مسألة الغسل للمستحاضة إذا انقضى زمن الحيض
يجب الغسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض، وإن كان الدم جاريًا لما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لفاطمة: «فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلى».
قال النووي: وهذا مجمع عليه. وقال: إذا أرادت المستحاضة الصلاة فإنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث فتغسل فرجها قبل الوضوء والتيمم إن كانت تيمم وتحشوا فرجها بقطنة أو خرقة .. «شرح مسلم» (333).
مسألة طهارة المستحاضة الوضوء إذا أرادت الصلاة
قال النووي: مذهبنا أن طهارة المستحاضة الوضوء، ولا يجب عليها الغسل لشيء من الصلوات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال جمهور السلف والخلف، وهو مروي عن علي وابن عباس وابن مسعود وعائشة، وبه قال عروة بن الزبير وأبوسلمة بن عبدالرحمن وأبوحنيفة ومالك وأحمد ...
ودليلنا أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع به، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع الحيض، وهو قوله: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» أخرجه البخاري (228) ومسلم (333).
وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل، وأما الأحاديث الواردة في «سنن أبي داود» والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها.
وإنما صح في هذا ما رواه البخاري (327) ومسلم (334) أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي»، فكانت تغتسل لكل صلاة.
قال الشافعي: إنما أمرها رسول الله أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، قال: ولا أشك أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به، وذلك واسع لها، وهكذا قال سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهم.
«المجموع» (1/535)، و«المغني» (1/438)، و«التمهيد» (2/441).
مسألة لا يلزمها الوضوء لكل صلاة إذا لم تنقض الطهارة بناقض آخر
ذهب الشافعي وأبوثور وأصحاب الرأي وأحمد إلى وجوب وضوئها لكل صلاة واستدلوا بما روي أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرهن أن يتوضأن لكل صلاة.
وذهب عكرمة وربيعة وأيوب ومالك إلى عدم وجوب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر ذلك لفاطمة بينت أبي حبيش، وإنما قال لها: «اغتسلي وصلي».
فلم يأمرها بالوضوء، ولأنه خارج منها قبل الوضوء وبعد الوضوء، وفي الصلاة، فكيف نقول: غير ناقض حال الوضوء وفي الحال الصلاة، وبعد الصلاة ناقض والدم واحد.
وهذا هو الراجح أن الوضوء للمستحاضة مستحب غير واجب ما لم تحدث بغير الاستحاضة، لعدم ورود الدليل في ذلك.
وإنما قلنا بالاستحباب لمزيد التنظيف، قال ابن عبدالبر: وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة وفي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد والوضوء لكل صلاة على المستحاضة فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة، وبنحوه قال الشوكاني في «السيل».
تنبيه:
قال الشوكاني: وأما الحكم عليها بأنه ينتقض وضوءها بدخول كل وقت اختيار أو مشاركة فمن التساهل في إثبات الأحكام الشرعية لمجرد الخيالات والآراء المعتلة.
«المجموع» (2/535)، و«التمهيد» (2/443)، و«المغني» (1/448)، و«السيل» (1/149-150).
مسألة إذا توضأت المستحاضة ثم انقطع دمها
إذا توضأت المستحاضة ثم انقطع دمها، فإن تبين انقطاع الدم لبرئها باتصال الانقطاع فوضوؤها باطل؛ لأن الحدث الخارج مبطل للطهارة عفي عنه للعذر، فإذا زال العذر زالت الضرورة فظهر حكم الحدث.
وإن عاد الدم فلا تبطل طهارتها لأن اعتبار هذا يشق، والعادة في المستحاضة وأصحاب هذه الأعذار أن الخارج يجري وينقطع، واعتبار مقدار للانقطاع فيما يمكن فِعْل العبادة فيه يشق، وإيجاب الوضوء به حرج لم يرد الشرع به، ولا سأل الرسول عنه المستحاضة التي استفتته فيدل ذلك ظاهرًا على عدم اعتباره مع قول الله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج:78].
وهذه لم يزل عذرها أو تبرأ من مرضها أو تحدث حدثًا سوى حدثها، وهو مذهب الشافعي في رواية عنه وأحمد، ورجحه ابن قدامة.
«المغني» (1/425-426)، و«المجموع» (2/538-540).
تعليق