إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

درر منتقاه من كتاب للناصح الأمين/ يحيى الحجوري حفظه الله بعنوان(أحكام الجمعة وبدعها)على حلقات يتابع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • درر منتقاه من كتاب للناصح الأمين/ يحيى الحجوري حفظه الله بعنوان(أحكام الجمعة وبدعها)على حلقات يتابع

    أحكام الجمعة وبدعها


    درر منتقاه من كتاب للناصح الأمينالعلامة المحدث الفقيه/ يحيى الحجوري حفظه الله بعنوان(أحكام الجمعة وبدعها).

    الحلقة الاولى:


    فهرس كتاب أحكام الجمعة وبدعها

    م الموضوع رقم الصفحة

    1 فضل يوم الجمعة وأنها تسمى عند الملائكة يوم المزيد 31
    2 أول من جمع بالمسلمين في المدينة 39
    3 فضل الجمعة وأن الله عز وجل اختص بها هذه الأمة دون غيرها من الأمم 45
    4 فضل الجمعة وأنها من مكفرات الذنوب 48
    5 أيهما أفضل : يوم الجمعة أم يوم عرفة 52
    6 خصائص الجمعة 55
    7 صلاة الجمعة فرض عين على كل ذكر حر بالغ مقيم غير معذور 66
    8 وعيد من تخلف عن الجمعة لغير عذر 71
    9 هل يشترط لإقامة الجمعة عدد مخصوص 76
    10 قراءة سورة الكهف يوم الجمعة تقدم أن جعلها ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد الخصوصية العاشرة من خصوصيات الجمعة 80
    11 حكم اجتماع الجمعة مع العيد 82
    12 استحباب قراءة سورة السجدة والدهر في فجر الجمعة 87
    13 وجوب الغسل على من أتى الجمعة 92
    14 النية والاحتساب لغسل الجمعة وغيره 97
    15 الغسل إنما هو لصلاة الجمعة كما تقدمت الأدلة على ذلك وليس ليوم الجمعة 99
    16 هل على من لم يحضر الجمعة من النساء والصبيان غسل ؟ 101
    17 متى يغتسل للجمعة ؟ 105
    18 فضل الغسل يوم الجمعة وأنه كغسل الجنابة 106
    19 استحباب الطيب يوم الجمعة بعد الغسل وقبل الرواح إلى الجمعة 108
    20 التجمل للجمعة بأحسن ما يجد من لباسه الشرعي 116
    21 السواك للجمعة وغيرها 119
    22 البعيد عن البلد إذا كان يسمع النداء يجب عليه حضور الجمعة 122
    23 تفسير قول الله تعالى { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } 126
    24 التبكير إلى الجمعة 131
    25 فضل المشي إلى الجمعة 134
    26 هل الراكب على السيارة إذا أتى صلاة الجمعة أو غيرها من الصلوات يمشي مشيا هادئا أم يجوز له أن يسرع؟ 137
    27 من ترك الجمعة من غير عذر هل عليه كفارة ؟ 139
    28 إذا حصل مطر جاز التخلف عن الجمعة لعذر المطر 141
    29 ما يقول من خرج من بيته إلى المسجد أو غيره 143
    30 ما يقول من خرج إلى المسجد للصلاة 144
    31 ما يقول من دخل المسجد 145
    32 تحية المسجد 148
    33 إذا دخل المسجد لا يفرق بين اثنين ولا يتخطى الرقاب 150
    34 لا يجوز لأحد أن يقيم أحدا من مجلسه ثم يجلس فيه 152
    35 تجمير المسجد يوم الجمعة 154
    36 التخطي والتفريق بينهما عموم وخصوص والتخطي أشد 155
    37 حكم تخطي الرقاب وأذية الناس يوم الجمعة 160
    38 التراص في الصفوف من قبل مجيء الإمام وعدم حجز الأمكنة 160
    39 من نعس يوم الجمعة في المسجد فليتحول عن مجلسه ما لم يؤذ أحدا 163
    40 الجماعة شرط في صلاة الجمعة ولا تصح من منفرد 165
    41 إذا امتلأ المسجد جازت الصلاة في الخارج ولو من وراء جدار إذا كان الجدار ملاصقا للمسجد 170
    42 الصلاة على ظهر المسجد 177
    43 صلاة الراتبة بعد الجمعة 178
    44 الفصل بين صلاة الجمعة وبين النافلة بعدها والصلاة في المقصورة 180
    45 الخطيب إذا قرأ في الخطبة آية فيها سجدة هل ينزل ويسجد ؟ 185
    46 لا بأس بالتفسح وقت الخطبة وهو جالس بحيث لا يقوم المستمع من مكانه 189
    47 من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقرأ الفاتحة فقد أدرك الجمعة ومن لم يدرك الركعة الثانية صلى ظهرا 191
    48 إذا أدرك المسافر التشهد من صلاة الجمعة هل يصلي أربعا أم ركعتين ؟ 194
    49 إذا كانوا جماعة وفاتتهم صلاة الجمعة لعذر فهل يصلون جماعة ؟ 195
    50 من صلى ظهرا وعليه جمعة عمدا كان أو سهوا 196
    51 تأخير خطبة وصلاة الجمعة لعذر الإبراد من الحر أو غيره من الأعذار كالسهو عنها ونحوه 197
    52 كراهية التحلق قبل صلاة الجمعة 200
    53 تفصيل الخطيب في الخطبة وعدم الإجمال وعدم استعمال الكلمات الغريبة التي لا يفهمها إلا بعض الناس فلربما كان هذا الصنيع سببا لإضلال بعضهم لعدم فهمه للمعنى الصحيح 204
    54 الخطيب يشير بأصبعه ولا يحرك يديه 206
    55 إلزام الراعي لرعيته بصلاة الجمعة طوعا أو كرها 209
    56 وضع منبر لخطبة الجمعة وغيرها 210
    57 كم درجات المنبر؟ 219
    58 الإمام إذا صعد المنبر يقف على الدرجة الثانية منه ويتوجه إلى الناس ثم يسلم ثم يجلس 226
    59 تفخيم أمر الخطبة وقول الخطيب : أما بعد ؛ فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة 230
    60 الأذان أوله بعد جلوس الإمام على المنبر والإقامة إذا نزل عن المنبر للصلاة 235
    61 شبهة القائلين بالأذان الأول والرد عليها 243
    62 توجه الناس إلى الإمام حال الخطبة مستحب 258
    63 حكم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب 261
    64 من السنة أن يعتمد الخطيب حال خطبته قائما على عصا 264
    65 من السنة تقصير خطبة الجمعة 267
    66 الكلام حين جلوس الإمام بعد السلام وبين الخطبتين وبعد الفراغ منهما جائز 269
    67 جواز كلام الإمام للمأمومين على المنبر واستحبابه إذا كان لأمر بمعروف أو نهي عن منكر 271
    68 يجوز للإمام أن يقطع الخطبة ثم ينزل أو يجلس لحاجة ثم يعود فيكملها 273
    69 كلام الإمام مع غيره بعد نزوله عن المنبر قبل الإقامة وبعدها 275
    70 حكم رد السلام وتشميت العاطس حال الخطبة يوم الجمعة 276
    71 إطباق المصاحف عند دخول الإمام وترك الابتداء في النافلة 278
    72 السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة 282
    73 ذكر جملة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم من خلالها تعرف الخطب الشرعية 283
    74 أمر الإمام للمأمومين بالدنو إذا رآهم متباعدين 286
    75 بعض صفات الخطبة 287
    76 تقصير الخطبة 291
    77 قراءة القرآن في الخطبة بغير تغن 294
    78 تعليم الجاهل في الخطبة 295
    79 الإمام يحث الناس على التصدق على الغير عند لزوم ذلك 296
    80 إطالة خطبة غير الجمعة في بعض الأوقات للحاجة 302
    81 الإمام يخطب قائما يوم الجمعة ولا يجلس إلا بين الخطبتين 303
    82 من أول من قعد في الخطبة يوم الجمعة 306
    83 الاستفتاح بخطبة الحاجة في أكثر الأوقات 309
    84 الحمد والثناء على الله 312
    85 الخطيب ينذر الناس النار في خطبة الجمعة 314
    86 الخطبة في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين 315
    87 قراءة سورة ( ق) في خطبة الجمعة 318
    88 الخطبة بالعربية 319
    89 باب خطبة الجمعة وغيرها تصح من المحدث حدثا أصغر وأكبر 320
    90 تشبيك الأصابع في وقت الذهاب يوم الجمعة والحذر من اللغو فيها 323
    91 قول الخطيب : أيها الناس 335
    92 هل يستغفر الخطيب إذا جلس من الخطبة الأولى 336
    93 هل الخطبتان شرط في صلاة الجمعة فإن لم يخطبوا صلوا ظهرا 340
    94 ساعة الإجابة يوم الجمعة 342
    95 بدع ومنكرات الجمعة 347
    96 صفة صلاة الرغائب 352
    97 بدع الأذان 387
    98 من السنة الأذان الأول للفجر سواء في ذلك يوم الجمعة وغيرها 389
    99 ذكر من حكم بأن الأذان الأول للجمعة محدث وبدعة 410
    100 شبهة القائلين بجواز الأذان الأول والرد عليها 423
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 24-04-2010, 10:47 AM.

