إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سؤال فقهي في صلاة الفجر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سؤال فقهي في صلاة الفجر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أما بعد
    عندي سؤال في مسأله علامات الفجر الصادق وماهي هذه العلامات لمن كان عنده إجابه أن يفيدنا بها بارك الله فيكم وإن كان هناك تسجيل صوتي لأحد العلماء فيكون هذا افضل بارك الله فيكم

  • #2
    ((عَوْنُ الخَالِقِ في تحقِيقِ القَوْلِ في مَسْألةِ وَقَتِ الفَجْرِ الصَّادِقِ))


    ##########################


    التعديل الأخير تم بواسطة خالد بن محمد الغرباني; الساعة 07-09-2010, 01:57 PM.

    تعليق


    • #3
      مفال لا خطام له ولا زمام
      من الكاتب ؟!

      ما عهدناك هكذا يا ابن إبراهيم

      تعليق


      • #4
        عَوْنُ الخَالِقِ في تحقِيقِ القَوْلِ في مَسْألةِ وَقَتِ الفَجْرِ الصَّادِقِ

        نصيحة إلى أئمة المساجد والمؤذِّنين

        عَوْنُ الخَالِقِ في تحقِيقِ القَوْلِ في مَسْألةِ وَقَتِ الفَجْرِ الصَّادِقِ

        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثر سنته وعمل بهداه إلى يوم الدين يوم نلقاه؛ أما بعد:
        فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ)).
        ومعنى (الإمام ضامن) أي يحفظ ويرعى صلاة المأمومين على أحسن وجه، ويتكفل عنهم ما يحصل في الصلاة من إساءة؛ يوضح ذلك ما أخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإمام ضامن؛ فإنْ أحسن فله ولهم، وإنْ أساء فعليه ولا عليهم)).
        ومعنى (والمؤذِّن مؤتمَن) أي أمين على مواقيت الصلاة والصيام ويحفظ لهم ذلك؛ والناس يعتمدون عليه في ذلك ويطمئنون ويثقون به.
        ولما كانت الإمامة في الصلاة تحتاج إلى علم بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لذا دعا لهم بالرشد الذي هو إصابة الحق، بينما لما كان حال المؤذن قد لا ينجو من قصور غير متعمَّد إما في تقديم الوقت أو في تأخيره لذا دعا لهم بالمغفرة على ما يقع منهم من تفريط.
        ومن هنا كان الواجب على الإمام أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ويحرص على العمل به على قدر ما يستطيع، كما أنَّ الواجب على المؤذن أن يعرف العلامات التي يدخل فيها وقت الصلوات الخمس بالإضافة إلى تعلم صيغة الأذان الشرعي.
        واليوم كما أنَّ كثيراً من الناس قد تقدَّموا إلى الإمامة في الصلاة وهم لا يعرفون صفتها الشرعية وإنما يصلونها على ما اعتادوا عليه مع الأخطاء التي قد تبطل بها الصلاة أو قد تنقص، فكذلك كثير من المؤذنين قد تقدَّموا إلى الأذان وهم لا يعرفون علامات دخول الوقت بل يعتمدون على ورقةٍ خُصِّصت لمواقيت الصلاة لكل شهر!، بل ولكلِّ سنة!!، بل لعدة سنوات!!!؛ وهذه المواقيت تصدر من هيئة شرعية أو لجنة رسمية موكَّلة بذلك كما يزعمون.
        فهؤلاء المؤذِّنون لا يعتمدون لمعرفة مواقيت الصلاة على النظر إلى الأوصاف التي ذُكرت في الأحاديث الصحيحة مع أنَّهم مؤتمنون؛ ولهذا نراهم في بعض الصلوات يؤذِّنون إما قبل الوقت وإما بعد الوقت، ولعلَّ أثر ذلك على الذين يصلُّون في المساجد لا يظهر، ولكنَّه ظاهر على مَنْ يُصلي في بيته من أهل الأعذار.
        يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى [الشرح الممتع 1/339 -340]: ((والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني. وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات!!.
        ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أنَّ كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري.
