين بمكة، وهذه مصلحةٌ دنيويةٌ، وقَبِلَ النَّبِيُّ ن هذا الاعتذار.

    #6$ ولا يمكن اعتبار حاطب ت متأولًا؛ لأنَّه لو كان كذلك لقام النبي ن بتعليمه، وإزالةِ الشُّبْهَة عنه، ولكنه لم يقم بذلك.

    #7$ ولما لحقه ت إثم؛ لأنَّه لو كان تأول لكان معذورًا، ومن ثَمَّ فليس محتاجًا لفضيلة شهوده بدر، حتى يكفَّر عنه ذلك الإثم.

    #8$ ثم إنه ت كان يعلم بخطورة عمله، مما يؤيد نفي التأويل عنه.

    #9$ كما لا يمكن اعتبار حاطب ت معفيًّا من التكفير، على اعتبار أنَّه من أهل بدر، لأنَّه لو حذَّر من الكفر؛ لقضى الكفر على فضيلة حضور بدر وأحبطها، ومن ثَمَّ فلا يمكن أن يشفع له عملٌ حابطٌ، كيف وقد أخبر الله تعالى بأن الشِّرك محبطٌ للنبوَّة والرسالةِ، وهما أعظم من بدرجة حاطب ت حين قال: ﴿﴾[الزمر:65].

    * قال ابن تيمية غ كما في الفتاوى (7/522): (وقد تحصل موادتهم لرحم أو لحاجة، فتكون ذنب ينقص به إيمانُهُ، ولا يكون به كافرًا: كما حصل لحاطب بن أبي بلعتة، لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي ن).اﻫ.

    بيان ضابط الاعانة المكفرة:

    لما أعان حاطب ت كفَّار قريش سأله النَّبِيُّ ن بقوله: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟...».

    وعليه؛ فإنَّ الواجب على من أراد الحكم في مثل هذه المسألة أن يسأل عن الحامل، الباعث، السَّبب، وبناءً على معرفة الباعث، يكون الحكم، فينظر إلى الباعث على الإعانة، ما هو؟ فإن أعانهم لإجل دينهم كفر.

    * قال البغوي غ: (﴿﴾ فيوافقهم ويعينهم).اﻫ. تفسيره (3/68).

    * وقال الألوسي غ: (وقيل المراد من قوله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:51]: كافر مثلهم حقيقةً، وحُكِيَ عن ابن عباس م، ولعل ذلك إذا كان توليهم من حيث كونهم يهودًا ونصارى).اﻫ تفسيره (3/157).

    * وقال عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمهم الله: (وأما قوله: ﴿﴾. وقوله: ﴿﴾ [المجادلة:٢٢]. وقوله: ﴿﴾ [المائدة:57]: فقد فَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة.

    وأصلُ الموالاة: هو الحُبُّ والنُّصرة والصَّداقة، ودون ذلك مراتب متعددة، ولكُلِّ ذنب حَظُّهُ وقِسْطُهُ من الوعيد والذَّم، وهذا عند السَّلف الراسخين في العلم، من الصحابة والتابعين، معروف في هذا الباب وغيره).اﻫ. الرسائل والمسائل النجدية (3/10)، الدرر السنية (1/474).

    * وقال الشيخ ابن عثيمين غ: (هو منهم في الظَّاهر بلا شكٍّ؛ بسبب المعاونة والمناصرة، ولكن هل يكون منهم في الباطن، نقول: يمكن أن تكون هذه المناصرة والمعاونة تؤدي الى المحبَّة في الباطن، ومشاركتهم في عقائدهم وفي أعمالهم وأخلاقهم).اﻫ. عند تفسير قوله تعالى: ﴿﴾ [المائدة:51].

    أمَّا إن أعانهم لأجل الدنيا فإنَّه لا يكفر: مع كونه إثمًا عظيمًا.

    هذا يستفاد من حديث حاطب ت، حينما اعتذر بإرادته مصلحةً دنيويةً، وقَبِلَ النبي ن عُذْرَهُ ذاك، ولم يحكم عليه بالكفر.

    * قال ابن كثير غ: (قَبِلَ رسول الله ن عُذْرَ حاطبٍ لمـَّا ذكر أنَّه إنَّما فعل ذلك مصانعةً لقريش؛ لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد).اﻫ. تفسيره (4/410).

    وهذا بيانٌ أنَّهُ ليس كُلُّ من وقع في الكفر يكون كافرًا.

    والخلاصة: أن يقال: إن تضمنت محبَّةَ الكفَّار النُّصْرَة لهم، يكون ذلك كُفرًا، أمَّا إذا لم تكن هناك نُصْرَةٌ فهذه معصيةٌ، والله أعلم.

    الشبهة الرابعة: في تكفيرهم للحكام والخروج عليهم بحجة أنهم أماتوا الجهاد؟

    الردُّ على هذه الشبهة: قد بُيِّنَتْ في أكثر من موضع: أنه لا يجوز الإقدام على التَّكفير بلا برهانٍ، وأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا بيقينٍ يُزِيلُ اليقينَ الَّذي دخل به الإسلام.

    وهذا اليقينُ أعني به أن يثبت عندنا أمران:

    أحدهما: متعلقٌ بالفعل.

    والآخر: متعلقٌ بالفاعل.

    فالمتعلقُ بالفعل: هو أن يثبت لدينا بالدَّليل الصَّحِيحِ الصَّرِيح: أنَّ هذا الأمرَ كُفْرٌ.

    والمتعلق بالفاعل: هو أن يكون الواقعُ فيه ممن توفَّرت فيه شروطُ التكفير، وانتفت عنه موانعه.

    ولا يَصْلُحُ تكفيرُ المسلم بالأمور المحتملَةُ للكُفْرِ، ولما هو دون الكفر، بل لابد من وجود اليقين، وعليه فإنه يقال: إماتة الحكام للجهاد الشرعي كلمةً مجملةً، تحتاج إلى تفصيلٍ كاشفٍ عن المراد بها؛ حيث أنها تحتمل معنيين بينهما في الحكم، كما بين السماء والأرض.

    فهل المراد: أن الحكام أنكروا شرعيَّةَ الجهاد في الإسلام؟

    أو المراد: أنَّهم تركوا القيام به مع الاعتراف بشرعيته؟

    فإنَّ الأوَّل: كُفْرٌ بلا ريب.

    وأما الثاني: فله حالتان:

    1- فمن تركَهُ وهو غيرُ قادر: فهو معذورٌ شرعًا.

    2- ومن تركَهُ وهو قادرٌ: فهو مقَصِّرٌ، غير معذور، ولكنَّهُ لا يُكَفَّر.

    خلاصة الأمر: أنَّ الحاكم التَّارك للجهاد أحدُ رجلين؟

    1- رجلٌ غيرُ قادر: فهو معذورٌ.

    2- ورجلٌ مقصِّرٌ عاصٍٍ ليس بكافر.

    ومعلومٌ أنَّهُ لا يجوز الخروجُ على الحاكم بالمعصية التي دون الكفر.

    وكذلك لا يخفاك أخي المسلم، ما تعانيه الأمَّةُ الآن؛ من ضعفٍ شديدٍ بل ومن تسلُّطٍ شديدٍ من أعداء الإسلام.

    أقول: وأمَّا من ثبت عليه بعينه إنكار مشروعيَّةِ الجهاد في الإسلام، فإنَّهُ يكفر متى توفَّرت في حقَّهِ شروطُ تكفير المعين.

    بيان خطر التكفير بدعوى تعطيل الجهاد

    * قال الشيخ صالح الفوزان جوابًا على:

    سؤال: (هناك من يقول: إنَّ ولاة الأمور والعلماء في هذه البلاد قد عطَّلُوا الجهاد، وهذا كُفْرٌ بالله، فما هو رأيكم في كلامه؟

    الجواب: هذا كَلَامُ جَاهِلٍ، يَدُلُّ على أنَّهُ ما عنده بصيرةٌ ولا علمٌ، وأنه يُكَفِّرُ النَّاسَ، وهذا رَأْيُ الخوارجِ، هم يَدُورُونَ على رأي الخوارج والمعتزلة،... نسأل الله العافية).اﻫ. الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية (ص110) ط. الأولى.

    بيان عـــدم الحرج في ترك الجهاد حال العجز

    واشتراط القدرة في جهادي الطلب والدفع:

    * قال الشيخ ابن عثيمين غ عن الجهاد في البوسنة والهرسك:

    (ولكن أنا لا أدري، هل الحكومات الإسلامية عاجزةٌ أم ماذا؟ إن كانت عاجزةٌ فالله يعذُرُهَا، والله يقول: ﴿ﮡﮢﮧﮨ﴾ [التوبة:91].

    فإذا كان ولاةُ الأمور في الدُّوَلِ الإسلاميَّة قد نصحوا لله ورسوله، لكنَّهُم عاجزون، فالله قد عذرهم).اﻫ. الباب المفتوح (2/284).

    * وقال غ عن الجهاد: (إذا كان فرضَ كفايةٍ أو فرضَ عينٍ، فلابد له من شروطٍ من أهمِّهَا: القدرة، فإن لم يكن لدى الإنسان قدرةٌ؛ فإنَّهُ لا يُلقِي بنفسه إلى التَّهلكة، وقد قال الله تعالى: ﴿ﮨﮩﮪﮫ﴾ [البقرة:195]).اﻫ. الباب المفتوح (2/420).

    بيان أنَّ الأمـــة الآن في ضعف يوجب عليها عدم استعجال الجهاد:

    * قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين غ في شرح كتاب الجهاد من بلوغ المرام الشَّريط الأول الوجه (أ):

    (لو قال لنا قائلٌ الآن: لماذا لا نحاربُ أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا؟

    لماذا، لعدم القدرة؛ الأسْلِحَةُ الَّتي قد ذهب عصرُهَا عندَهُم هِيَ الَّتي في أيدينا، وهي عند أسلحَتِهِمْ بمنزلَةِ سكاكين الموقد عند الصواريخ؛ ما تُفِيدُ شيئًا، فكيف يمكن أن نقاتل هؤٰلاء؟!

    ولهذا أقول: أنه من الحُمْقِ أن يقول قائل: أنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا، كيف نقاتل؟ هذا تَأْبَاهُ حكمةُ الله ويَأْبَاهُ شَرْعُهُ، لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به : ﴿﴾ [الأنفال:٦٠] هذا الواجب علينا أن نَعُدَّ لهم ما استطعنا من قوة، وأَهَمُّ قوةٍ الإيمان والتَّقوى).اﻫ.

    * وقال غ: (فالقتال واجبٌ، ولكنَّهُ كَغَيْرِهِ من الواجبات؛ لابد من القدرة والأمة الإسلامية اليومَ عاجزةٌ، لا شكَّ عاجزةٌ ليس عندها قوةً معنويةً، ولا قُوَّةً ماديةً، إذًا يسقط بعدم القدرة عليه: ﴿﴾ [التغابن: 16]. وقال تعالى: ﴿﴾ [البقرة:216]).اﻫ. شرح رياض الصالحين (3/375) أوَّل كتاب الجهاد. ط المصرية.

    * وقال غ: (لكن الآن ليس بأيدي المسلمين، ما يستطيعون به جهاد الكفَّار، حتَّى ولا جهاد مدافعة).اﻫ. الباب المفتوح (2/261) لقاء(33) سؤال (977).

    يستفاد من كلامه غ: اشتراطه القدرة في جهاد الدَّفع.

    * وقال غ: (إنه في عَصْرِنَا الحاضر، يتعذر القيام بالجهاد في سبيل الله بالسَّيف ونحوه؛ لضَعْفِ المسلمين ماديًّا ومعنويًّا، وعدم إتيانهم بأسباب النَّصْرِ الحقيقية، ولإجل دخولهم في المواثيق والعهود الدولية، فلم يَبْقَ إلَّا الجهاد بالدعوة إلى الله على بصيرة).اﻫ. الفتاوى (18/388).

    بعض المخالفات المنهجية في طريق الدعوة إلى الجهاد

    * (تعميم القول بفرضية الجهاد.

    * تعطيل استمرار مصالح الأمم.

    * غلبة التأثير بالعاطفة في منهجية التَّحريض.

    * التَّوسع في بناء الأحكام على فتوى تَتَرُّس الكفار بالمسلمين.

    * الخوض في المسائل الدقيقة.

    * تكفير الناس دون مراعاة الشروط وانتفاء الموانع.

    * الطعن في العلماء).اﻫ. بتصرف من كتاب مخالفات منهجية في طريق الدعوة إلى الجهاد للعزَّاوي.

    الشبهة الخامسة: الاحتجاج على تكفير الحكام والخروج عليهم بانتشار المعاصي

    مثل: الربا، والخمر، وبيوت الدعارة، والفواحش المنتشرة في البلاد، والسُيَّاح، والكنائس، والمراقص، ودعاةُ الشَّر،...،... وغيرها من المعاصي.

    الجوابعلى هذه الشُّبهة: أن هذه المعاصي تُعَدُّ من الكبائر، فلا يُكَفَّرُ بها إلَّا إذا استحلَّها استحلالًا اعتقاديًّا، ولا يعرف أنه استحلَّها إلَّا إذا نَطَقَ بذلك.

    ونضرب مثلاً في هذه المعاصي، مثل الأول: وهو الرِّبَا، هذا الفعل وإن كان ذنبًا إلَّا أنَّهُ لا يصلُ إلى حَدِّ الكفر، لم يجز الخروج على الحكام لإجل هذا، بل الواجب الدعاء لهم ونصحهم ودعوتهم بالتي هي أحسن.

