إبراز الدرر المنيرة
من فتوى الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله
في تداول فيديو جرائم الرافضة
شرح الفقير إلى الله:
أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمةمن فتوى الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله
في تداول فيديو جرائم الرافضة
شرح الفقير إلى الله:
أبي فيروز عبد الرحمن بن سوكايا الإندونيسي
عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
ففي أثناء هجوم الرافضة علينا بدار الحديث بدماج سألني بعض الإخوة أن أنصح الإخوة المسلمين فيما يتعلق بنشر فيديو جرائم الرافضة وفيه صور ذوات الأرواح. فألبي الطلب الشرعي بذكر فتوى شيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله، ثم أذكر شيئاً من الشح لبعض الكلمات عسى الله أن ينفع بهذا السعي، والله الموفق إلى أقوم الطريق.
فتوى شيخنا العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله
فهذه فتوى مهمة للعلّامة المجاهد يحيي الحجوري من أسئلة أهل تعز عن حكم تداول مقاطع فيديو لجرائم الرافضة.
السؤال الواحد وعشرون: ما حكم أخذ مقاطع الفيديو في بيان جرائم الرافضة لعلّها أنّها أشدّ اقناعا للعامة؟
فأجاب الشيخ يحيي حفظه الله: نشر صور ذوات الأرواح بين الناس لا ينبغي لقول الني صلّى الله عليه وسلم: «لاتدع صورة إلّا طمستها ولا قبرا مشرفا إلّا سوّيته» الحديث إلّا أنّه قد يلمح الإنسان بعض الشيء إمّا في جوّال وإمّا في كذا ، لمحة، والشاهد من ذلك عدم نشر الصور، هذا الذي عليه الأدلة بقي أمر وهو ينبغي بيان فضائح الرافضة نشراً وقولاً وخطابةً وكتابةً وتدويناً وسائر ما ينفع المسلمين وهم قد رأوها من غير أن تقول لهم أنت أنظروا حتى لا تعين على الشرّ، كثير من الناس يقرؤون ينظرون إلى التلفاز ونحن ننصح بعدم النظر فيها ، ينظرون القنوات التي فيها الصور ونحن ننصح، فهم أنفسهم قد رأو بدون لم تعن على الشرّ أنت ، سدّد وقارب ولا تعن على شرّ ومع ذلك حذّر من فضائح الرافضة وجرائمهم وعظائمهم بما ينفع الناس وبما لا ضرر عليهم فيه وبدون أي معصية، وعندك غنية لهذا ولله الحمد عن تلك ، فعندك غنية بما عندهم من العقائد تنشرها وهكذا جرائم وقطع الطريق وسائر ماهم فيه والله الموفق ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ الله﴾ قد يجعل الله قبولا لكلمة ينفع بها بما لا يجعل بعديد من تلك المخالفات ، فإذا قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طاعة الله جعل الله فيه البركة لا سيما إذا صدر عن صدق وخالص نية حتى قال بعضهم: مواعظ الواعظ لن تقبل حتى يعيها قلبه أوّلا يا قوم من أظلم واعظ خالف ما قد قاله في الملأ ، أظهر بين الخلق إحسانه وخالف الرحمن لمّا خلا .
انشروا هذه الأشرطة ، انشروا المطويّات ، انشروا ، انشروا الرسائل ، انشروا المطبوعات في فضائح الرافضة ، كل بما يستطيع والله لو تخصم من راتبك ومن مصروف شهرك شيئا ما لبيان فضائح الرافضة أنك رابح ، وأنّها دعوة إلى الله عزّوجلّ لتنحية شرّ أو تقليله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فشرّهم مستطير وبلائهم كثير ولا يتصدّى لهم إلّا ذووا الغيرة على دين الله أمّا أصحاب المطامع الدنيوية ممكن يعطوه مبلغا من المال فيسكت وإلى هنا والحمد لله ربّ العالمين.
فرَّغها أبوحذيفة الزهراني جزاه الله خيرا.
الشرح المختصر للفتوى المنوِّر
من باب تتميم الفائدة سأذكر شيئا من الشرح لذلك الفتوى المبارك المنور –وبالله التوفيق-:
قول شيخنا يحيى حفظه الله: (نشر صور ذوات الأرواح بين الناس لا ينبغي).
الشرح -بالله التوفيق-:
إن تصوير ذوات الأرواح من الكبائر، فنشرها حرام. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون». (أخرجه البخاري (5950) ومسلم (2109)).
قال الإمام النووي رحمه الله: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان فى ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو اناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير صورة الشجر ورحال الابل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. ("شرح النووي على مسلم"/14 /ص81).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: المصور الذي يصنع الصورة بيده من أشد الناس عذابا يوم القيامة لتشبه بالله فى مجرد الصنعة فما الظن بالتشبه بالله فى الربوبية والالهية كما قال النبي أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم وفى الصحيحين عنه أنه قال قال الله عز و جل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلق فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة. ("الجواب الكافي"/ص 95).
وهل قوله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابا) يدل على كفر فاعله؟ ففيه تفصيل. وهذا التفصيل يكفي للزجر والترديع ألا يتقدم الإنسان العاقل على هذا الصنيع لأن العذاب في حقه شديد جدا بل من أشد العذاب.
قال الإمام النووي رحمه الله: وأما رواية (أشد عذاباً) فقيل: هي محمولة على من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها، فهذا كافر، وهو أشد عذاباً. وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث من مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك، فهذا كافر له، من أشد العذاب ما للكفار، ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره. فأما من لم يقصد بها العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي. ("شرح النووي على مسلم"/14/ص91).
فإذا كان تصوير ذوات الأرواح من أشد محرمات فنشره في الناس نشر للكبيرة من الكبائر، وتعويدهم بها، وصار سبباً لانتشار المفاسد. فمجرد السكوت عن المنكر سبب اللعنة. قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78، 79].
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ القواعد الإسلامية، وأجلّ الفرائض الشرعية ، ولهذا كان تاركه شريكاً لفاعل المعصية ، ومستحقاً لغضب الله وانتقامه. ("فتح القدير"/2/ص344).
وهذا سبب تعميم العذاب. عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله عز و جل وأثنى عليه فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾ إلى آخر الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه». قال: وسمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول: يا أيها الناس إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان. (أخرجه أحمد (16) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، صحيح).
قال أبو جعفر ابن النحاس الدمشقي رحمه الله: شؤم المعاصي عقوبة في الدنيا والآخرة تعمّ المداهن الذي لم ينكر المنكر قطعا. ("تنبيه الغافلين"/ص94).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (لقول الني صلّى الله عليه وسلم: «لا تدع صورة إلّا طمستها ولا قبرا مشرفا إلّا سوّيته» الحديث).
الشرح –بالله التوفيق-:
هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم (969) عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ «أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته». وفي رواية: «ولا صورة إلا طمستها».
قال القرطبي رحمه الله: و "التمثال" : مثال صورة ما فيه روح ، وهو يعمّ ما كان متجسِّدًا ، وما كان مصوَّرًا في رَقْمٍ أو نقشٍ ، ولا سيما وقد رُوي : "صورة" مكان "تمثال". ("المفهم"/8 /ص100).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: وهذا يدل على طمس الصور في أي شيء كانت وهدم القبور المشرفة وإن كانت من حجارة أو آجر أو لبن. ("الطرق الحكمية"/ص 397).
هذا يدل على عدم السكوت عن المنكر بل يسعى في تغييره بما يستطيع. قال القرطبي رحمه الله: وحاصل هذا الحديث : الأمر بتغيير الصور مطلقًا ، وأنّ إبقاءها كذلك منكَرٌ ، و"طمسها" : تغييرها ، وذلك يكون بقطع رؤوسها وتغيير وجوهها ، وغير ذلك مما يُذْهِبُها . ("المفهم"/8/ص101).
وأما من نشر صور ذوات الأرواح فقد أقر المنكر. قال الإمام النووي رحمه الله: فيه أن السنة أن القبر لا يرفع على الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح، وهذا مذهب الشافعى ومن وافقه ونقل القاضي عياض عن أكثر العلماء أن الأفضل عندهم تسنيمها وهو مذهب مالك قوله: «أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته» فيه الأمر بتغيير صور ذوات الأرواح. ("شرح النووي على مسلم"/7/ص36).
وقال القاضي العيني رحمه الله: والطمس: المحو والإزالة. ("شرح أبي داود"/للعيني /6 /ص174).
فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحو الصور وإزالتها لا بمجرد تغطية الرأس بخمار –مثلا- مع بقاء هيئة الرأس.
وقول شيخنا يحيى حفظه الله: (الشاهد من ذلك عدم نشر الصور).
الشرح –بالله التوفيق-:
لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
والله تعالى يريد صلاح العباد. فمن نشر الشر فقد تعاون على مضادة شريعة الله وتشبه بالكفار الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: 55].
فمن نشر صور ذوات الأرواح فقد أعان على بقاء الباطل وانتشار الشرور.
وقول شيخنا يحيى حفظه الله: (هذا الذي عليه الأدلة).
الشرح –بالله التوفيق-:
قد كثرت أدلة تحريم تصوير ذوات الأرواح، منها ما سيأتي ذكرها. وقد سئل الإمام ابن باز رحمه الله: هل يجوز لإنسان تصوير نفسه وإرسال الصورة إلى أهله في أوقات عيد ونحوها؟
فأجاب طيب الله ثراه: قد تكاثرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التصوير ولعن المصورين ووعيدهم بأنواع الوعيد، فلا يجوز للمسلم أن يصور نفسه ولا أن يصور غيره من ذوات الأرواح إلا عند الضرورة كالجواز والتابعية ونحو ذلك. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفق ولاة الأمر للتمسك بشريعته والحذر مما خالفها إنه خير مسئول. والله الموفق.