        فإذا اختلف تقويمان وكلٌّ منهما صادرٌ عن أهلٍ وعالمٍ بالوقت؛ فإننا نُقدِّم المتأخِّر في كلِّ الأوقات، لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أنَّ كُلاً من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فنأخذ بالقول الثَّاني، فله أن يأكلَ ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر؛ وأنا شخصياً آخذ بالمتأخِّر من التقويمين، أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم أو أوثق فإنَّه يُقدَّم)) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
        ولهذا كان لا بدَّ من معرفة علامات دخول وخروج وقت الصلاة كما كان سلفنا يعرفها، ولا ينبغي أن يعتمد المؤذن على هذه التقاويم التي أُحدِثت في عصرنا هذا؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [المجموع 9/215]: ((قد بيَّنا أنَّ شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً وإنْ كان طريقاً صحيحاً، بل طرق الجبر والمقابلة فيها تطويل يغنى الله عنه بغيره كما ذكرنا في المنطق.
        وهكذا كل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم مثل العلم بجهة القبلة والعلم بمواقيت الصلاة والعلم بطلوع الفجر والعلم بالهلال؛ فكل هذا يمكن العلم به بالطرق التي كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يسلكونها ولا يحتاجون معها إلى شيء آخر، وإنْ كان كثير من الناس قد أحدثوا طُرقاً أُخر، وكثير منهم يظن أنه لا يمكن معرفة الشريعة إلا بها؛ وهذا من جهلهم)) انتهى.
        ومن هذه الطرق التي أحدثها الناس لمعرفة مواقيت الصلاة: النظر بالمجهر الفلكي بالاعتماد على الخبراء الفلكيين والجغرافيين، فيُحددون موقع البلد ثم يرصدون درجة قرب الشمس من الأفق ثم يسجلون حسابات يومية لتحديد مواقيت الصلوات الخمس، ثم توضع هذه الحسابات في رزنامة شهرية أو سنوية وتوزع على المساجد ويعتمد عليها المؤذنون؛ وهي طريقة غير شرعية.
        والمجهر الفلكي – كما لا يخفى على أحد – يُقرِّب الأشياء، فالأشياء الذي نراها بالعين المجردة بعيدة نراها قريبة بالمجهر، ونحن مأمورون أن نرى بالعين المجردة ولا نعتمد على حسابات وقراءات فلكية، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، والشهر هكذا وهكذا، وهكذا)) قال الراوي: يعني تسعاً وعشرين أو ثلاثين، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الشهر يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين؛ فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإنْ غمَّ عليكم فأكملوا العدة)) فعلَّق معرفة بدأ الشهر برؤية الهلال بالعين المجردة.
        وهذه هي أصل المشكلة في اختلاف الأذان بين المساجد؛ فنجد – مثلاً - مسجداً يعتمد أهله فيه على التقويم الفلكي فيؤذنون قبل دخول الوقت حتماً!!، بينما نجد مسجداً لا يعتمدون على ذلك التقويم؛ بل يعتمدون على التقويم الشرعي المستند على الرؤية بالعين المجردة لعلامات دخول الوقت فيتأخرون عن أذان المساجد التي تعتمد على التقويم الفلكي.
        ومشكلة اختلاف أذان الفجر بين المساجد راجعة إلى ذلك الأمر نفسه، ويُضاف إلى ذلك أنَّ الفلكيين لا يُميزون بين الفجر الأول (الكاذب) وبين الفجر الثاني (الصادق)، ويظنون أنَّ الفجر واحد!، ولهذا لا يضعون حسابات للفجر الأول في التقويم أصلاً!!، وعندهم أنَّ وقت الفجر يدخل برؤية أول ومضة من بياض النهار في الأفق!!!، وهذا غلط فاحش، وهو مصادم لما جاءت به النصوص.
        فالله عزَّ وجل يقول في محكم التنزيل: ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)) فهناك خيطان: أسود، وأبيض، الأسود هو آخر الليل وهو الفجر الأول، والأبيض هو أول النهار وهو الفجر الثاني، ولا يثبت وقت الفجر الثاني حتى يتبين البياض في الأفق، فيظهر للناس بوضوح، فإذا كان بمجرد رؤية أول ومضة فلا يُمكن أن يتبين لنا، بل لا يتبين حتى ينتشر البياض على طول الأفق من جهة الشرق.
        يؤكِّد ذلك ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