    واعلم وفقك الله، أن هناك من يكفِّر بهذه البنوك مدعيًا أنَّ حمايةَ هذه البنوك قرينة على الاستحلال، ومن ثَمَّ فإنَّ الحاكم يكفَّرُ بذلك؟

    وجوابًا على هذه الدعوى يقال:

    لا يعرف الاستحلال إلَّا من التَّصريح، فليس الإصرار على الذنب ولا حمايته ولا الدعوى إليه دليلًا على استحلاله، ولا يقول هذا إلَّا من فتن بحبِّ التَّكفير المذموم، وتجرأ عليه ولم يعرف العلم، وإلَّا: لو كان كذلك:

    لكفَّرنا المصرَّ على شُرْبِ الخمر مثلًا!!

    ولكفَّرنا الأب الذي يحمي أجهزة الإفساد من اعتداء أحد أبنائه عليها!!

    ولكفَّرنا كلَّ صديق سوء يدعو إلى المعصية ويزينها!!

    فليكفر أولئك المتعجلون آبائهم وإخوانهم وذويهم، إن كانوا يلتزمون ما يقولون، وإلَّا فليعوا خطورة الأمر، ولينتهوا عمَّا هم عليه، إذًا:

    فالتمكين من الرِّبَا لا يكفر وأنَّ الاستحلال لا يستفاد من الفعل المجرد

    * قال ابن عثيمين غ جوابًا على:

    (سؤال: ما هو ضابط الاستحلال الذي يُكَفَّرُ به العبد؟

    قال: الاستحلال هو أن يعتقد حِلَّ ما حرمه الله،... وأمَّا الاستحلال الفعلي فينظر: لو أن الإنسان تعامل بالرِّبا لا يعتقد أنه حلال لكنه يُصِرُّ عليه، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا يستحله، ولكن لو قال: إن الربا حلال! ويعني بذلك: الربا الذي حرمه الله؛ فإنه يكفَّر؛ لأنَّهُ مُكَذِّبٌ لله ورسوله).اﻫ. الباب المفتوح (3/97) لقاء (50) سؤال (1198).

    فهذا مثلٌ في الربا وغيره من المعاصي، مثله وعلى هذا الاعتقاد، والله أعلم.

    * وقال معالي الشيخ صالح بن فوزان في تعليقه على الطحاوية:

    (الذنب إذا لم يكن كفرًا أو شركًا مخرجًا من الملَّة؛ فإنَّنا لا نكفر به المسلم بل نعتقد أنَّهُ مؤمن ناقصُ الإيمان، مُعَرَّضٌ للوعيد، وتحت المَشِيئَةِ، هذه عقيدة المسلم، ما لم يستحله، فإذا استحلَّ ما حرَّم الله فإنَّهُ يكفَّر كما لو استحل: الرِّبا، أو الخمر، أو الميتة، أو لحم الخنزير، أو الزِّنا. إذا استحلَّ ما حرم الله كَفَرَ بالله، وكذلك العكس: لو حرَّم ما أحل الله كفر: ﴿﴾ [التوبة:31] وجاء تفسير الآية بأنَّهم أحلُّوا لهمُ الحرام وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم، فعن عَدِيِّ بن حاتم ت قال: أتيت النبي ن، وفي عُنُقِي صَلِيبٌ من ذهب، فقال: «يَا عَدِي، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ». وسمعته يقرأ في سورة براءة: ﴿ﯧﯨﯬﯭ﴾ [التوبة:31]. قال ن: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ». أخرجه الترمذي رقم (3095).

    أمَّا لو فعل الذَّنب وهو لم يستحله، بل يعترف أنَّهُ حرام، فهذا لا يُكَفَّر، ولو كان الذَّنبُ كبيرَةٌ دُوْنَ الشِّرْكِ والكفر، لكنَّهُ يكون مؤمِنًا ناقصَ الإيمان، أو فاسقًا بكبيرته مؤمنًا بإيمانه).اﻫ.

    * وقد سئل الشيخ صالح اللحيدان : (هناك بعض الشباب يحكمون بكفر الحاكم، ويحتجُّون بوجود منكرات ظاهرة وباستمرار، ويزعمون أن هذا يدلُّ على استحلالها، فهل هؤٰلاء على صواب؟

    فأجاب : الاستحلال من أعمال القلوب، وليس كُلُّ مرتكب معصيةً مستحلًا لها، فإن الزِّنَا وُجِدَ في عهد النبي ن، السَّرِقَة وُجِدَت في عَهْدِه ن، شُرْبُ الخمر وُجِدَ في عَهْدِهِ، وشارب الخمر قال عنه النبي ن: «إِنَّهُ يُحِبُ اللهَ وَرَسُولَهُ». والحديث أخرجه البخاري (8/327رقم6780) من حديث عمر بن الخطاب ت.

    وكثرة ارتكاب الذنب لا يدُلُّ على استحلال، فلا يحل للإنسان أن يدَّعي أنه يعلم ما في القلوب، وهؤٰلاء إنَّما يُؤْتَونَ من جهلهم وعدم بصيرتهم.

    ولعل الغيرة مع ضعف البصيرة جعلتهم يجنحون هذه الجَنَحَات، وهذا ظُلْمٌ لأنفسهم، وظُلْمٌ لمن يكفرونه، ومذهب أهل السنة والجماعة ألَّا يكفر إنسان بذنب، إلَّا إذا كان الذنب لا يرتكبه إلَّا كافر، ولا يرتكبه مسلم على الإطلاق.

    فإنَّ من يَشْرَب ويَشْرَب لم يكفرهُ الصَّحابة ي ولم يُكَفِّرْهُ الرسول ن، ولما جاء ذكر الشراب المتكرر ما قال النبي ن: إنه كفر الكفر المخرج من الملَّة.

    ولكن هكذا؛ كلما أحسن الإنسان الظَنَّ في نفسه، وبدا له أنه صار رجل الدنيا، وواحدها يغتر بنفسه، ويعطيها حكم المفتي والقاضي والحاكم والموجه الذي يصدر الناس عن أمره وهذا من جهله بنفسه).اﻫ. من العلاقة بين الحاكم والمحكوم (ب).

    تبيَّن ممَّا سبق أنَّ الذُّنوب وإن عظمت ما لم تكن شركًا، فإنها لا تخرج من الإسلام، ولا تُبَرِّرُ الخروج عن الحاكم المسلم، كما يفعله الخوارج.

    * قال العلامة عبدا لعزيز ابن باز غ: (هذه الدولة بحمد الله، لم يصدر منها ما يوجب الخروج عليها، وإنَّما الذي يستبيح الخروج على الدولة بالمعاصي هم الخوارج، الذين يكفرون المسلمين بالذنوب، ويقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان).اﻫ. مجموع الفتاوى والمقالات (4/89- 97).

    الشبهة السادسة: احتجاجهم على تكفير الحكام والخروج عليهم بشبهة الشرع المبدل

    يقولون: بمجرد أن يضع الحاكم قوانين ودساتير فقد بدَّل الحكم.

    الجواب: على هذه الشبهة باختصار: أن تبديل الحكم كما في الآية عند قوله تعالى: ﴿ﭵﭶﭿ﴾ [البقرة:79].

    فضابط التبديل في الآية: أن يأتي بحُكْمٍ وشَرْعٍ من عند نفسه، ثم يقول: هذا من عند الله.

    يراجع: أحكام القرآن لابن العربي (2/625)، ومجموع الفتاوى (3/268/(11/507).

    الشبهة السابعة: الاحتجاج على تكفير الحكام والخورج عليهم بقوله تعالى: ﴿[الشورى:22]

    الجواب: على هذه الشبهة أنَّ التَّشريع على أقسام:

    1- إن شرَّع بشِرْعَةٍ ونسبها الى الله فهذ كُفْرٌ أكبر.

    2- إن اعتقد أن شريعته أفضل من شريعة الله، وأنه ليس واجب عليه أن يحكم بما أنزل الله فهذا شرك أكبر .

    3- إن شرَّع شِرْعَةً ولم يرض بها، ويعرف أنها حرام، ولكنه مجبورٌ أو لشهوات في نفسه وغيرها، فهذا شركٌ أصغر.

    الشبهة الثامنة: الاحتجاج على تكفيرهم للحكام والخروج عليهم بقوله تعالى:﴿[الأنعام:٥٧]

    يقولون: إن الحكم في الأرض يكون لله، وإن وجد من يحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وهذا فَهْمٌ منهم للآية فَهْمٌ باطلٌ، كما هِيَ عادتهم.

    ولهذه الآية وأمثالها كفَّر الخوارج عليًّا ت وإخوانه من الصحابة ي، وخرجوا عليهم، وقتلوا النَّفْسَ المؤمنة، وقطعوا السَّبيل، وأفسدوا في الأرض.

    * قال الحافظ ابن حجر غ في فتح الباري (6/619): (وكان أوَّل كلمةٍ خرجوا بها، قولهم: لا حكم إلَّا لله، وانتزعوها من القرآن، وحملوها على غير محملها).اﻫ.

    وهذا ما نشاهده اليوم من الخوارج، الذين فجَّرُوا ودمَّرُوا في البلاد الإسلامية؛ بسبب جهلهم واتباعهم للمتشابه والشُّبَه الواهية.

    مناظرة ابن عباس للخوارج

    وإليك نَصُّ حِوَارِ عبدالله بن عباس م مع الخوارج؛ كي يتبين لك بعض الشُّبَهِ التي يطرحها الخوارج:

    فمن المناظرات الشَّهِيرَةُ في التَّاريخ الإسلامي، مناظرة ابن عباس م مع الخوارج، وقد كان لهذه المناظرة تأثيرٌ كبيرٌ في سير الأحداث فيما بعد، حيث تجلت إمامة ابن عباس م، وعُمْقُ فِقْهِهِ، وقُدْرَتِهِ على المُحَاوَرَةِ والمُنَاظَرَةِ، وإليك سِيَاقُ هذه المُنَاظَرَةِ:

    عن ابن عباس م قال: لما اعتزلت الحَرُورِيَّةُ قُلْتُ لعلي: يا أمير المومنين، أَبْرِدْ عن الصلاة؛ فلعلي آتي هؤٰلاء القوم فأكلمهم؟ قال: إني أتخوفهم عليك؟! قال: كلَّا، -إن شاء الله- فَلَبِسْتُ أَحْسَنَ ما أقدر عليه من هذه اليمانية، ثم دخلت. فقالوا: مَرْحَبًا بك يا ابن عباس، ما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله ن؛ نَزَلَ الوحيُ عليهم، وهم أعلم بتأويله، قال بعضهم: لا تحدثوه. وقال بعضهم: لنحدثنه. قال: قلت: أخبروني: ما تنقمون على ابن عمِّ رسول الله ن، وختنه، وأوَّل من آمن به، وأصحاب رسول الله ن معه؟ قالوا: ثلاثًا. قلت: ما هُنَّ؟ قالوا:

    أولهن: أنَّهُ حكَّم الرِّجال في دين الله، وقد قال الله تعالى: ﴿﴾ [الأنعام:57] قال: قلت: وماذا؟

    قالوا: قاتل ولم يَسْبِي ولم يَغْنَمْ؛ لئن كانوا كفارًا لقد حلَّت له أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين، فقد حرمت عليه دمائهم؟ قال: قلت: وماذا؟

    قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين؟ قال: قلت: أرأيتم إن قرأتُ عليكم كتاب الله المحكم، وحدثتكم عن سُنَّةَ نبيكم ما لا تنكرون، أترجعون؟ قالوا: نعم.

    قال: قلت: أمَّا قولكم: إنَّه حكَّم الرِّجال في دين الله، فإن الله يقول: ﴿ﯡﯢﯿﰀﰄﰅﰊﰋ﴾ [المائدة:95].

    وقال في المرأة وزوجها: ﴿ﭿﮎﮏ﴾.

    أَنْشُدُكُمُ الله! أفحكم الرِّجال في حَقْنِ دمائِهم وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم، أمْ في أَرْنَبٍ ثمنها ربع درهم؟! قالوا: في حَقْنِ دمائهم وصلاح ذات بينهم؟ قال: أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قالوا: اللَّهُمَّ! نعم.

    قال: وأمَّا قولُكُمْ قاتل ولم يَسْبِ ولم يَغْنَمْ! أَتَسْبُونَ أُمَّكُم؟ ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؛ فقد كفرتم؟ وإن زعمتم أنها ليست أُمُّكُم؛ فقد كَفَرْتُمْ وخرجتم من الإسلام؟ إن الله يقول: ﴿ﯜﯝﯟﯠﯱﯲ﴾ [الأحزاب:6].

    وأنتم مترددون بين ضَلَالَتين، فاختاروا أيهما شئتم!! أَخَرَجْتُ من هَذِهِ؟ قالوا: اللَّهُمَّ! نعم.

    قال: وأمَّا قَولُكُم مَحَا نَفْسَهُ من أمير المؤمنين!! فإنَّ رسول الله ن دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الحُدَيبِية على أن تكْتُبَ بينهم كتابًا، فقال اكتب: «هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ». فقالوا: والله! لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وقاتلناك؛ ولكن اكتب: محمد بن عبدالله. فقال: «وَاللهِ! إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، وَاكْتُبْ يَا عَلي: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ!!». ورسول الله كانَ أفضَلُ من عَلِيٍّ؟ أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قالوا: اللهم! نعم.

    فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم فَقُتِلُوا على ضلالتهم، قَتَلَهُمُ المهاجرون والأنصار.

    * فانظر رحمك الله، كيف أَثَرُ الحِوَارِ الهادف العميق، في مثل هذه الرؤوس اليابسة، في مجلس واحد استغرق عدَّةَ دقائق فقط, حتى رجع منهم ألفان إلى مذهب السَّلف، وكيف أفلح الحوار، فيما لم تفلح فيه الحروب الطَّاحنة؟

    فهذه بعض شُبَهِ الخوارج والرَّد عليها، كما تقدم الكلام على ذلك، وهم يتمسكون بها، وما هيَ إلا شُبَهٌ وَاهِيَةٌ كَخُيُوطِ العنكبوت، ولا ينظر هؤٰلاء الجهَّال إلى خطورة تكفير المسلم، وخاصةً إذا كان وليُّ أمر المسلمين؛ لما يترتب عليه من المفاسد والمهالك.

