
| أَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ ذِمِّيُّ دِينِكُمْ | تَحَيَّرَ دُلُّوهُ بِأَوْضَحِ حُجَّةٍ |
| إذَا مَا قَضَىٰٰ رَبِّي بِكُفْرِي بِزَعْمِكُمْ | وَلَمْ يَرْضَهُ مِنِّي فَمَا وَجْهُ حِيلَتِي ؟ |
| دَعَانِي وَسَدَّ الْبَابَ عَنِّي ، فَهَلْ إلَىٰٰ | دُخُولِي سَبِيلٌ ؟ بَيِّنُوا لِي قَضِيَّتِي |
| قَضَىٰٰ بِضَلَالِي ثُمَّ قَالَ : ارْضَ بالقَضَا | فَهَلْ أَنَا رَاضٍ بِاَلَّذِي فِيهِ شِقْوَتِي ؟! |
| فَإِنْ كُنْتُ بِالْمَقْضِيِّ يَا قَوْمُ رَاضِيَا | فَرَبِّيَ لَا يَرْضَىٰٰ بِشُؤْمِ بَلِيَّتِي |
| وَهَلْ لِي رِضَا مَا لَيْسَ يَرْضَاهُ سَيِّدِي؟ | فَقَدْ حِرْتُ دُلُّونِي عَلَىٰ كَشْفِ حَيرَتِي |
| إذَا شَاءَ رَبِّي الْكُفْرَ مِنِّي مَشِيئَةً | فَهَلْ أَنَا عَاصٍ فِي اتِّبَاعِ الْمَشِيئَةِ ؟ |
| وَهَلْ لِي اخْتِيَارٌ أَنْ أُخَالِفَ حُكْمَهُ ؟ | فَبِاَللَّهِ فَاشْفُوا بِالْبَرَاهِينِ غُلَّتِي |
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ ابْنُ تَيْمِيَّة مُرْتَجِلًا :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
| سُؤَالُكَ يَا هَذَا سُؤَالُ مُعَانِدٍ | مُخَاصِمِ رَبِّ الْعَرْشِ بَارِي الْبَرِيَّةِ | |
| فَهَذَا سُؤَالٌ خَاصَمَ الْمَلَأَ الْعُلَا | قَدِيمًا بِهِ إبْلِيسُ أَصْلُ الْبَلِيَّةِ | |
| وَمَنْ يَكُ خَصْمًا لِلْمُهَيْمِنِ يَرْجِعَنْ | عَلَىٰٰ أُمِّ رَأْسٍ هَاوِيًا فِي الْحَفِيرَةِ | |
| وَيُدْعَىٰٰ خُصُومُ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ | إلَىٰٰ النَّارِ طَُرَّاً مَعْشَرُ الْقَدَرِيَّةِ | |
| سَوَاءٌ نَفَوْهُ ، أَوْ سَعَوْا لِيُخَاصِمُوا | بِهِ اللَّهَ أَوْ مَارَوْا بِهِ لِلشَّرِيعَةِ | |
| وَأَصْلُ ضَلَالِ الْخَلْقِ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ | هُوَ الْخَوْضُ فِي فِعْلِ الْإِلَهِ بِعِلَّةِ | |
| فَإِنَّهُمُوا لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَةً لَهُ | فَصَارُوا عَلَىٰٰ نَوْعٍ مِن الْجَاهِلِيَّةِ | |
| فَإِنَّ جَمِيعَ الْكَوْنِ أَوْجَبَ فِعْلَهُ | مَشِيئَةُ رَبِّ الْخَلْقِ بَارِي الْخَلِيقَةِ | |
| وَذَاتُ إلَهِ الْخَلْقِ وَاجِبَةٌ بِمَا | لَهَا مِنْ صِفَاتٍ وَاجِبَاتٍ قَدِيمَةِ | |
| مَشِيئَتُهُ مَعْ عِلْمِهِ ثُمَّ قُدْرَةٌ | لَوَازِمُ ذَاتِ اللَّهِ قَاضِي الْقَضِيَّةِ | |
| وَإِبْدَاعُهُ مَا شَاءَ مِنْ مُبْدَعَاتِهِ | بِهَا حِكْمَةٌ فِيهِ وَأَنْوَاعُ رَحْمَةِ | |