        - ((لا يغرنَّ أحدكم نداءُ بلال من السحور، ولا هذا البياض؛ حتى يستطير)).
        - وفي رواية عنده: ((لا يغرنَّكم أذان بلال، ولا هذا البياض - لعمود الصبح - حتى يستطير هكذا)).
        - و((لا يغرنَّكم من سحوركم أذانُ بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا؛ حتى يستطير هكذا)) وحكاه راوي الحديث بيديه قال: يعني معترضاً. - و((لا يغرنكم نداءُ بلال، ولا هذا البياض؛ حتى يبدو الفجر - أو قال - حتى ينفجر الفجر)).
        وعند الإمامين أحمد والترمذي رحمهما الله تعالى بلفظ: ((لا يمنعنَّكم من سحوركم أذانُ بلال، ولا الفجر المستطيل؛ ولكن الفجر المستطير في الأفق)).
        خلاصة هذه الروايات: أنَّ البياض الذي يظهر من جهة الشرق نوعان:
        بياض مستطيل؛ كالعمود طولاً، يبدأ من نقطة في الشرق ويتجه نحو الغرب، وهو قصير ولا يدوم.
        وبياض مستطير؛ ينتشر في الأفق عرضاً كالطير الذي يمد جناحيه، يبدأ من الجنوب ويتجه نحو الشمال أو بالعكس لا يختلف الأمر، وهو طويل على طول الأفق، ويزداد تدريجياً حتى يتضح النهار وينفجر ضوءه.
        قال ابن قتيبة في [غريب الحديث 1/ 173-174]: ((والفَجْر الثاني: هو المُسْتطير الصادق، وإنّما سُمّي مسْتطيراً لأنَّه مُسْتعرض منتشر في الأفق، وكلّ شيء انتشر فقد استطار)).
        والفلكيون يُحددون الفجر عند ظهور البياض الأول كما سيأتي بيانه، بينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم حدده بالبياض الثاني؛ وخير الهدي هدي نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه، والله تعالى يقول: ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))؟.
        بل إنَّ الأمة الإسلامية أجمعت على أنَّ وقت الفجر يبدأ بطلوع البياض وانتشاره في الأفق؛ وممن نقل الإجماع الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه التمهيد [3/275] حيث قال: ((أجمع العلماء على أنَّ أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه؛ وهو البياض المنتشر من أفق المشرق، والذي لا ظلمة بعده))، وقال: ((وأجمعوا أنَّ أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وانصداعه؛ وهو البياض المعترض في أفق السماء، وهو الفجر الثاني الذي ينتشر ويطير)) [التمهيد 8/94].
        ومع هذا؛ فأكثر مساجد المسلمين اليوم يؤذِّنون في ظلمة من الليل لا يُرى فيها من جهة المشرق بياض أصلاً، ومنها مساجد تؤذِّن في وقت ظهور البياض من غير أن ينتشر في الأفق؛ وكلاهما على خلاف إجماع الأمة.
        والبعض يجهل أنَّ للفجر أذانين، ولهذا يُجادل بجهله في ذلك، مع أنَّ هذا الأمر معلوم في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم عند جمهور أهل العلم، والبعض الآخر من الناس يُقلِّد الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى ومَنْ وافقه في عدم مشروعية الأذان الأول، وهذا تعصب مذموم، وهو في مقابل الانقياد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في الصحيحين وغيرهما؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعنَّ أحدَكم أو أحداً منكم أذانُ بلال من سحوره فإنه يؤذِّن أو ينادي بليل: ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم، وليس أن يقول: الفجر أو الصبح)) وقال بأصابعه: ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل، ((حتى يقول هكذا)) وقال زهير راوي الحديث: بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله، ورويا أيضاً واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنَّ بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر))، وكذلك أخرج الإمام ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام ولا يحل الصلاة، و أما الثاني فإنه يحرم الطعام ويحل الصلاة)) وفي حديث آخر: ((الفجر فجران؛ فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)).
