أسئلة من ام سلمة رضي الله عنها وأجوبة من رسول الله حول نساء اهل الجنة
قال الطبراني : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا عمر بن هاشم البروي ، حدثنا سليمان بن أبي
كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أبيه ، عن أم سلمة : قالت : قلت يا رسول الله :
أخبرني عن قول الله : " حور عين " . فقال : حور عين : ضخام العيون أشفار الحور بمنزلة
جناح النسر . قلت : أخبرني عن قوله : " كأمثال اللؤلؤ المكنون " . قال : صفاء من صفاء الدر
الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي . قلت : يا رسول الله : أخبرني عن قوله : فيهن خيرات
حسان . قال : خيرات الأخلاق حسان الوجوه . قلت : يا رسول الله : أخبرني عن قوله : كأنهن
بيض مكنون . قال : رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القصرة وهو آخر
الغرقى . قلت : يا رسول الله : أخبرني عن قوله : عربا أترابا . قال : هن اللواتي قد صرن فى دار
الدنيا عجائز رمصا شمطا يصرن في الجنة متعشقات متحببات ، أترابا على ميلاد واحد . قلت : يا
رسول الله : أخبرني نساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال : بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين
كفضل الظهارة على البطانة . قلت : يا رسول الله ، بماذا؟ قال : بصلاتهن وصيامهن ، وعبادتهن الله
، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلى ،
مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا
، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كان لنا وكنا له .
قلت : يا رسول الله : المرأة منا تتزوج الزوجين ، والثلاثة ، والأربعة ، فتموت ، فتدخل الجنة ،
ويدخلون معها ، من يكون زوجها؟ قال : يا أم سلمة ، إنها تخير ، فتختار أحسنهم خلقا ، فتقول : يا
رب : إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه ، يا أم سلمة : ذهب حسن الخلق بخير
الدنيا والآخرة .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسعدة بن اليسع ، حدثنا سعيد بن أبي
عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته
عجوز من الأنصار فقالت : يا رسول الله : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : إن الجنة لا يدخلها
عجوز ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع إلى عائشة ، فقالت لقيت من كلمتك
مشقة وشدة ، فقال : إن ذلك كذلك ، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا . .
وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة قال : " فيدخل الرجل منهم على اثنتين
وسبعين زوجة مما ينشىء الله ، واثنتين من ولد آدم ، لهما فضل على من يشاء الله تعالى ،
لعبادتهما الله تعالى في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب
مكلل باللؤلؤ ، فيه سبعون درجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من
صدرها من وراء ثيابها ولحمها وجلدها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظرأحدكم إلى السلك من
الفضة في الياقوت ،فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، ألا إن لك أزواجا
غيرها ، فيخرج ، فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : " والله ما في الجنة شيء أحسن
منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك " ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت ، وستأتي
إن شاء الله تعالى وبه الثقة ، وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد : من حديث شعيب الضرير ، عن
شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " وإن له من الحور العين
لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض
وقال حرملة : عن ابن وهب ، حدثنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه : عن أبي الهيثم ، عن أبي
سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أدنى أهل الجنة منزلة ، الذي له ثمانون ألف خادم
، واثنتان وسبعون زوجة ، تنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد ، وياقوت ، كما بين الجابية وصنعاء " .
وأسنده أحمد : عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن دراج به .
ورواه الترمذي : عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن رشدين ، عن عمرو بن الحارث ،
فذكر بإسناده نحوه .
وقال محمد بن جعفر الفريابي : حدثنا أبو أيوب ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا خالد بن
يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " ما من عبد يدخل الجنة إلا ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة اثنتين من الحور العين
وسبعين من أهل زمانه من أهل الدنيا " .
وهذا حديث غريب جدا ، والمحفوظ مما تقدم خلافه ، وهو أن الاثنتين من بنات آدم ، والسبعين من
الحور العين ، والله أعلم .
وراويه خالد بن يزيد بن أبي مالك هذا تكلم فيه الإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، وغيرهما ، ومثله قد
يغلط ولا يتيقن .
وروى أحمد والترمذي ، وصححه ، وابن ماجه : من حديث مجالد بن سعيد ، عن خالد بن معدان ،
عن المقدام بن معدي كرب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشهيد عند الله ست
خصال ، يغفر الله له عند أول قطرة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويجار
من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من
الدنيا وما فيها ، ويتزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من
أقاربه " .
فأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه : حدثني عمرو الناقد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعا
، عن ابن علية ، - واللفظ ليعقوب- قال : حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب بن محمد ، قال : إما
تفاخروا وإما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة : أو لم يقل أبو القاسم صلى
الله عليه وسلم : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ
كوكب دري في السماء ، لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما
في الجنة أعزب " .
وفي الصحيحين : من رواية همام ، عن أبي هريرة ، نحوه .
فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم ، ومعهما من الحور العين ما شاء الله عز وجل ، كما تقدم
تفصيل ذلك آنفا ، والله أعلم .
وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي
هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ،
على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما " .
وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في الصحيحين : " واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .
إذ قد يكن أكثر أهل الجنة ، وأكثر أهل النار ، أو قد يكن أكثر أهل النار ، ثم يخرج من يخرج منهن
بالشفاعات . فيصرن إلى الجنة ، حتى يكثر أهلها ، والله أعلم .
وفي حديث دراج عن الهيثم ، عن أبي سعيد ، مرفوعا : " إن الرجل في الجنة ليتكىء سبعين سنة
قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، و إن
أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه فيرد السلام ، ويسألها من أنت؟
فتقول : أنا من المزيد ، و إنه ليكون عليها سبعون ثوبا ، أدناها مثل النعمان ، فينفذها بصره حتى
يرى مخ ساقها من وراء ذلك " . رواه أحمد في المسند .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد ، عن أنس ، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس
أحدكم أو موضع قده- يعني سوطه- من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء
أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من
الدنيا وما فيها " .
ورواه البخاري : من حديث إسماعيل بن جعفر ، وأبي إسحاق ، كلاهما عن حميد ، عن أنس ، بمثله
، وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة . وعند البخاري : " ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت
إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما
فيها " .
قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا سعيد بن أبزى ، عن عبد الملك الجوني ،
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض
لافتتن الخلائق بحسنها ، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس ، لا
ضوء لها ، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض " .
وذكر ابن وهب : عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة
من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف الصورة؟
وما خلق الله شيئا يلبسه لابس هو أمثل مما عليها من الثياب والحلى " .
وقال أبو هريرة : إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء ، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف
، وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر؟ " أوردهما القرطبي .
وقال القرطبي : حدثنا أحمد بن رشدين ، حدثنا الحسن بن هارون الأنصاري ، حدثنا الليث ابن بنت
الليث بن أبي سليم ، عن مجاهد بن أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الحور
العين من الزعفران " . هذا حديث غريب . وروي هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين
.
وفي مراسيل عكرمة : " إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا ، يقلن اللهم أعنه على
دينك ، وأقبل بقلبه على طاعتك ، وبلغه إلينا بعزتك ، يا أرحم الراحمين " .
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث كثير بن مرة ، عن معاذ ، مرفوعا ، " لا تؤذي امرأة زوجها في
الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : قاتلك الله : إنما هو دخيل ، يوشك أن يفارقك إلينا " .
وهذا ما ورد من غناء الحور العين في الجنة :
روى الترمذي : وغيره من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مجتمعا للحور العين ، يرفعن أصواتا لم تسمع
الخلائق بمثلها ، يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا
نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له " .
قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، والحسن ، وحديث علي غريب .
وروى ابن أبي ذؤيب ، عن عون بن الخطاب ، عن عبد الله بن رافع ، عن ابن أنس بن مالك ، عن
أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن
أصوات سمعها أحد قط ، وإن مما يغنين : نحن الخالدات فلا نموت ، نحن الآمنات فلا نخاف ، نحن
المقيمات فلا نظعن " .
وقال الليث بن سعد : عن يزيد بن أبي حبيب ،عن الوليد بن عبدة ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لجبريل : " قف بي على الحور العين ، فأوقفه عليهن ، فقال : من أنتن؟ قلن : نحن
جواري قوم حلوا فلم يظعنوا ، وشبوا فلم يهرموا ، واتقوا فلم يذنبوا " .
وقال القرطبي بعد ما أورد الحديث المتقدم في غناء الحور العين ، إذا قلن هذه المقالة أجابهن
المؤمنات من نساء أهل الدنيا . " نحن المصليات وما صليتن ، ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن
المتوضئات وما توضأتن ، ونحن المتصدقات وما تصدقتن " . قالت عائشة : " يغلبن " والله أعلم.
هكذا ذكره في التذكرة ، ولم ينسبه إلى كتاب ، والله أعلم .
منقول من كتاب النهاية في الفتن والملاحم للحافظ إبن كثير