  • #2
    ..

    جزاك الله خيراً أبا حمزة ..
    ولمزيد فائدة فهذا بحث لأخينا الإسحاقي ( رفع الظلمة عن الاحتباء يوم الجمعة ) - جزاه الله خيرا -
    ..

    تعليق


    • #3
      ..

      كذلك هناك درة ثمينة من العلامة الوادعي - رحمه الله- ..
      على هذا الرابط ( هل الأذان الأول يوم الجمعة سنة ) - فجزاه الله خيرا وغفر له ولوالديه -
      ..

      تعليق


      • #4
        الحلقة الثانية : الأذان أوله بعد جلوس الإمام على الْمِنبر والإقامة إذا نزل عن الْمِنبر للصلاة

        الأذان أوله بعد جلوس الإمام على الْمِنبر
        والإقامة إذا نزل عن الْمِنبر للصلاة

        قال الإمام البخاري -رحِمه الله- رقم (912):

        حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبِي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: {كان النداء يوم الْجُمعة أوله إذا جلس الإمام على الْمِنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبِي بكر وعمر }.

        ولفظ النسائي فِي سننه (3/101): { كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الْمِنبر يوم الْجُمعة، فإذا نزل أقام}. اهـ.

        فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثرت الْمَنازل، فأمر بالنداء الثالث على الزوراء فثبت حتى الساعة. اهـ.

        وقوله: النداء الثالث: لقول النبِي ص: {بين كل أذانين صلاة}. فجعل الإقامة أذانًا مع الأذان الشرعي عند جلوس الإمام على الْمِنبر، وأذان عثمان يكون ثالثًا.

        قوله: على الزوراء، بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء مَمدودة، كذا فِي الفتح، والزوراء: دار فِي السوق على أصح الأقوال؛ لِمَا جاء عند ابن ماجه رقم (1135)، وابن خزيْمَة (3/1837)، والطبراني فِي الكبير (7/145) من طريق مُحمد بن إسحاق، عن الزهري، عن السائب بن يزيد بلفظ: {فلما كان عثمان زاد النداء الثالث على دار فِي السوق يقال لَها: الزوراء}. وابن إسحاق مدلس وقد عنعن، ولَم يعزه الْحَافظ فِي الفتح إلا إلَى هؤلاء الذين ذكروا.

        واختلف فِي تَحديد الزوراء؛ فقيل: صخرة فِي السوق، وقيل: دار فِي السوق، وهذا صحيح لوجود هذا الْحَديث الضعيف عليه وبعض الآثار، وبه قال أكثر أهل العلم.

        قال ياقوت الْحَموي فِي {معجم البلدان}: والزوراء دار لعثمان بن عفان رضي الله عنه بالْمَدينة.اهـ.

        وقال الْحَافظ عند الْحَديث: والزوراء بالْمَدينة عند السوق. اهـ.

        أما حكم هذا الأذان الذي زاده عثمان رضي الله عنه ؛ فمحدث بنص الْحَديث.

        قال الْحَافظ فِي الفتح (2/394): والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان فِي جَميع البلدان إذ ذاك، لكونه خليفة مطاعًا. اهـ الْمُراد.
        قلت: هذا الإطلاق غير صحيح؛ فقد أنكر هذا الأذان الذي قبل صعود الإمام على الْمِنبر جَماعة من السلف -رضوان الله عليهم-، وإليك ذكر ذلك بالأسانيد:

        قال الإمام ابن أبِي شيبة -رحِمه الله- فِي الْمُصنف (2/48): حدثنا شبابة قال: حدثنا هشام( ) بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر ب قال: الأذان الأول يوم الْجُمعة بدعة. اهـ.