("فتاوى ابن باز"/1/ص456).
ومن أدلة تحريم صور ذوات الأرواح: حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «أتاني جبريل عليه السلام فقال لي أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتين منبوذتين توطآن ومر بالكلب فليخرج» ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وإذا الكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد ( متاع البيت ينضد بعضه على بعض أي يرفع بعضه فوق الآخر ) لهم فأمر به فأخرج. (أخرجه أبو داود (4158)/صحيح).
فقد أمر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع رأس التمثال ولم يأمر بمجرد تغطيته بالخمار ونحو ذلك.
وفيه أيضا تحريم تصوير الرأس مستقلاً لأن المعتبر هو بقاء الرأس. قال الإمام ابن باز رحمه الله: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة ، وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات ، والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه ، ولأن في الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن ، فلا يجوز قياس غيره عليه عند من عقل عن الله ورسوله مراده . وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع؛ لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمه ، وليس لأحد أن يستثني من عمومها إلا ما استثناه الشارع . ولا فرق في هذا بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة في ستر أو قرطاس أو نحوهما ، ولا بين صور الآدميين وغيرها من كل ذي روح ، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم ، بل التحريم في صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد؛ لأن الفتنة بهم أعظم ونصب صورهم في المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من دون الله ، كما وقع ذلك لقوم نوح ، وتقدم في كلام الخطابي الإشارة إلى هذا. ("فتاوى ابن باز"/4/ص212).
وعدم دخول الملائكة بيتا فيه صورة ذات الروح يدخل على عدم حضور مجلس فيه منكر. ومن حضر المنكر ولم يغيره مع القدرة والعلم فقد رضيه، ومن رضيه أصابه إثم ذلك المنكر. قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء/140].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: فدلّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأنّ من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عزوجل: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. –إلى قوله:- أي: إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة،...إلخ. ("الجامع لأحكام القرآن"/3 / ص 362).
وقال ابن حجر رحمه الله: فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم. ("فتح الباري"/ لابن حجر /13 /ص281).
ومن نشر صورة ذات الروح فقد حضرها بل أزيد. وعدم تغييره لهذا المنكر مع علمه به وقدرته عليه دليل على الرضى بهذا المنكر.
وأوامر جبريل هذه تدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمن نشر صورة ذات الأرواح فقد سكت عن منكر بل نصره وأعانه.
ومن أدلة تحريم صورة ذات الروح: حديث عن عائشة رضي الله عنها: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله مما أذنبت؟ قال: «ما هذه النمرقة؟» قلت: لتجلس عليها وتوسدها. قال: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة». (أخرجه البخاري (5957) ومسلم (2107)).
والنمرقة: وهي الوسائد التي يصف بعضها إلى بعض وقيل النمرقة الوسادة التي يجلس عليها. ("فتح الباري"/ابن حجر /10/ص389).
والمراد بالملائكة هنا ملائكة سوى الحفظة وملك الموت. قال المباركفوري رحمه الله: قوله: (لا تدخل الملائكة) أي ملائكة الرحمة لا الحفظة، وملائكة الموت. ("شرح سنن الترمذي"/15/ص97).
هذا يدل على وجوب إزالة المنكر. قال شيخ الإسلام رحمه الله: كل ما كان من العين أو التأليف المحرم فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين مثل إراقة خمر المسلم، وتفكيك آلات الملاهي، وتغيير الصور المصورة. ("مجموع الفتاوى"/28/ص118).
وقول عائشة رضي الله عنها: (فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل) يدل على تحريم حضور معصية، بل عليه تغييره بما يستطيع.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: عن العرس بن عميرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: «إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها ، فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها ، فرضيها ، كان كمن شهدها» ]حديث حسن[، فمن شهد الخطيئة ، فكرهها بقلبه ، كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها ؛ لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب ، وهو فرض على كل مسلم ، لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال . ("جامع العلوم والحكم"/ص541/ط. مكتبة أولاد الشيخ).
وقال الإمام ابن باز رحمه الله: وقد كانت الصور في عهد الجاهلية كثيرة معظمة معبودة من دون الله حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فكسر الأصنام ، ومحا الصور وأزال الله به الشرك ووسائله ، فكل من صور صورة أو نصبها أو عظمها فقد شابه الكفار فيما صنعوا ، وفتح للناس باب الشرك ووسائله ، ومن أمر بالتصوير أو رضي به فحكمه حكم فاعله في المنع واستحقاق الوعيد؛ لأنه قد تقرر في الكتاب والسنة وكلام أهل العلم تحريم الأمر بالمعصية والرضا بها كما يحرم فعلها وقد قال الله تعالى : ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، وقال تعالى : ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ فدلت الآية على أن من حضر المنكر ولم يعرض عن أهله فهو مثلهم . فإذا كان الساكت عن المنكر مع القدرة على الإنكار أو المفارقة مثل من فعله ، فالأمر بالمنكر أو الراضي به يكون أعظم جرما من الساكت ، وأسوأ حالا ، وأحق بأن يكون مثل من فعله . والأدلة في هذا المعنى كثيرة يجدها من طلبها في مظانها .
وبما ذكرناه في هذا الجواب من الأحاديث وكلام أهل العلم يتبين لمريد الحق أن توسع الناس في تصوير ذوات الأرواح في الكتب والمجلات والجرائد والرسائل خطأ بين ومعصية ظاهرة يجب على من نصح نفسه الحذر منها وتحذير إخوانه من ذلك ، بعد التوبة النصوح مما قد سلف .
("فتاوى ابن باز"/4/ص213).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة) يدل على أنه من الكبائر. قال أبو جعفر ابن النحاس الدمشقي رحمه الله في تعديد الكبائر: ومنها تصوير ما في مثله روح في الثياب، والحيطان، ونحو ذلك. ("تنبيه الغافلين"/ص166/ط. الريان).
ومما يدل على أنه من الكبائر طول مدة عذاب المصور كما في حديث سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. سمعته يقول: «من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه. فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح. (أخرجه البخاري (2255) ومسلم (2110)).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله من صور صورة في الدنيا كذا أطلق وظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه لكن الذي فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذوات الأرواح من قوله: (كلف أن ينفخ فيها الروح) فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر. قوله: (كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) في رواية سعيد بن أبي الحسن: (فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا)، واستعمال حتى هنا نظير استعمالها في قوله تعالى: ﴿حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾ وكذا قولهم: (لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب). قال الكرماني: ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق وليس كذلك، وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله. وقوله: (ليس بنافخ) أي: لا يمكنه ذلك فيكون معذبا دائما. ("فتح الباري"/10/ص394).
وقال شمس الحق رحمه الله: ( وليس بنافخ ) أي وليس بقادر على النفخ فتعذيبه يستمر لأنه نازع الخالق في قدرته. ("عون المعبود"/13/ص250).
وقال السندي رحمه الله: قد جعل غاية عذابه بنفخ الروح وأخبر أنه ليس بنافخ فيلزم أنه يبقى معذبا دائما وهذا في حق من كفر بالتصوير بأن صور مستحلا أو لتعبد أو يكون كافرا في الأصل. وأما غيره وهو العاصي بفعل ذلك غير مستحل له ولا قاصد أن تعبد فيعذب ان لم يعف عنه عذاباً يستحقه ثم يخلص منه. أو المراد به الزجر والتشديد والتغليظ ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد والله تعالى أعلم قوله. ("حاشية السندي على النسائي"/8 /ص215).
فمن نشر هذا المنكر العظيم فقد وقع في كبيرة.
ومما يدل على أنه من الكبائر: جعله الله من أظلم الظلم لأنه يسعى في مضاهاة الله في تخليق ذات الروح. عن أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة في دار مروان فرأى فيها تصاوير فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «قال الله عز و جل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ؟ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة». (أخرجه البخاري (5953) ومسلم (2111)).
قال ابن حجر رحمه الله: وقوله: (كخلقي) التشبيه في فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه. قال ابن بطال: فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل. فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان. قلت: هو ظاهر من عموم اللفظ. ويحتمل أن يقصر على ما له ظل من جهة قوله: (كخلقي) فإن خلقه الذي اخترعه ليس صورة في حائط بل هو خلق تام. لكن بقية الحديث تقتضي تعميم الزجر عن تصوير كل شيء. ("فتح الباري"/10/ص386).
وقال القاضي العيني رحمه الله: قوله ومن أظلم ممن ذهب يخلق أي ولا أحد أظلم ممن قصد حال كونه يخلق أي يصنع ويقدر كخلقي. ("عمدة القاري"/32/ص116).
وهل فاعله كافر لأن الحديث يدل على أنه لا أحد أظلم منه؟ فيه تفصيل كما مر بنا من كلام الإمام النووي رحمه الله. وهذا التفصيل يكفي للزجر والتوبيخ والدليل على شدة مقت الله على فاعله وعظيم العذاب له.
ثم إن هذا الحديث موجه أولاً إلى من صور صورة أو صنع تمثالا بآلة موجودة في ذلك الزمن. ومع ذلك غضب الله على فاعله وجعل ذلك سعيا في مضاهاة فعله عز وجل في الخلق مع عظيم تباين بين صنيعه تعالى وصنيع هذا الفاعل المبطل وجعل ذلك من أظلم الظلم.
