بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فأني أتقدم بهذه الرسالة المتواضعة وهي – حقاً – جهد المقل إلى كل المسلمين ، وإلى من يهمه التحقيق العلمي ، والبحث الدقيق ، هذا وقد نشرت هذه الرسالة بصورة مختصرة على حسب ما اقتضاه المقام ، ثم تجمعت لديَّ زيادات مهمة ، فأحببت أن يعيد طبع هذه الرسالة مرةَ أخرى مضيفاً إليها الزيادات المشار إليها حتى تعم الفائدة ، ويزول مارا فق الطبعة الأولى من قصور وقد رتبتها ترتيباً جديداً عما كانت عليه في إبتكارها .
كتبه :
أبو عمار الحضرمي
معاذ بن سالم عويض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الآنبياء و المرسلين وعلى آله وصحبه أحمعين .
أما بعد :
فأن القنوت 1 من الأحكام التي خصها بعض العلماء بمزيد عناية فخصوه بالتصنيف وأفرده بالتأليف 2 ، وإني طالعت ما ماتيسر لي من كتب الفقه شروحاًو فروعاً فرأيت تداخلاً فب مسائله وتوحيداً لأنواعه وتباعداً في مذاهبه حتى صارت تمشي في خطين متوازيين ، فمن مذاهبهم أن القنوت يشرع في كل الصلوات دون تققد بالنازلة إعتماداً على الأحاديث الواردة في القنوت عموماً و على كونه دعاء وطاعة 3 ، ومنهم من منعهم مطلقاً و قال : إنه بدعة 4 ، ومنهم من خصه بموضع زمنع ماسواه مطلقاً 5 ، وهذا التباين الكبير يرجع إلى أسباب وهي :
الأشتراك الوارد على لفظ ( القنوت ) فالقنوت لفظ مشترك يطلق بازاء معانٍ كثيرة ٍ 6 ، فهذا الأشتراك كان سبباً في إختلاف الفقهاء في مسألة القنوت ، فكثير من الفقهاء لم يحقوا ولم يراعوا معاني القنوت شرعاً ولغةً و إنما تعاملوا معه على وتيرةٍ واحدةٍ بمعنى واحد نفياً وإثباتاً .
الأشتباه الحاصل بعم التفريق بين قنوت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم لعارض وهو ما يسميه الفقهاء النازلة 7، وبين غيره مما يظن أنه واظب عليه كقنت الفجر ، أو أرشد إليه بقوله أحياناً كقنوت الوتر ، وبين ماهو من فعل الصحابة وأتفقوا عليه 8 .
قال شيخ الأسلام : ( إنما تغلظ الأذهان من حيث تجعل العارض راتباً ، أو تجعل الراتب لايتغير بحال ، ومن إهتدى للفرق بين المشروعات الراتبة والعارضة انحلة عنه هذه المشكلات الكثيره ) أ. هـ
فهذا الأشتراك في الألفاظ والأشتباه في الأحوال مما يوقع للفقهاء إختلافاً و إضطراباً كثيراً كما نبه شيخ الأسلام وتلميذه إبن القيم 9.
إعتمادهم على بعض الأحاديث الواردة في القنوت ، و إ عتقادهم صحتها ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها كالوارد في قنوت الفجر و كذالك الأثار الوارده عن عمر وعلىرضي الله عنهما ، والصحيح أن الحديث الوارد ضعيف ، ضعفه العلماء المحققون 10، وقنوت عمر رضي الله عنه وعلي كان لنازلة وليس راتبه 11 ، و الغرض من بحثي هذا هو تحديد نوعية قنوت رمضان الذي كان يفعله السلف ، أهو قنوت وتر ؟ أم هو قنوت سنةٍ راشدة ؟
وبعد هذا البحث كتبت هذه الورقات ، سائلاً الله تبارك وتعالى ظان تكون هذه الخلاصةصائبة وموفقة ، وعصارة صافية مسددة فاله حسبي ونعم المعين .
v فأقول :
عن القنوت الثابت في النصف الأخير من رمضان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما هو في الأصل قنوت نازلة كما جزم بذالك إبن تيمية وإبن القيم ، ولهذا جاءت الأثار عن الصحابة سواء كان في عهد عمر أو علي رضي الله عنهما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النازلة إذ كان قنوتهم بعد الركوع ويرفعون أيديهم ويؤمن من خلفهم ، غير أن الصحابة في عهد عمر رضي الله عهم زادوا أموراً فيه منها :
1. أنهم زادوه في صلاة التطوع – التراويح – بينما السنة النبوية تخصيص قنوت النازلة بالصلوات المكتوبة ،2. وعلى هذا مذهب العلماء .
ولعل الصحابة رضي الله عنهم لاحظوا صفة جامعة بين صلاة التراويح وبين الفريضة ألا وهي صفة الجماعة ولهذا أجازوا سحب القنوت إليها لوجود العلة وهي اجتماع دعاء جميع المسلمين 12 ، وقد ذهب بعض العلماء كالشافعي إلى جواز قنوت النازلة في صلاة التطوع التي تشرع لها الجماعة كالعيدين و الإستسقاء و نحوها 13 .
3. زاد الصحابة رضي الله عنهم في قنوت رمضان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال السخاوي : ( وعن معاذ أبي حليمة القارئ 14 أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت . ) رواه إسماعيل القاضي ومحمد بن نصر المروزي و غيرهما ،4. وهو موقوف صحيح .
وقد قنت النبي صلى الله عليه وسلم قنوت النازلة ولم ينقل أنه صلى على نفسه فيه ، فتبقى مشروعية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - خاصة بقنوت رمضان إذا قنت لنازلة في غيره ، تركت الصلاة عليه – عليه الصلاة والسلام - إقتداءً به صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول: ( لقد كان لكم في رسول الله اُسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر ) .
ولهذا قال إبن القيم : ( وهو مستحب في قنوت رمضان 15 ، واتبعه السخاوي فقال مثلما قال 16.
5. إنَّ الصحابة خصوا القنوت بالنصف الأخير ،6. ولعل الحكمة من ذلك هو أنَّ النصف الأخير مظنة ليلة القدر ،7. وقد علموا أنّ النبي e قال : تحروها في أوتار العشر الأواخر ،8. فالدعاء مستجاب بلاريب .
وعل التخصيص مشى العلماء من بعدهم . فعن عبدالرحمن القاري 17 : ( السنة 18 ، إذا انتصف شهر رمضان أن يلعن الكفرة في آخر ركعة من الوتر ، بعدما يقول القارئ سمع الله لمن حمده ، ثم يلعن الكفرة ) . قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/25) ( رويناه في فوائد أبي الحسن بن رزقويه عن عثمان بن السمّاك عن نحمد بن عبد الرحمن بن كامل عن سعيد بن حفص قال : قرأنا على معقل عن الزهري عن عبد الرحمنبن القاري أنَّ عمر خرج في شهر رمضان وهو معه فرأى أهل المسجد أوزاعاً متفرقين ، و أمر أُبي بن كعب أن يقوم بهم في شهر رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال نعمة البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون – يريد آخر الليل – وكانوا يقومون في أوله وقال : السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يلعن الكفر في آخر ركعة من الوتر بعد ما يقول القارئ : سمع الله لمن حمده ،ثم يقول اللهم إلعن الكفار ، وإسناده حسن ) 19 أ. هـ
وفي البديع السخاوي : ( وعن الزهري قال كانو يلعنون الكفرة في رمضان ، يشير إلى دعاء القنوت ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعون للمسلمين .