        وفي هذا دليل صريح لا يسوغ مخالفته أنَّ للفجر أذانين؛ وأنَّ الفجر الأول لا يُحرِّم الطعام للصائم ولا يُحل له صلاة الفجر، بينما الفجر الثاني يبدأ به وقت الإمساك ويدخل فيه صلاة الفجر، ورحم الله تعالى أبا حنيفة القائل: ((إذا صح الحديث فهو مذهبي))، والقائل: ((إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي))، وما أجمل ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ((كل ما قلتُ فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى؛ فلا تقلِّدوني))، وقال: ((أجمع المسلمون على أنَّ مَنْ استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد)).
        وأقرَّ البعض بأنَّ الفجر الأول مشروع لكنه زعم أنه لا يشرع إلا في رمضان خاصة!!، يعني في رمضان: يكون للفجر أذانان، أما باقي شهور السنة فيكون فيه أذان واحد، وهذا لم يقل به إلا ابن القطان رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح [2/104] فقال: ((وادَّعى ابن القطان أنَّ ذلك كان في رمضان خاصة؛ وفيه نظر)).
        والبعض يستدل لذلك بأنَّ النصوص قد وردت مقيدة بالأكل والشرب أو بالسحور أو بالصيام والقيام؛ وهذا مردود، لأنَّ الأذان الأول للفجر شُرِّع من أجل حكمة؛ وهي: لإيقاظ النائم الذي عزم على الصوم ليدرك السحور، ولإرجاع القائم حتى يعود إلى الراحة قبل الانشغال بصلاة الفجر، ومن المعلوم أنَّ الصيام والقيام لا يختصان في رمضان!!، بل القيام في كل أيام السنة، والصيام هناك صيام النوافل وهي كثيرة، كصيام يوم وإفطار يوم، وصوم يومي الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام الأيام البيض، وصيام ستة شوال، والتسعة الأولى من ذي الحجة، وأكثر شعبان وشهر الله المحرَّم، وعاشوراء، وعرفة؛ فكذلك يحتاج الصائم والقائم في غير رمضان إلى أذان الفجر الأول، وهذا واضح.
        ثم أنَّ أهل التفاسير جميعاً نصَّوا على أنَّ دليل وقت صلاة الفجر هو قوله تعالى: ((وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ))، وهي مقيدة بالأكل والشرب كذلك!، بل هي واردة في آيات صيام رمضان!!، فهل يُقال: أنَّ صلاة الفجر لا تشرع إلا في رمضان كما قلتم أنَّ أذان الفجر لا يشرع إلا في رمضان؟!!! فهذا استدلال بعيد جداً.
        ثم أنه قد أخرج الحاكم والبيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران؛ فجر يقال له ذنب السرحان وهو الكاذب يذهب طولاً ولا يذهب عرضاً، والفجر الآخر يذهب عرضاً ولا يذهب طولاً))، فهذا الحديث بهذا اللفظ ليس فيه تقييد بالأكل والشرب أو بالصيام والقيام، وإنما مجرد تحديد علامات الفجرين.
        والبعض يقول نحتاط فنجعل الأذان الثاني قبل أن يدخل الوقت لئلا يبقى الناس يتسحرون بعد دخول الوقت فيبطل صيامهم؛ وأحدثوا ما يُسمَّى بـ((وقت الإمساك)) في تقويم رمضان خاصة!!.
        والجواب عن ذلك: أنَّ صلاة الفجر تدخل بأذان الفجر الثاني كما هو معلوم، فلو أذَّن المؤذن قبل الوقت فأمسك الناس عن الطعام وشرعوا بالصلاة لبطلت صلاتهم!، والصلاة عمود الإسلام، وأعظم من الصيام بالنص والإجماع، فلماذا لا يقال العكس: نحتاط لصلاة الفجر فنتأخر حتى يدخل وقتها بيقين؟! فأيهما أعظم الصلاة أم الصيام؟!! هذا لو صحَّ أنَّ السحور يقع بعد الوقت.
        ثم أنَّ الله عزَّ وجل رخَّص لعباده أن يأكلوا إلى أن يسمعوا الأذان الثاني، بل ولو سمع أحدُهم المؤذنَ يؤذن الأذان الثاني وفي يده إناء يأكل منه فلا يتركه حتى يقضي منه حاجته؛ أخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمع النداءَ أحدُكم والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)).
