بسم الله الرحمن الرحيم
فهذه مطوية تعالج موضوعا لطالما غفل عنه كثير من الناس بل وصل الحد بهم إلى التساهل ألا وهو عدم الأخذ بسنية صلاة العيدين في المصلى وإنما تصلى في المساجد لغير حاجة أو ضرورة ، فأحببت ان أقف بالقارئ الكريم على شييء من كلام أهل العلم الموافق للأدلة الدالة على سنية صلاة العيدين بالمصلى ، فإليك أخي الكريم ذلك باختصار والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل :
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي الذي اصطفى أما بعد :
فيقول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }
ويقول تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وفيه ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) رواه أبو داود .
فمن هذه النصوص ونحوها مما جاء بمعناها يتبين لنا أهمية متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وما في ذلك من الأجر العظيم كما قال تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا }
ومن هذا القبيل متابعته صلى الله عليه وسلم في إحياء صلاة العيد في المصلى وأن ذلك أفضل من أن تُصلى في المساجد ، وعليه فإنني سأذكر شيئا من الأحاديث الدالة على ذلك مع ذكر بعض كلام السلف في بيان أن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تُصلى العيد في المصلى دون المساجد ، فإلى المقصود والله المعين :
الحديث الأول : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر و الأضحى إلى المصلى ، فأول شيئ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، و الناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه ، أو يأمر بشيئ أمر به ثم ينصرف، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك …" رواه البخاري و مسلم
الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان صلى الله عليه و سلم يغدو إلى المصلى في يوم العيد، و العنزة (*) تحمل بين يديه، فإذا بلغ المصلى نصبت بين يديه، فيصلي إليها، وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شيئ يستتر به". رواه البخاري ومسلم
الحديث الثالث: عن البراء بن عازب قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أضحى إلى البقيع (وفي رواية: المصلى) فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه و قال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك. فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو شيئ عجّله لأهله، ليس من النسك في شيئ".رواه البخاري
الحديث الرابع : عن ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكّرهن و أمرهن بالصدقه ، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال، ثم انطلق هو و بلال إلى بيته".أخرجه البخاري و السياق له ومسلم
ــــــــــــــ
(*) العَنَزة : عصاة تُتخذ سترة للصلاة إليها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "التعرف بالمصلى بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع، و إلا فدار كثير ابن الصلت محدثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، و ظهر من هذا الحديث: أنهم جعلوا لمصلاه شيئاً يعرف به، وهو المراد بالعَلَم -وهو بفتحتين- الشيء الشاخص". الفتح ( 3/ 403).
وقال الإمام البغوي رحمه الله كما في شرح السنة (4/294) : "السنة أن يخرج الإمام لصلاة العيدين، إلا من عذر، فيصلى في المسجد" ، أي: مسجد داخل البلد.
وقال الإمام محيي الدين النووي في "شرح مسلم" عند الكلام على الحديث الأول: " هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى، و أنه أفضل من فعلها في المسجد، و على هذا عمل الناس في معظم الأمصار....." شرح مسلم (3/280) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" (2/450 - السلفية) تحت الحديث الأول: "و استُدل على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد، و أن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد، لمواظبة النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك مع فضل مسجده ".
وقال العلامة العيني الحنفي في "شرح البخاري" وهو يستنبط من حديث أبي سعيد (ج6 ص280-281) قال: " وفيه البروز إلى المصلى و الخروج إليه، و لا يصلي في المسجد إلا عن ضرورة".
وروى ابن زياد عن مالك قال: "السنة الخروج إلى الجبانه(*) ، إلا لأهل مكة ففي المسجد".
وقال في الفتاوى الهندية (1/118) :" الخروج إلى الجبانة في صلاة العيد سنة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع، على هذا المشايخ، و هو الصحيح " .
ــــــــــــــ
(*) الجبانة : هي المصلى في الصحراء .
و في "المدونة" المروية عن مالك (ج1 ص171). قال مالك: " لا يصلي في العيدين في موضعين، و لا يصلون في مسجدهم، و لكن يخرجون كما خرج النبي صلى الله عليه و سلم.
ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج إلى المصلى، ثم استن بذلك أهل الأمصار".
و قال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ج2 ص229-230): " السنة أن يصلي العيد في المصلى، أمر بذلك علي رضي الله عنه و استحسنه الأوزاعي، و أصحاب الرأي، و هو قول ابن المنذر، و حُكي عن الشافعي: إن كان مسجد البلد واسعاً فالصلاة فيه أولى، لأنه خير البقاع و أطهرها، و لذلك يصلي أهل مكة في المسجد الحرام.
و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخرج إلى المصلى، و يدع مسجده، و كذلك الخلفاء بعده، و لا يترك النبي صلى الله عليه و سلم الأفضل مع قربه، و يتكلف فعل الناقص مع بعده، و لا يشرع لأمته ترك الفضائل، و لأننا أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه و سلم و الاقتداء به، و لا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص، و المنهي عنه هو الكامل، و لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر، و لأن هذا إجماع المسلمين، فإن الناس في كل عصر و مصر يخرجون إلى المصلى مع سعة المسجد و ضيقه، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي في المصلى مع شرف مسجده".