وعن وهيب بن خالد عن أيوب - ,هو من صغار الصحابة وكبار التابعين – فذكر نحوه ، أخرجهما محمد بن نصر في ( قيام الليل ) له وسندهما صحيح أ. هـ
وروى عبد الرزاق في مصنفه (4/259) : عن معمر عن أيوب عن إبن سيرين قال ) كان أبي يقوم بالناس على عهد عمر في رمضان ، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة ، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله ، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر ، حتى كانوا يسمعونه يقول : اللهم قحط المطر ، فيقولون : آمين . فيقول ما أسرع ما تقولون آيمن . دعوني حتى أدعو ) وروى إبن أبي شيبة في المصنف (2/204) : حدثنا محمد بن بشير قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن أن أبياً أمَّ بالناس في خلافة عمر فصلى فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبقى وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر . وروى أيضاً : حدثنا سهل بن يوسف عن عمروعن الحسن أن عمر حين أمر أبياً أم الناس في رمضان، وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي في لليلة ست عشرة قال : و كان الحسن يقول : إذا كان إماماً قنت في النصف الثاني و إذا لم يكن إماماً قنت الشهر كله .
هذه الأثار منقطعة الأسناد ، لان الحسن لم يدرك عمر ولكن معناها محفوظ 20 من رواية عبد الرحمن بن عبد القاري الموصلة الصحيحة عند إبن خزيمة في صحيحه من طريق إبن شهاب أخبرني عروة إبن الزبير أنَّ عبد الرحمن بن عبد القري – وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال – أنَّ عمر خرج ليلة في رمضان ، فخرج معه عبد الرحمن بن القاري فطاف بالمسجد ، وأهل المسجد أوزاع متفرقين ، يصلي الرجل بنفسه ويصلي االرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثلَ لهم ، ثم عزم عمر على ذلك ، وأمر أبي إبن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمة البدعة هي ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون – يريد آخر الليل – فكان الناس يقومون أوله ، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف ، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رُسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ،وخاف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب و ألقي عليهم رجزك و عذابك ، إله الحق ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو المسلمين بما استطاع من خير ، ثم ثم يستغفر للمؤمنين ،قال – وكان إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلاته للمؤمنين و المؤمنات ومسألته – اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، و إليك نسعى ونحفد ، و نرجو رحمتك نخاف عذابك إن عذابك لمن عاديت ملحق ، ثم يكبر ويهوي ساجداً .
اما أن َّ قنوت رمضان ليس قنوت وتر فهو أوضح من أن يشتبه على أحد ، و برهانه بالدلائل التالية :
قنوت الوتر شرع للمنفرد ، لأن الأصل في صلاة الوتر الأنفراد ، قال الشيخ الأسلام : ( صلاة التطوع في جماعة نوعان أحدهما – ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف 21 و الأستسقاء وقبام رمضان ، فهذا يفعل في جماعة دائماً كما مضت به السنة . الثاني : ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل ، و السنن الرواتب والضحى وتحبة المسجد و نحو ذلك ) أ. هـ22
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر 23 لكنه لم يداوم على فعله بدليل أن الذين رووا أحاديث صلاة الوتر لم يذكروا القنوت فيها ، فلو كان علية الصلاة والسلام يفعله دائماً لنقلوه جميعاً 24 ، بيمنا دوام الصحابة و التابعين رضوان الله عليهم على قنوت رمضان في كل أيام النصف الثاني من كل عام كما يدل عليه آثارهم و أقوال االأئمة من بعده .
إن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه لم يتقيدوأ بألفاظ قنوت الوتر الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن بن علي واو كان قنوتهم قنوت وتر لما عدلوا عن الفاظ النبوية ، وهم يعلمون أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل : إنَّ الفاظ قنوت الوتر متعينة 25 أما قنوت النازلة فدعاؤه يتناسب مع حال النازلة كما بين شيخ الأسلام .
لا يشرع في قنوت الوتر الجهر به – وإن صلى جماعة – مثله مثل أدعية الإستفتاح و التشهد 25 لأن الأصل في الأدعية و الأذكار السر 26 ، قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعاً و خفية إنه لا يحب المعتدين ) و قال جل وعلا ( و أذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ، ولاتكن من الغافلين ) . وقال الحاقظ إبن حجر في التلخيص الحبير (1/ 267) (... فليس في شئ من الأخبار ما يدل على أنه جهر به ، بل القياس أنه يسر به كباقي الأذكار التي تقال في الأركان ) أهـ
قلت : قال هذا في عرض كلامه عن قنوت الفجر ، فريضة شعيرتها الجماعة ، فتنبه .
وهو وجه مشهور للشافعية كما في المجموع للنووي ( 3/ 501) 27
لايشرع رفع اليدين في قنوت الوتر ، قال صاحب المذهب أبو إسحاق الشيرازي : ( أما رفع اليدين في القنوت ، فليس فيه نص ، ... ، لأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب له رفع اليد كالدعاء في التشهد .)28
الثابت من قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر هو القنوت قبل الركوع وليس بعده .
قال العلامة الألباني في الإرواء (2 /163 ) ، ( ... ، وذلك أنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت قبل الركوع ، ويشهد له آثار كثيرة عن الصحابة ، ...) و قال ( 2/166) : ( و الخلاصة أن الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر ) أ.هـ
ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد النسائي في روايته ، ولكن إسنادها ضعيف 29 قال العز بن عبد السلام : ( ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت ، و لا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ ) أ.هـ 30 إن قنوت رمضان صار سنة راشدة مشى عليها السلف والإئمة ، وما أحسن ما قال إبن القيم الجوزية ( وعملُ أهل المدينة الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين ، و أما عملهم بعد موتهم ، و بعد إنقراض عصر من كان بها من الصحابة فلا فرق بينهم و بين عمل غيرهم ، والسنة تحكم بين الناس لا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه و بالله التوفيق ) أ .هـ 31هذا وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد ... )32 قال إبن القيم الجوزية تعليقاً على الحديث : ( هذا حديث حسن إسناده لابأس به ، فقرن سنة خلفائه بسنته و أمر بإتباع سنته وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجد وهذا يتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق علَّق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدين ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آنٍ واحد ، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنتة الخلفاء الراشدين ) 33 أ.هـ
و قال شيخ الأسلام : ( فلولا أن سنته وسنة الخلفء الراشدين تسع المؤمن وتكفيه عند الأختلاف الكثير لم يجز الأمر ذلك ) أ.هـ روى إبن أبي شيبة في مصنفه و البيهقي في سننه من طرق عن أيوب عن نافع عن إبن عمر أنه كان لا يقنت إلا في النصف – يعني من رمضان – و قال الشوكاني : رواه بن نصر بإسناد صحيح 34 وروى مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن داؤد إبن الحصين 35 أنه سمع الأعرج – عبد الرحمن بن هرمز – يقول : ( ما أطركتُ الناسَ إلاَّ وهم يلعنون الكفرة في رمضان ) وفي شرح الرزقاني : قال الباجي : ( الناس ) أي الصحابة رضي الله عنهم ، و قال إبن عبد البر : ( أدرك الأعرج جماعة من الصحابة والتابعين ) أ.هـ وفي ششرح السنة للبغوي : ( قال مالك : أدركت الناس و هم يلعنون الكفرة في النصف الثاني من رمضان و يؤمن الناس على دعاء من يلعن الكفرة ، و لم يكن هذا الدعاء الذي اليوم من أول الشهر إلى آخره ) 36 ، و في الأستذكار لإبن عبد البر : ( روى إبن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنما يكون في النصف الآخر من الشهر و هو يلعن الكفرة و يؤمنُ من خلفه و لا يكون ذلك إلا بعد أن يمر النصف من رمضان و يستقبل النصف الآخر ) أ.هـ
وفي معرفة السنن والأثار للبيهقي : ( قال الشافعي : ويقنتون في النصف الآخر من رمضان وكذلك كان يفعل إبن عمر ومعاذ القارئ ) 37
الخلاصة :
القنوت في النصف الثاني من رمضان مستحب ، وهو الدعاء بلعن الكفرة ، و الدعاء للمؤمنين .
قال أبو إسحاق الشيزاري في المذهب ( والسنة أن يقنت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان ) 38 و القنوت عامة سنة مستحبة .
