العصماء لنساء البيضاء
جمع
أم عبدالرحمن العدينية الوصابية
أشرف على الرسالة وراجعها أبو عبدالرحمن ردمان بن أحمد الحبيشي
أشرف على الرسالة وراجعها أبو عبدالرحمن ردمان بن أحمد الحبيشي
صادرة من دار الحديث السلفية بالبيضاء
مسجد علي بن أبي طالب
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
ومن نعمة الله علينا بعد نعمة الإيمان والهداية نعمة طلب العلم كما قال الله سبحانه وتعالى:( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) سورة النساء (113)
فنحمد الله سبحانه أن وفقنا لذلك،ويسر لنا ذلك هذا وإن من تمام نعمة الله علينا لهو التناصح فيما بيننا النصح للمسلمين والمسلمات كما قال الله سبحانه مخبرا عن عدد من أنبيائه وكل واحد منهم يقول لقومه:( وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) سورة الأعراف (68) ، وكما قال الله سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة(71)
وفي صحيح مسلم من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لمسلم على هذا الحديث: هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام ...وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له.
قال: ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله الحج عرفة أي: عماده ومعظمه عرفة ...ثم ذكر معنى النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ثم قال... وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وتخولهم بالموعظة الحسنة وترك غشهم وحسدهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة وتنشيط هممهم إلى الطاعات وقد كان في السلف رضى الله عنهم من تبلغ به النصيحة إلى الأضرار بدنياه والله أعلم.
و قال ابن بطال رحمه الله في هذا الحديث:إن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول قال والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به ويسقط عن الباقين قال: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح انه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة والله أعلم انتهى كلام النووي رحمه الله.
وانطلاقا من هذا الحديث المذكور فإني أحببت أن أقدم للنساء عامة ولنساء أهل البيضاء خاصة بعض هذه النصائح والتوجيهات عسى الله أن ينفعني وإياهن بذلك، ومن باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا متفق عليه من حديث أبِي مُوسَى رضي الله عنه.|
فأقول مستعينة بالله جل وعلا:
النصيحة الأولى: أن نخلص لله عزوجل في جميع أعمالنا وأقوالنا،
فإن القلوب لا تطمئنّ إلا بالله، وغِنى العبد بطاعةِ ربّه والإقبال عليه، ودينُ الحقّ هو تحقيقُ العبوديّة لله، وكثيرًا ما يخالط النفوسَ من الشهوات الخفيّة ما يفسِد تحقيقَ عبوديّتها لله، وإخلاصُ الأعمال لله أصل الدين، ولذلك أمر الله رسولَه بالإخلاص في قوله:( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينِ [الزمر: 2]، وأمِر النبيّ أن يبيِّن أنّ عبادتَه قائمة على الإخلاص فقال له:( قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينَ )[الزمر:11].
وبذلك أمِرت جميع الأمَم قال جلّ وعلا:( وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُواْ الصلاةَ وَيُؤْتُواْ الزكاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ )[البينة:5].وأحقّ النّاسِ بشفاعةِ النبيّ يومَ القيامة من كان أخلصَهم لله, قال أبو هريرة رضي الله عنه: مَن أسعد النّاس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه رواه البخاري.
والإخلاص مانعٌ بإذن الله من تسلّط الشيطان على العبد, قال سبحانه عن إبليس:( فَبِعِزَّتِكَ لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) سورة ص [82-83].
والمخلِص محفوظٌ بحفظ الله من العصيانِ والمكاره، قال سبحانه عن يوسفَ عليه السلام:( كَذالِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24].
به رِفعة الدرجات وطَرق أبوابِ الخيرات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:إنك لن تُخلَّف فتعملَ عملاً تبتغي به وجهَ الله إلا ازدَدتَ به درجةً ورفعة متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وإذا قوِي الإخلاص لله علَت منزلة العبدِ عند ربّه، يقول بكر المزني: "ما سبقَنا أبو بكر الصدّيق بكثير صلاةٍ ولا صيام, ولكنّه الإيمان وقَر في قلبه والنّصحُ لخلقه".
وهو سببٌ لتفريج الكروبِ, ولم ينجِّ ذا النون سوى إخلاصه لمعبودِه:( لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].
المخلصُ لربّه مجابُ الدعوة, يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : انطلقَ ثلاثة نفرٍ ممّن كان قبلَكم حتى آواهم المبيتُ إلى غار فدخلوه, فانحدرت صخرةٌ من الجبل فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنّه لا ينجّيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال كلّ واحدٍ منهم متوسّلاً إلى الله بصالح عملِه وإخلاصِه: اللهمّ إن كنتَ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففرّج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجَت فخرجوا يمشون متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
بتجريدِ الإخلاصِ تزول أحقادُ القلوب وضغائن الصدور، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ثلاثٌ لا يغلّ عليهنّ قلبُ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحةُ ولاة الأمر، ولزوم جماعةِ المسلمين رواه أحمد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني وشيخنا مقبل الوادعي رحمهما الله.
والإخلاصُ شرطٌ في قَبول توبة المنافق، قال عزّ وجلّ:( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:145، 146].
في الإخلاصِ طمأنينة القلب وشعورٌ بالسّعادة وراحَةٌ من ذلّ الخلق.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "مَن عرف الناس استراح"، أي: أنهم لا ينفعونه ولا يضرّونه.
وكلّ عملٍ لم يقصَد به وجه الله طاقة مهدَرَة وسراب يضمحِلّ، وصاحبه لا للدنيا جمَع ولا للآخرة ارتفَع، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا, وابتُغِي به وجهه)) رواه النسائي وأبو داود من حديث أبي أمامة وحسنه الألباني رحمه الله، في صحيح الترغيب والترهيب.
