المُبَادَرَةُ لِلأَعَمَالِ الصَّالِحَةِ وَاسْتِغْلالِهَا فِي العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اعْلِم أَخِي – أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ – أَنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ عِبَادِهِ العَمَل الصَّالِح لا سيمَا فِي العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجّة لِقَوْلِهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - : {مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ} فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ . فَقَالَ : {وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ}. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمذِي وَابْن مَاجَه عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ –رَضِي الله عَنْهُمَا - وَأَصْله عِنْدَ البُخَارِي بِلَفْظ : {مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ} قَالُوا : وَلَا الْجِهَادُ ؟ . قَالَ : {وَلَا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ} .
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ رَجَعَ هُوَ ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ هُوَ وَلَا مَالُهُ بِأَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ .
قَالَ الشَّوْكَانِيُ : وَالْحَدِيثُ فِيهِ تَفْضِيلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ السَّنَةِ . وقال : وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ اجْتِمَاعُ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهَا : الْحَجُّ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالصِّيَامُ ، وَالصَّلَاةُ ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا.ا.هـ
وَلِفَضْلِ هَذِهِ الأَيَّام أَيْضًا قَالَ تَعَالى : {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ{}وَالْفَجْرِ} : قِيلَ المُرَادُ بِهِ فَجْر يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّة، وَهْوْ خَاتِمَةُ اللَّيَالي العَشْرِ. {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} : اللَّيَالي العَشْر قِيلَ المُرَادُ بهَا عَشْر ذِي الحِجّة. كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمجَاهِد، وَغَيْر وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ.
وَقَالَ تَعَالى : {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج/28] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رَضِي الله عَنْهُمَا -: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} أَيَّامُ الْعَشْرِ . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ا.هـ
فَمِنَ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ أَدَاءُ الحَجِّ وّالعُمْرَةِ لمنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَفَضَائِلهما كَثِيرةٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ التَكْبِير وَرَفْع الصَّوتِ بَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة/185]. قَالَ البُخَارِيُّ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.ا.هـ لَكِنْ لَيْسَ جَمَاعِيًا .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ يُسْتَحَبُ صِيامُ يَوْمِ عَرَفَة وَهْوَ اليِوم التَاسِع لحدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ –رَضِي الله عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ : {يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ} . رَوَاهُ مُسْلِم . وَأَمَّا صِيَامُ بَقِيَّة أَيَّامِ العَشْرِ عَدَا التَاسِعِ فقد قَالَتْ عَائِشَة –رَضِي الله عَنْهَا -: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ" وَفِي رِوَايَةٍ: " لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ قَطُّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ –رَضِي الله عَنْهَا - قَالَتْ أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ . فَقَدْ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائِيُ وَقَالَ الأَلْبَانِيُ في إِرْوَاءِ الغَلِيلِ رَقَم 954: إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ رِجَالُهُ ثِقَات غَيْر أَبى إِسْحَاق الأَشْجَعِي فَهْوَ مجْهُول عَلَى أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا عَلَى الحُر بن الصَّباح اخْتِلافًا كَبِيرًا في إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَلِذَلِكَ قَالَ الحَافِظُ الزّيلعى في نَصْبِ الرَّايَةِ : هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. ثُمَّ صَحّحهُ الأَلْبَاني في سُنَنِ أَبى دَاودِ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ. لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَاني : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ فَرَوَاهُ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - ا.