بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وبعد:
ففي عامنا هذا عام 1434هـ لعل عاشوراء يكون في يوم السبت وقد حصل خلاف بين بعض الناس عندنا في صيامة لا سيما ممن يعتمد على كلام الألباني دون غيره وليس عنده الأهلية للنظر في المسألة علميا من كتب الفقه والحديث ويحرر الأقوال في ذلك فأحببت أن أكتب هذه الأوراق بيانا للمسألة لعل الله ينفعنا بذلك فأقول المسألة خلافية بين العلماء خلافا قديما ومدار الخلاف على حديث الصماء بنت بسر رضي الله عنها قالت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه .
أخرجه أحمد (2/442) وأبوداود(2421) والترمذي( 744) وابن ماجة (1726) والنسائي (2 762) من طرق عن ثور عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن الصماء به.
وقد اضطرب فيه ثورا فتارة يرويه هكذا وتارة يرويه عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر مرفوعا .
وتارة يرويه عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن أمه.
وجاء عن خالد عن عبدالله بن بسر عن الصماء عن عائشة .
وجاء عن خالد عن عبدالله عن أبيه.
فتجد مما تقدم اضطرابا واضحا في الحديث من مخرج واحد.
لهذا حكم عليه جمع كبير من الأئمة المتقدمين والمتأخرين بالضعف منهم:
قال الحافظ ابن حجر في: قَدْ أُعِلَّ حَدِيثُ الصَّمَّاءِ بِالْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأُعِلَّ أَيْضًا بِاضْطِرَابٍ .اهـ
قال الإمام الزهري: هذا حديث حمصي. يشير إلى إعلاله.
وقال الإمام مالك: كذب.
وقال الإمام أحمد كان يحي بن سعيد يتقيه.
وقَالَ النَّسَائِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ.
وقال الحافظ فى " البلوغ " : رجاله ثقات ، إلا أنه مضطرب.
وقال العلامة العثيمين : والحقيقة أن من تأمل هذا الحديث وجد أن فيه اضطراباً في سنده، وفيه شذوذ أو نكارة في متنه.اهـ
وقال أبوداود: منسوخ.
وقال شيخ الإسلام: الحديث شاذ أو منسوخ.
قال الحافظ في التلخيص: وَادَّعَى أَبُو دَاوُد : أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ ، وَلَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُ النَّسْخِ فِيهِ ، قُلْت : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، ثُمَّ فِي آخِرِ أَمْرِهِ قَالَ : خَالِفُوهُمْ ، فَالنَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ يُوَافِقُ الْحَالَةَ الْأُولَى ، وَصِيَامُهُ إيَّاهُ يُوَافِقُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ ، وَهَذِهِ صُورَةُ النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ
بينما ذهب بعض العلماء إلى تصحيحه ونصره العلامة الألباني في الأرواء (960) ولكن القول بضعفه أقوى لما تقدم قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 98): قُلْت : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ، وَعَنْ أُخْتِهِ ، وَعِنْدَ أُخْتِهِ بِوَاسِطَةٍ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ صَحَّحَهُ ، وَرَجَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ ، لَكِنَّ هَذَا التَّلَوُّنَ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ بِالْإِسْنَادِ الْوَاحِدِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ ، يُوهِنُ رَاوِيَهُ وَيُنْبِئُ بِقِلَّةِ ضَبْطِهِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ الْمَعْرُوفِينَ بِجَمْعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى قِلَّةِ ضَبْطِهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَا ، بَلْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الرَّاوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَيْضًا ،.اهـ
قلت: وقد اختلف العلماء في صيام يوم السبت على أقوال:
1- النهي عن صومه مطلقا لحديث الصماء.
2- النهي عن إفراده بالصوم.
3- الجواز .
قلت: والقول بالجواز لغير تعظيمه هو الراجح لأمور:
1- ضعف حديث الصماء المتقدم.
2- ثبوت الأدلة في صيامه كحديث أبي هريرة مرفوعا لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن يصوم أحدكم يوما قبله أو يوما بعده.أخرجه البخاري ومسلم
وحديث جويرية في البخاري أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس قالت لا قال فهل تصومين غدا قالت لا قال فأفطري.