وإخلاص العملِ لله وخلوصُ النية له وصوابه أصلٌ في قبول الطاعات، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (لا ينفع قولٌ وعمل إلا بنيّة، ولا ينفع قولٌ وعملٌ ونيّة إلا بما وافق السنة.
والإخلاصُ أن تكونَ نيّتك لله لا تريدي غيرَ الله، لا سمعةً ولا رياء ولا رِفعة عند أحدٍ ولا تزلّفًا، ولا تترقّبي من الناس مدحًا، ولا تخشي منهم قَدحا، والله سبحانه غنيّ حميد، لا يرضى أن يشرِك العبد معه غيرَه، فإن أبى العبد إلا ذلك ردّ الله عليه عملَه، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: قال الله عزّ وجلّ: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركَه)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إن العمل الصّالح وإن كان كثيرًا مَع فسادِ النيّة يورِد صاحبَه المهالك، فقد أخبر الله عزّ وجلّ عن المنافقين أنهم يصلّون وينفقون ويقاتِلون، وأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم يتلون كتابَ الله في قوله: ومثل المنافقِ الذي يقرأ القرآن كالرّيحانة ريحها طيّب وطعمُها مرّ متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ولفَقدِ صدقِهم في إخلاصهم قال الله عنهم:( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، وأول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن والمجاهدُ والمتصدّق بماله, الذين لم تكن أعمالهم خالصةً لله، وإنما فعلوا ذلك ليقال: فلانٌ قارئ، وفلان شجاع، وفلانٌ متصدِّق رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والعملُ وإن كان يسيرًا يتضاعف بحُسن النيّة والصدقِ والإخلاص، ويكون سببًا في دخول الجنات, يقول النبي صلى الله عليه وسلم : مرّ رجل بغُصن شجرة على ظهر طريق فقال: والله، لأنحيَّنَّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخِل الجنة)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وامرأة بغيّ رأت كلبًا يطيف بركيّة كادَ يقتله العطش، فسقته بموقها ماءً فغفر الله لها متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال عبد الله بن المبارك: "رُبّ عملٍ صغيرٍ تعظّمه النية، وربّ عملٍ كبيرٍ تصغّره النية. و قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: (واللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء) [البقرة:261] "أي: بحسب إخلاصه في عمله.
فالواجبُ علينا كثرة الصالحات مع إخلاصِ النيات،لرب الأرض والسموات.
والمسلمة تجعل نيتَها صادقةً في كلّ خير، كما قال عمر رضي الله عنه: (أفضلُ الأعمال صدقُ النيّة فيما عند الله, فإن صدَّق العمل النيةَ فذاك، وإن حِيل بين العمل والنية فلك ما نويتَ، ومن سرّه أن يكمُل له عملُه فليحسِن النية, فإنّ الله يأجر العبدَ إذا حسُنت نيته حتى بإطعامِ زوجته.
إذا قوِي الإخلاصُ وعظُمت النيّة وأخفِي العمل الصالح مما يشرَع فيه الإخفاء قرُب العبد من ربّه وأظلّه تحتَ ظلّ عرشه، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : سبعةٌ يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه ـ وذكر منها: ـ رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شماله ما تنفِق يمينه متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وكلّما أخفِي العمل كان أقربَ إلى الإخلاص، قال جلّ وعلا: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة:271].
قال بِشر بن الحارث: لا تعمَل لتُذكَر، اكتُم الحسنةَ كما تكتم السيئة. وفُضِّلت نافِلة الليل على نافلة النّهار واستغفارُ السّحر على غيره، لأنّ ذلك أبلغ في الإسرار وأقربُ إلى الإخلاص.
وبعضُ النّاس يظنّ أنّ الإخلاصَ مقصور على الصّلاة والصّدقة والحجّ دون غيرها من الأوامر، ومِن رحمة الله ورأفته بعبادِه أنّ الإخلاص يُستصحَب في جميع العبادات والمعاملات، ليُثابَ العبد على جميع حركاتِه وسكناته, فزيارة الجارِ وصلةُ الرحم وبرّ الوالدين هي مع الإخلاص عبادَة، وفي جانب المعاملات من الصّدق في البيع والشراء وحسنِ المعاملة بين الزوجين، والاحتساب في إحسان تربية الأبناء كلّ ذلك مع الإخلاص يُجازَى عليه بالإحسان، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ولستَ تنفِق نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أجِرت عليها، حتى اللقمة تضعُها في في امرأتِك متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام: "من عبَد الله وأحسَن إلى الناس فهذا قائمٌ بحقوق الله وحقّ عبادِ الله في إخلاصِ الدّين له، ومن طلب من العِباد العوضَ ثناءً أو دُعاءً أو غير ذلك لم يكن محسنًا إليهم لله.
الإخلاص عزيز، والنّاس يتفاضلون فيه تفاضلاً كبيرًا، ولدفعِ عوارضِه من آفةِ الرّياء والعُجب بالعمل فالجئي إلى الله دومًا بالدّعاء أن تكونَي من عباده المخلَصين، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء، وكان أكثر دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهمّ اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهِك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا.
وكان من دعاء السّلف: "اللهمّ إنّا نسألك العملَ الصالح وحفظَه.
فنسأل الله أن يرزقنا وإياكن وسائر المسلمين والمسلمات الإخلاص في القول والعمل، إنه جواد كريم.
النصيحة الثانية: دوام مراقبة الله عزوجل:
قال الله تعالى: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:218-219) وقال الله تعالى ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) (الحديد: 4) وقال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر: ( 14) وقال تعالى :(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19) ، و قال الله تعالى : (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) البقره :( 235) وقال تعالى:( وكان الله على كل شيء رقيبا )الأحزاب : (52) وقال تعالى : (ألم يعلم بأن الله يرى) (العلق : 14) وقال تعالى : فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور:48] (العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين(1/324) فما بعدها: المراقبة لها وجهان:
الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل.
