بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل عشر ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أما بعد :
أيها المسلمون إننا نستقبل ، موسم عظيم، فيه فضائل وبركات عظيمة ، موسم مبارك ، إنه أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا ، قال الله جل وعلا { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:1-2] ، أقسم سبحانه وتعالى بهذه الأيام بيانا لأهميتها ، ولا يقسم الله تعالى إلا بعظيم ، يدلُّ على عظمته ورفعته ومكانته عند الله ، ولهذا تجد في القرآن أن الله يُقسم بأعظم المخلوقات ، كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم ، ويُقسم الله بأعظم الأزمان ، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ويُقسم الله بأعظم الأمكنة ، كالقسم بمكة ، وله أن يقسم سبحانه وتعالى بما يشاء من خلقه ، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به .
1- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها الأيام التي أكمل الله فيها الدِّين لمحمد عليه الصلاة والسلام ، وذلك في قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ } ، نعمة إكمال الدِّين هي أكبر النعم ، وقعت في مثل هذه الأيام العشر المباركة في يوم عرفة ، كَمُلَ الدِّين وتركنا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على المحجَّة البيضاء ؛ ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ ، وكمال الدِّين يدلُّ على كمال الأمَّة وخيريَّتها ، قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [ الفتح 28] ،
وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال ؛ فقد روى البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ).
2- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها أحبُّ الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله تعالى ؛ فهي موسم للرِّبح ، وهي طريق للنَّجاة ، وهي ميدانُ السَّبْق إلى الخيرات، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : السبب في امتياز عشر ذي الحجة هو اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ( فتح الباري /باب فضل العمل في أيام التشريق)، روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ـــــ يعني العشر ـــــ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) ، وهذا يدل على أن العمل الصالح في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس والمال ، والعودة بهما أو بأحدهما ؛ إلا مَنْ خرج بنفسه وماله للجهاد ولم يرجع بشيء لا بالنفس ولا بالمال .
ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والحرص على المستحبات من الصلاة ، والصوم والصدقة ، والذِّكر وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك الإحسان إلى الخلق وكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والابتعاد عن المنهيات والمحرمات ؛ ليحوز على رضا مولاه .
3- من فضائل أيام عشر ذي الحجة فيها فريضة عظيمة ، إنها فريضة أداء مناسك الحج تُؤدى في أفضل بقاع الأرض كلها ، في بلد الله الحرام ، فأفضل ما يعمل في أيام ذي الحجة ، أداء الحج والعمرة ويدل على فضله عدة أحاديث منها ما روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كفارةٌ لما بينهما والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ ) ، قال ابن الأثير في جامع الأصول في أحاديث الرسول : الحج المبرور : هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم .
ففي شعائر الحجِّ حِكَماً باهرة وعِظات بالغة ، ومقاصد نافعة للفرد والمجتمع ، كما قال الله تعالى { لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } [الحج: 28] قال ابن كثير في تفسيره : قال: ابن عباس رضي الله عنهما : فمن منافع الآخرة رضوان الله ، ومنافع الدنيا فما يصيبون من البُدْن والربح والتجارات ، ويوم عرفة اليوم الذي يعرف فيه كثرة مغفرة الله للحُجّاج ؛ فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ ) قال الألباني رحمه الله : فدنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته ، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته وتوحيده ، فهذا هو مذهب السلف . الصحيحة (2551) .
ومن حِكَم الحجِّ وفوائده يجتمع المسلمون اجتماعاً عظيماً لا مثيل له ، على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وتنوُّع بلدانهم ولغاتهم وألوانهم ، فتتوحَّد وجهاتهم وأفعالهم في زمانٍ واحد ومكان محدَّد ، لا يتميَّز فيه قومٌ عن قومٍ : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } [البقرة: 199]، فتلتقي القلوب ، وتزداد المحبَّة والائتلاف .
ومن حِكَم الحجِّ وفوائده والعِبر التي يتَعِظ بها المسلم ، تذكُّر الدَّار الآخِرة ، فالحاجُّ يغادر أوطانه التي أَلِفَها ونشأ في ربوعها ويتجرَّد من مَخِيط ثيابه طاعةً لله تعالى ، وكذا الميِّت إذا انقضى أجله غادر هذه الدنيا ، ويُجرَّد من ثيابه ، والميِّت يغسَّل بعد وفاته ويُكفَّن في ثياب بيضاء هي لباسه في دار البرزخ ، وكذا الحاجُّ يتنظَّف ويغتسل عند ميقاته ويلبس رداءً وإزارًا أبيضَيْن لمناسكه ، وفي صعيد عرفات والمِشْعر الحرام يجتمع الحجيج ، وفي يوم القيامة يُبعَث الناس ويُساقون إلى الموقِف { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] فهذه المواقف تذكُّر المسلم بالدَّار الآخِرة.