قال الشوكاني : ( و اعلم أنه قد وقع الأتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقاً كما صرح بذلك صاحب البحر و غيره ) أ.هـ 39 و قد قال بمشروعية القنوت في النصف الأخير من رمضان الأئمة حتى قيل : إنه إجماع كما سبق .
فمن الأئمة من خص القنوت في الوتر برمضان ومنعه عن وتر غير رمضان كالإمام الشافعي ، ومنهم من قال بالقنوت في الوتر في جميع السنة كأحمد في رواية ، وجماعة من كبار الشافعية ، وهو مذهب الحنفية .
و الصواب أن قنوت الوتر غير قنوت رمضان ، و قد تكفلت في هذه الرسالة بإظهار دلائل هذه المغايرة .
فقنوت الوتر يشرع في السَنَةِ كلها – بالصفة المذكورة سابقا – الإ في النصف الأول من رمضان 40 ، وهو مذهب طائفة من السلف كالحسن وقتادة و معمر 41 ، وفي النصف الثاني من رمضان تأتي سنة قنوت رمضان بصفته المذكورة آنفاً .
صفة قنوت رمضان :
يكون بدع الركوع ويجهر به و ترفع فيه الأيدي 42 , ويُؤَمن من خلف الأمام كما ثبتت بذلك الآثار عن الأئمة في عهد عمر , إتباعاً لسنة النبي e التي ثبتت بهذه الأمور في قنوت النازلة . أما ألفاظه فهي الدعاء بلعن الكفرة , و الدعاء للمؤمنين , و ما يتناسب مع حال المسلمين .
و لا يشرع الجمع بين هذا الدعاء ودعاء الوتر الوارد في حديث الحسن بن علي لأن الأئمة في عهد عمر لم يجمعو بينها , وكل خير في إتباع من سلف .
تمت بحمد الله
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
الحواشي :
المراد به ( الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ) من الفتح لإبن حجر( 3/176)
هذا القنوت له أنواع دارت عليها مذاهب العلماءو مجموعها ثلاثة أنواع :
v قنوت عارض : و هو قنوت النازلة , و أدلته معروفة في الصحاح وغيرها
v قنوت جائز : وهو قنوت الوتر , قال شيخ الإسلام : ( و أما القنوت في الوتر فهو جائز وليس بلازم ) أ.هـ مجموع الفتاوى (23/99)
v قنوت راتب : وهو نوعان :
1- قنوت الفجر عند من يقول به كالشافعية وغيره .
2- قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان .
كإبن منده والحاكم و الخطيب .
إبن حزم في الحلى (4/191) , و ما بعدها , و به تقف على دعوى الإجماع على ترك القنوت في الصلوات الأربع من غير سبس الذي نقله البغوي و الحازمي و الشوكاني , و قد أثبت الخلاف شيخ الإسلام إبن تيمية إلأ أنه قال : شاذ (23/ 108) .
كإبن منده أنظر التثريب (2/487) , أنظر نيل الأوطار (2 / 226) .
أنظر بداية المجتهد ( 2/ 254)
أنظر كتب التفسير و الحديث والفقه كالتمهيد (1/136) , طرح التثريب (2/ 485) نصب الراية (1/132) .
النازلة : الشديد من شدائد الدهر تنزل بالناس , كما ف الصحاح للجوهري .
أقول : ليست لك شدة قنت فيها الرسولe , قال الصنعاني : ( ... إلا أنه قد يقال قد نزل به صلى الله عليه و آله وسلم حوادث كحصار الخندق ولم يروا أنه قنت فيه ولعله يقال : ترك لبيان الجواز . أ.هـ سبل السلام ( 1/183).
ومن أهل العلم من علق فعل قنوت النازلة بأمر الأمير أو نائبه – أنظر الإنصاف للمرداوي (2/124)- و أختاره الشيخ إبن عثيمين كمالاً لا أصلاً .. كما في شرحه للممتع (4/61) .
صرح بالإتفاق الشيخ أبو بكر الطرطوشي في كتاب ( الحوادث و البدع ) ص 63 فقال : ( فحصل الإتفاق متهماً – عمر و أُبي – من سائر الصحابة الذين الذين لم نكروا على واحد منهما على أنَّ القنوت مشروع في النصف الآخر ... ) أ.هـ
قال إبن قدامة في المغني ( 1/784) , ( وهذا كالإجماع )
* قلت : لو قال : وهذا إجماع قديم .. لكان أصوب .
ثم إن هذا الإتفاق مبني على تقرر عند العلماء من أنَّ قول الصحابي إذا إنتشر و لم يوجد له مخالف أنه إجماع وحجة ففي إعلام الموقعين لإبن القيم (4/104 ) : ( إن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر فإما أن يشتهر قوله أو لا يشتهر , فإن إشتهر فالذي عليه جماهير الطوئف من الفقهاء إنه إجماع وحجة ) أ.هـ
ضف الى هذا أن قنوت رمضان سعتبر من العمل القديم بالمدينة و قد بين شيخ الإسلام إبن تيمية أنَّ إجماع أهل المدينة على أربع مراتب , قال : ( المرتبة الثانية العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان t فهذا حجة في مذهب مالك , وهو النصوص عن الشافعي , قال في رواية يؤنس بن عبد الأعلى , إذا رأيت قدماء المدينة على شيء فلا تتوقف في قلبك ريباً أنه الحق , و كذا ظاهر مذهب أحمد أنَّ ماسنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب إتباعها ) أ.هـ مجموع الفتاوى ( 20/ 308) .
مجموع الفتاوى (22/104)
أنظر كتاب الإستقامة ص29 , و زاد المعاد (1/283)
راجع زاد المعاد (1/275)
أنظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (2/248)
أنظر الفتاوى الكبرى (2/248) زاد المعاد ( 1/285)
ومما يؤيده ( ماروه محمد بن نصر أنه سأل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر ؟ و قال : بعث عمر بن الخطاب جيشاً فتورطوا متورطاً فخاف عليهم , فلما كان النصف من رمضان قنت يدعو لهم ) نيل الأوطار ( 2/226) . ولم يسق إسناده لينظر , و المرجع ليس في متناول اليد .
أنظر السسن الكبرى للبيهقي (2/298- 300)
قال إبن حجر ( أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم في الدعاء ولو بالتأمين ) أ.هـ الفتح (3/177)
في الأم ( 1/272) : ( ولا قنوت في صلاة العيدين والإستسقاء فإن قنت لنازلة لم أكرهه , أن قنوت من غير نازلة كرهت له )
( أبو حليمة بن الحارث الأنصاري t الخزرجي من بن مالك النجار صحابي , يقال أنه شهد الخندق , و يقال بل كان صغيراً في حياة النبيe و له رواية عن أبي بكر وعمر علي رضي الله عنهم و كان عمر رضي الله عنه رتبه إماماً في التراويح إذا غاب أبي بن كعب , فكان يؤم بهم في العشر الأخير ) من القول البديع للسخاوي ص263
القول البديع ص263
جلاء الأفهام ص296
القول البديع ص262
من كبار التابعين من الطبقة الأولى روى عن عمر وأبي أيوب و أبي هريرة كما في التهذيب , أخرج له الجماعة , وفي ترجمته أنه كان عاملآً لعمر على بيت المال , وهو ثقة , بل يقال له صحبة . التهذيب ( 2/393) .
أختلف العلماء إذا قال التابعي : من السنة كذا , على أقوال معلومة في مصطلح الحديث و أصول الفقه : أنه موقوف على بعض الصحابة و هم الخفاء الراشدون . ومنها أنه مرفوع إلى النبي e ولكه مرسل , وغيرها . و المختار هو الأول , والله أعلم.
وهو كما قال , و هاك أحوال رجال الإسناد :
أبو الحسن الحافظ مخرج الأثر إسمه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد البغدادي البراز .
