إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

..:: [ التبيين لوجوب تربية البنين ] ::.. [ خطبة تهم كل مسلم ]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ..:: [ التبيين لوجوب تربية البنين ] ::.. [ خطبة تهم كل مسلم ]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    ...:::... التبيين لوجوب تربية البنين ...:::...

    خطبة جمعة للناصح الأمين
    أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
    - حفظه الله تعالى -

    28 رجب 1426هـ

    ملاحظة : طُبِعَت هذه الخطبة بمزيد عناية في رسالة لدى دار الإمام أحمد - مصر

    =========================

    ..:: [ لتحميل المادة الصوتية ] ::..

    =========================



    نسأل الله أن ينفع بها ، ونسأله سبحانه أن يبارك لنا ولكم ويصلح ذريتنا وذريتكم جميعا ؛ و حفظ الله الشيخ وجزاه الله خيرا .
    والشكر موصول للإخوة في موقع الشيخ - حفظهم الله جميعاً -



    :::: المصـــدر ::::

    >><<

  • #2
    جزاك الله خيرا ياأخانا ضياء

    وبارك فيك

    تعليق


    • #3
      وفيكم بارك الله ..

      تعليق


      • #4
        ..:: الخطبة الأولى ::..

        ...............

        تفريغ الخطبة الأولى

        ...............


        الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً - ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71].

        أما بعد:
        فإن نعم الله تتجدد وآلاءه على العباد تتردد، وإن ذكر نعم الله - سبحانه وتعالى - ، وذكر آلاء الله سبحانه وتعالى تقتضي المزيد والفلاح: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7]، ﴿ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الأعراف:69]، نعم الله - سبحانه وتعالى - على عباده كثيرة من ليل ونهار، وسمع وبصر، ومال وولد، وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها إلا الله - عز وجل - ، قال الله - عز وجل - : ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[إبراهيم:34]، وكل النعم من الله - عز وجل - : ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ[النحل:53].

        وإن من أعظم النعم نعمة الولد التي امتن الله - سبحانه وتعالى - بها على عباده، قال الله - عز وجل - : ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ[النحل:72]، وهذه النعمة تقتضي الشكر، فقال سبحانه: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[المائدة:6] ؛ وقال عز وجل: ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ[الشورى:49-50]، فالولد هبة من الله يهبه لمن يشاء، منهم: من يهب له إناثاً، ومنهم من يهب له ذكوراً، ومنهم من يهب له الصنفين –الذكور والإناث- ومنهم من يجعله عقيماً.

        إن الولد يعتبر نعمة ويعتبر زينة للعبد في هذه الحياة الدنيا، قال الله - عز وجل - : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف:46]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[آل عمران:14]، وروى الترمذي في جامعه بسند ثابت حسن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « يقول الله - عز وجل - يوم القيامة: يا ابن آدم! ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: أكنت تظن أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: اليوم أنساك كما نسيتني » .

        الشاهد من هذا الحديث العظيم : امتنان الله - سبحانه وتعالى - على عبده يوم القيامة: أنه رزقه المال والولد، والله - سبحانه وتعالى - يقول في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا[المدثر:1-17].. الآيات ؛ امتن الله - سبحانه وتعالى - على ذلك الذي ذكر الله في هذه الآية: أنه رزقه مالاً ممدوداً وبنين حاضرين يأمرهم وينهاهم، وينتصر بهم وهم متواجدون عنده، وقوله: (شهوداً) أي: حاضرون عنده تحت طلبه وتحت أمره، وهذه نعمة من الله - سبحانه وتعالى - امتن بها على ذلك الرجل، وهي أيضاً منة الله على عباده جميعاً.