| وَلَسْنَا إذَا قُلْنَا : جَرَتْ بِمَشِيئَةِ | مِنْ الْمُنْكِرِي آيَاتِهِ الْمُسْتَقِيمَةِ | |
| بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ وَحْدَهُ | لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ الَّذِي فِي الشَّرِيعَةِ | |
| هُوَ الْمَلِكُ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ حَالَةٍ | لَهُ الْمُلْكُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَاصٍ بِشِرْكَةِ | |
| فَمَا شَاءَ مَوْلَانَا الْإِلَهُ فَإِنَّهُ | يَكُونُ وَمَالَا لَا يَكُونُ بِحِيلَةِ | |
| وَقُدْرَتُهُ لَا نَقْصَ فِيهَا وَحُكْمُهُ | يَعُمُّ فَلَا تَخْصِيصَ فِي ذِي الْقَضِيَّةِ | |
| أُرِيدُ بِذَا أَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا | بِقُدْرَتِهِ كَانَتْ وَمَحْضِ الْمَشِيئَةِ | |
| وَمَالِكُنَا فِي كُلِّ مَا قَدْ أَرَادَهُ | لَهُ الْحَمْدُ حَمْدًا يَعْتَلِي كُلَّ مِدْحَةِ | |
| فَإِنَّ لَهُ فِي الْخَلْقِ رَحْمَتَهُ سَرَتْ | وَمِنْ حِكَمٍ فَوْقَ الْعُقُولِ الْحَكِيمَةِ | |
| أُمُورَاً يَحَارُ الْعَقْلُ فِيهَا إذَا رَأَىٰٰ | مِنْ الْحِكَمِ الْعُلْيَا وَكُلِّ عَجِيبَةِ | |
| فَنُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ بِقُدْرَةٍ | وَخَلْقٍ وَإِبْرَامٍ لِحُكْمِ الْمَشِيئَةِ | |
| فَنُثْبِتُ هَذَا كُلَّهُ لِإِلَهِنَا | وَنُثْبِتُ مَا فِي ذَاكَ مِنْ كُلِّ حِكْمَةِ | |
| وَهَذَا مَقَامٌ طَالَمَا عَجَزَ الْأُلَىٰ | نَفَوْهُ وَكَرُّوا رَاجِعِينَ بِحَيرَةِ | |
| وَتَحْقِيقُ مَا فِيهِ بِتَبْيِينِ غَوْرِهِ | وَتَحْرِيرِ حَقِّ الْحَقِّ فِي ذِي الْحَقِيقَةِ | |
| هُوَ الْمَطْلَبُ الْأَقْصَىٰ لِوُرَّادِ بَحْرِهِ | وَذَا عَسِرٌ فِي نَظْمِ هَذِي الْقَصِيدَةِ | |
| لِحَاجَتِهِ تَبْيِينَ عِلْمٍ مُحَقَّقٍ | لِأَوْصَافِ مَوْلَانَا الْإِلَهِ الْكَرِيمَةِ | |
| وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَىٰ وَأَحْكَامِ دِينِهِ | وَأَفْعَالِهِ فِي كُلِّ هَذِي الْخَلِيقَةِ | |
| وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ قَدْ بَانَ ظَاهِرًا | وَإِلْهَامُهُ لِلْخَلْقِ أَفْضَلُ نِعْمَةِ | |
| وَقَدْ قِيلَ فِي هَذَا وَخُطُّ كِتَابُهُ | بَانٌ شِفَاءٌ لِلنُّفُوسِ السَّقِيمَةِ | |
| فَقَوْلُكَ:لِمَ قَدْ شَاءَ ؟ مِثْلُ سُؤَالِ مَنْ | يَقُولُ : فَلِمَ قَدْ كَانَ فِي الْأَزَلِيَّةِ | |