قال الذهبي في السيرة ( 17/258) ( الإمام المحدث , المتقن ,... ) و فيه ( قال الخطيب : كان ثقة صدوقاً كثير السماع والكتابة , حسن الإعتقاد مديماً التلاوة) أ.هـ
عثمان بن السماك : أبو عمر و الدقاق , ذكره الخطيب في تاريخه وقال : ثقة كما في الصحيحة للألباني ( 3/344)
محمد بن عبد الحمن بن كامل : ذكره الخطيب في تاريخه أيضاً وقال : وكان ثقة حسن الحديث (2/316)
سعيد بن حفص بن نفيل أبو عمر الحرَّاني : قال في التقريب ( صدوق تغير في آخر عمره)
* قالت ولكنه لزم بيته كما في التهذيب , وفيه وقال مسلمة بن قاسم : ثقة .
مغقل بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي , قال في التقريب : صدوق يخطئ .
* قلت : هو حسن الحديث , روى له مسلم و أبو داؤد والنسائي , قال إبن عدي : ( هو حسن الحديث لم أجد في حديثه
منكراً , و قال أحمد والنسائي صالح الحديث ) من تهذيب التهذيب
وقال الذهبي في الميزان (4/146) :(هو عن الأكثرين صدوق لابأس به )
محمد بن شهاب الزهري : متقن حافظ .
عبد الحمن بن عبد القاري : ثقة سبقت ترجمته .
ص263
هذا وقد قلت في الطبعة الأولى :( ولكن الحسن في هذه الآثار يحكي علماً وواقعاً ولم يرو حديثاً , هذا العلم تلقاه عن من قبله ) قلت هذا بناءً على أن ما تواتر معناه أغنى تواتره عن الإسناد , وكم من علم منم أخبار و حوادث تلقاه الناس و علموه بالعمل المتصل , أو بالأشتهار قال أبو عمر إبن عبد البر ( والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول إقتاداً برسول الله e على رعل و ذكوان والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ) أ.هـ بواسطة بداية المجتهد (1/254)
خرجه برقم -1100- بتحقيح د/ محمد مصطفى الأعظمي .
وإسناده صحيح وخرجه البيهقي في السنن (2/298) وصححه الألباني .
صلاة الكسوف ليست تطوع بل هي واجبة كما هو موضح بدليله في موضعه .
مجموع الفتاوى (22/413).
من حديث أبي بن كعب , خلرجه أبو داؤد والنسائي وإبن ماجة , وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات ماعدا واحداً – وهو مخلد بن يزيد الحرَّاني – له طرق وشواهد يكون بها صحيحاً , و صححه الألباني في الإرواء ( 2/167)
نعم , قد ضعفه جماعة من الحفاظ كما في التلخيص الحبير , و أعله أبو داؤد في سنن بالإختلاف في متنه , قال الألباني : ( وهذا الإعلال ليس لإتفاق الجماعة من الثقات على رواية هذه الزيادة فهي مقبولة , ولذلك صحح الحديث غير واحد من العلماء )أ.هـ
أفاده الشيخ الألباني في كتابه صفة الصلاة ص160.
في الأذكار للنووي ص59 ( وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولايجزئ غيره ) .
* قلت : هذا نظير التقيد بالأدعية النبوية بعد التشهد وهو اختيار شيخ الإسلام , ونقله عن الإمام أحمد , كما في مجموع الفتاوى
* (22/) وأختاره الألباني أنظر صفة الصلاة ص164 .
تنبيه : جاءت الفاظ القنوت في حديث الحسن بن علي مقيدة بالوتر في أكثر طرق الحديث المروية عن بريد بن أبي الحوراء السعدي – ربيعة بن شيبان – عن الحسن بن علي قال : ( علمني رسول الله e كلمات أقولهن في قنوت الوتر :... ) وبه قطع البيهقي و النووي إبن تيمية و إبن حجر و الألباني .
وقد ضعف بعض الأئمة هذه الزيادة – في الوتر بحجة أن شعبة إبن الحجاج قد روى الحديث عن ر\بريدة بغير هذه الزيادة وهو أقوى حقظاً ممن زادها , ثم إبن خزيمة في صحيحه (2/152- 153) قال : ( ولو ثبت الخبر عن النبي e بالقنوت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي e , ولست أعلمه ثابتاً ) أ.هـ
هذه ليست علة قادحة , لأن هذه الزيادة ليس فيها مخالفة لمن روى الحديث بدونها , وهي زيادة من ثقات . ثم إن شعبة قد روى هذه الزيادة بإسناد الصحيح عنه عند الطبراني في المعجم الكبير كما أفاد الألباني في الإرواء (2/173) .
الفتاوى الكبرى (2/ )
أنظر المجموع للنووي (3/501)
أنظر تمام المنة ص177 , ومما قاله الشيخ - رحمه الله – ( والأصل فيه – الدعاء - الإسرار لقوله تعالى :(( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين )) فلا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلاَّ بدليل صحيح ) أ.هـ
فائدة قال النووي في المجموع (3/499) ( قال البغوي يكره إطالة القنوت كما يكره إطالة التشهد الأول ) أ.هـ
أنظر المجموع شرح المهذب (3/493) , وهذا القول وجه مشهور عند الشافعية و نقله ابن المنذر في الأوسط (5/213) . و عن مالك و الأوزاعي و غيرهما .
وقال الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله – في ( تحفة المجيب ) ص139 ( رفع اليدين في القنوت ليس مشروعاً أ.هـ وجاء في إرواء الغليل للألباني – رحمه الله – (2/181) ( وثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر ) أ.هـ
* قلت : أي قنوت وتر رمضان وليس مطلق الوتر , وقنوت رمضان أصله قنوت نازلة كما نص العلماء , وقنوت النازلة السنة فيه رفع اليدين . وأيضاً بالرجوع إلى سنن الالبيهقي الذي خرج الآثار عن عمر تبين إنه في قنوت النازلة , أنظر سسن البيهقي (2/300)
والقول بان قنوت الوتر قبل الركوع وهو مذهب إبن مسعود و سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وإسحاق وغيرهم نقله الترمذي في سننه (2/329) بتحقيق أحمد شاكر.
قال الحافظ بن حجر : ( إسنادها منقطع , فإن عبد الله علي بن الحسن بن علي لم يلحق الحسن بن علي , ... ) أ.هـ من التلخيص ( 1/264) وقال الألبني في الصفة ص160: ( إسنادها ضعيف وقد ضعفها الحافظ إبن حجر و القسطلاني و الزرقاني وغيرهم ) أ.هـ
بواسطة صفة الصلاة للألباني ص161
زاد المعاد (1/261)
رواه أصحاب السنن من حديث العرباض بن سارية .
إعلام الموقعين (4/122)
الإستقامة ص4 بتحقيق د/ أحمد رشاد سالم , و الشاطبي – رحمه الله – كلم متين بديع في وجوب إتباع الصحابة أنظر في كتابه ( الموافقات )
نيل الأوطار (25/226)
فيه كلام ولكنه غير مفسِّر إلاِّ عن عكرمة ووثقه آخرون , لذا قال الحافظ في التقريب : ( ثقة إلاِّ في عكرمة ).
شرح السنة
الإستذكار (5/160)
معرفة السنن والآثار (2/306)
مع شرح المجموع ( 4/11)
نيل الأوطار (2/158)
هذا إن صلى في جماعة أما إن صلى منفرداً فيشؤع له قنوت الوتر وبه صرح الحسن البصري .