        إن هذه النعمة العظيمة: نعمة طلب الله - عز وجل - وأمر بشكرها، وإنه ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، والفطرة: هي الإسلام والسنة كما ثبت ذلك من حديث النواس بن سمعان، وفي قول الله - عز وجل - : ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[الروم:30] ؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » ، ولم يقل: (يمسلمانه)؛ لأنه مسلم أصلاً، مولود على الإسلام على الفطرة، كما تولد البهيمة ليس فيها جدعاء، تولد سليمة، وإنما قد يحصل الجدع فيها بعد ولادتها، فكذلك المولود يحصل التغير فيه بعد خروجه من جليسه، فإن الصبي يتغير، ويتأثر بالأسرة فإن كانت أسرته طيبة تأثر بها إن شاء الله، وإن كانت غير ذلك تأثر بها ؛ وفي حديث عياض بن حمار - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « فيما يروي عن ربه عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء » ، والحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه « فاجتالتهم الشياطين » أي: حرمت عليهم ما أحل الله، وأحلت لهم ما حرم الله، (اجتالتهم) أبعدتهم عن الحق، وهذا يشمل شياطين الإنس، وشياطين الجن، وقد يكون ذلك الأب، أو تلك الأم، أو ذلك الجليس من الأولاد أو من الجيران أحد الشياطين، الذين يجتالون ذلك الصبي: ﴿ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا[الأنعام:112]، (فاجتالتهم الشياطين).

        أيها الناس ! إنه يجب على كل مسلم أن يكون راعياً لما استرعاه الله - عز وجل - ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته » ، وما دمت راعياً إن ضيعت من ترعاه عرضت نفسك لعقوبة الله ؛ ففي الصحيحين من حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة » ، وفي رواية: « يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » ؛ أمرك ربك سبحانه وتعالى أن تقي نفسك وأهلك النار، والأهل يشمل الولد، والله - عز وجل - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6].

        وأمرك الله - سبحانه وتعالى - بالصبر على ذلك قال الله - عز وجل - في كتابه الكريم آمراً بالصبر: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى[طه:132] ؛ وأثنى الله - عز وجل - على نبيه إسماعيل: أنه كان يأمر أهله وكان يرعى أهله، وكان يقوم بالعناية بهم: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا[مريم:54] .. إلى قوله: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[مريم:55]، فأثنى الله عليه: أنه كان راعياً حسن رعاية لأهله: يأمر أهله بالصلاة والزكاة، يأمرهم بطاعة الله ؛ إن هذه الرعاية هي التي أمر الله أنبياءه بها، وما من نبي إلا وقد بذل وسعه في تربية أبناءه وسائر الناس: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[البقرة:132-133]، هذه وصية إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهكذا سائر الأنبياء ؛ ونوح عليه الصلاة والسلام يقول لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ[هود:42]، فينصحه بمجالسة الصالحين، ويحذره عن مجالسة الكافرين المفسدين، أبى نصيحة أبيه، قال: ﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[هود:43-46].. الآيات .

        شاهدنا : أنه بذل وسعه مع ولده في أن يجالس الصالحين وحذره من مجالسة الكافرين، وحذره عن أن يكون مع الكافرين المفسدين، هذا شأن الأنبياء: العناية بأبنائهم.

        ولما قال إخوة يوسف ليوسف: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ..[يوسف:11-13]، يخاف على ولده من أن يكون مع من لا يرعاه: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ[يوسف:13-14]، وذكر الله - سبحانه وتعالى - قصة يوسف إلى آخرها.. وفيها من الحزن على ولده وتسبب ذلك الحزن في أن عمي يعقوب عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ[يوسف:84] على ولده ؛ إن هذا الولد يعتبر فلذة كبدك، هذا الولد لا تضيعه، فإن أنت رعيته الرعاية الحسنة انتفعت به في الدنيا والآخرة، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له » ، هذا الولد هو الذي تنتفع بدعائه، فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إن الرجل لترفع له الدرجة في الجنة فيقول: بما هذه؟! فيقول: بدعاء ولدك لك» ، «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث » ، فمعنى ذلك: أن الولد من عمل أبيه ومن كسب أبيه، هذا الولد من كسبه كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، اكتسب عملاً صالحاً في ولدك، اكتسب عملاً صالحاً في دعائك له، فإن هذا شأن الأنبياء، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ[إبراهيم:35] ؛ وهكذا: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[الأحقاف:15]، هذا الرجل الصالح أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليه، أنه يتوسل إلى الله - تعالى - بتوبته وبعمله الصالح: أن يرزقه الذرية الطيبة وأن يصلح ذريته، وقد أثنى الله على من يدعو لأولاده بالصلاح: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان:74]، في سياق الثناء على هذا الصنف الطيب ؛ فلا بد من السعي في صلاح الأولاد بكل ما يستطيعه الإنسان من تربية ودعاء وحث وملازمة ومراقبة وتذكير بالله - سبحانه وتعالى - حتى يكون ذلك الولد خيراً لك في الدنيا والأخرى.

