تعطيل الزيدية الأسماء والصفات
إن من عقائد الزيدية أنهم لا يثبتون لله أسماء ولا صفات فقد قالوا إن صفات الله هي عين ذاته فلا تستقل الصفة عن الذات فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه .
فإذا قلت إن الله عالم أثبت له علما هو الله وإن قلت إنه سميع أثبت له سمعا هو الله ولا صفة لسمعه.
وبهذا يكونوا قد نفوا الأسماء والصفات وهذا إلحاد في أسماء الله وصفاته.
وقد ذُكر في كتاب (مقالة التعطيل والجعد بن درهم ) و في (تحقيق كتاب العرش)أن إثبات الأسماء مجردة عن الصفات قول المعتزلة ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري. وتبع المعتزلة على ذلك الزيدية، والرافضة الإمامية، وبعض الخوارج. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه. يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً، قادراً، عالماً، حياًّ لا لمعان[1]".والمعتزلة لهم في نفيهم لتضمن الأسماء للصفات مسلكان : المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام محضة لا تدل على صفة. و(المحضة) الخاصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتاً واحدة (بزيد وعمرو ومحمد وعلي) فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها([2]). والمسلك الثاني: من يقول منهم إن كل عَلَم منها مستقل، فالله يسمى عليماً وقديراً، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة([3]) . ولذلك يقولون عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معاني البعض وتحريف معاني البعض الآخر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية : كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة: وقال شيخ الإسلام أيضا في التدمرية: والكلام على فساد مقالة هؤلاء ، وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول ، فإن هؤلاء يسفسطون في العقليات ، ويقرمطون في السمعيات ، وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه ، إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات ، كالحيوان والمعدن والنبات ، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع ، وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث ، والممكن لا بد له من واجب ، كما قال - تعالى :{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور : 35] ، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ، ولا هم الخالقون لأنفسهم ، تعين أن ( لهم ) خالقا خلقهم ، وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه ، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم ، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا ، بل وجود هذا يخصه ، ووجود هذا يخصه ، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص ولا في غيره ، فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود ، وإن البعوض شيء موجود ، إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود ، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق ، وإذا قيل : هذا موجود وهذا موجود ، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره . لأنه سبحانه القديم ، وأسماؤه قديمة ، وصفاته قديمة ، فإذا كان المخاطب ممن ينكر الصفات ويقر بالأسماء كالمعتزلي الذي يقول :الله حي عليم قدير ، وينكر أن يتصف بالحياة والعلم والقدرة ، قيل له : لا فرق بين إثبات الأسماء ، وبين إثبات الصفات ، فمن زعم أن إثبات الصفات يقتضي تشبيها أو تجسيما لما يرى في الشاهد ، قيل له : ولا يرى في الشاهد ما هو مسمى بحي وعليم وقدير إلا ما هو كذلك ، فكل ما احتج به من نفي الصفات يحتج عليه من الأسماء الحسنى ، فما كان جوابا له ، كان جوابا لمثبتي الصفات . ولما كانت أسماؤه سبحانه ثابتة باتفاق أهل السنة والمعتزلة ، قال مشيرا لذلك في النظام بقوله ( أسماؤه ) سبحانه وتعالى( ثابتة ) بالنص والعقل ، ( عظيمة ) وصفها بذلك ; لأنها معظمة موصوفة بأنها حسنى ، وأنها قديمة عند أهل الحق ، كصفاته الذاتية وكذا الفعلية ، والمراد بأسمائه - تعالى - ما دل على مجرد ذاته كالله ، أو باعتبار الصفة كالعالم والقادر.انهى . وقال أيضا:"وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية والرافضة الإمامية والإباضية، وابن تومرت وابن حزم[4]" اهـ.
وقال أيضا:"ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة إلا وقد أثبت أئمة أهل السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه مع إثباتهم قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام هؤلاء لا يثبتون هذا ومتكلموا الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما كانوا يثبتون القدر كما يثبته غيرهم وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم من ينفيه فالشيعة في القدر على قولين كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء الثلاثة في القدر على قولين ,فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ويقول ما هو أضعف منه ولا يوجد للشيعة قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ويقول ما هو أقوى منه ولا يتصور أن يوجد للشيعة قول قوي لم يقله أحد من أهل السنة فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم كما أن المسلمين أولى بكل خير من اليهود والنصارى[5]"أهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومعلوم أن المسمى هو واحد وان تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته كما إذا قيل محمد هو أحمد وهو الحاشر وهو الماحى وهو العاقب وهو خاتم المرسلين وهو نبى الرحمة وهو نبى الملحمة ,فهو سبحانه واحد صمد وأسماؤه الحسنى تدل كلها على ذاته ويدل هذا من صفاته على ما لا يدل عليه الآخر فهي متفقة في الدلالة على الذات متنوعة في الدلالة على الصفات فالاسم يدل على الذات والصفة المعينة بالمطابقة ويدل على أحدهما بطريق التضمن وكل اسم يدل على الصفة التى دل عليها بالالتزام لأنه يدل على الذات المتكنى به جميع الصفات[6]"أهـ المراد.