        زاد ابن رجب فِي فتح الباري (8/219): عن ابن عمر: وكل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنًا، وعزى هذه الزيادة عن ابن عمر إِلَى وكيع فِي كتابه، وهذا سند صحيح إِلَى ابن عمر؛ فشبابة: هو ابن سوار ثقة حافظ، وهشام بن الغاز: ثقة أيضًا، ونافع: مولَى ابن عمر إمام مشهور.

        وقال ابن أبِي شيبة فِي الْمُصنف (2/48): حدثنا هشيم، عن منصور، عن الْحَسن أنه قال: النداء الأول يوم الْجُمعة الذي يكون عند خروج الإمام، والذي قبل ذلك مُحدث. وهذا سند صحيح إِلَى الْحَسن البصري -رحِمه الله-.

        وقال ابن أبِي شيبة (2/48): حدثنا هشيم، عن أشعث، عن الزهري قال: أول من أحدث الأذان الأول للجمعة عثمان، ليُؤْذن أهل السوق. وهذا سند لا بأس به إِلَى الزهري؛ فهشيم ثقة، وأشعث: هو ابن عبد الْمَلك الْحمراني ثقة، وعنعنة هشيم لا تضر؛ لأنه فِي الباب مع آثار أخرى.

        وأخرج عبد الرزاق فِي الْمُصنف (3/205) قال: لعله عن ابن جريج، عن ابن الأعرابي قال: أخبرنا عطاء قال: إنمَا كان الأذان يوم الْجُمعة حين يطلع الإمام، وذلك حين يَحرم البيع، فأما الأذان الذي يُؤذن به الآن قبل خروج الإمام وجلوسه على الْمِنبر فهو باطل. وفِي سند الأثر تردد بقوله: لعله، فهذا يهون من شأنه؛ لكنه فِي الباب لآثار أخرى.

        وأخرج عبد الرزاق (3/206) عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أول من زاد الأذان الأول يوم الْجُمعة عثمان، فكانوا يؤذنون على الزوراء، أما ببلادنا مكة فالْحَجاج، ورأيت ابن الزبير لا يؤذن له حَتَّى يَجلس على الْمِنبر، ولا يؤذن له إلا أذان واحد يوم الْجُمعة.

        وذكره ابن رجب فِي فتح الباري (8/218) وسنده صحيح إِلَى عمرو بن دينار؛ فابن جريج قال: أخبرني عمرو، وعمرو هذا هو الْجُمحي إمام، قال عنه تلميذه سفيان ابن عيينة: ثقة ثقة ثقة.

        قال ابن رجب: وقد دل الْحَديث على أن الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر هو النداء الذي بين يدي الإمام عند جلوسه على الْمِنبر، وهذا لا اختلاف فيه بين العلماء، ولِهَذا قال أكثرهم: إنه الأذان الذي يَمنع البيع، ويوجب السعي إِلَى الْجُمعة، حيث لَمْ يكن على عهد النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواه، فإن زعم أحد أن الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبِي بكر وعمر هو الأذان الأول الذي قبل خروج الإمام؛ فقد أبطل، ويكذبه هذا الْحَديث وإجْمَاع العلماء.

        وقال القاضي أبو يعلى: الْمُستحب ألا يؤذن إلا أذان واحد، وهو بعد جلوس الإمام على الْمِنبر.

        وقال إسحاق بن راهويه: إن الأذان الأول يوم الْجُمعة مُحدث أحدثه عثمان.اهـ الْمُراد من فتح الباري لابن رجب (ج8) عند شرح حديث السائب بن يزيد.

        وقال الإمام الشافعي -رحِمه الله-: واجب أن يكون الأذان يوم الْجُمعة حين يدخل الإمام الْمَسجد ويَجلس على موضعه الذي يَخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له أو الأرض، فإذا فعل أخذ الْمُؤذن فِي الأذان، فإذا فرغ قام فخطب، واجب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على الْمِنبر لا جَماعة.

        ثُمَّ استدل بِحديث السائب بن يزيد الذي نَحن فِي شرحه، قال: وقد كان عطاء ينكر أن يكون أحدثه عثمان ويقول: أحدثه معاوية وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحب إِلَي. اهـ من الأم (1/173).

        وقال مَحمود السبكي -أحد الشافعية- فِي الْمَنهل العذب الْمَورود شرح سنن أبِي داود (6/246) قال: وأما ما يُفعل الآن من وقوع الأذانين فِي مكان واحد أو أحدهما فوق الْمَسجد والآخر داخل الْمَسجد؛ فليس موافقًا لِمَا كان عليه سيدنا عثمان ولا ما كان عليه النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر؛ فإن الغرض الذي زاد سيدنا عثمان الأذان لأجله هو لَمَّا كثر الناس وانتشرت الْمَنازل، وكان من عند الزوراء لا يسمع الأذان الذي عند الْمَسجد زاد أذانًا على الزوراء لإسماعهم، فإذا اجتمع الناس فِي الْمَسجد وجلس الْخَطيب على الْمِنبر أذن الْمُؤذن أذانًا ثانيًا خارج الْمَسجد على الباب أو على السطح كما كان فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبِي بكر وعمر.

        وهذا الغرض الذي أحدث سيدنا عثمان الأذان من أجله ليس موجودًا فِي زماننا؛ فإننا لَمْ نر أذانًا يفعل بعيدًا عن الْمَسجد، فإذن يطلب الاقتصار على أذان واحد فِي الْجُمعة فِي زماننا كما فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه أبِي بكر وعمر؛ لعدم الغرض الذي أحدث الأذان الأول لأجله، ومن لَمْ يقتصر على أذان واحد فقد خالف سيدنا عثمان فضلاً عن غيره، وهذا معلوم لِمَن اطلع على ما هو مقرر فِي كتب السنة.

        وعلى فرض أنه وجد الغرض الذي أحدث ..... عثمان الأذان الأول من أجله، فيطلب أيضًا أن يقتصر على أذان واحد كما صرح بذلك الشافعي فِي الأم ... ثُمَّ ذكر كلام الإمام الشافعي الذي ذكرناه قبل هذا وفيه: فأيهما كان فالأمر الذي كان على عهد النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحب إلي.
        وقال ابن رشد الْحَفيد الْمَالكي: وأما الأذان؛ فإن جُمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس الإمام على الْمِنبر .اهـ من بداية الْمُجتهد (1/382) فِي فصل شروط الْجُمعة.