        أيها الناس ! إن التفريط في الأولاد جرم عظيم! خيانة .. خيانة أن يفرط الإنسان في ولده حتى يصير ضائعاً من الضائعين.. لاعباً من اللاعبين، وربما صار فاجراً من سائر الفجرة، ويلحقك الذنب والويل؛ بسبب المرعي وتلك الأمانة التي ضيعتها، وإن تضييع الأمانة شأن المنافق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان ..» ، من هذه الأربع: إذا اؤتمن خان ؛ فحاول في صلاح ولدك بتعليمه العقيدة الصحيحة من أول يوم، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « من رزقه الله ابنتين فأحسن إليهن وأدبهن -وفي رواية: وزوجهن- كنت أنا وهو في الجنة كهاتين » ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام: أنه علم عدداً من الصبيان، قال جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - : « أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان -علمهم الإيمان- ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً » ؛ وعلم ابن عباس العقيدة والتوكل على الله والإيمان بالقدر والشجاعة: « يا غلام إني أعلمك كلمات » هذا هو الشأن في الأولاد، تعليم ميسر مختصر بدون تثقيل، وبدون إتعاب، وعلى قدر فهمه وذاكرته كلمات مختصرات ميسرة.. كلمات مفهومة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عقيدة ثابتة: « احفظ الله يحفظك » ، ويا لهذه الموعظة من عظم.. موعظة عظيمة! يحثه على حفظ حدود الله وشعائر الله ودين الله: « احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف » ؛ هذا الحديث شرحه بعض أهل العلم في جزء مستقل بما فيه من العقيدة والتوكل والثقة بالله، والإيمان بالقدر، وحفظ حدود الله، وتعليم الصغار والعناية بهم.. وغير ذلك من الفوائد العلمية في هذا الحديث العظيم ؛ هذا كان درساً من النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس، درساً عظيماً شمل التوحيد، وشمل شعائر الدين قاطبة، « احفظ الله يحفظك » رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حثنا على تعليم الأولاد، حتى كان هذا ديدن الصحابة: العناية بتعليم أبنائهم، فقد ثبت من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر يوماً إلى السماء، فقال: « هذا أوان العلم أن يرفع » ، فقال رجل يقال له: زياد بن لبيد: يا رسول الله! أيرفع العلم وفينا كتاب الله، وقد علمناه أبناءنا ونساءنا؟ فقال: « إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة، هؤلاء أهل الكتاب ما أغنى عنهم ذلك ؟ » -أي: لما لم يعملوا به، ولما لم ينشروه، ارتفع العلم منهم والقرآن بين ظهرانيهم ، حتى وإن حصل تعليم للصبي ولم يحصل له أيضاً إعانة على العمل، وتعليم للعمل وأن يعمل به، فإنه قد لا يهتم به كثيراً ؛ وعكرمة رحمة الله عليه يقول: كان ابن عباس رضي الله عنه يجعل الأكبال في قدمي يعلمني القرآن والفرائض، فالصبي المتمرد يضبط حتى يتعلم دين الله كما فعل ابن عباس - رضي الله عنه - ، وليس معناه أن كان متمرداً، لكن الصغر له شأنه .

        الشاهد من ذلك عباد الله! الرعاية.. الرعاية، تعليم الصبي للوضوء، فقد بات ابن عباس - رضي الله عنه - عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند خالته ميمونة، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل نظر إلى صلاته ثم قام وتوضأ كما توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام عن شماله فأداره النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلفه، أخذ بأذنه وأدار من خلفه، وصلى ابن عباس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قيام الليل، ونقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الصلاة في قيام الليل ابن عباس من نقلة قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل ابن عباس كما في الصحيح.

        هكذا تعليمه الصلاة، وتعليمه الصفوف، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زارهم قال: ( فقدمت له جدتي مليكة طعاماً فأكل ثم قال: قوموا فلأصلِّ لكم، فقمت إلى بساط قد اسود من طول ما لبس فنضحته، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وصففت أنا والغلام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعجوز خلفنا ) .

        شاهدنا : ( صففت أنا ) وابن عباس رضي الله عنه حج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام قد ناهز الاحتلام، قال: فوجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صف الناس، وأنا راكب على حمار أتان، فأرسلت الحمار ترتع ثم مشيت في الصف أي: فصف مع الناس، مشى أرسل الحمار ومشى في الصف، وصف مع الناس.

        تعلم وتأديب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفادة من الصغر، إن الصبي الذي يرى منه النبوض ينبغي أن يشجع على طاعة الله، ولا يعان على الغرور، ولكن يشجع على طاعة الله، فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يدخل ابن عباس مع أشياخ بدر، قالوا: كيف تدخل هذا ولنا أبناء مثله! قال: أنه من حيث علمتم، ثم سألهم عن قول الله - عز وجل - : ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا[النصر:1-3], قالوا: هذه سورة أمرنا الله أن نستغفره ونسبحه إذا فتح علينا، وكل قال قولاً في الآيات، فقال ابن عباس - رضي الله عنه - : هذا أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آذنه الله به، فإذا فتح الله عليك فذاك أون أجلك، وذكر له ذلك قال: ما أعلم منها إلا ما تعلم .

        شاهدنا : تشجيعه، وقال يحيى ابن سعيد القطان: يا مسدد لولا أننا مشغولون لأتيناك، أي: أن مسدد بن مسرهد كان يأتي يحيى بن سعيد يطلب الحديث عنده، فلما رأى منهم النبوض شجعه بذلك: أنه مشغول، وإلا يكون يأتي إليه يحدثه، لما يرى فيه مما يظنه من حمل الإسلام والدين ؛ وكان عروة يقول لأبنائه: (يا أبنائي أنكم صغار قوم، يوشك أن تكون كبار قوم) ؛ والأعمش كان يقف مع طلبة العلم الصغار ويعلمهم فقال له بعض الناس: (إن أهل الحديث أحق بك من هؤلاء قال يا مسكين! هؤلاء يحفظون عليك دينك)، أي: أنهم هم الذي سيحملون هذا الدين إن شاء الله إذا صرت كبيراً وشيخاً لا تستطيع أن تقوم به، فسيحمله هؤلاء الرجال.

        أيها الناس! تعليم الصبيان أمر مهم جداً، فقد أمر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت من حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده، وسبرة بن معبد: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبنا عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع » , هذه صفات عديدة: يؤدب من الصغر قبل البلوغ على تعلم الصلاة، فإذا وصل إلى العشر ولم يكن قد بلغ يضرب على الصلاة، حتى لا يبلغ وهو متمرد على الصلاة، كيف إذا كان بالغاً وهو تارك الصلاة؟! مثل هذا أشد وأعظم أن يحافظ عليه، وأن يؤمر بالصلاة، وإلا فإنه سيتعود على غير طاعة الله, قال عليه الصلاة والسلام معوداً لنا ما هو للحسن فقط، علمه ذلك الدعاء وهو صبي: « اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، أنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت » , هذا الدعاء العظيم: فيه تعليم العقيدة, والذكر, والدعاء, والتضرع لله - سبحانه وتعالى - , فعلم أولادك دعاء الله - سبحانه - وذكره كما علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن، وعلمه العفة من الصغر العفة عن المحارم، إياك إياك أن يكون ولدك يتعود على سرقة، أو يتعود على مساوئ الأخلاق وأنت تسكت على ذلك، فإن هذا سوء رعاية، أو يتعود على أكل حرام شرب الدخان، أكل القات، التلوث بالقاذورات، ثم تسكت على هذا! هذا ليس من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : رأى الحسن أكل تمرة - والتمرة طيبة ولكنها من الصدقة - قال : « كخٍ كخٍ ! أما علمت أنا لا نأكل الصدقة » ، كخٍ كخٍ نهاه عن ذلك ومنعه أمراً منه بالعفة عن شيء حرم على بني هاشم، فكذلك أنت إذا رأيت منه شيئاً، نتناوله من الحرام أو من القاذورات، فإنه الواجب عليك، سواء كان ولدك أو غير ولدك: أن تنهاه عن ذلك المحرم، وأن تعوده على طاعة الله - سبحانه وتعالى - : « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته » .

        عود ولدك على طاعة الله ( كخ كخ فإنا لا نأكل الصدقة ) العفة من أول يوم وحفظ السر أيضاً، فإن أنس بن مالك وجده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صحيح مسلم وجده وهو يلعب مع الصبيان فأرسله لبعض حاجته، فأبطأ على أمه، فلما أبطأ ورجع إليها وعاتبته، أين كنت؟ عاتبته على إبطائه، هذه من الرعاية ؛ أم سليم عاتبت ولدها على التأخر عن المجيء، فلما أخبرها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسله لبعض حاجته، قالت: وما حاجته؟ قال: إنه سر ؛ قالت : فاحفظ سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أنس: فلو كنت مخبراً أحداً يا ثابت لأخبرتك، ما أخبر بها ثابت، أخبره بالحديث ولم يخبره بالسر الذي ائتمنه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال صغره وصباه، ولم يخبر حتى أمه، وأيضاً ثبتته أمه وعودته وربته على حفظ السر .

        تعويد الصبيان على الصيام، فقد كانوا يعودونهم على الصيام، ويعطونهم اللعب قبل البلوغ من أجل الصوم، ومن أجل التعود على الصوم، ولما رأى عمر بن الخطاب رجل نشوان أي: شرب الخمر، قال: نشوان في رمضان وصبياننا صائمون!

        تعويد الصبيان على الحج: أخذت امرأة صبياً فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال : « نعم، ولكِ أجرٌ» ، ليس معناه: أن يجزئها عن حجة الإسلام، ولكنه تعويداً له، وأن يرى تلك المشاعر، وأن كذلك يقوم بالعبادات ويشتاق لها ويتعود عليها من الصغر ؛ هكذا حج سعد بن يزيد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا تعليمه على حلقات العلم والذكر، والتعويد على ذلك، خائن من لا يعلم ولده دين الله - عز وجل - ، وربما عوده على ملاعب الكرة، ربما عوده على الملاكمات والمصارعات وملاعب الكرة، والتلفيزيونات والدشوش، ومجالسات الضائعين، هذه والله خيانة، مجالس العلم، والحث له على ذلك قال بن عمر - رضي الله عنه - : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -فقال: « شجرة لا يسقط ورقها وهي تشبه المؤمن أخبروني ما هي » , قال: فوقع الناس في شجر البوادي، فوقع في نفسي: أنها النخلة، ولكن في القوم من هو أكبر مني، أي: كان صغيراً، فهاب أن يتكلم، ثم أخبر أباه بعد ذلك فقال: لو قلتها لكان أحب إليّ من كذا وكذا» ، لو قلت ذلك فرحاً منه بنبوض ولده، وذكاء ولده، ولاسيما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

        تعليم الأولاد الأدب الشرعي، الأدب في الكلام، الأدب في السلام، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر بالأطفال فيسلم عليهم، وهذا تأديب منه بحيث يتعود الصبي على رد السلام إذا مر، تأديب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأبناء وتعويد لهم على هذا الأدب النبيل والأمر العظيم، «يمر بالصبيان فيسلم عليهم» .