4- من فضائل أيام عشر ذي الحجة صيام يوم عرفة تطوُّعًا فإنه يكفِّر ذنوب سنتين سنة ماضية وسنة مقبِلة ، روى مسلم عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رسول الله عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام قال ( صِيَام يَوْم عَرَفَة احتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده ) ، وأما جنس الصيام فهو من أفضل الأعمال ، وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اَللَّهُ بِذَلِكَ اَلْيَوْمِ عَنْ وَجْهِهِ اَلنَّارَ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) . من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها أيام ذِّكْرٌ لله وتكبيرٌ وتسبيحٌ وتهليلٌ ؛ يقول الله تعالى { لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحج: 28] ،قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما : أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ رواه البخاري ، وروى الإمامُ أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ) الإرواء 3/398 ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ ) رواه البخاري ، قال العثيمين رحمه الله أي: مثل تكبيرهما ، وكل واحد يكبر على انفراد. (جلسات الحج للعثيمين)،
ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد ، حيث لم ينقل ذلك عن السلف فعل ذلك وإنما السنة أن يكبِّر كل واحد بمفرده . فتوى اللجنة الدائمة رقم ( 9887 )
وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ: هي ما ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضى الله عنه : " أنه كان يكبر أيام التشريق : ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما بتثليث التكبير ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) وجاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَل , اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا ).الإرواء 3/125.
فيشرع التَّكبير المطلَق من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، ــــــ في جميع الأوقات من ليل أو نهار ــــــ فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً ، عشرة أيام آخرها العيد وثلاثة أيام التشريق ، ويشرع التكبير المقيد وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، ويبدأ لغير الحجاج من فجر يوم عرفة ، وللحجاج من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق . (جلسات الحج للعثيمين رحمه الله و مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز رحمه الله 13/17). ويستحب رفع الصوت بالتكبير والتَّهليل والتَّحميد للرجال في المساجد والبيوت والمكاتب والأسواق والطرق وغيرها ، أما المرأة تُسر بالتكبير بقدر ما تسمع من إلى جانبها .
6- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنَّ فيها يوم النَّحر يوم الحج الأكبر ، الذي قال الله فيه ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره { يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ } هو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا ، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة ، فيه معظم مناسك الحج : من رمي الجمرة ، وحَلْق الرَّأس ، وذبح الهَدْي ، والطَّواف ، والسَّعي ، ( انظر شرح مسلم النووي باب لا يحج بالبيت مشرك ، وعمدة القارئ باب الخطبة في منى ) ، وفي يوم النحر صلاة العيد ، واجتماع المسلمين لِأداء صلاة العيد وحضور الخطبة والاستفادة ، وتهنئة بعضهم بعضًا ، وينبغي ألا يُجعل يوم العيد يوم توسع في المجرمات والمنكرات ، بل العيد يوم أكل وشرب وشكر لله وعمل بر .
7- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنّ فيها عبادة جليلة وهي ذبح الأضاحي تقرُّبًا إلى الله عزَّ وجلَّ ، في يوم النحر وأيام التشريق وهو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، كما قال الله تعالى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات 107]، والأضحية اتفق علماء المسلمين على مشروعيتها ، وأنها من أفضل العبادات ، ولهذا قرنها الله سبحانه وتعالى في كتابه بالصلاة ، فقال تعالى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر:2]، وقال تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام:162-163]
الأضحية سنة مؤكدة يكره للمسلم تركها ولا يأثم بتركها ، وقد روى البخاري ومسلم عن قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ) ، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة هي طاعة الله والتقرب إلى الله تعالى بذبحها وإراقة الدم، قال الله تعالى { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج:37].
وشرع الله لمن أراد أن يُضحي أن لا يأخذوا من شعره وأظفاره وأبشاره أي: جلده شيئاً إذا دخلت العشر الأولى من ذي الحجة ، لما روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( إِذَا دَخَلت الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلاَ بَشَرِهِ شَيْئًا ) وفي رواية ( إذا رأيتم هلاَلَ ذي الحجة ، وأرادَ أحَدُكم أَنْ يَضَحِّيَ : فَلْيُمْسكْ عن شَعُرِه وأظْفَارهِ ) .