| وَذَاكَ سُؤَالٌ يُبْطِلُ الْعَقْلُ وَجْهَهُ | وَتَحْرِيمُهُ قَدْ جَاءَ فِي كُلِّ شِرْعَةِ | |
| وَفِي الْكَوْنِ تَخْصِيصٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ مَنْ | لَهُ نَوْعُ عَقْلٍ أَنَّهُ بِإِرَادَةِ | |
| وَإِصْدَارُهُ عَنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ | أَوِ الْقَوْلُ بِالتَّجْوِيزِ رَمْيَةُ حَيرَةِ | |
| وَلَا رَيْبَ فِي تَعْلِيقِ كُلِّ مُسَبَّبٍ | بِمَا قَبْلَهُ مِنْ عِلَّةٍ مُوْجِبِيَّةِ | |
| بَلِ الشَّأْنُ فِي الْأَسْبَابِ أَسْبَابِ مَا تَرَىٰ | وَإِصْدَارِهَا عَنْ حُكْمِ مَحْضِ مَشِيئَةِ | |
| وَقَوْلُكَ : لِمَ شَاءَ الْإِلَهُ ؟ هُوَ الَّذِي | أَزَلَّ عُقُولَ الْخَلْقِ فِي قَعْرِ حُفْرَةِ | |
| فَإِنَّ الْمَجُوسَ الْقَائِلِينَ بِخَالِقٍ | لِنَفْعٍ وَرَبٍّ مُبْدِعٍ لِلْمَضَرَّةِ | |
| سُؤَالُهُمُ عَنْ عِلَّةِ الشَّرِّ أَوْقَعَتْ | أَوَائِلَهُمْ فِي شُبْهَةِ «الثَّنَوِيَّةِ» | |
| وَإِنَّ مَلاحِيدَ الْفَلَاسِفَةِ الْأُلَىٰ | يَقُولُونَ بِالْفِعْلِ الْقَدِيمِ لِعِلَّةِ | |
| بَغَوْا عِلَّةً لِلْكَوْنِ بَعْدَ انْعِدَامِهِ | فَلَمْ يَجِدُوا ذَاكُمْ فَضَلُّوا بِضَلَّةِ | |
| وَإِنَّ مَبَادِي الشَّرِّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ | ذَوِي مِلَّةٍ مَيْمُونَةٍ نَبَوِيَّةِ | |
| لِخَوْضِهِمُ فِي ذَاكُمُ صَارَ شِرْكُهُمْ | وَجَاءَ رُءُوسُ الْبَيِّنَاتِ بِقَتْرَةِ | |
| وَيَكْفِيكَ نَقْضَاً أَنَّ مَا قَدْ سَأَلْتَهُ | مِنْ الْعُذْرِ مَرْدُودٌ لَدَىٰ كُلِّ فِطْرَةِ | |
| فَأَنْتَ تَعِيبُ الطَّاعِنِينَ جَمِيعَهُمْ | عَلَيْكَ وَتَرْمِيهِمْ بِكُلِّ مَذَمَّةِ | |
| وَتَنْحَلُ مَنْ وَالَاكَ صَفْوَ مَوَدَّةٍ | وَتُبْغِضُ مَنْ نَاوَاك مِنْ كُلِّ فِرْقَةِ | |
| وَحَالُهُمُ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَفَعْلَةٍ | كَحَالِكَ يَا هَذَا بِأَرْجَحِ حُجَّةِ | |
| وَهَبْكَ كَفَفْتَ اللَّوْمَ عَنْ كُلِّ كَافِرٍ | وَكُلِّ غَوِيٍّ خَارِجٍ عَنْ مَحَجَّةِ | |
| فَيَلْزَمُكَ الْإِعْرَاضُ عَنْ كُلِّ ظَالِمٍ | عَلَىٰ النَّاسِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَحُرْمَةِ | |
| فَلَا تَغْضَبَنْ يَوْمًا عَلَىٰ سَافِكٍ دَمًا | وَلَا سَارِقٍ مَالًا لِصَاحِبِ فَاقَةِ | |
| وَلَا شَاتِمٍ عِرْضَاً مَصُونًا وَإِنْ عَلَا | وَلَا نَاكِحٍ فَرْجًا عَلَىٰ وَجْهِ غَيَّةِ | |