        تعليم الأولاد أدب الطعام ، ففي الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل عنده عمر بن أبي سلمة قال : وكانت يدي تطيش في الصحفة صبي - فقال: « يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك » قال عمر بن أبي سلمة : فما زالت تلك طعمتي ؛ أي: أخذت ذلك الأدب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أتجاوزه، فما زالت تلك طعمتي وما زلت آكل على ذلك الأدب الذي أدبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ثلاث تأديبات في مجلس واحد على مائدة واحدة، ( سم الله, وكل بيمينك, وكل مما يليك ) الصبي قد يكون إماماً، قد يكون إمام أمة، وهو صبي إذا اعتني به فعمرو بن سلمة الجرمي - رضي الله عنه - ( كان الصحابة يمرون من جانب قريتهم، وكان هناك ماء فينزلون فيه، فأخذ منهم سوراً من القرآن، حفظها من الصحابة رضوان الله عليهم، فلما وفد أبوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والتمسوا لهم إماماً يصلي بهم، وجدوا ذلك الصبي أحفظهم وأقرأهم، وأعلمهم بالقرآن، فجعلوه إماماً لهم، وهو صبي عمره سبع سنين، فكان يؤم قومه، وكان إذا سجد انكشفت عورته، فمرت امرأة وقالت: غطوا عنا است قارئكم، قال: فاشتروا لي إزاراً وكسوني، فقال: فما فرحت بشيء مثل ذلك ) .

        شاهدنا من هذا: أنه قد ينبض وهو صغير، ويكون أمام كبار ومشايخ وكهول للعناية به في ذلك الحال، وتعويده: أن لا يكون خلف الإمام إلا إذا كان من أولي الأحلام والنهى، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. » إلى آخر الحديث ؛ فلا ينبغي أن يكون خلف الإمام مباشرة، الصبي ليس ذلك موقفه، ذلك موقف الحفاظ، ذلك موقف أولي الأحلام والنهى العقلاء، فهذا هو الأدب فيما يتعلق بالأطفال، إلا إذا كان من حفاظ القرآن فهنيئاً له، وإلا فليتنحى، وأبي بن كعب أخذ صبياً من خلف الإمام ثم لما صلى، قال: يا بني، أنه لعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلينا أن نليه، حتى وإن كان مسارعاً على الصف الأول، لكن لا يستنكف إن رد من ذلك الموضع، فإنه ليس له.

        أدب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأديب للأطفال، والعناية بهم من أول يوم: « أما إن أحدكم إذا آتى أهله فقال: باسم الله: اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان » ، متفق عليه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ونبي الله زكريا يدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقه ولداً صالحاً: ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا[مريم:1-6], ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ[آل عمران:38]، دعا زكريا ربه أن يرزقه ذرية طيبة: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْي[آل عمران:38-39].

        كل ذلك حرصاً منه ومن سائر الصالحين على نشأ طيب، نشء طيب يجب أن تسعى في أن تنشئ ولدك نشئاً طيباً، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله » ؛ هذا الشاب الذي نشأ في طاعة الله وفي عبادته من الذين يظلهم الله في ظله، فيجب أن تسعى: أن تكون أنت وولدك وسائر المسلمين كذلك: « ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه » ، والحديث في الصحيحين ؛ يا هول مصيبة هؤلاء الناس !!! الذين عودوا أولادهم على محبة الغربيين ومحبة اليهود والنصارى، والدنيا ومتاعها: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا[النساء:77], إن رسول الله ربى أبناءه، وسائر الأمة والصحابة أبناءه يعتبرون: « أنا لكم بمنزلة الوالد » قال ذلك, فربى أبناءه على العفة، وربى أبناءه أيضاً على حسن الرعاية، وعلى مكارم الأخلاق والدين من الرعاية من رعاية الأطفال، ومن حفظهم، ومن كذلك أيضاً الاهتمام بهم، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة فيما إذا أسقط الجنين، كل ذلك من أسباب التناسل وحفظ نسل هذه الأمة، وتكاثر هذه الأمة والرعاية.

        فثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة: «أن امرأة ضربت أخرى في بطنها فأسقطت جنينها، فقضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة في ذلك الجنين» (غرة عبد أو أمة) أي: عبد أو أمة مقابل ذلك الجنين لورثته، وأمر بدية تلك المرأة على عاقلتها، فقال رجل يقال له: حمل بن مالك بن نابغة: « يا رسول الله كيف ندِ من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سجع كسجع الكهان » ، أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القول؛ لأن فيه إبطال حكم شرعي ؛ وثبت من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن بالفطر للمرأة الحامل أو المرضع، حفاظاً على هذا الولد، وحفاظاً على تناسل الأمة، عكس أصحاب الفطر المنكوسة الذين يحثون على تحديد النسل، والذين يرون تقليص نسل هذه الأمة: ﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[التوبة:30], فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أن الله وضع شطر الصلاة للمسافر ووضع الصيام عن الحامل والمرضع » , الحامل إذا خافت على جنينها واجب عليها أن تفطر وبعد ذلك تقضي، والمرضع إذا جاع طفلها واجب عليها أن تفطر وبعد ذلك أن تقضي لحديث أنس بن مالك الكعبي - رضي الله عنه - وحديث صحيح حفاظ ؛ وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل ذا الطفيتين والأبتر من الثعابين، ونهى عن قتل ما عداهما من جنان البيوت قال: « لأن ذا الطفيتين والأبتر يسقطان الحمل ويلتمسان البصر » ، وفي رواية: « ويخطفان البصر » ، فأمر بقتل هذين الذين من أسباب تقليص النسل، وتحديد النسل أو الإضرار بالنسل ؛ وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين: « أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا قالت: يا رسول الله ! أصبت حداً فأقمه علي، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليها ثم قال: « إذا وضعت فائتني بها » ، فأوتي بها بعد أن وضعت والصبي صغير، فأمره أن يأتي بها بعد أن ترضع ولدها، وبعد حين أتت بولدها ومعه كسرة، أي صار يأكل، فأخذ الولد وأعطى من يقوم عليه وأمر بها فرجمت ، ولم يرجمها وهي حبلى؛ لأن رجمها ذلك يتلف ولدها: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ[الأنعام:95], نعم سبب في إتلاف ولدها، فلم يقم عليها الحد آنذاك.

        واتفق أهل العلم: أنه لا يجوز رجم المرأة وهي حامل؛ لأن ذلك ذريعة لإتلاف النسل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه الحديث معقل بن يسار: أن رجلاً قال: يا رسول الله ! أن امرأة كذا وكذا، وذكر من شأنها من حيث دينها أأنكحها لكنها لا تنجب، قال: « لا ، تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة » , وفي الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فقيل: هذه أمتك.. ومعهم سبعون ألف ..» الحديث, أنه كاثر بأمته الأمم يوم القيامة، فسائر من يدعو إلى ما أراده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحبه، وما فاخر به أو ما كاثر به هذا يدعو إلى غير الفطرة السليمة، وإلى غير مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتبر مشاقاً لرسول الله: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء:115].

        ::::....:::::....:::::

        تعليق


        • #5
          ..:: الخطبة الثانية ::..

          ...............

          تفريغ الخطبة الثانية

          ...............


          الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا -.
          أما بعد: فالرحمة الرحمة ، والرفق الرفق ، والرعاية الرعاية للأبناء وللصغار ؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل كان يأت بولده وولده يلعب في حجره، ثم تغيب ذلك الرجل فسأل عنه؟ فقالوا: يا رسول الله مات صبيه فلما جاءه قال: « أتحبه » ؟ قال: يا رسول الله ! أحبك الله كما أحبه يعني: أنه يحبه حباً شديداً - فقال: « أما ترضى أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وهو بفتح لك » ؛ فالولد يعتبر نعمة أن مات وأن بقي، أهم شيء أن يكون على طاعة الله، وأن يعود على العقيدة الصحيحة، والعلم النافع وجلساء الخير، وقد قال يونس بن عبيد: والله يا بني لئن أراك تخرج من كذا وكذا.. وذكر أموراً كثيرة من المعاصي أحب إليّ من أن تخرج من عند فلان المبتدع.