نيل الأوطار (2/262)
فائده : قال الشيخ إبن عثيمين – رحمه الله - : ( وظاهر كلام لأهل العلم أنه يضم اليدين بعضهما على بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً , أما التفريج والمباعدة بينها فلا أعلم له أصلاً من السنة ولا من كلام العلماء ) شرح الممتع ( 4/25)
المقدمة
إن الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فأني أتقدم بهذه الرسالة المتواضعة وهي – حقاً – جهد المقل إلى كل المسلمين ، وإلى من يهمه التحقيق العلمي ، والبحث الدقيق ، هذا وقد نشرت هذه الرسالة بصورة مختصرة على حسب ما اقتضاه المقام ، ثم تجمعت لديَّ زيادات مهمة ، فأحببت أن يعيد طبع هذه الرسالة مرةَ أخرى مضيفاً إليها الزيادات المشار إليها حتى تعم الفائدة ، ويزول مارا فق الطبعة الأولى من قصور وقد رتبتها ترتيباً جديداً عما كانت عليه في إبتكارها .
كتبه :
أبو عمار الحضرمي
معاذ بن سالم عويض
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الآنبياء و المرسلين وعلى آله وصحبه أحمعين .
أما بعد :
فأن القنوت 1 من الأحكام التي خصها بعض العلماء بمزيد عناية فخصوه بالتصنيف وأفرده بالتأليف 2 ، وإني طالعت ما ماتيسر لي من كتب الفقه شروحاًو فروعاً فرأيت تداخلاً فب مسائله وتوحيداً لأنواعه وتباعداً في مذاهبه حتى صارت تمشي في خطين متوازيين ، فمن مذاهبهم أن القنوت يشرع في كل الصلوات دون تققد بالنازلة إعتماداً على الأحاديث الواردة في القنوت عموماً و على كونه دعاء وطاعة 3 ، ومنهم من منعهم مطلقاً و قال : إنه بدعة 4 ، ومنهم من خصه بموضع زمنع ماسواه مطلقاً 5 ، وهذا التباين الكبير يرجع إلى أسباب وهي :
الأشتراك الوارد على لفظ ( القنوت ) فالقنوت لفظ مشترك يطلق بازاء معانٍ كثيرة ٍ 6 ، فهذا الأشتراك كان سبباً في إختلاف الفقهاء في مسألة القنوت ، فكثير من الفقهاء لم يحقوا ولم يراعوا معاني القنوت شرعاً ولغةً و إنما تعاملوا معه على وتيرةٍ واحدةٍ بمعنى واحد نفياً وإثباتاً .
الأشتباه الحاصل بعم التفريق بين قنوت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم لعارض وهو ما يسميه الفقهاء النازلة 7، وبين غيره مما يظن أنه واظب عليه كقنت الفجر ، أو أرشد إليه بقوله أحياناً كقنوت الوتر ، وبين ماهو من فعل الصحابة وأتفقوا عليه 8 .
قال شيخ الأسلام : ( إنما تغلظ الأذهان من حيث تجعل العارض راتباً ، أو تجعل الراتب لايتغير بحال ، ومن إهتدى للفرق بين المشروعات الراتبة والعارضة انحلة عنه هذه المشكلات الكثيره ) أ. هـ
فهذا الأشتراك في الألفاظ والأشتباه في الأحوال مما يوقع للفقهاء إختلافاً و إضطراباً كثيراً كما نبه شيخ الأسلام وتلميذه إبن القيم 9.
إعتمادهم على بعض الأحاديث الواردة في القنوت ، و إ عتقادهم صحتها ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها كالوارد في قنوت الفجر و كذالك الأثار الوارده عن عمر وعلىرضي الله عنهما ، والصحيح أن الحديث الوارد ضعيف ، ضعفه العلماء المحققون 10، وقنوت عمر رضي الله عنه وعلي كان لنازلة وليس راتبه 11 ، و الغرض من بحثي هذا هو تحديد نوعية قنوت رمضان الذي كان يفعله السلف ، أهو قنوت وتر ؟ أم هو قنوت سنةٍ راشدة ؟
وبعد هذا البحث كتبت هذه الورقات ، سائلاً الله تبارك وتعالى ظان تكون هذه الخلاصةصائبة وموفقة ، وعصارة صافية مسددة فاله حسبي ونعم المعين .
v فأقول :
عن القنوت الثابت في النصف الأخير من رمضان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما هو في الأصل قنوت نازلة كما جزم بذالك إبن تيمية وإبن القيم ، ولهذا جاءت الأثار عن الصحابة سواء كان في عهد عمر أو علي رضي الله عنهما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النازلة إذ كان قنوتهم بعد الركوع ويرفعون أيديهم ويؤمن من خلفهم ، غير أن الصحابة في عهد عمر رضي الله عهم زادوا أموراً فيه منها :
1. أنهم زادوه في صلاة التطوع – التراويح – بينما السنة النبوية تخصيص قنوت النازلة بالصلوات المكتوبة ،2. وعلى هذا مذهب العلماء .
ولعل الصحابة رضي الله عنهم لاحظوا صفة جامعة بين صلاة التراويح وبين الفريضة ألا وهي صفة الجماعة ولهذا أجازوا سحب القنوت إليها لوجود العلة وهي اجتماع دعاء جميع المسلمين 12 ، وقد ذهب بعض العلماء كالشافعي إلى جواز قنوت النازلة في صلاة التطوع التي تشرع لها الجماعة كالعيدين و الإستسقاء و نحوها 13 .
3. زاد الصحابة رضي الله عنهم في قنوت رمضان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال السخاوي : ( وعن معاذ أبي حليمة القارئ 14 أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت . ) رواه إسماعيل القاضي ومحمد بن نصر المروزي و غيرهما ،4. وهو موقوف صحيح .
وقد قنت النبي صلى الله عليه وسلم قنوت النازلة ولم ينقل أنه صلى على نفسه فيه ، فتبقى مشروعية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - خاصة بقنوت رمضان إذا قنت لنازلة في غيره ، تركت الصلاة عليه – عليه الصلاة والسلام - إقتداءً به صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى يقول: ( لقد كان لكم في رسول الله اُسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر ) .
ولهذا قال إبن القيم : ( وهو مستحب في قنوت رمضان 15 ، واتبعه السخاوي فقال مثلما قال 16.
5. إنَّ الصحابة خصوا القنوت بالنصف الأخير ،6. ولعل الحكمة من ذلك هو أنَّ النصف الأخير مظنة ليلة القدر ،7. وقد علموا أنّ النبي e قال : تحروها في أوتار العشر الأواخر ،8. فالدعاء مستجاب بلاريب .
وعل التخصيص مشى العلماء من بعدهم . فعن عبدالرحمن القاري 17 : ( السنة 18 ، إذا انتصف شهر رمضان أن يلعن الكفرة في آخر ركعة من الوتر ، بعدما يقول القارئ سمع الله لمن حمده ، ثم يلعن الكفرة ) . قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/25) ( رويناه في فوائد أبي الحسن بن رزقويه عن عثمان بن السمّاك عن نحمد بن عبد الرحمن بن كامل عن سعيد بن حفص قال : قرأنا على معقل عن الزهري عن عبد الرحمنبن القاري أنَّ عمر خرج في شهر رمضان وهو معه فرأى أهل المسجد أوزاعاً متفرقين ، و أمر أُبي بن كعب أن يقوم بهم في شهر رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال نعمة البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون – يريد آخر الليل – وكانوا يقومون في أوله وقال : السنة إذا انتصف شهر رمضان أن يلعن الكفر في آخر ركعة من الوتر بعد ما يقول القارئ : سمع الله لمن حمده ،ثم يقول اللهم إلعن الكفار ، وإسناده حسن ) 19 أ. هـ
وفي البديع السخاوي : ( وعن الزهري قال كانو يلعنون الكفرة في رمضان ، يشير إلى دعاء القنوت ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعون للمسلمين .