    وهذه القضيَّةُ من أهم قضايا العصر، وقد أشغلت كثيرًا من شباب الأمة وشيبها، وحصلت بسببها حرُوبٌ وخُطُوبٌ ومِحَنٌ، كان وقُودُهَا غالبًا شبابٌ طَائِشٌ مُتَهَوِّرٌ، مُتَسَرِّعٌ في الأحكام، مُسْتَعْجِلٌ في قطف الثمار، ولمّا يُحْسِن الغَرْس.

    وهذه القضيَّةُ من كُبْريات قضايا الاعتقاد ومهماته، ولا يتقنها إلا أهل الفهوم العالية، وأهل العلوم الغالية من أهل الخبرة والتجربة، وأهل الذكر والفقه والمراقبة.

    ومع ذلك نرى كثيرًا ممن يخوضون فيها من أهل ا الجهل والجناية، وأهل الضلال والعماية؟ وتكلم فيها من فهمه كفهم البقر، وعقله كعقل الطفل في الصغر، فإلى الله المشتكى؛ من زمانٍ نطق فيه الرويبضة، وتصدَّر للعلم فيه المتفيهقة، وأفتى فيه الفويسقة، وناظر فيه الجويهلة.

    * وقال النبي ن: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ». رواه مسلم.

    * وقال النبي ن: «أَيّمَا امْرِئ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرْ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ». متفق عليه.

    * وقال النبي ن: «وَلَعْنُ المُسْلِمِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ». متفق عليه.

    وتكفير المسلم خطيرٌ جدًّا؛ فهو وسيلة لاستحلال دمه وماله وعرضه...!! هذا في آحاد المؤمنين...!!

    وإذا تعلَّق بوليِّ الأمر كان خطره أعظم ووباله أشدُّ وأوخم؛ فيترتب على تكفير وليِّ الأمر من المفاسد:

    #1$ بطلان البيعة.

    #2$ عدم السمع والطاعة.

    #3$ وجوب العمل على خلعة.

    #4$ عدم المجاهدة معه... ونحو ذلك من الأمور الكثيرة.

    ويترتب على ذلك حصول القلاقل والاضطراب والفتن والاختلال، وما نراه اليوم من سفك دماء معصومي الدم، وما نراه من تفجيرات وإفسادات؛ إلَّا ثَمَرَةً من ثمار تكفير ولي الأمر المسلم والخروج عليه.

    وإليك أخي القارئ وفقك الله:

    التكفير أثاره شروطه المشروعة وبعض صفات الخوارج وفتاوى العلماء في الخوارج والتكفير

    آثار التكفير و أخطاره ومضاره

    وأمَّا آثار التكفير وأخطاره، فإن أخطاره عظيمة يترتب عليها أمور عظيمة، فقف عند حدِّك أيها المسلم، ولا تحكم إلا بحكم شرعي؛ فإنَّ أثر التكفير يَضُرُّ على الفرد والجماعة المسلمة، وعلى الإسلام عمومًا.

    فضرره على الفرد إذا حكمت عليه بالكفر معناه:

    #1$ حكمت عليه بالرِّدَّة.

    #2$ وبالخلود في النار.

    #3$ والتفريق بينه وبين امرأته.

    #4$ ولم يكن له ولاية على أولاده.

    #5$ ولا ميراث بينه وبين أولاده.

    #6$ ولا يُصَلَّى عليه.

    #7$ ولا يُدْفَن في مقابر المسلمين.

    لأنك حكمت عليه بالكفر؛ فيترتب على هذا الحكم أمورًا كثيرة، فإذا لم يكن صاحبك كما قلت فيه، ارتدَّت عليك، فأنت أولى بهذا الوصف.

    وأما ضرره وخطره على الإسلام عموما:

    * فإنَّ هؤٰلاء الذين يكفرون الناس بلا حجَّةٍ يشوِّهون سُمْعَةَ الإسلام، ويظهرون أن دين الإسلام دين الإرهاب وسفك الدماء، وما جَرُّوا علينا إلَّا الويلات، مما أدى إلى انتهاك الأعراض، ونهب الأموال، وتشويه صورة الإسلام، بما يحدثونه من هذه الكلمة التي تسبب لهم عدم احترام الدماء والأموال والأعراض؛ حيث حكموا بالكفر، فرتَّبوا على هذا الكفر ما يقصدون وما يريدون، وهذا أمرٌ خطيرٌ، بل هذا هو مذهب الخوارج -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

    * ثم إن الكافر يجب أن يُحَاكَمَ أمام القضاء، وليس أمام سفهاء الأحلام حدثا الأسنان، ويقيموا عليه الحجة، وكذلك التكفير يسيئ إلى إلإسلام، ويقنط المسلمين من رحمة الله تبارك وتعالى، بل يعتبر هذا التكفير تشجيعٌ لهم على التكفير الحقيقي، بمعنى أن الذي يصدر ضدَّهُ هذه الفتوى من فتاوى التكفير، قد يؤزُّهُ الشيطان إلى القول: (أنا الغريق فما خوفي من البلد).

    * كذلك التكفير فيه إهدار لِدَمِ المعصوم، ومن المعلوم أنَّ من مقاصد الإسلام حفظ صيانة النفوس من إهدار دمها، وهي إحدى الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها.

    * ومن أخطار التكفير أيضًا فُشُوُّ الجهل، وخفاء العلم بالدين، عقيدةً وشريعةً، وتشويه سماحة الإسلام وعلانيته، وكُلُّ ذلك يؤدي إلى اختلال الأمن العام للمسلمين، وغيرهم: الأمن العقدي، والفكري، والأمني، والديني، والاجتماعي والسياسي، والعسكري، والأسري، والنفسي، ولا سيَّما على العقل والدين والعرض والنفس، والمال وهي الضروريات الخمسة التي أجمعت على حكمها شرائع الله قاطبة.

    والنبي ن يقول: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».

    وفي حجَّة الوداع قال النبي ن في يوم عرفة: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».

    ولقد عانا المسلمون من هذا المنهج الويلات، وفَزِعَ الآمنون، واستُحِلَّتِ الدماء، ونهبَتِ الأموال، وهُتِكَتِ الأعراض، مما أدى إلى أن تعُمَّ الفوضى، وأن ينتشر الخوف، ولا يأمن أحد على نفسه ولا على عرضة ولا على ماله.

    * وأيضًا يسبب هذا التكفير تفريق المجتمع، وأن تُشْحَنَ القلوب بالأحقاد، وسوء الظن بالمسلمين، وأن تتبع الهفوات والعياذ بالله، فتُكَبَّرُ الهفوات، ويحكم على أصحابها بالكفر والتكفير أيضًا، يكون سببًا لتحريف الدين، وتأويل النصوص حسب أهوائهم.

    * والتكفير سبَبُ حجب الدعوة الإسلامية وانتشارها؛ بحيث يظُنُّ كثيرٌ من الناس، أن الإسلام دين إرهاب ورعب وتفجير.

    * والتكفير سبب للتفريق بين الحاكم ورعيته؛ وذلك أنهم يرمون الحكام بالكفر، ومن لم يستجب رموه بالكفر أيضًا؛ لأنهم يرون أن الحكام لم يحَكِّمُوا شرع الله، ورعيتهم راضية بذلك، فهم كفَّار مثلهم.

    * وكذلك يترتب عليه التَّمَرُّد على ولاة الأمر، لما يترتب عليه من حمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد البلاد والعباد، ولهذا منع منهم النبي ن، كما بينَّا أنه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر، كما قال النبي ن: «إِلَّا أَنْ تَرَوا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيْهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ».

    فلا يُكَفَّر بمجرد الظنِّ والإشاعة، ولا يكفر بظهور المعاصي كالقمار والخمر وغيرها، ولا يكفي أن يُفْتِي بذلك السفهاء، وإنما لابد أن يفتي بذلك العلماء (أي: علماء السُّنَّة) لأنه قال: «عِنْدَكُمْ فِيْهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ».

    أي: دليلٌ صحيحٌ؛ بحيث يكون هذا: صحيح الثبوت، صحيح الدلالة، فلا يكفي ضعيف السَّند، ولا غامضَ الدَّلالة، ولا عبرةَ إلَّا بقول العلماء، الذين بلغت منزلتهم في العلم والأمانة أنهم حُجَّةُ اللهِ على الناس بعد الأمراء.

    * ولذلك فإن التَّسَرع في التكفير خطره عظيم، بل هو من الكذب على الله: ﴿﴾ [الأعراف:٣٣].

    وكذلك التكفير له آثاره الدنيوية، وآثاره الأخروية، وعواقبه الوخيمة.

    * مما يؤدي إلى نقض العهود، فإن الذين يكفرون ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، فإن من كفر إنسان رأى أنه لا يستحق الوفاء به، ونقض العهد من كبار الذنوب: ﴿ﯗﯘ﴾ [البقرة:27].

    ومن هنا نعلم أن خطر التكفير عظيم جدًّا جدًّا جدًّا؟

    وإليك أخي القارئ:

    شروط التكفير وموانعه

    #1$ توفر العلم، بأن يكون عالما بحرمة الفعل؛ لا يكون جاهلاً، ولا يلزم بأن يكون عالمًا بأنه كفر.

    #2$ توفر القصد، بأن يكون قاصدًا للفعل؛ لا يكون مخطئًا، وليس معنى هذا الشرط أن يقصد أن يكفر بالله العظيم.

    #3$ توفر الاختيار، بأن يكون مختارًا؛ لا يكون مكرهًا.

    #4$ انعدام التأويل السَّائغ؛ بأن لا يكون عنده من الاشتباه بين الأدلة ما يجعله يعتقد الجواز؛ أي: لا يكون عنده تأويل سائغ مقبول.

    بعض صفات الخوارج

    فهذه أربعين صفة من صفات الخوارج([2])، ذكرها صاحب كتاب ألوية النَّصر في الردِّ على خوارج العصر لكاتبه: أبورائد سعود بن صالح السَّعدي المالكي، وسأذكرها هنا مختصرة:

    * أن فيهم ورعًا كاذبًا:

    - قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (وهذا الورع قد يوقع صاحبه في البدع الكبار؛ فإنَّ ورَعَ الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس تورعوا عن الظلم، وعن ما اعتقدوه ظلمًا من مخالطة الظلمة في زعمهم، حتّى تركوا الواجبات الكبار، من: الجمعة والجماعة، والحج والجهاد، ونصيحة المسلمين، والرحمة لهم، وأهل هذا الورع ممن أنكر عليهم الأئمة كالأئمة الأربعة، وصار حالهم يذكر في اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة).([3])

    - وفي مصنف ابن أبي شيبة: عن أبي مجلز، قال: بينما عبدالله بن خباب في يد الخوارج، إذ أتوا على نخل فتناول رجل منهم تمرة، فأقبل عليه أصحابه فقالوا له: أخذت تمرة من تمر أهل العهد، وأتوا على رجل منهم بالسيف، فأقبل عليه أصحابه، فقالوا له: خنزيرًا من خنازير أهل العهد؟ قال: فقال عبدالله: ألا أخبركم من هو أعظم عليكم حقًّا من هذا؟ قالوا: من؟ قال: أنا، ما تركت صلاةً ولا تركت كذا، ولا تركت كذا. قال: فقتلوه. قال: فلما جاءهم علي، قال: أقيدونا بعبدالله بن خباب؟ قالوا: كيف نقيدك به، وكلنا شِرْكٌ في دمه فاستحل قتالهم.([4])

    - وفيه: عن حميد بن هلال، قال: حدثني رجلٌ من عبدالقيس، قال: كنت مع الخوارج، فرأيت منهم شيئًا كرهته، ففارقتهم على أن لا أكثر عليهم، فبينا أنا مع طائفة منهم، إذ رأوا رجلًا خرج كأنه قرع، وبينهم وبينه نهر، فقطعوا إليه النهر، فقالوا: كأنا رعناك؟ قال: أجل. قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب بن الأرت. قالوا: عندك حديث تحدثنا عن أبيك عن رسول الله ن؟ قال: سمعته يقول: إنه سمع النبي ن يقول: «إِنَّ فِتْنَةً جَائِيَةً القَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ , وَالقَائِمُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللهِ المَقْتُولَ فَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ القَاتِلَ». قال: فقربوه إلى النهر فضربوا عنقه، فرأيت دمه يسيل على الماء، كأنه شِرَاك ماء اندفر بالماء، حتى توارى عنه، ثم دعوا بسريّة له حبلى فبقروا عمَّا في بطنها.([5])

    - ومن ذلك، تَوَرُّعُهُم في هذا العصر عن الفتوى في بعض مسائل الصلاة والطهارة والطلاق، ثم هم يُفْتُونَ في مسائل تتعلق بمصير الأمة، ويترتب عليها حدوثُ فتن وسفك للدماء.

    وفي البخاري أن ابن عمر سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟ فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله ن، وقال النبي ن: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا».

    مسند أحمد ط الرسالة (9 / 403) :

    وعند الترمذي: أن رجلًا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا! يسأل عن دم البعوض! وقد قتلوا ابن رسول الله ن.

    * أنهم خارجون على جماعة المسلمين:

    قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (فهؤٰلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون).([6])

    * ومن صفاتهم التعالي على أهل العلم والاعتداد بالنفس:

    قال شيخ الإسلام غ في الاستقامة: (وأول من ضلَّ في ذلك هُمْ الخوارج المارقون؛ حيث حكَمُوا لنفوسهم بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته).([7])

    * ومنها خروجهم عن السنة وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة وما ليس بحسنة حسنة:

    قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم: أحدهما: خروجهم عن السنة وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة وما ليس بحسنة حسنة).([8])

    - يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب: استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم دار الإيمان, ولا يلزم من ذلك أنهم يكفرون بكلِّ المعاصي كما هو شائع.

    - قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب والسيئات استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان).([9])

    * يتَّبِعُون المتشابه من القرآن والحديث:

    قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (كذلك كان أحمد يفسر المتشابه من الآيات والأحاديث التي يحتج بها الزائغون من الخوارج وغيرهم).([10])

    * من أسوءِ صفاتهم السَّيف:

    قال ابن القيم غ في إغاثة اللهفان: (وأخرجت الخوارج قتال الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).([11])

    * الخروج على الأئمة، فلا يقرون لهم بالطاعة:

    قال شيخ الإسلام غ في منهاج السنة: (وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحلُّ السَّيف على أهل القبلة، حتى قاتلت عليًّا وغيره من المسلمين).([12])

    * صرف النصوص إلى ما يعتقدونه:

    قال شيخ الإسلام غ في منهاج السنة: (فإن أهل الديانة من هؤٰلاء يقصدون تحصيل ما يرونه دينًا، لكن قد يخطئون من وجهين: أحدهما: أن يكون ما رأوه دينًا ليس بدين؛ كرأي الخوارج وغيرهم من آله الأوائل، فيصيرون مخطئين في رأيهم وفي قتال من خالفهم، أو تكفيرهم ولعنهم، وفي هذه حال عامةِ أهل الأهواء).([13])

    * ظهور الجهل فيهم:

    ويظهر ذلك في كثير من مناظراتهم، كما في مناظرة ابن عباس للخوارج الأولين، التي تبيِّنُ مدى الجهل الذي بلغوه، وانتحالهم للقرآن، وإعراضهم عن السُّنَّة، وهاتان صفتان -أخريتان من صفاتهم.

    * عندهم خلل واضح في منهج الاستدلال، فهم يحتجون بالعموميات والإطلاقات:

    قال الشاطبي غ: (من ابتاع المتشابهات أخذ بالمطلقات قبل النظر في مقيداتها, وبالعموميات من غير تأمل؛ هل لها مخصصات أم لا؟ وكذلك العكس بأن يكون النَّصُّ مقيدًا فيطلق).([14])

    * يعترضون على الكتاب والسنة بالتأويل والقياس:

    قال ابن القيم غ في الصواعق المرسلة: (ومن اعترض على الكتاب والسنة بنوع تأويل من قياس أو ذوق أو عقل أو حال، ففيه شَبَهٌ من الخوارج، أتباع ذي الخويصرة).([15])

    * عندهم تقلب وعدم استقرار في الآراء والأحكام:

    وهذه الصِّفَةُ عامةٌ في أهل البدع.

    قال حذيفة ت: (إن الضَّلَالَةَ كُلَّ الضَّلَالَةَ، أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تُنْكِرْ ما كنت تعرف، وإيَّاك والتلون في الدين؛ فإن دين الله واحدٌ).

    وكما قال أبو طاهر السلفي:

    وَدَعْ آرَاءَ أَهْلِ الزَّيْغِ رَأْسًا

    وَلَا تَغْرُرْكَ حَذْلَقَةُ الرذَالِ

    فَلَيْسَ يَدُومُ لِلبِدْعِيِّ رَأْيٌ

    وَمِنْ أَيْنَ المَقَرُّ لِذِي ارْتِحَالِ




    * عندهم تسرُّعٌ واستعجال في إصدار الأحكام:

    والعجيب كما مرَّ معنا، أنهم يتحرجون من الإفتاء في مسائل الطهارة والصلاة ونحوهما؛ بدعوى الخوف من القول على الله بلا علم، ثم تراهم يتجرؤون على الإفتاء في دماء الأمة، وعلى مسائل يتحرج من الإفتاء فيها كبار العلماء.

    * عندهم قصر نظر وقلة صبر:

    وأحداث سبتمبر وما جناه المسلمون من ورائها أكبر شاهد على ذلك، وكذلك التفجيرات التي استحلوا فيها دماء المسلمين بحجة عدم التميز.

    * عندهم جور وعدم رحمة بالمؤمنين:

    قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (مثال ذلك أن الوعيدية من الخوارج وغيرهم فيما يعظمونه من أمر المعاصي والمنهي عنها، واتباع القرآن وتعظيمه أحسنوا، لكن إنما أتوا من جهة عدم اتباعهم للسنة، وإيمانهم بما دلت عليه من الرحمة للمؤمنين، وإن كان ذا كبيرة).([16])

    * هم أهل بدعة حتى في الفروع:

    ففي سنن الدرامي في قصة ابن مسعود ت مع النَّفر الذين كانوا يعدون التَّسبيح بالحصى، حيث أنكر عليهم، وفيه قالوا: والله! يا أباعبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير! قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، إن رسول الله ن حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم اللهُ ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم. فقال: عمرو بن سلمة، رأينا عامَّة أولئك الخلق، يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج.([17])

    * يقولون ما لا يفعلون:

    قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن غ في الدرر: (وهنا بليةٌ ينبغي التنبيه عليها, قبل الشُّرُوع في المقصود, وهي: أن كثيرًا من أهل الأزمنة وقبلها, قد غرَّهُمْ من أنفسهم أمران: أحدهما: أنهم إن أحسنوا القول رأوه كافيًا, ولو ضيعوا العمل وارتكبوا النقيض, وما عرفوا أقوال الصادق المصدوق ن في الخوارج: «يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»). ([18]) ([19]).

    * ومن صفاتهم أنهم يُحَسِّنُونَ القول:

    وفي الفتح في حديث أنس، عن أبي سعيد، عند أبي داود والطبراني: يُحَسِّنُونَ القولَ ويسيئون الفعل، وهو معنى قوله: «يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ».

    قال الحافظ غ: والمراد القول الحسن في الظاهر، وباطِنُهُ على خلاف ذلك).([20])

    قال بعض السَّلف ي: (لو أنَّ كُلَّ صاحب بدعة حدثك ببدعته من حين جلوسه إليك، لنفرت منه، ولكن يحدثك بالسُّنَّة ثم يُدْخِلُ عليك البدعة).

    * ومن صفاتهم تشددهم وغلوهم في العبادة والأحكام:

    ففي العبادة قال النبي ن في وصفهم كما في الصحيحين: «يَخْرُجُ فِيْكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ».([21])

    * وأما في الأحكام فقد عرف عنهم أنهم كانوا يوجبون الصلاة على الحائض، كما فعلت الحرُوريَّة منهم:

    ففي الصحيحين: عن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.([22])

    - كما أنهم يصلون الفرائض تامَّةً في السفر, وبعضهم لم يُثْبِتْ من الصلوات إلَّا صلاتين: صلاة بالغداة، وصلاة بالعشي.

    - ويشددون في باب النجاسات: فيجعلون كُلَّ خارجٍ من البدنِ نَجِسًا.

    قال ابن عبد البر غ في التمهيد: ودفعوا رَجْمَ المحصن الزاني، ومنهم من دفع الظُهْرَ والعَصْرَ.

    * سيماهم التحليق:

    ففي صحيح البخاري: (سيماهم التحليق أو قال: التَّشْبِيدَ).([23])

    قال شيخ الإسلام غ: (ولهذا لما جاء صَبِيغُ بنُ عَسَل التَّمِيمِي إلى عمر بن الخطاب ت وسأله عن المتشابه؛ ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وضربه ضربًا عظيمًا، كشف رأسه فوجده ذا ضفيرتين، فقال: لو وجدتك محلوقًا لضربت الذي فيه عيناك.

    لأنه لو وجده محلوقًا استدل بذلك على أنه من الخوارج المارقين، وكان يقتله لأمر النبي ن بقتالهم).([24])

    * لا يزالون يخرجون قرنًا بعد قرن:

    كلَّما هلك قرنٌ ظهر آخر, حتى يكون آخر ظهورهم مع الدجال.

    ففي سنن النسائي: «لَا يَزَالُون يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ المَسِيحِ الدَّجَال؛ فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ».([25]) وهو صحيح السند.

    - وفي هذا ردٌّ على كثير من المتساهلين؛ الذين ينكرون وجود الفِرَقِ، ومنها الخوارج.

    - لكن ربَّما يكون الإشكال عند أصحاب هذا القول، ما ذكره شيخ الإسلام, قال في كتاب النبوات: (وكذلك الخوارج لما كانوا أهل سَيْفٍ وقتال، ظهرت مخالفتهم للجماعة حين كانوا يقاتلون الناس، وأمَّا اليوم فلا يعرفهم أكثر الناس).([26])

    * يخرجون من المشرق:

    ففي صحيح البخاري: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَيَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ».([27])

    * يخرجون على حين فرقة:

    ففي الصحيحين: «وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِيْنِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ».([28])

    * يعظمون آيات وأحاديث الوعيد:

    فقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، وقول الله تعالى: ﴿﴾ [التوبة:١١٥] وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: هم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.([29])

    * ليس فيهم علماء، حدثاء الأسنان:

    ففي الصحيحين من حديث عليٍّ ت: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيْمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ»).([30])

    * يكفر ويضلل بعضهم بعضًا:

    وهذا هو المشهور عنهم؛ فإنه قلَّما يجتمعون في مجلس للنقاش ويخرجون منه دون أن يكفر أو يضلل بعضهم بعضًا.

    قال شيخ الإسلام غ: (من عيوب أهل البدع، تكفير بعضهم بعضًا، ومن ممادح أهل العمل أنهم يخطئون ولا يكفرون).([31])

    * يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان:

    ففي الصحيحين: عن أبي سعيد الخدري ت قال: قال النبي ن: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»).([32])

    * ليس لهم مؤلفات لانشغالهم بالقتال:

    وأما خوارج العصر فمؤلفاتهم كثيرة، هُمْ كِلَابُ النار, ففي سنن الترمذي: عن أبي غالب قال: رأى أبوأمامة ت رأسًا منصوبةً على درج مسجد دمشق، فقال أبوأمامة: «كِلَابُ النَّارِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ». ثم قرأ: ﴿[آلعمران:١٠٦] إلى آخر الآية.

    قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله ن؟ قال: لو لم أسمعه إلَّا مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا حتى عدَّ سبعًا ما حد ثتكموه.([33])

    * شرُّ قتلى تحت أديم السماء:

    وخير الشهداء من قتلوه, وهاتان الصفتان مذكورتان في حديث أبي أمامة ت السابق, تكفل اللهُ لمن قتلهم بالأجر العظيم.

    ففي صحيح مسلم: عن زيد بن وهب الجهني ت، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع عليٍّ ت: الذين ساروا إلى الخوارج، فقال: عليٌّ ت: أيها الناس، إني سمعت رسول الله ن يقول: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتِكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتَكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامَكُمْ بِصِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَؤٌونَ القُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيْهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الجَيْشُ الذِيْنَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ ن لاتكلوا عَنِ العَمَلِ».([34])

    * وَصْفُهُم بعض السَّلف بالفسق:

    قال شيخ الإسلام غ كما في مجموع الفتاوى: (قوله تعالى: ﴿﴾ [البقرة: 26]. أي: كُلُّ من ضَلَّ به فهو فاسق، فهو ذمٌّ لمن يضل به؛ فإنه فاسق ليس أنه كان فاسقًا قبل ذلك، ولهذا تأوَّلها سعد بن أبي وقاص في الخوارج، وسماهم فاسقين؛ لأنهم ضلُّوا بالقرآن، فمن ضلَّ بالقرآن فهو فاسق).([35])

    وفي الفتح قال الحافظ غ: (وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السُّنَّة إلى أن الخوارج فُسَّاقٌ، وأن حكم الإسلام يجري عليهم؛ لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنَّما فُسِّقُوا بتكفير المسلمين، مستندين إلى تأويل فاسد، وجَرَّهُم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم، والشهادة عليهم بالكفر والشرك).([36])

    * هُمْ شَرُّ الخَلْقِ:

    ففي سنن النسائي بسند صحيح كما قال الحافظ غ أن رسول الله ن قال: «لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرجَ آخِرُهُمْ مَعَ المَسِيحِ الدَّجَّال، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ».([37])

    * يعملون بالتقية كما عند النجدات....

    * يوجبون الكفر والخلود في النار على أصحاب الذنوب: عدا أصحابهم كما تفعل النجدات...

    * هم من الأخسرين أعمالًا:

    قال ابن كثير غ: (وما أحسن ما قال بعض السَّلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ * * ﴾ [الكهف:١٠٣-١٠٥]).اﻫ.

    * يُسِيئُون الأعمال:

    وهذا باب واسع, يشمل ما سبق ذكره وزيادة، هذا ما تحصل من صفات لأكثرهم.

    * قال أبو العالية غ: (قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم ن بعشر سنين، فقد أنعم الله عليَّ بنعمتين، لا أدري أيهما أفضل: أن هداني للإسلام ولم يجعلني حَرُورِيًّا) والحَرُورِيَّةُ: فِرْقَةٌ من الخوارج، كما سبق.

    - وفي مصنف عبد الرزاق عن أبان قال: خرجت خارجة من البصرة فَقُتِلُوا، فأتيت أنسًا، فقال: ما للناس فزعوا؟ قلت: خارجة خرجت. قال: يقولون ماذا؟ قال: قلت: يقولون: مهاجرين. قال: إلى الشيطان! هاجروا، أوليس قد قال رسول الله ن: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ».([38])

    - أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي غالب، قال: لما أُتِيَ برؤوس الآزارقة، فَنُصِبَتْ على درج دمشق، جاء أبو أمامة ت، فلما رآهم دمعت عيناه، ثم قال: «كِلَابُ النَّارِ، كِلَابُ النَّارِ، هَؤُٰلَاءِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُٰلَاءِ». قُلْتُ: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمةً لهم أنهم كانوا من أهل الإسلام!! قال: قلت أبرأيك قلت: «كِلَابُ النَّارِ». أو شيئًا سمعته؟ قال: إني إذًا لجريء، بل سمعته من رسول الله ن لا مرةً، ولا اثنتين، ولا ثلاثًا، فعدد مرارًا ثم تلا: ﴿﴾ [آلعمران:١٠٦] حتى بلغ: ﴿﴾ وتلا: ﴿﴾ حتى بلغ ﴿﴾ [آلعمران:٧] ثم أخذ بيدي، فقال: أما إنهم بأرضك كثير، فأعاذك الله تعالى.([39])

    تمت بتصرف من الكتاب المذكور أعلاه.