        وقد علَّق الشيخ الألباني رحمه الله تعالى على هذا الحديث في تمام المِنَّة [ص417-418] بقوله: ((وفيه دليل على أنَّ مَنْ طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه؛ فهذه الصورة مستثناة من الآية: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث، ولا إجماع يعارضه؛ بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو: جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق؛ راجع الفتح [4/ 109-110]، لأنَّ من فوائد هذا الحديث: إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة!!، لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحَّرون، ولو علِموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة، فتأمَّل)).
        بل إنَّ كثيراً من سلف الأمة كانوا يتأخرون في سحورهم حتى يتضح لهم الفجر وينتشر؛ ويستدلون بحديثين:
        1- عن قيس بن طلق حدثني أبي طلق بن علي رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلوا واشربوا ولا يهيدنَّكم الساطع المصعَّد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر)) رواه الترمذي وقال بعده: ((والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض؛ وبه يقول عامة أهل العلم))، وعند أحمد بلفظ: ((ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر))، وعند ابن خزيمة: ((كلوا واشربوا ولا يغرنَّكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر))، ومعنى: (ولا يهيدنكم) أي: لا يزعجنَّكم فتمتنعوا عن السحور، و(الساطع المصعَّد) أي: الصبح الذي أول ما ينشق يسطع مرتفعاً طولاً قبل أن يعترض ممتداً بالأفق.
        ومن المعلوم أنَّ الحمرة إنما تظهر من جهة الأفق بعد تتـام البياض وانتشار الضوء، حيث تخف ظلمة الليل من جهة الشرق أولاً، ثم يسطع شيء رقيق من البياض من بقايا تلك الظلمة مرتفعاً طولاً، ثم يختفي، ثم ينتشر الضوء في الأفق، ثم يزداد بياضه حتى تشوبه حمرة؛ وهذا هو الفجر الثاني.
        قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلَّى [3/192]: ((والفجر الأول: هو المستطيل المستدق صاعداً في الفلك كذنب السرحان، وتحدث بعده ظلمة في الأفق؛ لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم ولا يدخل به وقت صلاة الصبح؛ هذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها. والآخر: هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان ينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها، ويزداد بياضه، وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة؛ وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها)).
        وقال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: ((سطوعه ارتفاعه مصعَّداً قبل أن يعترض؛ قال: ومعنى الأحمر هاهنا أن يستبطن البياضَ المعترض أوائلُ حمرة؛ وذلك أنَّ البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبِّه الصبح بالبلق من الخيل؛ لما فيه من بياض وحمرة)) نقلاً عن عون المعبود [6/339].
        وقال العلامة الفقيه ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني [1/429]: ((وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت؛ وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق: لأنه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمرة، ومنه سُمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: أصبح. فأما الفجر الأول فهو البياض المُستَدِقُّ صعداً من غير اعتراض، فلا يتعلق به حكم؛ ويسمى الفجر الكاذب)). ويقصد بـ(المستدق): الذي صار دقيقاً رقيقاً أي ناعماً.
        وقال العلامة المحدِّث الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة [5/50]: ((واعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بـ "الأحمر" ووصفه تعالى إياه بقوله: "الخيط الأبيض"؛ لأنَّ المراد - والله أعلم - بياض مشوب بحمرة، أو تارة يكون أبيض وتارة يكون أحمر؛ يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع)).