وهذا الحكم خاصٌّ بمَنْ سيضحِّي يُحرم عليه مسُّ شَعْره أو أظفاره وأبشاره ، وأما مَنْ سيضحَّى عنه من الزوجة والأولاد ومن كان تحت رعايته فلا يُحرم عليهم أخذ شيء من شعورهم وأظفارهم ، ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي كما قال الله تعالى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } [البقرة:196] ، قال ابن كثير في تفسيره : فلا يحِلق الحاج حتى يفرغ من أفعال الحج والعمرة ، إن كان قارنًا، أو من فعْل أحدهما إن كان مُفْردًا أو متمتعًا .
وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدِّين الظاهرة ، ومن العبادات المشروعة في كلِّ المِلَل ؛ يقول سبحانه: { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحج: 34]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : يخبر تعالى أنه لم يَزَلْ ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع المِلَل .
أيها المسلمون إنّ أيام عشر ذي الحجة أياماً مباركات ، ينبغي للمسلم أن يسابِق إلى الخيرات ، ويعمل الصالحات ، ويُكثر من ذكرِ الله والتهليل والتكبير وقراءة القرآن ؛ فإنه أفضل الذِّكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والشفاء ، ويُكثر من نوافل الصلوات بعد الفرائض ، فالمحافظة على النوافل سببٌ من أسباب محبَّة الله ، ومَنْ نال محبَّة الله حفظه وأجاب دعاءه ، ولأنها تكمل النَّقص وتجبر الكسر وتسدُّ الخَلَل .
ويستحب للمسلم أن يُكْثِر من الصدقة في أيام العَشْر ، لحاجة الفقراء والمساكين لنفقة العيد وطلب الأضحية وغير ذلك ، وبالصَّدقة يضاعَف له الأجر ، ويُظلُّه الله في ظلِّ عرشه يوم القيامة ، ويفتح بها أبواب الخير، ويغلق بها أبواب الشرِّ ،
وينبغي التوبة والإقلاع عن المعاصي والذنوب ، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة ، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إنّ عشر ذي الحجة تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية، وإنّ هذه المواسم تفوت على البطَّالين وأهل الكسل، والرابح في دنياه من استغل مواسم الخيرات وغادر دنياه وقد عمل الصالحات
والحمد لله رب العالمين
كتبه: أبو عمر مختار الذماري
قرأها الشيخ حسين الحطيبي
القائم على دار الحديث السلفية
منطقة صلاح الدين - البريقة عدن
فضائل عشر ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم أما بعد :
أيها المسلمون إننا نستقبل ، موسم عظيم، فيه فضائل وبركات عظيمة ، موسم مبارك ، إنه أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا ، قال الله جل وعلا { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:1-2] ، أقسم سبحانه وتعالى بهذه الأيام بيانا لأهميتها ، ولا يقسم الله تعالى إلا بعظيم ، يدلُّ على عظمته ورفعته ومكانته عند الله ، ولهذا تجد في القرآن أن الله يُقسم بأعظم المخلوقات ، كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم ، ويُقسم الله بأعظم الأزمان ، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ويُقسم الله بأعظم الأمكنة ، كالقسم بمكة ، وله أن يقسم سبحانه وتعالى بما يشاء من خلقه ، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به .
1- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها الأيام التي أكمل الله فيها الدِّين لمحمد عليه الصلاة والسلام ، وذلك في قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ } ، نعمة إكمال الدِّين هي أكبر النعم ، وقعت في مثل هذه الأيام العشر المباركة في يوم عرفة ، كَمُلَ الدِّين وتركنا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم على المحجَّة البيضاء ؛ ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ ، وكمال الدِّين يدلُّ على كمال الأمَّة وخيريَّتها ، قال تعالى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [ الفتح 28] ،
وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال ؛ فقد روى البخاري عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ).
2- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها أحبُّ الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله تعالى ؛ فهي موسم للرِّبح ، وهي طريق للنَّجاة ، وهي ميدانُ السَّبْق إلى الخيرات، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : السبب في امتياز عشر ذي الحجة هو اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ( فتح الباري /باب فضل العمل في أيام التشريق)، روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ ـــــ يعني العشر ـــــ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) ، وهذا يدل على أن العمل الصالح في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس والمال ، والعودة بهما أو بأحدهما ؛ إلا مَنْ خرج بنفسه وماله للجهاد ولم يرجع بشيء لا بالنفس ولا بالمال .
ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والحرص على المستحبات من الصلاة ، والصوم والصدقة ، والذِّكر وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك الإحسان إلى الخلق وكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والابتعاد عن المنهيات والمحرمات ؛ ليحوز على رضا مولاه .