هـ. قُلْتُ : فَالحَدِيثُ ضَعِيفٌ لاضّطِرَابِهِ وَاللهُ أَعْلَم وَلا يُصَادِمُ حَدِيثُ عَائِشَة في صَحِيحِ مُسْلِم المُتَقَدِّم. وَمَعَ هَذَا فَالجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ التِسْع . عَلَى أَنَ الصِّيَامَ كَذَلِكَ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ . فَأَمَّا عَنِ الرَّسِولِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - فَمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ صَامَهَا عَدَا يَومِ عَرَفَة الّذِي حَثَّ عَلَى صِيَامِهِ . فَالصِّيَامُ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ وَمَنْ لمْ يَصُمْ فَهْوَ مَأَجُورٌ عَلَى اتبَاعِهِ لِلنَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - حَيْثُ لم يَثْبُتْ عَنْهُ صِيَامٌ في الْعَشْرِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِي أَنَّهُ قَالَ : ((صِيَامُ يَوْمٍ مِنَ العَشْرِ يَعْدِلُ شَهْرَيْنِ)) . رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَاق في مُصَنَّفِهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ . وَعَنْ بنِ عَوْنٍ قَالَ كَانَ محَمَّدُ بن سِيرِين يَصُوم العَشْر عَشْر ذِي الحِجّة كُلَّهُ فِإِذَا مَضَى العَشْر وَمَضَت أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَفْطَرَ تِسْعَة أَيَّامٍ مِثْلَ مَا صَامَ . رَوَاهُ ابنُ أَبي شَيْبَة في مُصَنَّفِهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ لَيْث قَالَ كَانَ مجَاهِد يَصُومُ العَشْر قَالَ وَكَانَ عَطَاءٌ يَتَكَلَّفهَا . رَوَاهُ ابنُ أَبي شَيْبَة في مُصَنَّفِهِ وَفي سَنَدِهِ لَيْث ابن أَبي سَلِيم وَفِيهِ ضَعْفٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ يَوْم النَّحْرِ : الأُضْحِيَة فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رَضِي الله عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - قَالَ: {إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ} . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ صَلاةُ العِيدِ .
وَأَعْمَال الخَيْرِ كَثِيرةٌ فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنْ صَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَأَمْرٍ بِالمعْرُوفِ وَنهْيٍ عَنْ المنْكَرِ وَصِلَةٍ لِلأَرْحَامِ وَبِرٍّ لِلْوَالِدَيْنِ وَدَعْوَةٍ لِلْجَمَاعَةِ وَالتَّآلُفِ وَنَبْذٍ لِلْفُرْقَةِ . وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنَ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمعَاصِي وَعَلَيْهِ أَنَ يحْذَرَ مِنَ الفُرْقَةِ وَالتَّنَاحُرِ وَالمظَاهَرَاتِ وَمِنْ تَقْلِيدِ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ . وَلَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ مُشَاهَدَة القَنَوَات الفَضَائِية التِي تَنْشُرُ الرَّذِيلَة وَتُهِينُ الفَضِيلَة .
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ رَجَعَ هُوَ ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ هُوَ وَلَا مَالُهُ بِأَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الشَّهَادَةَ .
قَالَ الشَّوْكَانِيُ : وَالْحَدِيثُ فِيهِ تَفْضِيلُ أَيَّامِ الْعَشْرِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ السَّنَةِ . وقال : وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ اجْتِمَاعُ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهَا : الْحَجُّ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالصِّيَامُ ، وَالصَّلَاةُ ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا.ا.هـ
وَلِفَضْلِ هَذِهِ الأَيَّام أَيْضًا قَالَ تَعَالى : {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ{}وَالْفَجْرِ} : قِيلَ المُرَادُ بِهِ فَجْر يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّة، وَهْوْ خَاتِمَةُ اللَّيَالي العَشْرِ. {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} : اللَّيَالي العَشْر قِيلَ المُرَادُ بهَا عَشْر ذِي الحِجّة. كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمجَاهِد، وَغَيْر وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ.
