الإسعاف الكافي لمريدي الشعر والقوافي
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله أما بعد:
فهذه توجيهات لمن يحب أن يتعلم الشعر من اﻷخوة الفضلاء حسب علمي وتجربتي في هذا المجال وذلك بعد أن رأيت تعثر المقترح الذي كنا قد طرحناه.
وأقول مستعينا بالله:
أوﻻ: أيها اﻷخ الذي تحب أن تكون شاعرا مجيدا عليك أن تطلع على كتب القدماء مثل "البيان والتبيين للجاحظ" ومثل "العقد الفريد" ومثل الكتب التي ألفت في هذا الشأن.
ثانيا: عليك أن تحفظ ما استطعت من الشعر الجيد ﻻسيما القديم منه.
وثالثا: بعد الخطوات السابقة اكتب الشعر في الموضوع الذي ترغب في الكتابة فيه لتعرف هل لك طبع في قول الشعر أم ﻻ؟
فالمرء إن لم يكن له طبع في أي فن فسيجد نفسه مهما كد نفسه وعقله يأتي بغير طائل بعد جهد كبير.
ومما ينبغي معرفته هو أن تعرف نفسك هل عندك ملكة وذلك بسهولة قول الشعر الجيد على نفسك وبسؤال أهل البصر ببلاغة الكلام وجودته.
رابعا: بعد أن يعرف الأخ من نفسه طبعا في قول الشعر عليه أن يعرض شعره على من يتوسم فيه البصر بالشعر ليقومه وﻻ يستعجل في النشر حتى يعرف أنه قد وقع شعره عند أهل الفن موقعا طيبا.
وليطلب ممن يعرض عليه أن ينصح له وﻻ يجامله فإنه بذلك يشجع الناصح على النصح.
خامسا الوزن والقافية: يرجع فيهما إلى من عرف بالبصيرة بهما.
وﻻ تظن أن الشعر هو الوزن والقافية فحسب ولكنه إلى جانب ذلك روعة المعنى وإشراق البيان الذي يعطى قارئه أريحية وشوقا إلى قول الشعر ولو كان فقط وزنا وقافية لما قال الفرزدق: (يمر علي الوقت ولقلع ضرس من أضراسي أهون علي من قول بيت من الشعر).
سادسا اللغة: الشاعر المجيد يستعمل كل كلمة في المكان المناسب مثل البنَّاء الماهر يضع اللبنة بالمكان المعين لها، فقد تكون الكلمة جميلة في نفسها غير جميلة في المكان الذي وضعت فيه لأن اﻷلفاظ قوالب المعاني فاللفظ الرقيق للمعنى الرشيق واللفظ الجزل للمعنى الجزل فاللفظ كالجسد والمعنى كالروح.
سابعا البلاغة: ما ينبغي الاطلاع عليه هو معرفة علم البيان والمعاني والبديع ليستفيد من ذلك في قول الشعر أما النحو فلا تخفى أهميته عليكم.
ثامنا: إذا أردت نظم الشعر فاختر له وقت نشاطك وفراغ بالك فالناس يختلفون في اﻷوقات التي يختارونها لنظم الشعر ولكنهم متفقون على ثلاثة: السحر، وفي الغداة إلى الظهر، ومن بعد العشاء. وعندي إن أفضل اﻷوقات من بعد الشروق إلى الظهر.
تاسعا: استجلاب الشعر يستجلب الشعر إما بقراءة الشعر وإما بسماعه وإما بالمكان الخالي والشرف العالي والماء الجاري كما ذكر ذلك عن اﻷصمعي.
عاشرا: ثم ليعرف اللاحق فضل السابق وﻻ يأنف أن يعزو الفضل ﻷهله حتى يزيده الله من فضله (ﻻ يشكر الله من ﻻ يشكر الناس) وﻻ يتكبر على من دونه وﻻ يغمط من فوقه، وﻻبد أن يكون للشاعر نموذجا يحتذيه ويسير على منواله من الشعراء المجيدين وذلك هو دأب الشعراء من قديم فزهير بن أبي سلمى كان راوية أوس بن حجر وهكذا غيره حتى عصرنا أخيرا.
الحادي عشر: وﻻ ينبغي أن يكال المدح لمن أحسن ولمن ﻻ يحسن.
فيقال لمن ﻻ يحسن مثلا محاولة طيبة وهناك خلل في الوزن أو خلل في المعنى حتى يستفيد من إخوانه، ومن أحسن يراعى في مدحه وﻻ يضرب عنقه وﻻ ينفخ فيصير معجبا بنفسه.
ختاما: إذا تعسر الشعر عليك وقد جربت الطرق المذكورة – والتي هي من تجاربي واطلاعي على كلام المهتمين بهذا الشأن المبثوثة في كتب اﻷدب – فما عليك إﻻ أن تبحث عن عمل آخر غير الشعر فربما يكون لك فيه حظ وأنت ﻻ تعلم.
ملاحظة: قد يقول قائل إن وسادك لعريض فأقول ما ذكرته هي أسباب وقد ينبغ الشاعر بمجرد إلمامه بعلوم اﻵلة ولكن ذلك قليل وﻻ يطلب من الشاعر أن يأتي على ذلك كله لكن ما استطاع (ومن سار على الدرب وصل). هذا بعض ما أستحضره اﻵن واﻷخوة كل واحد عنده فائدة يفدنا وﻻ يبخل علينا.
أبو عمر عبد الكريم الجعمي
تعليق