قال شيخنا الألباني رحمه الله : إن قول ابن قدامة "ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر" يشير به إلى حديث أبي هريرة في المستدرك للحاكم (ج1 ص 295): "أنهم أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد" و صححه هو و الذهبي ، انظر " صلاة العيدين في المصلى هي السنة صـ 29.
أقول : ضعف إسناده الحافظ في بلوغ المرام وكذا شيخنا الألباني كما في المشكاة (1/325) .
وقال العلامة ابن الحاج رحمه الله في كتاب المدخل (2/283) : " و السنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام" ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج صلى الله عليه و سلم إلى المصلى و تركه، فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين، فهي السنة، و صلاتهما في المسجد على مذهب مالك رحمه الله بدعة، إلا أن تكون ثم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة. لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعلها و لا أحد من الخلفاء الراشدين بعده و لأنه عليه السلام أمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيدين، و أمر الحيض و ربات الخدور بالخروج إليهما، فقالت إحداهن: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال عليه الصلاة و السلام: " تعيرها أختها من جلبابها، لتشهد الخير و دعوة المسلمين". فلما أن شرع عليه الصلاة و السلام لهن الخروج شرع الصلاة في البراح، لإظهار شعيرة الإسلام".
قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على الترمذي : (2/423 ): " فالسنة النبوية التي وردت في الأحاديث الصحيحة، دلت على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي العيدين في الصحراء في خارج البلد. و قد استمر العمل على ذلك في الصدر الأول، و لم يكونوا يصلون العيد في المساجد، إلا إذا كانت ضرورة من مطر، و نحوه، و هذا مذهب الأئمة الأربعة و غيرهم من أهل العلم من الأئمة رضوان الله عليهم ،لا أعلم أن أحداً خالف ذلك، إلا قول الشافعي رضي الله عنه في اختيار الصلاة في المسجد إذا كان يسع أهل البلد، و مع هذا فإنه لم ير بأساً بالصلاة في الصحراء و أن وسعهم المسجد، و قد صرح رضي الله عنه بأنه يكره صلاة العيدين في المسجد إذا كان لا يسع أهل البلد.
فهذه الأحاديث الصحيحة و غيرها، ثم استمرار العمل في الصدر الأول، ثم أقوال العلماء، كل أولئك يدل على أن صلاة العيدين الآن في المساجد: بدعة، حتى قول الشافعي، لأنه لا يوجد مسجد واحد في بلدنا يسع أهل البلد الذي هو فيه ".
وكل ما تقدّم ذكره ما هو إلا غيض من فيض وقطرة من مطرة من كلام أهل العلم القائلين بما تم تقريره من أن صلاة العيد السنة فيها أن تُصلى في المصلى لا في المساجد ، لا كما هو المشاهد الآن وللأسف الشديد من كثير من الأئمة هداهم الله ، يصرفون الناس عن صلاتها في المصلى إلى المساجد ، لما وراء الأكمة ما ورائها والله المستعان.
وأخيراً : ينبغي عليك أيها المسلم الكريم أن تحرص على تطبيق هذه السنة النبوية وهي سنة صلاة العيد في المصلى فلذلك حكم بليغة منها : " أن يكون للمسلمين يومان في السنة، يجتمع فيها أهل كل بلدة، رجالاً و نساء و صبياناً. يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، و يصلون خلف إمام واحد، يكبرون و يهللون، و يدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد، فرحين مستبشرين بنعمة الله عليهم، فيكون العيد عندهم عيداً.... ، فعسى أن يستجيب المسلمون لا تباع سنة نبيهم ولإحياء شعائر دينهم الذي هو معقد عزهم وفلاحهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }" اهـ من كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .
وانظر رسالة شيخنا العلامة المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله المسماة ( صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة ) . فقد أجاد وأفاد وغالب هذه المطوية منها ، والحمد لله على توفيقه وامتنانه .
تنبيه : واعلم أخي الكريم أن رحبة المسجد ( صرحه ) لاحقة به على الصحيح خصوصاً إذا كانت محاطة بسور متصل بالمسجد ،
قال الحافظ أيضاً كما في الفتح (13/155):" الرحبة بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة هي بناء يكون أمام باب المسجد غير منفصل عنه هذه رحبة المسجد ووقع فيها الاختلاف والراجح ان لها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وكل ما يشترط له المسجد فان كانت الرحبة منفصلة فليس لها حكم المسجد ".اهـ ،وعلى ذلك فالسنة عدم صلاة العيد فيها والله اعلم ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله .
جمع وإعداد / أبي عبد السلام حسن بن قاسم الحسني الريمي
إمام وخطيب مسجد الإمام الوادعي رحمه الله
تعز - الحوبان – مفرق الراهدة
20/ رمضان / 1431هـ
إمام وخطيب مسجد الإمام الوادعي رحمه الله
تعز - الحوبان – مفرق الراهدة
20/ رمضان / 1431هـ
تعليق