وَقَالَ تَعَالى : {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج/28] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رَضِي الله عَنْهُمَا -: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} أَيَّامُ الْعَشْرِ . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ا.هـ
فَمِنَ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ أَدَاءُ الحَجِّ وّالعُمْرَةِ لمنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَفَضَائِلهما كَثِيرةٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ التَكْبِير وَرَفْع الصَّوتِ بَهِ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة/185]. قَالَ البُخَارِيُّ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.ا.هـ لَكِنْ لَيْسَ جَمَاعِيًا .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ يُسْتَحَبُ صِيامُ يَوْمِ عَرَفَة وَهْوَ اليِوم التَاسِع لحدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ –رَضِي الله عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ : {يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ} . رَوَاهُ مُسْلِم . وَأَمَّا صِيَامُ بَقِيَّة أَيَّامِ العَشْرِ عَدَا التَاسِعِ فقد قَالَتْ عَائِشَة –رَضِي الله عَنْهَا -: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ" وَفِي رِوَايَةٍ: " لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ قَطُّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ –رَضِي الله عَنْهَا - قَالَتْ أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ . فَقَدْ رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائِيُ وَقَالَ الأَلْبَانِيُ في إِرْوَاءِ الغَلِيلِ رَقَم 954: إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ رِجَالُهُ ثِقَات غَيْر أَبى إِسْحَاق الأَشْجَعِي فَهْوَ مجْهُول عَلَى أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا عَلَى الحُر بن الصَّباح اخْتِلافًا كَبِيرًا في إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَلِذَلِكَ قَالَ الحَافِظُ الزّيلعى في نَصْبِ الرَّايَةِ : هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. ثُمَّ صَحّحهُ الأَلْبَاني في سُنَنِ أَبى دَاودِ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ. لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَاني : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ فَرَوَاهُ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - ا.هـ. قُلْتُ : فَالحَدِيثُ ضَعِيفٌ لاضّطِرَابِهِ وَاللهُ أَعْلَم وَلا يُصَادِمُ حَدِيثُ عَائِشَة في صَحِيحِ مُسْلِم المُتَقَدِّم. وَمَعَ هَذَا فَالجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ التِسْع . عَلَى أَنَ الصِّيَامَ كَذَلِكَ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ . فَأَمَّا عَنِ الرَّسِولِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - فَمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ صَامَهَا عَدَا يَومِ عَرَفَة الّذِي حَثَّ عَلَى صِيَامِهِ . فَالصِّيَامُ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ وَمَنْ لمْ يَصُمْ فَهْوَ مَأَجُورٌ عَلَى اتبَاعِهِ لِلنَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - حَيْثُ لم يَثْبُتْ عَنْهُ صِيَامٌ في الْعَشْرِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِي أَنَّهُ قَالَ : ((صِيَامُ يَوْمٍ مِنَ العَشْرِ يَعْدِلُ شَهْرَيْنِ)) . رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَاق في مُصَنَّفِهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ . وَعَنْ بنِ عَوْنٍ قَالَ كَانَ محَمَّدُ بن سِيرِين يَصُوم العَشْر عَشْر ذِي الحِجّة كُلَّهُ فِإِذَا مَضَى العَشْر وَمَضَت أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَفْطَرَ تِسْعَة أَيَّامٍ مِثْلَ مَا صَامَ . رَوَاهُ ابنُ أَبي شَيْبَة في مُصَنَّفِهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَعَنْ لَيْث قَالَ كَانَ مجَاهِد يَصُومُ العَشْر قَالَ وَكَانَ عَطَاءٌ يَتَكَلَّفهَا . رَوَاهُ ابنُ أَبي شَيْبَة في مُصَنَّفِهِ وَفي سَنَدِهِ لَيْث ابن أَبي سَلِيم وَفِيهِ ضَعْفٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ يَوْم النَّحْرِ : الأُضْحِيَة فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رَضِي الله عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم - قَالَ: {إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ} . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمِنَ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ صَلاةُ العِيدِ .
وَأَعْمَال الخَيْرِ كَثِيرةٌ فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنْ صَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَأَمْرٍ بِالمعْرُوفِ وَنهْيٍ عَنْ المنْكَرِ وَصِلَةٍ لِلأَرْحَامِ وَبِرٍّ لِلْوَالِدَيْنِ وَدَعْوَةٍ لِلْجَمَاعَةِ وَالتَّآلُفِ وَنَبْذٍ لِلْفُرْقَةِ . وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنَ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمعَاصِي وَعَلَيْهِ أَنَ يحْذَرَ مِنَ الفُرْقَةِ وَالتَّنَاحُرِ وَالمظَاهَرَاتِ وَمِنْ تَقْلِيدِ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ . وَلَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ مُشَاهَدَة القَنَوَات الفَضَائِية التِي تَنْشُرُ الرَّذِيلَة وَتُهِينُ الفَضِيلَة .
وَالحمْدُ للهِ عَلَى نِعَمهِ وَصَلَى الله عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَآلِه وَسَلَّم .
كَتَبَهُ أَبُو عَبْد اللهِ خَالِد بن مُحَمَّد الغُرْبَانِي
من الخزانة العلمية للشبكة
تعليق