وحديث أم سلمة أن الرسول كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد ويقول (إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم ) أخرجه النسائي وغيره وصححه جماعة من العلماء ولكن الراجح ضعفه. فيه مستور حال قال الإمام ابن القيم: وفي صحة هذا الحديث نظر فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وقد استنكر بعض حديثه.اهـ
فهذه الأدلة ظاهره بجواز صوم يوم السبت وقاضية ببطلان القول بتحريم صومه مطلقا .
والذين منعوا إفراده بالصوم حديثهم ضعيف لا يقوى للاحتجاج ولكن هذا القول أقوى مما قبلة.
تنبيه: لو قلنا بتصحيح حديث الصماء لكان المراد بالنهي عن صومه بنية تعظيمه لأن اليهود يعظمونه كما قال ذلك جمع من العلماءمنهم:
قال الإمام الترمذي: ومعنى النهي أن يختصه الرجل بالصيام لأن اليهود يعظمونه.
وقال الإمام ابن خزيمة: وأحسب أن النهي عن صيامه إذ اليهود تعظمه وقد اتخذته عيدا بدل الجمعة .
وقال الإمام البيهقي: وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم.
وقال العلامة العثيمين: لأن الكراهة أن تصومه لأنه يوم السبت، أي تصومه بعينه، معتقداً فيه مزية عن غيره.اهـ
قلت: وعلى هذا لا يكون شاملا لمن صامة بنية يوم عرفة أو تاسوعا أو عاشورا أو أيام البيض والله أعلم.
قال العلامة العثيمين: فثبت من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، أن صوم يوم السبت ليس حراماً.
والعلماء مختلفون في حديث النهي عن صوم يوم السبت من حيث العمل به؛ فمنهم من قال: إنه لا يعمل به إطلاقاً، وأن صوم يوم السبت لا بأس به، سواء أفرد أم لم يفرد، لأن الحديث لا يصح، والحديث الذي لا يصح لا ينبني عليه حكم من الأحكام.
ومنهم من صحح الحديث أو حسنه وقال: إن الجميع بينه وبين الأحاديث الأخرى، أن المنهي عنه إفراده فقط، يعني أن يفرده دون الجمعة أو يوم الأحد، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فقال: إذا صام مع يوم السبت يوماً آخر فلا بأس، كأن يصوم معه الجمعة أو يصوم معه الحد، كذلك نقول: إذا صادف يوم السبت يوماً يشرع صومه، كيوم عرفة، ويوم العاشر من شهر محرم فإنه لا يكره صومه، لأن الكراهة أن تصومه لأنه يوم السبت، أي تصومه بعينه، معتقداً فيه مزية عن غيره. وقد نبهت على ذلك لأنني سمعت أن بعض الناس صام يوم التاسع والعاشر من شهر المحرم، وكان أحدهما يوم السبت، فنهاهم بعض الإخوة وأمرهم بالفطر، وهذا خطأ، وكان على هذا الأخ أن يسأل قبل أن يفتي بغير علم.اهـ
وقال الإمام ابن قدامة: وإن وافق صوما لإنسان لم يكره – السبت- لما قدمناه وقال أصحابنا بالصيام دون غيرهما افراد يوم النيروز ويوم المهرجان بالصوم لأنهما يومان يعظمهما الكفارة فيكون تخصيهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمها فكره كيوم السبت وعلى قياس هذا كل عبد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم.اهـ
قال الإمام ابن القيم حاشية ابن القيم (7/ 51):وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يكره بخلاف قصده بعينه في النفل فإنه يكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه أو موافقته عادة
فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا لا المقارنة بينه وبين غيره.
وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك .اهـ
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 32) وزاد المعاد (2/79) والفروع (3/123) وفتاوى العثيمين.
بهذا القدر المختصر نكتفي والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
كتبه/
أبو محمد عبد الكريم بن غالب الحسني الإبي
مسجد الألباني - دار السلام - تنزانيا
أبو محمد عبد الكريم بن غالب الحسني الإبي
مسجد الألباني - دار السلام - تنزانيا
تعليق