        وقال ابن قدامة الْحَنبلي فِي الْمُغنِي (3/162 و163): أما مشروعية الأذان عقب صعود الإمام؛ فلا خلاف فيه فقد كان على عهد النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبِي بكر وعمر، فلما كان عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء، والأذان الذي يَمنع البيع ويلزم السعي هو الذي كان على عهد النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتعلق الْحُكم به دون غيره. اهـ.

        وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (24/188) من مَجموع الفتاوى ومن الفتاوى الكبرى (1/139) قال: أما النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لَمْ يكن يصلي قبل الْجُمعة بعد الأذان شيئًا ولا نقل هذا عن أحد؛ فإن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يؤذن على عهده إلا إذا قعد على الْمِنبر يؤذن بلال، ثُمَّ يَخطب النَّبِي ص، ثُمَّ يقيم بلال الصلاة، فيصلي النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالناس، فما يُمكن أن يصلي بعد الأذان لا هو ولا أحد من الْمُسلمين الذين كانوا يصلون معه. اهـ.

        قلت: وإنما تولدت بدعة الراتبة قبل الْجُمعة من بدعة الأذان الأول؛ فإنه حين يقوم ذلك الْمُؤذن الْجَاهل فِي أوساط الناس يؤذن قبل مَجيء الإمام يظن العوام أن هذا الأذان بعده راتبة كبقية الأيام الَّتِي فيها راتبة بعد الأذان، ثُمَّ اعتادوا ذلك واتّخذوه سنة حَتَّى اضطر أهل العلم لبيان بدعية ذلك والإنكار على من فعله، وأنه ليس من هدي النَّبِي ص، ولا من فعل أحد من الْمُسلمين السابقين، كما فعل شيخ الإسلام وغيره.

        فانظر كيف تَجرُّ البدع بعضها بعضًا، وهذا مصداق قول ابن عمر: فإنها ضلالة وإن رآها الناس حسنًا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

        وقال ابن العربي فِي عارضة الأحوذي (2/305) عند شرح حديث السائب قال- وما أحسن ما قال-: الأذان الأول أول شريعة غيرت فِي الإسلام على وجه طويل ليس من هذا الشأن، وكان كما ذكر الأئمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذانان: الأذان الأول عند صعود الإمام على الْمِنبر للخطبة، والثاني هي الإقامة يقال لَها: أذان تغليبًا، كالقمرين يقال للشمس والقمر، والعمرين يقال لأبي بكر وعمر، فأما بالْمَشرق فيؤذنون كأذان قرطبة، وأما بالْمَغرب فيؤذنون ثلاثة من الْمُؤذنين بِجهل الْمُفتين فإنهم لَما سمعوا أنها ثلاثة لَم يفهموا أن الإقامة هي النداء الثاني فجمعوها وجعلوها ثلاثة. اهـ.

        قال ابن الْحَاج فِي الْمَدخل: وكانوا ثلاثة يؤذنون واحد بعد واحد، فتحصَّل من هذا وجود تعدد الْمُؤذنين لصلاة الْجُمعة. اهـ.

        وكذا قال الْحَافظ فِي الفتح عند حديث (913).

        وهذه البدعة وغيرها من البدع سيأتي ذكرها فِي باب مفرد من آخر هذا الكتاب، مع ذكر من أنكر تعدد الْمُؤذنين هناك -إن شاء الله-.

        قلت: وهذه البدعة متولدة من بدعة الأذان الأول، ومن سوء فهم وجهل أولئك الْمُفتين الذين ذكرهم ابن العربي الْمَالكي الإمام -رحْمَة الله عليه-.

        وقد يقال: إن هذه البدعة -بدعة الأذان الأول يوم الْجُمعة- من فعل الْخَير لأنها تذكر الناس بالاستعداد للجمعة.

        قلت: ومتى جاء من البدع خير؟! النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: {كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فِي النار}.

        أي: صاحبها مستحق بفعلها النار على حسب تفاوتها، والدليل على أن هذا الأذان ليس من فعل الْخَير، وكذلك ما يسمى بالأولَى والثانية: هو التسبيح قبل مَجيء الإمام بصوت مرتفع وملحن يقول: سبحان الله والْحَمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أو بقول: والصلاة والسلام على رسول الله أو غير ذلك من الألفاظ الْمُخترعة حسب عادة كل بلد؛ فإن ذلك كله منكر وضلال وليس من الْخَير فِي قليل ولا كثير، ولو كان خيرًا لدلنا عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

        فقد روى الإمام مسلم -رحِمه الله- فِي صحيحه رقم (1844) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: {إنه لَم يكن نبِي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لَهم، وينذرهم شر ما يعلمه لَهم}.

        والله سبحانه يقول: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" [التوبة: 128].

        * * * *
        شبهة القائلين بالأذان الأول والرد عليها


        فإن قيل: إن أمير الْمُؤمنين عثمان أحد الْخُلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- وهم:أبو بكر وعمر وعثمان وعلي!!

        قلت: نعم، وهذا معتقد عامة أهل السنة -رضوان الله عليهم- كما فِي الطحاوية (ص484) وغيرها من كتب العقيدة الصحيحة.

        فإن قيل: إذا كان كذلك فقد روى أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2678)، وأحْمَد فِي مسنده (4/126 و127)، وابن ماجه (42)، والدارمي (1/44 و45)، والطبراني فِي معاجِمه الثلاثة،وغيرهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: {إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتِي وسنة الْخُلفاء الراشدين الْمَهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة}.زاد النسائي من حديث جابر: {وكل ضلالة فِي النار}.

        قلت: نعم، والْحَديث بِمَجموع طرقه حسن كما بينته فِي تَخريج إصلاح الْمُجتمع.

        قال أبو مُحَمَّد بن حزم: ... وهكذا فِي كل ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه لأنه ليس فِي استطاعة الناس أن يفعلوه. فهذا وجه أول ذكره ابن حزم -رحِمه الله-.

        ومعنى هذا: أن كل ما اختلف فيه وجب الرجوع إِلَى سنته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأما الرجوع إِلَى ما فعله جَميع الأربعة فليس بِمَقدور؛ لأنهم قد اختلفوا كما سيأتي.

        وقال: الثاني: أن يكون مباحًا لنا بأن نأخذ بأي ذلك شئنا، وهذا خروج عن الإسلام( ) لأنه يوجب أن يكون دين الله تعالَى موكولاً إِلَى اختيارنا، فيحرم كل واحد منا ما يشاء ويُحل ما يشاء، ويُحرم أحدنا ما يُحله الآخر.

        وقول الله تعالَى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" [الْمَائدة: 3].

        وقوله تعالَى: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاََ تَعْتَدُوهَا" [البقرة:229].