وقال الإمام ابن القيم في كتابه ( بدائع الفوائد ) : أسماء الرب - تعالى - هي أسماء ونعوت ، فإنها دالة على صفات كماله ، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية ، فالرحمن اسمه - تعالى - ووصفه لا ينافي اسميته ، فمن حيث هو صفة ، جرى تابعا على اسم الله ، ومن حيث هو اسم ، ورد في القرآن غير تابع ، بل ورود الاسم العلم . وأما زعم المعتزلة أن الله كان أزليا بلا اسم ولا صفة ، فلما أوجد الخلق ، وضعوا له الأسماء والصفات ، كما نقله عنهم القرطبي والفاكهاني وغيرهما ، فهو خطأ فاحش ، قال السمين : هذا القول أشد خطأ من قولهم بخلق القرآن ; لإشعاره بالاحتياج للغير . وقال ابن حمدان في ( نهاية المبتدئين في أصول الدين ) : أسماء الله - تعالى - قديمة . انتهى . وقال أيضا في القصيدة النونية (1/132) العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فلان
كلا ولا جحد الصفات لربنا *** في قالب التنزيه والسبحان
كلا ولا نفي العلو لفاطر الأ *** كوان فوق جميع ذي الأكوان
كلا ولا عزل النصوص وأنها *** ليست تفيد حقائق الايمان
قال أحمد بن إبراهيم شارح القصيدة:"فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الايمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان 52.
وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى:{ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التحريم 9.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/116) ما يلي:«وأسماء الله كل ما دل على ذات الله، مع صفات الكمال القائمة به، مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم، والحكمة، والسمع، والبصر، أما الصفات فهي نعوت الكمال القائمة بالذات كالعلم، والحكمة، والسمع، والبصر، فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم» أهـ
وقال ابن الوزير رحمه الله :"اعلم أن مذهب السلف: أن كل من بلغه حديث من أحاديث الصفات يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم.
أما التقديس: فتنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات جميعها.
وأما التصديق: فهو الإيمان بأن ما ذكره حق على الوجه الذي قاله وأراده.
وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده عليه السلام ليس من شأنه.
وأما السكوت: فهو أن لا يسأل عن معناه، ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه،وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه وهو لا يشعر.
وأما الإمساك: فلا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل، والزيادة فيه والنقصان منه، والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه. وأما الكف: فإنه يكف باطنه عن البحث عنه، والتفكر فيه.
وأما التسليم: فأن لا يعتقد برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وتابعيهم تهمة، ولا يوجه إليهم ظنة لقيام الدليل على صدقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - ومعرفته بما يجوز على الله تعالى مما لا يجوز، وعدالة الصحابة وتابعيهم، وثناء الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، وشهادته لهم بأنهم خير القرون بعده، فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها»[7].
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى:"وإن الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة هو ما كان عليه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقد كانوا رحمهم الله وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم يمرون أدلة الصفات على ظاهرها ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون ولا يتأولون، وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لا يشك فيه شاك ولا ينكره منكر ولا يجادل فيه مجادل[8]".
وقال الإمام الوادعي رحمه الله تعالى في تعليقه على الرسالة الوازعة عند قول الإمام يحيى بن حمزة:فالزيدية إذا قالوا بإثبات الصانع خرجوا من المعطلة والدهرية .
فقال شيخنا:إن أسماء الله وصفاته توقيفية ولم يرد دليل في وصف الله بأنه صانع فالأولى أن يقال بأنه خالق قال الله سبحانه وتعالى:{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[فاطر : 3].