وعن وهيب بن خالد عن أيوب - ,هو من صغار الصحابة وكبار التابعين – فذكر نحوه ، أخرجهما محمد بن نصر في ( قيام الليل ) له وسندهما صحيح أ. هـ
وروى عبد الرزاق في مصنفه (4/259) : عن معمر عن أيوب عن إبن سيرين قال ) كان أبي يقوم بالناس على عهد عمر في رمضان ، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة ، فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله ، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر ، حتى كانوا يسمعونه يقول : اللهم قحط المطر ، فيقولون : آمين . فيقول ما أسرع ما تقولون آيمن . دعوني حتى أدعو ) وروى إبن أبي شيبة في المصنف (2/204) : حدثنا محمد بن بشير قال حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن أن أبياً أمَّ بالناس في خلافة عمر فصلى فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبقى وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر . وروى أيضاً : حدثنا سهل بن يوسف عن عمروعن الحسن أن عمر حين أمر أبياً أم الناس في رمضان، وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي في لليلة ست عشرة قال : و كان الحسن يقول : إذا كان إماماً قنت في النصف الثاني و إذا لم يكن إماماً قنت الشهر كله .
هذه الأثار منقطعة الأسناد ، لان الحسن لم يدرك عمر ولكن معناها محفوظ 20 من رواية عبد الرحمن بن عبد القاري الموصلة الصحيحة عند إبن خزيمة في صحيحه من طريق إبن شهاب أخبرني عروة إبن الزبير أنَّ عبد الرحمن بن عبد القري – وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال – أنَّ عمر خرج ليلة في رمضان ، فخرج معه عبد الرحمن بن القاري فطاف بالمسجد ، وأهل المسجد أوزاع متفرقين ، يصلي الرجل بنفسه ويصلي االرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثلَ لهم ، ثم عزم عمر على ذلك ، وأمر أبي إبن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمة البدعة هي ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون – يريد آخر الليل – فكان الناس يقومون أوله ، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف ، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رُسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ،وخاف بين كلمتهم ، وألق في قلوبهم الرعب و ألقي عليهم رجزك و عذابك ، إله الحق ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعو المسلمين بما استطاع من خير ، ثم ثم يستغفر للمؤمنين ،قال – وكان إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلاته للمؤمنين و المؤمنات ومسألته – اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، و إليك نسعى ونحفد ، و نرجو رحمتك نخاف عذابك إن عذابك لمن عاديت ملحق ، ثم يكبر ويهوي ساجداً .
اما أن َّ قنوت رمضان ليس قنوت وتر فهو أوضح من أن يشتبه على أحد ، و برهانه بالدلائل التالية :
قنوت الوتر شرع للمنفرد ، لأن الأصل في صلاة الوتر الأنفراد ، قال الشيخ الأسلام : ( صلاة التطوع في جماعة نوعان أحدهما – ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف 21 و الأستسقاء وقبام رمضان ، فهذا يفعل في جماعة دائماً كما مضت به السنة . الثاني : ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل ، و السنن الرواتب والضحى وتحبة المسجد و نحو ذلك ) أ. هـ22
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر 23 لكنه لم يداوم على فعله بدليل أن الذين رووا أحاديث صلاة الوتر لم يذكروا القنوت فيها ، فلو كان علية الصلاة والسلام يفعله دائماً لنقلوه جميعاً 24 ، بيمنا دوام الصحابة و التابعين رضوان الله عليهم على قنوت رمضان في كل أيام النصف الثاني من كل عام كما يدل عليه آثارهم و أقوال االأئمة من بعده .
إن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه لم يتقيدوأ بألفاظ قنوت الوتر الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن بن علي واو كان قنوتهم قنوت وتر لما عدلوا عن الفاظ النبوية ، وهم يعلمون أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل : إنَّ الفاظ قنوت الوتر متعينة 25 أما قنوت النازلة فدعاؤه يتناسب مع حال النازلة كما بين شيخ الأسلام .
لا يشرع في قنوت الوتر الجهر به – وإن صلى جماعة – مثله مثل أدعية الإستفتاح و التشهد 25 لأن الأصل في الأدعية و الأذكار السر 26 ، قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعاً و خفية إنه لا يحب المعتدين ) و قال جل وعلا ( و أذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ، ولاتكن من الغافلين ) . وقال الحاقظ إبن حجر في التلخيص الحبير (1/ 267) (... فليس في شئ من الأخبار ما يدل على أنه جهر به ، بل القياس أنه يسر به كباقي الأذكار التي تقال في الأركان ) أهـ
قلت : قال هذا في عرض كلامه عن قنوت الفجر ، فريضة شعيرتها الجماعة ، فتنبه .
وهو وجه مشهور للشافعية كما في المجموع للنووي ( 3/ 501) 27
لايشرع رفع اليدين في قنوت الوتر ، قال صاحب المذهب أبو إسحاق الشيرازي : ( أما رفع اليدين في القنوت ، فليس فيه نص ، ... ، لأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب له رفع اليد كالدعاء في التشهد .)28
الثابت من قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر هو القنوت قبل الركوع وليس بعده .
قال العلامة الألباني في الإرواء (2 /163 ) ، ( ... ، وذلك أنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت قبل الركوع ، ويشهد له آثار كثيرة عن الصحابة ، ...) و قال ( 2/166) : ( و الخلاصة أن الصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر ) أ.هـ
ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد النسائي في روايته ، ولكن إسنادها ضعيف 29 قال العز بن عبد السلام : ( ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت ، و لا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ ) أ.هـ 30 إن قنوت رمضان صار سنة راشدة مشى عليها السلف والإئمة ، وما أحسن ما قال إبن القيم الجوزية ( وعملُ أهل المدينة الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين ، و أما عملهم بعد موتهم ، و بعد إنقراض عصر من كان بها من الصحابة فلا فرق بينهم و بين عمل غيرهم ، والسنة تحكم بين الناس لا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه و بالله التوفيق ) أ .هـ 31هذا وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد ... )32 قال إبن القيم الجوزية تعليقاً على الحديث : ( هذا حديث حسن إسناده لابأس به ، فقرن سنة خلفائه بسنته و أمر بإتباع سنته وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجد وهذا يتناول ما أفتى به جميعهم أو أكثرهم أو بعضهم لأنه علق علَّق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدين ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آنٍ واحد ، فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنتة الخلفاء الراشدين ) 33 أ.هـ
و قال شيخ الأسلام : ( فلولا أن سنته وسنة الخلفء الراشدين تسع المؤمن وتكفيه عند الأختلاف الكثير لم يجز الأمر ذلك ) أ.هـ روى إبن أبي شيبة في مصنفه و البيهقي في سننه من طرق عن أيوب عن نافع عن إبن عمر أنه كان لا يقنت إلا في النصف – يعني من رمضان – و قال الشوكاني : رواه بن نصر بإسناد صحيح 34 وروى مالك في الموطأ بإسناد صحيح عن داؤد إبن الحصين 35 أنه سمع الأعرج – عبد الرحمن بن هرمز – يقول : ( ما أطركتُ الناسَ إلاَّ وهم يلعنون الكفرة في رمضان ) وفي شرح الرزقاني : قال الباجي : ( الناس ) أي الصحابة رضي الله عنهم ، و قال إبن عبد البر : ( أدرك الأعرج جماعة من الصحابة والتابعين ) أ.هـ وفي ششرح السنة للبغوي : ( قال مالك : أدركت الناس و هم يلعنون الكفرة في النصف الثاني من رمضان و يؤمن الناس على دعاء من يلعن الكفرة ، و لم يكن هذا الدعاء الذي اليوم من أول الشهر إلى آخره ) 36 ، و في الأستذكار لإبن عبد البر : ( روى إبن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنما يكون في النصف الآخر من الشهر و هو يلعن الكفرة و يؤمنُ من خلفه و لا يكون ذلك إلا بعد أن يمر النصف من رمضان و يستقبل النصف الآخر ) أ.هـ
وفي معرفة السنن والأثار للبيهقي : ( قال الشافعي : ويقنتون في النصف الآخر من رمضان وكذلك كان يفعل إبن عمر ومعاذ القارئ ) 37
الخلاصة :
القنوت في النصف الثاني من رمضان مستحب ، وهو الدعاء بلعن الكفرة ، و الدعاء للمؤمنين .