        وقوله تعالَى: "وَلاََ تَنَازَعُوا" [الأنفال: 46].

        يبطل هذا الوجه الفاسد ويوجب أن ما كان حرامًا حينئذٍ فهو حرام إِلَى يوم القيامة، وما كان واجبًا يومئذٍ فهو واجب إِلَى يوم القيامة، وما كان حلالاً يومئذٍ فهو حلال إِلَى يوم القيامة.

        وأيضًا، فلو كان هذا لكنا إذا أخذنا بقول الواحد منهم فقد تركنا قول الآخر منهم.

        ولابد من ذلك؛ فلسنا حينئذٍ متبعين لسنتهم، فقد حصلنا فِي خلاف الْحَديث الْمَذكور وحصلوا فيه شاءوا أو أبوا.

        ولقد ذكرنا هذا مفتيًا كان عندنا بالأندلس -وكان جاهلاً- فكانت عادته أن يتقدمه رجلان مدار الفتيا عليهما فِي ذلك الوقت، فكان يكتب تَحت فتياهما: أقول بِمَا قاله الشيخان، فحصل أن ذينك الشيخين اختلفا فلما كتب تَحت فتياهما ما ذكرنا -أقول بِمَا قاله الشيخان-، قال بعض من حضر: إن الشيخين اختلفا. فقال: وأنا أختلف باختلافهما!!

        قال أبو مُحَمَّد: فإذا قد بطل هذان الوجهان، فلم يبق إلا الوجه الثالث وهو أخذ ما أجْمَعوا عليه وليس ذلك إلا فيما أجْمَع عليه سائر الصحابة -رضوان الله عليهم- معهم( ) فِي تتبعهم سنن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقول بِهَا.

        وأيضًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أمر باتباع سنن الْخُلفاء الراشدين لا يَخلو ضرورة من أحد وجهين:

        إما أن يكون أباح أن يسنوا سننًا غير سننه، فهذا ما لا يقوله مسلم، ومن أجاز( ) هذا فقد كفر وارتد وحل دمه وماله؛ لأن الدين كله إما واجب أو غير واجب، وإما حرام وإما حلال، فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سنة لَمْ يسنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أباح أن يُحلوا حرامًا أو يوجبوا ما لَمْ يوجبه رسول الله ص، أو يسقطوا فريضة فرضها رسول الله ولَم يسقطها إِلَى أن مات وكل هذه الوجوه من جوز منها شيئًا فهو كافر مشرك بإجْمَاع الأمة كلها بلا خلاف، فهذا الوجه قد بطل ولله الْحَمد.

        وإما أن يكون أمر باتباعهم فِي اقتدائهم بسنة رسول الله ص، فهكذا نقول ليس يَحتمل الْحَديث وجهًا غير هذا أصلاً.

        ويقال لَهم فِي احتجاجهم بِمَا روي فِي الْحَديث من الأمر بالتزام سنة الْخُلفاء الراشدين الْمَهديين: هذا حجة عليكم؛ لأن سنة الْخُلفاء الراشدين كلهم بلا خلاف منهم ألا يقلدوا أحدًا، وألا يقلد بعضهم بعضًا، وأن يطلبوا سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلمحيث وجدوها فينصرفوا إليها ويعملوا بِهَا. اهـ.

        قلت: نعم، وعلى ذلك أدلة يطول ذكرها نذكر بعضًا منها فِي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يبحثون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيعملون بِهَا.
        روى الإمام البخاري فِي صحيحه رقم (6245)، ومسلم رقم (2153) من حديث أبِي سعيد الْخُدري رضي الله عنه قال: { كنت فِي مَجلس من مَجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت. فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله ص: إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع. فقال عمر: والله لتقيمن على هذا الْحَديث بينة، فهل منكم أحد سمعه من النبِي ص؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك}. اهـ.

        وأخرج الإمام البخاري -رحِمه الله- رقم (3092 و3093)، ومسلم رقم (1759) من حديث عائشة ل أن فاطمة ل ابنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سألت أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقسم لَها ميراثها مِمَّا ترك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِمَّا أفاء الله عليه؛ فقال لَها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: {لا نورث، ما تركنا صدقة}، وأبَى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعمل به إلا عملت به؛ فإني أخشى إذا تركت شيئًا من أمره أن أزيغ.

        وهكذا قال عمر كما فِي صحيح مسلم رقم (1757)، ثم قال لعلي وعباس: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر الْحَديث... إلخ.

        وأخرج البخاري رقم (6736) قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو قيس قال: سمعت هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن بنت وبنت ابن وأخت؟ فقال: للابنة: النصف، وللأخت: النصف، وأت ابن مسعود فاسأله، فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبِي موسى فقال: لقد ضللت وما أنا من الْمُهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله ص: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت، فأتي أبو موسى فأخبر بذلك فقال: لا تسألوني ما دام هذا الْحَبر.

        وأخرج الإمام البخاري فِي صحيحه (ج12) (ص120) تعليقًا، وأبو داود (12/74) مع عون الْمَعبود: قال: حدثنا عثمان بن أبِي شيبة قال: أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبِي ظبيان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتي عمر بِمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسًا، فأمر بِهَا عمر رضي الله عنه أن ترجم، فمر بِهَا علي رضي الله عنه ، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مَجنونة بنِي فلان زنت؛ فأمر بِهَا عمر رضي الله عنه أن تُرجم، فقال علي: ارجعوا بِهَا، ثُمَّ أتاه فقال: يا أمير الْمُؤمنين، أما علمت -وفِي رواية: أما تذكر- أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: {رفع القلم عن ثلاث: عن الْمَجنون حَتَّى يبرأ، وعن النائم حَتَّى يستيقظ، وعن الصبِي حَتَّى يعقل}؟ فما بال هذه الْمَجنونة؟ فقال عمر: لا شيء. قال: فأرسلْها. قال: فأرسلها عمر وجعل يكبر.

        وأخرج الإمام البخاري رقم (5729)، ومسلم رقم (2219) أن عمر بن الْخَطاب رضي الله عنه خرج إِلَى الشام حَتَّى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الْجَراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فاستشار عمر الْمُهاجرين والأنصار هل يرجع أم يقدم على ذلك البلد الذي فيه الوباء (غازيًا)؟ فاختلفوا، فقال: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه -أي: أنه راجع- فقال أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله يا أمير الْمُؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالَها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إِلَى قدر الله، فجاء عبد الرحْمَن بن عوف وكان متغيبًا فِي بعض حاجته فقال: إن عندي فِي هذا علمًا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: {إذا سمعتم به -وفِي رواية: بالطاعون- بأرض قوم فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تَخرجوا منها}. فحمد الله عمر ثم انصرف. اهـ باختصار.