وقال تعالى:{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
وقال تعالى:{ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الرعد : 16].وقال سبحانه وتعالى:{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}[الحشر : 24].وقال البخاري رحمه الله ج3ص 390حدثنا إسحاق حدثنا عفان حدثنا وهب حدثنا موسى –هو ابن عقبة- حدثني محمد بن يحيى بن حيان عن ابن مجيريز عن أبي سعيد الخدري في غزوة بني المصطلق أنهم أصابوا سبايا فأرادوا أن يستمتعوا بهن ولا يحملن فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عن العزل فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله كتب من هو خالق إلى يوم القيامة ".
وصف الله بأنه صانع ولكنه شاذ كما ذكرت ذلك في الأدلة الواضحة الجلية في الرد على الشيعة القدرية[9] .اهـ.
وقال الشوكاني في التحف في مذاهب السلف:فأهل السنة وسط بين طرفين لم يشبهوا الله تعالى بخلقه ولم يعطلوا صفاته,فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به.
ولذلك قال أهل العلم:أهل السنّة جمعوا بين الحسنيين، وسلموا من الإساءتين، فأثبتوا ونزهوا، كما قال الله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فبإثباتهم سلموا من التعطيل، وبتنزيههم سلموا من التشبيه والتمثيل.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في رسالته(فضل علم السلف على الخلف ص70):ومن ذلك أعني محدثات الأمور ما أحدثه المعتزلة ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله تعالى وصفاته بأدلة العقول وهو أشد خطراً من الكلام في القدر لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله وهذا كلام في ذاته وصفاته.
[1] - انظر كتاب ذكر المعتزلة ص6، شرح الأصول الخمسة ص151. مقالات الإسلاميين ص164-165.
[2] - التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية (1/46).
[3] - التحفة المهدية (1/46).
[4] - انظر درء تعارض العقل والنقل (5/249، 250).
[5] - منهاج السنة 1/465-466.
[6] - الفتاوى 13/382-383.
[7] - العواصم والقواصم 3/340-341.
[8] - التحف من مذهب السلف ص 31-32.
[9] - إرشاد ذوي الفطن ص 225.
إن من عقائد الزيدية أنهم لا يثبتون لله أسماء ولا صفات فقد قالوا إن صفات الله هي عين ذاته فلا تستقل الصفة عن الذات فمن وصفه فقد شبهه ومن لم يصفه فقد نفاه .
فإذا قلت إن الله عالم أثبت له علما هو الله وإن قلت إنه سميع أثبت له سمعا هو الله ولا صفة لسمعه.
وبهذا يكونوا قد نفوا الأسماء والصفات وهذا إلحاد في أسماء الله وصفاته.
وقد ذُكر في كتاب (مقالة التعطيل والجعد بن درهم ) و في (تحقيق كتاب العرش)أن إثبات الأسماء مجردة عن الصفات قول المعتزلة ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري. وتبع المعتزلة على ذلك الزيدية، والرافضة الإمامية، وبعض الخوارج. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه. يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً، قادراً، عالماً، حياًّ لا لمعان[1]".والمعتزلة لهم في نفيهم لتضمن الأسماء للصفات مسلكان : المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام محضة لا تدل على صفة. و(المحضة) الخاصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتاً واحدة (بزيد وعمرو ومحمد وعلي) فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها([2]). والمسلك الثاني: من يقول منهم إن كل عَلَم منها مستقل، فالله يسمى عليماً وقديراً، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة([3]) . ولذلك يقولون عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معاني البعض وتحريف معاني البعض الآخر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية : كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة: وقال شيخ الإسلام أيضا في التدمرية: والكلام على فساد مقالة هؤلاء ، وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول ، فإن هؤلاء يسفسطون في العقليات ، ويقرمطون في السمعيات ، وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه ، إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات ، كالحيوان والمعدن والنبات ، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع ، وقد علم بالاضطرار أن المحدث لا بد له من محدث ، والممكن لا بد له من واجب ، كما قال - تعالى :{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور : 35] ، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ، ولا هم الخالقون لأنفسهم ، تعين أن ( لهم ) خالقا خلقهم ، وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه ، وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم ، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا ، بل وجود هذا يخصه ، ووجود هذا يخصه ، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتقييد والتخصيص ولا في غيره ، فلا يقول عاقل إذا قيل إن العرش شيء موجود ، وإن البعوض شيء موجود ، إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود ، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق ، وإذا قيل : هذا موجود وهذا موجود ، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره . لأنه سبحانه القديم ، وأسماؤه قديمة ، وصفاته قديمة ، فإذا كان المخاطب ممن ينكر الصفات ويقر بالأسماء كالمعتزلي الذي يقول :الله حي عليم قدير ، وينكر أن يتصف بالحياة والعلم والقدرة ، قيل له : لا فرق بين إثبات الأسماء ، وبين إثبات الصفات ، فمن زعم أن إثبات الصفات يقتضي تشبيها أو تجسيما لما يرى في الشاهد ، قيل له : ولا يرى في الشاهد ما هو مسمى بحي وعليم وقدير إلا ما هو كذلك ، فكل ما احتج به من نفي الصفات يحتج عليه من الأسماء الحسنى ، فما كان جوابا له ، كان جوابا لمثبتي الصفات . ولما كانت أسماؤه سبحانه ثابتة باتفاق أهل السنة والمعتزلة ، قال مشيرا لذلك في النظام بقوله ( أسماؤه ) سبحانه وتعالى( ثابتة ) بالنص والعقل ، ( عظيمة ) وصفها بذلك ; لأنها معظمة موصوفة بأنها حسنى ، وأنها قديمة عند أهل الحق ، كصفاته الذاتية وكذا الفعلية ، والمراد بأسمائه - تعالى - ما دل على مجرد ذاته كالله ، أو باعتبار الصفة كالعالم والقادر.انهى . وقال أيضا:"وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية والرافضة الإمامية والإباضية، وابن تومرت وابن حزم[4]" اهـ.