| وَلَا قَاطِعٍ لِلنَّاسِ نَهْجَ سَبِيلِهِمْ | وَلَا مُفْسِدٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ وِجْهَةِ | |
| وَلَا شَاهِدٍ بِالزُّورِ إِفْكَاً وَفِرْيَةً | وَلَا قَاذِفٍ لِلْمُحْصَنَاتِ بِزَنْيَةِ | |
| وَلَا مُهْلِكٍ لِلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ عَامِدًا | وَلَا حَاكِمٍ لِلْعَالَمِينَ بِرِشْوَةِ | |
| وَكُفَّ لِسَانَ اللَّوْمِ عَنْ كُلِّ مُفْسِدٍ | وَلَا تَأْخُذَنْ ذَا جُرْمَةٍ بِعُقُوبَةِ | |
| وَسَهِّلْ سَبِيلَ الْكَاذِبِينَ تَعَمُّدًا | عَلَىٰ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ جَاءٍ بِفِرْيَةِ | |
| وَإِنْ قَصَدُوا إضْلَالَ مَنْ يَسْتَجِيبُهُمْ | بِرَوْمِ فَسَادِ النَّوْعِ ثُمَّ الرِّيَاسَةِ | |
| وَجَادِلْ عَنِ الْمَلْعُونِ فِرْعَوْنَ إذْ طَغَىٰ | فَأُغْرِقَ فِي الْيَمِّ انْتِقَامَاً بِغُصَّةِ | |
| وَكُلِّ كَفُورٍ مُشْرِكٍ بِإِلَهِهِ | وَآخَرَ طَاغٍ كَافِرٍ بِنُبُوَّةِ | |
| كَعَادٍ ونُمْرُوذٍ وَقَوْمٍ لِصَالِحٍ | وَقَوْمٍ لِنُوحٍ ثُمَّ أَصْحَابِ أَيْكَةِ | |
| وَخَاصِمْ لِمُوسَىٰ ثُمَّ سَائِرِ مَنْ أَتَىٰ | مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُحْيِيَاً لِلشَّرِيعَةِ | |
| عَلَـىٰ كَـوْنِهِمْ قَـدْ جَـاهَدُوا النَّـاسَ إذْ بَغَوْا | وَنَالُوا مِنْ الْعَاصِي بَلِيغَ الْعُقُوبَةِ | |
| وَإِلَّا فَكُلُّ الْخَلْقِ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ | وَلَحْظَةِ عَيْنٍ أَوْ تَحَرُّكِ شَعْرَةِ | |
| وَبَطْشَةِ كَفٍّ أَوْ تَخَطِّي قُدَيْمَةٍ | وَكُلِّ حَرَاكٍ بَلْ وَكُلِّ سَكِينَةِ | |
| هُمُ تَحْتَ أَقْدَارِ الْإِلَهِ وَحُكْمِهِ | كَمَا أَنْتَ فِيمَا قَدْ أَتَيْتَ بِحُجَّةِ | |
| وَهَبْكَ رَفَعْتَ اللَّوْمَ عَنْ كُلِّ فَاعِلٍ | فِعَالَ رَدَىً طَرْدَاً لِهَذِي الْمَقِيسَةِ | |
| فَهَلْ يُمْكِنَنْ رَفْعُ الْمَلَامِ جَمِيعِهِ | عَنِ النَّاسِ طُرَّاً عِنْدَ كُلِّ قَبِيحَةِ ؟ | |
| وَتَرْكُ عُقُوبَاتِ الَّذِينَ قَدِ اعْتَدَوْا | وَتَرْكُ الْوَرَىٰ الْإِنْصَافَ بَيْنَ الرَّعِيَّةِ | |
| فَلَا تُضْمَنَنْ نَفْسٌ وَمَالٌ بِمِثْلِهِ | وَلَا يُعْقَبَنْ عَادٌ بِمِثْلِ الْجَرِيمَةِ | |
| وَهَلْ فِي عُقُولِ النَّاسِ أَوْ فِي طِبَاعِهِمْ | قَبُولٌ لِقَوْلِ النَّذْلِ : مَا وَجْهُ حِيلَتِي ؟ | |