        وفِي الصحيحين: أن ابن عمر لَمَّا أُخبر أن من تبع الْجَنازة حَتَّى تدفن فله قيراطان، تَحسر ابن عمر وقال: كم ضيعنا من قراريط!!

        وأخرج البخاري رقم (6117)، ومسلم رقم (37) أن أبا سوار العدوي قال: سمعت عمران بن حصين قال: قال النَّبِي ص: {الْحَياء لا يأتي إلا بِخير}. فقال بشير بن كعب: يا أبا نُجيد إنا لنقرأ فِي الكتب الْمُتقدمة أن منه ما يكون وقارًا وخيرًا، ومنه ما كان ضعفًا؛ فأنكر عليه عمران رضي الله عنه وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتُحدثنِي عن صحفك؟! اهـ الْحَديث.

        وهذا باب واسع جدير أن يفرد بِمُؤلف مستقل، لولا كثرة الأشغال، وإنما ذكرنا هذا القدر منه برهانًا على ما قاله الإمام ابن حزم -رحِمه الله- أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يطلبون سنن رسول الله حيث وجدوها، فيعملون بِهَا.

        قلت: وتالله ما وصلتنا إلا عن طريقهم لاهتمامهم البالغ بِها.

        قال ابن حزم: فمن كان متبعًا للخلفاء الراشدين؛ فليتبعهم فيما أجْمَعوا عليه من اتباع سنن النَّبِي ص، وفيها نهوا عنه من التكلف. اهـ باختصار من إحكام الأحكام الباب السادس والعشرين.

        قلت: وحديث العرباض رضي الله عنه الذي اتَّخذوه شبهة لِجَواز الأذان الأول الْمَذكور، فيه قيد مهم يهدم كل ما بنوه، ويشتت كل ما جَمعوه حول هذه الْمَسألة: ألا وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِي آخر الْحَديث: {وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة}.

        فنقول لِمَن عنده أدنى علم بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القائلين بالأذان الأول: هل هذا الأذان من هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي هو خير الْهَدي كما فِي صحيح مسلم من حديث جابر، أم أنه مُحدث أحدثه عثمان بن عفان، كما فِي حديث السائب فِي صحيح البخاري وكما نقل الإجْمَاع فيما قدمنا عن أهل العلم أنه مُحدث؟!

        فإن قال: إنه من هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ فهو الكذاب الأشر ولَم يَجد من علماء الْمُسلمين من يوافقه على هذه الكذبة الْمَفضوحة.

        وإن قال كما قال جَميع علماء الأمة: إنه ليس من فعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وإنه مُحدث كما أجْمَع على ذلك علماء الإسلام.

        قلنا له: ألا ترى فِي الْحَديث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُحذرك من مُحدثات الأمور ويقول: إنها ضلالة.

        وقد يقول بعض الْمُعاندين: هل كان عثمان رضي الله عنه لَمَّا فعل ذلك مبتدعًا ضالاًّ؟

        قلنا: معاذ الله!! فهو خليفة راشد وزوج ابنتَي رسول الله ص، وقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من يشتري بئر روما وله الْجَنة؟ فاشتراها عثمان وجعلها للمسلمين، وقال لأبي موسى: ائذن له وبشره بالْجَنة مع بلوى تصيبه.

        ولكنه اجتهد -رضوان الله عليه- حيث جعل مؤذنًا بالسوق وليس بالْمَسجد، ليشعر الناس بقرب وقت الصلاة.

        وتقدم أن نقلنا عن السبكي اختلاف تلك الْحَالة على زمننا هذا ومع ذلك فقد أخطأ رضي الله عنه فِي هذا، وهو رضي الله عنه فِي ذلك معذور وعلى اجتهاده وحسن قصده مأجور، وله مثل هذا الْخَطأ فِي إتْمَام الصلاة بِمنىً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يقصرون بِمنىً.

        وانظر بابًا عقده الإمام البخاري فِي صحيحه (2/563) الثاني من كتاب تقصير الصلاة فقال: باب الصلاة بِمنىً، ثم ذكر حديث ابن عمر، وحارثة بن وهب، وعبد الله ابن مسعود أن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان فِي أول أمره كلهم كانوا بِمنىً يقصرون الرباعية ركعتين، وهذا هو الواجب على الْمُسافر؛ لِحَديث عائشة ل أن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: {فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد فِي الْحَضر}.

        ثم إن عثمان رضي الله عنه فِي آخر أمره كان يتم الصلاة بِمنىً، فقيل لابن مسعود فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صليت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر بِمنىً ركعتين.

        وأخرج البيهقي وآخرون: أنه قيل له يعنِي لِمَاذا يسكت عن ذلك؟ فقال: الْخِلاف شر .وانظر فتح الباري (2/564 و565).

        والْحَاصل: أن أمير الْمُؤمنين عثمان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير معصومين من الوقوع فِي الْخَطأ، وتعداد ذلك يطول، ومعركة صفين ومعركة الْجَمل دليل على ذلك، لكن خطأهم مغفور وفِي حسناتهم مغمور؛ قال تعالَى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [التوبة: 100].

        ولا يَجوز لأحد عرف الْخَطأ أن يعمله؛ قال تعالَى: "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاََ يُظْلَمُون" [النحل: 111].

        وقال تعالَى: "وَلاََ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاََّ عَلَيْهَا" [الأنعام: 164].

        وقال تعالَى: "وَلاََ تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى" [فاطر: 18].

        شبهة ثانية:


        لِمَن قال بالأذان الأول، قالوا: يقول النَّبِي ص: {أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم}.

        والْجَواب:

        أن هذا حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وباطل سندًا ومتنًا.

        أما من حيث السند؛ فإن فيه سلام بن سليم كذاب وضاع، والْحَارث بن غصين مَجهول.

        وأما من حيث الْمَتن؛ فقد قال أبو مُحمد -رحِمَه الله- فِي الإحكام (6/244) قال: قد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلاً، وبلا شك أنها مكذوبة؛ لأن الله تعالَى يقول عن نبيه: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاََّ وَحْيٌ يُوحَى" [النجم: 3-4].