وقال أيضا:"ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة إلا وقد أثبت أئمة أهل السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه مع إثباتهم قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام هؤلاء لا يثبتون هذا ومتكلموا الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما كانوا يثبتون القدر كما يثبته غيرهم وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم من ينفيه فالشيعة في القدر على قولين كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء الثلاثة في القدر على قولين ,فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ويقول ما هو أضعف منه ولا يوجد للشيعة قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ويقول ما هو أقوى منه ولا يتصور أن يوجد للشيعة قول قوي لم يقله أحد من أهل السنة فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم كما أن المسلمين أولى بكل خير من اليهود والنصارى[5]"أهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ومعلوم أن المسمى هو واحد وان تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته كما إذا قيل محمد هو أحمد وهو الحاشر وهو الماحى وهو العاقب وهو خاتم المرسلين وهو نبى الرحمة وهو نبى الملحمة ,فهو سبحانه واحد صمد وأسماؤه الحسنى تدل كلها على ذاته ويدل هذا من صفاته على ما لا يدل عليه الآخر فهي متفقة في الدلالة على الذات متنوعة في الدلالة على الصفات فالاسم يدل على الذات والصفة المعينة بالمطابقة ويدل على أحدهما بطريق التضمن وكل اسم يدل على الصفة التى دل عليها بالالتزام لأنه يدل على الذات المتكنى به جميع الصفات[6]"أهـ المراد.
وقال الإمام ابن القيم في كتابه ( بدائع الفوائد ) : أسماء الرب - تعالى - هي أسماء ونعوت ، فإنها دالة على صفات كماله ، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية ، فالرحمن اسمه - تعالى - ووصفه لا ينافي اسميته ، فمن حيث هو صفة ، جرى تابعا على اسم الله ، ومن حيث هو اسم ، ورد في القرآن غير تابع ، بل ورود الاسم العلم . وأما زعم المعتزلة أن الله كان أزليا بلا اسم ولا صفة ، فلما أوجد الخلق ، وضعوا له الأسماء والصفات ، كما نقله عنهم القرطبي والفاكهاني وغيرهما ، فهو خطأ فاحش ، قال السمين : هذا القول أشد خطأ من قولهم بخلق القرآن ; لإشعاره بالاحتياج للغير . وقال ابن حمدان في ( نهاية المبتدئين في أصول الدين ) : أسماء الله - تعالى - قديمة . انتهى . وقال أيضا في القصيدة النونية (1/132) العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فلان
كلا ولا جحد الصفات لربنا *** في قالب التنزيه والسبحان
كلا ولا نفي العلو لفاطر الأ *** كوان فوق جميع ذي الأكوان
كلا ولا عزل النصوص وأنها *** ليست تفيد حقائق الايمان
قال أحمد بن إبراهيم شارح القصيدة:"فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الايمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان 52.
وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى:{ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التحريم 9.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/116) ما يلي:«وأسماء الله كل ما دل على ذات الله، مع صفات الكمال القائمة به، مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم، والحكمة، والسمع، والبصر، أما الصفات فهي نعوت الكمال القائمة بالذات كالعلم، والحكمة، والسمع، والبصر، فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم» أهـ
وقال ابن الوزير رحمه الله :"اعلم أن مذهب السلف: أن كل من بلغه حديث من أحاديث الصفات يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم.