    بعض فتاوى العلماء في التحذير من التكفير

    قبل النظر إلى شروط التكفير وموانعه:

    فليس كُلُّ من وقع في الكفر أَصْبَحَ كافرًا؛ إذ قد يوجد فيه ما يمنع من تكفيره، ولذلك فإنه يقال: إن بعض الأمور التي تُثَارُ على بعض حكام المسلمين، هِيَ من قبل المكفرات، ولكن ليس لإحدٍ أن يُعَامل هذا الحاكم الكافر حتى تقام عليه الحجة؛ بحيث تتوفر فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه.

    * قال شيخ الإسلام ابن تيمية غ: (وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتَبِينُ له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشَّك، بل لا يزول إلَّا بعد إقامة الحجَّة، وإزالة الشُّبَهِ).اﻫ. الفتاوى (12/466).

    * وقال غ: (كلما رأوهم قالوا: (من قال: كذا فهو كافر) اعتقد المستمع أنَّ هذا اللَّفظ شاملٌ لكل من قاله، ولم يتدبروا أنَّ التكفير له شروط وموانع، قد تنتفي في حقِّ المعين، وأنَّ التكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيَّن، إلَّا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يُبَيِّنُ هذا: أنَّ الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه).اﻫ. الفتاوى (12/487).

    * وقال الإمام الألباني غ: (ليس كلُّ من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاك به).اﻫ. السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم: (3048).

    * وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز غ: (هذه الدَّولة بحمد الله، لم يصدر منها ما يوجب الخروج عليها، وإنَّما الذي يستبيح الخروج على الدولة بالمعاصي هم الخوارج، الذين يكِّفُرون المسلمين بالذنوب، ويقاتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان).اﻫ. مجموع الفتاوى والمقالات (4/89-97).

    * وقال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين غ: (كُلُّ إنسان فعل مكفرًا فلابد ألَّا يوجد فيه مانع من موانع التكفير... فلابد من الكفر الصَّريح الذي لا يحتمل التأويل؛ فإن كان يحتمل التأويل، فإنه لا يكفر صاحبه، وإن قلنا أنه كفر (المعنى: وإن قلنا عن الفعل أنه كفر) فيفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، قد تكون الفعلة فسقًا ولا يفسق الفاعل؛ لوجود مانعٍ يمنع من تفسيقه، وقد تكون كفرًا ولا يكفر الفاعل؛ لوجود ما يمنع من تكفيره، وما ضرَّ الأمة في خروج الخوارج إلَّا هذا التأويل... ربَّما يفعل الإنسان فعلًا فسقًا لا شك فيه، لكنه لا يدري، فإذا قلت له: (يا أخي، هذا حرام) قال: (جزاك اللهُ خيرًا) وانتهى عنه.

    إذًا كيف أحكم على إنسان أنه فاسق، دون أن تقوم عليه الحجَّة؟ فهؤٰلاء الذين تشير إليهم من حكام العرب والمسلمين: قد يكونون معذورين، لم تتبين لهم الحجَّة، أو بُيِّنَت لهم، وجاءهم من يلبِّس عليهم، ويُشْبِه عليهم). الباب المفتوح (3/ 125) لقاء (51) سؤال (1222).

    وإليك أخي القارئ -عافاك الله- شروط الخروج على الحاكم الكافر التي ذكرها العلماء:

    #1$ وقوعه في الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان.

    #2$ إقامة الحجة عليه.

    #3$ القدرة على إزالته.

    #4$ القدرة على تنصيب مسلم مكانه.

    #5$ ألا يترتب على هذا الخروج مفسدة أعظم من مفسدة الكافر.

    #6$ أن لا يسفك دم امرئ مسلم.

    ولذلك فإنه يقال: ليس كُلُّ من وقع في الكفر وأصبح كافرًا جاز الخروج عليه.

    ومن أعظم الجماعات المعتنقة لهذا الفكر في عصرنا هذا، هي: جماعة الإخوان المسلمين، ومن أعظم الجماعات التَّكفيريَّة في هذا الزَّمان، والتي انتشر التكفير في أحضانها جماعة الإخوان المسلمين.

    وإليك ما يثبت ذلك بالدَّليل والبرهان من كتبهم ومن كلام مؤرخيهم؛ لتكون على بينةٍ من هذه الجماعة، التي خرج من عباءَتِهَا جماعة التكفير والهجرة وجماعة الجهاد والقطبية والسرورية وكثير من الجماعات المكفرة -والعياذ بالله-.

    وحزب الإخوان المسلمين هو من أكبر الجماعات الحزبية المنظمة، وأخطرها على الدعوة السَّلفية، ومنها تفرعت أكثر الجماعات الحزبية الخارجية.

    وهي تنقسم إلى أقسام منها:

    البنائية: نسبة للمؤسس حسن البنا.

    والقطبية: نسبة إلى سيد قطب.

    والسرورية: نسبة إلى محمد سرور.

    ومن القطبية تفرعت: جماعة التكفير والهجرة في مصر، والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد.

    وسأذكر هنا بعض قادة الإخوان، مع بعض أقوالهم؛ ليتعرف المسلم على حقيقة هذه الدعوة، التي تعرف بكلام المنظرين لها، أمَّا العوام والجهلة الذين يتعاطفون مع قادة الإخوان، فلا يعلمون حقيقة هذه الجماعة.

    بعض قادات الإخوان المسلمين وقادات التكفير في هذا العصر

    الأول: حسن البنا: بعض أقواله الدالة عقيدته ومنهجة

    #1$ قال: (إن خصومتنا لليهود ليست دينية). من كتاب الإخوان المسلمون صنعت التاريخ (409).

    #2$ ويقول: (من عادتنا أن نخرج في ذكرى مولد الرسول ن بالمواكب بعد الحضرة، كلَّ ليلةٍ من أول ربيع الأول، إلى ثاني عشر منه، ننشد القصائد، ومما كان ينشده:

    هَذَا الحَبِيبُ مَعَ الأَحْبَابِ قَدْ حَضَـرَا

    وَسَامَحَ الكُلَّ فِيمَا قَدْ مَضَـى وَجَرَى




    انظر: مذكرة الدعوة والدعاة (22-23).

    #3$ ويعرِّف جماعَتَهُ بقوله: (دعوة الإخوان المسلمين دعوةٌ سلفيةٌ سنيَّةٌ، وحقيقةٌ صوفيةٌ، وهيئةٌ سياسيةٌ، وجماعةٌ رياضيةٌ، ورابطةٌ علميةٌ ثقافيةٌ، وشركةٌ اقتصاديةٌ، وفكرةٌ جماعيةٌ).اﻫ. انظر: مجموع رسائل حسن البنا (358).

    ومن هذا التَّعريف تتعرف على حقيقة الإخوان التجميعية التمييعية المتلونة!!

    الثاني: سيد قطب: بعض مخالفاته ومنهجه

    وهم الصّنف الثاني من الإخوان المسلمين: القطبية: نسبةً إلى سيد قطب، وهو مؤسسها.

    وإليك بعض ضلالاته والرد عليها:

    #1$ وصف كلام الله بالموسيقى: حيث يقول في ظِلَالِهِ: تفسير سورة النجم: (هذه السورة، كأنها منظومَةٌ موسيقيةٌ، عُلْوِيَّة منغَّمةٌ).اﻫ. الظلال (6/3404).

    #2$ طَعْنُهُ بنبي الله موسى؛ حيث قال: (لنأخذ موسى أنه مثال للزعيم المندفع العصبي المزاج).اﻫ. التصوير الفني في القرآن (ص200).

    #3$ طَعْنُهُ في الصَّحابة: قال في كتاب كتب وشخصيات (ص242): (حين يركن معاوية وزميله إلى الكذب، والغش، والخديعة، والنفاق، والرشوة، وشراء الذّمم، لا يملك على أن يتدلَّى إلى هذا الدرك الأسفل؛ فلا عجب أن ينجحا ويفشل، وإن فشلًا أشرف من كلِّ نجاح).اﻫ.

    #4$ تكفيره للمجتمعات: قال في ظلاله (4/2122): (إنه ليس على وجه الأرض دولةٌ مسلمةٌ، ولا مجتمعٌ مسلمٌ، قاعدة التعامل فيه كشريعة الله).اﻫ.

    - وقال أيضًا (2/ 1057): (فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله, وإن ظَلَّ فريقٌ منهم يردِّد على المآذن: لا إله إلا الله).اﻫ.

    - وقال أيضًا في ظلاله: (إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم).اﻫ.

    - وقال في الظلال (3/1664): (إن المسلمين لا يجاهدون؛ ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون، إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج إلى علاج).اﻫ.

    #5$ دعوته للنَّسفِ والتفجير: قال في كتاب لماذا أعدموني: (... وهذه الأعمال هي الردفور، وقوع احتفالات لأعضاء التنظيم، بإزالة رؤوس، في مقدمتها رئيس الجمهورية، وغير ذلك، ثم نَسْفُ المنشآت التي تَشن حركة مواصلات القاهرة؛ لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها، كمحطة الكهرباء والكباري).اﻫ.

    - قال الشيخ أحمد النجمي غ في كتابه المورد العذب الزلال: (هُمْ قَوْمٌ دَرَسُوا كُتُبَ سيِّد قطب، وتابعوهُ في كُلِّ ما قاله، واعتقدوهُ بَلْ وعَظَّمُوهُ كُلَّ التَّعظيم؛ مما جعلهم يتخذون كُلَّ ما قاله في كتبه حقًّا وصوابًا، وإن خالف الأدلة، وبايَنَ منهج السَّلف، ويتَّضح ذلك من الثورة الكلامية، والإشاعات الإعلامية، التي أشاعوها ضِدَّ الشَّيخ ربيع بن هادي المدخلي، حينَ رَدَّ على سيد قطب في بعض الأخطاء الإعتقادية الفضيعة، وجعلوه متجنِّيًا وظالماً له، ولم يحملهم الإنصاف أن يعودوا إلى الأماكن والأرقام التي أشار الشيخ إليها في كتابه.

    قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في مقال نشره بعنوان: سيد قطب هو مصدر تكفير المجتمعات: (ومن أشد الحركات والأحزاب التي تدعى الإصلاح، أشدها نكاية على الإسلام والمسلمين، هذه الحركات السياسية، التي تدعي أنها تحمل هموم الأمة، وأنها تسعى لإنقاذها من الهوان والذُّل، ولكنها مع الأسف لم تأت البيوت من أبوابها، ولم تسلك طُرُقَ الأنبياء في الإصلاح العقائدي والعبادي والسياسي، بل منهج سيد قطب الذي ما زاد الناس إلا بلاءً ودمارًا، فهذا المنهج يزعم أنه يدعو إلى حاكميَّة الله، وهو يحمل في طياته الرفض لحاكميه الله، في العقائد والعبادات، في طريقة الفهم للنصوص القرآنية والنبوية، ويحمل في طياته رفض الرجوع إلى الله ورسوله في قضايا الخلاف).

    ولقد قام العلماء بنقد هذه الأفكار والضلالات، ومن أبرزهم الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في الكتب التالية:ـ

    * أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره.

    * مطاعن سيد قطب في الصحابة.

    * العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم.

    * الحد الفاصل بين الحق والباطل.

    * نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن.

    * مقال طويل في أطوار سيد قطب في وحدة الوجود.

    * ينبوع الفتن والأحداث مقال حول كتاب لماذا أعدموني).اﻫ.

    فعلى كُلِّ مسلم يريد أن يقف على حقيقة سيد قطب، يقرأ هذه الكتب والمقالات، لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي.

    راجع: كتاب فكر الإرهاب والعنف في المملكة العربية السعودية جذوره أسبابه علاجه لعبدالسلام السِّحيمي.

    ومن خلاله تعرف: أن جماعة الإخوان المسلمين انقسمت إلى ثلاثة أقسام هي: البَنَّائِيَّة، والقُطْبِيَّة، والسَّرُورِيَّة.

    ثالثًا: محمد بن سرور: عقدته ومنهجه

    السَّرُوريَّة: انتسابًا إلى محمد بن سرور؟ اسمه: محمد بن سرور بن نايف زين العابدين.

    كلَّما تباعد الزَّمان كثرت الطوائف وتوافرت الأفكار الدخيلة على الإسلام، ومن الخطورة أن بعض هذه الدعوات تدَّعِي السلفيَّة؛ مما جعل كثيرًا من الشباب يغتر بهذه الدعوات، ومن هذه الجماعات السَّرورية:

    * قال الشيخ أحمد النجمي غ: (من ولائد الإخوانية السرورية والقطبية، وهما فرقتان أو حزبان، انفصلا من الإخوانيين. فالسَّرورية: تنسب إلى محمد بن سرور، الذي هو الآن مقيمٌ في مدينة لندن، ويصدِرُ مجلةَ السُّنَّة، وهذه الفرقة تُسَمَّى السَّرُوريَّة، بقطع النَّظَرِ عن كونِهِ هُوَ الذي سمَّاهَا بهذا الاسم، أو هيَ سمَّت نفسها، أو سمَّاهَا بعض القادة فيها).