قال أبو إسحاق الشيزاري في المذهب ( والسنة أن يقنت في الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان ) 38 و القنوت عامة سنة مستحبة .
قال الشوكاني : ( و اعلم أنه قد وقع الأتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقاً كما صرح بذلك صاحب البحر و غيره ) أ.هـ 39 و قد قال بمشروعية القنوت في النصف الأخير من رمضان الأئمة حتى قيل : إنه إجماع كما سبق .
فمن الأئمة من خص القنوت في الوتر برمضان ومنعه عن وتر غير رمضان كالإمام الشافعي ، ومنهم من قال بالقنوت في الوتر في جميع السنة كأحمد في رواية ، وجماعة من كبار الشافعية ، وهو مذهب الحنفية .
و الصواب أن قنوت الوتر غير قنوت رمضان ، و قد تكفلت في هذه الرسالة بإظهار دلائل هذه المغايرة .
فقنوت الوتر يشرع في السَنَةِ كلها – بالصفة المذكورة سابقا – الإ في النصف الأول من رمضان 40 ، وهو مذهب طائفة من السلف كالحسن وقتادة و معمر 41 ، وفي النصف الثاني من رمضان تأتي سنة قنوت رمضان بصفته المذكورة آنفاً .
صفة قنوت رمضان :
يكون بدع الركوع ويجهر به و ترفع فيه الأيدي 42 , ويُؤَمن من خلف الأمام كما ثبتت بذلك الآثار عن الأئمة في عهد عمر , إتباعاً لسنة النبي e التي ثبتت بهذه الأمور في قنوت النازلة . أما ألفاظه فهي الدعاء بلعن الكفرة , و الدعاء للمؤمنين , و ما يتناسب مع حال المسلمين .
و لا يشرع الجمع بين هذا الدعاء ودعاء الوتر الوارد في حديث الحسن بن علي لأن الأئمة في عهد عمر لم يجمعو بينها , وكل خير في إتباع من سلف .
تمت بحمد الله
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
الحواشي :
المراد به ( الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ) من الفتح لإبن حجر( 3/176)
هذا القنوت له أنواع دارت عليها مذاهب العلماءو مجموعها ثلاثة أنواع :
v قنوت عارض : و هو قنوت النازلة , و أدلته معروفة في الصحاح وغيرها
v قنوت جائز : وهو قنوت الوتر , قال شيخ الإسلام : ( و أما القنوت في الوتر فهو جائز وليس بلازم ) أ.هـ مجموع الفتاوى (23/99)
v قنوت راتب : وهو نوعان :
1- قنوت الفجر عند من يقول به كالشافعية وغيره .
2- قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان .
كإبن منده والحاكم و الخطيب .
إبن حزم في الحلى (4/191) , و ما بعدها , و به تقف على دعوى الإجماع على ترك القنوت في الصلوات الأربع من غير سبس الذي نقله البغوي و الحازمي و الشوكاني , و قد أثبت الخلاف شيخ الإسلام إبن تيمية إلأ أنه قال : شاذ (23/ 108) .
كإبن منده أنظر التثريب (2/487) , أنظر نيل الأوطار (2 / 226) .
أنظر بداية المجتهد ( 2/ 254)
أنظر كتب التفسير و الحديث والفقه كالتمهيد (1/136) , طرح التثريب (2/ 485) نصب الراية (1/132) .
النازلة : الشديد من شدائد الدهر تنزل بالناس , كما ف الصحاح للجوهري .
أقول : ليست لك شدة قنت فيها الرسولe , قال الصنعاني : ( ... إلا أنه قد يقال قد نزل به صلى الله عليه و آله وسلم حوادث كحصار الخندق ولم يروا أنه قنت فيه ولعله يقال : ترك لبيان الجواز . أ.هـ سبل السلام ( 1/183).
ومن أهل العلم من علق فعل قنوت النازلة بأمر الأمير أو نائبه – أنظر الإنصاف للمرداوي (2/124)- و أختاره الشيخ إبن عثيمين كمالاً لا أصلاً .. كما في شرحه للممتع (4/61) .
صرح بالإتفاق الشيخ أبو بكر الطرطوشي في كتاب ( الحوادث و البدع ) ص 63 فقال : ( فحصل الإتفاق متهماً – عمر و أُبي – من سائر الصحابة الذين الذين لم نكروا على واحد منهما على أنَّ القنوت مشروع في النصف الآخر ... ) أ.هـ
قال إبن قدامة في المغني ( 1/784) , ( وهذا كالإجماع )
* قلت : لو قال : وهذا إجماع قديم .. لكان أصوب .
ثم إن هذا الإتفاق مبني على تقرر عند العلماء من أنَّ قول الصحابي إذا إنتشر و لم يوجد له مخالف أنه إجماع وحجة ففي إعلام الموقعين لإبن القيم (4/104 ) : ( إن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر فإما أن يشتهر قوله أو لا يشتهر , فإن إشتهر فالذي عليه جماهير الطوئف من الفقهاء إنه إجماع وحجة ) أ.هـ
ضف الى هذا أن قنوت رمضان سعتبر من العمل القديم بالمدينة و قد بين شيخ الإسلام إبن تيمية أنَّ إجماع أهل المدينة على أربع مراتب , قال : ( المرتبة الثانية العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان t فهذا حجة في مذهب مالك , وهو النصوص عن الشافعي , قال في رواية يؤنس بن عبد الأعلى , إذا رأيت قدماء المدينة على شيء فلا تتوقف في قلبك ريباً أنه الحق , و كذا ظاهر مذهب أحمد أنَّ ماسنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب إتباعها ) أ.هـ مجموع الفتاوى ( 20/ 308) .
مجموع الفتاوى (22/104)
أنظر كتاب الإستقامة ص29 , و زاد المعاد (1/283)
راجع زاد المعاد (1/275)
أنظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (2/248)
أنظر الفتاوى الكبرى (2/248) زاد المعاد ( 1/285)
ومما يؤيده ( ماروه محمد بن نصر أنه سأل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر ؟ و قال : بعث عمر بن الخطاب جيشاً فتورطوا متورطاً فخاف عليهم , فلما كان النصف من رمضان قنت يدعو لهم ) نيل الأوطار ( 2/226) . ولم يسق إسناده لينظر , و المرجع ليس في متناول اليد .
أنظر السسن الكبرى للبيهقي (2/298- 300)
قال إبن حجر ( أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم في الدعاء ولو بالتأمين ) أ.هـ الفتح (3/177)
في الأم ( 1/272) : ( ولا قنوت في صلاة العيدين والإستسقاء فإن قنت لنازلة لم أكرهه , أن قنوت من غير نازلة كرهت له )
( أبو حليمة بن الحارث الأنصاري t الخزرجي من بن مالك النجار صحابي , يقال أنه شهد الخندق , و يقال بل كان صغيراً في حياة النبيe و له رواية عن أبي بكر وعمر علي رضي الله عنهم و كان عمر رضي الله عنه رتبه إماماً في التراويح إذا غاب أبي بن كعب , فكان يؤم بهم في العشر الأخير ) من القول البديع للسخاوي ص263
القول البديع ص263
جلاء الأفهام ص296
القول البديع ص262
من كبار التابعين من الطبقة الأولى روى عن عمر وأبي أيوب و أبي هريرة كما في التهذيب , أخرج له الجماعة , وفي ترجمته أنه كان عاملآً لعمر على بيت المال , وهو ثقة , بل يقال له صحبة . التهذيب ( 2/393) .
أختلف العلماء إذا قال التابعي : من السنة كذا , على أقوال معلومة في مصطلح الحديث و أصول الفقه : أنه موقوف على بعض الصحابة و هم الخفاء الراشدون . ومنها أنه مرفوع إلى النبي e ولكه مرسل , وغيرها . و المختار هو الأول , والله أعلم.
وهو كما قال , و هاك أحوال رجال الإسناد :
أبو الحسن الحافظ مخرج الأثر إسمه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد البغدادي البراز .