        أما الحديث الثاني الذي يستدل به مَنْ كان يتأخر من سلف الأمة في سحوره إلى أن يتضح الفجر فهو:
        2- عن عاصم بن أبي النَّجود عن زر بن حبيش قال: قلنا لحذيفة أيُّ ساعة تسحرتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((هو النهار إلا أنَّ الشمس لم تطلع)) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وعند أحمد بلفظ آخر: قلت يعني لحذيفة: يا أبا عبد الله تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: أكان الرجل يُبصر مواقع نَبْله؟ قال: ((نعم؛ هو النهار إلا إنَّ الشمس لم تطلع)).
        وهذا الحديث صريح جداً في جواز تأخير السحور حتى يتضح الفجر.
        وقد أعلَّ بعضُ أهل العلم هذا الحديث بأنَّ الراجح أنه موقوف على حذيفة رضي الله عنه، وقد تفرد عاصم بن أبي النَّجود في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعاصم كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في التقريب [1/285]: ((عاصم بن بهدلة؛ وهو بن أبي النَّجود بنون وجيم، الأسدي، مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون)).
        وقد لخص الشيخ شعيب الأرناؤوط الكلام حول أسباب عدم العمل بهذا الحديث عند بعض أهل العلم بقوله:
        ((رجاله ثقات غير عاصم بن بهدلة؛ فهو صدوق حسن الحديث، لكنه قد خولف في رفع الحديث، فقد رواه من هو أوثق منه فوقفه، وقال النسائي كما في تحفة الأشراف 3 / 23: "لا نعلم أحداً رفعه غير عاصم".
        وخولف في رفعه فأخرجه النسائي 3 / 142: أخبرنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن عدي قال: سمعت زر بن حبيش قال: تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين وأقيمت الصلاة وليس بينهما إلا هنيهة. فذكره موقوفاً؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
        قال النسائي: لا نعلم أحداً رفعه غير عاصم؛ فإنْ كان رفعه صحيحاً فمعناه: أنه قرب النهار كقوله تعالى: "فإذا بلغن أجلهن"، معناه: إذا قاربن البلوغ، وكقول القائل: بلغنا المنـزل إذا قاربه.
        وأخرجه موقوفاً أيضاً 4 /142 - 143: أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا أبو يعفور قال حدثنا إبراهيم عن صلة بن زفر قال: تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى المسجد فصلينا ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة فصلينا. وإسناده صحيح على شرط الشيخين أيضاً.
        وأخرجه ابن أبي شيبة: حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا الوليد بن جميع قال ثنا أبو الطفيل أنه تسحر في أهله في الجبانة ثم جاء إلى حذيفة وهو في دار الحارث بن أبي ربيعة فوجده فحلب له ناقة فناوله فقال: إني أُريد الصوم، فقال: وأنا أُريد الصوم، فشرب حذيفة وأخذ بيده فدفع إلى المسجد حين أقيمت الصلاة. وإسناده قوي.
        قلنا: وانظر لزاماً كلام الإمام أبي بكر الرازي على هذا الحديث في أحكام القرآن، والإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/54، وقال الإمام النووي في شرح المهذب 6 / 305: "وهذا الذي ذكرناه من الدخول في الصوم بطلوع الفجر وتحريم الطعام والشراب والجماع به هو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، قال ابن المنذر: وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأمصار، قال: وبه نقول)) انتهى كلام الأرناؤوط.
        وإليك أيها القارئ الكريم تفصيل الجواب عن هذه الاعتراضات:
        - أما الجواب عن تعليل الحديث بالوقف؛ فيُمكن أن يُجاب عنه بأنَّ ما رواه صلة وأبو الطفيل وزر من طريق عدي عن حذيفة رضي الله عنه هو فعله معهم، بينما ما رواه زر من طريق عاصم عن حذيفة هو السؤال عن وقت السحور مع النبي صلى الله عليه وسلم، فالقصة تختلف.