| وَيَكْفِيكَ نَقْصَاً مَا بِجِسْمِ ابْنِ آدَمٍ | صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكُلِّ بَهِيمَةِ | |
| مِنَ الْأَلَمِ الْمَقْضِيِّ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ | وَفِيمَا يَشَاءُ اللَّهُ أَكْمَلُ حِكْمَةِ | |
| إذَا كَانَ فِي هَذَا لَهُ حِكْمَةٌ فَمَا | يُظَنُّ بِخَلْقِ الْفِعْلِ ثُمَّ الْعُقُوبَةِ ؟ | |
| فَكَيْفَ وَمِنْ هَذَا عَذَابٌ مُوَلَّدٌ | عَنِ الْفِعْلِ فِعْلِ الْعَبْدِ عِنْدَ الطَّبِيعَةِ ؟ | |
| كَآكِلِ سُمٍّ أَوْجَبَ الْمَوْتَ أَكْلُهُ | وَكُلٌّ بِتَقْدِيرٍ لِرَبِّ المَشِيئَةِ | |
| فَكُفْرُكَ يَا هَذَا كَسُمٍّ أَكَلْتَهُ | وَتَعْذِيبُ نَارٍ مِثْلُ جُرْعَةِ غُصَّةِ | |
| أَلَسْتَ تَرَىٰ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَنْ جَنَىٰ | يُعَاقَبُ إمَّا بالقَضَا أَوْ بِشِرْعَةِ ؟ | |
| وَلَا عُذْرَ لِلْجَانِي بِتَقْدِيرِ خَالِقٍ | كَذَلِكَ فِي الْأُخْرَىٰ بِلَا مَثْنَوِيَّةِ | |
| وَتَقْدِيرُ رَبِّ الْخَلْقِ لِلذَّنْبِ مُوجِبٌ | بِتَقْدِيرِ عُقْبَىٰ الذَّنْبِ إلَّا بِتَوْبَةِ | |
| وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَتَابِ لِرَفْعِهِ | عَوَاقِبَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ الْخَبِيثَةِ | |
| كَخَيْرٍ بِهِ تُمْحَىٰ الذُّنُوبُ وَدَعْوَةٍ | تُجَابُ مِنَ الْجَانِي وَرَبِّ الشَّفَاعَةِ | |
| وَتَقْدِيرُهُ لِلْفِعْلِ يَجْلِبُ نِعْمَةً | كَتَقْدِيرِهِ الأَشْيَاءَ طُرَّاً بِعِلَّةِ | |
| وَقَوْلُ حَلِيفِ الشَّرِّ : إنِّي مُقَدَّرٌ | عَلَيَّ كَقَوْلِ الذِّئْبِ : هَذِي طَبِيعَتِي | |
| فَهَلْ يُرْفَعَنْ ذَمُّ الْمَلُومِ بِأَنَّهُ | كَذَا طَبْعُهُ ؟ أَمْ هَلْ يُقَالُ لِعَثْرَةِ ؟ | |
| أَمِ الذَّمُّ وَالتَّعْذِيبُ أَوْكَدُ لِلَّذِي | طَبِيعَتُهُ فِعْلُ الشُّرُورِ الشَّنِيعَةِ ؟ | |
| فَإِنْ كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تُجَابَ بِمَا عَسَىٰ | يُنْجِيكَ مِنْ نَارِ الْإِلَهِ الْعَظِيمَةِ | |
| فَدُونَكَ رَبُّ الْخَلْقِ فَاقْصِدْهُ ضَارِعًا | مُرِيدَاً لِأَنْ يَهْدِيَكَ نَحْوَ الْحَقِيقَةِ | |
| وَذَلِّلْ قِيَادَ النَّفْسِ لِلْحَقِّ وَاسْمَعَنْ | وَلَا تَعْصِ مَنْ يَدْعُو لِأَقْوَمِ شِرْعَةِ | |
| وَدَعْ دِينَ ذَا الْعَادَاتِ لَا تَتْبَعَنَّهُ | وَعُجْ عَنْ سَبِيلِ الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ | |
| وَمَا بَانَ مِنْ حَقٍّ فَلَا تَتْرُكَنَّهُ | وَلَا تُعْرِضَنْ عَنْ فِكْرَةٍ مُسْتَقِيمَةِ | |
| وَمَنْ ضَلَّ عَنْ حَقٍّ فَلَا تَقْفُوَنَّهُ | وَزِنْ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ بِالمَعْدَلِيَّةِ | |
| هُنَالِكَ تَبْدُو طَالِعَاتٌ مِنْ الْهُدَىٰ | بِتَبْشِيرِ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالْحَنِيفِيَّةِ | |
| بِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ ذَاكَ إمَامُنَا | وَدِينِ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ | |
| فَلَا يَقْبَلُ الرَّحْمَنُ دِينًا سِوَىٰ الَّذِي | بِهِ جَاءَتِ الرُّسُلُ الْكِرَامُ السَّجِيَّةِ | |
| وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَاشِرُ الْخَاتَمُ الَّذِي | حَوَىٰ كُلَّ خَيْرٍ فِي عُمُومِ الرِّسَالَةِ | |
| وَأَخْبَرَ عَنْ رَبِّ الْعِبَادِ بِأَنَّ مَنْ | غَدَا عَنْهُ فِي الْأُخْرَىٰ بِأَقْبَحِ خَيْبَةِ | |
| فَهَذِي دَلَالَاتُ الْعِبَادِ لِحَائِرٍ | وَأَمَّا هُدَاهُ فَهُوَ فِعْلُ الرُّبُوبِيَّةِ | |
| وَفَقْدُ الْهُدَىٰ عِنْدَ الْوَرَىٰ لَا يُفِيدُ مَنْ | غَدَا عَنْهُ بَلْ يَجْرِي بِلَا وَجْهِ حُجَّةِ | |
| وَحُجَّةُ مُحْتَجٍّ بِتَقْدِيرِ رَبِّهِ | يَزِيدُ عَذَابًا كَاحْتِجَاجِ مَرِيضَةِ | |
| وَأَمَّا رِضَانَا بِالْقَضَاءِ فَإِنَّمَا | أُمِرْنَا بِأَنْ نَرْضَىٰ بِمِثْلِ الْمُصِيبَةِ | |
| كَسَقَمٍ وَفَقْرٍ ثُمَّ ذُلٍّ وَغُرْبَةٍ | وَمَا كَانَ مِنْ مُؤْذٍ بِدُونِ جَرِيمَةِ | |
| فَأَمَّا الْأَفَاعِيلُ الَّتِي كُرِهَتْ لَنَا | فَلَا نَصَّ يَأتِي فِي رِضَاهَا بِطَاعَةِ | |
| وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ لَا رِضَاً | بِفِعْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ | |
| فَإِنَّ إِلَهَ الخَلْقِ لم يَرْضَهَا لَنَا |
فَلَا نَرْتَضِي مَسْخُوطَهُ لِمَشِيئَةِ |
|
| وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِقَضَائِهِ | وَلَا نَرْتَضِي الْمَقْضِيَّ أَقْبَحَ خَصْلَةِ | |
| وَقَالَ فَرِيقٌ نَرْتَضِي بِإِضَافَةٍ | إلَيْهِ وَمَا فِينَا فَنَلْقَىٰ بِسَخْطَةِ | |
| كَمَا أَنَّهَا لِلرَّبِّ خَلْقٌ وَأَنَّهَا | لِمَخْلُوقِهِ لَيْسَتْ كَفِعْلِ الْغَرِيزَةِ | |
| فَنَرْضَىٰ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ | وَنَسْخَطُ مِنْ وَجْهِ اكْتِسَابِ الْخَطِيئَةِ | |