قال ابن بطال رحمه الله: قال الله تعالى: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقى» يريد يصور صورة تشبه خلقى فسمى فعل الإنسان فى تصوير مثالها خلقًا له توبيخًا له على تشبهه بالله فيما صور فأحكم وأتقن على غير مثال احتذاه ولا من شىء قديم ابتداه، بل أنشأ من معدوم، وابتدع من غير معلوم، وأنتم صورتم من خشب موجود وحجر غير مفقود على شبه معهود مضاهين له، وموهمين الأغمار أنكم خلقتم كخلقه، فاخلقوا أقل مخلوقاته وأحقرها الذرة المتعدية فى أدق من الشعر، وأنفذ منكم بغير آله فى نحت الحجر فتتخذه مسكنًا وتدخر فيه قوتها نظرًا في معاشهاً، أو اخلقوا حبة من هذه الأقوات التى خلقها الله لعباده، ثم يخرج منها زرعًا لا يشبهها نباته، ثم يطلع منها بقدرته من جنسها بعد أن أعدم شخصها عددًا من غير نوع نباتها الأخضر قدرة بالغة لمعتبر، وإعجازًا لجميع البشر. ("شرح ابن بطال على صحيح البخاري"/7 /ص146).
فكيف بمن كان سعيه أشد مضاهاة في التخليق كآلات فوتوغرافيا المتأخرة؟ أليس هذا أشد ظلما وجراءة وأدعى لغضب الله؟
فمن تعمد نشر هذا الظلم الأعظم فقد فقد عرض نفسه لغضب الله.
وإذا قال قائل: هذه الصور الفوتو غرافية ليست من صنيعنا وإنما صنعتها الشمس!
الجواب –بالله التوفيق-: إن المسبب لشيء عمدا فهو بمنزلة الفاعل. ثم إن هذه الآلة: فمن صنعها بعدة تفاصيلها؟ ومن أجل ماذا صنعها؟ صنعها الإنسان من أجل تصوير. ومن ضغطها حتى تحصل الصورة؟ الإنسان. فهو الفاعل حقيقة لا الشمس. وصارت الشمس آلة من الآلات. فالإنسان هو الذي جعل الشمس تصور الصورة ففعلها بمنزلة فعله.
ونحو ذلك من أن يدخل شخصا في قفز أسد أو نمر فيقتله، فهذا عمد فيه القصاص إذا فعل السبع به فعلاً يقتل مثله. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: لأن السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله. ("المغني"/9 /ص322).
والإنسان وإن لم يصور صورة مباشرة فهو الذي باشر ضغط الآلة وسعى في إبراز الصورة بمائع كيمياوي، فتولد من ذلك ظهور الصورة. فعليه وزره كما أن من باشر خيرا أو تولد من سعيه خير فله أجر. فآثار أعماله مكتوبة له أو عليه. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالعبد إنما يثاب على ما باشره او على ما تولد منه. ("مفتاح دار السعادة"/1/ص175).
ومما يدل على أنه من الكبائر: أن المصور ملعون. عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين. (أخرجه البخاري (5347)).
ومن نشر شيئا ملعونا فقد عرض نفسه للهلاك.
ومن العذاب الفظيع على المصور أن صنائعه تصير أحياء يوم القيامة ليعذبونه. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم». (أخرجه مسلم (2110)).
قال القاضي فى رواية ابن عباس يحتمل أن معناها: أن الصورة التي صورها هي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح، وتكون الباء في بكل بمعنى (في). قال: ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه وتكون الباء بمعنى (لام السبب). وهذه الأحاديث صريحة فى تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم. وأما الشجر ونحوه ممالا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به، وسواء الشجر المثمر وغيره. ("شرح النووي على مسلم"/14/ص90-91).
ومَن علم فظيع هذا العذاب على المصور يبتعد عن هذا الصنيع ولا يترك صورة ذات الروح ولا يسعى في نشرها. وبالله التوفيق.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال: «قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط». (أخرجه البخاري (3352)).
هذا يدل على عدم السكوت عن المنكر فضلا عن نشره.
والحديث يدل على عدم حضور معصية إلا إذا سعى في إزالته. قال أبو جعفر بن النحاس الدمشقي رحمه الله: من علم أن بموضع من بلده منكرا لا يرجع إليه في إنكاره، لزمه ألا يحضر ذلك الموضع، ويعتزل في بيته، حتى لا يشاهده، ولا يخرج إلا لحاجة مهمة أو واجب؛ لأن عجزه عن الإنكار ليس عذرا في مشاهدته هذا المنكر عن غير ضرورة. ("تنبيه الغافلين"/ص99/ط. الريان).
فائدة: سئل شيخ الإسلام رحمه الله : هل الصلاة في البيع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا ؟ وهل يقال : إنها بيوت الله أم لا ؟
فأجاب رحمه الله : ليست بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار . وأما الصلاة فيها، ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد وغيره : المنع مطلقا، وهو قول مالك . والإذن مطلقا وهو قول بعض أصحاب أحمد . والثالث : وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها، لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى محي ما فيها من الصور، ... إلخ.
("مجموع الفتاوى"/22 /ص162).
ويدل على أن المطلوب إزالة ما يدل على أنه صورة ذات الروح. وأما مجرد تغطية رأسه بخمار أو نحو ذلك مع بقاء هيئة الرأس فلا تكفي.
ويدل أيضا على مشروعية رد الصنيع الباطل أو الاعتقاد الباطل أو الكلام الباطل.
وبعد هذا البيان أنصح الإخوة بعدم التهاون في صورة ذات الروح فضلا عن نشرها، لأن هذا الصنيع قبيح مبغوض عليه عند الله. قال القرطبي رحمه الله في شرح قول النبي: «كُلِّف أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ»: وإنَّما مقصوده تعذيب المكلف ، وإظهار عجزه عمَّا تعاطاه مبالغة في توبيخه ، وإظهار قبيح فعله. والله تعالى أعلم . ("المفهم"/17 /ص110).
نرجع إلى فتوى شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله.
قال رعاه الله: (بقي أمر وهو ينبغي بيان فضائح الرافضة نشراً وقولاً وخطابةً وكتابةً وتدويناً).
الشرح –بالله التوفيق-:
لا بد من الجدّ والحرص على النهي عن المنكر وتحذير الأمة من الشرور وأهل الفساد. فإذا ضعف أهل الحق نشط أهل الباطل فانتشر الشرور ففسدت الأمة. قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: وإنما يقوى الباطل بالسكوت عنه. ("الاختلاف في اللفظ"/له/كما في "الصوارف عن الحق"/لحمد بن إبراهيم العثمان/ص140/دار الإمام أحمد).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة. ("مجموع الفتاوى"/3 / ص 104).
ثم إن الغيرة على دين الله واجبة دالة على الإيمان. قال العلامة ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: فأين رائحة الإيمان منك وأنت لا يتغير وجهك فضلاً عن أن تتكلم ، ومخالفة الله سبحانه وتعالى واقعة من كل معاشر ومجاور فلا تزال معاصي الله عز وجل والكفر يزيد، وحريم الشرع ينتهك ، فلا إنكار ولا منكر ، ولا مفارقة لمرتكب ذلك ولا هجران له . وهذا غاية برد القلب وسكون النفس وما كان ذلك في قلب قط فيه شيء من إيمان ؛ لأن الغيرة أقلّ شواهد المحبة والاعتقاد. (نقله الإمام ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" /ص178).
والغيرة على دين الله تدل على قوة محبة العبد لربه عز وجل. وهذا كله يدعو إلى الجد والاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر –مع مراعاة الآداب الشرعية، لا على طريقة الخوارج أو المعتزلة أو المتهورين-.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إنما بعث الله رسله وأنزل كتبه بالإنكار على الخلق بما هم عليه من أحكام البشرية وغيرها، فبهذا أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وانقسمت الدار إلى دار سعادة للمنكرين ودار شقاوة للمنكر عليهم، فالطعن في ذلك طعن في الرسل والكتب والتخلص من ذلك انحلال من ربقة الدين ومن تأمل أحوال الرسل مع أممهم وجدهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشد القيام حتى لقوا الله تعالى وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم وأخبر النبي أن المتخلص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبة خردل، وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد المبالغة حتى قال: «إن الناس إذا تركوه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده». ("مدارج السالكين"/3 /ص123).
وقد بينت هذا في رسالة: "صدّ انتشار الأباطيل بكشف سبع من تلبيسات أهل التخذيل". والتوفيق من الله وحده.
وهذا البيان كله يقتضي بذل الجهد في إيصال الحق إلى الناس كما قاله شيخنا يحيى حفظه الله: (بيان فضائح الرافضة نشراً وقولاً وخطابةً وكتابةً وتدويناً وسائر ما ينفع المسلمين).
ثم قال شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: (وسائر ما ينفع المسلمين).
الشرح –بالله التوفيق-:
هذا واضح المراد. ولا يقولن أحد: (إن صور ذوات الأرواح مما ينفع الناس!). ليس الأمر كذلك، لأن الله تعالى إذا نهى الله عباده عن شيء فذلك يدل على أن هذا الشيء يضرّهم لا ينفعهم، أو أن ضرره أكبر من نفعه. والأدلة في ذلك كثيرة معروفة، منها: قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
قال الإمام ابن بطال رحمه الله: فلما جعل الغلبة للإثم علم أن ذلك محرم. ("شرح ابن بطال على صحيح البخاري"/16/ص451).
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 90، 91].
قال الخازن رحمه الله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس﴾ لما أنزل الله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾ وقوله : ﴿وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً﴾ وكانت الخمر والميسر مما يتسطاب عندهم بين الله تعالى في هذه الآية أن الخمر والميسر غير داخلين في جملة الطيبات المحللات ، بل هما من جملة المحرمات والخمر كل ما خامر العقل وغطاه والميسر القمار وقد تقدم تفسيرهما في سورة البقرة والأنصاب هي الحجارة التي كانوا ينصبونها للعبادة ويذبحون عندها والأزلام هي القداح التي كانوا يستقسمون بها وتقدم تفسير ذلك . والرجس في اللغة الشيء الخبيث المستقذر ﴿من عمل الشيطان﴾ يعني من تزيينه وأغوائه ودعائه إياكم إليها وليس المراد أنها من عمل يديه ﴿فاجتنبوه﴾ يعني كونوا جانباً منه والضمير في قوله فاجتنبوه عائد إلى الرجس لأنه اسم جامع للكل كأنه قال إن هذه الأربعة الأشياء كلها رجس فاجتنبوه ﴿لعلكم تفلحون﴾ يعني لكم لكي تدركوا الفلاح إذا اجتنبتم هذه المحرمات التي هي رجس. ("تفسير الخازن"/2/ص330).
قد بين الله تعالى مفاسد تلك المحرمات وأضرارها، وجعل الفلاح في اجتنابها لا في تعاطيها وإن كان فيها بعض المنافع. قال الخازن رحمه الله: قوله تعالى : ﴿فهل أنتم منتهون﴾ لفظة استفهام ومعناه الأمر أي انتهوا وهذا من أبلغ ما ينهى به لأنه تعالى ذم الخمر والميسر واظهر قبحهما للمخاطب كأنه قيل قد تدلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم منتهون مع هذه الأمور أم أنتم على ما كنتم عليه كأنكم لم توعَظوا ولم تنزجروا؟ وفي هذه الآية دليل على تحريم شرب الخمر لأن الله تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وعدَّد أنواع الفساد الحاصلة بهما ووعد بالفلاح عند اجتنابهما وقال فهل أنتم منتهون ومعناه الأمر. ("تفسير الخازن"/2/ص331).
إذا، فما نهت عنه الشريعة فهو شر محض أو شر راجح، كما أن ما أمرت به فهو خير محض أو خير راجح. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ويكفي المسلم أن يعلم أن الله لم يحرم شيئا إلا ومفسدته محضة أو غالبة . وأما ما كانت مصلحته محضة أو راجحة فإن الله شرعه؛ إذ الرسل بعثت بتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. ("مجموع الفتاوى"/27/ص178).
وقال الله سبحانه في السحر: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ألست ترى السحر والطلسمات والعين وغير ذلك ، من المؤثرات في العالم بإذن الله ، قد يقضى بها كثير من أغراض النفوس ومع هذا فقد قال سبحانه : ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ الله خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. فإنهم معترفون بأنه لا ينفع في الآخرة ، وأن صاحبه خاسر في الآخرة ، وإنما يتشبثون بمنفعته في الدنيا . وقد قال تعالى : ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾. ("اقتضاء الصراط المستقيم"/2/ص214/مكتبة الرشد).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: والشريعة تأمر بالمصالح الخالصة والراجحة، كالإيمان والجهاد؛ فإن الإيمان مصلحة محضة، والجهاد وإن كان فيه قتل النفوس فمصلحته راجحة، وفتنة الكفر أعظم فسادا من القتل، كما قال تعالى : ﴿والفتنة أكبر من القتل﴾ [ البقرة : 217 ] ، ونهى عن المفاسد الخالصة والراجحة، كما نهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعن الإثم، والبغى بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون . وهذه الأمور لا يبيحها قط في حال من الأحوال، ولا في شرعة من الشرائع . وتحريم الدم والميتة ولحم الخنزير والخمر وغير ذلك مما مفسدته راجحة . ("مجموع الفتاوى"/27 /ص230).
وقال جل ذكره: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأصل المسألة : أن النهي يدل على أن المنهي عنه فساده راجح على صلاحه. ("مجموع الفتاوى"/29 /ص281).
وعن وائل الحضرمي رضي الله عنه: أن طارق ابن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الخمر ؟ فنهاه أو كره أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء». (أخرجه مسلم (1984)).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم﴾ [ النساء : 160 ]، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ولحريمه له حمية لهم وصيانة عن تناوله. فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب. ("زاد المعاد"/4 /ص141).
وبالجملة: أننا نؤمن بأن الله عز وجل إذا حرم على هذه الأمة المرحومة شيئا فذلك لغلبة مفاسد هذا الشيء وشروره، وكذلك العكس. فمن عصى الله ولم يبال بهذه الشريعة الدالة على رحمة الله على هذه الأمة فله المفسدة العظمى النار وفات عنه الجنة يوم القيامة. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره». (أخرجه البخاري (6487) ومسلم (2822)).
قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التى أوتيها صلى الله عليه و سلم من التمثيل الحسن ومعناه: لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات وكذلك هما محجوبتان بهما. فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب. فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد فى العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والاحسان إلى المسىء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك وأما الشهوات التى النار محفوفة بها. فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهى ونحو ذلك وأما الشهوات المباحة فلا تدخل فى هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسى القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا. ("شرح النووي على مسلم"/17/ص165).
فمصالح الجنة ونعيمها عظيمة جدا، فمتاعب العبادات ومشقة ترك الملذات الدنيوية بالنسبة إليها كلا شيء. وكذلك العكس: أن عذاب النار عظيم جدا، فملذات الدنيا والدعة بالنسبة إليه كلا شيء. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط». (أخرجه مسلم (2807)).
فعلى العبد تقديم المصلحة الراجحة وهي صلاح دينه الذي به تكون سعادته الدنيوية والأخروية، مع ترك مصلحة المعاصي التي تعقبه فساد دينه وهلاك دنياه وأخراه، وألا يتبع هواه في ميزان المصلحة والمفسدة. قال الشاطبي رحمه الله: المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية. ("الموافقات"/2/ض29/ط. المكتبة العصرية).
وعلى العبد أن يسلم لربه تسليماً وينقاد لرسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يركن إلى عقله في معرفة تفاصيل المصالح والمفاسد. قال الشاطبي رحمه الله: فالعادة تحيل استقلال العقول في الدنيا بإدراك مصالحها ومفاسدها على التفصيل. ("الموافقات"/2/ض29/ط. المكتبة العصرية).
نرجع إلى كلام شيخنا يحيى حفظه الله، فقال رعاه الله: (وهم قد رأوها من غير أن تقول لهم أنت أنظروا حتى لا تعين على الشرّ)،
الشرح –بالله التوفيق-:
إن الطبع غالباً يميل إلى الشهوة فيقع كثيرا في الشر. قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: 53].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر ومأوى كل سوء وأن كل خير فيها ففضل من الله منّ به عليها، لم يكن منها كما قال تعالى: ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا﴾. ("مدارج السالكين"/1/ص220).
وقال الله سبحانه: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والإنسان خلق في الأصل ظلوما جهولا ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه ويلهمه رشده فمن أراد به الخير علمه ما ينفعه فخرج به عن الجهل ونفعه بما علمه فخرج به عن الظلم ومتى لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة كما في المسند من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلّ»([1]). فالنفس تهوى ما يضرها ولا ينفعها لجهلها بمضرته لها تارة ولفساد قصدها تارة ولمجموعهما تارة. ("إغاثة اللهفان"/2/ص136-137).
وقال رحمه الله: نفسه بطبعها متحركة مريدة وذلك من لوازم شأنها تحركت بمقتضى الطبع والشهوة وغلب ذلك فيها على داعي العلم والمعرفة فوقعت في أسباب الشر ولا بد. ("شفاء العليل"/ص 173).
فإذا كان كذلك فكثير من الناس سينظرون إلى تلك الأفلام بدون أن نأمرهم بها، فهم قد شهدوا جرائم الرافضة، فليس علينا إظهار تلك الأفلام التي فيها صور ذوات الأرواح، وإنما علينا تنبيههم على ما أوجب الله عليهم من بغض الرافضة ومجاهدتهم وصد عدوانهم، مع الثبات على الطريقة الشرعية والسنة النبوية، ولا نتبع شهوات الناس. قال الله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: 26]. وقال جل ذكره: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [الشورى: 15]. وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18، 19]. وقال سبحانه: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116].
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (كثير من الناس يقرؤون ينظرون إلى التلفاز ونحن ننصح بعدم النظر فيها ، ينظرون القنوات التي فيها الصور ونحن ننصح، فهم أنفسهم قد رأو بدون لم تعن على الشرّ أنت)،
الشرح –بالله التوفيق-:
إن المؤمن ينصح الناس بالثبات على الحق والطاعة واجتناب الباطل والمعصية، ولا يخضع لرغبات أهل الدنيا. قال الله سبحانه: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]، ونحوهما.