أما التقديس: فتنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات جميعها.
وأما التصديق: فهو الإيمان بأن ما ذكره حق على الوجه الذي قاله وأراده.
وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده عليه السلام ليس من شأنه.
وأما السكوت: فهو أن لا يسأل عن معناه، ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه،وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه وهو لا يشعر.
وأما الإمساك: فلا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل، والزيادة فيه والنقصان منه، والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه. وأما الكف: فإنه يكف باطنه عن البحث عنه، والتفكر فيه.
وأما التسليم: فأن لا يعتقد برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وتابعيهم تهمة، ولا يوجه إليهم ظنة لقيام الدليل على صدقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ - ومعرفته بما يجوز على الله تعالى مما لا يجوز، وعدالة الصحابة وتابعيهم، وثناء الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، وشهادته لهم بأنهم خير القرون بعده، فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها»[7].
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى:"وإن الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة هو ما كان عليه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقد كانوا رحمهم الله وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم يمرون أدلة الصفات على ظاهرها ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون ولا يتأولون، وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لا يشك فيه شاك ولا ينكره منكر ولا يجادل فيه مجادل[8]".
وقال الإمام الوادعي رحمه الله تعالى في تعليقه على الرسالة الوازعة عند قول الإمام يحيى بن حمزة:فالزيدية إذا قالوا بإثبات الصانع خرجوا من المعطلة والدهرية .
فقال شيخنا:إن أسماء الله وصفاته توقيفية ولم يرد دليل في وصف الله بأنه صانع فالأولى أن يقال بأنه خالق قال الله سبحانه وتعالى:{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[فاطر : 3].
وقال تعالى:{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
وقال تعالى:{ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الرعد : 16].وقال سبحانه وتعالى:{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}[الحشر : 24].وقال البخاري رحمه الله ج3ص 390حدثنا إسحاق حدثنا عفان حدثنا وهب حدثنا موسى –هو ابن عقبة- حدثني محمد بن يحيى بن حيان عن ابن مجيريز عن أبي سعيد الخدري في غزوة بني المصطلق أنهم أصابوا سبايا فأرادوا أن يستمتعوا بهن ولا يحملن فسألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عن العزل فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله كتب من هو خالق إلى يوم القيامة ".
وصف الله بأنه صانع ولكنه شاذ كما ذكرت ذلك في الأدلة الواضحة الجلية في الرد على الشيعة القدرية[9] .اهـ.
وقال الشوكاني في التحف في مذاهب السلف:فأهل السنة وسط بين طرفين لم يشبهوا الله تعالى بخلقه ولم يعطلوا صفاته,فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به.
ولذلك قال أهل العلم:أهل السنّة جمعوا بين الحسنيين، وسلموا من الإساءتين، فأثبتوا ونزهوا، كما قال الله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فبإثباتهم سلموا من التعطيل، وبتنزيههم سلموا من التشبيه والتمثيل.
وأما الكلمة وهي ليس كمثله شيء فبها يستفاد نفي المماثلة في كل شيء فيدفع بهذه الآية في وجه المجسمة وتعرف به الكلام عند وصفه سبحانه بالسميع البصير وعند ذكر السمع والبصر واليد والاستواء ونحو ذلك مما اشتمل عليه الكتاب والسنة فتقرر بذلك الإثبات لتلك الصفات لا على وجه المماثلة والمشابهة للمخلوقات فيدفع به جانبي الإفراط والتفريط وهما المبالغة في الإثبات المفضية إلى التجسيم والمبالغة في النفي المفضية إلى التعطيل فيخرج من بين الجانبين وغلو الطرفين أحقية مذهب السلف الصالح وهو قولهم بإثبات ما أثبته لنفسه من الصفات على وجه لا يعلمه إلا هو فإنه القائل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.اهـ
[1] - انظر كتاب ذكر المعتزلة ص6، شرح الأصول الخمسة ص151. مقالات الإسلاميين ص164-165.
[2] - التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية (1/46).
[3] - التحفة المهدية (1/46).
[4] - انظر درء تعارض العقل والنقل (5/249، 250).
[5] - منهاج السنة 1/465-466.
[6] - الفتاوى 13/382-383.
[7] - العواصم والقواصم 3/340-341.
[8] - التحف من مذهب السلف ص 31-32.
[9] - إرشاد ذوي الفطن ص 225.
تعليق