3- من فضائل أيام عشر ذي الحجة فيها فريضة عظيمة ، إنها فريضة أداء مناسك الحج تُؤدى في أفضل بقاع الأرض كلها ، في بلد الله الحرام ، فأفضل ما يعمل في أيام ذي الحجة ، أداء الحج والعمرة ويدل على فضله عدة أحاديث منها ما روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كفارةٌ لما بينهما والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ ) ، قال ابن الأثير في جامع الأصول في أحاديث الرسول : الحج المبرور : هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم .
ففي شعائر الحجِّ حِكَماً باهرة وعِظات بالغة ، ومقاصد نافعة للفرد والمجتمع ، كما قال الله تعالى { لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } [الحج: 28] قال ابن كثير في تفسيره : قال: ابن عباس رضي الله عنهما : فمن منافع الآخرة رضوان الله ، ومنافع الدنيا فما يصيبون من البُدْن والربح والتجارات ، ويوم عرفة اليوم الذي يعرف فيه كثرة مغفرة الله للحُجّاج ؛ فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ ) قال الألباني رحمه الله : فدنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته ، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته وتوحيده ، فهذا هو مذهب السلف . الصحيحة (2551) .
ومن حِكَم الحجِّ وفوائده يجتمع المسلمون اجتماعاً عظيماً لا مثيل له ، على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وتنوُّع بلدانهم ولغاتهم وألوانهم ، فتتوحَّد وجهاتهم وأفعالهم في زمانٍ واحد ومكان محدَّد ، لا يتميَّز فيه قومٌ عن قومٍ : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } [البقرة: 199]، فتلتقي القلوب ، وتزداد المحبَّة والائتلاف .
ومن حِكَم الحجِّ وفوائده والعِبر التي يتَعِظ بها المسلم ، تذكُّر الدَّار الآخِرة ، فالحاجُّ يغادر أوطانه التي أَلِفَها ونشأ في ربوعها ويتجرَّد من مَخِيط ثيابه طاعةً لله تعالى ، وكذا الميِّت إذا انقضى أجله غادر هذه الدنيا ، ويُجرَّد من ثيابه ، والميِّت يغسَّل بعد وفاته ويُكفَّن في ثياب بيضاء هي لباسه في دار البرزخ ، وكذا الحاجُّ يتنظَّف ويغتسل عند ميقاته ويلبس رداءً وإزارًا أبيضَيْن لمناسكه ، وفي صعيد عرفات والمِشْعر الحرام يجتمع الحجيج ، وفي يوم القيامة يُبعَث الناس ويُساقون إلى الموقِف { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 6] فهذه المواقف تذكُّر المسلم بالدَّار الآخِرة.
4- من فضائل أيام عشر ذي الحجة صيام يوم عرفة تطوُّعًا فإنه يكفِّر ذنوب سنتين سنة ماضية وسنة مقبِلة ، روى مسلم عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رسول الله عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَام قال ( صِيَام يَوْم عَرَفَة احتسب عَلَى الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده ) ، وأما جنس الصيام فهو من أفضل الأعمال ، وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اَللَّهُ بِذَلِكَ اَلْيَوْمِ عَنْ وَجْهِهِ اَلنَّارَ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) . من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنها أيام ذِّكْرٌ لله وتكبيرٌ وتسبيحٌ وتهليلٌ ؛ يقول الله تعالى { لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحج: 28] ،قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما : أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ رواه البخاري ، وروى الإمامُ أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ) الإرواء 3/398 ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ ) رواه البخاري ، قال العثيمين رحمه الله أي: مثل تكبيرهما ، وكل واحد يكبر على انفراد. (جلسات الحج للعثيمين)،
ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد ، حيث لم ينقل ذلك عن السلف فعل ذلك وإنما السنة أن يكبِّر كل واحد بمفرده . فتوى اللجنة الدائمة رقم ( 9887 )
وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ: هي ما ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضى الله عنه : " أنه كان يكبر أيام التشريق : ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما بتثليث التكبير ( اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ) وجاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَل , اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا ).الإرواء 3/125.
فيشرع التَّكبير المطلَق من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، ــــــ في جميع الأوقات من ليل أو نهار ــــــ فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً ، عشرة أيام آخرها العيد وثلاثة أيام التشريق ، ويشرع التكبير المقيد وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، ويبدأ لغير الحجاج من فجر يوم عرفة ، وللحجاج من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق . (جلسات الحج للعثيمين رحمه الله و مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ابن باز رحمه الله 13/17). ويستحب رفع الصوت بالتكبير والتَّهليل والتَّحميد للرجال في المساجد والبيوت والمكاتب والأسواق والطرق وغيرها ، أما المرأة تُسر بالتكبير بقدر ما تسمع من إلى جانبها .
6- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنَّ فيها يوم النَّحر يوم الحج الأكبر ، الذي قال الله فيه ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره { يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ } هو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا ، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة ، فيه معظم مناسك الحج : من رمي الجمرة ، وحَلْق الرَّأس ، وذبح الهَدْي ، والطَّواف ، والسَّعي ، ( انظر شرح مسلم النووي باب لا يحج بالبيت مشرك ، وعمدة القارئ باب الخطبة في منى ) ، وفي يوم النحر صلاة العيد ، واجتماع المسلمين لِأداء صلاة العيد وحضور الخطبة والاستفادة ، وتهنئة بعضهم بعضًا ، وينبغي ألا يُجعل يوم العيد يوم توسع في المجرمات والمنكرات ، بل العيد يوم أكل وشرب وشكر لله وعمل بر .
7- من فضائل أيام عشر ذي الحجة أنّ فيها عبادة جليلة وهي ذبح الأضاحي تقرُّبًا إلى الله عزَّ وجلَّ ، في يوم النحر وأيام التشريق وهو سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين فدى الله ولده بذبح عظيم ، كما قال الله تعالى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات 107]، والأضحية اتفق علماء المسلمين على مشروعيتها ، وأنها من أفضل العبادات ، ولهذا قرنها الله سبحانه وتعالى في كتابه بالصلاة ، فقال تعالى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر:2]، وقال تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام:162-163]
الأضحية سنة مؤكدة يكره للمسلم تركها ولا يأثم بتركها ، وقد روى البخاري ومسلم عن قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ) ، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة هي طاعة الله والتقرب إلى الله تعالى بذبحها وإراقة الدم، قال الله تعالى { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج:37].
وشرع الله لمن أراد أن يُضحي أن لا يأخذوا من شعره وأظفاره وأبشاره أي: جلده شيئاً إذا دخلت العشر الأولى من ذي الحجة ، لما روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( إِذَا دَخَلت الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلاَ بَشَرِهِ شَيْئًا ) وفي رواية ( إذا رأيتم هلاَلَ ذي الحجة ، وأرادَ أحَدُكم أَنْ يَضَحِّيَ : فَلْيُمْسكْ عن شَعُرِه وأظْفَارهِ ) .
وهذا الحكم خاصٌّ بمَنْ سيضحِّي يُحرم عليه مسُّ شَعْره أو أظفاره وأبشاره ، وأما مَنْ سيضحَّى عنه من الزوجة والأولاد ومن كان تحت رعايته فلا يُحرم عليهم أخذ شيء من شعورهم وأظفارهم ، ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي كما قال الله تعالى { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } [البقرة:196] ، قال ابن كثير في تفسيره : فلا يحِلق الحاج حتى يفرغ من أفعال الحج والعمرة ، إن كان قارنًا، أو من فعْل أحدهما إن كان مُفْردًا أو متمتعًا .
وذبح الهدايا والأضاحي من شعائر هذا الدِّين الظاهرة ، ومن العبادات المشروعة في كلِّ المِلَل ؛ يقول سبحانه: { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحج: 34]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : يخبر تعالى أنه لم يَزَلْ ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع المِلَل .
أيها المسلمون إنّ أيام عشر ذي الحجة أياماً مباركات ، ينبغي للمسلم أن يسابِق إلى الخيرات ، ويعمل الصالحات ، ويُكثر من ذكرِ الله والتهليل والتكبير وقراءة القرآن ؛ فإنه أفضل الذِّكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والشفاء ، ويُكثر من نوافل الصلوات بعد الفرائض ، فالمحافظة على النوافل سببٌ من أسباب محبَّة الله ، ومَنْ نال محبَّة الله حفظه وأجاب دعاءه ، ولأنها تكمل النَّقص وتجبر الكسر وتسدُّ الخَلَل .
ويستحب للمسلم أن يُكْثِر من الصدقة في أيام العَشْر ، لحاجة الفقراء والمساكين لنفقة العيد وطلب الأضحية وغير ذلك ، وبالصَّدقة يضاعَف له الأجر ، ويُظلُّه الله في ظلِّ عرشه يوم القيامة ، ويفتح بها أبواب الخير، ويغلق بها أبواب الشرِّ ،
وينبغي التوبة والإقلاع عن المعاصي والذنوب ، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة ، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إنّ عشر ذي الحجة تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية، وإنّ هذه المواسم تفوت على البطَّالين وأهل الكسل، والرابح في دنياه من استغل مواسم الخيرات وغادر دنياه وقد عمل الصالحات
والحمد لله رب العالمين
كتبه: أبو عمر مختار الذماري
قرأها الشيخ حسين الحطيبي
القائم على دار الحديث السلفية
منطقة صلاح الدين - البريقة عدن