قال الإمام أبو زكريا ابن النحاس رحمه الله: فدلت هذه الآيات والأخبار على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى علو محله وعلى الترغيب في القيام به، وشرف أهله، وأنه واجب على كل مسلم استطاع سواء كان رجلا أو امرأة أو عبدا كما عليه إجماع الأمة. ("تنبيه الغافلين" /ص16-17/ط. الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وما زلنا ننصح المسلمين بترك المعاصي محبة لهم. قال الإمام ابن النحاس رحمه الله: ولا شك أن من رأى أخاه على منكر ولم ينهه، فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين ذلك المنكر وعدم الاعتراض عليه، وليس هذا من الدين في شيء، إذ لا يؤمن الرجل حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وإنما الدين النصيحة، ومن رأى إنسانا يهوي في النار ولم ينصحه فإن إثمه عليه. ("نتبيه الغافلين"/ص84).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: فتأمل هذه الكلمة الجامعة، وهي قوله: «الدين النصيحة»، فمن لم ينصح لله وللائمة وللعامة، كان ناقص الدين. وأنت لو دعيت، يا ناقص الدين، لغضبت. فقل لي: متى نصحت لهؤلاء ؟ كلا والله، بل ليتك تسكت، ولا تنطق، أولا تحسن لإمامك الباطل، وتجرئه على الظلم وتغشه. فمن أجل ذلك سقطت من عينه، ومن أعين المؤمنين. فبالله قل لي: متى يفلح من كان يسره ما يضره ؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه ؟ ومتى يفلح من دنا رحيله، وانقرض جيله، وساء فعله وقيله ؟ فما شاء الله كان، وما نرجو صلاح أهل الزمان، لكن لا ندع الدعاء، لعل الله أن يلطف، وأن يصلحنا. آمين. ("سير أعلام النبلاء"/11/ص500/ط. الرسالة).
وقد قال الإمام البربهاري رحمه الله قبلهم: ولا يحل أن تكتم النصيحة للمسلمين – برهم وفاجرهم – في أمر الدين، فمن كتم فقد غشّ المسلمين، ومن غشّ المسلمين فقد غشّ الدين، ومن غشّ الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. ("شرح السنة" /ص29-30/دار الآثار).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (سدّد وقارب ولا تعن على شرّ).
الشرح –بالله التوفيق-:
لا أحد منا إلا وله أخطاء وتقصيرات في الأعمال، ولكن الله غفور رحيم. قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286].
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم». الحديث. (أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة/تحريم الظلم/(2577)).
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينجي أحدا منكم عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا». (أخرجه البخاري (6463) ومسلم (2816)).
قال ابن رجب رحمه الله: التسديد : هو إصابة الغرض المقصود ، وأصله من تسديد السهم إذا أصاب الغرض المرمى إليه ولم يخطه . والمقاربة : أن يقارب الغرض وإن لم يصبه ؛ لكن يكون مجتهدا على الإصابة فيصيب تارة ويقارب تارة أخرى ، أو تكون المقاربة لمن عجز عن الإصابة كما قال تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ [التغابن : 16] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»([2]). ("فتح الباري"/لابن رجب /1 /ص77).
والأمر بالتسديد والمقاربة يدل على الاجتهاد في إصابة السنة ومقاربة الحق ولا يقترب من المعصية عمدا.
قال ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة قوله وقاربوا أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرطوا. ("فتح الباري"/لابن حجر/11/ص297).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (ومع ذلك حذّر من فضائح الرافضة وجرائمهم وعظائمهم)
الشرح –بالله التوفيق-:
فيه تنبيه على أن مجانبة الأخطاء والمعاصي لا تستلزم الورع الخاطئ والإحجام عن نشر الخيرات والتحذير من الشرور، بل علينا مواصلة الصدع بالحق مع تحري سلوك طريق الصواب.
فاعلم أن الورع الحقيقي هو كما قاله شيخ الإسلام رحمه الله: الورع المشروع هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات. فأما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين. ("مجموع الفتاوى"/10/ص21).
والرافضة من أعظم الطوائف حقدا على الإسلام والمسلمين، وشرورهم مستطيرة فلا بد من مواصلة التحذير منهم وعدم الغفلة عن مكائدهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهؤلاء الرافضة إن لم يكونوا شرا من الخوارج المنصوصين فليسوا دونهم ؛ فإن أولئك إنما كفروا عثمان وعليا وأتباع عثمان وعلي فقط ؛ دون من قعد عن القتال أو مات قبل ذلك . والرافضة كفرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين. فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم ولهذا يكفرون أعلام الملة : مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل مالك، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري وغير هؤلاء . ويستحلون دماء من خرج عنهم ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور كما يسميه المتفلسفة ونحوهم بذلك وكما تسميه المعتزلة مذهب الحشو والعامة وأهل الحديث . –إلى قوله:-
ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين فيعاونون التتار على الجمهور . وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيزخان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام وفي قدوم هولاكو إلى بلاد العراق؛ وفي أخذ حلب ونهب الصالحية وغير ذلك بخبثهم ومكرهم ؛ لما دخل فيه من توزر منهم للمسلمين وغير من توزر منهم.
وبهذا السبب نهبوا عسكر المسلمين لما مر عليهم وقت انصرافه إلى مصر في النوبة الأولى. وبهذا السبب يقطعون الطرقات على المسلمين. وبهذا السبب ظهر فيهم من معاونة التتار والإفرنج على المسلمين والكآبة الشديدة بانتصار الإسلام ما ظهر وكذلك لما فتح المسلمون الساحل - عكة وغيرها - ظهر فيهم من الانتصار للنصارى وتقديمهم على المسلمين ما قد سمعه الناس منهم. وكل هذا الذي وصفت بعض أمورهم وإلا فالأمر أعظم من ذلك.
وقد اتفق أهل العلم بالأحوال ؛ أن أعظم السيوف التي سلت على أهل القبلة ممن ينتسب إليها وأعظم الفساد الذي جرى على المسلمين ممن ينتسب إلى أهل القبلة : إنما هو من الطوائف المنتسبة إليهم . فهم أشد ضررا على الدين وأهله وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج الحرورية. ولهذا كانوا أكذب فرق الأمة. فليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أكثر كذبا ولا أكثر تصديقا للكذب وتكذيبا للصدق منهم وسيما النفاق فيهم أظهر منه في سائر الناس. ("مجموع الفتاوى"/28 / ص 477-479).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد ذكر محاسن الصحابة: ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان فإنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام وكم جروا على الإسلام وأهله من بلية. وهل عاثت سيوف المشركين عباد الأصنام من عسكر هولاكو وذويه من التتار إلا من تحت رءوسهم؟ وهل عطلت المساجد وحرقت المصاحف وقتل سروات المسلمين وعلماؤهم وعبادهم وخليفتهم إلا بسببهم ومن جرائهم ومظاهرتهم للمشركين والنصارى معلومة عند الخاصة والعامة. وآثارهم في الدين معلومة. فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم وأيهم أحق بالغضب والضلال إن كنتم تعلمون. اهـ. ("مدارج السالكين"/فصل في بيان تضمنها للرد على الرافضة/1 / ص64-65/دار الحديث).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (بما ينفع الناس وبما لا ضرر عليهم فيه وبدون أي معصية وعندك غنية لهذا ولله الحمد عن تلك)،
الشرح –بالله التوفيق-:
ولو كانت الدعوة باستخدام صور ذوات الأرواح مصلحتها أرجح لما أهملها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وتعمد الترك مع وجود المقتضي يدل على أن ذلك ليس صالحاً للدين، وقد أكمل الله هذه الشريعة وهو لا ينسى المصلحة. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، لو كان مصلحة ولم يفعل ، يعلم أنه ليس بمصلحة. ("اقتضاء الصراط المستقيم"/2 /ص101/مكتبة الرشد).
والسلف الصالح أعلم الناس بالمصالح وطرق النجاح في الدعوة وهم لم يستخدموا صور ذوات الأرواح للدعوة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: لو كان في ذلك خيرا محضا أو راجحا لسبقونا إليه. نقول كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولو كان هذا خيرًا محضاً ، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا. ("اقتضاء الصراط المستقيم"/2 /ص123/مكتبة الرشد).
ونحن نكتفي بالسنة النبوية وبطريقة السلف، بدون تعاطي المحرمات فضلاً عن البدع. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.([3])
وقال أيضا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة. (أخرجه الحاكم في "المستدرك" (352) وابن بطة في "الإبانة" (162) /صحيح).
وقد ثبت أن الإمام الأوزاعي رحمه الله قال: عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوا لك بالقول اهـ. ("الـشريعة" /للآجري /ص67/دار الكتاب العربي/صحيح).
وفي رواية الهروي رحمه الله: قال الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها بالقول، فإن الأمر ينجلي حين ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم. ("أحاديث في ذم الكلام وأهله" /رقم (317)).
فعلينا الاكتفاء بالسنة والاقتداء بالسلف والصبر على ذلك. قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم. (أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6 /ص143) وابن بطة في "الإبانة" (1210) والآجري في "الشريعة" (305)/صحيح).
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله فيمن لم يكتف بمنهج السلف: فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر. ("جامع بيان العلم وفضله"/لابن عبد البر /3 /ص181).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (فعندك غنية بما عندهم من العقائد تنشرها وهكذا جرائم وقطع الطريق وسائر ما هم فيه)
الشرح –بالله التوفيق-:
كما أن السلف وأئمتنا يكتفون بفضيحة الرافضة من حيث نشر أخبار العقائد والجرائم وسائر أباطيلهم فكذلك نكتفي بذلك بدون نشر صور ذوات الأرواح، فأخبار السلفي الثقة مقبولة بدون وثائق بصور ذوات الأرواح. وأيضاً أن الصور يمكن أن تزوّر. وأما أن نتعدى الحدود فنجعل صور ذوات الأرواح من وسائل الدعوة فقد وقعنا في المعصية والبدعة لم يتحرك قلوب الباردين حتى ولو جئناهم بألف صورة. والمعصية تبعد صاحبها من الرحمة والبركة لأن الرحمة والبركة مع الحق والخير، وأما المعصية فالشرور، والبدعة شر الأمور. قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96].