        ثم لو كانت القصة واحدة، وزاد فيها عاصم السؤال عن وقت السحور، فلا مانع أن يكون زر بن حبيش حَدَث له مع حذيفة الأمران؛ ثم هو تارة ينقل ما حدَث له، وتارة ما حدَّثه به، وهذا واضح فيما أخرجه الإمام أحمد من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: تسحرت، ثم انطلقت إلى المسجد، فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان فدخلت عليه، فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت، ثم قال: "أُدنُ فكُل"، فقلت: إني أريد الصوم. فقال: "وأنا أريد الصوم" فأكلنا وشربنا، ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة. ثم قال حذيفة: "هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: أبعد الصبح؟ قال: "نعم؛ هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس".
        ثم لو كان هذا التأخير في السحور من فعل حذيفة رضي الله عنه، فليس هو من باب الاجتهاد، إنما فعله حذيفة متأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحذيفة رضي الله عنه كان عليماً بسحور النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنَّفه [2/277]: حدثنا بن فضيل عن بن أبي خالد عن الشعبي قال: كان حذيفة يُعجِّل بعضَ سحورِه ليُدرك الصلاةَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فكان يرسل إليه فيأكل معه، حتى يخرجا إلى الصلاة جميعاً.
        ومما يدلَّ كذلك على أنَّ ذلك التأخير كان من فعله صلى الله عليه وسلم وسنته ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه [4/231]: عن بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتسحر، فقال: الصلاة يا رسول الله، قال: فثبت كما هو يأكل، ثم أتاه فقال: الصلاة، وهو حاله، ثم أتاه الثالثة فقال: الصلاة يا رسول الله قد والله أصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يرحم الله بلالاً لولا بلال لرجونا أن يرخَّص لنا حتى تطلع الشمس))، قال الحافظ في [الفتح 4/135]: ((رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات))، وقال كذلك في الفتح [4/136]: ((وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحة)).
        - وأما الجواب عن تأويل حديث حذيفة بقرب النهار أو بقرب طلوع الفجر؛ فهو بعيد جداً، وبخاصة في رواية: ((أبعد الصبح؟ قال: "نعم؛ هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس"، فلا يُمكن أن تُفسَّر بقرب طلوع الفجر، لأنَّ لفظ (الصبح) لا يُطلق إلا بعد طلوع الفجر، عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر)) وفي رواية: وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقول له الناس: أصبحت أصبحت. وفي أخرى: ولم يكن يؤذِّن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: أذِّن.
        قال ابن الأثير [النهاية 1/319]: ((البُزُوغ: الطلوع؛ يقال: بزغت الشمس وبَزَغ القمر وغيرهما إذا طَلَعت)).
        قال الحافظ في الفتح [2/100]: ((قوله: "أصبحت أصبحت" أي: دخلتَ في الصباح هذا ظاهره، واستُشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل؛ فلو لم يؤذِّن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه إلا مَنْ شذَّ كالأعمش!!، وأجاب ابن حبيب وابن عبد البر والأصيلى وجماعة من الشرَّاح بأنَّ المراد: قاربت الصباح!!. ويعكِّر على هذا الجواب أنَّ في رواية الربيع التي قدمناها: "ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: أذِّن"، وأبلغ من ذلك: أنَّ لفظ رواية المصنف التي في الصيام "حتى يؤذن بن أم مكتوم فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر"، وإنما قلت: إنه أبلغ؛ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فقوله: "إنَّ بلالاً يؤذن بليل" يشعر أنَّ ابن أم مكتوم بخلافه؛ ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق، لصدق أنَّ كلاً منهما أذَّن قبل الوقت، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال)) انتهى كلام الحافظ.
        ولا شكَّ أنه في غاية الإشكال لو فُسِّر (الصبح) بقرب طلوع الفجر!!؛ لأنه لو كان قبل طلوع الفجر لم يكن بين أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم فرق، بل يَصحُّ أنَّ يُطلق على كل منهما أنه أذَّن بليل أو قبل وقت الفجر.
        وهذا يدل دلالة واضحة على بُعد تأويل قول حذيفة ((هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس)) على قرب طلوع الفجر؛ وأنَّ معناه حتى يتضح الفجر.
        - وأما تشبيه قول حذيفة (هو النهار إلا إنَّ الشمس لم تطلع) بقوله تعالى: "فإذا بلغن أجلهن" أي: إذا قاربن البلوغ، فيكون قول حذيفة معناه أنه قارب طلوع الفجر؟
        فيُمكن أن يجاب عنه بأنَّ معنى قوله تعالى: ((فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ)) قد يُراد به انقضاء العدة لا المقاربة بيقين؛ كما في قوله تعالى في عدة المتوفى عنها زوجها: ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))، وقوله: ((وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ))، وإلى ذلك ذهب أهل التفسير في هاتين الآيتين.
        ولكن قد يضطر معنى ((فبلغن أجلهن)) إلى التأويل بمعنى قرب انقضاء العدة لقرينة من داخل السياق أو من خارجه، وهذا ما كان في تأويل آية: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف" بقرب انقضاء العدَّة؛ قال القرطبي رحمه الله تعالى الجامع لأحكام القرآن [3/147]: ((معنى "بلغن": قاربن؛ بإجماعٍ من العلماء، ولأنَّ المعنى يضطر إلى ذلك؛ لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك)).
        فهذا التأويل يسوِّغه أمران: الأول: إجماع العلماء، الثاني: أنَّ المعنى يضطر إلى ذلك. أما في حديث حذيفة وغيره فالعلماء قد اختلفوا في تأويل ذلك؛ هذا أولاً، وثانياً أنَّ المعنى يضطر إلى أنَّ المراد به بعد طلوع الفجر كما لاحظنا من استشكال الحافظ ابن حجر للتأويل المُدَّعى.
        وإنْ كان هذا الإجماع المشار إليه في كلام القرطبي يخالفه الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلى [6/231] فيقول مع شدته المعتادة: ((وقد ادَّعى قوم أنَّ قوله تعالى: "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حتى يطلع الفجر" و"حتى يقال له: أصبحت أصبحت " أنَّ ذلك على المقاربة!، مثل قوله تعالى: "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف" إنما معناه: فإذا قاربن بلوغ أجلهن؟ وقائل هذا مستسهل للكذب على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
        أول ذلك أنه دعوى بلا برهان، وإحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه ولكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول عليه بما لم يقل؛ ولو كان ما قالوا لكان بلال وابن أم مكتوم معاً لا يؤذِّنان إلا قبل الفجر، وهذا باطل لا يقوله أحد، لا هم ولا غيرهم.
        وأما قوله تعالى: "فإذا بلغن أجلهن" فإقحامهم فيه أنه تعالى أراد: فإذا قاربن بلوغ أجلهن؛ باطل وكذب ودعوى بلا برهان، ولو كان ما قالوه لكان لا يجوز له الرجعة إلا عند مقاربة انتهاء العدة ولا يقول هذا أحدٌ لا هم ولا غيرهم؛ وهو تحريف للكلم عن مواضعه، بل الآية على ظاهرها وبلوغ أجلهن: هو بلوغهن أجل العدة؛ ليس هو انقضاؤها، وهذا هو الحق، لأنهن إذا كنَّ في أجل العدة كله فللزوج الرجعة وله الطلاق، فبطل ما قالوه بيقين لا إشكال فيه)) والله تعالى أعلم.


        ملاحظة:
        لعلى أخطأت عند أن نقلت جزء من المقال وهنا أستدرك ذلك يا مشرفنا العام وأورد الزمام والخطام.
        ولبقية المقال من هنا:
        الملفات المرفقة

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك وجزاك الله خيرا يا أخ علي وأسأل الله أن يزيدك علما ويفقهك في الدين

          تعليق

          يعمل...
          X