    * ثم قال غ: (إنَّ السَّرورية وليدةُ الإخوانيَّةِ، واتخذوا حذَوْهَا في سَبِّ الحكامِ والمسلمين ولعنهم، وإن ادَّعى مؤسسها أنه على المنهج السَّلفي، إلَّا أن واقع السَّرورية الذي علمنا خلاف ذلك، ولسْتُ أقطع بأن هذه الجماعة تابعة له، إلَّا أن الاسم يدُلُّ على المسمى، فمتى كان سبُّ الحكام والمسلمين ولعنهم من منهج السَّلف الصالح، وإنَّما منهج الخوارج، والخطورة تكمن في هذا المنهج؛ أن صاحب هذه الدعوة يدَّعِي السَّلفية ويتبرؤ من العقائد والأحزاب المبتدعة، ولكنه خالف منهج السلف بعدة أمور منها:

    1- فكره التكفيري: حيث تقرأ في مجلة السنة الكثير من العبارات، التي فيها تكفير لحكام المسلمين، والتنقص من علماء الآمة الربانيين:

    * ففي العدد الثالث والعشرين من ذي الحجة (1412هـ 2-30) قال: (وصنف آخر يأخذون مواقفهم بمواقف أسيادهم، فإذا استعان السادة بالأمريكان انبرى العبيد إلى حشد الأدلة، التي تجيز هذا العمل، ويقيمون النكير على من خالفهم، وإذا اختلف السَّادة مع إيران الرافضة، تذكر العبيد خُبْثَ الرافضة، وإذا انتهى الخلاف سكت العبيد، وتوقفوا عن توزيع الكتب التي أعطيت لهم، هذا الصنف من الناس يكذبون، يتجسسون، يكتبون التقارير، ويفعلون كلَّ شيءٍ يطلبُهُ السَّادة منهم، وهؤٰلاء قلَّةٌ والحمد لله، ودُخَلَاءُ على الدعوة والعمل الإسلامي، وأوراقهم مكشوفة، وإن أطالوا لحاهم، وقصَّروا ثيابهم، وزعموا بأنهم حماة السُّنَّة، يا إخواننا، لا تغرنكم هذه المظاهر؛ فهذه المشيخة صنعها الظالمون، ومهمة فضيلة الشيخ لا تختلف عن مهمة كبار رجال الأمن...).اﻫ.

    * ثم يقول في نفس المجلة العدد السادس والعشرين (1413) تحت عنوان المستبدون والعبيد: (وللعبودية طبقات هرمية، الطبقة الأولى: رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، والطبقة الثانية: هي طبقة الحكام في البلاد العربية، وهؤٰلاء يعتقدون أنه نَفْعُهُم وضُرهم، ولهذا هم يحجُّون إليه، ويقدمون له القرابين والنذور، والطبقة الثالثة: حاشية الحكام العرب، من الوزير ووكلاء الوزراء، وقادة الجيوش، والمستشارين، هؤٰلاء ينافقون لأسيادهم، ويزينون لهم كلَّ باطل، دون حياءٍ ولا خجلٍ، والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة: كبارُ الموظفين...).اﻫ.

    انظر: إلى الأفكار التي يتكلم بهـا محمد بن سرور؛ حيث لم يستثني من حكمه التكفيري أحدًا حتى العلماء، وهذه هي عقيدة الخوارج الجدد، الذين لَبِسُوا ثوب السَّلفية بهتانًا.

    وكان السَّلف يقولون: (إذا رأيت الرجل يطعن في أهل الحديث، فاعلم أنه صاحب بدعة). فكيف بمن يكفرهم.

    2- يَصِفُ كُتُبَ العقيدة بالجَفَافِ؛ حيث قال في كتابه منهاج الأنبياء (ص8): نظرت في كتب العقيدة، فوجدت أنها كُتِبَتْ في غير عصرنا، وكانت حلولًا لقضايا ومشكلات العصر الذي كُتِبَتْ فِيْهِ، ومن ثَمَّ فكتب العقيدة، فيها كثيرٌ من الجَفَافِ؛ لأنها نُصُوصٌ وأحكام، ولهذا أعرض الشباب عنها، وزهدوا بها...).اﻫ.

    * أجاب الشيخ إبن باز غ على هذا الكلام بقوله: (هذا غلط عظيم، كتب العقيدة، الصحيح أنها ليست جفاء، قال: الله! قال: رسول الله! فإذا كان يصف الكتاب والسنة بأنها جفاء، فهذه رِدَّة على الإسلام، هذه عبارة سقيمة، وخبيثة، والكتاب الذي فيه هذا الكلام يجب تمزيقه ولا يجوز بيعة).اﻫ.

    * وقال الشيخ الفوزان في نقد هذا الكلام: (لماذا نستورد أفكارنا من الخارج من محمد سرور أو غيره، كتب العقيدة آفتها عند محمد سرور أنها نصوص وأحكام فيها قال: الله. وقال: رسوله ن. وهو يريد أفكار فلان وفلان، لا يريد نصوصًا وأحكامًا، فعليكم أن تحذروا من هذه الدسائس الباطلة، التي يراد بها حَرْفُ شبابنا عن كُتُبِ السَّلف الصالح، فإذا كان القرآن جافًّا والسُّنَّةُ جافَّةٌ، وكلامُ أهل العلم المعتبرين فيه جَفَافٌ، فهذا من عَمَى البصيرة، والعقيدة لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، لا من فكر فلان وعلان).اﻫ.

    3- الدعوة إلى الحزبية والإمارة، ولكن بثوبٍ جديدٍ كما بيّن ذلك في مجلته(السنة) العدد (29) (ص89) تحت مقال الوحدة الإسلامية: (ولا يحقُّ لأيِّ جماعةٍ مهما كان منهجها سليمًا الادعاء بأنها جماعة المسلمين، ولا يحق لأميرِ هذه الجماعة أن يطلب البيعة لنفسه، كما كان يطلبها خلفاء المسلمين، ولكن يحقُّ لهذا الأمير ومن حوله أن ينظموا أمورهم كمؤسسة دعوية، تعمل من أجل أن يكون الدين كُلُّهُ لله في الأرض، ويقتضي هذا التنظيم أن يكون للمؤسسة: رئيس، ونائب رئيس، ومسئولين عن الأقسام والفروع، وأوامر تصدر فتطاع، إلَّا ما كان مخالفًا للسُّنَّة).اﻫ.

    وهاك تلخيصٌ مجملٌ لما احتوى عليه كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله لمحمد بن سرور:

    * لم يعرف منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    * شحن الكتاب بالتكفير لحكام المسلمين، ونحن لا نجهل ولا ننكر ما عند حكام المسلمين من انحرافات، بل لقد صاروا كالآلة بأيدي زعماء اليهود والنصارى، ولكن تكفيرهم شيءٌ وانحرافهم شيءٌ آخر.

    * طعنه الشَّديد في علماء أهل السنة.

    * دعوته إلى التنظيم السرِّي والبيعة والإمارة في الحضر، وهذه قواعد كثير من أهل البدع والضلالات.

    * دعوته إلى الطريق الثوري في مواجهة حكام المسلمين.

    * جعله الوصول إلى سدَّة الحكم هو الطريق لإقامة الدين، وهو طريق الفاشلين في القيام بالإصلاح، بل إنه طريق أرباب الأطماع في حطام الدنيا، على حساب الإسلام.

    * جعل نفسه الوصي على الدعوة السلفية، والمرجعيَّة لها.

    * التناقض الواضح في أكثر من مكان.

    * إيجابه طاعة جميع الأنبياء على المسلمين، مع أن الله ورسوله أوجب على المسلمين طاعة محمد.

    وخلاصة القول في هذا الكتاب:

    وعلى كُلٍّ الكتاب غيرُ صالح للقراءة فيه، وهذا البلاء الذي وقع فيه محمد بن سرور سبَبُهُ أنه تربى على المناهج الحركيَّة لا على مناهج النبوة، ومما زاد الطِّين بله، أنه مغرَمٌ بكتابات سيّد قطب:

    وَمَنْ يَكُنِ الغُرَابُ لَهُ دَلِيلًا

    يَمُرُّ بِهِ عَلَى جِيَفِ الكِلَابِ




    فسيّد قطب اجتمعت فيه مناهج الفِرَقِ والطَّوَائف الضّالة، والسَّبب في وقوعه فيها هو أنه كان جاهلًا بها غير مكترث بخطرها، وخلاصة القول أن كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله لمحمد بن سرور كتابٌ حركِيٌّ، يمثل الاتجاهات السياسية المنحرفة، فلا صلة له بحقيقة منهج الأنبياء، حتى وإن وافق الأنبياء في شيء، فليس العمدة عنده على ذلك، بل العمدة على ما خالفهم فيه، والسبب في أن المؤلف نسب منهجه هذا للأنبياء هو أنه تربى على طريقة الإخوان المسلمين، الذين يستخدمون الإسلام شعارًا لأباطيلهم، كما تقدم ذكر ذلك).اﻫ. بتصرف.

    الرابع: المودودي

    وهو أحد قادة الإخوان المسلمين، ومن أفكاره الخطيرة:

    * طعنه في نبي الله يوسف، قال في كتابه تفهيمات في تفسير قوله تعالى في سورة يوسف إخبارًا عن يوسف ÷: ﴿﴾ [يوسف:٥٥]: (إن هذه لم تكن مطالبة لوزير المالية فقط، بل إنها كانت مطالبة للدكتاتورية، ونتيجة ذلك، فإن وضع سيدنا يوسف يشبه وضع: (موسوليني في إيطاليا الآن).اﻫ.

    * الدعوة للخروج على الولاة، قال في كتابه تذكرة دعاة الإسلام (ص12): (دعوتنا لجميع أهل الأرض أن يحدثوا إنقلابًا عامًّا في أصول الحكم الحاضر الذي استبد به الطواغيت والفجرة الذين ملئوا الأرض فسادًا...).

    الخامس: محمد قطب

    ما يقال في سيد قطب يقال في أخيه، فهو الذي تولَّى نشر كتب سيد قطب وطبعها بالعشرات، مع عدم التحذير من أيِّ شيءٍ مما احتوته من أخطاء، وهو من كبار الإخوان القطبيين وكتابه: واقعنا المعاصر خير شاهد.

    السادس: عبدالرحمن عبدالخالق

    * قال في كتابه: خطوط رئيسية لبعث الأمة الإسلامية (ص72): (إن دولنا العربية والإسلامية بوجه عام، لا ظِلَّ للشريعة بها، إلَّا في بعض ما يسمى بالأحوال الشخصية).اﻫ.

    * وقال في نفس الكتاب (ص76) ساخرًا من علماء السُّنَّة والتوحيد: (واليوم وللأسف، نملك شيوخًا يفهمون قُشُورَ الإسلام على مستوى عصور قديمة، وما قيمة عالم بالشريعة لو دُعِيَ إلى نداء الجهاد وحَمْلِ السِّلاح يقول: هذا ليس من شأن رجال الشريعة؛ إننا نستطيع فقط الفتوى في الحلال والحرام والحيض والنفاس والطلاق).اﻫ.

    * وقال في مجلة البعث الإسلامي (العدد3/ 57) في معرض كلامه عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب غ قال: (ولكنها لم تعرف بالتجديد والاجتهاد، لهذا سماها محمد عمارة: (السَّلفية النُّصوصية) يقصد بالنصوصية: الحرفية في فهم النصوص، وقد يكون عُذْرُ هذه الحركة: أنها نشأت في مجتمع بسيط بعيد عن معترك الحضارة، تغلب عليها حياة البداوة).اﻫ.

    السابع: جماعة الجهاد المسماه تنظيم القاعدة

    وعلى رؤوس هذه الجماعة الفاسدة: أيمن الظواهري، وأسامة بن لادن:

    أسامة بن لادن ممن تأثر بفكر أيمن الظواهري، وأيمن الظواهري ممن جعل كتب سيد قطب دستورًا له.

    * قال الظواهري في مجلة المجاهدين التي صدرت في (إبريل1995) مقال عنوانه: الطريق إلى القدس يمر بالقاهرة: (لن تفتح القدس إلَّا إذا حسمت المعركة في مصر والجزائر، إلَّا إذا فتحت القاهرة...).اﻫ.

    * أما أسامة بن لادن فقد تأثر بالظواهري، يقول منتصر الزيات محامي بما يسمى بالإسلاميين في مصر، كما نشرت جريدة الشرق الأوسط عدد (9203) يوم الأحد (8/2/2004) نقلا عن كتابه: الطريق إلى الجنة: (واستطاع الظواهريُّ أن يُحْدِثَ تحولات جذريةٍ واستراتيجيةٍ في فكر أسامة بن لادن، بعدما التقيا معا في أفغانستان منتصف عام 1988م).

    وشيخ أسامة الأول هو محمد سرور، وهو شيخه الفكري، وشيخه العملي والعلمي هو الظواهري، وكلام العلماء في التَّحذير من أسامة بن لادن أشهر من أن يذكر.

    الثامن: تكفير عائض القرني المسلمين

    قال وهو يخاطب علماء المسلمين في (ص47) من لحن الخلود تحت عنوان: (دَعِ الحَوَاشِي) وأخرج:

    صَلِّ ما شئتَ وصُمْ فالدِّينُ

    لَا يعرفُ العابدَ من صَلَّى وصَامَ

    أَنْتَ قِسِّيسٌ مِنَ الرُّهْبَانِ

    مَا اَنْتَ مِنْ اَحْمَدَ يَكْفِيكَ المَلَامَا




    * قال الشيخ النجمي غ ردًّا عليه في كتابه المورد العذب (ص32):

    (فقد جعلت المسلمين المصلين المزكين الصائمين لله على شريعة عبده ورسوله محمد ن، جعلتهم قساوسةً ورهبانًا، حكمت عليهم بالنَّصرانية، وأخرجتهم من الإسلام، فبرأتهم من أحمد النبي المختار ن، وبرأته منهم، وأكدّت تكفيرك للمسلمين، بدون ما يوجب الكفر، فارتديت جُبَّةَ الخوارج).اﻫ.