والوجه الثاني: أن الله تعالى رقيب عليك كما قال تعالى: ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (الأحزاب: 52).
أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله- تعالى- يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات ، كما قال الله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء(217-218)، الذي يراك حين تقوم، أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطلع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالى يراه. حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلك ظلمة؛ فإن الله تعالى يراه. انتهى
والإنسان يحتاج إلى مراقبة الله في فعله ، وفي قوله، وفي سريرته، وفي قلبه، حتى تتم له المراقبة، ولهذا لما سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
إن مراقبة الله عزوجل سبب للظل تحت عرش الر حمن يوم القيامة لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: سبعة يظلهم الله في ضله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه الحديث.
ولما قلت المراقبة لله عزوجل أصيب الناس بالفتن وابتلو بالمحن والمصائب والنكبات وضاقت بهم الصدور واشتدت عليهم الأمور كل ذلك لعدم مراقبة الله يقول الله عزوجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب } [الطلاق: 2، 3].
قال أبو حفص النيسابوري رحمه الله: إذا جلست للناس فكن واعظا لنفسك وقلبك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على بطنك ا.هـ
النصيحة الثالثة: التواضع وخفض الجناح
قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63 ]
قال الحافظ المفسر ابن كثير رحمه الله: هذه صفات عباد الله المؤمنين { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } أي: بسكينة ووقار من غير جَبَرية ولا استكبار، كما قال: { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا } [ الإسراء : 37]. فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح، ولا أشر ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعًا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صَبَب، وكأنما الأرض تطوى له.
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد"
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وفى الصحيحين عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.
وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( احْتَجّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَت النَّارُ : فيَّ الْجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ . وقالتِ الجَنَّةُ : فيَّ ضُعفاءُ الناس ومساكينُهُم ، فقضى اللهُ بَينهُما : إنكِ الجنّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِك مَنْ أشَاءُ ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا )) رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني عذبته"
وقال الشاعر:
كبر علينا وجبنا عن عدوكم لبئست الخلتان الكبر والجبن
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على الصبيان فيسلم عليهم وكانت الأمة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت. بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فهو أسوتنا وقدوتنا ومعلمنا عليه الصلاة والسلام.
النصيحة الرابعة: القناعة والزهادة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (2/24): ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الزهد.
قال الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}سورة [النحل:96].
وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)سورة الحديد(20-21) وقال تعالى :{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} وقال تعالى: { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا[الكهف:45-46 } [الكهف:45] . وقال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء:77] وقال تعالى: { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [الأعلى:16، 17]وقال: { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه: 131] وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} سورة الكهف (7-8) وقال تعالى: { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ* وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 33 ، 35 ] والقرآن مملوء من التزهيد فى الدنيا والإخبار بخستها وقلتها وانقطاعها وسرعة فنائها والترغيب فى الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها فإذا أراد الله بعبد خيرا أقام فى قلبه شاهدا يعاين به حقيقة الدنيا والآخرة ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار
وجاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ.
وفي صحيح مسلم من حديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ.
وفي صحيح مسلم عن المُسْتَوْرِدً رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ .
وقال الشيخ بكر بن عبد لله أبو زيد رحمه لله في الحلية (ص55 ) لا تسترسل في التنعم والرفاهية فإن البذاذة من الإيمان والبذاذة عدم التنعم والترفه فحذري فى لباسكي لأنه يعبر لغيركي عن تقويمكي في الإنتماء والتكوين والذوق ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن انتهى بتصرف.
وقال علي رضي الله عنه: الدنيا أولها عناء وآخرها فناء حلالها حساب وحرامها عقاب من صح فيها أمن ومن مرض فيها ندم ومن استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فتنته ومن فقد عنها أتته ومن نضر إليها أعمته ومن نضر بها بصرته.
وقال وهب بن منبه: مثل الدنيا والآخرة مثل ضرتين إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.
وسئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: إذا قامت المرأة بمأكولات كثيرة وجميلة لتسعد لزوجها هل هذا من زخرف الدنيا ومتاعها؟ فقال رحمه الله: لا بأس به إن شاء الله والزهد أفضل يقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) سورة المائدة (87-88) .
أما مسألة التحريم أولا يجوز فلا ينبغي أن نحرم شيئا أحله الله لهم قال الله تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ *} الآية [النحل : 116 ، 117]. لكن بدون إسراف ولا تبذير. ا.ه من الأجوبة على أسئلة نساء أهل تهامة.
النصيحة الخامسة: اختيار الجليسة الصالحة والبعد عن جليسة السوء:
قال الله تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28].
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
{ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.
{ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
{ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الآية. { وَكَانَ أَمْرُهُ } أي: مصالح دينه ودنياه { فُرُطًا } أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه انتهى
وفي الصحيحين من حديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: وفي الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لمسلم على هذا الحديث: وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الاخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر واهل البدع ومن يغتاب الناس او يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الانواع المذمومة.
وجلساء السوء لهم مضرات وتأثير على من جالسهم ففي الصحيحين من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه قَالَ:لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }،وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (2/79): هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة وأنزلت من منحة وعطلت من منحة وأحلت من رزية وأوقعت في بلية وهل آفة الناس إلا الناس وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضر من قرناء السوء لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد.
وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا وقضاء وطر بعضهم من بعض تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة ويعض المخلط عليها يديه ندما كما قال تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا } [الفرقان: 27-29].
وقال تعالى: { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67] وقال خليله إبراهيم لقومه: { إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت: 25] وهذا شأن كل مشتركين في غرض يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله فإذا انقطع ذلك الغرض أعقب ندامة وحزنا وألما وانقلبت تلك المودة بغضا ولعنة وذما من بعضهم لبعض لما انقلب ذلك الغرض حزنا وعذابا كما يشاهد في هذه الدار من أحوال المشتركين في خزيه إذا أخذوا وعوقبوا فكل متساعدين على باطل متوادين عليه: لا بد أن تنقلب مودتهما بغضا وعداوة.
والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة والأعياد انتهى
ولقد حث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على صحبة أهل الإيمان فقد روى أبو داود من حديث
أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - :قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ». أَخرجه أبو داود والترمذي وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (3/95).
النصيحة السادسة: أخذ الزاد ليوم المعاد:
قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) سورة البقرة (197).
قال العلامة السعدي رحمه الله: ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم، سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين، وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع.
وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.
ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ } أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي.
أختي هل استحضرتَ في نفسك اليوم الذي ستنقلبي إليه ؟
وهل فكرتَي في المصيرِ الذي أعدهُ الله جزاءً لما تعملتيه في حياتكي الدنيا ؟
وهل تعتقدي أن أفعالك ستوصلك إلى جنات النعيم أم إلى هاويةِ الجحيم ؟
أختي المسلمة : عليك أن تستعدَي ليومِ الرحيل في كل لحظةٍ من لحظات عمركي لكي تلقي اللهَ تعالى نقيةً خالصةً طاهرة من الذنوب والمعاصي ، ولتكونَي من السعداء في يومِ المعاد ، وتكونَي ممن أثنى عليهم ربهم من العباد .
فهذهِ بعض الإرشادات والتوجيهات لنا جميعا نتزود بأفضل الزادِ ليومِ المعاد، ولننتبه من الغفلة والرقاد .
فاتبعي أوامر الله سبحانه وتعالى ولا تغفلي عنها ، فلا تضيعي الفرائض من صلاة وزكاة وصيامٍ وحج واجتنبي كل مانهاكَ اللهُ عنه ، فابتعد عن كبائر الذنوب وصغائرها ، ولا تنظري إلى صغرِ المعصية ولكن انظري إلى عظمةِ من تعصين .
أخلصي النيةَ في جميع أعمالك ، ولا تشرك مع اللهِ أحدا أبداً حتى تكون أعمالك مقبولة بإذنه تعالى ، فإنما يتقبل الله من المتقين ، واحذري من أن تذهب أعمالك هباءً منثورا . قال تعالى: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاَءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف: 110] .
أكثري من التوبة والاستغفار في جميع أوقاتك ، ولا تغفلي عن ذكرالله ، وعليك أن تحافظَ على أذكار اليوم والليلة ، والأذكار التي بعد الصلوات ، وأكثري من التضرع إلى الله تعالى بالدعاء .
واظبي على النوافل ولا تفرّطي فيها ، فكلما تقرب الإنسان إلى الله تعالى بالنوافل فإن الله تعالى يحبه ويوفقه في حياته الدنيا والأخرة .
وعليك أن تربي أولادك على طاعة الله سبحانه والسير في هداه ، وعلى اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدعو لك هذا الولد، في حياتك وبعد مماتك .
والحاصل أنه يجب علينا أن نؤدي فرائضنا وواجباتنا على أحسن وجه مما يرضي ربنا سبحانه وتعالى ، وعلينا أن نتذكر دائماً اليوم الذي سوف نحاسب فيه على كل صغيرةٍ وكبيرة ..
ذلك اليوم ليس فيه إلا الحسنات والسيئات قال الله :{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ] [الأنبياء: 47].
وقال تعالى: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف : 49] . وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [المنافقون: 9] وأمر النبي صلى الله وعليه وسلم بتذكر ذلك لما فيه من الفائدة العظيمة لقوله: أكثروا ذكر هاذم اللذات فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه ) رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (3/164).
وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.
وفي الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن أعرابيا قال : يا رسول الله من خير الناس ؟ قال: من طال عمره وحسن عمله.
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول: وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. أخرجه النسائي وغيره من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
ولما حث النبى صلى الله عليه وسلم على الصدقة قال عمر بن الخطاب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت: مثله وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبدا.
وهكذا كانوا يرغبون إلى الله بكل قليل وكثير وبما يقربهم إلى الله عالمين مستيقنين بأن الموت آت لا محالة، كما قال ربنا في كتابه الكريم: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون } [الأنبياء: 34] ألا فالحرص الحرص على التزود للقاء الله رب العالمين.
النصيحة السابعة: الابتعاد عن مجالس الغيبة والنميمة
وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم ذلك،
أما الغيبة فهي حرام بالاجماع وهي كبيرة من كبائر الذنوب يقول الله عزوجل: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) سورة الحجرات (12)
والغيبة بينها النبي صلى الله وسلم كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بقوله: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ.
وقال تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) الحجرات(12).
وقال جل وعلا:( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) سورة النور(24-25).
وقال الله تعالى:( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18].
وفي الصحيحين من حديثْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص يقول: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي المسلمين خير ؟ قال: : من سلم المسلمون من لسانه ويده.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ.
فالنجاة النجاة بحفظ اللسان ولزوم الصمت إلا من خير فإن الصمت يكسبك وقارا وبهاء وكمالا وقد كان نبينا صلى الله وعليه وسلم طويل الصمت .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه رواه أحمد وابن أبي الدنيا في الصمت وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (2/343).
وأما النميمة أيضا فهي من كبائر الذنوب:
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: قال العلماء النميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الافساد بينهم.
قال الإمام البخاري رحمه الله: بَاب النَّمِيمَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ،
ثم ذكر رحمه الله حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ: يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ: يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
ثم ذكر بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ النَّمِيمَةِ وَقَوْلِهِ تعالى:
{ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }.
{ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } .
ثم ذكر حديث حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ورواه مسلم أيضا.
وروى مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا.
فنسأل الله أن يعيذنا من شرور أنفسنا وألسنتنا إنه جواد كريم.