قال الذهبي في السيرة ( 17/258) ( الإمام المحدث , المتقن ,... ) و فيه ( قال الخطيب : كان ثقة صدوقاً كثير السماع والكتابة , حسن الإعتقاد مديماً التلاوة) أ.هـ
عثمان بن السماك : أبو عمر و الدقاق , ذكره الخطيب في تاريخه وقال : ثقة كما في الصحيحة للألباني ( 3/344)
محمد بن عبد الحمن بن كامل : ذكره الخطيب في تاريخه أيضاً وقال : وكان ثقة حسن الحديث (2/316)
سعيد بن حفص بن نفيل أبو عمر الحرَّاني : قال في التقريب ( صدوق تغير في آخر عمره)
* قالت ولكنه لزم بيته كما في التهذيب , وفيه وقال مسلمة بن قاسم : ثقة .
مغقل بن عبيد الله الجزري أبو عبد الله العبسي , قال في التقريب : صدوق يخطئ .
* قلت : هو حسن الحديث , روى له مسلم و أبو داؤد والنسائي , قال إبن عدي : ( هو حسن الحديث لم أجد في حديثه
منكراً , و قال أحمد والنسائي صالح الحديث ) من تهذيب التهذيب
وقال الذهبي في الميزان (4/146) :(هو عن الأكثرين صدوق لابأس به )
محمد بن شهاب الزهري : متقن حافظ .
عبد الحمن بن عبد القاري : ثقة سبقت ترجمته .
ص263
هذا وقد قلت في الطبعة الأولى :( ولكن الحسن في هذه الآثار يحكي علماً وواقعاً ولم يرو حديثاً , هذا العلم تلقاه عن من قبله ) قلت هذا بناءً على أن ما تواتر معناه أغنى تواتره عن الإسناد , وكم من علم منم أخبار و حوادث تلقاه الناس و علموه بالعمل المتصل , أو بالأشتهار قال أبو عمر إبن عبد البر ( والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول إقتاداً برسول الله e على رعل و ذكوان والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ) أ.هـ بواسطة بداية المجتهد (1/254)
خرجه برقم -1100- بتحقيح د/ محمد مصطفى الأعظمي .
وإسناده صحيح وخرجه البيهقي في السنن (2/298) وصححه الألباني .
صلاة الكسوف ليست تطوع بل هي واجبة كما هو موضح بدليله في موضعه .
مجموع الفتاوى (22/413).
من حديث أبي بن كعب , خلرجه أبو داؤد والنسائي وإبن ماجة , وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات ماعدا واحداً – وهو مخلد بن يزيد الحرَّاني – له طرق وشواهد يكون بها صحيحاً , و صححه الألباني في الإرواء ( 2/167)
نعم , قد ضعفه جماعة من الحفاظ كما في التلخيص الحبير , و أعله أبو داؤد في سنن بالإختلاف في متنه , قال الألباني : ( وهذا الإعلال ليس لإتفاق الجماعة من الثقات على رواية هذه الزيادة فهي مقبولة , ولذلك صحح الحديث غير واحد من العلماء )أ.هـ
أفاده الشيخ الألباني في كتابه صفة الصلاة ص160.
في الأذكار للنووي ص59 ( وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولايجزئ غيره ) .
* قلت : هذا نظير التقيد بالأدعية النبوية بعد التشهد وهو اختيار شيخ الإسلام , ونقله عن الإمام أحمد , كما في مجموع الفتاوى
* (22/) وأختاره الألباني أنظر صفة الصلاة ص164 .
تنبيه : جاءت الفاظ القنوت في حديث الحسن بن علي مقيدة بالوتر في أكثر طرق الحديث المروية عن بريد بن أبي الحوراء السعدي – ربيعة بن شيبان – عن الحسن بن علي قال : ( علمني رسول الله e كلمات أقولهن في قنوت الوتر :... ) وبه قطع البيهقي و النووي إبن تيمية و إبن حجر و الألباني .
وقد ضعف بعض الأئمة هذه الزيادة – في الوتر بحجة أن شعبة إبن الحجاج قد روى الحديث عن ر\بريدة بغير هذه الزيادة وهو أقوى حقظاً ممن زادها , ثم إبن خزيمة في صحيحه (2/152- 153) قال : ( ولو ثبت الخبر عن النبي e بالقنوت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي e , ولست أعلمه ثابتاً ) أ.هـ
هذه ليست علة قادحة , لأن هذه الزيادة ليس فيها مخالفة لمن روى الحديث بدونها , وهي زيادة من ثقات . ثم إن شعبة قد روى هذه الزيادة بإسناد الصحيح عنه عند الطبراني في المعجم الكبير كما أفاد الألباني في الإرواء (2/173) .
الفتاوى الكبرى (2/ )
أنظر المجموع للنووي (3/501)
أنظر تمام المنة ص177 , ومما قاله الشيخ - رحمه الله – ( والأصل فيه – الدعاء - الإسرار لقوله تعالى :(( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين )) فلا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلاَّ بدليل صحيح ) أ.هـ
فائدة قال النووي في المجموع (3/499) ( قال البغوي يكره إطالة القنوت كما يكره إطالة التشهد الأول ) أ.هـ
أنظر المجموع شرح المهذب (3/493) , وهذا القول وجه مشهور عند الشافعية و نقله ابن المنذر في الأوسط (5/213) . و عن مالك و الأوزاعي و غيرهما .
وقال الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله – في ( تحفة المجيب ) ص139 ( رفع اليدين في القنوت ليس مشروعاً أ.هـ وجاء في إرواء الغليل للألباني – رحمه الله – (2/181) ( وثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر ) أ.هـ
* قلت : أي قنوت وتر رمضان وليس مطلق الوتر , وقنوت رمضان أصله قنوت نازلة كما نص العلماء , وقنوت النازلة السنة فيه رفع اليدين . وأيضاً بالرجوع إلى سنن الالبيهقي الذي خرج الآثار عن عمر تبين إنه في قنوت النازلة , أنظر سسن البيهقي (2/300)
والقول بان قنوت الوتر قبل الركوع وهو مذهب إبن مسعود و سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وإسحاق وغيرهم نقله الترمذي في سننه (2/329) بتحقيق أحمد شاكر.
قال الحافظ بن حجر : ( إسنادها منقطع , فإن عبد الله علي بن الحسن بن علي لم يلحق الحسن بن علي , ... ) أ.هـ من التلخيص ( 1/264) وقال الألبني في الصفة ص160: ( إسنادها ضعيف وقد ضعفها الحافظ إبن حجر و القسطلاني و الزرقاني وغيرهم ) أ.هـ
بواسطة صفة الصلاة للألباني ص161
زاد المعاد (1/261)
رواه أصحاب السنن من حديث العرباض بن سارية .
إعلام الموقعين (4/122)
الإستقامة ص4 بتحقيق د/ أحمد رشاد سالم , و الشاطبي – رحمه الله – كلم متين بديع في وجوب إتباع الصحابة أنظر في كتابه ( الموافقات )
نيل الأوطار (25/226)
فيه كلام ولكنه غير مفسِّر إلاِّ عن عكرمة ووثقه آخرون , لذا قال الحافظ في التقريب : ( ثقة إلاِّ في عكرمة ).
شرح السنة
الإستذكار (5/160)
معرفة السنن والآثار (2/306)
مع شرح المجموع ( 4/11)
نيل الأوطار (2/158)
هذا إن صلى في جماعة أما إن صلى منفرداً فيشؤع له قنوت الوتر وبه صرح الحسن البصري .
نيل الأوطار (2/262)
فائده : قال الشيخ إبن عثيمين – رحمه الله - : ( وظاهر كلام لأهل العلم أنه يضم اليدين بعضهما على بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً , أما التفريج والمباعدة بينها فلا أعلم له أصلاً من السنة ولا من كلام العلماء ) شرح الممتع ( 4/25)