    * ولقد شهد على تكفير سيد قطب للمسلمين كبار الإخوان المسلمين: (وشهد شاهد من أهلها: فهذا يوسف القرضاوي الإخواني -قرَّضَ اللهُ لسانه- يقول في كتابه أولويات الحركه الإسلامية (ص110): (وفي هذه المرحلة، ظهرت كُتُبُ سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، الذي ينضح بتكفير المجتمع، وإعلان الجهاد على الناس كافة).اﻫ.

    * ويقول فريد عبد الخالق، وهو أحد قادة الإخوان المسلمين في ميزان الحق (ص115): (إن نشأت فكرة التكفير، بدأت من بعض شباب الإخوان، في سجن القناطر، في أواخر الخمسينات، وفي بداية الستينات، وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها أن المجتمع في جاهليةٍ، وأنه قد كفَّر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله، في عدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميهم إذا رضوا بذلك).

    وقد اعترف رؤوس الإرهاب في هذا الزمان، من: أسامه بن لادن، إلى أيمن الظواهري، إلى غيرهم، أن مرجعيتهم هي كتب سيد قطب، وبالأخص الضلال ومعالم في الطريق.

    * وإيَّاك أن تشكَّ في ذلك أخا الإسلام لحظةً؛ فإن مؤرخ الإخوان المسلمين عباس السِّيسي قال في قافلة الإخوان المسلمين في عدة فقرات، يذكر أنهم قاموا بالإرهاب والتفجير والتدمير.

    - مثل في صفحة (258): يذكر مقتل القاضي أحمد بكر خازن دار، اغتياله من قِبَلِ الإخوان المسلمين.

    - وفي صفحة (269): حادث السيارة الجيب.

    - وفي صفحة (271): محطة اللاسلكي؛ حيث وُجِدَ فيها ألغام زرعت من قبل أحد الإخوان المسلمين.

    - وفي صفحة (72 أو 73): ذُكِرَ الإخوان متهمين في قضيَّة السيارة الجيب والحكم عليهم.

    - وفي صفحة (275): أمر عسكري بحلِّ جماعة الإخوان.

    - وفي صفحة (281): قرار حَلِّ جماعة الإخوان، ونَصُّ بيان القرار.

    - في صفحة (281 و 282و283 و285) محاولَةُ نَسْفِ محكمةِ الاستئناف.

    - وفي صفحة (286): مقتل النقراشي، وفي وزارته اغتيل من قبل الإخوان المسلمين.

    كُلُّ هَذَا مَوْجُودٌ فقط في الجزء الأول من قافلة الإخوان المسلمين.

    وهو أحد معتنقي هذا المنهج، وهو المؤرخ لهذه الوقائع، والمعترف بها، وهذه لم تأت من محاضر المخابرات، ولا من ملفات أمن الدولة، ولم تأت من مذكرات أعداء الدين، بل هِيَ من كتاب ينطق بأسمائهم، يشهد عليهم بأنهم حِزْبٌ تَكْفِيرِيٌّ يستعمل العُنْفَ والتَّفجير، وهذا هو الإرهاب في العصر الحاضر.

    ولكي يستروا على جرائمهم وعلى ما صدروه للإسلام والمسلمين، ذهبوا يلصقون هذه التُّهَمَ بالدعوة السَّلفية المباركة، ووقع في فِخَاخِهم وشراكهم بعض الأغرار، الذين لا يعلمون ولا يفهمون الدعوة السَّلفية الحق!!

    فنسأل الله ـ أن يحفظ بلاد المسلمين، ويحفظ المسلمين من كُلِّ شَرٍّ، ويحل عليهم الأمن والأمان والإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    جماعة الهجرة و التكفير نشأتها وأبرز قاداتها

    جماعة المسلمين كَمَا سَمَّت نفسها أو جماعة الهجرة و التكفير كما أُطْلِقَ عليها إعلاميًّا، هي: جماعة إسلاميةٌ غاليةٌ، نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية، نشأت داخل السُّجُون المصرية في بادئ الأمر، وبعد إطلاق سراح أفرادها، تبلورت أفكارها، وكثر أتباعها في صعيد مصر، وبين طلبة الجامعات خاصة.

    التأسيس وأبرز الشخصيات:

    تبلورت أفكار ومبادئ جماعة المسلمين التي عرفت بـجماعة التكفير والهجرة في السُّجُون المصرية وخاصة بعد اعتقالات سنة (1965م) التي أعدم على إثرها سيد قطب وإخوانه بأمرٍ من (جمال عبدالناصر) حاكمُ مصر آنذاك.

    لقد رأى المتدينون المسلمون داخل السُّجون ألوانًا من العذاب، ما تقشعر من ذكره الأبدان، وسقط الكثير منهم أمامهم بسبب التعذيب، دون أن يعبأ بهم القساة الجبارون.

    وفي هذا الجوِّ وُلِدَ الغُلُوُّ، ونبتت فِكْرَةُ التَّكفير، ووجدت الاستجابة لها.

    في سنة (1967م) طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبدالناصر.

    فانقسم المعتقلون إلى فئات:

    فئة سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة، وهؤٰلاء كان منهم العلماء، وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الإسلامية.

    وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى، وإنما هم رجال سياسة، التحقوا بالدعوة، بغية الحصول على مغانم كبيرة.

    أما جمهور الدعاة المعتقلين، فقد لجأوا إلى الصمت، ولم يعارضوا أو يؤيدوا؛ باعتبار أنهم في حالة إكراه.

    بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة، وأعلنت كُفْرَ رئيس الدولة ونظامه، بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام، ومن لم يكفرهم فهو كافر، والمجتمع بأفراده كُفَّار؛ لأنهم موالون للحكام، وبالتالي فلا ينفعهم صوم ولا صلاة، وكان أمام هذه الفئة مُهَنْدِسُ أفكارها الشيخ: علي إسماعيل.

    أبرز الشخصيات في الجماعة

    * الشيخ على إسماعيل، كان إمام هذه الفئة من الشباب داخل المعتقل، وهو أحد خِرِّيجِي الأزهر.

    * وشقيقه الشيخ عبدالفتاح إسماعيل، أحد السِّتَّة الذين تم إعدامهم مع السيد قطب، وقد صاغ الشيخ على مبادئ العزلة والتكفير لدى الجماعة، ضمن أطر شرعية، حتى تبدو وكأنها أمور شرعية، لها أدلتها من الكتاب والسنة من حياة الرسول ن، في الفترة بين الملكية والمدنية؛ متأثرًا في ذلك بأفكار الخوارج، إلَّا أنَّه رجع إلى رشده، وأعلن براءته من تلك الأفكار التي كان ينادي بها.

    * شكري أحمد مصطفى (أبو سعد) من مواليد قرية الحوائكة بمحافظة أسيوط (1942)م أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام (1965م)؛ لانتسابهم لجماعة الإخوان المسلمين، عمره ثلاثة وعشرين عامًا، تولى قيادة الجماعة داخل السِّجن بعد أن تبرأ الشيخ علي عبده إسماعيل.

    - وفي عام (1971م) أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة، ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته، ولذلك مبايعته أميرًا للمؤمنين وقائدًا لجماعة الإخوان المسلمين -على حدِّ زعمهم- فَعُيِّنَ أمراء للمحافظات والمناطق، واستأجر العديد من الشقق كمقرات سرِّية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة، وبعض محافظات الوجه القبلي.

    - وفي سبتمبر (1973م) أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية، واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة (أبي قرقاص) بمحافظة (المنيا) بعد أن تصرفوا ببيع ممتلكاتهم، وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض، تطبيعًا لمفاهيمهم الفكرية؛ حول الهجرة.

    - في (26أكتوبر1973م) اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري، فتمَّ إلقاء القبض عليهم، وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم (618) لسنة (73) أمن دولة عليا.

    - في (21) (إبريل1974م) عَقِبَ حَرْبِ (أكتوبر 1973م) صدر قرارٌ جمهوريٌّ بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته إلَّا أنَّه عاود ممارسةَ نشاطِهِ مرَّةً أخرى، ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل؛ حيث عمل على توسيعه قاعدة الجماعة، وإعادة تنظيم صفوفها، وقد تمكن من ضمِّ أعضاءَ جُدُد للجماعة من شتى محافظات مصر، كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد، بغرض التمويل، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة.

    - هيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئةً متكاملةً من النشاط، وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة، وبذلك عزلهم عن المجتمع؛ إذ أصبح العُضْوُ يعتمد على الجماعة في كُلِّ احتياجاته، ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني، وإذا ترك العُضْوُ الجماعة اعتبر كافرًا؛ حيث اعْتُبِرَ المجتمعُ خارج الجماعة كُلُّهُ كافرًا، ومن ثمَّ يتم تعقبه وتصفيته جسديًّا.

    - رغم أنَّ شكري مصطفى كان مستبدًّا في قراراته؛ إلَّا أن أتباعه كانوا يطيعونه طاعةً عمياءَ، بمقتضى عقد البيعة الذي أُخِذَ عليهم في بداية انتسابهم للجماعة، وكما هو معلومٌ وثابتٌ: أن هذه الجماعة جوبِهَتْ بقُوَّةٍ من قبل السلطات المصرية، وبخاصةٍ بعد مقتل الشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف المصري السابق.

    - وبعد مواجهات شديدة بين أعضاء الجماعة والسلطات المصرية، تم القبض على المئات من أفراد الجماعة، وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم (6) لسنة (1977م) التي حكمت بإعدام خمسةٍ من قادات الجماعة، على رأسهم شكري مصطفى وماهر عبدالعزيز البكري وأحكام بالسجن متفاوتة على باقي أفراد الجماعة.

    - في (30) (مارس1978م) صبيحة زيارة السَّادات للقدس، تم تنفيذ حكم الإعدام في شكري مصطفى وإخوانه.

    - بعد الضَّربات القاسية التي تلقتها الجماعة، اتخذت طابعَ السِّرية في العمل، الأمر الذي حافظت به الجماعة على وجودها حتى الآن، ولكنه وجودٌ غير مؤثر ولا ملحوظ؛ لشدَّة مواجهة جماعة الصحوة الإسلامية من أصحاب العقيدة والمنهج السَّلفي لهم بالحوار والمناظرات، سواءً كان داخل السُّجون والمعتقلات، أم خارجها، مما دفع الكثير منهم إلى العودة إلى رشده والتبرؤ من الجماعة.

    * ماهر عبدالعزيز زناتي(أبو عبدالله) ابن شقيقة شكري مصطفى ونائبة في قيادة الجماعة بمصر، وكان يشغل منصب المسئول الإعلامي للجماعة، أُعدم مع شكري في قضية محمد حسين الذهبي، رقم (6) لسنة (1977م) وله كتاب الهجرة.

    الأفكار والمعتقدات لدى الجماعة التكفير والهجرة

    #1$ إن التَّكفير عنصُرٌ أساسيٌّ في أفكار ومعتقدات الجماعة، فهم يكفرون كُلَّ من ارتكب كبيرةً وأصرَّ عليها، ولم يتب منها، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، بإطلاق ودون تفصيل، ويكفرون المحكومين؛ لأنهم رضُوا بذلك وتابعوهم أيضًا بإطلاق ودون تفصيل، أما العلماء فيكفرونهم؛ لأنهم لم يكفروا هؤٰلاء ولا أولئك، كما يكفرون كُلَّ من عُرِضَ عليه فكرهم فلم يقبله، أو قبله ولم ينظَمَّ إلى جماعتهم ويبايع إمامهم، أمَّا من انظم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مُرْتَدٌّ حلَالُ الدَّم، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعواهم ولم تبايع إمامهم، فهي كافرة مارقة من الدين.

    #2$ وكُلُّ من أخذ بأقوال الأئمة أو بالإجماع، حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس، أو بالمصلحة المرسلة، أو بالاستحسان ونحوها، فهو في نظرهم مُشْرِكٌ كافِرٌ.

    #3$ والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كُلُّهَا عُصُورُ كُفْرٍ وجاهليةٍ؛ لتقديسِهَا لِصَنَمِ التَّقليد المعبود من دون الله تعالى، فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها، ولا يجوز لديهم التَّقليد في أيِّ أمرٍ من أمور الدين.

    #4$ قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين.

    #5$ والهجرة هي العنصر الثاني في فكر الجماعة، ويقصد بها العُزْلَةُ عن المجتمع الجاهلي، وعندهم أنَّ كُلَّ المجتمعات الحاليَّة مجتمعاتٌ جاهليةٌ، والعزلة المعنية عندهم عزلةٌ مكانيةٌ وعزلةٌ شعوريةٌ؛ بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقية -برأيهم-، كما عاش الرسول ن وصحابته الكرام في الفترة المكيَّة.

    #6$ يجب على المسلمين في هذه المرحلة الحاليَّة من عهد الاستضعاف الإسلامي؛ أن يمارسوا المفاصلة الشعوريَّة لتقوية ولائهم للإسلام، من خلال جماعة المسلمين التكفير والهجرة وفي الوقت ذاته، عليهم أن يكُفُّوا عن الجهاد؛ حتى تكتسب القوة الكافية.

    #7$ لا قيمة عندهم للتاريخ الإسلامي؛ لأن التاريخ وأحسن القصص، هي الواردة في القرآن الكريم فقط.

    #8$ لا قيمة أيضًا لأقوال العلماء المحققين، وأمهاتُ كُتب التفسير والعقائد؛ لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث -بزعمهم- مرتدُّون عن الإسلام.

    #9$ قالوا بحجيَّة الكتاب والسنة فقط، ولكن كغيرهم من أصحاب البدع، الذي اعتقدوا رأيًا ثم حملوا ألفاظَ القرآن عليه، فما وافق أقوالهم من السُّنَّة قبلوه، وما خالفها تحايلوا في ردِّهِ أو رَدِّ دلائِلِهِ.