النصيحة الثامنة:الابتعاد عن الظلم:
والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه الشرعي كما في فتح الباري للحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرح أول كتاب المظالم (5/) من طبعة دار السلام.
قال الله تعالى: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب } [ إبراهيم : 42 -44 ].
وقال تعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء: 227] .
وقَالَ الله تَعَالَى : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر :18 ]
وَقالَ تَعَالَى : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ } [ الحج :71 ] . وروى مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يرويه عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ...الحديث.
وعن جابر - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اتَّقُوا الظُّلْمَ ؛ فَإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ . وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ . حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ )) رواه مسلم .
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أهْلِهَا يَومَ القِيَامَةِ ، حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ )) رواه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الوَدَاعِ ، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أظْهُرِنَا ، وَلا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَدَاعِ حَتَّى حَمِدَ اللهَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَأثْنَى عَلَيهِ ثُمَّ ذَكَرَ المَسْيحَ الدَّجَّال فَأطْنَبَ في ذِكْرِهِ ، وَقَالَ : (( مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبيٍّ إلاَّ أنْذَرَهُ أُمَّتَهُ أنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَإِنَّهُ إنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ فَما خَفِيَ عَليْكُمْ مِنْ شَأنِه فَلَيْسَ يَخْفَى عَليْكُم ، إنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأعْوَرَ وإنَّهُ أعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى ، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ . ألا إنَّ الله حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءكُمْ وَأمْوَالَكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، في بلدكم هذا ، في شَهْرِكُمْ هَذَا ، ألا هَلْ بَلّغْتُ ؟ )) قالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ اشْهَدْ )) ثلاثاً (( وَيْلَكُمْ - أَوْ وَيْحَكُمْ - ، انْظُروا : لا تَرْجعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) رواه البخاري ، وروى مسلم بعضه .
وعن عائشة رضي الله عنها : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ ظَلَمَ قيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ ، طُوِّقَهُ مِنْ سبْعِ أرَضينَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإِذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ )) ، ثُمَّ قَرَأَ : { وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ له: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيه ، مِنْ عِرضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قبْلَ أنْ لاَ يَكُونَ دِينَار وَلاَ دِرْهَمٌ ؛ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ )) رواه البخاري .
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
وفي الصحيحين من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
إن عقوبة الظالم لتعجل في الدنيا لصاحبها مع ما يدخر له في الآخرة من النكال الشديد والعذاب الأليم وذهاب الحسنات. فقد روى مسلم في صحيحه من طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ
قَالَ لَهُ مَرْوَانُ لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا قَالَ فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ .
هكذا عاقبة الظالمين في الدنيا قبل الآخرة نسأل الله السلامة والعافية، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء 227] .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
النصيحة التاسعة: القيام بالحقوق الزوجية:
فإن الزواج رباط مقدس وميثاق غليظ تتوق إليه الفطرة القويمة فتحصل الراحة والمودة والرحمة فإذا قام كل من الزوجين بواجبه على أحسن وجه حلت السعادة الزوجية والسعادة كل السعادة في إتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح رضي الله عنهم .
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70). وقال تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97].
فمن حقوق المرأة على زوجها:
الأول: أن تشكر له بعد شكر الله ولا تكفره ولا تنكر معروفه، وذلك لما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ...الحديث.
الثانية: أن تقر في بيتها فلا تخرج إلا بإذنه أو للضرورة قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) سورة الأحزاب(33).
و قد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع ألفتاوى (ج 32 ص281): عن امرأة متزوجة برجل، ولها أقارب كلما أرادت أن تزورهم أخذت الفراش، وتقعد عندهم عشرة أيام وأكثر، وقد قربت ولادتها، ومتى ولدت عندهم لم يمكن أن تجيء إلى بيتها إلا بعد أيام، ويبقى الزوج بردان فهل يجوز لهم أن يخلوها تلد عندهم ؟
فأجاب :لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا يحل لأحد أن يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً، أو لكونها قابلة، أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية للّه ورسوله، ومستحقة للعقوبة انتهى.
الثالثة: ألا تأذن لأحد أن يدخل بيته إلا بإذنه وذلك لما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُون.
قال ابن حجر نقلا عن النووي رحمه الله: وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها ا.هـ كلا مه رحمه الله من فتح الباري( ص4 ج403)
الرا بع: ألا تصوم صيام التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه وذلك لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُ.
الخامسة: أن تجيبه إذا دعاها إلى فراشه وذلك لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ.
السادسة: ألا تنفق من ما له إلا بإذنه لما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا.
السابعة: أن تحسن معاملة والديه وأقاربه.
الثامنة: ألا تفعل ما يغضبه مما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
التاسعة: أن تحرص على ا لحياة معه فلا تطلب الطلاق من غير سبب شرعي وذلك لما رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .
قال الشيخ الألباني رحمه الله: صحيح.
العاشر: أن تحد على زوجها إذا مات أربعة أشهر وعشرا،
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع(13/393):
الإحداد في الشرع: هو أن تمتنع المرأة عن كل ما يدعو إلى جماعها، ويرغب في النظر إليها، كثياب الزينة والحلي والتجمل بالكحل، وتحسين الوجه بالمكياج أو غيره.
والإحداد منه واجب، ومنه جائز، ومنه ممنوع، فالواجب على المتوفى عنها، والجائز على من مات له صديق أو قريب لمدة ثلاثة أيام، والممنوع ما زاد على ذلك؛ كأربعة أيام أو خمسة أو أكثر انتهى
وقال الله تعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة البقرة(234).
قال العلامة السعدي رحمه الله: أي: إذا توفي الزوج، مكثت زوجته، متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا، والحكمة في ذلك، ليتبين الحمل في مدة الأربعة، ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس، وهذا العام مخصوص بالحوامل، فإن عدتهن بوضع الحمل، وكذلك الأمة، عدتها على النصف من عدة الحرة، شهران وخمسة أيام.