والمعصية والبدعة قد تجلب اللعنة وهي الطرد من الرحمة. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير المنار». (أخرجه مسلم (1978)).
قال القرطبي رحمه الله: وقوله : «فمن أحدث فيها حدثًا»؛ يعني : من أحدث ما يخالف الشرع من عقوبة من بدعة ، أو معصية ، أو ظلم. ("المفهم"/11/ص32).
وقال ابن الأثير رحمه الله: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا» الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة . والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول فمعنى الكسر : من نصر جانيا أو آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه . والفتح : هو الأمر المبتدع نفسه ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه. ("النهاية في غريب الأثر"/ص907).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (والله الموفق)
الشرح –بالله التوفيق-:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: والتوفيق: إرادة الله من نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد بأن يجعله قادراً على فعل ما يرضيه مريداً له محبّاً له مؤثراً له على غيره ويبغض إليه ما يسخطه ويكرهه إليه. ("مدارج السالكين"/2 /46).
والتوفيق من الله وحده لا من غيره. قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].
قال الإمام الطبري رحمه الله: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾، يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعلُ خلافه، بل لا أفعل إلا ما آمركم به، ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. –إلى قوله:- ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ﴾، يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم ﴿مَا اسْتَطَعْتُ﴾، يقول: ما قدرت على إصلاحه ، لئلا ينالكم من الله عقوبة منكِّلة، بخلافكم أمره ، ومعصيتكم رسوله. ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله﴾ يقول: وما إصابتي الحق في محاولتي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك، إلا يعنّي عليه لم أصب الحق فيه. ("جامع البيان"/للطبري /15/ص453-454).
والعبد إذا لم يوفقه الله للخير ضلّ الطريق وخسر السعي. قال ابن حبان رحمه الله: لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق. ("روضة العقلاء"/ص25).
فعلينا دائماً أن نطلب من الله التوفيق وأن نتعاطى أسباب التوفيق. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه، وإعانته. فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم. والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به، هو العليم الحكيم. وما أتي مَن أتي إلا مِن قِبل أضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء. ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامة بالشكر، وصدق الافتقار، والدعاء. وملاك ذلك الصبر، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد. ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله. خلقت النار لإذابة القلوب القاسية. أبعد القلوب من الله القلب القاسي. إذا قسي القلب قحطت العين. ("الفوائد"/ص 97).
ثم ذكر شيخنا يحيى حفظه الله قول الله تعالى: (﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ الله﴾)
الشرح –بالله التوفيق-:
فيه تنبيه على أن النصر من عند الله لا من عند غيره. قال الإمام الطبري رحمه الله: يقول: وما تنصرون على عدوكم، أيها المؤمنون، إلا أن ينصركم الله عليهم، لا بشدة بأسكم وقواكم، بل بنصر الله لكم، لأن ذلك بيده وإليه، ينصر من يشاء من خلقه ﴿إن الله عزيز حكيم﴾ يقول: إن الله الذي ينصركم، وبيده نصرُ من يشاء من خلقه ﴿عزيز﴾، لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل يقهر كل شيء ويغلبه، لأنه خلقه ﴿حكيم﴾، يقول: حكيم في تدبيره ونصره من نصر، وخذلانه من خذل من خلقه، لا يدخل تدبيره وهن ولا خَلل. (جامع البيان/13/ص418).
والنصر يكون بسبب طاعة الله لا بسبب تعاطي المعاصي كما فعلها الحزبيون والجهلاء على قاعدة باطلة: الغاية تبرر الوسيلة.
فالمعصية سبب الهزيمة، فلا بد من لزم الطاعة مع كثرة التوبة. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ –إلى قوله:- ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 148-152].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ثم أخبر سبحانه عما استنصرت به الأنبياء وأممهم على قومهم من اعترافهم وتوبتهم واستغفارهم وسؤالهم ربهم أن يثبت أقدامهم وأن ينصرهم على أعدائهم فقال : ﴿وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين﴾ ( آل عمران : 147 ) لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها وأنها نوعان : تقصير في حق أو تجاوز لحد وأن النصرة منوطة بالطاعة قالوا : ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم ونصرها على أعدائهم فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا ولم ينتصروا فوفوا المقامين حقهما : مقام المقتضي وهو التوحيد والالتجاء إليه سبحانه ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف ثم حذرهم سبحانه من طاعة عدوهم وأخبر أنهم إن أطاعوهم خسروا الدنيا والآخرة وفى ذلك تعريض بالمنافقين الذين أطاعوا المشركين لما انتصروا وظفروا يوم أحد.
ثم أخبر سبحانه أنه مولى المؤمنين وهو خير الناصرين فمن والاه فهو المنصور. ثم أخبرهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم الرعب الذي يمنعهم من الهجوم عليهم والإقدام على حربهم وأنه يؤيد حزبه بجند من الرعب ينتصرون به على أعدائهم وذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من الشرك بالله وعلى قدر الشرك يكون الرعب فالمشرك بالله أشد شئ خوفا ورعبا والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بالشرك لهم الأمن والهدى والفلاح والمشرك له الخوف والضلال والشقاء.
ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في نصرتهم على عدوهم وهو الصادق الوعد وأنهم لو استمروا على الطاعة ولزوم أمر الرسول لاستمرت نصرتهم ولكن انخلعوا عن الطاعة وفارقوا مركزهم فانخلعوا عن عصمة الطاعة ففارقتهم النصرة فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاء وتعريفا لهم بسوء عواقب المعصية وحسن عاقبة الطاعة.
(انتهى من "زاد المعاد"/3/ص196).
وأما قاعدة الغاية تبرر الوسيلة فباطلة.
قال الإمام الوادعي رحمه الله في أحد الحزبيين: فهو رجل ليس له همّ إلا المناصب، فهو مستعد أن يحلق لحيته ويدخل في أي عمل وهو مختار غير مكره، المهمّ أن يلي منصبا، ويكادون أن يطبقوا المثل الشيوعي الغاية تبرر الوسيلة. ("المخرج من الفتنة" /ص 158-159).
ومن صفات الإخوان المسلمين : من قواعدهم لتحقيق مآربهم: (الغاية تبرر الوسيلة). وواقعهم يشهد بهذا. (نقله الشيخ أحمد النجمي رحمه الله في "الرد المحبر" ص196).
فهذا المسلك يخالف منهج أهل السنة والجماعة بلا شك. قال الإمام الوادعي رحمه الله: وأما نحن فلا نستطيع أن نتناول عن شيء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل الدنيا ولا نقول إن الغاية تبرر الوسيلة، بل نقول إننا مأمورون بالاستقامة، والنصر من عند الله. ("المخرج من الفتنة"/ ص 163).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (قد يجعل الله قبولاً لكلمة ينفع بها بما لا يجعل بعديد من تلك المخالفات ، فإذا قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طاعة الله جعل الله فيه البركة).
الشرح بالله التوفيق-:
البركة هي ثبوت الخير ونماؤه. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما البركة فإنها لما كان مسماها كثرة الخير واستمراره شيئا بعد شيء كلما انقضى منه فرد خلفه فرد آخر، فهو خير مستمر يتعاقب الأفراد على الدوام شيئا بعد شيء . ("بدائع الفوائد"/2/ص 675/دار عالم الفوائد).
نعم، البركة من الله لا من غيره. عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقل الماء فقال: «اطلبوا فضلة من ماء». فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال: «حي على الطهور المبارك، والبركة من الله» فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . (أخرجه البخاري (المناقب/علامات النبوة/(3579))).
الطاعة الله سبب محبة الله، ومحبة الله سبب البركة والقبول. عن سهيل بن أبي صالح قال : كنا بعرفة فمر عمر بن عبدالعزيز وهو على الموسم، فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لأبي: يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبدالعزيز. قال: وما ذاك ؟ قلت: لما له من الحب في قلوب الناس. فقال: بأبيك أنت سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض». (أخرجه مسلم (2637)).
والسلف الصالح بسبب ثباتهم على الحق وابتعادهم من المخالفات الشرعية بارك الله في دعوتهم. انظر إلى عظيم بركات دعوة السلف الصالح. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقد كان للصحابة -رضي الله عنهم -في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله، وامتثال ما أرشدهم إليه -ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عَدَدهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الروم، والفرس، والترك، والصقالبة والبربر، والحبُوش، وأصناف السودان، والقبْط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى عَلَتْ كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب. ("تفسير القرآن العظيم"/4 /ص72).
وانظر إلى بركات أقوال الحسن البصري رحمه الله مثلا. قال روح بن عبادة: حدثنا حجاج الأسود، قال: تمنى رجل فقال: ليتني بزهد الحسن، وورع ابن سيرين، وعبادة عامر بن عبد قيس، وفقه سعيد بن المسيب، وذكر مطرف بن الشخير بشئ، قال: فنظروا في ذلك، فوجدوه كله كاملا في الحسن.
وقال يعقوب الفسوي: سمعت أبا سلمة التبوذكي يقول: حفظت عن الحسن ثمانية آلاف مسألة.