    #10$ دعوة إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث: «نَحْنُ أُمَّةٌ أُميَّةٌ...». فدعوا إلى تَرْكِ الكُلِّيَات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد الإسلامية أو الغير إسلامية؛ لأنها مؤسسات الطاغوت، وتدخل ضمن مساجد الضرار.

    أطلقوا الدعوة لمحو الأمية، وهي دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعليم الإسلام، فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة.

    #11$ قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة في المساجد؛ لأن المساجد كُلُّها ضِرَارٌ وأئمتها كفارٌ، إلَّا أربعة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وقباء، والمسجد الأقصى، ولا يصلون فيها أيضًا إلَّا إذا كان الإمام منهم.

    #12$ يزعمون أنَّ أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر، وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق على يد محمد ن من ظهور الإسلام على جميع الأديان، وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد أن تدمر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية، والإتحاد السوفيتي، تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة، كالصواريخ والطائرات وغيرها، ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل، بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب.

    #13$ ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة والاجتهاد المطلق، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفًا وخلفًا.

    #14$ وأهم كتاب كشف عن أسرار دعوتهم وعقيدتهم هو كتاب ذكريات مع جماعة المسلمين التكفير والهجرة لأحد أعضاء الجماعة عبدالرحمن أبو الخير الذي تداركهم فيما بعد.

    الجذور الفكرية والعقائدية

    إن قضيَّة تكفير المسلم قديمةٌ ولها جذورها في التاريخ الإسلامي، منذ عهد الخوارج، وقد تركت أثارًا علمية وعملية لعدة أجيال، وقد استيقظت هذه الظاهرة لأسباب عدة ذكرها العلماء.

    ويمكن إجمالها فيما يلي:

    - انتشار الفساد والفسق والإلحاد في معظم المجتمعات الإسلامية، دونما محاسبةً من أحد، لا من قبل الحكام، ولا من المجتمعات الإسلامية المسحوقة تحت أقدام الطغاة والظالمين.

    - محاربة الحركات الإسلامية من قبل حكام المسلمين، وامتلاء السجون بدعاة الإسلام، واستخدام أقصى أنواع التعذيب، مع التلفظ بألفاظ الكفر من قبل المعذبين والسجانين.

    - ظهور وانتشار بعض الكتب الإسلامية التي ألفت في هذه الظروف القاسية، وكانت تحمل بذور هذه الفكر، واحتضان هذه الفكرة من هذه الجماعة التكفير والهجرة، وطبعت بطابع الغُلُوِّ والعنف.

    - ويعد أساس جميع ما تقدم: ضعف البصيرة بحقيقة الدين، والاتجاه الظاهري في فهم النصوص، والإسراف في التحريم، والتباس المفاهيم، وتمييع عقيدة أهل السنة والجماعة لدى بعض قادة الحركة الإسلامية، بالإضافة إلى اتباع المتشابه، وترك المحكمات، وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع، وسنن الكون والحياة، ومنهج أهل السنة والجماعة.

    أماكن الانتشار لهذه الجماعة الهجرة و التكفير

    انتشرت هذه الجماعة في معظم محافظات مصر، وفي منطقة الصعيد على الخصوص، ولها وجود في بعض الدول العربية: (اليمن ـ والأردن ـ الجزائر ـ وغيرها).

    خلاصة الكلام في هذه الجماعة الضالة

    أنَّ هذه الجماعة هي جماعة ضالَّةٌ أحْيَتْ فِكْرَ الخوارج؛ بتكفير كُلّ من ارتكب كبيرة وأصرَّ عليها، وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل؛ لأنهم لا يحكمون بشرع الله، وتكفير المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل، وتكفير العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام، كما أنَّ الهجرة هي العنصر الثاني في تفكيرهم هذه الجماعة، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلةً مكانيةً، وعزلةً شعوريةً، وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية، و يقصد بها المساجد.

    ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين، بالإضافة إلى إشاعة مفهومها.

    وفي الأخير:

    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجه، لا أبتغي به سمعةً ولا رياءً.

    وأسأله أن يجنب البلاد الإسلامية عامةً وبلادنا اليمنية خاصة الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    كما أسأله سبحانه، أن يهدي جميع الحكام إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة، وأن يوفقهم لكل خير، ويجمع كلمتهم على الحق، ويسخرهم لخدمة الإسلام والمسلمين، ويتم عليهم نعمة الإسلام والسنة.

    والحمدلله رب العالمين.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    من مراجع هذه الرسالة:

    - كتاب وجادلهم بالتي هي أحسن مناقشة علمية هادئة لـ(81) مسألة متعلقة بحكام المسلمين.

    - وكتاب تحذير الشباب من أسباب التطرف والإرهاب.

    - وكتاب مجموع فتاوى العلماء الربانيين في تحكيم القوانين للشيخ سليم الهلالي.

    كتبه/ أبو بشار علي بن حسن بن علي محروس الحبيشي

    الأربعاء 26/ شعبان/1432ﻫ.




    الفهرس

    تقديم العلامة المحدث أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري......................... 3
    الصورة الخطية لتقديم العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري........................ 4
    مقدمة الشيخ أبي عبدالله محمد بن حزام الفضلي........................................... 5

    مقدمة المؤلف.................................................. ................................. 6

    الحكم بما أنزل الله وحكمه باختصار........................................... ............ 11
    ونذكر بعض صور الشَّرك الأكبر في الحكم والحكام:................................... 11
    وهذه بعض صور الشرك الأصغر عند الحاكم............................................ 12
    بعض العلماء الذين تكلَّموا في هذه المسألة........................................... ..... 12
    والحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:............................................ ... 18
    بعض الأسباب المجرئة لهؤلاء الجهال على التكفير:.................................... 21
    بعض شبه الخوارج في تكفير الحكام............................................ .......... 22
    الشبهة الأولى: احتجاجهم بقوله تعالى: ﴿............................. 22
    كلام العلماء حول هذه الآية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ومن العلماء المعاصرين 22
    الشبهة الثانية: يحتجون بموالاتهم للكفار أي الحكام...................................... 37
    معنى الموالاة والتولي.................................................. ..................... 37

    أقسام الموالاة:......................................... ........................................ 38
    الشبهة الثالثة: التي يدندنون بها في تكفيرهم للحكام والخروج عليهم، بحجة أنهم أعانوا الكفار على المسلمين 41
    بيان أنه ليست كل إعانةٍ مكفرة:............................................ ................ 42
    بيان ضابط الاعانة المكفرة:.......................................... ...................... 43
    الشبهة الرابعة: في تكفيرهم للحكام والخروج عليهم بحجة أنهم أماتوا الجهاد؟....... 44

    بيان خطر التكفير بدعوى تعطيل الجهاد............................................ ...... 46

    بيان عـــدم الحرج في ترك الجهاد حال العجز............................................ 46

    بيان أنَّ الأمـــة الآن في ضعف يوجب عليها عدم استعجال الجهاد:................... 47

    بعض المخالفات المنهجية في طريق الدعوة إلى الجهاد................................. 48
    الشبهة الخامسة: الاحتجاج على تكفير الحكام والخروج عليهم بانتشار المعاصي.... 49
    فالتمكين من الرِّبَا لا يكفر وأنَّ الاستحلال لا يستفاد من الفعل المجرد................. 50
    الشبهة السادسة: احتجاجهم على تكفير الحكام والخروج عليهم بشبهة الشرع المبدل 52
    الشبهة السابعة: الاحتجاج على تكفير الحكام والخورج عليهم بقوله تعالى: ﴿ [الشورى:22].................................................. ............................................... 53
    الشبهة الثامنة: الاحتجاج على تكفيرهم للحكام والخروج عليهم بقوله تعالى:﴿[الأنعام:٥٧] 53

    مناظرة ابن عباس للخوارج........................................... ...................... 54

    التكفير أثاره شروطه المشروعة وبعض صفات الخوارج وفتاوى العلماء في الخوارج والتكفير. 58

    آثار التكفير و أخطاره ومضاره............................................ ................ 58
    فضرره على الفرد إذا حكمت عليه بالكفر معناه:......................................... 58
    وأما ضرره وخطره على الإسلام عموما:............................................ ..... 59

    شروط التكفير وموانعه........................................... ........................... 61

    بعض صفات الخوارج........................................... ........................... 62

    بعض فتاوى العلماء في التحذير من التكفير........................................... ... 76
    البنائية.................................................. ..................................... 78
    بعض قادات الإخوان المسلمين وقادات التكفير في هذا العصر........................ 79

    الأول: حسن البنا: بعض أقواله الدالة عقيدته ومنهجة................................... 79

    الثاني: سيد قطب: بعض مخالفاته ومنهجه............................................ .... 79

    ثالثًا: محمد بن سرور: عقدته ومنهجه............................................ ......... 82
    وهاك تلخيصٌ مجملٌ لما احتوى عليه كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله لمحمد بن سرور: 85

    الرابع: المودودي.......................................... ................................... 87

    الخامس: محمد قطب............................................... ......................... 87

    السادس: عبدالرحمن عبدالخالق......................................... ................... 88

    السابع: جماعة الجهاد المسماه تنظيم القاعدة............................................ 88

    الثامن: تكفير عائض القرني المسلمين.......................................... .......... 89

    جماعة الهجرة و التكفير نشأتها وأبرز قاداتها........................................... . 92
    التأسيس وأبرز الشخصيات:......................................... ....................... 92
    أبرز الشخصيات في الجماعة........................................... .................... 93
    الشيخ على إسماعيل.................................................. ....................... 93
    وشقيقه الشيخ عبدالفتاح إسماعيل.................................................. ........ 93
    شكري أحمد مصطفى.................................................. ..................... 93
    ماهر عبدالعزيز زناتي.................................................. .................... 96
    الأفكار والمعتقدات لدى الجماعة التكفير والهجرة..................................... 96
    الجذور الفكرية والعقائدية........................................ ........................... 98
    أماكن الانتشار لهذه الجماعة الهجرة و التكفير......................................... 99
    خلاصة الكلام في هذه الجماعة الضالة............................................ ...... 100

    الفهرس............................................ .......................................... 102





    ([1]) انظر: الرد على الزنادقة والجهمية لإمام أهل السنة، أحمد بن حنبل.


    ([2]) هذا الفصل أضيف بعد تقديم الشيخ يحيى الحجوري .


    ([3]) راجع: مجموع الفتاوى (30/140).


    ([4]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 560/ 37921) .


    ([5]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/555/37896).


    ([6]) رواه مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/496).


    ([7]) راجع: الاستقامة لابن تيمية (1/13).


    ([8]) راجع: مجموع الفتاوى لا بن تيمية (19/ 72).


    ([9]) راجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية (19/72).


    ([10]) راجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/414).


    ([11]) راجع: إغاثة اللهفان لابن القيم (2/ 81) .


    ([12]) راجع: مهاج السنة لابن تيمية (4/536) .


    ([13]) المرجع السابق .


    ([14]) ذكره الشاطبي في الاعتصام (1/ 245).


    ([15]) ذكره الشاطبي في الصواعق المرسلة (1/308) .


    ([16]) راجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/110).


    ([17]) جزء من حديث طويل رواه الدرامي (204) وقال محققه: إسناده جيد.


    ([18]) جزء من حديث رواه الترمذي (2188). وأبوداود (4767) وقال الألباني: حسن صحيح.


    ([19]) راجع الدرر السنية (8/111).


    ([20]) ذكره ابن حجر العسقلاني في الفتح (12/287).


    ([21]) رواه البخاري (6931), ومسلم (1064-147), وأحمد في المسند (3/60), ومالك في الموطإ (478).


    ([22]) رواه مسلم (335/69), وأحمد في المسند (6/231).


    ([23]) جزء من حديث رواه البخاري (7562) وأبوداود (4765)، عن أبي سعيد الخدري ت.


    ([24]) راجع مجموعة الفتاوى لابن تيمية (1/258).


    ([25]) تفرد به النسائي (4103) عن شريك بن شهاب ت وضعفه الألباني.


    ([26]) راجع كتاب النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/139).


    ([27]) جزء من حديث رواه البخاري (7562)، عن أبي سعيد الخدري ت.


    ([28]) جزء من حديث رواه البخاري (7562)، عن أبي سعيد الخدري ت.


    ([29]) عنوان الباب عند البخاري (12/282).


    ([30]) رواه البخاري (3611), ومسلم (1066/154).


    ([31]) راجع المنهاج لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 251).


    ([32]) جزء من حديث رواه البخاري (3344)، ومسلم (1064/143)، والنسائي (2578), وأبوداود (4764), وأحمد في المسند (3/73).


    ([33]) رواه الترمذي (3000)، وابن ماجه (176)، وقال الألباني: حسن صحيح.


    ([34]) رواه مسلم (1566/156).


    ([35]) راجع مجموع الفتاوى (16/588).


    ([36]) ذكره ابن حجر في فتح الباري (12/290).


    ([37]) جزء من حديث تفرد به النسائي (4103)، وضعفه الألباني.


    ([38]) رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/152/18662).


    ([39]) رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/152/18663)، والترمذي (3000)، وقال الألباني: حسن صحيح, وأحمد في المسند (5/256)، وقال الأرناؤوط: حديث
    صحيح. وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد من أجل أبي غالب البصري نزيل أصبهان.



  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً أخي علي
      هذا الذي كنا نريد
      جعل الله هذا في ميزان حسناتكم

      تعليق


      • #4
        كلام في وقته .. جزاك الله خيرا أخي علي

        تعليق


        • #5
          كتاب مفيد لكل من اغتر بالخوارج وخاصة القاعدة وما يسمى بداعش

          تعليق

          يعمل...
          X