وقوله: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: انقضت عدتهن { فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } أي: من مراجعتها للزينة والطيب، { بِالْمَعْرُوفِ } أي: على وجه غير محرم ولا مكروه.
وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة، على المتوفى عنها زوجها، دون غيرها من المطلقات والمفارقات، وهو مجمع عليه بين العلماء.
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي: عالم بأعمالكم، ظاهرها وباطنها، جليلها وخفيها، فمجازيكم عليها. انتهى
وفي الصحيحين عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. هذه بعض حقوق المرأة لزوجها على ضوء الكتاب الله والسنة، ونسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.
النصيحة العاشرة: عدم الخروج من البيت إلا للضرورة
لقول الله عزوجل: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) سورة الأحزاب (33) .
قال العلامة السعدي رحمه الله: في تفسيره في تفسير هذه الآية: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ، { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى } أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه.
ولما أمرهن بالتقوى عمومًا، وبجزئيات من التقوى، نص عليها لحاجة النساء إليها، كذلك أمرهن بالطاعة، خصوصًا الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما، ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات، وفي الصلاة، الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة، الإحسان إلى العبيد.
انتهى كلام السعدي رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فأفضل مكان للمرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك فلتخرج كما أمر ها النبي صلى عليه وسلم تفلة أي: غير متطيبة ولا متبرجة ولا يجوز لأحد أن يمكن أهله من ذلك أبدا وعليه أن يتفقدهم سواء كانت الزوجة أوالبنت أو الأخت أو الأم وغير ذلك، ولا يجو ز لأحد أن يمكن أهله من الخروج على غير الوجه الشرعي ا.هـ كلامه رحمه الله.
وقال رحمه الله: وعلى المرأة المسلمة أن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة لا بد منها ولكن غير متطيبة ولا متبرجة وبدون مشية خيلاء ، وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد ، وعلينا نحن معشر المسلمين أن لا نتخذ طرق أعداء الله من يهود ونصارى وغيرهم فإن الأمر عظيم . انتهى من مجموعة أسئلة تهم المرأة المسلمة.
وسئل رحمه الله كما في اللقاء الشهري: ما هي حدود وضوابط خروج المرأة من أجل زيارتها إلى قريباتها؟
فقال: زيارة المرأة أقاربها، فكلما قرت المرأة في بيتها فهو أفضل، والآن ولله الحمد يمكن للإنسان الزيارة بسهولة وهو في بيته، وذلك بواسطة الهاتف، فممكن أن يتصل الإنسان على أقاربه في اليوم مرتين، لكن إذا دعت الحاجة إلى الزيارة بالبدن مثل أن تزور قريباً لها أصابه المرض، أو ما أشبه ذلك مما تدعو الحاجة إلى زيارته فلتزره ولتكن غير متبرجة بزينة ولا متطيبة، وأن تمشي مشية المرأة المستحية البعيدة عن مظاهر الفتنة انتهى بتصرف.
النصيحة الحادية عشر: اغتنام الصحة والفراغ في طاعة الله عز وجل
وذلك لما رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ.
قال ابن بطال رحمه الله :معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكْفّيِاً صحيح البدن, فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه, ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه, فمن فرط في ذلك فهو المغبون ا.هـ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ : اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ "رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما،وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب.
والوقت إذا ما مضى فإنه لا يعود ولا يمكن تعويضه وكما قيل : الوقت كالسيف،إن لم تقطعه قطعك.
وقد روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه)
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه……وأراه أسهل ما عليك يضيع قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : (أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه).
لأن الدينار والدرهم يمكن تعويضه، أما العمر فلا يمكن تعويضه. وقال بعض السلف:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا……ولم اقتبس علماً فما هو من عمري
وقيل لكرز بن وبرة: اجلس معنا، وكان من العباد رحمه الله تعالى فماذا قال؟ قال: امسك الشمس أجلس معك، يعني إذا توقفت الشمس وتوقف الوقت جلست معك.
النصيحة الثانية عشر: التحلي بالأخلاق العالية كالصدق والأمانة والتواضع .
أما الصدق فقال الله عزوجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
[ التوبة : 119 ].
وَقالَ تَعَالَى : { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ } [ الأحزاب : 35 ].
وَقالَ تَعَالَى : { فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ } [ محمد :21 ] .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم قَالَ : إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ، قَالَ : حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ) رواه الترمذي وَقالَ : حديث صحيح . وصححه الشيخ الألباني وشيخنا مقبل الوادعي رحمهما الله.
وقوله : يَريبُكَ هُوَ بفتح الياء وضمها: ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ .
وعن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ - رضي الله عنه - في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ يعني : النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أبو سفيانَ: قُلْتُ :يقولُ : اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ،
ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ ، وَالصِّدْقِ ، والعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ قال القرطبي : حق على كل من فهم عن الله أن يلازم الصدق في الأقوال ، والإخلاص في الأعمال ، والصفاء في الأحوال . فمن كان كذلك لحق بالأبرار ، ووصل إلى رضاء الغفار . وقد أرشد تعالى إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) [ التوبة انتهى بتصرف من تفسير القرطبي (8/289).
الصدق من أشرف مكارم الأخلاق ، وهو محبوب عند الخالق والمخلوق فنسأل الله أن يوفقنا لذلك.
قال الشاعر كما في الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي رحمه الله (1/266):
الصدق حلو وَهو المر * والصدق لا يتركه الحر
جوهرة الصدق لها زينة * يحسدها الياقوت والدر
وأما الأمانة: فقَالَ الله تَعَالَى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ النساء : 58].