          احذر على ولدك من جلساء السوء فإنهم يفسدونه ، يفسدون أخلاقه ، يفسدون أقواله ، يفسدون أعماله ، يفسدون حركاته وسكناته ، يفسدون دنياه وأخراه ؛ إياك إياك! أفتى شيخنا - رحمة الله عليه - : على أن الرجل إن كان يصلي وهو في الصلاة في داخل الصلاة ، وعلم أن ولده خرج مع الأولاد يخشى عليه من الفساد أنه يجوز له أن يخرج من الصلاة فيلتمس ولده ثم يعود للصلاة ، وهذه فتوى عظيمة؛ لأنه إذا صلى وولده لا يدري أين هو ، فقد لا ينتبه لصلاته ولا يخشع فيها، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: « إذا حضرت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء » , لأنه إذا صلى وهو يريد العشاء فقد يشغل عن الصلاة، وقال - عليه الصلاة والسلام - : « لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان » ، فكيف إذا كان ولدك لا تدري في أي وادي ، ولا في أي شارع ولا في أي زقاق ، ولا في أي مكان ؟! كيف يهنئك النوم ؟! كيف يهنئك الطعام ؟! كيف يهنئك السفر ؟! كيف يهنئك معاشرة أهلك ؟! إلى غير ذلك مما أنت تجد ألمه في قلبك ، هذه سوء رعاية عباد الله ، فليتق الله امرؤ في نفسه ، فأنه واقف بين يدي الله مسئول عمن استرعاه الله - سبحانه وتعالى عليه - ، علموا أولادكم طاعة الله ، وارعوهم ، ولئن يرعى الإنسان ولده ويقوم على أولاده ، وينشأ أولاده على خير يموت وعينه قارة على تلك الأولاد ، خير له من أن يجمع من الأموال الطائلة ، الأموال الطائلة من الذهب والفضة أو الشركات ، أو أن يكون عسكرياً ، أو أن يكون مسئولاً ، أو غير ذلك من مال الدنيا ؛ فأن هذا متاع زائل ، هذا متاع زائل ؛ وقد قال عمر بن عبد العزيز حين انتقدوا عليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ! إنك أصغرت أفواه أولادك عن هذا المال ، وأعطيته لغيرهم !! فلما دنا من الأجل أو احتضر جمع أولاده فقال : يا أبنائي ! إن كنتم صالحين فالله يتولى الصالحين ، وإن كنتم غير ذلك فلا أحب أن أعينكم بهذا المال على معصية الله ، فكان أبناء عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - بعد ذلك لما رباهم التربية الحسنة، وأوكلهم إلى الله - سبحانه وتعالى - : ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا[النساء:9], كان بعد ذلك أبناؤه من الأثرياء ممن رزقهم الله ، وكان أولاد هشام بن عبد الملك وأولاد بني أمية ممن أمدوهم بالأموال ، وأكرموهم بالأموال ، ولم يكرموهم بالعلم والدين والطاعة ، يقترضون من أولاد عمر بن عبد العزيز كانوا بعد ذلك.

          احفظ طاعة الله في نفسك وفي ولدك، قال الله: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ[الكهف:82], من رحمة الله عليك أن كنت طائعاً أن الله يحفظ عليك ذريتك وهذه من نعمة الله عليك أن أولادك يصيرون بعدك صلحاء، فلنتق الله عباد الله في هؤلاء الذين استرعانا الله إياهم، الرعاية الرعاية، الرعاية في الأبناء، في البنات، في الزوجات، الرعاية في أبناء المسلمين، لا يختص ذلك بأولادك فقط: « فمن رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » .
          ونسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.

          ::::....:::::....:::::

          تعليق

          يعمل...
          X