وقال حماد بن سلمة: أنبأنا علي بن زيد، قال: رأيت سعيد بن المسيب، وعروة، والقاسم في آخرين، ما رأيت مثل الحسن.
وقال جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، قال لنا أبو قتادة: ما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر بن الخطاب منه - يعني الحسن.
وقال حماد بن زيد: سمعت أيوب يقول: كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر، فتكلم قوم من بعده بكلام يخرج من أفواههم كأنه القئ.
وعن خالد بن صفوان، قال: لقيت مسلمة بن عبدالملك فقال: يا خالد، أخبرني عن حسن أهل البصرة ؟ قلت: أصلحك الله، أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قبلي به: أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبهه قولا بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شئ كان أترك الناس له، رأيته مستغنيا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك، كيف يضل قوم هذا فيهم؟
(انظر هذه الآثار في "سير أعلام النبلاء"/4 /ص576-577).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (لا سيما إذا صدر عن صدق وخالص نية).
الشرح –بالله التوفيق-:
الصدق من أسباب البركة. والأدلة على ذلك كثيرة منها: قال كعب بن مالك رضي الله عنه: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق. (أخرجه البخاري (4418) ومسلم (2769)).
وخطب أبو بكر فقال: قَامَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مَقَامِي هَذَا عَامَ الأَوَّلِ - وَبَكَى أَبُو بَكْرٍ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَلُوا الله الْمُعَافَاةَ - أَوْ قَالَ الْعَافِيَةَ - فَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ قَطُّ بَعْدَ الْيَقِينِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ أَوِ الْمُعَافَاةِ. عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِى النَّارِ، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا إِخْوَاناً كَمَا أَمَرَكُمُ الله تَعَالَى. ("مسند أحمد" /رقم (5) /حسنه الإمام الوادعي رحمه الله/"الصحيح المسند" )706)).
فبركات الصدق كثيرة جدا. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». (أخرجه البخاري (6094) ومسلم (2607)).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدق أصل يستلزم البر، وأن الكذب يستلزم الفجور. ("مجموع الفتاوى"/10 /ص11).
وقال رحمه الله: الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها. ("مجموع الفتاوى"/20/ص74).
وقال رحمه الله: ويقولون : الصدق سيف الله في الأرض، وما وضع على شيء إلا قطعه، ويقول يوسف بن أسباط وغيره : ما صدق الله عبد إلا صنع له . ("مجموع الفتاوى"/10/ص11).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: ﴿فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم﴾. فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل فصدق العزيمة جمعها وجزمها وعدم التردد فيها، بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوم. فإذا صدقت عزيمته بقي عليه صدق الفعل وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره وباطنه، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور. ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره. وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل. فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله. ("الفوائد"/ص 186-187).
والإخلاص سبب النصر والقبول والنجاة. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن أحسّ بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تقلب قلب فعليه بالتوحيد والاستغفار ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص. ("مجموع الفتاوى"/11/ص698).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن قام بهما كاملا، فهو صديق. ومن ضعف، فلا أقل من التألم والانكار بالقلب. ليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله. ("سير أعلام النبلاء" /11/ص234).
فالإخلاص سبب النجاح والسلامة والبركة والرحمة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة. ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل. هذه سنة الله في عباده، فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد. ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد. ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد، فلا يلقى في الكرب العظام إلا الشرك، ولا ينجى منها إلا التوحيد، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها. ("الفوائد"/ص 53).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (حتى قال بعضهم: مواعظ الواعظ لن تقبل حتى يعيها قلبه أوّلا يا قوم من أظلم واعظ خالف ما قد قاله في الملأ ، أظهر بين الخلق إحسانه وخالف الرحمن لمّا خلا).
الشرح –بالله التوفيق-:
ذكر هذا عن حكيم زمنه يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله الذي توفي في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين. فعن عبد الواحد بن محمد قال: جاء يحيى بن معاذ إلى شيراز وله شيبة حسنة، وقد لبس ثياب سود، فكان أحسن شيء، فصعد المنبر، واجتمع الخلق. فأول ما بدأ به أن قال:
(مواعظ الواعظ لن تقبلا .......... حتى يعيها قلبه أولا)
(يا قوم من أظلم من واعظ .......... خالف ما قد قاله في الملا)
(أظهر بين الناس إحسانه .......... وبارز الرحمن لما خلا)
ثم وقع من الكرسي، فلم يتكلم يومئذ ثم إنه ملك قلوب أهل شيراز بعد، فكان إذا أراد أن يضحكهم أضحكهم، وإذا أراد أن يبكيهم أبكاهم. وأخذ من البلد سبعة آلاف دينار. وعن يحيى بن معاذ قال: لا تكن ممن يفضحه يوم مماته ميراثه، ويوم حسابه ميزانه.
(انتهى من "تاريخ الإسلام"/للإمام الذهبي /19/ص374-375).
نعم ما قال. فمن أمر الناس بالخير وخالفه في الفعل فقد ضل عن الطريق ومحقت بركة كلامه. قال الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44].
وعن أسامة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه». (أخرجه البخاري (3267) ومسلم (2989)).
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا ألفين أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة فيجعلها الله هباء منثورا». قالوا: يا رسول الله صفهم لنا لكي لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنهم من إخوانكم ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها». (أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"/رقم (4632)/صحيح).
فالله الله في الصدق والإخلاص في القول والعمل وفي السر والعلن.
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (انشروا هذه الأشرطة ، انشروا المطويّات ، انشروا ، انشروا الرسائل ، انشروا المطبوعات في فضائح الرافضة).
الشرح –بالله التوفيق-:
كما مر بنا في الحث على الجد والاجتهاد في التحذير من أباطيل الرافضة بكل طريقة شرعية مباحة نافعة. قال الله تعالى عن جهود عبده الشكور نوح عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح: 5 - 9].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: أي لم أبق مجهودا. وقال: وكل هذا من نوح عليه السلام مبالغة في الدعاء لهم، وتلطف في الاستدعاء. ("الجامع لأحكام القرآن"/18/ص301).
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: والمقصود أنه دعاهم على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة ، فلم ينجع ذلك فيهم . ("فتح القدير"/7 /ص312).
فعلينا أن نتأسى بالأنبياء والمرسلين ولا سيما أولي العزم منهم في الصبر والمصابرة في تبليغ الدعوة الإلهية ولا نيأس من نصر الله وهداية الخلق. قال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف: 35].
قال الإمام الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، مثبته على المضيّ لما قلَّده من عبْء الرسالة، وثقل أحمال النبوّة صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وآمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لَقُوا فيه من قومهم من المكاره، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذّبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار ﴿كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ على القيام بأمر الله، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره، ما نالهم فيه من شدّة. وقيل: إن أولي العزم منهم، كانوا الذين امتُحِنوا في ذات الله في الدنيا بِالمحَن، فلم تزدهم المحن إلا جدّا في أمر الله، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم. ("جامع البيان"/22/ص145).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (كل بما يستطيع).
الشرح –بالله التوفيق-:
ليس الأمر بالجدّ والاجتهاد في الدعوة يستلزم التكليف فوق الطاقة، بل الأمر كما قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7]، وقال جل ذكره: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: بل مما ينبغي أن يعرف أن الاستطاعة الشرعية المشروطة في الأمر والنهي، لم يكتف الشارع فيها بمجرد المكنة ولو مع الضرر، بل متى كان العبد قادراً على الفعل مع ضرر يلحقه جعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة : كالتطهر بالماء، والصيام في المرض، والقيام في الصلاة، وغير ذلك تحقيقا لقوله تعالى : ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ [ البقرة : 185 ] ، ولقوله تعالى : ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [ الحج : 78 ] ، ولقوله تعالى: ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾. ("مجموع الفتاوى"/8 /ص439).
نعم، كل يجاهد في سبيل الله بما يستطيع، ولن يضيعنّ الله أجر عمل المحسنين وإن قلّ. قال الله تعالى: ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 56]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 30، 31].
وقال جل ذكره: ﴿إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 40].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل». (أخرجه البخاري (1410) ومسلم (1014)).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (والله لو تخصم من راتبك ومن مصروف شهرك شيئا ما لبيان فضائح الرافضة أنك رابح).
الشرح –بالله التوفيق-:
لا يخسر من أنفق بعض ماله في سبيل الله، وقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾ أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث: «يقول الله تعالى: أنفق أنفق عليك»([4]). وفي الحديث: «أن ملكين يصيحان كل يوم، يقول أحدهما: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط منفقاً خلفاً»([5]). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا»([6]). ("تفسير القرآن العظيم"/6/ص523).
وقال الله سبحانه: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60].
قال الخازن رحمه الله: وقوله سبحانه وتعالى : ﴿وما تنفقوا من شيء في سبيل الله﴾ قيل أراد به نفقة الجهاد والغزو وقيل هو أمر عام في كل وجوه الخير والطاعة فيدخل فيه نفقة الجهاد وغيره ﴿يوف إليكم﴾ يعني أجره في الآخرة ويعجل لكم عوضه في الدنيا ﴿وأنتم لا تظلمون﴾ يعني وأنتم لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئاً . ("تفسير الخازن"/3 /ص212).