وَقالَ تَعَالَى:{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] .
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم قَالَ آية المُنافقِ ثلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية: وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ .
وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه قَالَ: حدثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - حدِيثَينِ قَدْ رأيْتُ أحَدَهُمَا وأنا أنتظرُ الآخر : حدثنا أن الأمانة نَزلت في جَذرِ قلوبِ الرجال ، ثُمَّ نزل القرآن فعلموا مِنَ القرآن ، وعلِموا من السنةِ ، ثُمَّ حدّثنا عن رفع الأمانة فَقَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ الوَكْتِ ، ثُمَّ يَنَامُ النَّومَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبهِ ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ أَثَرِ المَجْلِ ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ ، فَتَرَاهُ مُنْتَبراً وَلَيسَ فِيهِ شَيءٌ ثُمَّ أخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايعُونَ ، فَلا يَكَادُ أحدٌ يُؤَدّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ : إنَّ في بَني فُلان رَجُلاً أميناً ، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ : مَا أجْلَدَهُ ! مَا أَظْرَفَهُ ! مَا أعْقَلَهُ ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّة مِن خَرْدَل مِنْ إيمَان وَلَقدْ أتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أيُّكُمْ بَايَعْتُ : لَئن كَانَ مُسْلِماً لَيَرُدَّنَّهُ عليَّ دِينهُ ، وَإنْ كَانَ نَصْرانِيّاً أَوْ يَهُودِياً لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ ، وَأَمَّا اليَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايعُ مِنْكُمْ إلاَّ فُلاناً وَفُلاناً مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وأما التواضع:فقَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } [ المائدة : 54 ].
وقال تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 12 ].
وقال تَعَالَى : { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ النجم : 32 ].
وقال تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عنكم جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 48-49 ] .
وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ - رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ رواه مسلم .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين عند شرح باب التواضع: يعني أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف رحمهم الله، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين انتهى
وقال العظيم آبادي في عون المعبود (13/163):
قال العزيزي: التواضع الاستسلام للحق وترك الإعراض عن الحكم من الحاكم وقيل هو خفض الجناح للخلق ولين الجانب، وقيل قبول الحق ممن كان كبيرا أو صغيرا شريفا أو وضيعا حتى لا يبغي بكسر الغين أي: لا يظلم ( ولا يفخر ) بفتح الخاء والفخر ادعاء العظمة والكبرياء والشرف ا.هـ
وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم : مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ رواه مسلم.
وعن أنس - رضي الله عنه : أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وقال: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يفعله . متفقٌ عَلَيْهِ
النصيحة الثالثة عشر: البعد عن الصفات الذميمة كالكذب والخيانة والمكر والغش والاحتيال والبغي وغير ذلك
قَالَ الله تَعَالَى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] .
وقال تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَولٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] .
وتقدم حديث ابن مسعود في الصحيحين
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا أؤْتُمِنَ خانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر متفق عَلَيْهِ .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ ، كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْن وَلَنْ يَفْعَلَ ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَديثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بنافِخٍ )) . رواه البخاري .
تَحَلم: أيْ قَالَ إنَّه حلم في نومه ورأى كذا وكذا ، وَهُوَ كاذب .
والآنك بالمدّ وضم النون وتخفيف الكاف : وَهُوَ الرَّصَاصُ المذاب .
وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاةٍ : إنَّهُ أَتَانِيَ اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وإنَّهُمَا قَالا لِي : انْطَلِقْ ، وإنِّي انْطَلَقتُ مَعَهُمَا ، وإنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأسَهُ ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا ، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأخُذُهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأسُهُ كَما كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأوْلَى ! قَالَ: قُلْتُ لهما : سُبْحانَ اللهِ ! مَا هَذَان ؟ قَالا لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَديدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأتِي أحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ومِنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجانبِ الآخَرِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بالجَانِبِ الأوَّلِ ، فَمَا يَفْرَغُ مِنْ ذَلِكَ الجانبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجانبُ كما كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي المرَّةِ الأُوْلَى قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ! مَا هذانِ ؟ قالا لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَأَحْسِبُ أنَّهُ قَالَ : فإذا فِيهِ لَغَطٌ ، وأصْواتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فإذا فِيهِ رِجَالٌ وَنِساءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأتِيِهمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ ، فإذا أتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا . قُلْتُ : مَا هَؤلاءِ ؟ قَالا لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ )) حَسِبْتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ : أَحْمَرُ مِثْلُ الدَّمِ ، وَإِذَا في النَّهْرِ رَجُلٌ سابحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كثيرةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابحُ يَسْبَحُ ، مَا يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَأتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ ، فَيَفْغَرُ لَهُ فاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَراً، فَينْطَلِقُ فَيَسْبَحُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ ، فَغَرَ لَهُ فَاهُ ، فَألْقَمَهُ حَجَراً ، قُلْتُ لهُما : مَا هذانِ ؟ قالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَريهِ المرْآةِ ، أَوْ كَأكْرَهِ مَا أنتَ رَاءٍ رجُلاً مَرْأىً ، فإذا هُوَ عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا . قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَذَا ؟ قالاَ لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولاً في السَّماءِ ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلدانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ ، قُلْتُ : مَا هَذَا ؟ وَمَا هؤلاءِ ؟ قالا لي : انْطَلقِ انْطَلقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا إِلَى دَوْحَةٍ عَظيمةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أعْظمَ مِنْهَا ، وَلاَ أحْسَنَ ! قالا لي : ارْقَ فِيهَا ، فارْتَقَيْنَا فِيهَا إِلَى مَدينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبنٍ ذَهَبٍ وَلَبنٍ فِضَّةٍ ، فَأَتَيْنَا بَابَ المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا ، فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاها ، فَتَلَقَّانَا رِجالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كأَحْسَنِ مَا أنت راءٍ ! وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كأقْبَحِ مَا أنتَ راءٍ ! قالا لَهُمْ : اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهْرِ ، وَإِذَا هُوَ نَهْرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كأنَّ ماءهُ المَحْضُ في البَيَاضِ ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ . ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، فَصَارُوا في أحْسَنِ صُورَةٍ )) قَالَ : (( قالا لِي : هذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وهذاك مَنْزِلُكَ ، فسَمَا بَصَري صُعُداً ، فإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيضاءِ ، قالا لي : هذاكَ مَنْزلكَ ؟ قلتُ لهما : باركَ اللهُ فيكُما ، فذَراني فأدخُلَه . قالا لي : أمَّا الآنَ فَلاَ ، وأنتَ دَاخِلُهُ ، قُلْتُ لَهُمَا : فَإنِّي رَأيتُ مُنْذُ اللَّيْلَة عَجَباً ؟ فما هَذَا الَّذِي رأيتُ ؟ قالا لي : أمَا إنَّا سَنُخْبِرُكَ : أَمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأسُهُ بالحَجَرِ ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ ، ويَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ . وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، ومِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكِذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ . وأمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُراةُ الَّذِينَ هُمْ في مثْلِ بناءِ التَّنُّورِ ، فَإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّواني ، وأما الرجلُ الذي أتيتَ عَليهِ يَسْبَحُ في النهرِ ، ويلقم الحجارةَ ، فإنَّهُ آكلُ الربا ، وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ المرآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ، فإنَّهُ مالكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ ، وأمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ ، فإنَّهُ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، وأمَّا الولدان الَّذِينَ حَوْلَهُ ، فكلُّ مَوْلُودٍ ماتَ عَلَى الفِطْرَةِ وفي رواية البَرْقانِيِّ : ( وُلِدَ عَلَى الفِطْرَةِ ) فَقَالَ بعض المُسلمينَ : يَا رسولَ الله ، وأولادُ المُشركينَ فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : وأولادُ المشركينَ ، وأما القومُ الذينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ ، وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبيحٌ ، فإنَّهُمْ قَومٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً ، تَجاوَزَ الله عنهم )) . رواه البخاري .
الشاهد من الحديث: وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، ومِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكِذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ . ففيه بيان عقوبة الكذاب وخطر الكذب نسأل الله السلامة والعافية.
و على المرأة المسلمة أن تجتنب الخيانة لقول الله عزوجل :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) سورة الأنفال (27-28) .
قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا فمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة،ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده، فربما حمله محبة ذلك على تقديم هوى نفسه على أداء أمانته، أخبر اللّه تعالى أن الأموال والأولاد فتنة يبتلي اللّه بهما عباده، وأنها عارية ستؤدى لمن أعطاها، وترد لمن استودعها { وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
فإن كان لكم عقل ورَأْيٌ، فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة، فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم. انتهى كلام السعدي رحمه الله
وروى أَبُو داود بإسناد صحيح عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ ، فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ، وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ . وقد صحح الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (3/88).
وعلى المرأة الصالحة أن تجتنب المكر فإنه من صفات الكفار والمنافقين قال الله تعالى):وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) سورة الأنفال (30) وقال تعالى:( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) (سورة فاطر(43) فمن مكرت أوغشت أو احتالت أو بغىت أو اعتدىت فعلى نفسها يقول الله عزوجل:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة يونس (23)
وعلى المرأة الصالحة أن تجتنب السخرية والاستهزاء بالمؤمنات الصالحات قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ سورة الحجرات (11) }وتجتنب المرأة كل الصفات الذميمة التي هي من صفات المنافقين فالواجب البعد عنها والحذر والتحذير منها،
وجامع هذه النصيحة كلها لهو اشغال النفس بالعلم النافع والعمل الصالح، فالعلم هو أفضل مطلوب وخير موهوب والعلم الشرعي خير كله كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى، والأدلة كثيرة في فضله وفي فضل طلبه قال الله عزوجل آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم
{ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } [ طه : 114 ].
قال ابن كثير رحمه الله: أي: زدني منك علمًا.
قال ابن عُيَيْنَة، رحمه الله: ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة من العلم حتى توفاه الله عز وجل. وقال العلامة السعدي رحمه الله: ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم فإن العلم خير وكثرة الخير مطلوبة وهي من الله والطريق إليها الاجتهاد والشوق للعلم وسؤال الله والاستعانة به والافتقار إليه في كل وقت
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة الأدب في تلقي العلم وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم فإنه سبب للحرمان وكذلك المسئول ينبغي له أن يستملي سؤال السائل ويعرف المقصود منه قبل الجواب فإن ذلك سبب لإصابة الصواب انتهى
والعلم الشرعي من أساب الرفعة في الدنيا والآخرة قال الله عزوجل:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة المجادلة (11).
وروى مسلم من حديث عمر رضي الله عنه: قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.
والعلم الشرعي سبب للخيرية ففي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ.
والعلم الشرعي من أسباب دخول الجنة ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
فالحرص الحرص على العلم فإنه دليل العبادة والهداية والاستقامة والبعد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن وفقني الله وإياكن لما يحبه ويرضى، وجنبنا ما يكرهه ويأبى.
وكان الفراغ من كتابة هذه النصائح في /5/ جماد آخر/ 1434هـ الإثنين/ وكان الفراغ من الزيادة عليها في 18/ رجب/1434هـ الثلاثاء/ وذلك في دار الحديث السلفية بالبيضاء/ مسجد علي بن أبي طالب/ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وسبحانك وبحمدك لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبته/ أم عبدالرحمن العدينية الوصابية/
أشرف على الرسالة وراجعها أبو عبدالرحمن/ ردمان بن أحمد بن علي الحبيشي
تعليق