        فمن الْمُحال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتباع كل قائل من الصحابة -رضوان الله عليهم- وفيهم من يُحلل الشيء والآخر يُحرمه، ولو كان ذلك لكان بيع الْخَمر حلالاً اقتداء بسمرة بن جندب، وحرامًا اقتداء بغيره، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيه حلالاً اقتداء بعمر، وحرامًا اقتداء بغيره.

        وقد كان أصحاب النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِي عصره يقولون برأيهم فِي بعض الْمَسائل ثم يبلغون النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيصوب الْمُصيب ويُخطئ الْمُخطئ، ومن ذلك فتيا أبي السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها العدة آخر الأجلين( )، فأنكر صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وأخبر أن فتياه باطل.

        ثم ذكر جُملة من الأمثلة على ذلك أنهم ي قد يُخطئون فِي بعض الأمور لعدم عصمتهم كما قدمنا، واكتفينا بذكر معركة الْجَمل وصفين.

        ومعنى ذلك: أنهم إن كان كل واحد منهم نَجم من اقتدى به فهو مهتدٍ، فإن هذه الأخطاء كلها صواب.

        وقد كانوا يبحثون عن الْحَق والسنة ولَم يقل كل واحد: أنا نَجم وفعلي هدىً، والآخر كذلك؛ فهذا يدل على بطلان هذا الْحَديث الْمَكذوب، قاتل الله من وضعه.

        وانظر لذلك سلسلة الأحاديث الضعيفة للعلامة الألباني -رحْمَة الله عليه- (ج1) (ص78) الْحَديث (58).

        شبهة ثالثة ساقطة:


        وأما بعض عميان البصيرة فيستدلون بِحديث جرير بن عبد الله البجلي عند مسلم أن النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: }من سن فِي الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بِهَا إِلَى يوم القيامة{.

        وهذا الفهم لا يكون إلا من مَمسوخ الفطرة.

        وإلا فإن السنة شرع من عند الله، قال تعالَى عن نبيه: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاََّ وَحْيٌ يُوحَى" [النجم: 3-4].

        فهل يَجوز لِمُسلم أن ينصب نفسه مشرعًا سننًا من الدين لَم يأذن بها الله فِي كتابه أو فِي سنة نبيه؟!

        قال تعالَى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" [الشورى: 21].

        وقال تعالَى: "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" [النساء: 115].

        وإنما الْمُراد من الْحَديث: من أحيا طريقة من الدين قد أميتت؛ لأن السنة فِي اللغة: الطريقة، وسبب ورود الْحَديث يبيِّن ذلك: أن أصحاب مضر لَمَّا جاءوا عراة ليس لَهم لباس قام النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِي أصحابه فحثهم على الصدقة، فجاء رجل بِصُرَّةٍ من ذهب أو فضة فتصدق بها وتبعه الناس على ذلك؛ فقال النبِي ص: {من سن فِي الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلَى يوم القيامة}.

        وأنت تعلم أن ذلك الرجل الذي أتى بتلك الصَّرة وبدأ فتصدق بِهَا فتبعه الناس على ذلك لَمْ يكن أول من سن الصدقة فِي الإسلام، بل إن الصدقة مشروعة قبل ذلك من أول البعثة وفِي كل ملة من الْمِلل.

        وانظر لذلك حديث سلمان الطويل فِي قصة إسلامه وفيه: أنه كان عند نصراني راهب وكان ذلك الراهب يأمر الناس بالصدقة ويَحثهم عليها، فإذا تصدقوا اكتنزها لنفسه ولَم يعط الفقراء، وعرف ذلك منه سلمان فلما أن مات الراهب أخبر قومه أن تلك صفته، فبحثوا فوجدوا الكنز؛ فتركوا راهبهم ذاك ولَم يدفنوه، وقالوا: والله لا ندفنه ما دام فعل ذلك. والقصة بطولِها فِي مسند أحْمَد (ج5/441)، وسندها حسن ذكرها شيخنا العلامة الوادعي فِي صحيحه الْمُسند (1/313) رقم (434).

        وأنت إذا قرأت القرآن ترى أن الله سبحانه قد حث على الصدقة مطلقًا، وأثنى على الْمُتصدقين فِي كل زمان، وكان من صفات النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلمكما فِي حديث سلمان الْمَذكور أنه يأكل الْهَدية ولا يأكل الصدقة، وهذا الوصف متصف به من قبل البعثة وبعدها؛ فلم يعرف أنه أكل صدقة قط، وإنما ذكرنا هذا لتعلم أن ذلك الصحابي سلك طريقًا مشروعًا من قبل ومسنونًا من أول الإسلام، وحتى قبل البعثة.

        فكان معنَى {من سن فِي الإسلام سنة حسنة}: أي: أحياها وجددها بعد أن أهملت واندثرت، وليس معنى الْحَديث أنه يأتي بِمُحدثات من لدن نفسه ويشرعها للناس على أنَّها سنن.

        واقرأ ترجَمة جنكيزخان من البداية والنهاية للإمام ابن كثير، كيف كفره أهل العلم بسبب أنه ألف كتابًا سماه: إلياسا( )، جعله بِمَنزلة القرآن، وسن فيه سننًا من عنده، وأحكامًا وشرائع لا دليل عليها من كتاب ولا سنة؛ فكفره بذلك ابن كثير وغيره.

        {ألا لله الدين الْخَالص}.

        وهنا أصل مهم تَجب معرفته:

        وهو أن الله سبحانه وتعالي أمر جَميع الْمُسلمين وألزمهم بطاعة نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاعة مطلقة.

        فقال تعالَى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ" [الأحزاب: 21].

        وقال تعالَى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ" [آل عمران: 31].

        وقال تعالَى: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" [الْحَشر: 7].

        وقال تعالَى: "قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاََّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ" [النور: 54].

        ففي هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نتأسى بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأن هذا فعل حسن يُحبه الله سبحانه ويرضاه، وأن من كان يُحب الله فليتبع رسوله.

        وأن ما آتانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من سنته وجب علينا قبوله والرضا به: " فَلاََ وَرَبِّكَ لاََ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاََ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [النساء: 65]، وأن طاعته فيها الْهِداية.

        ولَم يأمر الله أحدًا من الْمُسلمين أن يتبع سوى رسول الله ص، بل إن الله سبحانه قد ذم ذلك وحذر منه غاية التحذير؛ فقال تعالَى: "اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاََ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاًَ مَّا تَذَكَّرُونَ" [الأعراف: 3].

        وقال تعالَى: "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" [البقرة: 166-167]. والآية عامة فِي كل تابع ومتبوع على غير كتاب الله ولا سنة رسوله.