| وَمَعْصِيَةُ الْعَبْدِ الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ | لِمَا أَمَرَ الْمَوْلَىٰ وَإِنْ بِمَشِيئَةِ | |
| فَإِنَّ إلَهَ الْخَلْقِ حَقَّ مَقَالُهُ | بِأَنَّ الْعِبَادَ فِي جَحِيمٍ وَجَنَّةِ | |
| كَمَا أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ هَكَذَا | بَلْ الْبُهْمُ فِي الْآلَامِ أَيْضًا وَنِعْمَةِ | |
| وَحِكْمَتُهُ الْعُلْيَا اقْتَضَتْ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ | فُرُوقٍ بِعِلْمِ ثُمَّ أَيْدٍ وَرَحْمَةِ | |
| يَسُوقُ أُولِي التَّعْذِيبِ بِالسَّبَبِ الَّذِي | يُقَدِّرُهُ نَحْوَ الْعَذَابِ بِعِزَّةِ | |
| وَيَهْدِي أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْوَ نَعِيمِهِمْ | بِأَعْمَالِ صِدْقٍ فِي رَجَاءٍ وَخَشْيَةِ | |
| وَأَمْرُ إلَهِ الْخَلْقِ بَيَّنَ مَا بِهِ | يَسُوقُ أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْوَ السَّعَادَةِ | |
| فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ أَثَّرَتْ | أَوَامِرُهُ فِيهِ بِتَيْسِيرِ صَنْعَةِ | |
| وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَمْ يُبَلْ | بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ بِتَيْسِيرِ شِقْوَةِ | |
| وَلَا مُخْرِجٌ لِلْعَبْدِ عَمَّا بِهِ قَضَىٰ | وَلَكِنَّهُ مُخْتَارُ حُسْنٍ وَسَوْأَةِ | |
| فَلَيْسَ بِمَجْبُورٍ عَدِيمٍ إِرَادَةً | وَلَكِنَّهُ شَاءَ بِخَلْقِ الْإِرَادَةِ | |
| وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ خَلْقُ مَشِيئَةٍ | بِهَا صَارَ مُخْتَارَ الْهُدَىٰ وَالضَّلَالَةِ | |
| فَقَوْلُكَ : هَلْ أَخْتَارُ تَرْكَاً لِحُكْمِهِِ ؟ | كَقَوْلِكَ : هَلْ أَخْتَارُ تَرْكَ مَشِيئَتِي ؟ | |
| وَأَخْتَارُ أَنْ لَا أَخْتَارُ فِعْلَ ضَلَالَةٍ | وَلَوْ نِلْتَ هَذَا التَّرْكَ فُزْتَ بِتَوْبَةِ | |
| وَذَا مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ | عَلَىٰ مَا يَشَاءُ اللَّهُ مِنْ ذِي الْمَشِيئَةِ | |
| فَدُونَك عِلْمَاً بِالَّذِي قَدْ أَجَبْتُ بِهِ | مَعَانٍ إذَا انْحَلَّتْ بِفَهْمِ غَرِيزَةٍ | |
| أَشَارَتْ إلَىٰ أَصْلٍ يُشِيرُ إلَىٰ الْهُدَىٰ | وَلِلَّهِ رَبُّ الْخَلْقِ أَكْمَلُ مِدْحَةٍ | |
| وَصَلَّىٰ إلَهُ الْخَلْقِ جَلَّ جَلَالُهُ | عَلَىٰ الْمُصْطَفَىٰ الْمُخْتَارِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ | |