مواقيت الصلوات
تأليف
أبي تراب سيف بن حضر الجاوي
دار الحديث
بدماج
Pبسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون_[آل عمران:102].
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً_ [النساء:1].
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً _[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد كثرت الأسئلة وجهت إلي عن مواقيت الصلوات وما يتعلق بها ، فيسر الله لي البحث المتواضع في هذه المسألة عونا لهم وتيسيرا لي في الإجابة عن أسئلتهم ، وسميته بـ:
"مواقيت الصلوات"
أسأل الله أن يتقبله مني و يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم .وبالله التوفيق.
كتبه:
أبو تراب سيف بن حضر الجاوي
دار الحديث بدماج 22رجب 1431 هـ
الباب الأول : المواقيت
* قال الله تعالى: +إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا_[النساء/103]
* عن ابن مسعود - رضى الله عنه - أن رجلا سأل النبى - صلى الله عليه وسلم - أى الأعمال أفضل قال « الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، ثم الجهاد فى سبيل الله ".[متفق عليه البخارى (7534 ) ومسلم (85)]
قال ابن الجوزي رحمه الله : وفي «الموقوت» قولان .
أحدهما: أنه بمعنى المفروض ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وابن زيد .
والثاني: أنه الموقت في أوقات معلومة ، وهو قول ابن مسعود ، وقتادة ، وزيد ابن أسلم ، وابن قتيبة .اهـ [زاد المسير(2 / 95)]
* وقال تعالى :+وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ_ [هود/114]
قال الشنقيطي رحمه الله : ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتاباً أي : شيئاً مكتوباً عليهم واجباً حتماً موقوتاً أي : له أوقات يجب بدخولها ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات ، ولكنه أشار لها في مواضع أخر كقوله :+أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً _[ الإسراء : 78 ] فأشار بقوله:+لِدُلُوكِ الشمس_وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر وأشار بقوله :+إلى غَسَقِ الليل_ وهو ظلامه إلى صلاة المغرب والعشاء وأشار بقوله :+وَقُرْآنَ الفجر_ إلى صلاة الصبح وعبر عنها بالقرآن بمعنى القراءة، لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه .
وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحاً كلياً ، ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة كما قاله جماعة من العلماء .[ أضواء البيان (1 / 326)]
فصل: تعريف المواقيت
قال الصنعاني رحمه الله : المواقيت : جمع ميقات والميقات ما حد ووقت للعبادة من زمان ومكان والتوقيت التحديد. [سبل السلام (3 / 425) وقد صنف رحمه الله كتابا في المواقيت سماه: " اليواقيت في المواقيت " ]
قال البسام رحمه الله : والمراد هنا- المواقيت الزمانية التي هي المقدار المحدد لفعل الصلوات المفروضات وغيرها، ودخول وقت المفروضة، هو الشرط الثاني، من شروط الصلاة.[ تيسير العلام (1 / 62)]
قال ابن قدامة رحمه الله: أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة .[ المغني (ج 2 / ص 148)]
wwwww
الباب الثاني : خطر من صلى في غير وقتها
*قال الله I :+ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا_ [مريم : 59]
*وقال تعالى:+ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ _[الماعون:4، 5]
قال شيخ الإسلام / كما في مجموع الفتاوى (15 / 234): المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال :+فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون_ فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها.
وقد قال طائفة من السلف : بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة وكلا المعنيين حق، والآية تتناول هذا وهذا كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث؛ أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه، وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا، وهكذا فسروا قوله :+فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات _ بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها.اهـ
قال ابن كثير / في تفسيره (8 / 493): قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال:+ لِلْمُصَلِّينَ_ أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
قال :وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا. وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به. وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله.اهـ
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله : عمن ترك صلاة واحدة عمدا بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاء فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر ؟ .
فأجاب : الحمد لله ، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمدا من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر . وقد رواه الترمذي مرفوعا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " . ورفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه نظر, فإن الترمذي قال : العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله " وحبوط العمل لا يتوعد به إلا على ما هو من أعظم الكبائر - وكذلك تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها وهي التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها فمن حافظ عليها فله الأجر مرتين وهي التي لما فاتت سليمان فعل بالخيل ما فعل .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال :" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " والموتور أهله وماله يبقى مسلوبا ليس له ما ينتفع به من الأهل والمال وهو بمنزلة الذي حبط عمله . اهـ [مجموع الفتاوى (22 / 54)]
قلت :ويدخل في هذا الباب أيضا من صلاها قبل دخول وقتها، فإن الصلاة قبل وقتها باطلة بالإجماع إلا في الجمع بين الصلاتين .
قال ابن عبد البر في التمهيد(8 / 69): وفي هذا الحديث دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها وأنها لا تجزئ قبل وقتها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيئا روى عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التابعين أجمع العلماء على خلافه فلم أر لذكره وجها؛ لأنه لا يصح عنهم وقد صح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا.اهـ
أما حديث عبد الله - رضى الله عنه - قال ما رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر قبل ميقاتها.
فقد قال النووي / في شرحه على مسلم (9 / 37): المراد قبل وقتها المعتاد لا قبل طلوع الفجر لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين، فيتعين تأويله على ما ذكرته وقد ثبت في صحيح البخاري في هذا الحديث في بعض رواياته أن ابن مسعود صلى الفجر حين طلع الفجر بالمزدلفة ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الفجر هذه الساعة . وفي رواية فلما طلع الفجر قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم. والله أعلم.
wwwww
الباب الثالث : أوقات الصلوات المفروضة بشكل عام
* قال الإمام مسلم /( 614): حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة ؟ : فلم يرد عليه شيئا قال فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم ثم أمره، فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل فقال الوقت بين هذين.
* قال الإمام مسلم رحمه الله ( 612 ) وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي حدثنا عمر بن عبدالله بن رزين حدثنا إبراهيم ( يعني ابن طهمان ) عن الحجاج ( وهو ابن حجاج ) عن قتادة عن أبي أيوب عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن وقت الصلوات ؟ فقال وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل.
* قال الإمام البخاري رحمه الله (547): حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا عوف عن سيار بن سلامة قال دخلت أنا وأبى على أبى برزة الأسلمى ، فقال له أبى كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى المكتوبة فقال كان يصلى الهجير التى تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ، ويصلى العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله فى أقصى المدينة والشمس حية - ونسيت ما قال فى المغرب - وكان يستحب أن يؤخر العشاء التى تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، ويقرأ بالستين إلى المائة .
* قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (2 / 232رقم: 7172): ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة t قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وان آخر وقتها حين يغيب الأفق وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس .
* قال الإمام أحمد رحمه الله (1 / 333 رقم: 3081) ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث حدثني حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمني جبريل عند البيت فصلى بي الظهر حين زالت الشمس فكانت بقدر الشراك ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثم صلى الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول ثم صلى بي الفجر فأسفر ثم التفت الي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك الوقت فيما بين هذين الوقتين.
* قال الامام النسائي رحمه الله (1 /255 ): أخبرنا يوسف بن واضح قال حدثنا قدامة يعني ابن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه، فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العصر ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب ثم أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الغداة ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع مثل ما صنع بالأمس فصلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل الرجل مثل شخصيه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر ثم أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب، فنمنا ثم قمنا ثم نمنا ثم قمنا فأتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العشاء ثم أتاه حين امتد الفجر وأصبح والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة، ثم قال ما بين هاتين الصلاتين وقت . [وفي صحيح أبي داود (2 / 254): وقال البخاري: إنه " أصح شيء في المواقيت "؛يعني: في إمامة جبريل)] .
wwwww
الباب الرابع : وقت الظهر.
جاء فيه أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة :
(1)- عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر." رواه مسلم ( 612 ) وفي لفظ عنده أيضا: ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر.
(2)- وعن أنس بن مالك t قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر.[ رواه مسلم ( 2359 ) ومثله عن جابر بن سمرة عند مسلم ( 618 )]
(3)- وعن جابر بن سمرة t قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس. [رواه مسلم ( 618 )] وبهذا اللفظ جاء عن أبي برزة الأسلمي وهو في صحيح ابن ماجة ( 548) ومعنى دحضت مالت كما قال الحافظ]
(4)- وعن جابر بن سمرة t قال : كان بلال يؤذن إذا دحضت فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه و سلم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه.[ رواه مسلم ( 606 )]
5- وعن جابر بن عبد الله قال: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر بالهاجرة. [رواه البخارى (560 ) وجاء بنحوه عن المغيرة بن شعبة عند ابن ماجه (554) ولفظه : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم *وهو صحيح، وعن زيد بن ثابت t عند أبي داود : رقم:(411) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت:+حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى_وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين .[وصححه الألباني/]
(5)- عن جابر t أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع.[رواه النسائي 1 /255) وهو في الصحيح المسند(1 / 103رقم:209)
(7)- عن ابن عباس t قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك" [ رواه أبو داود (393) وهو حديث صحيح وجاء نحوه عن جابر عند النسائي رقم: (524):ولفظه: عن الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه قال دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري فقلنا له أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفيء قدر الشراك ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك وظل الرجل.[وهو حديث صحيح]
ومن هذه الأحاديث نعرف أن لوقت الظهر بداية ونهاية.
أول وقت الظهر.
فبدايتها: حين زالت الشمس ، قال ابن عبد البر في التمهيد (8 / 70): أجمع علماء المسلمين في كل عصر وفي كل مصر، بلغنا عنهم أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ووسط الفلك إذا استوقن ذلك في الأرض بالتفقد والتأمل، وذلك ابتداء زيادة الظل بعد تناهي نقصانه في الشتاء والصيف جميعا، وإن كان الظل مخالفا في الصيف له في الشتاء وهذا إجماع من علماء المسلمين كلهم في أول وقت الظهر فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره فقد حل وقت.اهـ
قال البغوى/ في شرح السنة (2 / 183): قوله : " كانت قدر الشراك " ليس ذلك على معنى التحديد ، ولكن الزوال لا يستبان بأقل منه ، وليس هذا المقدار مما يتبين به الزوال في جميع البلدان والأزمان ، إنما يتبين في بعض الأزمنة في بعض ، البلدان ، مثل مكة ونواحيها ، فإن الشمس إذا استوت فوق الكعبة في أطول يوم من السنة لم ير لشيء من جوانبها ظل ، فإذا زالت ظهر الفيئ قدر الشراك من جانب الشرق ، وهو أول وقت الظهر ، وكل بلد هو أقرب إلى وسط الأرض كان الظل فيه أقصر.اهـ
قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى(2 / 160):وأجمع العلماء على أن أول وقت الظهر زوال الشمس وممن كان يصليها عند الزوال أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وروى إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت أحدًا كان أشد تعجيلاً للظهر من الرسول ، وأبى بكر وعمر ، وكتب عمر إلى أبى موسى : أن صَلِّ الظهر حين تزيغ الشمس ، وقال إبراهيم : كنا نصلى الظهر مع علقمة أحيانًا نجد ظلاً ، نجلس فيه ، وأحيانًا لا نجد ظلاً نجلس فيه ، وذكر ذلك كله ابن أبى شيبة .
وقال الملا على القاري في مرقاة المفاتيح (3 / 40): معنى زوال الشمس هو أن يكون ظل كل شيء من أول النهار إلى المغرب أي جهته كثيرا، ثم يأخذ في النقصان قليلا قليلا إلى أن وقف لمحة، فإذا زال الظل بعده إلى المشرق فهو أول وقت الظهر، فإذا صار ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال يدخل وقت العصر.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير(1 / 429): ومعنى زوال الشمس ميلها عن وسط السماء، وإنما يعرف ذلك بطول الظل بعد تناهي قصره لأن الشمس حين تطلع يكون الظل طويلا، وكلما ارتفعت قصر فإذا مالت عن كبد السماء شرع في الطول فذلك زوال الشمس. فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل شئ ثم يصبر قليلا ثم يقدره ثانيا فإن نقص لم يتحقق الزوال وإن زاد فقد زالت، وكذلك إن لم ينقص لأن الظل لا يقف فيكون قد نقص ثم زاد .
وأما معرفة قدر ما تزول عليه الشمس بالأقدام فيختلف بإختلاف الشهور والبلدانكلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر طال الظل فكل يوم يزيد أو ينقص .اهـ
آخر وقت الظهر
ونهايتها : عندما يصير ظل كل شيء مثله، فإن كان يوجد ظل للزوال أضيف إلى ظل الشخص، وإن لم يكن له ظل عند الاستواء فنحسب ظله فقط.
قال ابن عبد البر / في التمهيد (8 / 73): واختلفوا في آخر وقت الظهر، فقال مالك وأصحابه: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وهو أول وقت العصر بلا فصل، وبذلك قال ابن المبارك وجماعة واستدل بحديث ابن عباس وغيره في إمامة جبريل وأنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس من يومه ذلك بلا فصل.
وقال الشافعي وأبو ثور وداود وأصحابهم: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله وبين آخر وقت الظهر وأول العصر فاصلة وهو أن يزيد الظل أدنى زيادة على المثل.
وقال الثوري والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله ثم يدخل وقت العصر لم يذكروا فاصلة إلا أن قولهم ثم يدخل وقت العصر يدل على فاصلة.
وقال أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار والناس لقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر وخالفه أصحابه.اهـ
والراجح - والله أعلم - :القول الثاني والثالث لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وقت الظهر ما لم تحضر العصر" .
قال النووي : وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ، وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله ، فلا اشتراك بينهما ، قال : وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ؛ ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا ؛ لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ منها ، وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات ، وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت، فانتظمت الأحاديث على اتفاق .اهـ
وهو ترجيح الصنعاني والشوكاني حيث أيده بقوله :ويؤيد هذا أن إثبات ما عدا الأوقات الخمسة دعوى مفتقرة إلى دليل خالص عن شوائب المعارضة ، فالتوقف على المتيقن هو الواجب حتى يقوم ما يلجئ إلى المصير إلى الزيادة عليها .[نيل الأوطار (ج 2 / ص 284)]
قلت : والملاحظ في هذا الأمر أن الخلاف فيه لفظي لأن مدة الفصل بين الوقتين على قول من قال بالفصل قد تكاد معدومة لقصرها ولم تزد على خمس دقائق تقريبا-واختلوا في مقدار الفصل - ، والله أعلم.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2 / 153): إن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص ، فذلك آخر وقت الظهر .
قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله . قيل له : فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس ، فكان الظل بعد الزوال مثله ، فهو ذاك .
ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص ، فقد انتهى وقت الظهر ؛ ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، أو يزيد قليلا ، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فهو آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر .
وبهذا قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور وداود.
فصل : وقت الجمعة.
* وقد بوب الإمام البخارى رحمه الله في صحيحه وقال : 16 - باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ . وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِىٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضى الله عنهم .
* ثم ذكر حديث برقم (904): عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس .
* وذكر حديث برقم(905): عن أنس t قال: كنا نبكر بالجمعة ، ونقيل بعد الجمعة .
* وأخرج مسلم( 860 ) عن إياس بن سلمة الأكوع عن أبيه قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء .
فقه الأحاديث.
قال ابن بطال في شرحه (4 / 114): وأجمع الفقهاء على أن وقت الجمعة بعد زوال الشمس إلا ما روى عن مجاهد أنه قال: جائز أن تصلى الجمعة فى وقت صلاة العيد؛ لأنها صلاة عيد، وقال أحمد بن حنبل: تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال، وهذا القول يرده حديث أنس المذكور فى هذا الباب وعمل الخلفاء بعده.
وقال ابن القصار: لا تخلو الجمعة من أن تكون ظهرا فوقتها لا يختلف، أو بدلا من الظهر فيجب ألا يختلف أيضا؛ لأن الأبدال لا تتقدم مبدلاتها، كالقصر فى السفر لا يخرج الصلاة عن أوقاتها.
وقوله: كنا نبكر بالجمعة، فإنما يريد أنهم كانوا يصلونها بعد الزوال فى أول الوقت وهو وقت الرواح عند العرب.اهـ
قال النووي في شرحه على مسلم(3 / 230): هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة ، وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق ، فجوزاها قبل الزوال ، قال القاضي : وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور ، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها ، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها .اهـ
قال شيخنا أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري حفظه الله في" أحكام الجمعة وبدعها " ص109 طبعة الأولى بعد أن ذكر كلام النووي : هذه الأحاديث لا تنفي ما دل عليه حديث أنس الصريح في الصلاة بعد الزوال ، فالحكم له قطعا ، لأدلة كثيرة تدل على عدم صحة الصلاة قبل وقتها .اهـ
فصل : الإبراد في شدة الحر.
قال ابن قدامة رحمه الله : أما في شدة الحر فكلام الخرقي يقتضي استحباب الإبراد بها على كل حال ، وهو ظاهر كلام أحمد .
قال الأثرم : وعلى هذا مذهب أبي عبد الله سواء ، يستحب تعجيلها في الشتاء والإبراد بها في الحر ، وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ؛ لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " رواه الجماعة عن أبي هريرة وهذا عام .
وقال القاضي : إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط : شدة الحر ، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات ، فأما من صلاها في بيته ، أو في مسجد بفناء بيته ، فالأفضل تعجيلها .
وهذا مذهب الشافعي ؛ لأن التأخير إنما يستحب لينكسر الحر ، ويتسع في الحيطان ، ويكثر السعي إلى الجماعات ، ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير .
وقال القاضي في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه الناس أو لا ، فإن أحمد رحمه الله ، كان يؤخرها في مسجده ولم يكن بهذه الصفة .
والأخذ بظاهر الخبر أولى .
ومعنى الإبراد بها ، تأخيرها حتى ينكسر الحر ، ويتسع في الحيطان ، وفي حديث أبي ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبرد ، حتى رأينا فيء التلول " وهذا إنما يكن مع كثرة تأخيرها ، ولا يؤخرها إلى آخر وقتها ، بل يصليها في وقت إذا فرغ يكون بينه وبين آخر الوقت فضل.[ المغني (2 / 178)]
قال ابن عثيمين / في الشرح الممتع(2 / 48): في شدَّة الحَرِّ الأفضل تأخيرها حتى ينكسر الحرُّ؛ لثبوت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصَّلاة، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْحِ جهنَّم» ، ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر فأراد المؤذِّنُ أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أذَّن لمَّا ساوى الظِلُّ التُّلُولَ . يعني: قُرب وقت صلاة العصر؛ لأنه إذا ساوى الشيءُ ظِلَّه؛ لم يبقَ ما يسقط من هذا الظلِّ إلا فيء الزَّوال، وفيءُ الزَّوال في أيَّام الصيف وشدَّة الحَرِّ قصير جداً. فقوله في الحديث: «حتى سَاوى الظِلُّ التُّلُولَ»، يعني: مع فيءِ الزَّوال، وهذا متعيِّن؛ لأنه لو اعتبرت المساواة بعد فيء الزَّوال؛ لكان وقت الظُّهر قد خرجَ؛ فينبغي في شِدَّة الحرِّ الإبرادُ إلى هذا الوقت، يعني: قُرب صلاة العصر.
وقال بعض العلماء: بل حتى يكون للشَّواخص ظِلٌّ يُستظلُّ به . لكن هذا ليس بمنضبط؛ لأنه إذا كان البناء عالياً وُجِدَ الظِلُّ الذي يُستظلُّ به قريباً، وإذا كان نازلاً فهو بالعكس. فمتى يكون للنَّاس ظِلٌّ يمشون فيه؟!.
لكن أصحُّ شيء أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثله مضافاً إليه فيء الزَّوال، يعني: أنه قُرب صلاة العصر، وهذا هو الذي يحصُل به الإبراد، أمَّا ما كان النَّاس يفعلونه من قبلُ، حيث يصلُّون بعد زوال الشَّمس بنحو نصف ساعة أو ساعة، ثم يقولون: هذا إبراد. فليس هذا إبراداً! هذا إحرار؛ لأنه معروف أن الحرَّ يكون أشدَّ ما يكون بعد الزَّوال بنحو ساعة.
فإذا قَدَّرنا مثلاً أن الشَّمس في أيام الصَّيف تزول على الساعة الثانية عشرة، وأن العصر على الساعة الرابعة والنصف تقريباً، فيكون الإبراد إلى الساعة الرابعة تقريباً.
wwwww
الباب الخامس : وقت العصر.
جاء بألفاظ متنوعة .
(1)- عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى العصر والشمس لم تخرج من حجرتها . وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها .[ رواه البخارى (544) ومسلم ( 611 ) ]
(2)- عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى العصر والشمس مرتفعة حية ، فيذهب الذاهب إلى العوالى فيأتيهم والشمس مرتفعة ، وبعض العوالى من المدينة على أربعة أميال أو نحوه . [رواه البخارى (550 )]
(3)- عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن وقت الصلوات ؟ فقال وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول [رواه مسلم ( 612 )]
(4)- عن أبى برزة الأسلمى قال: فسألناه عن وقت الصلوات فقال كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر حين تزول الشمس ، والعصر ويرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية [رواه البخارى (771 )]
(5)- عن عبد الله بن عباس رضي الله وفيه قال رسول الله > :" ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه" وفي آخره : "ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ." [رواه أحمد (1 / 333)]
(6)- عن أبي هريرة t قال رسول الله > : "وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس" [تقدم رواه أحمد]
(7)- عن أبي هريرة t قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ." [ رواه البخارى (556)]
(8)- عن عبدالله قال : حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت. [رواه مسلم ( 628 )]
(9)- عن أبي هريرة t أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر » [رواه البخارى (579) ومسلم ( 608 )]
ففي هذه الأحاديث تدل على أن وقت العصر حالات .
قال النووي في شرحه على مسلم (5 / 110) : قال أصحابنا رحمهم الله تعالى للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر.
فأما وقت الفضيلة : فأول وقتها، ووقت الاختيار: يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، ووقت الجواز : إلى الاصفرار ،ووقت الجواز : مع الكراهة حالة الاصفرار إلى الغروب، ووقت العذر: وهو وقت الظهر في حق من يجمع بين الظهر والعصر لسفر أو مطر ، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء . والله أعلم.
أول وقت العصر
قال ابن قدامة / في المغني (1 / 417): وقت العصر من حين الزيادة على المثل أدنى زيادة متصل بوقت الظهر لا فصل بينهما وغير الخرقي قال : إذا صار ظل الشيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول العصر وهو قريب مما قال الخرقي : وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث ولقوله تعالى :+ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ _[هود : 114] ولو كان على ما ذكرتموه لكان وسط النهار وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس وقال إسحاق : آخر وقت الظهر أول وقت العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين يصليان معا أحدهما يصلي الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل شيء مثله كان كل واحد منهما مصليا لها في وقتها وحكي ذلك عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عباس صلى بي الظهر لوقت العصر بالأمس .
ولنا : ما تقدم في حديث جبريل عليه السلام وقوله تعالى :+ أقم الصلاة طرفي النهار _ لا ينفي ما قلنا فإن الطرف ما تراخى عن الوسط وهو موجود في مسألتنا وقول النبي صلى الله عليه و سلم : لوقت العصر بالأمس ." أراد مقاربة الوقت يعني أن ابتداء صلاته اليوم العصر متصل بوقت انتهاء صلاة الظهر في اليوم الثاني أو مقارب له لأنه قصد به بيان المواقيت وإنما تبين أول الوقت بابتداء فعل الصلاة وتبين آخره بالفراغ منها وقد بينه قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمرو : " وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر " رواه مسلم و أبو داود وقي حديث أبو هريرة t أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" إن للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ." أخرجه الترمذي.
قال ابن عبد البر : وقال أبو حنيفة لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار وجماعة العلماء في ذلك وجعل وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله (وجعل بينهما واسطة ليست منهما وهذا لم يقله أحد ) هذه رواية أبي يوسف عنه.[التمهيد(3 / 280)] وقال في (8 / 76):وهو خلاف الآثار وخلاف الجمهور.
آخر وقت العصر
قال ابن رجب رحمه الله : وأما آخر وقت العصر ، ففيه أقوال :
أحدهما : أنه غروب الشمس ، روي ذلك عن ابن عباس وعكرمة وأبي جعفر محمد بن علي .
والثاني : إلى مصير ظل كل شيء مثليه ، روي عن أبي هريرة ، وهو قول الشافعي ، وأحمد في رواية .
والثالث : حتى تصفر الشمس ، روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو قول الأوزعي ، وأحمد في رواية ، وأبي يوسف ، ومحمد .
وفيه حديث ، عن عبد الله بن عمرو ، اختلف في رفعه ووقفه ، وقد خرجه مسلم في " صحيحه " مرفوعاً .
وأكثر من قال بهذا القول والذي قبله ، قالوا : لا يخرج وقت العصر بالكلية باصفرار الشمس ولا بمصير ظل كل شيء مثليه ، إنما يخرج وقت الاختيار ، ويبقى ما بعده وقت ضرورة .
قلت : وهذا القول هو الراجح إن شاء الله .
قال الصنعاني / في سبل السلام (1 / 107): يستمر وقت العصر إلى اصفرار الشمس، وبعد الاصفرار ليس بوقت للأداء بل وقت قضاء كما قاله أبو حنيفة وقيل بل أداء إلى بقية تسع ركعة لحديث "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك العصر"
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 88):قوله: «إِلَى مَصيرِ الفَيءِ مِثْلَيْه بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ»، يعني: أنَّ فيءَ الزَّوال لا يُحسب، فنبدأُ منه، فإذا صار الظِلُّ طول الشَّاخص فهذا نهاية وقت الظُّهر ودخول وقت العصر؛ وإذا كان طول الشَّاخص مرَّتين؛ فهو نهاية وقت العصر، فوقت الظُّهر من فيء الزَّوال إلى أن يكون ظِلُّ الشَّيءِ مثله، والعصر إلى أن يصير مثليه، وبهذا يكون وقت الظُّهر أطول من وقت العصر بكثير؛ لأن الظِلَّ في آخر النهار أسرع، وكلما دنت الشَّمس إلى الغروب كان الظِلُّ أسرع، فيكاد يكون الفرق الثُّلث.
فوقت الظُّهر طويل بالنسبة لوقت العصر الاختياري، لكن وقت الضَّرورة في العصر إلى غروب الشَّمسِ، فيكون بهذا الاعتبار طويلاً.اهـ
قلت: ولابد من اعتبار فيء الزوال في ضبط آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، لأنه لو لم نعتبره قد تكون المدة بين الظهر والعصر قصيرة جدا في بعض الأحيان نحو نصف الساعة في أيام الشتاء لأن الظل في تلك المدة طولها ثلثي الشخص والله أعلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة (1 / 153): وإنما يعتبر مساواة الظل لشخصه بعد فيئه حين الزوال لأن الظل حين الزوال قد يكون مثل الشاخص أو أطول، لا سيما في البلاد الشمالية في زمن الشتاء فلو اعتبر أن يكون الظل مثل الشاخص مطلقا لتداخل الوقتان أو استحال ذلك، وإنما أطلق في الأحاديث لأنه قصد أن يبين أن وقت الظهر بزيادة الظل عن مثل شخصه ولأن الظل وقت الزوال يكون مستقيما، فإذا انحرف بقدر الشاخص فهو آخر وقت الظهر، ولأنه في الصيف في أرض الحجاز يكون الظل وقت الزوال شيئا يسيرا لا عبرة به فبمجرد كون الظل مثل الشاخص يكفي في التقريب ولهذا قال في الحديث: "لما كان الفيء مثل الشراك".
wwwww
وهذه صورة تقريبية لوقت الظهر والعصر، مثلا إذا كان الظهر في الساعة الثانية عشرة ودقيقتين.
أول ما نصنع، أن نضع العمود ثم نخطه على الظل وإذا نقص الظل ويقصر فهذا يدل على أن الوقت ما دخل، وإذا ثبت الظل أي لا يقصر ولا يطول بل ثبت على الخط المستدير فهذا وقت الكراهة الشديدة نحو عشر دقائق، ثم إذا زاد فحان وقت الزوال ودخل الظهر. ووقت العصر من طول العمود مع زيادة فيئ الزوال.
wwwww
الباب السادس: وقت المغرب
وردت فيه أحاديث بألفاظ متنوعة .
(1)- عن رافع بن خديج رضي الله عنه يقول : كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه و سلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله . [رواه البخاري (534) و مسلم ( 637)]
(2)- عن جابر بن عبد الله t قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت.[ رواه البخاري ( 535) ومسلم (646)
(3)- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب إذا توارت بالحجاب.[رواه البخاري ( 536) ومسلم (1472)بلفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب.]
(4)- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس و إن آخر وقتها حين يغيب الشفق."[ تقدم أنه صحيح انظر السلسلة الصحيحة (4 / 195رقم: 1696) وفي لفظ: وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق].
(5)- عن جابر t عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... وقت المغرب، قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس؛ يعني: من الغد؛ وقتاً واحداً ". [صحيح أبي داود - (2 / 254 رقم: 419)]
(6)- عن عبد الله بن عمرو t أن نبى الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق."[ رواه مسلم(1416)]
(7)- عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إذا أقبل الليل من ها هنا ، وأدبر النهار من ها هنا ، وغربت الشمس ، فقد أفطر الصائم » [رواه البخارى (1954)]
(8)- عن أبي محذورة رضي الله عته قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أذنت للمغرب فاحدرها والشمس حدراء. [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 55رقم: 1735 ) رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ثم قال : وله في الكبير أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "وقت المغرب احدرها والشمس حدراء" .[وإسناده حسن]
(9)- عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس بادروا بها طلوع النجم" [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 53):رواه أحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب وبقية رجاله ثقات . ورواه الطبراني عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب ورجاله موثقون. قال الشيخ الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1 / 723رقم: 7228): ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3780 في صحيح الجامع]
وفي هذه الأحاديث تدل على أن وقت المغرب يعرف بأحد ثلاثة أمورأو باجتماعها:
(1)- غروب الشمس (2)- احمرار الأفق أو الشفق (3)- السواد في جهة المشرق عند إقبال الليل.
قال الحافظ / في فتح الباري (4 / 196) : قوله :"إذا أقبل الليل من ها هنا ": أي من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه والمراد به وجود الظلمة حسا، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطى ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله وغربت الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والادبار وانهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني فيحتمل أن ينزل على حالين إما حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلا وإما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر وإنما ذكر الإقبال والادبار معا لا مكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب قاله القاضي عياض وقال شيخنا في شرح الترمذي الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما ويؤيده الاقتصار في رواية بن أبي أوفى على إقبال الليل.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج 2 / ص 165) :وإذا غابت الشمس وجبت المغرب، ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم .لا نعلم بينهم خلافا فيه ، والأحاديث دالة عليه . وآخره : مغيب الشفق .
وبهذا قال الثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ليس لها إلا وقت واحد ، عند مغيب الشمس ؛ لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، في بيان مواقيت الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم " ؛ ولأن المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت .اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع (30 / 8): أجمع العلماء على أن وقت المغرب يبتدئ عند غروب الشمس، فهذا أول الوقت، إلا خلافاً لبعض أهل الأهواء الذين لا يُعتد بخلافهم الذين يقولون: إن المغرب يكون عند اشتباك النجوم، وكان قولاً لبعض السلف المتقدمين، ولكنه قولٌ لا يُعتد به؛ لمخالفته للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2 / 52): قوله: «ويليه وَقْتُ المَغْرب إلى مَغيب الحُمْرَة» ، أي: يلي وقتَ العصر، بدون فاصل وبدون اشتراك بينهما في الوقت، فوقت المغرب من مغيب الشَّمس إلى مغيب الحُمْرة.
وقوله: «إلى مغيب الحُمْرة»، أي: الحُمْرة في السَّماء، فإذا غابت الحُمْرة لا البياض، فإنه يخرجُ وقتُ المغرب، ويدخلُ وقتُ العِشَاءِ، ومقداره في السَّاعة يختلف باختلاف الفُصول، فتارة يطول وتارة يقصر؛ لكنه يُعرف بالمشاهدة، فمتى رأيت الحُمْرة في الأُفُقِ قد زالت فهذا دليل على أن وقت المَغْربِ قد انقضى، وهو يتراوح ما بين ساعة وربع، إلى ساعة ونصف وثلاث دقائق تقريباً بعد الغروب.
وسئل شيخ الإسلام - رحمه الله - :هل يشترط الليل إلى مطلع الشمس ؟ وكم أقل ما بين وقت المغرب ودخول العشاء من منازل القمر ؟ .
فأجاب :أما وقت العشاء فهو مغيب الشفق الأحمر لكن في البناء يحتاط حتى يغيب الأبيض فإنه قد تستتر الحمرة بالجدران، فإذا غاب البياض تيقن مغيب الأحمر .
هذا مذهب الجمهور كمالك والشافعي وأحمد . وأما أبو حنيفة : فالشفق عنده هو البياض وأهل الحساب يقولون : إن وقتها منزلتان لكن هذا لا ينضبط فإن المنازل إنما تعرف بالكواكب بعضها قريب من المنزلة الحقيقية وبعضها بعيد من ذلك .
وأيضا فوقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار فيكون في الصيف أطول كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول . ومن زعم أن حصة العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف : فقد غلط غلطا حسيا باتفاق الناس . [مجموع الفتاوى (22 / 94)]
wwwww
الباب السابع : وقت العشاء
جاء فيه بألفاظ متنوعة .
(1)- عن جابر t قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة فقال صل معي فصلى الظهر حين زاغت الشمس والعصر حين كان فيء كل شيء مثله والمغرب حين غابت الشمس والعشاء حين غاب الشفق".[ رواه النسائي رحمه الله ( ج1 ص251 ) والحديث في الصحيح المسند (1 / 102رقم 208)]
(2)- وعن عبد الله بن عمرو tعن النبي > قال: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط" [رواه مسلم ( 612 )]
(3)- وعن جابر بن عبد اللهt قال كان النبى - صلى الله عليه وسلم – يصلى العشاء أحيانا وأحيانا ، إذا رآهم اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطوا أخر ، " .[رواه البخارى (560) وفي لفظ برقم(565) : والعشاء إذا كثر الناس عجل ، وإذا قلوا أخر.والحديث في صحيح مسلم ( 646 )]
(4)- وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول .[رواه البخارى (864 )]
(5)- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وأن آخر وقتها حين ينتصف " [ رواه أحمد (2 / 232 رقم: 7172) إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين]
أول وقت العشاء
قال الشوكاني في نيل الأوطار(1 / 411): وابتداء وقت العشاء مغيب الشفق إجماعا لما تقدم في حديث جبريل وفي حديث التعليم وهذا الحديث وغير ذلك. وإنما وقع الخلاف هل هو الأحمر أو الأبيض قال ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعبادة من الصحابة والقاسم والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب وزيد بن علي والناصر من أهل البيت والشافعي وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد من الفقهاء ، والخليل والفراء من أئمة اللغة إن الشفق الحمرة . وقال في القاموس : الشفق الحمرة ولم يذكر الأبيض .
وقال أبو حنيفة والأوزاعي والمزني به وقال الباقر : بل هو الأبيض واحتجوا بقوله تعالى ﴿ إلى غسق الليل ﴾ ولا غسق قبل ذهاب البياض ورد بأن ذلك ليس بمانع كالنجوم
وقال أحمد بن حنبل : الأحمر في الصحارى والأبيض في البنيان وذلك قول لا دليل عليه .
ومن حجج الأولين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . قال ابن العربي : هو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق .
قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت به، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة . انتهى .
آخر وقت العشاء
فالراجح أن آخر وقت العشاء وهو منتصف الليل, لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه :" ووقت العشاء إلى منتصف الليل ", وطريقة حساب نصف الليل يحسب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, ثم يقسم على اثنين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 53): ما المراد بنصف الليل؟ هل الليل من غروب الشَّمس إلى طُلوعها؟ أو من غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر؟
أما في اللغة العربية: فكلاهما يُسمَّى ليلاً، قال في «القاموس»: «الليل: من مغرب الشَّمس إلى طُلوع الفجر الصَّادق أو الشمس» .
أما في الشَّرع: فالظَّاهر أن الليل ينتهي بطلوع الفجر، وعلى هذا نقول: الليل الذي يُنَصَّفُ من أجل معرفة صلاة العشاء: من مغيب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، فنِصْفُ ما بينهما هو آخر الوقت، وما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للصَّلاة المفروضة، إنما هو وقت نافلة وتهجُّد.
قال في شرح زاد المستقنع للحمد (4 / 18): أما جمهور أهل العلم فقد ذهبوا : إلى أن آخر وقتها على الإطلاق طلوع الفجر ، ووقت الاختيار إما نصف الليل أو ثلثه على قولين ، والراجح أنه إلى نصفه كما تقدم .
ودليل ذلك : - أي كونه إلى طلوع الفجر - ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى " .
قالوا : فهذا ظاهر أن الصلوات متصلة بعضها ببعض ، فليس بينهما فاصل من الوقت ، بل لا ينتهي وقت صلاة إلا ويدخل وقت صلاة أخرى .
قالوا : وإنما يستثنى من ذلك ما دل الإجماع على استثنائه وهو صلاة الفجر ، فنهاية وقتها على الإطلاق هو طلوع الشمس بإجماع أهل العلم .أما العشاء فليس فيها إجماع بل جماهير العلماء على ما تقدم .
قالوا : ويدل على ذلك آثار الصحابة - كما صح عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس في سنن البيهقي - أنهم أفتوا بالحائض تطهر قبل الفجر أنها تقضي الصلاة أي صلاة العشاء ".
قالوا : ولو لم يكن هذا من وقت العشاء لم يلزمها ولا يلزم غيرها من المعذورين من أهل الضرورات - لم يلزمهم قضاء العشاء ولا قضاء الصلاة المجموعة إليها .
وهذا القول هو الراجح للحديث المتقدم وللآثار عن الصحابة .
فعلى ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم إلى نصف الليل هذا نهاية وقت الجواز ، وما بعده فهو وقت ضرورة .
وقد رد هذا القول العلامة الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (1 / 69)فقال: ولم نجد لمن ذهب - وهم الجمهور - إلى أن وقت العشاء يمتد إلى صلاة الفجر إلا حديثين وليسا بنص في ذلك :
الأول : عن أبي قتادة مرفوعا : ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) . احتج به على ما ذكرنا بعض أهل الظاهر من المتقدمين . والشوكاني المحقق من المتأخرين ( 1 / 10 ) ورد ذلك ابن حزم ردا قويا فقال ( 3 / 178 ) : هذا لا يدل على ما قالوه أصلا، وهم مجمعون معنا بلا خلاف من أحد من الأئمة أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط؛ سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها أم لم يتصل، وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها وإن لم يدخل وقت أخرى؛ ولا أنه يكون مفرطا بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة/229]
والحديث الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : " إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " . مسلم ( 2 / 116 ) ن ( 93 ) مي ( 1 / 276 ) والطحاوي ( 94 ) من طريق ابن جريج قال : أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته عنها
فظاهر الحديث أنه صلاها بعد مضي نصف الليل الأول ولكن الحديث مؤول قال النووي : ( والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها ) ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل )
قلت : وقد يدل لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند ( 6 / 43 و 215 و 272 ) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله : ( حتى ذهب عامة الليل ) وإنما فيه : ( حتى ناداه عمر بن الخطاب : قد نام النساء والصبيان ) . وذلك إنما يكون عادة قبل نصف الليل .
ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه فقال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر رضي الله عنه فنادى : الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول : " إنه الوقت لولا أن أشق على أمتي " . أخرجه النسائي ( 92 ) والدارمي ( 276 ) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه .
وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين وقد رواه مسلم ( 117 ) وأحمد ( 1 / 366 ) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء.
فهذه الرواية تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها : " إنه الوقت " يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من دقة فهمه رحمه الله . وإن كان لا بد من الأخذ بظاهر حديث أم كلثوم عنها فهذا إنما يدل على أنه صلاها في ابتداء النصف الثاني ولذلك قال ابن حزم ( 3 / 184 ) : ( إذا ذهب نصف الليل فقد ذهب عامة الليل ) وعلى هذا بنى قوله في أول الفصل ( 3 / 164 ) : ( ثم يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الأول وابتداء نصف الثاني فمن كبر لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ولا ضرورة فإذا زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة ) .
وأما أنه يدل على امتداد الوقت إلى صلاة الفجر كما زعم الطحاوي فليس فيه أدنى دلالة على ذلك .اهـ
وقال رحمه الله في تمام المنة (ص 141): فالحق أن الحديث لم يرد من أجل التحديد بل لإنكار تعمد إخراج الصلاة عن وقتها مطلقا ثم ذكر كلام ابن حزم الآنف الذكر ثم قال: وإذ قد ثبت أن الحديث لا دليل فيه على امتداد وقت العشاء إلى الفجر فإنه يتحتم الرجوع إلى الأحاديث الأخرى التي هي صريحة في تحديد وقت العشاء مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط . . " رواه مسلم وغيره وقد مضى بتمامه في الكتاب ويؤيده ما كتب به عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : " . . وأن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل وإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين " أخرجه مالك والطحاوي وابن حزم وسنده صحيح
فهذا الحديث دليل واضح على أن وقت العشاء إنما يمتد إلى نصف الليل فقط وهو الحق، ولذلك اختاره الشوكاني في " الدرر البهية " فقال : " . . وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل " وتبعه صديق حسن خان في " شرحه " ( 1 / 69 - 70 ) وقد روي القول به عن مالك كما في " بداية المجتهد " وهو اختيار جماعة من الشافعية كأبي سعيد الإصطخري وغيره.اهـ
قلت : ولم يتعرض الشيخ رحمه الله في الرد على أثار عبد الرحمن بن عوف و ابن عباس رضي الله عنهم .
والحق أن أثر عبد الرحمن بن عوف ضعيف لأن في إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف مجهول ، وقد أورده ابن الملقن في البدر المنير (3 / 302)وقال :قال الخلال : (كان) أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل (يقول) محمد بن عثمان (هذا) (كان) ثقة ، في إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف - لعله - يعني أنه مجهول - قال : وكان ابن عيينة يهم فيه فيقول : سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع وإنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، قيل لأبي عبد الله : رواه حاتم والدراوردي - يعني عن محمد بن عثمان - (فأيهما) أحب إليك ؟ قال : حاتم ، وحمل على الدراوردي يحدث أحاديث مناكير .اهـ
وقال الحافظ في التلخيص(1 / 485):ومولى عبد الرحمن لم يعرف حاله.اهـ فعلى هذا فالأثر ضعيف، وعلى فرض صحته لا يصلح للاحتجاج لأنه موقوف على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.والله أعلم.
أما أثر ابن عباس رضي الله عنه فضعيف أيضا فيه يزيد بن أبى زياد القرشى الهاشمى ، مولاهم ، أبو عبد الله الكوفى ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ( أخو برد بن أبى زياد ) قال يحيى بن معين مرة: لا يحتج بحديثه . وقال مرة: ليس بالقوى . و قال أخرى : ضعيف الحديث. وقال الحافظ :ضعيف كبر فتغير و صار يتلقن ، و كان شيعيا.فالأثر كسابقه. والله أعلم.
فصل: استحباب تأخير العشاء
جاء في ذلك أحاديث منها :
(1)- عن عائشة – رضي الله عنها- قالت أعتم النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال:" إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي وفي حديث عبدالرزاق لولا أن يشق على أمتي". [رواه مسلم ( 638 ) ]
(2)- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة صلاة العشاء - وهى التى يدعو الناس العتمة - ثم انصرف فأقبل علينا فقال « أرأيتم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد » [رواه البخارى (564)]
(3)- عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء ، وذلك قبل أن يفشو الإسلام ، فلم يخرج حتى قال عمر نام النساء والصبيان . فخرج فقال لأهل المسجد « ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم » [رواه البخارى (566 ) و مسلم( 638 )]
(4)- عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى ناداه عمر الصلاة ، نام النساء والصبيان . فخرج فقال « ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم » . قال ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة ، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول . [رواه البخارى (569 )]
(5)- قال ابن جريج قلت لعطاء وقال سمعت ابن عباس يقول أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ، ورقدوا واستيقظوا ، فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة . قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبى الله - صلى الله عليه وسلم - كأنى أنظر إليه الآن ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يده على رأسه فقال « لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوها هكذا » . فاستثبت عطاء كيف وضع النبى - صلى الله عليه وسلم - على رأسه يده كما أنبأه ابن عباس ، فبدد لى عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد ، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم ضمها ، يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلى الوجه على الصدغ ، وناحية اللحية ، لا يقصر ولا يبطش إلا كذلك وقال « لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوا هكذا » [رواه البخارى (571)]
(6)- عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في بقيع بطحان ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة فكان يتناوب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم قال أو موسى فوافقنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا وأصحابي وله الشغل في أمره حتى أعتم بالصلاة حتى إبهار الليل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بهم فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم أعلمكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم أو قال ما صلى هذه الساعة أحد غيركم ( لا ندري أي الكلمتين قال ) قال أبو موسى فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم. [ رواه مسلم ( 641 )]
(7)- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة .[رواه مسلم ( 643 )]
كلام أهل العلم في المسألة.
قال شيخ الإسلام / : وكذلك أوقات الاستحباب ، فإن أهل الحديث يستحبون الصلاة في أول الوقت في الجملة ، إلا حيث يكون في التأخير مصلحة راجحة كما جاءت به السنة فيستحبون تأخير الظهر في الحر مطلقا سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين ويستحبون تأخير العشاء ما لم يشق، وبكل ذلك جاءت السنن الصحيحة التي لا دافع لها .
وكل من الفقهاء يوافقهم في البعض أو الأغلب . فأبو حنيفة : يستحب التأخير إلا في المغرب والشافعي : يستحب التقديم مطلقا حتى في العشاء على أحد القولين وحتى في الحر إذا كانوا مجتمعين . وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد وكانوا مجتمعين " . [مجموع الفتاوى - (22 / 76)]
قال الشوكاني / :وقد اختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي .
فذهب فريق إلى تفضيل التأخير محتجا بهذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب، وذهب فريق آخر إلى تفضيل التقديم محتجا بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم هي التقديم، وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز والشغل والعذر، ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه، وإن كان فيه مشقة.
ورد بأن هذا إنما يتم لو لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا مجرد الفعل لها في ذلك الوقت وهو ممنوع لورود الأقوال كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغير ذلك.
وفيها تنبيه على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة كما صرحت بذلك الأحاديث وأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعارض هذه الأقوال وأما ما ورد من أفضلية أول الوقت على العموم فأحاديث هذا الباب خاصة فيجب بناؤه عليها وهذا لا بد منه. اهـ [ نيل الأوطار (1 / 412)]
قال ابن قامة رحمه الله في المغني (1 / 437): وأما صلاة العشاء فيستحب تأخيرها إلى آخر وقتها إن لم يشق، وهو اختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين قاله الترمذي.
وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " الوقت الأول رضوان الله والوقت الآخر عفو الله " وروى القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أحب الأعمال إلى الله عز و جل الصلاة لأول وقتها ."
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يؤخرها، وإنما أخرها ليلة واحدة ولا يفعل إلا الأفضل .
ولنا : قول أبي برزة t أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة.
وقول النبي صلى الله عليه و سلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ."وهو حديث حسن صحيح، وأحاديثهم ضعيفة أما خبر الوقت الأول رضوان الله فيرويه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل .
قال أحمد رحمه الله : لا أعلم شيئا ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا يعني مغفرة ورضوانا وقال ليس ذا ثابتا ولو ثبت فالأخذ بأحاديثنا الخاصة أولى من الأخذ بالعموم مع صحة أخبارنا وضعف أخبارهم.
فصل : وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد والجماعة راضين بالتأخير فأما مع المشقة على المأمومين أو بعضهم فلا يستحب بل يكره نص عليه أحمد رحمه الله.
قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله : كم قدر تأخير العشاء ؟ فقال : ما قدر يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم تأخير العشاء والأمر بتأخيرها كراهية المشقة على أمته وقال النبي صلى الله عليه و سلم :" من شق على أمتي شق الله عليه " وإنما نقل التأخير عنه مرة أو مرتين ولعله كان لشغل أو اتيان آخر الوقت.
وأما في سائر أوقاته فأنه كان يصليها على ما رواه جابر أحيانا وأحيانا - إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطؤوا أخر.
وعلى ما رواه النعمان بن بشير أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر الثانية، فيستحب للإمام الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يؤخرها تأخيرا يشق على المأمومين فـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأمر بالتخفيف رفقا بالمأمومين وقال : إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخففها كراهية أن أشق على أمة ] متفق عليه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 54):فإن قال قائل: هل الأولى مراعاة تأخير الصلاة إلى آخر الوقت، أو الصلاة مع الجماعة؟ فالجواب: الصلاة مع الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، والتأخير مستحب، ولا مقارنة بين مستحب وواجب.اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع (30 / 9): وقال العلماء: السبب في ذلك أنه لا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة، ولأن الناس بعد العشاء يضطجعون، خاصة في القديم، والغالب فيهم أنهم بعد العشاء يرتاحون، فكون الإنسان لا يبادر إلى راحته ولا إلى نومه مع أنه قد تعب النهار، وينتظر تأخيرها أبلغ في طاعته لله، حتى يأتي عليه الوقت المتأخر للعشاء، وقل أن تجد أحداً يصلي معه، فيصيب فضلاً لا يصيبه غيره، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها "، "لم يصلها أحد ممن كان قبلكم " ، فدل هذا على فضل التأخير من هذا الوجه؛ لأن الناس تغفل وتنام لمكان المشقة وعناء النهار، فلذلك فُضِّل تأخيرها من هذا الوجه، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوم قبلها، لمكان تعب الناس، ولما فيه من غالب عنائهم بتحصيل مصالحهم في النهار.
وأما كيف يعرف المكلف نصف الليل فإنه يحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، ثم يقسم ذلك على اثنين، ثم يضيف النصف الذي خرج من هذه القسمة إلى وقت الغروب، فلو كان غروب الشمس الساعة السادسة، وأذان الفجر الصادق الساعة الخامسة، فمعنى ذلك أن الليل يستمر من الساعة السادسة إلى الخامسة بمقدار إحدى عشرة ساعة، ونصفها خمس ساعات ونصف، فيضيفها إلى الساعة السادسة التي هي وقت الغروب، فتصبح الساعة الحادية عشرة والنصف هي منتصف الليل.
wwwww
باب الثامن: وقت الصبح.
قال الله I : + وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ_ [البقرة : 187]
جاء بألفاظ كثيرة منها:
(1) - عن جابر t قال : وَالصُّبْحَ كَانُوا - أَوْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ . [رواه البخارى (560)]
(2)- عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين ، لا يعرفن من الغلس ، أو لا يعرف بعضهن بعضا . [رواه البخاري (872 )]وفي رقم(578) عن عائشة قالت كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ، لا يعرفهن أحد من الغلس .
(3)- عن أنس t أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قاموا إلى الصلاة . قلت كم بينهما قال قدر خمسين أو ستين - يعنى آية – [رواه البخارى (575) ]
(4)- عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله >:" وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وان آخر وقتها حين تطلع الشمس." [رواه أحمد (2 / 232): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين]
(5)- عن رافع بن خديج t قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "اسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر أو لأجرها" [رواه أحمد ( 17318)وإسناد حسن]
(6)- عن سيار بن سلامة قال دخلت أنا وأبى على أبى برزة الأسلمى ، فقال له أبى كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى المكتوبة فقال كان يصلى الهجير التى تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ، ويصلى العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله فى أقصى المدينة والشمس حية - ونسيت ما قال فى المغرب - وكان يستحب أن يؤخر العشاء التى تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، ويقرأ بالستين إلى المائة ." [رواه البخارى (547)]
(7)- عن أنس بن مالك t قال: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الفجر فقال:" صلها معنا غدا فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بغلس فلما كان اليوم الثاني أخر حتى أسفر ثم قال أين السائل عن وقت هذه الصلاة فقال الرجل أنا يا نبي الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أليس قد حضرتها معنا أمس واليوم قال بلى قال فما بينهما وقت".[أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (4 / 332) وقال وهذا إسناد صحيح متصل]
(8)- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم » . ثم قال وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت [رواه البخارى (617)
(9)- عن عائشة - رضى الله عنها - أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر » . قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا . [رواه البخارى (1919)]
(10)- عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وقت الصلوات فقال « وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول." [رواه مسلم (1420)]
(11) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال ( أو قال نداء بلال ) من سحوره فإنه يؤذن ( أو قال ينادي ) بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم وقال ليس أن يقول هكذا وهكذا ( وصوب يده ورفعها ) حتى يقول هكذا ( وفرج بين إصبعيه .[رواه مسلم( 1093)]
(12)- عن عبد الرحمن بن يزيد يقول حج عبد الله - رضى الله عنه - فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة ، أو قريبا من ذلك ، فأمر رجلا فأذن وأقام ، ثم صلى المغرب ، وصلى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشى ، ثم أمر - أرى رجلا - فأذن وأقام - قال عمرو لا أعلم الشك إلا من زهير - ثم صلى العشاء ركعتين ، فلما طلع الفجر قال إن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلى هذه الساعة إلا هذه الصلاة ، فى هذا المكان ، من هذا اليوم . قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتى الناس المزدلفة ، والفجر حين يبزغ الفجر . قال رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم – يفعله[ رواه البخارى(1675) وفيه برقم: (1683) عن عبد الرحمن بن يزيد قال خرجنا مع عبد الله - رضى الله عنه - إلى مكة ، ثم قدمنا جمعا ، فصلى الصلاتين ، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة ، والعشاء بينهما ، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر ، قائل يقول طلع الفجر . وقائل يقول لم يطلع الفجر . ثم قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما فى هذا المكان المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة » . ثم وقف حتى أسفر ، ثم قال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة . فما أدرى أقوله كان أسرع أم دفع عثمان - رضى الله عنه - فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر .]
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (3 / 275): أجمع العلماء على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه وهو البياض المنتشر من أفق المشرق والذي لا ظلمة بعده.
وقال في (4 / 336): وأما آخر وقتها فكان مالك فيما حكى عنه ابن القاسم يقول: آخر وقت "صلاة" الصبح الإسفار كأنه ذهب إلى هذا الحديث لأنه صلاها في اليوم الثاني حين أسفر ثم قال ما بين هذين وقت فكان ظاهر قوله أن ما عدا هذين فليس بوقت ومعنى قوله ما بين هذين وقت يريد هذين وما بينهما وقت.
وأما الشافعي، والثوري، وجمهور الفقهاء، وأهل الآثار، فإنهم قالوا: آخر صلاة الصبح أن تدرك منها ركعة قبل طلوع الشمس.اهـ
قال الحافظ / في الفتح (2 / 55) :واستدل المصنف به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة، وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها، قدر ثلث خمس ساعة ولعلها مقدار ما يتوضأ، فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر وفيه أنه صلى الله عليه و سلم كان يدخل فيها بغلس.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1 / 429): وقت الصبح يدخله بطلوع الفجر الثاني إجماعا وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح فأما الفجر الأول فهو الأول فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار لما تقدم في حديث جبريل وبريدة وما بعد ذلك وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمر : "ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع الشمس كان مدركا لها" .
فصل : الفجر فجران
* عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام و تحل فيه الصلاة و فجر تحرم فيه الصلاة و يحل فيه الطعام " .
قال الجوهري الفجر في آخر الليل كالشفق في أوله وقد أفجرنا كما تقول قد أصبحنا من الصبح وقال الأزهري سمي الفجر فجرا لإنفجار الصبح وهما فجران فالأول مستطيل في السماء يشبه بذنب السرحان وهو الذئب لأنه مستدق صاعد غير معترض في الأفق وهو الفجر الكاذب الذي لا يحل أداء صلاة الصبح ولا يحرم الأكل على الصائم .
وأما الفجر الثاني فهو المستطير الصادق سمي مستطيرا لإنتشاره في الأفق قال الله تعالى ويخافون يوما كان شره مستطيرا الدهر أي منتشرا فاشيا ظاهرا إن أسفر المأمومون يقال سفر الصبح وأسفر وهي أفصح وبها جاء القرآن قال الله تعالى ﴿والصبح إذا أسفر﴾[ المدثر: 34 ]. [المطلع على أبوات المقنع (1 / 59)]
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة (1 / 183): وهما فجران فالأول المستدق المستطيل في طول السماء كذنب السرحان وهو الذئب ويسمى الفجر الأول ولا عبرة به في شيء من الأحكام ثم يسود الأفق بعده ثم يطلع الفجر الصادق بعده معترضا في الأفق منتشرا لا ظلمة بعده ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق" اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع(30 / 9): والفجر الكاذب يكون في السدس الأخير من الليل، وسرعان ما يتلاشى هذا الضياء، بمعنى أنه لا يثبت الضياء فيه.
وأما الفجر الصادق فإنه ينتشر فيه الضياء، ولا يزال الإنسان يدخل في الوضوح والإصباح حتى تطلع الشمس.اهـ
قال صاحب كتاب الصلاة من عمدة الطالب (1 / 72)]: عندنا فجران : الفجر الأول والفجر الثاني ، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن بينهما فروقاً ثلاثة : الفرق الأول : قال المؤلف رحمه الله : المعترض بالمشرق ، أن الفجر الثاني تشاهده معترض في المشرق معترض بين الشمال والجنوب تجده هكذا معترض بين الشمال والجنوب ، ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس الأول فكلما مضى شيء من الوقت فإنه ينقص ويضمحل . هذه ثلاثة فروق بين الفجر الأول والفجر الثاني .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 55): فيكون من طلوع الفجر الثَّاني إلى طلوع الشَّمس ، ومقداره بالسَّاعة يختلف، قد يكون ساعة ونصفاً، وقد يكون ساعة وربعاً كالمغرب.
wwwww
الباب التاسع : حكم استخدام التقويم
قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (6 / 279): قال صاحب " العون ": هل جاء وقت الصلاة أم لا ؟ فلا اعتبار لشكه ، و إنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام ، فإن تيقن الإمام بمجيء الوقت ، فلا يعتبر بشك بعض الأتباع " .
وقوله : " على الإمام " ، وأقول : أوعلى من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ، و هو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها ، و قد أصبح هؤلاء في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر ، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي ،بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و ( الروزنامات ) ، و هو غير صحيح لمخالفته للواقع ، و في هذا اليوم مثلا ( السبت 20 محرم سنة 1406) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة و خمس و أربعين دقيقة ، و في تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة و الدقيقة الثالثة و الثلاثين ! هذا و أنا على ( جبل هملان ) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في ( وسط عمان ) ؟
لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على ( هملان ) . و مع الأسف فإنهم يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين ، و بناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد و لما يطلع الفجر بعد ، و لقد عمت هذه المصيبة كثيرا من البلاد الإسلامية كالكويت و المغرب و الطائف و غيرها ، و يؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق . و لما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس و أنا صائم ، فما أذن إلا بعد غروبها بـ ( 13 دقيقة ) ! و أما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن في شقة منها صهر لي ، فما كادت الشمس أن تغرب إلا و سمعت الأذان فحمدت الله على ذلك .اهـ
وفي فتاوى الإسلام سؤال وجواب (1 / 2847) : بعد أن ذكر أحاديث الفجرين: ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة ، لا على الحساب الفلكي ، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم ، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح. وهذا الخطأ ليس في مصر وحدها ، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح ، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب ، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان ، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة.
وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق ، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم،- ثم ذكر كلام الشي الألباني رحمه الله المتقدم ثم قال:- وإذا عُلم هذا فالواجب على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات ، لتحري وقت الفجر ، وإعلام الناس به ، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6 / 143): فالمعتبر غروب الشمس، لا الأذان، لا سيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير، فلو غربت الشمس، وأنت تشاهدها، والناس لم يؤذنوا بعد، فلك أن تفطر ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب، فليس لك أن تفطر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» .
ولا يضر بقاء النور القوي، فبعض الناس يقول: نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس، وسن الفطر.اهـ
وسئل اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (6 / 141)ما نصه:
س: هل للتقويم الحالي مشروعية أم لا؟
جـ: التقويم من الأمور الاجتهادية، فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون، ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء، لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهائها جاء في القرآن والسنة فينبغي الاعتماد على ما دلت عليه الأدلة الشرعية، ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون والأئمة في أوقات الصلاة على سبيل التقريب، أما في الصوم والإفطار فلا يعتمد عليها من جميع الوجوه؛ لأن الله سبحانه علق الحكم بطلوع الفجر إلى الليل ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة » . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وسمعت شيخنا أبا عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في بعض دروسه يقول : إن استعمال التقويم في ضبط أوقات الصلوات، خطأه أكثر من صوابه إنما التقويم للتقريب فقط لا للاعتماد. أو بهذا المعنى.والله أعلم.
wwwww
الباب العاشر:الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
* عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. [رواه مسلم ( 831 )]
* عن قزعة مولى زياد قال سمعت أبا سعيد - وقد غزا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - ثنتى عشرة - غزوة - قال أربع سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال يحدثهن عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فأعجبننى وآنقننى « أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ، ولا صوم يومين الفطر والأضحى ، ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ، ومسجدى ، ومسجد الأقصى » . [رواه البخارى (1864)]
* عن أبي هريرة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس " [رواه البخارى (588)مسلم ( 825 ) وهو في صحيح البخارى (584) بأطول من هذا]
* عن ابن عباس قال سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس[ رواه مسلم ( 826 )]
* عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان" .[رواه مسلم ( 828 )]
* عن عمرو بن عبسة t قال : قلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ؟ قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.[ رواه مسلم( 832 )]
* عن كعب بن مرة البهزى قال قلت : يا رسول الله أي الليل اسمع قال جوف الليل الآخر قال ثم قال ثم الصلاة مقبولة حتى يصلي الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم لا صلاة حتى تغرب الشمس ، قال وإذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك وإذا غسلت يديك خرجت خطاياك من يديك وإذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من رجليك . [حسن لغيره وإسناده ضعيف فيه رجل مبهم رواه أحمد (4 / 321رقم: 18917) وجاء من حديث عبد الرحمن بن عوف عند الطبراني كما في صحيح الترغيب والترهيب للألباني (ج 2 / ص 188رقم: 1896 – وقال: ( صحيح لغيره ) ]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (4 / 131): وقد اختلف العلماء في وقت قيام الشمس في نصف النهار قبل زوالها: هل هو وقت نهي عن الصلاة، أم لا؟
* فقالت طائفة: ليس هو وقت نهي، كما أشار إليه البخاري، وهو قول مالك، وذكر أنه لا يعرف النهي عنه، قال: وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار.
* وممن رخص في الصلاة فيه: الحسن، وطاوس، والأوزاعي في رواية عنه، وهو ظاهر كلام الخرقي من أصحابنا.
* وقال آخرون: هو وقت نهي لا يصلي فيه، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، والحسن بن حي، وابن المبارك، وأحمد، وابن المنذر. وقال: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه.
* وقالت طائفة: تكره الصلاة وسط النهار، إلا يوم الجمعة، وهو قول مكحول والأوزاعي في رواية، وسعيد بن عبد العزيز وأبي يوسف والشافعي وإسحاق، وروى الشافعي فيه حديثاً بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة.
* وقالت طائفة أخرى: يكره ذلك في الصيف لشدة الحر فيه، دون الشتاء، وحكي عن عطاء. وقال ابن سيرين: يكره نصف النهار في شدة الحر، ولا يحرم.اهـ
قلت : الراجح هو القول الثالث لقوة أدلته وهو القول بالنهي إلا لقضاء الفوائت إما من عذر أو غيره، كما سيأتي .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (1 / 112): فهذه ثلاثة أوقات روينا إن انضافت إلى الأولين كانت خمسة إلا أن الثلاثة تختص بكراهة أمرين دفن الموتى والصلاة والوقتان الأولان يختصان بالنهي عن الثاني منهما وقد ورد تعليل النهى عن هذه الثلاثة ، في حديث ابن عبسة عند من ذكر بأن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار وبأنه عند قيام قائم الظهيرة تسجر جهنم وتفتح أبوابها وبأنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ومعنى قوله قائم الظهيرة قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته وقفت والشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول فيتخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهي سائرة والنهي عن هذه الأوقات الثلاثة عام بلفظه لفرض الصلاة ونفلها.
والنهي للتحريم كما عرفت من أنه أصله وكذا يحرم قبر الموتى فيها، ولكن فرض الصلاة أخرجه حديث من نام عن صلاته الحديث وفيه فوقتها حين يذكرها ففي أي وقت ذكرها أو استيقظ من نومه أتى بها وكذا من أدرك ركعة قبل غروب الشمس وقبل طلوعها لا يحرم عليه بل يجب عليه أداؤها في ذلك الوقت، فيخص النهي بالنوافل دون الفرائض.
وقيل بل يعمها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما نام في الوادي عن صلاة الفجر ثم استيقظ لم يأت بالصلاة في ذلك الوقت، بل آخرها إلى أن خرج الوقت المكروه، وأجيب عنه:
أولا: بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حر الشمس، كما ثبت في الحديث ولا يوقظهم حرها إلا وقد ارتفعت وزال وقت الكراهة
وثانيا: بأنه قد بين صلى الله عليه وسلم وجه تأخير أدائها عند الاستيقاظ بأنهم في واد حضر فيه الشيطان فخرج صلى الله عليه وسلم عنه وصلى في غيره، وهذا التعليل يشعر بأنه ليس التأخير لأجل وقت الكراهة، لو سلم أنهم استيقظوا ولم يكن قد خرج الوقت فتحصل من الأحاديث أنها تحرم النوافل في الأوقات الخمسة وأنه يجوز أن تقضى النوافل بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، أما صلاة العصر فلما سلف من صلاته صلى الله عليه وسلم قاضيا لنافلة الظهر بعد العصر، إن لم نقل إنه خاص به وأما صلاة الفجر فلتقريره لمن صلى نافلة الفجر بعد صلاته وأنها تصلى الفرائض في أي الأوقات الخمسة لنائم وناس ومؤخر عمدا وإن كان آثما بالتأخير والصلاة أداء في الكل ما لم يخرج وقت العامد فهي قضاء في حقه ويدل على تخصيص وقت الزوال يوم الجمعة من هذه الأوقات بجواز النفل فيه الحديث.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير (1 / 797): يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة، وبه قال أبو العالية والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وابن المنذر.
وقال أصحاب الرأي لا تقضى الفوائت في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس، متفق عليه.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها " متفق عليه وفي حديث أبي قتادة " إنما التفريط في اليقطة على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فإن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها " متفق عليه وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، وقياسهم منقوض بذلك أيضا، وحديثهم يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل.
* ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته "متفق عليه، وهذا نص خاص على عموم ما ذكروه.
* ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو مؤقتا لأنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض.
* تجوز صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح، فأما الصلاة عليها في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فلا تجوز.
* وتجوز ركعتا الطواف بعده في هذين الوقتين، لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ورواه الاثرم والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون اولى، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ فيه روايتان.اهـ مع تصرف يسير.
قال الشنقيطي في شرح زاد المستقنع (1 / 423): قالوا: إن إيقاع النافلة في الأوقات المنهي عنها وجوده وعدمه على حدٍ سواء، إلا عند من يستثني ذوات الأسباب، والله تعالى أعلم. فينبغي تنبيه هؤلاء -الذين يصلون في هذه الأوقات المنهي عنها- على أمرين: أولاً: أن وقت الضُحى من بعد طلوع الشمس قيد رمح، أي: بما يقارب -احتياطاً- اثنتي عشرة دقيقة، فبعدها يغلب على الظن دخول وقت جواز صلاة النافلة.اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4 / 83): مسألة : ما الحكمةُ مِن النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
الجواب مِن وجهين: أولاً : يجب أن نعلمَ أنَّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو نهى اللهُ عنه ورسولُه فهو الحكمة، فعلينا أن نسَلِّمَ ونقول إذا سَأَلَنَا أَحدٌ عن الحكمة في أمْرٍ مِن الأمور: إن الحكمة أمرُ اللهِ ورسولِهِ في المأمورات، ونهيُ اللهِ ورسولِهِ في المنهيَّات.
ودليل ذلك : مِن القرآن قوله تعالى: +وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ_[الأحزاب: من الآية36] وسُئلت عائشةُ : ما بَالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ ولا تقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمرُ بقضاء الصَّوم ولا نؤمر بقضاء الصَّلاةَ» ، فاستدلَّت بالسُّنَّةِ ولم تذكرْ العِلَّةَ، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة؛ أن تكونَ مسلِّماً لأمرِ اللهِ ورسولِهِ عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته؛ لقلنا: إنك ممن اتَّبعَ هواه، فلا تمتثل إلا حيث ظهرَ لك أنَّ الامتثال خير.
ثانياً : أنَّ هذه الأوقات يعبدُ المشركون فيها الشَّمسَ، فلو قمت تُصلِّي لكان في ذلك مشابهةً للمشركين، لأنهم يسجدون للشَّمسِ عند طلوعها، وعند غروبها. كما جاء في الحديث .
لكنه يَرِدُ علينا أنَّ هذا ينطبقُ على ما كان مِن طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وعلى ما كان حين تضيَّفُ الشَّمسُ للغُروب حتى تغربَ، لكن كيف ينطبق على ما كان مِن بعدِ صلاة الفجر إلى طلوع الشَّمسِ، ومِن بعد صلاة العصر إلى أنْ تتضيَّفَ الشَّمسُ للغروب، وكيف ينطبق على النَّهي في نصف النهار حين يقوم قائمُ الظَّهيرة؟
فنقول: لما كان الشرك أمره خطير، وشره مستطير، سد الشارع كل طريق يوصل إليه، ولو من بعيد، فلو أذن للإنسان أن يصلي بعد صلاة الصبح لاستمرت به الحال إلى أن تطلع الشمس، ولا سيما من عندهم رغبة في الخير، وكذلك لو أذن له في أن يصلي بعد صلاة العصر لاستمرت به الحال إلى أن تغيب الشمس.
أما عند قيامها فقد علله النبي صلى الله عليه وسلم بأن جهنم تسجر ، أي: هذا الوقت يزاد في وقودها؛ فناسب أن يبتعد الناس عن الصلاة في هذا الوقت؛ لأنه وقت تسجر فيه النار، فهذه حكمته.
فالواجب على المسلم أن يكون مباينا للمشركين في كل شيء؛ لأنه مسلم. حتى إن عمر لما كان الناس في عزة الإسلام كان لا يمكن أهل الذمة أن يركبوا الخيل ؛ لأن به عز الإسلام، وهي آلة الحرب، فلو ركب الذمي الخيل لحصل في نفسه عزة وأنفة. والمطلوب من المسلم أن يذل الكافر، قال تعالى:+يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير_ [التحريم:9]
وكان يمنعهم من أن يركبوا كما يركب المسلمون، بل يركبون عرضا، أي: على جانب واحد، فتكون أرجلهم من الجانب الأيمن كلها، أو من الجانب الأيسر؛ لئلا يتشبهوا بالمسلمين، فكذلك إذا صلى الإنسان عند طلوع الشمس أو غروبها تشبه بالمشركين بالعبادة، وهذا أعظم من التشبه باللباس، أو الركوب، أو ما أشبه ذلك.اهـ
wwwww
الباب الحادي عشر: وقت صلاة الضحى
* عن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بأعلى مكة قام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى [رواه مسلم ( 336 )]
* عن أبي الدرداء أو أبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال :" ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره." قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.[ صحيح رواه الترمذي (475)وصححه الألباني]
* عن أبي أمامة t قال قال عمرو بن عبسة السلمي : قلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ؟ قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة [رواه مسلم ( 832 )]
* عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم. [رواه مسلم ( 670 )]
* عن جابر بن سمرة t أن النبي صلى الله عليه و سلم :كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا. [رواه مسلم ( 670 )]
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة وقال :" من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين".[ رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق ففيه كلام. الحديث في صحيح الترغيب والترهيب (ج 1 / ص 112رقم: 468 )وقال الألباني ( صحيح لغيره )]
* عن زيد بن أرقم t رأى قوما يصلون من الضحى فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال.[ رواه مسلم ( 748 )]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع(4 / 38):وقت صلاة الضُّحى، من خروج وقت النَّهي.
ووقتُ النَّهي: من طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفع قِيد رُمحٍ، أي: بعين الرَّائي، وإلا فإن هذا الارتفاع قِيد رُمحٍ بحسب الواقع أكثر من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قِيد رُمحٍ، أي: نحو متر.
وبالدَّقائق المعروفة: حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوط فإذا مضى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشَّمس، فإنه يزول وقت النَّهي، ويدخل وقت صلاة الضُّحى.
وقوله: «إلى قبيل وقت الزوال». «قبيل» تصغير قبل، أي: قبل زوال الشمس بزمن قليل حوالي عشر دقائق، لأن ما قبيل الزوال وقت نهي ينهى عن الصلاة فيه، لأنه الوقت الذي تسجر فيه جهنم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيه، قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» . [رواه مسلم (831)]
وقائم الظهيرة يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قبيل الزوال بعشر دقائق دخل وقت النهي.
إذا؛ وقت صلاة الضحى من زوال النهي في أول النهار إلى وجود النهي في وسط النهار.
وفعلها في آخر الوقت أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» وهذا في «صحيح مسلم» .
ومعنى «ترمض» أي: تقوم من شدة حر الرمضاء، وهذا يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق.اهـ
wwwww
الباب الثاني عشر : وقت صلاة العيدين
* عن يزيد بن خمير الرحبي قال خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه و سلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح " .
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير (2 / 224):أول وقت صلاة العيد إذا خرج وقت النهى وارتفعت الشمس قيد رمح من طلوع الشمس وذلك ما بين وقتي النهى عن صلاة النافلة.
وقال أصحاب الشافعي: أول وقتها إذا طلعت الشمس لما روى يزيد بن حمير قال خرج عبد الله بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر ابطاء الامام وقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح.رواه أبو داود وابن ماجه .
ولنا ما روى عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، ولأنه وقت نهي عن الصلاة فيه، فلم يكن وقتا للعيد كقبل طلوع الشمس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس بدليل الإجماع، أن فعلها في ذلك الوقت أفضل ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل إلا الأفضل، ولو كان لها وقت قبل ذلك لكان تقييده بطلوع الشمس تحكما بغير نص ولا معنى نص، ولا يجوز التوقيت بالتحكم.
وأما حديث عبد الله بن بشر فيحتمل على أنه أنكر إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه لأنه لو حمل على غير هذا لم يكن إبطاء، ولا يجوز أن يحمل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الصلاة في وقت النهي لأنه مكروه بالاتفاق والأفضل خلافه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على المفضول ولا المكروه فتعين حمله على ما ذكرنا .اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5 / 57): صلاة العيد وقتها كوقت صلاة الضحى، ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح بعد طلوعها، وهو بمقدار ربع ساعة تقريباً.
الدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلفاءه الراشدين لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس قِيد رمح [ذكر فيه حديث عبد الله بن بسر المتقدم في الباب] . وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
وآخر وقت العيد زوال الشمس عن كبد السماء، وذلك أن الشمس إذا طلعت صار لكل شاخص ـ أي: لكل شيء مرتفع ـ ظل من جهة الغرب، وكلما ارتفعت نقص الظل، فإذا انتهى نقصه وبدأ بالزيادة، فهذه علامة زوال الشمس.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني(2 / 232): ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا،
وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى عمرو بن حزم : " أن أخر صلاة الفطر وعجل صلاة الأضحى " ولأن لكل عيد وظيفة فوظيفة الفطر إخراج المفطرة ووقتها قبل الصلاة ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة وفي تأخير الفطر وتقديم الأضحى توسيع لوظيفة كل منهما.
wwwww
الباب الثالث عشر: وقت صلاة الاستسقاء
* عن هشام بن إسحاق (وهو ابن عبد الله ابن كنانة ) عن أبيه قال " أرسلني الوليد بن عقبة - وهو أمير المدينة - إلى ابن عباس t أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلى في العيدين "
* عن عائشة رضي الله عنها قالت : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل[الحديث رواه أبو داود (1173) وحسنه الألباني ]
قال صاحب عون المعبود : قال الحافظ في قول ابن عباس رضي الله عنه ، كما صنع في العيد: ظاهره أنه صلاها في وقت صلاة العيد.
وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها قال في الفتح والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها مخالفة بأنها لا تختص بيوم معين .
ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة . [انظرعون المعبود (3 / 122) وحاشية الروض المربع (2 / 541)]
قال الشنقيطي / في شرح زاد المستقنع (76 / 6): قال العلماء رحمهم الله: يستحب أن تكون صلاة الاستسقاء في وقت صلاة العيدين، وذلك بعد ارتفاع الشمس قيد رمح.
فقولها رضي الله عنها: (بدا حاجب الشمس)، تعبير يشير إلى ظهور ضوء الشمس، والحاجب هو الضوء، وإنما عبروا به لأن الضوء من الشمس يحجب الشمس، فأنت إذا رأيت الشمس مشرقة متوهجة بضوئها لا تستطيع أن ترى نفس الشمس؛ لأنه يحجبها عنك من شدة توهجه، ولذلك يقولون: حاجب الشمس. أي: الذي يحجب الشمس من ضوئها.
فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان قد وعد الناس بالخروج، وهذا من السنة ، فيخرج ويكون وقوعها في وقت الضحى، ويصلي بعد انتهاء وقت النهي، ووقت النهي يبدأ من بعد صلاة الصبح وينتهي بارتفاع الشمس قيد رمح، أما أثناء طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس فإنها لا تصلى قولاً واحداً عند العلماء، حتى حكي الإجماع على عدم مشروعية إيقاع صلاة الاستسقاء في أوقات الكراهة، فليس بمشروع أن يوقعها في هذا الوقت مع أن لها وجهاً وهو كونها من الصلوات ذوات الأسباب، لكنه لما كان الأمر فيه نوع تأسٍ واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع.
وأما آخر وقتها فبعض العلماء يقول: صلاة الاستسقاء جماعة تصح في الليل والنهار، ولا حرج أن يصلوا في الليل أو في النهار، أو في أي وقت إلا أوقات الكراهة، فهذا مذهب طائفة من العلماء رحمهم الله.
وهذا المذهب لا يخلو من نظر؛ إذ لو كانت تصلى في أي وقت لالتمس عليه الصلاة والسلام وقت السحر، إلا أن بعض العلماء أجاب عن هذا الاعتراض وقال: إن وقت السحر يشق على الناس، خاصة وأن أكثرهم نائمون.
لكن أجيب بأن هذه المشقة مقدور عليها؛ لأنها صلاة في يوم معين، فلا مانع أن يكلفوا بها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يندب الناس إلى إحياء العشر الأواخر، وهو يندب بذلك عامة الأمة.
ومهما يكن فهذا القول لا يخلو من نظر؛ لأنه لو كان فعلها في الليل مشروعاً لفعلها عليه الصلاة والسلام، ولو قلنا: إن فعلها في السحر فيه مشقة، فإنه لا مانع أن يفعلها بين العشاءين، وهذا أرفق وأخف بكثير على الناس، لكن كونه عليه الصلاة والسلام يتقصد أول النهار لا شك أنه هو الأولى والأحرى، ولذلك قال بعض العلماء: إنه ينتهي وقتها بالزوال كالعيد، وهذا هو الأشبه، ولذلك نجد الصحابة يلحقون صلاة الاستسقاء بصلاة العيد.اهـ
wwwww
الباب الرابع عشر: وقت صلاة الليل أو التهجد والوتر.
* عن عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت كان ينام أول الليل ويحي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله، قضى حاجته ثم ينام ، فإذا كان عند النداء الأول - قالت : وثب ، ولا والله ما قالت: قام فأفاض عليه الماء ( ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد ) وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين .[متفق عليه وهذا لفظ مسلم ( 739 )]
* عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال أوصانى خليلى - صلى الله عليه وسلم - بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتى الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام . [ متفق عليه البخارى (1981 ) ومسلم ( 721 )]
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داود، كان ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه»[أخرجه البخاري،(1131)؛ ومسلم، (1159) (189).]
* عن عائشة رضي الله عنها قالت : من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه و سلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر.[رواه مسلم ( 745 )]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4 / 32): مسألة : ما هو الليلُ المعتبرُ نصفُه؟
الظَّاهر: أنَّه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر، فيكون نصف الليلِ في الشِّتاء بعد مضي سِتِّ ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ ليل الشِّتاء اثنتا عشرة ساعة، ويكون في بعض الأوقات بعد خمس ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ الليلَ يكون فيها حوالي عَشْرَ ساعات، فعُدَّ مِن غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، ونصفُ ما بينهما هذا هو نصف الليل.اهـ
وقال صاحب القول الراجح مع الدليل(3 / 84): طريقة الحساب هي: يكون الحساب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, فلو افترضنا أن الشمس تغرب الساعة السادسة والفجر يؤذن الساعة السادسة يكون المجموع اثنا عشر ساعة, فنصف الليل يكون من الساعة الثانية عشر فما بعد, والنصف الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام فالأول والثاني منه هما السدس الرابع والخامس الذي يستحب قيامه, وبناء على هذا التقدير هنا يكون القيام المستحب من الساعة الثانية عشر حتى الساعة الرابعة ثم ينام إلى أذان الفجر.
wwwww
تتمة
ولتتمة الفائدة أذكر لكم منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية لحافط الحكمي رحمه الله في هذا الباب اقتصارا على المواقيت :
باب: مواقيت الصلاة
يدخل بالزوال وقـــــــــت الظهر ** وسن الابراد بهــــــــا في الحر
في سفر أو حضـــــــــــر وينتهي ** عند مصير الظــــل مثل شبـحه
ويدخـل العـــــصر به ويــــستمر ** إلى اصفـرار الشمس نصاً قد أثر
وفي اضــــــطرار فإلى غـــــروبها ** وأكد التبكير في الغــــــــيم بها
وبالغروب معــــــــرب قد دخلا ** ووقتها يبقى امـــــــــتداده إلى
غيبوبة الحــــــمرة وهــــــو أول ** وقت العــــشا وفي اختيار نقلوا
تأخيــــــــرها لثـــــلث ليل وإلى ** نصف وكل في الــــصحيح نقلا
وقد نهي عن أن ينــــــــــام قبلها ** كــــــــذاك أن يسهر بعد فعلها
ما لم يكـــــــــن في شأن أمر ديني ** فــــــذاك فعل الصادق الأمين
وفي اضطرار ببــــــــقا الليل بقي ** ويدخل الصبـــح بفجر صادق
وفي اختيــــــــــــار فإلى الأسفار ** وامتـــــد للإشراق في اضطرار
وأفــــضل الأوقات في القول الأبر ** أولها إلا العــــــــــشاء للخبر
ومن يكــــــــــن لركعة قد أدركا ** من الصلاة فليــــــــعد مدركا
ومن عن الــــــــصلاة نام أو سها ** فحينــــما يـذكرها وقـــــت لها
ورتب الفوائت المــــــــــــقضية وافعل كفي أوقـــــاتها الأصلية
وقت صلاة الجمعة
ووقتها كالــــــــظهر نصاً فاعـلم ** وفعلــــها قبل الزوال قـــد نمى
باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
وفي ثلاثة من الأوقـــــــــــــات ** ينهي عن النـــــــفل من الصلاة
أولهـا بعد صــــلاة الصــــــــبح ** إلى ارتفاع الشــــــمس قِيد رمح
وعند الاســـــــتواء إلى الـزوال لا ** في جمعة فجـــــــــــائز لا جدلا
ثالثها بعد صــــــــــــلاة الـعصر ** إلى الغــــــروب ثم من ذا الحظر
فاستثن عند البـــــــــيت لا تمتنعُ ** صلاتنا في أي وقــــــــــت تقعُ
وإن تفــــت راتبة الــــــفجر فلا ** مانع بعد الفـــرض من أن تفعلا
كذا لمــــــــــــدرك الإمام بعد أن ** صلى برحـــــله إعادة تــــــسن
وقت الضحى
عند ارتفاع الشــــــمس وقتها أوله ** وحين ترمــــض الفصال أفضله
وقت صلاة العيدين
وحد وقتــــــــــــــها بلا جـدال ** مـن ارتفاع الشــــــمس للزوال
وهي على رمــــحين فعل الفــــطر ** سن والأضــــحى قِيد رمح فادر
وإن يـــــكن لـــغرة لم نهـــــــتد ** ليوم عيد صــــــــليت من الغد
باب صلاة الاستسقاء
وعند جدب واستـــــــــغاثة تسن ** وسن أيضاً لإمـــــــام الناس أن
يعلمهم بوقت الاســــــــــتسقاء ** أن يخرجوا يومـــــاً إلى الصحراء
بملبس الخضوع والتــــــــــضرع ** وبذلة والتوب والتـــــــــخشع
وبالمصلى وضع مـــــــــــنبر يسن ** ومثل عيد ركعتـــــــــين صلين
باب التهجد بالليل
وفي قيام الليل فضـــــــــل لا يعد ** بل فيه رضوان المهــــيمن الأحد
وأهـــــله هم صـــفوة الــــرحمن ** دليـــــله في آخر الــــــــفرقان
كذاك صدر اـــــــلذاريات فيه ما ** يكفي ويشـــــفي من له قد فهما
وانظر لما في ســــــــــــورة المزمل ** واسأل له الـــتوفيق مولاك العلي
وكم له فضــــــــل عن النبي ثبت ** بل قام حتى قدمــــــيه انفطرت
وخير وقت لـــــــــصلاة الليل ما ** في ثلــــثه الأخــــــير نصاً علما
إذ فيه رب العــــــــالمين ينـــــزل ** يجيب مـــــن إياه فــــــيه يسأل
ويقبل التــــــــــــــوبة والذنوبا ** يغفرها ويــــــستر الـــــعيوبا
[
الفهرس
مقدمة 2
الباب الأول : المواقيت 3
فصل: تعريف المواقيت 3
الباب الثاني : خطر من صلى في غير وقتها 5
الباب الثالث : أوقات الصلوات المفروضة بشكل عام 8
الباب الرابع : وقت الظهر. 11
أول وقت الظهر. 12
آخر وقت الظهر 13
فصل : وقت الجمعة. 15
فقه الأحاديث. 15
فصل : الإبراد في شدة الحر. 16
الباب الخامس : وقت العصر. 18
أول وقت العصر 19
آخر وقت العصر 20
الباب السادس: وقت المغرب 23
الباب السابع : وقت العشاء 27
أول وقت العشاء 27
آخر وقت العشاء 28
فصل: استحباب تأخير العشاء 31
كلام أهل العلم في المسألة. 33
باب الثامن: وقت الصبح. 36
فصل : الفجر فجران 39
الباب التاسع : حكم استخدام التقويم 41
الباب العاشر:الأوقات المنهي عن الصلاة فيها 44
الباب الحادي عشر: وقت صلاة الضحى 51
الباب الثاني عشر : وقت صلاة العيدين 53
الباب الثالث عشر: وقت صلاة الاستسقاء 55
الباب الرابع عشر: وقت صلاة الليل أو التهجد والوتر. 57
تتمة 58
الفهرس 61
تأليف
أبي تراب سيف بن حضر الجاوي
دار الحديث
بدماج
Pبسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون_[آل عمران:102].
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً_ [النساء:1].
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً _[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد كثرت الأسئلة وجهت إلي عن مواقيت الصلوات وما يتعلق بها ، فيسر الله لي البحث المتواضع في هذه المسألة عونا لهم وتيسيرا لي في الإجابة عن أسئلتهم ، وسميته بـ:
"مواقيت الصلوات"
أسأل الله أن يتقبله مني و يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم .وبالله التوفيق.
كتبه:
أبو تراب سيف بن حضر الجاوي
دار الحديث بدماج 22رجب 1431 هـ
الباب الأول : المواقيت
* قال الله تعالى: +إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا_[النساء/103]
* عن ابن مسعود - رضى الله عنه - أن رجلا سأل النبى - صلى الله عليه وسلم - أى الأعمال أفضل قال « الصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، ثم الجهاد فى سبيل الله ".[متفق عليه البخارى (7534 ) ومسلم (85)]
قال ابن الجوزي رحمه الله : وفي «الموقوت» قولان .
أحدهما: أنه بمعنى المفروض ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وابن زيد .
والثاني: أنه الموقت في أوقات معلومة ، وهو قول ابن مسعود ، وقتادة ، وزيد ابن أسلم ، وابن قتيبة .اهـ [زاد المسير(2 / 95)]
* وقال تعالى :+وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ_ [هود/114]
قال الشنقيطي رحمه الله : ذكر في هذه الآية الكريمة أن الصلاة كانت ولم تزل على المؤمنين كتاباً أي : شيئاً مكتوباً عليهم واجباً حتماً موقوتاً أي : له أوقات يجب بدخولها ولم يشر هنا إلى تلك الأوقات ، ولكنه أشار لها في مواضع أخر كقوله :+أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً _[ الإسراء : 78 ] فأشار بقوله:+لِدُلُوكِ الشمس_وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر وأشار بقوله :+إلى غَسَقِ الليل_ وهو ظلامه إلى صلاة المغرب والعشاء وأشار بقوله :+وَقُرْآنَ الفجر_ إلى صلاة الصبح وعبر عنها بالقرآن بمعنى القراءة، لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه .
وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحاً كلياً ، ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة كما قاله جماعة من العلماء .[ أضواء البيان (1 / 326)]
فصل: تعريف المواقيت
قال الصنعاني رحمه الله : المواقيت : جمع ميقات والميقات ما حد ووقت للعبادة من زمان ومكان والتوقيت التحديد. [سبل السلام (3 / 425) وقد صنف رحمه الله كتابا في المواقيت سماه: " اليواقيت في المواقيت " ]
قال البسام رحمه الله : والمراد هنا- المواقيت الزمانية التي هي المقدار المحدد لفعل الصلوات المفروضات وغيرها، ودخول وقت المفروضة، هو الشرط الثاني، من شروط الصلاة.[ تيسير العلام (1 / 62)]
قال ابن قدامة رحمه الله: أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة .[ المغني (ج 2 / ص 148)]
wwwww
الباب الثاني : خطر من صلى في غير وقتها
*قال الله I :+ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا_ [مريم : 59]
*وقال تعالى:+ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ _[الماعون:4، 5]
قال شيخ الإسلام / كما في مجموع الفتاوى (15 / 234): المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال :+فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون_ فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها.
وقد قال طائفة من السلف : بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة وكلا المعنيين حق، والآية تتناول هذا وهذا كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث؛ أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه، وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا، وهكذا فسروا قوله :+فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات _ بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها.اهـ
قال ابن كثير / في تفسيره (8 / 493): قال ابن عباس، وغيره: يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.
ولهذا قال:+ لِلْمُصَلِّينَ_ أي: الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق، وأبو الضحى.
قال :وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا. وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به. وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله.اهـ
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله : عمن ترك صلاة واحدة عمدا بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاء فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر ؟ .
فأجاب : الحمد لله ، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمدا من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر . وقد رواه الترمذي مرفوعا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " . ورفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه نظر, فإن الترمذي قال : العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله " وحبوط العمل لا يتوعد به إلا على ما هو من أعظم الكبائر - وكذلك تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها وهي التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها فمن حافظ عليها فله الأجر مرتين وهي التي لما فاتت سليمان فعل بالخيل ما فعل .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال :" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " والموتور أهله وماله يبقى مسلوبا ليس له ما ينتفع به من الأهل والمال وهو بمنزلة الذي حبط عمله . اهـ [مجموع الفتاوى (22 / 54)]
قلت :ويدخل في هذا الباب أيضا من صلاها قبل دخول وقتها، فإن الصلاة قبل وقتها باطلة بالإجماع إلا في الجمع بين الصلاتين .
قال ابن عبد البر في التمهيد(8 / 69): وفي هذا الحديث دليل على أن وقت الصلاة من فرائضها وأنها لا تجزئ قبل وقتها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيئا روى عن أبي موسى الأشعري وعن بعض التابعين أجمع العلماء على خلافه فلم أر لذكره وجها؛ لأنه لا يصح عنهم وقد صح عن أبي موسى خلافه مما وافق الجماعة فصار اتفاقا صحيحا.اهـ
أما حديث عبد الله - رضى الله عنه - قال ما رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر قبل ميقاتها.
فقد قال النووي / في شرحه على مسلم (9 / 37): المراد قبل وقتها المعتاد لا قبل طلوع الفجر لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين، فيتعين تأويله على ما ذكرته وقد ثبت في صحيح البخاري في هذا الحديث في بعض رواياته أن ابن مسعود صلى الفجر حين طلع الفجر بالمزدلفة ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الفجر هذه الساعة . وفي رواية فلما طلع الفجر قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم. والله أعلم.
wwwww
الباب الثالث : أوقات الصلوات المفروضة بشكل عام
* قال الإمام مسلم /( 614): حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة ؟ : فلم يرد عليه شيئا قال فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم ثم أمره، فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل فقال الوقت بين هذين.
* قال الإمام مسلم رحمه الله ( 612 ) وحدثني أحمد بن يوسف الأزدي حدثنا عمر بن عبدالله بن رزين حدثنا إبراهيم ( يعني ابن طهمان ) عن الحجاج ( وهو ابن حجاج ) عن قتادة عن أبي أيوب عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن وقت الصلوات ؟ فقال وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل.
* قال الإمام البخاري رحمه الله (547): حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا عوف عن سيار بن سلامة قال دخلت أنا وأبى على أبى برزة الأسلمى ، فقال له أبى كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى المكتوبة فقال كان يصلى الهجير التى تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ، ويصلى العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله فى أقصى المدينة والشمس حية - ونسيت ما قال فى المغرب - وكان يستحب أن يؤخر العشاء التى تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، ويقرأ بالستين إلى المائة .
* قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (2 / 232رقم: 7172): ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة t قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وان آخر وقتها حين يغيب الأفق وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس .
* قال الإمام أحمد رحمه الله (1 / 333 رقم: 3081) ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث حدثني حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمني جبريل عند البيت فصلى بي الظهر حين زالت الشمس فكانت بقدر الشراك ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق ثم صلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم ثم صلى الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول ثم صلى بي الفجر فأسفر ثم التفت الي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك الوقت فيما بين هذين الوقتين.
* قال الامام النسائي رحمه الله (1 /255 ): أخبرنا يوسف بن واضح قال حدثنا قدامة يعني ابن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه، فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العصر ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى المغرب ثم أتاه حين غاب الشفق فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الغداة ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع مثل ما صنع بالأمس فصلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل الرجل مثل شخصيه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر ثم أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس فصلى المغرب، فنمنا ثم قمنا ثم نمنا ثم قمنا فأتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العشاء ثم أتاه حين امتد الفجر وأصبح والنجوم بادية مشتبكة فصنع كما صنع بالأمس فصلى الغداة، ثم قال ما بين هاتين الصلاتين وقت . [وفي صحيح أبي داود (2 / 254): وقال البخاري: إنه " أصح شيء في المواقيت "؛يعني: في إمامة جبريل)] .
wwwww
الباب الرابع : وقت الظهر.
جاء فيه أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة :
(1)- عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر." رواه مسلم ( 612 ) وفي لفظ عنده أيضا: ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر.
(2)- وعن أنس بن مالك t قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج حين زاغت الشمس فصلى لهم صلاة الظهر.[ رواه مسلم ( 2359 ) ومثله عن جابر بن سمرة عند مسلم ( 618 )]
(3)- وعن جابر بن سمرة t قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس. [رواه مسلم ( 618 )] وبهذا اللفظ جاء عن أبي برزة الأسلمي وهو في صحيح ابن ماجة ( 548) ومعنى دحضت مالت كما قال الحافظ]
(4)- وعن جابر بن سمرة t قال : كان بلال يؤذن إذا دحضت فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه و سلم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه.[ رواه مسلم ( 606 )]
5- وعن جابر بن عبد الله قال: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر بالهاجرة. [رواه البخارى (560 ) وجاء بنحوه عن المغيرة بن شعبة عند ابن ماجه (554) ولفظه : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم *وهو صحيح، وعن زيد بن ثابت t عند أبي داود : رقم:(411) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت:+حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى_وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين .[وصححه الألباني/]
(5)- عن جابر t أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع.[رواه النسائي 1 /255) وهو في الصحيح المسند(1 / 103رقم:209)
(7)- عن ابن عباس t قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك" [ رواه أبو داود (393) وهو حديث صحيح وجاء نحوه عن جابر عند النسائي رقم: (524):ولفظه: عن الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه قال دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري فقلنا له أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفيء قدر الشراك ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك وظل الرجل.[وهو حديث صحيح]
ومن هذه الأحاديث نعرف أن لوقت الظهر بداية ونهاية.
أول وقت الظهر.
فبدايتها: حين زالت الشمس ، قال ابن عبد البر في التمهيد (8 / 70): أجمع علماء المسلمين في كل عصر وفي كل مصر، بلغنا عنهم أن أول وقت الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ووسط الفلك إذا استوقن ذلك في الأرض بالتفقد والتأمل، وذلك ابتداء زيادة الظل بعد تناهي نقصانه في الشتاء والصيف جميعا، وإن كان الظل مخالفا في الصيف له في الشتاء وهذا إجماع من علماء المسلمين كلهم في أول وقت الظهر فإذا تبين زوال الشمس بما ذكرنا أو بغيره فقد حل وقت.اهـ
قال البغوى/ في شرح السنة (2 / 183): قوله : " كانت قدر الشراك " ليس ذلك على معنى التحديد ، ولكن الزوال لا يستبان بأقل منه ، وليس هذا المقدار مما يتبين به الزوال في جميع البلدان والأزمان ، إنما يتبين في بعض الأزمنة في بعض ، البلدان ، مثل مكة ونواحيها ، فإن الشمس إذا استوت فوق الكعبة في أطول يوم من السنة لم ير لشيء من جوانبها ظل ، فإذا زالت ظهر الفيئ قدر الشراك من جانب الشرق ، وهو أول وقت الظهر ، وكل بلد هو أقرب إلى وسط الأرض كان الظل فيه أقصر.اهـ
قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى(2 / 160):وأجمع العلماء على أن أول وقت الظهر زوال الشمس وممن كان يصليها عند الزوال أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلى بن أبى طالب ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وروى إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت أحدًا كان أشد تعجيلاً للظهر من الرسول ، وأبى بكر وعمر ، وكتب عمر إلى أبى موسى : أن صَلِّ الظهر حين تزيغ الشمس ، وقال إبراهيم : كنا نصلى الظهر مع علقمة أحيانًا نجد ظلاً ، نجلس فيه ، وأحيانًا لا نجد ظلاً نجلس فيه ، وذكر ذلك كله ابن أبى شيبة .
وقال الملا على القاري في مرقاة المفاتيح (3 / 40): معنى زوال الشمس هو أن يكون ظل كل شيء من أول النهار إلى المغرب أي جهته كثيرا، ثم يأخذ في النقصان قليلا قليلا إلى أن وقف لمحة، فإذا زال الظل بعده إلى المشرق فهو أول وقت الظهر، فإذا صار ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال يدخل وقت العصر.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير(1 / 429): ومعنى زوال الشمس ميلها عن وسط السماء، وإنما يعرف ذلك بطول الظل بعد تناهي قصره لأن الشمس حين تطلع يكون الظل طويلا، وكلما ارتفعت قصر فإذا مالت عن كبد السماء شرع في الطول فذلك زوال الشمس. فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل شئ ثم يصبر قليلا ثم يقدره ثانيا فإن نقص لم يتحقق الزوال وإن زاد فقد زالت، وكذلك إن لم ينقص لأن الظل لا يقف فيكون قد نقص ثم زاد .
وأما معرفة قدر ما تزول عليه الشمس بالأقدام فيختلف بإختلاف الشهور والبلدانكلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر طال الظل فكل يوم يزيد أو ينقص .اهـ
آخر وقت الظهر
ونهايتها : عندما يصير ظل كل شيء مثله، فإن كان يوجد ظل للزوال أضيف إلى ظل الشخص، وإن لم يكن له ظل عند الاستواء فنحسب ظله فقط.
قال ابن عبد البر / في التمهيد (8 / 73): واختلفوا في آخر وقت الظهر، فقال مالك وأصحابه: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وهو أول وقت العصر بلا فصل، وبذلك قال ابن المبارك وجماعة واستدل بحديث ابن عباس وغيره في إمامة جبريل وأنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر بالأمس من يومه ذلك بلا فصل.
وقال الشافعي وأبو ثور وداود وأصحابهم: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله وبين آخر وقت الظهر وأول العصر فاصلة وهو أن يزيد الظل أدنى زيادة على المثل.
وقال الثوري والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري: آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله ثم يدخل وقت العصر لم يذكروا فاصلة إلا أن قولهم ثم يدخل وقت العصر يدل على فاصلة.
وقال أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار والناس لقوله بالمثلين في آخر وقت الظهر وخالفه أصحابه.اهـ
والراجح - والله أعلم - :القول الثاني والثالث لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وقت الظهر ما لم تحضر العصر" .
قال النووي : وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ، وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله ، فلا اشتراك بينهما ، قال : وهذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ؛ ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا ؛ لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ منها ، وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات ، وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت، فانتظمت الأحاديث على اتفاق .اهـ
وهو ترجيح الصنعاني والشوكاني حيث أيده بقوله :ويؤيد هذا أن إثبات ما عدا الأوقات الخمسة دعوى مفتقرة إلى دليل خالص عن شوائب المعارضة ، فالتوقف على المتيقن هو الواجب حتى يقوم ما يلجئ إلى المصير إلى الزيادة عليها .[نيل الأوطار (ج 2 / ص 284)]
قلت : والملاحظ في هذا الأمر أن الخلاف فيه لفظي لأن مدة الفصل بين الوقتين على قول من قال بالفصل قد تكاد معدومة لقصرها ولم تزد على خمس دقائق تقريبا-واختلوا في مقدار الفصل - ، والله أعلم.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2 / 153): إن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص ، فذلك آخر وقت الظهر .
قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : وأي شيء آخر وقت الظهر ؟ قال : أن يصير الظل مثله . قيل له : فمتى يكون الظل مثله ؟ قال : إذا زالت الشمس ، فكان الظل بعد الزوال مثله ، فهو ذاك .
ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن كانت قد بلغت قدر الشخص ، فقد انتهى وقت الظهر ؛ ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، أو يزيد قليلا ، فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ، ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فهو آخر وقت الظهر ، وأول وقت العصر .
وبهذا قال مالك ، والثوري ، والشافعي ، والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور وداود.
فصل : وقت الجمعة.
* وقد بوب الإمام البخارى رحمه الله في صحيحه وقال : 16 - باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ . وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِىٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضى الله عنهم .
* ثم ذكر حديث برقم (904): عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس .
* وذكر حديث برقم(905): عن أنس t قال: كنا نبكر بالجمعة ، ونقيل بعد الجمعة .
* وأخرج مسلم( 860 ) عن إياس بن سلمة الأكوع عن أبيه قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء .
فقه الأحاديث.
قال ابن بطال في شرحه (4 / 114): وأجمع الفقهاء على أن وقت الجمعة بعد زوال الشمس إلا ما روى عن مجاهد أنه قال: جائز أن تصلى الجمعة فى وقت صلاة العيد؛ لأنها صلاة عيد، وقال أحمد بن حنبل: تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال، وهذا القول يرده حديث أنس المذكور فى هذا الباب وعمل الخلفاء بعده.
وقال ابن القصار: لا تخلو الجمعة من أن تكون ظهرا فوقتها لا يختلف، أو بدلا من الظهر فيجب ألا يختلف أيضا؛ لأن الأبدال لا تتقدم مبدلاتها، كالقصر فى السفر لا يخرج الصلاة عن أوقاتها.
وقوله: كنا نبكر بالجمعة، فإنما يريد أنهم كانوا يصلونها بعد الزوال فى أول الوقت وهو وقت الرواح عند العرب.اهـ
قال النووي في شرحه على مسلم(3 / 230): هذه الأحاديث ظاهرة في تعجيل الجمعة ، وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق ، فجوزاها قبل الزوال ، قال القاضي : وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور ، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها ، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها .اهـ
قال شيخنا أبو عبد الرحمن يحيى الحجوري حفظه الله في" أحكام الجمعة وبدعها " ص109 طبعة الأولى بعد أن ذكر كلام النووي : هذه الأحاديث لا تنفي ما دل عليه حديث أنس الصريح في الصلاة بعد الزوال ، فالحكم له قطعا ، لأدلة كثيرة تدل على عدم صحة الصلاة قبل وقتها .اهـ
فصل : الإبراد في شدة الحر.
قال ابن قدامة رحمه الله : أما في شدة الحر فكلام الخرقي يقتضي استحباب الإبراد بها على كل حال ، وهو ظاهر كلام أحمد .
قال الأثرم : وعلى هذا مذهب أبي عبد الله سواء ، يستحب تعجيلها في الشتاء والإبراد بها في الحر ، وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ؛ لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " رواه الجماعة عن أبي هريرة وهذا عام .
وقال القاضي : إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط : شدة الحر ، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات ، فأما من صلاها في بيته ، أو في مسجد بفناء بيته ، فالأفضل تعجيلها .
وهذا مذهب الشافعي ؛ لأن التأخير إنما يستحب لينكسر الحر ، ويتسع في الحيطان ، ويكثر السعي إلى الجماعات ، ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير .
وقال القاضي في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه الناس أو لا ، فإن أحمد رحمه الله ، كان يؤخرها في مسجده ولم يكن بهذه الصفة .
والأخذ بظاهر الخبر أولى .
ومعنى الإبراد بها ، تأخيرها حتى ينكسر الحر ، ويتسع في الحيطان ، وفي حديث أبي ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبرد ، حتى رأينا فيء التلول " وهذا إنما يكن مع كثرة تأخيرها ، ولا يؤخرها إلى آخر وقتها ، بل يصليها في وقت إذا فرغ يكون بينه وبين آخر الوقت فضل.[ المغني (2 / 178)]
قال ابن عثيمين / في الشرح الممتع(2 / 48): في شدَّة الحَرِّ الأفضل تأخيرها حتى ينكسر الحرُّ؛ لثبوت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصَّلاة، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْحِ جهنَّم» ، ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر فأراد المؤذِّنُ أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أذَّن لمَّا ساوى الظِلُّ التُّلُولَ . يعني: قُرب وقت صلاة العصر؛ لأنه إذا ساوى الشيءُ ظِلَّه؛ لم يبقَ ما يسقط من هذا الظلِّ إلا فيء الزَّوال، وفيءُ الزَّوال في أيَّام الصيف وشدَّة الحَرِّ قصير جداً. فقوله في الحديث: «حتى سَاوى الظِلُّ التُّلُولَ»، يعني: مع فيءِ الزَّوال، وهذا متعيِّن؛ لأنه لو اعتبرت المساواة بعد فيء الزَّوال؛ لكان وقت الظُّهر قد خرجَ؛ فينبغي في شِدَّة الحرِّ الإبرادُ إلى هذا الوقت، يعني: قُرب صلاة العصر.
وقال بعض العلماء: بل حتى يكون للشَّواخص ظِلٌّ يُستظلُّ به . لكن هذا ليس بمنضبط؛ لأنه إذا كان البناء عالياً وُجِدَ الظِلُّ الذي يُستظلُّ به قريباً، وإذا كان نازلاً فهو بالعكس. فمتى يكون للنَّاس ظِلٌّ يمشون فيه؟!.
لكن أصحُّ شيء أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثله مضافاً إليه فيء الزَّوال، يعني: أنه قُرب صلاة العصر، وهذا هو الذي يحصُل به الإبراد، أمَّا ما كان النَّاس يفعلونه من قبلُ، حيث يصلُّون بعد زوال الشَّمس بنحو نصف ساعة أو ساعة، ثم يقولون: هذا إبراد. فليس هذا إبراداً! هذا إحرار؛ لأنه معروف أن الحرَّ يكون أشدَّ ما يكون بعد الزَّوال بنحو ساعة.
فإذا قَدَّرنا مثلاً أن الشَّمس في أيام الصَّيف تزول على الساعة الثانية عشرة، وأن العصر على الساعة الرابعة والنصف تقريباً، فيكون الإبراد إلى الساعة الرابعة تقريباً.
wwwww
الباب الخامس : وقت العصر.
جاء بألفاظ متنوعة .
(1)- عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى العصر والشمس لم تخرج من حجرتها . وقال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها .[ رواه البخارى (544) ومسلم ( 611 ) ]
(2)- عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى العصر والشمس مرتفعة حية ، فيذهب الذاهب إلى العوالى فيأتيهم والشمس مرتفعة ، وبعض العوالى من المدينة على أربعة أميال أو نحوه . [رواه البخارى (550 )]
(3)- عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن وقت الصلوات ؟ فقال وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول [رواه مسلم ( 612 )]
(4)- عن أبى برزة الأسلمى قال: فسألناه عن وقت الصلوات فقال كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر حين تزول الشمس ، والعصر ويرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية [رواه البخارى (771 )]
(5)- عن عبد الله بن عباس رضي الله وفيه قال رسول الله > :" ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه" وفي آخره : "ثم صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ." [رواه أحمد (1 / 333)]
(6)- عن أبي هريرة t قال رسول الله > : "وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس" [تقدم رواه أحمد]
(7)- عن أبي هريرة t قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ." [ رواه البخارى (556)]
(8)- عن عبدالله قال : حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت. [رواه مسلم ( 628 )]
(9)- عن أبي هريرة t أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر » [رواه البخارى (579) ومسلم ( 608 )]
ففي هذه الأحاديث تدل على أن وقت العصر حالات .
قال النووي في شرحه على مسلم (5 / 110) : قال أصحابنا رحمهم الله تعالى للعصر خمسة أوقات: وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر.
فأما وقت الفضيلة : فأول وقتها، ووقت الاختيار: يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، ووقت الجواز : إلى الاصفرار ،ووقت الجواز : مع الكراهة حالة الاصفرار إلى الغروب، ووقت العذر: وهو وقت الظهر في حق من يجمع بين الظهر والعصر لسفر أو مطر ، ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء . والله أعلم.
أول وقت العصر
قال ابن قدامة / في المغني (1 / 417): وقت العصر من حين الزيادة على المثل أدنى زيادة متصل بوقت الظهر لا فصل بينهما وغير الخرقي قال : إذا صار ظل الشيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول العصر وهو قريب مما قال الخرقي : وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث ولقوله تعالى :+ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ _[هود : 114] ولو كان على ما ذكرتموه لكان وسط النهار وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس وقال إسحاق : آخر وقت الظهر أول وقت العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين يصليان معا أحدهما يصلي الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل شيء مثله كان كل واحد منهما مصليا لها في وقتها وحكي ذلك عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عباس صلى بي الظهر لوقت العصر بالأمس .
ولنا : ما تقدم في حديث جبريل عليه السلام وقوله تعالى :+ أقم الصلاة طرفي النهار _ لا ينفي ما قلنا فإن الطرف ما تراخى عن الوسط وهو موجود في مسألتنا وقول النبي صلى الله عليه و سلم : لوقت العصر بالأمس ." أراد مقاربة الوقت يعني أن ابتداء صلاته اليوم العصر متصل بوقت انتهاء صلاة الظهر في اليوم الثاني أو مقارب له لأنه قصد به بيان المواقيت وإنما تبين أول الوقت بابتداء فعل الصلاة وتبين آخره بالفراغ منها وقد بينه قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمرو : " وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر " رواه مسلم و أبو داود وقي حديث أبو هريرة t أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" إن للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ." أخرجه الترمذي.
قال ابن عبد البر : وقال أبو حنيفة لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار وجماعة العلماء في ذلك وجعل وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله (وجعل بينهما واسطة ليست منهما وهذا لم يقله أحد ) هذه رواية أبي يوسف عنه.[التمهيد(3 / 280)] وقال في (8 / 76):وهو خلاف الآثار وخلاف الجمهور.
آخر وقت العصر
قال ابن رجب رحمه الله : وأما آخر وقت العصر ، ففيه أقوال :
أحدهما : أنه غروب الشمس ، روي ذلك عن ابن عباس وعكرمة وأبي جعفر محمد بن علي .
والثاني : إلى مصير ظل كل شيء مثليه ، روي عن أبي هريرة ، وهو قول الشافعي ، وأحمد في رواية .
والثالث : حتى تصفر الشمس ، روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو قول الأوزعي ، وأحمد في رواية ، وأبي يوسف ، ومحمد .
وفيه حديث ، عن عبد الله بن عمرو ، اختلف في رفعه ووقفه ، وقد خرجه مسلم في " صحيحه " مرفوعاً .
وأكثر من قال بهذا القول والذي قبله ، قالوا : لا يخرج وقت العصر بالكلية باصفرار الشمس ولا بمصير ظل كل شيء مثليه ، إنما يخرج وقت الاختيار ، ويبقى ما بعده وقت ضرورة .
قلت : وهذا القول هو الراجح إن شاء الله .
قال الصنعاني / في سبل السلام (1 / 107): يستمر وقت العصر إلى اصفرار الشمس، وبعد الاصفرار ليس بوقت للأداء بل وقت قضاء كما قاله أبو حنيفة وقيل بل أداء إلى بقية تسع ركعة لحديث "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك العصر"
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 88):قوله: «إِلَى مَصيرِ الفَيءِ مِثْلَيْه بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ»، يعني: أنَّ فيءَ الزَّوال لا يُحسب، فنبدأُ منه، فإذا صار الظِلُّ طول الشَّاخص فهذا نهاية وقت الظُّهر ودخول وقت العصر؛ وإذا كان طول الشَّاخص مرَّتين؛ فهو نهاية وقت العصر، فوقت الظُّهر من فيء الزَّوال إلى أن يكون ظِلُّ الشَّيءِ مثله، والعصر إلى أن يصير مثليه، وبهذا يكون وقت الظُّهر أطول من وقت العصر بكثير؛ لأن الظِلَّ في آخر النهار أسرع، وكلما دنت الشَّمس إلى الغروب كان الظِلُّ أسرع، فيكاد يكون الفرق الثُّلث.
فوقت الظُّهر طويل بالنسبة لوقت العصر الاختياري، لكن وقت الضَّرورة في العصر إلى غروب الشَّمسِ، فيكون بهذا الاعتبار طويلاً.اهـ
قلت: ولابد من اعتبار فيء الزوال في ضبط آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، لأنه لو لم نعتبره قد تكون المدة بين الظهر والعصر قصيرة جدا في بعض الأحيان نحو نصف الساعة في أيام الشتاء لأن الظل في تلك المدة طولها ثلثي الشخص والله أعلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة (1 / 153): وإنما يعتبر مساواة الظل لشخصه بعد فيئه حين الزوال لأن الظل حين الزوال قد يكون مثل الشاخص أو أطول، لا سيما في البلاد الشمالية في زمن الشتاء فلو اعتبر أن يكون الظل مثل الشاخص مطلقا لتداخل الوقتان أو استحال ذلك، وإنما أطلق في الأحاديث لأنه قصد أن يبين أن وقت الظهر بزيادة الظل عن مثل شخصه ولأن الظل وقت الزوال يكون مستقيما، فإذا انحرف بقدر الشاخص فهو آخر وقت الظهر، ولأنه في الصيف في أرض الحجاز يكون الظل وقت الزوال شيئا يسيرا لا عبرة به فبمجرد كون الظل مثل الشاخص يكفي في التقريب ولهذا قال في الحديث: "لما كان الفيء مثل الشراك".
wwwww
وهذه صورة تقريبية لوقت الظهر والعصر، مثلا إذا كان الظهر في الساعة الثانية عشرة ودقيقتين.
أول ما نصنع، أن نضع العمود ثم نخطه على الظل وإذا نقص الظل ويقصر فهذا يدل على أن الوقت ما دخل، وإذا ثبت الظل أي لا يقصر ولا يطول بل ثبت على الخط المستدير فهذا وقت الكراهة الشديدة نحو عشر دقائق، ثم إذا زاد فحان وقت الزوال ودخل الظهر. ووقت العصر من طول العمود مع زيادة فيئ الزوال.
wwwww
الباب السادس: وقت المغرب
وردت فيه أحاديث بألفاظ متنوعة .
(1)- عن رافع بن خديج رضي الله عنه يقول : كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه و سلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله . [رواه البخاري (534) و مسلم ( 637)]
(2)- عن جابر بن عبد الله t قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت.[ رواه البخاري ( 535) ومسلم (646)
(3)- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب إذا توارت بالحجاب.[رواه البخاري ( 536) ومسلم (1472)بلفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب.]
(4)- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس و إن آخر وقتها حين يغيب الشفق."[ تقدم أنه صحيح انظر السلسلة الصحيحة (4 / 195رقم: 1696) وفي لفظ: وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق].
(5)- عن جابر t عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... وقت المغرب، قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس؛ يعني: من الغد؛ وقتاً واحداً ". [صحيح أبي داود - (2 / 254 رقم: 419)]
(6)- عن عبد الله بن عمرو t أن نبى الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق."[ رواه مسلم(1416)]
(7)- عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إذا أقبل الليل من ها هنا ، وأدبر النهار من ها هنا ، وغربت الشمس ، فقد أفطر الصائم » [رواه البخارى (1954)]
(8)- عن أبي محذورة رضي الله عته قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أذنت للمغرب فاحدرها والشمس حدراء. [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 55رقم: 1735 ) رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ثم قال : وله في الكبير أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "وقت المغرب احدرها والشمس حدراء" .[وإسناده حسن]
(9)- عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس بادروا بها طلوع النجم" [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 53):رواه أحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب وبقية رجاله ثقات . ورواه الطبراني عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب ورجاله موثقون. قال الشيخ الألباني في الجامع الصغير وزيادته (1 / 723رقم: 7228): ( صحيح ) انظر حديث رقم : 3780 في صحيح الجامع]
وفي هذه الأحاديث تدل على أن وقت المغرب يعرف بأحد ثلاثة أمورأو باجتماعها:
(1)- غروب الشمس (2)- احمرار الأفق أو الشفق (3)- السواد في جهة المشرق عند إقبال الليل.
قال الحافظ / في فتح الباري (4 / 196) : قوله :"إذا أقبل الليل من ها هنا ": أي من جهة المشرق كما في الحديث الذي يليه والمراد به وجود الظلمة حسا، وذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطى ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله وغربت الشمس إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والادبار وانهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر ولم يذكر ذلك في الحديث الثاني فيحتمل أن ينزل على حالين إما حيث ذكرها ففي حال الغيم مثلا وإما حيث لم يذكرها ففي حال الصحو ويحتمل أن يكونا في حالة واحدة وحفظ أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر وإنما ذكر الإقبال والادبار معا لا مكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب قاله القاضي عياض وقال شيخنا في شرح الترمذي الظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة لأنه يعرف انقضاء النهار بأحدهما ويؤيده الاقتصار في رواية بن أبي أوفى على إقبال الليل.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج 2 / ص 165) :وإذا غابت الشمس وجبت المغرب، ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم .لا نعلم بينهم خلافا فيه ، والأحاديث دالة عليه . وآخره : مغيب الشفق .
وبهذا قال الثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ليس لها إلا وقت واحد ، عند مغيب الشمس ؛ لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد ، في بيان مواقيت الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم " ؛ ولأن المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت .اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع (30 / 8): أجمع العلماء على أن وقت المغرب يبتدئ عند غروب الشمس، فهذا أول الوقت، إلا خلافاً لبعض أهل الأهواء الذين لا يُعتد بخلافهم الذين يقولون: إن المغرب يكون عند اشتباك النجوم، وكان قولاً لبعض السلف المتقدمين، ولكنه قولٌ لا يُعتد به؛ لمخالفته للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2 / 52): قوله: «ويليه وَقْتُ المَغْرب إلى مَغيب الحُمْرَة» ، أي: يلي وقتَ العصر، بدون فاصل وبدون اشتراك بينهما في الوقت، فوقت المغرب من مغيب الشَّمس إلى مغيب الحُمْرة.
وقوله: «إلى مغيب الحُمْرة»، أي: الحُمْرة في السَّماء، فإذا غابت الحُمْرة لا البياض، فإنه يخرجُ وقتُ المغرب، ويدخلُ وقتُ العِشَاءِ، ومقداره في السَّاعة يختلف باختلاف الفُصول، فتارة يطول وتارة يقصر؛ لكنه يُعرف بالمشاهدة، فمتى رأيت الحُمْرة في الأُفُقِ قد زالت فهذا دليل على أن وقت المَغْربِ قد انقضى، وهو يتراوح ما بين ساعة وربع، إلى ساعة ونصف وثلاث دقائق تقريباً بعد الغروب.
وسئل شيخ الإسلام - رحمه الله - :هل يشترط الليل إلى مطلع الشمس ؟ وكم أقل ما بين وقت المغرب ودخول العشاء من منازل القمر ؟ .
فأجاب :أما وقت العشاء فهو مغيب الشفق الأحمر لكن في البناء يحتاط حتى يغيب الأبيض فإنه قد تستتر الحمرة بالجدران، فإذا غاب البياض تيقن مغيب الأحمر .
هذا مذهب الجمهور كمالك والشافعي وأحمد . وأما أبو حنيفة : فالشفق عنده هو البياض وأهل الحساب يقولون : إن وقتها منزلتان لكن هذا لا ينضبط فإن المنازل إنما تعرف بالكواكب بعضها قريب من المنزلة الحقيقية وبعضها بعيد من ذلك .
وأيضا فوقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار فيكون في الصيف أطول كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول . ومن زعم أن حصة العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف : فقد غلط غلطا حسيا باتفاق الناس . [مجموع الفتاوى (22 / 94)]
wwwww
الباب السابع : وقت العشاء
جاء فيه بألفاظ متنوعة .
(1)- عن جابر t قال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة فقال صل معي فصلى الظهر حين زاغت الشمس والعصر حين كان فيء كل شيء مثله والمغرب حين غابت الشمس والعشاء حين غاب الشفق".[ رواه النسائي رحمه الله ( ج1 ص251 ) والحديث في الصحيح المسند (1 / 102رقم 208)]
(2)- وعن عبد الله بن عمرو tعن النبي > قال: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط" [رواه مسلم ( 612 )]
(3)- وعن جابر بن عبد اللهt قال كان النبى - صلى الله عليه وسلم – يصلى العشاء أحيانا وأحيانا ، إذا رآهم اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطوا أخر ، " .[رواه البخارى (560) وفي لفظ برقم(565) : والعشاء إذا كثر الناس عجل ، وإذا قلوا أخر.والحديث في صحيح مسلم ( 646 )]
(4)- وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول .[رواه البخارى (864 )]
(5)- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وأن آخر وقتها حين ينتصف " [ رواه أحمد (2 / 232 رقم: 7172) إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين]
أول وقت العشاء
قال الشوكاني في نيل الأوطار(1 / 411): وابتداء وقت العشاء مغيب الشفق إجماعا لما تقدم في حديث جبريل وفي حديث التعليم وهذا الحديث وغير ذلك. وإنما وقع الخلاف هل هو الأحمر أو الأبيض قال ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وعبادة من الصحابة والقاسم والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب وزيد بن علي والناصر من أهل البيت والشافعي وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد من الفقهاء ، والخليل والفراء من أئمة اللغة إن الشفق الحمرة . وقال في القاموس : الشفق الحمرة ولم يذكر الأبيض .
وقال أبو حنيفة والأوزاعي والمزني به وقال الباقر : بل هو الأبيض واحتجوا بقوله تعالى ﴿ إلى غسق الليل ﴾ ولا غسق قبل ذهاب البياض ورد بأن ذلك ليس بمانع كالنجوم
وقال أحمد بن حنبل : الأحمر في الصحارى والأبيض في البنيان وذلك قول لا دليل عليه .
ومن حجج الأولين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة الشهر أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي . قال ابن العربي : هو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق .
قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت به، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة . انتهى .
آخر وقت العشاء
فالراجح أن آخر وقت العشاء وهو منتصف الليل, لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه :" ووقت العشاء إلى منتصف الليل ", وطريقة حساب نصف الليل يحسب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, ثم يقسم على اثنين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 53): ما المراد بنصف الليل؟ هل الليل من غروب الشَّمس إلى طُلوعها؟ أو من غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر؟
أما في اللغة العربية: فكلاهما يُسمَّى ليلاً، قال في «القاموس»: «الليل: من مغرب الشَّمس إلى طُلوع الفجر الصَّادق أو الشمس» .
أما في الشَّرع: فالظَّاهر أن الليل ينتهي بطلوع الفجر، وعلى هذا نقول: الليل الذي يُنَصَّفُ من أجل معرفة صلاة العشاء: من مغيب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، فنِصْفُ ما بينهما هو آخر الوقت، وما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للصَّلاة المفروضة، إنما هو وقت نافلة وتهجُّد.
قال في شرح زاد المستقنع للحمد (4 / 18): أما جمهور أهل العلم فقد ذهبوا : إلى أن آخر وقتها على الإطلاق طلوع الفجر ، ووقت الاختيار إما نصف الليل أو ثلثه على قولين ، والراجح أنه إلى نصفه كما تقدم .
ودليل ذلك : - أي كونه إلى طلوع الفجر - ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى " .
قالوا : فهذا ظاهر أن الصلوات متصلة بعضها ببعض ، فليس بينهما فاصل من الوقت ، بل لا ينتهي وقت صلاة إلا ويدخل وقت صلاة أخرى .
قالوا : وإنما يستثنى من ذلك ما دل الإجماع على استثنائه وهو صلاة الفجر ، فنهاية وقتها على الإطلاق هو طلوع الشمس بإجماع أهل العلم .أما العشاء فليس فيها إجماع بل جماهير العلماء على ما تقدم .
قالوا : ويدل على ذلك آثار الصحابة - كما صح عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس في سنن البيهقي - أنهم أفتوا بالحائض تطهر قبل الفجر أنها تقضي الصلاة أي صلاة العشاء ".
قالوا : ولو لم يكن هذا من وقت العشاء لم يلزمها ولا يلزم غيرها من المعذورين من أهل الضرورات - لم يلزمهم قضاء العشاء ولا قضاء الصلاة المجموعة إليها .
وهذا القول هو الراجح للحديث المتقدم وللآثار عن الصحابة .
فعلى ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم إلى نصف الليل هذا نهاية وقت الجواز ، وما بعده فهو وقت ضرورة .
وقد رد هذا القول العلامة الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (1 / 69)فقال: ولم نجد لمن ذهب - وهم الجمهور - إلى أن وقت العشاء يمتد إلى صلاة الفجر إلا حديثين وليسا بنص في ذلك :
الأول : عن أبي قتادة مرفوعا : ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) . احتج به على ما ذكرنا بعض أهل الظاهر من المتقدمين . والشوكاني المحقق من المتأخرين ( 1 / 10 ) ورد ذلك ابن حزم ردا قويا فقال ( 3 / 178 ) : هذا لا يدل على ما قالوه أصلا، وهم مجمعون معنا بلا خلاف من أحد من الأئمة أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط؛ سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها أم لم يتصل، وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها وإن لم يدخل وقت أخرى؛ ولا أنه يكون مفرطا بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة/229]
والحديث الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : " إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " . مسلم ( 2 / 116 ) ن ( 93 ) مي ( 1 / 276 ) والطحاوي ( 94 ) من طريق ابن جريج قال : أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته عنها
فظاهر الحديث أنه صلاها بعد مضي نصف الليل الأول ولكن الحديث مؤول قال النووي : ( والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها ) ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل )
قلت : وقد يدل لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند ( 6 / 43 و 215 و 272 ) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله : ( حتى ذهب عامة الليل ) وإنما فيه : ( حتى ناداه عمر بن الخطاب : قد نام النساء والصبيان ) . وذلك إنما يكون عادة قبل نصف الليل .
ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه فقال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر رضي الله عنه فنادى : الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول : " إنه الوقت لولا أن أشق على أمتي " . أخرجه النسائي ( 92 ) والدارمي ( 276 ) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه .
وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين وقد رواه مسلم ( 117 ) وأحمد ( 1 / 366 ) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء.
فهذه الرواية تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها : " إنه الوقت " يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من دقة فهمه رحمه الله . وإن كان لا بد من الأخذ بظاهر حديث أم كلثوم عنها فهذا إنما يدل على أنه صلاها في ابتداء النصف الثاني ولذلك قال ابن حزم ( 3 / 184 ) : ( إذا ذهب نصف الليل فقد ذهب عامة الليل ) وعلى هذا بنى قوله في أول الفصل ( 3 / 164 ) : ( ثم يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الأول وابتداء نصف الثاني فمن كبر لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ولا ضرورة فإذا زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة ) .
وأما أنه يدل على امتداد الوقت إلى صلاة الفجر كما زعم الطحاوي فليس فيه أدنى دلالة على ذلك .اهـ
وقال رحمه الله في تمام المنة (ص 141): فالحق أن الحديث لم يرد من أجل التحديد بل لإنكار تعمد إخراج الصلاة عن وقتها مطلقا ثم ذكر كلام ابن حزم الآنف الذكر ثم قال: وإذ قد ثبت أن الحديث لا دليل فيه على امتداد وقت العشاء إلى الفجر فإنه يتحتم الرجوع إلى الأحاديث الأخرى التي هي صريحة في تحديد وقت العشاء مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط . . " رواه مسلم وغيره وقد مضى بتمامه في الكتاب ويؤيده ما كتب به عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : " . . وأن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل وإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين " أخرجه مالك والطحاوي وابن حزم وسنده صحيح
فهذا الحديث دليل واضح على أن وقت العشاء إنما يمتد إلى نصف الليل فقط وهو الحق، ولذلك اختاره الشوكاني في " الدرر البهية " فقال : " . . وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل " وتبعه صديق حسن خان في " شرحه " ( 1 / 69 - 70 ) وقد روي القول به عن مالك كما في " بداية المجتهد " وهو اختيار جماعة من الشافعية كأبي سعيد الإصطخري وغيره.اهـ
قلت : ولم يتعرض الشيخ رحمه الله في الرد على أثار عبد الرحمن بن عوف و ابن عباس رضي الله عنهم .
والحق أن أثر عبد الرحمن بن عوف ضعيف لأن في إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف مجهول ، وقد أورده ابن الملقن في البدر المنير (3 / 302)وقال :قال الخلال : (كان) أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل (يقول) محمد بن عثمان (هذا) (كان) ثقة ، في إسناده مولى لعبد الرحمن بن عوف - لعله - يعني أنه مجهول - قال : وكان ابن عيينة يهم فيه فيقول : سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع وإنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، قيل لأبي عبد الله : رواه حاتم والدراوردي - يعني عن محمد بن عثمان - (فأيهما) أحب إليك ؟ قال : حاتم ، وحمل على الدراوردي يحدث أحاديث مناكير .اهـ
وقال الحافظ في التلخيص(1 / 485):ومولى عبد الرحمن لم يعرف حاله.اهـ فعلى هذا فالأثر ضعيف، وعلى فرض صحته لا يصلح للاحتجاج لأنه موقوف على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.والله أعلم.
أما أثر ابن عباس رضي الله عنه فضعيف أيضا فيه يزيد بن أبى زياد القرشى الهاشمى ، مولاهم ، أبو عبد الله الكوفى ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل ( أخو برد بن أبى زياد ) قال يحيى بن معين مرة: لا يحتج بحديثه . وقال مرة: ليس بالقوى . و قال أخرى : ضعيف الحديث. وقال الحافظ :ضعيف كبر فتغير و صار يتلقن ، و كان شيعيا.فالأثر كسابقه. والله أعلم.
فصل: استحباب تأخير العشاء
جاء في ذلك أحاديث منها :
(1)- عن عائشة – رضي الله عنها- قالت أعتم النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال:" إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي وفي حديث عبدالرزاق لولا أن يشق على أمتي". [رواه مسلم ( 638 ) ]
(2)- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة صلاة العشاء - وهى التى يدعو الناس العتمة - ثم انصرف فأقبل علينا فقال « أرأيتم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد » [رواه البخارى (564)]
(3)- عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء ، وذلك قبل أن يفشو الإسلام ، فلم يخرج حتى قال عمر نام النساء والصبيان . فخرج فقال لأهل المسجد « ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم » [رواه البخارى (566 ) و مسلم( 638 )]
(4)- عن عائشة رضي الله عنها قالت : أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء حتى ناداه عمر الصلاة ، نام النساء والصبيان . فخرج فقال « ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم » . قال ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة ، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول . [رواه البخارى (569 )]
(5)- قال ابن جريج قلت لعطاء وقال سمعت ابن عباس يقول أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ، ورقدوا واستيقظوا ، فقام عمر بن الخطاب فقال الصلاة . قال عطاء قال ابن عباس فخرج نبى الله - صلى الله عليه وسلم - كأنى أنظر إليه الآن ، يقطر رأسه ماء ، واضعا يده على رأسه فقال « لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوها هكذا » . فاستثبت عطاء كيف وضع النبى - صلى الله عليه وسلم - على رأسه يده كما أنبأه ابن عباس ، فبدد لى عطاء بين أصابعه شيئا من تبديد ، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس ثم ضمها ، يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلى الوجه على الصدغ ، وناحية اللحية ، لا يقصر ولا يبطش إلا كذلك وقال « لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوا هكذا » [رواه البخارى (571)]
(6)- عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولا في بقيع بطحان ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة فكان يتناوب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم قال أو موسى فوافقنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا وأصحابي وله الشغل في أمره حتى أعتم بالصلاة حتى إبهار الليل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بهم فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم أعلمكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم أو قال ما صلى هذه الساعة أحد غيركم ( لا ندري أي الكلمتين قال ) قال أبو موسى فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم. [ رواه مسلم ( 641 )]
(7)- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤخر صلاة العشاء الآخرة .[رواه مسلم ( 643 )]
كلام أهل العلم في المسألة.
قال شيخ الإسلام / : وكذلك أوقات الاستحباب ، فإن أهل الحديث يستحبون الصلاة في أول الوقت في الجملة ، إلا حيث يكون في التأخير مصلحة راجحة كما جاءت به السنة فيستحبون تأخير الظهر في الحر مطلقا سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين ويستحبون تأخير العشاء ما لم يشق، وبكل ذلك جاءت السنن الصحيحة التي لا دافع لها .
وكل من الفقهاء يوافقهم في البعض أو الأغلب . فأبو حنيفة : يستحب التأخير إلا في المغرب والشافعي : يستحب التقديم مطلقا حتى في العشاء على أحد القولين وحتى في الحر إذا كانوا مجتمعين . وحديث أبي ذر الصحيح فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالإبراد وكانوا مجتمعين " . [مجموع الفتاوى - (22 / 76)]
قال الشوكاني / :وقد اختلف العلماء هل الأفضل تقديمها أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعي .
فذهب فريق إلى تفضيل التأخير محتجا بهذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب، وذهب فريق آخر إلى تفضيل التقديم محتجا بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم هي التقديم، وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز والشغل والعذر، ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه، وإن كان فيه مشقة.
ورد بأن هذا إنما يتم لو لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا مجرد الفعل لها في ذلك الوقت وهو ممنوع لورود الأقوال كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغير ذلك.
وفيها تنبيه على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة كما صرحت بذلك الأحاديث وأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعارض هذه الأقوال وأما ما ورد من أفضلية أول الوقت على العموم فأحاديث هذا الباب خاصة فيجب بناؤه عليها وهذا لا بد منه. اهـ [ نيل الأوطار (1 / 412)]
قال ابن قامة رحمه الله في المغني (1 / 437): وأما صلاة العشاء فيستحب تأخيرها إلى آخر وقتها إن لم يشق، وهو اختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم والتابعين قاله الترمذي.
وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " الوقت الأول رضوان الله والوقت الآخر عفو الله " وروى القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن أحب الأعمال إلى الله عز و جل الصلاة لأول وقتها ."
ولأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يؤخرها، وإنما أخرها ليلة واحدة ولا يفعل إلا الأفضل .
ولنا : قول أبي برزة t أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة.
وقول النبي صلى الله عليه و سلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ."وهو حديث حسن صحيح، وأحاديثهم ضعيفة أما خبر الوقت الأول رضوان الله فيرويه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل .
قال أحمد رحمه الله : لا أعلم شيئا ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا يعني مغفرة ورضوانا وقال ليس ذا ثابتا ولو ثبت فالأخذ بأحاديثنا الخاصة أولى من الأخذ بالعموم مع صحة أخبارنا وضعف أخبارهم.
فصل : وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد والجماعة راضين بالتأخير فأما مع المشقة على المأمومين أو بعضهم فلا يستحب بل يكره نص عليه أحمد رحمه الله.
قال الأثرم : قلت ل أبي عبد الله : كم قدر تأخير العشاء ؟ فقال : ما قدر يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم تأخير العشاء والأمر بتأخيرها كراهية المشقة على أمته وقال النبي صلى الله عليه و سلم :" من شق على أمتي شق الله عليه " وإنما نقل التأخير عنه مرة أو مرتين ولعله كان لشغل أو اتيان آخر الوقت.
وأما في سائر أوقاته فأنه كان يصليها على ما رواه جابر أحيانا وأحيانا - إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطؤوا أخر.
وعلى ما رواه النعمان بن بشير أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر الثانية، فيستحب للإمام الاقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يؤخرها تأخيرا يشق على المأمومين فـ [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأمر بالتخفيف رفقا بالمأمومين وقال : إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخففها كراهية أن أشق على أمة ] متفق عليه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 54):فإن قال قائل: هل الأولى مراعاة تأخير الصلاة إلى آخر الوقت، أو الصلاة مع الجماعة؟ فالجواب: الصلاة مع الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، والتأخير مستحب، ولا مقارنة بين مستحب وواجب.اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع (30 / 9): وقال العلماء: السبب في ذلك أنه لا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة، ولأن الناس بعد العشاء يضطجعون، خاصة في القديم، والغالب فيهم أنهم بعد العشاء يرتاحون، فكون الإنسان لا يبادر إلى راحته ولا إلى نومه مع أنه قد تعب النهار، وينتظر تأخيرها أبلغ في طاعته لله، حتى يأتي عليه الوقت المتأخر للعشاء، وقل أن تجد أحداً يصلي معه، فيصيب فضلاً لا يصيبه غيره، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها "، "لم يصلها أحد ممن كان قبلكم " ، فدل هذا على فضل التأخير من هذا الوجه؛ لأن الناس تغفل وتنام لمكان المشقة وعناء النهار، فلذلك فُضِّل تأخيرها من هذا الوجه، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوم قبلها، لمكان تعب الناس، ولما فيه من غالب عنائهم بتحصيل مصالحهم في النهار.
وأما كيف يعرف المكلف نصف الليل فإنه يحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، ثم يقسم ذلك على اثنين، ثم يضيف النصف الذي خرج من هذه القسمة إلى وقت الغروب، فلو كان غروب الشمس الساعة السادسة، وأذان الفجر الصادق الساعة الخامسة، فمعنى ذلك أن الليل يستمر من الساعة السادسة إلى الخامسة بمقدار إحدى عشرة ساعة، ونصفها خمس ساعات ونصف، فيضيفها إلى الساعة السادسة التي هي وقت الغروب، فتصبح الساعة الحادية عشرة والنصف هي منتصف الليل.
wwwww
باب الثامن: وقت الصبح.
قال الله I : + وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ_ [البقرة : 187]
جاء بألفاظ كثيرة منها:
(1) - عن جابر t قال : وَالصُّبْحَ كَانُوا - أَوْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ . [رواه البخارى (560)]
(2)- عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين ، لا يعرفن من الغلس ، أو لا يعرف بعضهن بعضا . [رواه البخاري (872 )]وفي رقم(578) عن عائشة قالت كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ، لا يعرفهن أحد من الغلس .
(3)- عن أنس t أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قاموا إلى الصلاة . قلت كم بينهما قال قدر خمسين أو ستين - يعنى آية – [رواه البخارى (575) ]
(4)- عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله >:" وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وان آخر وقتها حين تطلع الشمس." [رواه أحمد (2 / 232): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين]
(5)- عن رافع بن خديج t قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "اسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر أو لأجرها" [رواه أحمد ( 17318)وإسناد حسن]
(6)- عن سيار بن سلامة قال دخلت أنا وأبى على أبى برزة الأسلمى ، فقال له أبى كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى المكتوبة فقال كان يصلى الهجير التى تدعونها الأولى حين تدحض الشمس ، ويصلى العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله فى أقصى المدينة والشمس حية - ونسيت ما قال فى المغرب - وكان يستحب أن يؤخر العشاء التى تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ، ويقرأ بالستين إلى المائة ." [رواه البخارى (547)]
(7)- عن أنس بن مالك t قال: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الفجر فقال:" صلها معنا غدا فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بغلس فلما كان اليوم الثاني أخر حتى أسفر ثم قال أين السائل عن وقت هذه الصلاة فقال الرجل أنا يا نبي الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أليس قد حضرتها معنا أمس واليوم قال بلى قال فما بينهما وقت".[أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (4 / 332) وقال وهذا إسناد صحيح متصل]
(8)- حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم » . ثم قال وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت [رواه البخارى (617)
(9)- عن عائشة - رضى الله عنها - أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر » . قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا . [رواه البخارى (1919)]
(10)- عن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وقت الصلوات فقال « وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول." [رواه مسلم (1420)]
(11) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال ( أو قال نداء بلال ) من سحوره فإنه يؤذن ( أو قال ينادي ) بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم وقال ليس أن يقول هكذا وهكذا ( وصوب يده ورفعها ) حتى يقول هكذا ( وفرج بين إصبعيه .[رواه مسلم( 1093)]
(12)- عن عبد الرحمن بن يزيد يقول حج عبد الله - رضى الله عنه - فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة ، أو قريبا من ذلك ، فأمر رجلا فأذن وأقام ، ثم صلى المغرب ، وصلى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشى ، ثم أمر - أرى رجلا - فأذن وأقام - قال عمرو لا أعلم الشك إلا من زهير - ثم صلى العشاء ركعتين ، فلما طلع الفجر قال إن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلى هذه الساعة إلا هذه الصلاة ، فى هذا المكان ، من هذا اليوم . قال عبد الله هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتى الناس المزدلفة ، والفجر حين يبزغ الفجر . قال رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم – يفعله[ رواه البخارى(1675) وفيه برقم: (1683) عن عبد الرحمن بن يزيد قال خرجنا مع عبد الله - رضى الله عنه - إلى مكة ، ثم قدمنا جمعا ، فصلى الصلاتين ، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة ، والعشاء بينهما ، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر ، قائل يقول طلع الفجر . وقائل يقول لم يطلع الفجر . ثم قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال « إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما فى هذا المكان المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة » . ثم وقف حتى أسفر ، ثم قال لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة . فما أدرى أقوله كان أسرع أم دفع عثمان - رضى الله عنه - فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر .]
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (3 / 275): أجمع العلماء على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه وهو البياض المنتشر من أفق المشرق والذي لا ظلمة بعده.
وقال في (4 / 336): وأما آخر وقتها فكان مالك فيما حكى عنه ابن القاسم يقول: آخر وقت "صلاة" الصبح الإسفار كأنه ذهب إلى هذا الحديث لأنه صلاها في اليوم الثاني حين أسفر ثم قال ما بين هذين وقت فكان ظاهر قوله أن ما عدا هذين فليس بوقت ومعنى قوله ما بين هذين وقت يريد هذين وما بينهما وقت.
وأما الشافعي، والثوري، وجمهور الفقهاء، وأهل الآثار، فإنهم قالوا: آخر صلاة الصبح أن تدرك منها ركعة قبل طلوع الشمس.اهـ
قال الحافظ / في الفتح (2 / 55) :واستدل المصنف به على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر لأنه الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب والمدة التي بين الفراغ من السحور والدخول في الصلاة، وهي قراءة الخمسين آية أو نحوها، قدر ثلث خمس ساعة ولعلها مقدار ما يتوضأ، فأشعر ذلك بأن أول وقت الصبح أول ما يطلع الفجر وفيه أنه صلى الله عليه و سلم كان يدخل فيها بغلس.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1 / 429): وقت الصبح يدخله بطلوع الفجر الثاني إجماعا وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح فأما الفجر الأول فهو الأول فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار لما تقدم في حديث جبريل وبريدة وما بعد ذلك وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس لقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عبد الله بن عمر : "ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع الشمس كان مدركا لها" .
فصل : الفجر فجران
* عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام و تحل فيه الصلاة و فجر تحرم فيه الصلاة و يحل فيه الطعام " .
قال الجوهري الفجر في آخر الليل كالشفق في أوله وقد أفجرنا كما تقول قد أصبحنا من الصبح وقال الأزهري سمي الفجر فجرا لإنفجار الصبح وهما فجران فالأول مستطيل في السماء يشبه بذنب السرحان وهو الذئب لأنه مستدق صاعد غير معترض في الأفق وهو الفجر الكاذب الذي لا يحل أداء صلاة الصبح ولا يحرم الأكل على الصائم .
وأما الفجر الثاني فهو المستطير الصادق سمي مستطيرا لإنتشاره في الأفق قال الله تعالى ويخافون يوما كان شره مستطيرا الدهر أي منتشرا فاشيا ظاهرا إن أسفر المأمومون يقال سفر الصبح وأسفر وهي أفصح وبها جاء القرآن قال الله تعالى ﴿والصبح إذا أسفر﴾[ المدثر: 34 ]. [المطلع على أبوات المقنع (1 / 59)]
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة (1 / 183): وهما فجران فالأول المستدق المستطيل في طول السماء كذنب السرحان وهو الذئب ويسمى الفجر الأول ولا عبرة به في شيء من الأحكام ثم يسود الأفق بعده ثم يطلع الفجر الصادق بعده معترضا في الأفق منتشرا لا ظلمة بعده ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق" اهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في شرح زاد المستقنع(30 / 9): والفجر الكاذب يكون في السدس الأخير من الليل، وسرعان ما يتلاشى هذا الضياء، بمعنى أنه لا يثبت الضياء فيه.
وأما الفجر الصادق فإنه ينتشر فيه الضياء، ولا يزال الإنسان يدخل في الوضوح والإصباح حتى تطلع الشمس.اهـ
قال صاحب كتاب الصلاة من عمدة الطالب (1 / 72)]: عندنا فجران : الفجر الأول والفجر الثاني ، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن بينهما فروقاً ثلاثة : الفرق الأول : قال المؤلف رحمه الله : المعترض بالمشرق ، أن الفجر الثاني تشاهده معترض في المشرق معترض بين الشمال والجنوب تجده هكذا معترض بين الشمال والجنوب ، ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس الأول فكلما مضى شيء من الوقت فإنه ينقص ويضمحل . هذه ثلاثة فروق بين الفجر الأول والفجر الثاني .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2 / 55): فيكون من طلوع الفجر الثَّاني إلى طلوع الشَّمس ، ومقداره بالسَّاعة يختلف، قد يكون ساعة ونصفاً، وقد يكون ساعة وربعاً كالمغرب.
wwwww
الباب التاسع : حكم استخدام التقويم
قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (6 / 279): قال صاحب " العون ": هل جاء وقت الصلاة أم لا ؟ فلا اعتبار لشكه ، و إنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام ، فإن تيقن الإمام بمجيء الوقت ، فلا يعتبر بشك بعض الأتباع " .
وقوله : " على الإمام " ، وأقول : أوعلى من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ، و هو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها ، و قد أصبح هؤلاء في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر ، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي ،بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و ( الروزنامات ) ، و هو غير صحيح لمخالفته للواقع ، و في هذا اليوم مثلا ( السبت 20 محرم سنة 1406) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة و خمس و أربعين دقيقة ، و في تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة و الدقيقة الثالثة و الثلاثين ! هذا و أنا على ( جبل هملان ) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في ( وسط عمان ) ؟
لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على ( هملان ) . و مع الأسف فإنهم يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين ، و بناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد و لما يطلع الفجر بعد ، و لقد عمت هذه المصيبة كثيرا من البلاد الإسلامية كالكويت و المغرب و الطائف و غيرها ، و يؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق . و لما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس و أنا صائم ، فما أذن إلا بعد غروبها بـ ( 13 دقيقة ) ! و أما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن في شقة منها صهر لي ، فما كادت الشمس أن تغرب إلا و سمعت الأذان فحمدت الله على ذلك .اهـ
وفي فتاوى الإسلام سؤال وجواب (1 / 2847) : بعد أن ذكر أحاديث الفجرين: ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة ، لا على الحساب الفلكي ، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم ، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح. وهذا الخطأ ليس في مصر وحدها ، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح ، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب ، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان ، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة.
وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق ، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم،- ثم ذكر كلام الشي الألباني رحمه الله المتقدم ثم قال:- وإذا عُلم هذا فالواجب على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات ، لتحري وقت الفجر ، وإعلام الناس به ، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.اهـ
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6 / 143): فالمعتبر غروب الشمس، لا الأذان، لا سيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير، فلو غربت الشمس، وأنت تشاهدها، والناس لم يؤذنوا بعد، فلك أن تفطر ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب، فليس لك أن تفطر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» .
ولا يضر بقاء النور القوي، فبعض الناس يقول: نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس، وسن الفطر.اهـ
وسئل اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - (6 / 141)ما نصه:
س: هل للتقويم الحالي مشروعية أم لا؟
جـ: التقويم من الأمور الاجتهادية، فالذين يضعونه بشر يخطئون ويصيبون، ولا ينبغي أن تناط به أوقات الصلاة والصيام من جهة الابتداء والانتهاء، لأن ابتداء هذه الأوقات وانتهائها جاء في القرآن والسنة فينبغي الاعتماد على ما دلت عليه الأدلة الشرعية، ولكن هذه التقاويم الفلكية قد يستفيد منها المؤذنون والأئمة في أوقات الصلاة على سبيل التقريب، أما في الصوم والإفطار فلا يعتمد عليها من جميع الوجوه؛ لأن الله سبحانه علق الحكم بطلوع الفجر إلى الليل ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة » . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وسمعت شيخنا أبا عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله في بعض دروسه يقول : إن استعمال التقويم في ضبط أوقات الصلوات، خطأه أكثر من صوابه إنما التقويم للتقريب فقط لا للاعتماد. أو بهذا المعنى.والله أعلم.
wwwww
الباب العاشر:الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
* عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول : ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب. [رواه مسلم ( 831 )]
* عن قزعة مولى زياد قال سمعت أبا سعيد - وقد غزا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - ثنتى عشرة - غزوة - قال أربع سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال يحدثهن عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فأعجبننى وآنقننى « أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم ، ولا صوم يومين الفطر والأضحى ، ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ، ومسجدى ، ومسجد الأقصى » . [رواه البخارى (1864)]
* عن أبي هريرة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس " [رواه البخارى (588)مسلم ( 825 ) وهو في صحيح البخارى (584) بأطول من هذا]
* عن ابن عباس قال سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس[ رواه مسلم ( 826 )]
* عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان" .[رواه مسلم ( 828 )]
* عن عمرو بن عبسة t قال : قلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ؟ قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.[ رواه مسلم( 832 )]
* عن كعب بن مرة البهزى قال قلت : يا رسول الله أي الليل اسمع قال جوف الليل الآخر قال ثم قال ثم الصلاة مقبولة حتى يصلي الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم لا صلاة حتى تغرب الشمس ، قال وإذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك وإذا غسلت يديك خرجت خطاياك من يديك وإذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من رجليك . [حسن لغيره وإسناده ضعيف فيه رجل مبهم رواه أحمد (4 / 321رقم: 18917) وجاء من حديث عبد الرحمن بن عوف عند الطبراني كما في صحيح الترغيب والترهيب للألباني (ج 2 / ص 188رقم: 1896 – وقال: ( صحيح لغيره ) ]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (4 / 131): وقد اختلف العلماء في وقت قيام الشمس في نصف النهار قبل زوالها: هل هو وقت نهي عن الصلاة، أم لا؟
* فقالت طائفة: ليس هو وقت نهي، كما أشار إليه البخاري، وهو قول مالك، وذكر أنه لا يعرف النهي عنه، قال: وما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار.
* وممن رخص في الصلاة فيه: الحسن، وطاوس، والأوزاعي في رواية عنه، وهو ظاهر كلام الخرقي من أصحابنا.
* وقال آخرون: هو وقت نهي لا يصلي فيه، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، والحسن بن حي، وابن المبارك، وأحمد، وابن المنذر. وقال: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه.
* وقالت طائفة: تكره الصلاة وسط النهار، إلا يوم الجمعة، وهو قول مكحول والأوزاعي في رواية، وسعيد بن عبد العزيز وأبي يوسف والشافعي وإسحاق، وروى الشافعي فيه حديثاً بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة.
* وقالت طائفة أخرى: يكره ذلك في الصيف لشدة الحر فيه، دون الشتاء، وحكي عن عطاء. وقال ابن سيرين: يكره نصف النهار في شدة الحر، ولا يحرم.اهـ
قلت : الراجح هو القول الثالث لقوة أدلته وهو القول بالنهي إلا لقضاء الفوائت إما من عذر أو غيره، كما سيأتي .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (1 / 112): فهذه ثلاثة أوقات روينا إن انضافت إلى الأولين كانت خمسة إلا أن الثلاثة تختص بكراهة أمرين دفن الموتى والصلاة والوقتان الأولان يختصان بالنهي عن الثاني منهما وقد ورد تعليل النهى عن هذه الثلاثة ، في حديث ابن عبسة عند من ذكر بأن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار وبأنه عند قيام قائم الظهيرة تسجر جهنم وتفتح أبوابها وبأنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار ومعنى قوله قائم الظهيرة قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته وقفت والشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول فيتخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهي سائرة والنهي عن هذه الأوقات الثلاثة عام بلفظه لفرض الصلاة ونفلها.
والنهي للتحريم كما عرفت من أنه أصله وكذا يحرم قبر الموتى فيها، ولكن فرض الصلاة أخرجه حديث من نام عن صلاته الحديث وفيه فوقتها حين يذكرها ففي أي وقت ذكرها أو استيقظ من نومه أتى بها وكذا من أدرك ركعة قبل غروب الشمس وقبل طلوعها لا يحرم عليه بل يجب عليه أداؤها في ذلك الوقت، فيخص النهي بالنوافل دون الفرائض.
وقيل بل يعمها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما نام في الوادي عن صلاة الفجر ثم استيقظ لم يأت بالصلاة في ذلك الوقت، بل آخرها إلى أن خرج الوقت المكروه، وأجيب عنه:
أولا: بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حر الشمس، كما ثبت في الحديث ولا يوقظهم حرها إلا وقد ارتفعت وزال وقت الكراهة
وثانيا: بأنه قد بين صلى الله عليه وسلم وجه تأخير أدائها عند الاستيقاظ بأنهم في واد حضر فيه الشيطان فخرج صلى الله عليه وسلم عنه وصلى في غيره، وهذا التعليل يشعر بأنه ليس التأخير لأجل وقت الكراهة، لو سلم أنهم استيقظوا ولم يكن قد خرج الوقت فتحصل من الأحاديث أنها تحرم النوافل في الأوقات الخمسة وأنه يجوز أن تقضى النوافل بعد صلاة الفجر وصلاة العصر، أما صلاة العصر فلما سلف من صلاته صلى الله عليه وسلم قاضيا لنافلة الظهر بعد العصر، إن لم نقل إنه خاص به وأما صلاة الفجر فلتقريره لمن صلى نافلة الفجر بعد صلاته وأنها تصلى الفرائض في أي الأوقات الخمسة لنائم وناس ومؤخر عمدا وإن كان آثما بالتأخير والصلاة أداء في الكل ما لم يخرج وقت العامد فهي قضاء في حقه ويدل على تخصيص وقت الزوال يوم الجمعة من هذه الأوقات بجواز النفل فيه الحديث.اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير (1 / 797): يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها روي نحو ذلك عن علي رضي الله عنه وغير واحد من الصحابة، وبه قال أبو العالية والنخعي والشعبي والحكم وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وابن المنذر.
وقال أصحاب الرأي لا تقضى الفوائت في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر إلا عصر يومه يصليها قبل غروب الشمس لعموم النهي، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس أخرها حتى ابيضت الشمس، متفق عليه.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها " متفق عليه وفي حديث أبي قتادة " إنما التفريط في اليقطة على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فإن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها " متفق عليه وخبر النهي مخصوص بالقضاء في الوقتين الآخرين فنقيس محل النزاع على المخصوص، وقياسهم منقوض بذلك أيضا، وحديثهم يدل على جواز التأخير لا على تحريم الفعل.
* ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذ أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته "متفق عليه، وهذا نص خاص على عموم ما ذكروه.
* ويجوز فعل الصلاة المنذورة في وقت النهي سواء كان النذر مطلقا أو مؤقتا لأنها صلاة واجبة فأشبهت الفوائت من الفرائض.
* تجوز صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تميل الشمس للغروب بغير خلاف قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح، فأما الصلاة عليها في الاوقات الثلاثة التي في حديث عقبة فلا تجوز.
* وتجوز ركعتا الطواف بعده في هذين الوقتين، لما روى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " ورواه الاثرم والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان ركعتي الطواف تابعة له فإذا أبيح المتبوع أبيح التبع وحديثهم مخصوص بالفوائت وحديثنا لا تخصيص فيه فيكون اولى، وهل يجوز في الثلاثة الباقية؟ فيه روايتان.اهـ مع تصرف يسير.
قال الشنقيطي في شرح زاد المستقنع (1 / 423): قالوا: إن إيقاع النافلة في الأوقات المنهي عنها وجوده وعدمه على حدٍ سواء، إلا عند من يستثني ذوات الأسباب، والله تعالى أعلم. فينبغي تنبيه هؤلاء -الذين يصلون في هذه الأوقات المنهي عنها- على أمرين: أولاً: أن وقت الضُحى من بعد طلوع الشمس قيد رمح، أي: بما يقارب -احتياطاً- اثنتي عشرة دقيقة، فبعدها يغلب على الظن دخول وقت جواز صلاة النافلة.اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4 / 83): مسألة : ما الحكمةُ مِن النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
الجواب مِن وجهين: أولاً : يجب أن نعلمَ أنَّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو نهى اللهُ عنه ورسولُه فهو الحكمة، فعلينا أن نسَلِّمَ ونقول إذا سَأَلَنَا أَحدٌ عن الحكمة في أمْرٍ مِن الأمور: إن الحكمة أمرُ اللهِ ورسولِهِ في المأمورات، ونهيُ اللهِ ورسولِهِ في المنهيَّات.
ودليل ذلك : مِن القرآن قوله تعالى: +وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ_[الأحزاب: من الآية36] وسُئلت عائشةُ : ما بَالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ ولا تقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمرُ بقضاء الصَّوم ولا نؤمر بقضاء الصَّلاةَ» ، فاستدلَّت بالسُّنَّةِ ولم تذكرْ العِلَّةَ، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة؛ أن تكونَ مسلِّماً لأمرِ اللهِ ورسولِهِ عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته؛ لقلنا: إنك ممن اتَّبعَ هواه، فلا تمتثل إلا حيث ظهرَ لك أنَّ الامتثال خير.
ثانياً : أنَّ هذه الأوقات يعبدُ المشركون فيها الشَّمسَ، فلو قمت تُصلِّي لكان في ذلك مشابهةً للمشركين، لأنهم يسجدون للشَّمسِ عند طلوعها، وعند غروبها. كما جاء في الحديث .
لكنه يَرِدُ علينا أنَّ هذا ينطبقُ على ما كان مِن طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وعلى ما كان حين تضيَّفُ الشَّمسُ للغُروب حتى تغربَ، لكن كيف ينطبق على ما كان مِن بعدِ صلاة الفجر إلى طلوع الشَّمسِ، ومِن بعد صلاة العصر إلى أنْ تتضيَّفَ الشَّمسُ للغروب، وكيف ينطبق على النَّهي في نصف النهار حين يقوم قائمُ الظَّهيرة؟
فنقول: لما كان الشرك أمره خطير، وشره مستطير، سد الشارع كل طريق يوصل إليه، ولو من بعيد، فلو أذن للإنسان أن يصلي بعد صلاة الصبح لاستمرت به الحال إلى أن تطلع الشمس، ولا سيما من عندهم رغبة في الخير، وكذلك لو أذن له في أن يصلي بعد صلاة العصر لاستمرت به الحال إلى أن تغيب الشمس.
أما عند قيامها فقد علله النبي صلى الله عليه وسلم بأن جهنم تسجر ، أي: هذا الوقت يزاد في وقودها؛ فناسب أن يبتعد الناس عن الصلاة في هذا الوقت؛ لأنه وقت تسجر فيه النار، فهذه حكمته.
فالواجب على المسلم أن يكون مباينا للمشركين في كل شيء؛ لأنه مسلم. حتى إن عمر لما كان الناس في عزة الإسلام كان لا يمكن أهل الذمة أن يركبوا الخيل ؛ لأن به عز الإسلام، وهي آلة الحرب، فلو ركب الذمي الخيل لحصل في نفسه عزة وأنفة. والمطلوب من المسلم أن يذل الكافر، قال تعالى:+يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير_ [التحريم:9]
وكان يمنعهم من أن يركبوا كما يركب المسلمون، بل يركبون عرضا، أي: على جانب واحد، فتكون أرجلهم من الجانب الأيمن كلها، أو من الجانب الأيسر؛ لئلا يتشبهوا بالمسلمين، فكذلك إذا صلى الإنسان عند طلوع الشمس أو غروبها تشبه بالمشركين بالعبادة، وهذا أعظم من التشبه باللباس، أو الركوب، أو ما أشبه ذلك.اهـ
wwwww
الباب الحادي عشر: وقت صلاة الضحى
* عن أم هانئ بنت أبي طالب حدثته أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بأعلى مكة قام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى [رواه مسلم ( 336 )]
* عن أبي الدرداء أو أبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال :" ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره." قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.[ صحيح رواه الترمذي (475)وصححه الألباني]
* عن أبي أمامة t قال قال عمرو بن عبسة السلمي : قلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة ؟ قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة [رواه مسلم ( 832 )]
* عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال نعم كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس قام وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم. [رواه مسلم ( 670 )]
* عن جابر بن سمرة t أن النبي صلى الله عليه و سلم :كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا. [رواه مسلم ( 670 )]
* عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة وقال :" من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين".[ رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق ففيه كلام. الحديث في صحيح الترغيب والترهيب (ج 1 / ص 112رقم: 468 )وقال الألباني ( صحيح لغيره )]
* عن زيد بن أرقم t رأى قوما يصلون من الضحى فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال صلاة الأوابين حين ترمض الفصال.[ رواه مسلم ( 748 )]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع(4 / 38):وقت صلاة الضُّحى، من خروج وقت النَّهي.
ووقتُ النَّهي: من طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفع قِيد رُمحٍ، أي: بعين الرَّائي، وإلا فإن هذا الارتفاع قِيد رُمحٍ بحسب الواقع أكثر من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قِيد رُمحٍ، أي: نحو متر.
وبالدَّقائق المعروفة: حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوط فإذا مضى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشَّمس، فإنه يزول وقت النَّهي، ويدخل وقت صلاة الضُّحى.
وقوله: «إلى قبيل وقت الزوال». «قبيل» تصغير قبل، أي: قبل زوال الشمس بزمن قليل حوالي عشر دقائق، لأن ما قبيل الزوال وقت نهي ينهى عن الصلاة فيه، لأنه الوقت الذي تسجر فيه جهنم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيه، قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» . [رواه مسلم (831)]
وقائم الظهيرة يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قبيل الزوال بعشر دقائق دخل وقت النهي.
إذا؛ وقت صلاة الضحى من زوال النهي في أول النهار إلى وجود النهي في وسط النهار.
وفعلها في آخر الوقت أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» وهذا في «صحيح مسلم» .
ومعنى «ترمض» أي: تقوم من شدة حر الرمضاء، وهذا يكون قبيل الزوال بنحو عشر دقائق.اهـ
wwwww
الباب الثاني عشر : وقت صلاة العيدين
* عن يزيد بن خمير الرحبي قال خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه و سلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح " .
قال ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير (2 / 224):أول وقت صلاة العيد إذا خرج وقت النهى وارتفعت الشمس قيد رمح من طلوع الشمس وذلك ما بين وقتي النهى عن صلاة النافلة.
وقال أصحاب الشافعي: أول وقتها إذا طلعت الشمس لما روى يزيد بن حمير قال خرج عبد الله بن بشر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر ابطاء الامام وقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح.رواه أبو داود وابن ماجه .
ولنا ما روى عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، ولأنه وقت نهي عن الصلاة فيه، فلم يكن وقتا للعيد كقبل طلوع الشمس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس بدليل الإجماع، أن فعلها في ذلك الوقت أفضل ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل إلا الأفضل، ولو كان لها وقت قبل ذلك لكان تقييده بطلوع الشمس تحكما بغير نص ولا معنى نص، ولا يجوز التوقيت بالتحكم.
وأما حديث عبد الله بن بشر فيحتمل على أنه أنكر إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه لأنه لو حمل على غير هذا لم يكن إبطاء، ولا يجوز أن يحمل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الصلاة في وقت النهي لأنه مكروه بالاتفاق والأفضل خلافه، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على المفضول ولا المكروه فتعين حمله على ما ذكرنا .اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5 / 57): صلاة العيد وقتها كوقت صلاة الضحى، ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح بعد طلوعها، وهو بمقدار ربع ساعة تقريباً.
الدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلفاءه الراشدين لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس قِيد رمح [ذكر فيه حديث عبد الله بن بسر المتقدم في الباب] . وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
وآخر وقت العيد زوال الشمس عن كبد السماء، وذلك أن الشمس إذا طلعت صار لكل شاخص ـ أي: لكل شيء مرتفع ـ ظل من جهة الغرب، وكلما ارتفعت نقص الظل، فإذا انتهى نقصه وبدأ بالزيادة، فهذه علامة زوال الشمس.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني(2 / 232): ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا،
وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إلى عمرو بن حزم : " أن أخر صلاة الفطر وعجل صلاة الأضحى " ولأن لكل عيد وظيفة فوظيفة الفطر إخراج المفطرة ووقتها قبل الصلاة ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة وفي تأخير الفطر وتقديم الأضحى توسيع لوظيفة كل منهما.
wwwww
الباب الثالث عشر: وقت صلاة الاستسقاء
* عن هشام بن إسحاق (وهو ابن عبد الله ابن كنانة ) عن أبيه قال " أرسلني الوليد بن عقبة - وهو أمير المدينة - إلى ابن عباس t أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلى في العيدين "
* عن عائشة رضي الله عنها قالت : شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل[الحديث رواه أبو داود (1173) وحسنه الألباني ]
قال صاحب عون المعبود : قال الحافظ في قول ابن عباس رضي الله عنه ، كما صنع في العيد: ظاهره أنه صلاها في وقت صلاة العيد.
وقد حكى ابن المنذر الاختلاف في وقتها قال في الفتح والراجح أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها مخالفة بأنها لا تختص بيوم معين .
ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة . [انظرعون المعبود (3 / 122) وحاشية الروض المربع (2 / 541)]
قال الشنقيطي / في شرح زاد المستقنع (76 / 6): قال العلماء رحمهم الله: يستحب أن تكون صلاة الاستسقاء في وقت صلاة العيدين، وذلك بعد ارتفاع الشمس قيد رمح.
فقولها رضي الله عنها: (بدا حاجب الشمس)، تعبير يشير إلى ظهور ضوء الشمس، والحاجب هو الضوء، وإنما عبروا به لأن الضوء من الشمس يحجب الشمس، فأنت إذا رأيت الشمس مشرقة متوهجة بضوئها لا تستطيع أن ترى نفس الشمس؛ لأنه يحجبها عنك من شدة توهجه، ولذلك يقولون: حاجب الشمس. أي: الذي يحجب الشمس من ضوئها.
فخرج عليه الصلاة والسلام، وكان قد وعد الناس بالخروج، وهذا من السنة ، فيخرج ويكون وقوعها في وقت الضحى، ويصلي بعد انتهاء وقت النهي، ووقت النهي يبدأ من بعد صلاة الصبح وينتهي بارتفاع الشمس قيد رمح، أما أثناء طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس فإنها لا تصلى قولاً واحداً عند العلماء، حتى حكي الإجماع على عدم مشروعية إيقاع صلاة الاستسقاء في أوقات الكراهة، فليس بمشروع أن يوقعها في هذا الوقت مع أن لها وجهاً وهو كونها من الصلوات ذوات الأسباب، لكنه لما كان الأمر فيه نوع تأسٍ واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع.
وأما آخر وقتها فبعض العلماء يقول: صلاة الاستسقاء جماعة تصح في الليل والنهار، ولا حرج أن يصلوا في الليل أو في النهار، أو في أي وقت إلا أوقات الكراهة، فهذا مذهب طائفة من العلماء رحمهم الله.
وهذا المذهب لا يخلو من نظر؛ إذ لو كانت تصلى في أي وقت لالتمس عليه الصلاة والسلام وقت السحر، إلا أن بعض العلماء أجاب عن هذا الاعتراض وقال: إن وقت السحر يشق على الناس، خاصة وأن أكثرهم نائمون.
لكن أجيب بأن هذه المشقة مقدور عليها؛ لأنها صلاة في يوم معين، فلا مانع أن يكلفوا بها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يندب الناس إلى إحياء العشر الأواخر، وهو يندب بذلك عامة الأمة.
ومهما يكن فهذا القول لا يخلو من نظر؛ لأنه لو كان فعلها في الليل مشروعاً لفعلها عليه الصلاة والسلام، ولو قلنا: إن فعلها في السحر فيه مشقة، فإنه لا مانع أن يفعلها بين العشاءين، وهذا أرفق وأخف بكثير على الناس، لكن كونه عليه الصلاة والسلام يتقصد أول النهار لا شك أنه هو الأولى والأحرى، ولذلك قال بعض العلماء: إنه ينتهي وقتها بالزوال كالعيد، وهذا هو الأشبه، ولذلك نجد الصحابة يلحقون صلاة الاستسقاء بصلاة العيد.اهـ
wwwww
الباب الرابع عشر: وقت صلاة الليل أو التهجد والوتر.
* عن عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت كان ينام أول الليل ويحي آخره ثم إن كانت له حاجة إلى أهله، قضى حاجته ثم ينام ، فإذا كان عند النداء الأول - قالت : وثب ، ولا والله ما قالت: قام فأفاض عليه الماء ( ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد ) وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين .[متفق عليه وهذا لفظ مسلم ( 739 )]
* عن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال أوصانى خليلى - صلى الله عليه وسلم - بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتى الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام . [ متفق عليه البخارى (1981 ) ومسلم ( 721 )]
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داود، كان ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه»[أخرجه البخاري،(1131)؛ ومسلم، (1159) (189).]
* عن عائشة رضي الله عنها قالت : من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه و سلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر.[رواه مسلم ( 745 )]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4 / 32): مسألة : ما هو الليلُ المعتبرُ نصفُه؟
الظَّاهر: أنَّه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر، فيكون نصف الليلِ في الشِّتاء بعد مضي سِتِّ ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ ليل الشِّتاء اثنتا عشرة ساعة، ويكون في بعض الأوقات بعد خمس ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ الليلَ يكون فيها حوالي عَشْرَ ساعات، فعُدَّ مِن غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، ونصفُ ما بينهما هذا هو نصف الليل.اهـ
وقال صاحب القول الراجح مع الدليل(3 / 84): طريقة الحساب هي: يكون الحساب من غروب الشمس إلى أذان الفجر, فلو افترضنا أن الشمس تغرب الساعة السادسة والفجر يؤذن الساعة السادسة يكون المجموع اثنا عشر ساعة, فنصف الليل يكون من الساعة الثانية عشر فما بعد, والنصف الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام فالأول والثاني منه هما السدس الرابع والخامس الذي يستحب قيامه, وبناء على هذا التقدير هنا يكون القيام المستحب من الساعة الثانية عشر حتى الساعة الرابعة ثم ينام إلى أذان الفجر.
wwwww
تتمة
ولتتمة الفائدة أذكر لكم منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية لحافط الحكمي رحمه الله في هذا الباب اقتصارا على المواقيت :
باب: مواقيت الصلاة
يدخل بالزوال وقـــــــــت الظهر ** وسن الابراد بهــــــــا في الحر
في سفر أو حضـــــــــــر وينتهي ** عند مصير الظــــل مثل شبـحه
ويدخـل العـــــصر به ويــــستمر ** إلى اصفـرار الشمس نصاً قد أثر
وفي اضــــــطرار فإلى غـــــروبها ** وأكد التبكير في الغــــــــيم بها
وبالغروب معــــــــرب قد دخلا ** ووقتها يبقى امـــــــــتداده إلى
غيبوبة الحــــــمرة وهــــــو أول ** وقت العــــشا وفي اختيار نقلوا
تأخيــــــــرها لثـــــلث ليل وإلى ** نصف وكل في الــــصحيح نقلا
وقد نهي عن أن ينــــــــــام قبلها ** كــــــــذاك أن يسهر بعد فعلها
ما لم يكـــــــــن في شأن أمر ديني ** فــــــذاك فعل الصادق الأمين
وفي اضطرار ببــــــــقا الليل بقي ** ويدخل الصبـــح بفجر صادق
وفي اختيــــــــــــار فإلى الأسفار ** وامتـــــد للإشراق في اضطرار
وأفــــضل الأوقات في القول الأبر ** أولها إلا العــــــــــشاء للخبر
ومن يكــــــــــن لركعة قد أدركا ** من الصلاة فليــــــــعد مدركا
ومن عن الــــــــصلاة نام أو سها ** فحينــــما يـذكرها وقـــــت لها
ورتب الفوائت المــــــــــــقضية وافعل كفي أوقـــــاتها الأصلية
وقت صلاة الجمعة
ووقتها كالــــــــظهر نصاً فاعـلم ** وفعلــــها قبل الزوال قـــد نمى
باب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
وفي ثلاثة من الأوقـــــــــــــات ** ينهي عن النـــــــفل من الصلاة
أولهـا بعد صــــلاة الصــــــــبح ** إلى ارتفاع الشــــــمس قِيد رمح
وعند الاســـــــتواء إلى الـزوال لا ** في جمعة فجـــــــــــائز لا جدلا
ثالثها بعد صــــــــــــلاة الـعصر ** إلى الغــــــروب ثم من ذا الحظر
فاستثن عند البـــــــــيت لا تمتنعُ ** صلاتنا في أي وقــــــــــت تقعُ
وإن تفــــت راتبة الــــــفجر فلا ** مانع بعد الفـــرض من أن تفعلا
كذا لمــــــــــــدرك الإمام بعد أن ** صلى برحـــــله إعادة تــــــسن
وقت الضحى
عند ارتفاع الشــــــمس وقتها أوله ** وحين ترمــــض الفصال أفضله
وقت صلاة العيدين
وحد وقتــــــــــــــها بلا جـدال ** مـن ارتفاع الشــــــمس للزوال
وهي على رمــــحين فعل الفــــطر ** سن والأضــــحى قِيد رمح فادر
وإن يـــــكن لـــغرة لم نهـــــــتد ** ليوم عيد صــــــــليت من الغد
باب صلاة الاستسقاء
وعند جدب واستـــــــــغاثة تسن ** وسن أيضاً لإمـــــــام الناس أن
يعلمهم بوقت الاســــــــــتسقاء ** أن يخرجوا يومـــــاً إلى الصحراء
بملبس الخضوع والتــــــــــضرع ** وبذلة والتوب والتـــــــــخشع
وبالمصلى وضع مـــــــــــنبر يسن ** ومثل عيد ركعتـــــــــين صلين
باب التهجد بالليل
وفي قيام الليل فضـــــــــل لا يعد ** بل فيه رضوان المهــــيمن الأحد
وأهـــــله هم صـــفوة الــــرحمن ** دليـــــله في آخر الــــــــفرقان
كذاك صدر اـــــــلذاريات فيه ما ** يكفي ويشـــــفي من له قد فهما
وانظر لما في ســــــــــــورة المزمل ** واسأل له الـــتوفيق مولاك العلي
وكم له فضــــــــل عن النبي ثبت ** بل قام حتى قدمــــــيه انفطرت
وخير وقت لـــــــــصلاة الليل ما ** في ثلــــثه الأخــــــير نصاً علما
إذ فيه رب العــــــــالمين ينـــــزل ** يجيب مـــــن إياه فــــــيه يسأل
ويقبل التــــــــــــــوبة والذنوبا ** يغفرها ويــــــستر الـــــعيوبا
[
الفهرس
مقدمة 2
الباب الأول : المواقيت 3
فصل: تعريف المواقيت 3
الباب الثاني : خطر من صلى في غير وقتها 5
الباب الثالث : أوقات الصلوات المفروضة بشكل عام 8
الباب الرابع : وقت الظهر. 11
أول وقت الظهر. 12
آخر وقت الظهر 13
فصل : وقت الجمعة. 15
فقه الأحاديث. 15
فصل : الإبراد في شدة الحر. 16
الباب الخامس : وقت العصر. 18
أول وقت العصر 19
آخر وقت العصر 20
الباب السادس: وقت المغرب 23
الباب السابع : وقت العشاء 27
أول وقت العشاء 27
آخر وقت العشاء 28
فصل: استحباب تأخير العشاء 31
كلام أهل العلم في المسألة. 33
باب الثامن: وقت الصبح. 36
فصل : الفجر فجران 39
الباب التاسع : حكم استخدام التقويم 41
الباب العاشر:الأوقات المنهي عن الصلاة فيها 44
الباب الحادي عشر: وقت صلاة الضحى 51
الباب الثاني عشر : وقت صلاة العيدين 53
الباب الثالث عشر: وقت صلاة الاستسقاء 55
الباب الرابع عشر: وقت صلاة الليل أو التهجد والوتر. 57
تتمة 58
الفهرس 61