        وقال تعالَى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاًَ * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاًَ *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاًَ" [الفرقان: 27-29].

        ألا ترى أخي الْمُسلم أن الله سبحانه وتعالى أمر باتباع ما أنُزل إلينا من ربنا من كتابه وسنة رسوله، فإنها وحي يوحى؛ كما قال تعالَى: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاََّ وَحْيٌ يُوحَى" [النجم: 3-4].

        ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى نهانا أن نتبع سوى ذلك، وأن التابع والْمَتبوع إن كانوا على غير كتاب ولا سنة أنهم يَختصمون يوم القيامة ويتبرأ بعضهم من بعض.

        والأصل الثاني:

        أن قول الصحابي مُختلف فِي الاحتجاج به أصلاً، ومن قال بأنه حجة اشترط ألا يُخالف نصًّا من القرآن أو السنة، وألا يُخالفه غيره من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فإذا خالف نصًّا من الكتاب أو من السنة كان مردودًا عليه، وإذا خالفه غيره من الصحابة لَم يكن قوله حجة بلا خلاف بين العلماء فِي ذلك.

        قال صاحب مراقي السعود:

        رأي الصحابي على الأصحاب لا يكون حجة فِي قول من خلا

        وقد قرر هاتين الْمَسألتين أهل أصول الفقه، ونقلوا الإجْمَاع على ذلك، انظر إعلام الْمُوقعين للإمام ابن القيم -رحِمه الله- (4/155)، ومذكرة أصول الفقه للشنقيطي (ص164-166)، ومعالِم أصول الفقه للجيزاني (ص222-227).

        فهل توفر فِي الأذان الأول هذان الشرطان أو أحدهما؟!

        الْجَواب الْمُتفق عليه بين جَميع أهل العلم: أن هذين الشرطين لَمْ يتوفرا.

        فقد خالف فعل عثمان رضي الله عنه نصًّا صريْحًا من فعل النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لَمْ يكن يفعل هذا الأذان، بل ولا أبو بكر ولا عمر كما فِي صحيح البخاري.

        الثاني: أن عثمان قد خالفه فِي هذا الفعل جَمْع من الصحابة كابن عمر وابن الزبير وآخرون من التابعين وغيرهم.

        * * * * *
        التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 24-04-2010, 11:22 AM.

        تعليق


        • #5
          الدرة الثالثة :مقدمة الشيخ العلامة الْمُحدث مقبل بن هادي الوادعي -رحِمه الله-(

          بسم الله الرحمن الرحيم

          مقدمة الشيخ العلامة الْمُحدث

          مقبل بن هادي الوادعي -رحِمه الله-


          الْحَمد لله، حَمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمدًا عبده وسوله.

          أما بعد:

          فقد اطَّلعت على كتاب (الْجُمعة) للشيخ يَحيى بن علي الْحَجوري؛ فوجدته كتابًا عظيمًا فيه فوائد تُشد لَها الرحال، مع الْحُكم على كل حديثٍ بِمَا يستحقه، واستيعاب الْمَوضوع؛ فهو كتاب كافٍ وافٍ فِي موضوعه، كيف لا يكون كذلك والشيخ يَحيى -حفظه الله- فِي غاية من التحري والتقى والزهد والورع وخشية الله؟! وهو قوَّال بالْحَق لا يَخاف فِي الله لومة لائم، وهو -حفظه الله- قام بالنيابة عنِّي فِي دروس دار الْحَديث بدماج يلقيها على أحسن ما يرام، وقد رحلت من دار الْحَديث والطلاب فيه نَحو الألف، وكنت أقول: الله أعلم ما الله صانع بِهم!! ولولا ما قدره الله ما كنت أحب أن أفارقهم، ولا أصبر على فراقهم أكثر من شهر.

          فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم ##### ولكن ما يقضى فسوف يكون

          وبيت آخر:

          ما كل ما يتمنى الْمَرء يدركه ##### تَجري الرياحُ بِمَا لا تشتهي السفن

          وفوق ذلك قوله تعالَى: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلاََّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ" [الإنسان: 30].

          وقوله تعالَى: "وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا" [الأحزاب: 38]. آمنت بالقدر.

          رحلت عنهم وهم قدر ألف طالب، ثُمَّ سألت بعد نَحو تسعة أشهر الأخ الفاضل الشيخ أحْمَد بن عبد الله الوصابي القائم على شئون الطلاب مع تعاون الإخوة أهل دماج الْحُراس معه، قلت له: كم عدد الطلاب؟ قال: نَحو ألف وخمسمائة وهم مقبلون على طلب العلم إقبالاً ليس له نظير.

          وفِي هذه الأيام سألته عن عدد الرجال والنساء من غير الأطفال فقال: نَحو ثلاثة آلاف، فجزى الله الإخوة القائمين على دار الْحَديث بدماج خيرًا على الرعاية والْحِراسة والتدريس فِي جَميع الْمَجالات يدرسون كلاًّ على مستواه.

          ولَمَّا وصلنِي كتاب أخينا يَحيى؛ فلمحبتِي له أقرأ الكتاب وأنا مستلقٍ على قفاي لأمور يعلمها الله، ولولا أن عاجلنا السفر لأتْممت قراءة الكتاب من أجل الاستفادة منه.

          فجزى الله أخانا الشيخ الفاضل الشيخ يَحيى خيرًا، وهنيئًا له لِمَا حباه الله من الصبر على البحث والتنقيب عن الفوائد الْحَديثية والفقهية، فهو كتاب أحاديث وأحكام، وكتاب جرح وتعديل مع ما فيه من الْمَسائل الفقهية الَّتِي تُشد لَها الرحال.

          هذا وآخر دعوانا أن الْحَمد لله رب العالَمين.

          كُتب صباح يوم الإثنين تسع عشر خلت من شهر ربيع الأول سنة ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
          التعديل الأخير تم بواسطة علي بن إبراهيم جحاف; الساعة 26-04-2010, 10:00 AM.

          تعليق


          • #6
            يرفع الى أعلى رفع الله قدر شيخنا وأعز به الملة

            وهذا إقتباس وإهداء مني للبرامكة من المتبرقعين والمتبرقعات من مقدمة الامام الوادعي لكتاب شيخنا :

            ولَمَّا وصلنِي كتاب أخينا يَحيى؛ فلمحبتِي له أقرأ الكتاب وأنا مستلقٍ على قفاي لأمور يعلمها الله، ولولا أن عاجلنا السفر لأتْممت قراءة الكتاب من أجل الاستفادة منه.

            تعليق

            يعمل...
            X