وقال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومنها قوله تعالى: ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشآء والله واسع عليم﴾ شبه سبحانه نفقة المنفق في سبيله سواء كان المراد به الجهاد أو جميع سبل الخير من كل بر بمن بذر بذرا، فأنبتت كل حبة سبع سنابل اشتملت كل سنبلة على مائة حبة والله يضاعف بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه ونفع نفقته وقدرها ووقوعها موقعها، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص والتثبت عند النفقة وهو إخراج المال بقلب ثابت قد انشرح صدره بإخراجه وسمحت به نفسه وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه غير جزع ولا هلع ولا متبعه نفسه ترجف يده وفؤاده. ويتفاوت بحسب نفع الإنفاق ومصارفه بمواقعه وبحسب طيب المنفق وذكائه. وتحت هذا المثل من الفقه أنه سبحانه شبه الإنفاق بالبذر. فالمنفق ماله الطيب لله لا لغيره باذر ماله في أرض زكية فمغلة بحسب بذرة وطيب أرضه وتعاهد البذر بالسقي ونفي الدغل والنبات الغريب عنه فإذا اجتمعت هذه الأمور ولم تحرق الزرع نار ولا لحقته جائحة جاء أمثال الجبال. وكان مثله كمثل حبة بربوة وهي المكان فيه نصب مثل النفقة في سبيل الله الشمس والرياح، فتربى الأشجار هناك أتم تربية، فنزل عليها من السماء مطر عظيم القطر متتابع فرواها ونماها، فآتت أكلها ضعفي ما تؤتيه غيرها بسبب ذلك الوابل وإن لم يصبها وابل فطل مطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها، تزكو على الطل وتنمي عليه مع أن في ذكر نوعي الوابل والطل إشارة إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل، فمن الناس من يكون إنفاقه وابلا ومنهم من يكون إنفاقه طلا والله لا يضيع مثقال ذرة.
("أمثال القرآن"/ص32/ط. مكتبة الإيمان).
ثم قال شيخنا يحيى حفظه الله: (وأنّها دعوة إلى الله عزّ وجلّ لتنحية شرّ أو تقليله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ ).
الشرح –بالله التوفيق-:
حكمة الدعوة إلى الله هي إقامة الحق ومحو الباطل، تحصيل المصالح وإزالة المفاسد وتقليلها، كما مر بنا بيان ذلك. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وليعلم العاقل أن العقل والشرع قد يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها. ("الجواب الكافي"/ص 151).
والدعوة إلى الله تعالى مبنية على هذه الحكمة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم». (أخرجه مسلم (1844)).
ولما كانت الغاية سامية بضوء الوحي من الله كانت دعوة الأنبياء والمرسلين ومن اتبعهم بإحسان في غاية الحسن والحكمة. قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلغ ما انزل اليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته اياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم لهم وقد أمر النبي بالتبليغ عنه ولو آية ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا وتبليغ سنته إلى الأمة افضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس واما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه. ("جلاء الأفهام"/ص 415).
ولا شك أن الرجل إذا حسن كلامه ولم يحسن عمله صار شينا عليه بالأدلة المعروفة السابقة. قال المتوكل الليثي رحمه الله:
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثْلَه ... عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عَظيمُ
وابْدَأْ بنفسك فانهَها عنَ غَيِّها ... فإِذا انتهت عنه فأنتَ حَكيمُ
("العقد الفريد"/1/ص198).
قال قتادة رحمه الله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله﴾ ... الآية، قال: هذا عبد صدّق قولَه عملُه، ومولَجه مخرجُه، وسرَّه علانيته، وشاهده مغيبه، وإن المنافق عبد خالف قوله عمله، ومولجه مخرجه، وسرَّه علانيته، وشاهده مغيبه. (أخرجه الطبري في "جامع البيان"/21 /ص469/سنده حسن) ([7]).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى: ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله﴾ أي: دعا عباد الله إليه، ﴿وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين﴾ أي: وهو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى. وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك، كما قال محمد بن سيرين، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ("تفسير القرآن العظيم"/7/ص179).
ثم قال شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: (فشرّهم مستطير وبلائهم كثير ولا يتصدّى لهم إلّا ذووا الغيرة على دين الله).
الشرح –بالله التوفيق-:
شرور الرافضة عظيمة كما مر بنا بيان ذلك. والتاريخ من خير شهيد على ذلك. وقد شهد عليهم من عايشهم وهو خبير بهم وهو الإمام الشوكاني رحمه الله، فقال: فإنه لا أمانة لرافضي قط على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض، بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح له، لأنه عنده مباح الدم والمال. وكل ما يظهره من المودة فهي تقية، ويذهب أثره بمجرد إمكان الفرصة، وقد جربنا هذا تجريبا كثيرا، ... إلخ. ("أدب الطلب"/ص61/دار الكتب العلمية).
ولم يتصد لهم بحق إلا ذو علم وغيرة، لأن العلم يقوده إلى الصواب، والغيرة تبعثه على دفع الباطل واردىل. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فمحبّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ولرسوله فهو من المحبة أخلى، وإن زعم أنه من المحبين فكذب من ادعى محبة محبوب من الناس وهو يرى غيره ينتهك حرمة محبوبه ويسعى في أذاه ومساخطه ويستهين بحقه ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك بل قلبه بارد. فكيف يصح لعبد أن يدعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضيعت. وأقلّ الأقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقه وارتكابه لمعصيته، وإذا ترحلت هذه الغيرة من القلب ترحلت منه المحبة بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره وهذه الغيرة هي أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الحاملة على ذلك فإن خلت من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر فإنه إنما يأتي بذلك غيرة منه لربه ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى علامة محبته ومحبوبيته الجهاد فقال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾. ("روضة المحبين"/ص 274).
ثم قال شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله: (أمّا أصحاب المطامع الدنيوية ممكن يعطوه مبلغا من المال فيسكت).
الشرح –بالله التوفيق-:
لا يقوم بالدعوة إلى الله كما ينبغي إلى الصادق المخلص. وأما غيره فيحصل الاعوجاج أو التخذيل. قول الإمام ابن القيم رحمه الله: ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقلّ الناس ديناً والله المستعان. وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق. وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين وخيارهم المتحزن المتلمظ ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. ("إعلام الموقعين" /2/ص121/ط. دار الكتب العلمية).
ويظن هؤلاء المخذلون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للفتنة والهلاك والخسران. ولم يدروا أن الله قد جعل السلامة والفلاح في القيام بهذا الشأن العظيم، كما مر بنا ذكر بعض أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الله سبحانه: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 116، 117].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [الأعراف: 165].
قال العلامة ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: والأحرى بالإنسان أن يتماسك عما فيه، ويترك فضول الكلام، وإذا توسط اعتمد على الله في إصلاح دنياه ، وإذا قصد إظهار الحق لأجل الله عز وجل فالله تعالى يعصمه، ويسلمه، وما رأينا من ردّ البدع إلا السلامة. (نقله الإمام ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" /ص178).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: والله سبحانه لا غالب له، فمن كان معه فمن ذا الذي يغلبه أو يناله بسوء فإن كان الله مع العبد فمن يخاف. وإن لم يكن معه فمن يرجو وبمن يثق ومن ينصره من بعده؟ فإذا قام العبد بالحق على غيره وعلى نفسه أولاً وكان قيامه بالله ولله لم يقم له شيء ولو كادته السماوات والأرض والجبال لكفاه الله مؤنتها وجعل له فرجاً ومخرجاً. ("إعلام الموقعين" /2/ص412/دار الكتاب العربي).
نكتفي إلى هنا والحمد لله ربّ العالمين.
تمت كتابتها في مسجد السنة بسعوان، صنعاء،
بتاريخ 21 ربيع الأول 1434 هـ.
([1]) صحيح. أخرجه الإمام أحمد (6644).
([2]) أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([3]) حسن لغيره. أخرجه الدارمي (205)، والطبراني في "الكبير" (8770) والبيقهي في "شعب الإيمان" (2024). في سنده حبيب وهو ابن أبي ثاتب مدلس.
وله متابع كما أخرجه ابن بطة في "الإبانة" (182) وفي سنده قبيصة عن الثوري، وفي روايته عنه ضعف.
([4]) أخرجه البخاري (4684) ومسلم (993) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([5]) أخرجه البخاري (1442) ومسلم (1010) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([6]) أخرجه أبو يعلى (6040): حدثنا بشر بن سيحان حدثنا حرب بن ميمون حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به.
بشر بن سيحان هو أبو علي الثقفي صدوق. وحرب بن ميمون صدوق وله أخطاء. وهشام بن حسان ثقة.
فالسند حسن.
وله شاهد من حديث ابن مسعود، أخرجه الطبراني في "الكبير" (10300) من طريق قيس بن الربيع عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله به.
وقيس بن الربيع ضعيف.
وله شاهد من حديث بلال رضي الله عنه أخرجه الطبراني في "الكبير" (1098): حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عمر بن محمد بن الحسن ثنا أبي ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق بن الأجدع عن بلال به.
الحسين بن إسحاق التستري وثقه الذهبي في تاريخ الإسلام.
عمر بن محمد بن الحسن صدوق. وأبوه محمد بن الحسن ضعيف.
وفي الجملة فالحديث جيد.
([7]) الأثر حسن، أخرجه ابن جرير رحمه الله فقال: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، به.
بشر هو ابن معاذ العقدي، صدوق. ويزيد هو ابن زريع، ثقة، وسعيد هو ابن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة، وروايته عنه في التفسير ثابتة أيضا، إما لإمكان سماعه عنه، وإما لثقة الواسطة بينهما كما قاله بعض الحفاظ.