إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب ضياع الدين.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب ضياع الدين.

    ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    من أعظم أسباب ضياع الدين


    قال الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري-رحمه الله-:

    فصل {التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب ضياع الدين}

    والتهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الأسباب لإضاعة الدين والإنسلاخ منه بالكلية. وقد روى أبو نعيم في الحلية عن طارق بن شهاب عن حذيفة رضي الله عنه قال: قيل له: في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم قال: لا, ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه, وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه. ورواه أبو البحتري وابن أبي ليلى عن حذيفة رضي الله عنه. قاله أبو نعيم. وقد سلك كثير من المسلمين مسلك بني إسرائيل في مخالفة الأوامر وارتكاب النواهي, فبعضهم انسلخوا من الدين، وبعضهم يكادون أن ينسلخوا منه, فلا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم.


    فصل {في بيان أن أغلب الأقطار تركت الأمربالمعروف والنهي عن المنكر}
    وقد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أكثر الأقطار الإسلامية في زماننا وضعف جانبه في البلاد التي فيها أمر ونهي. فأما الأقطار التي قد غلبت فيها الحرية الإفرنجية وانطمست فيها أنوار السنة النبوية, فتلك لا أمر فيها, ولا نهي, ولا تغيير إلا أن يكون من إفراد قليلين مستضعفين لا يؤبه لهم, ولا يستمع إلى قولهم، ولهذا عاد كثير منها إلى حال تشبه حال أهل الجاهلية الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في كثرة الشرك وأنواع الفسوق والعصيان، بل حال كثير منهم الآن شر من حال أهل الجاهلية, كما لا يخفى على عاقل نور الله قلبه بنور العلم والإيمان، وقد أطلقت لهم الحرية العنان في كل شيء أرادوه, فلا يهوى أحد منهم شيئًا من المحرمات إلا ارتكبه, ولا صاد له عنه ولا راد، وما أكثر البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام, وهي بهذه الصفة. وأما البلاد التي فيها أمر ونهي فقد ضعف جانبه فيها, كما ذكرنا, ففي كثير منها تغير منكرات وتترك منكرات أخر ظاهرة لا تغير, وفي بعضها يغير على بعض الناس ويترك بعضهم, فلا يغير عليهم, ولا سيما الرؤساء والأكابر ونحوهم من أرباب الولايات والوظائف الدنيوية. وهذا من أعظم أسباب الضلال والهلاك, ولما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». وفي رواية للبخاري: إنما ضل من قبلكم، والباقي مثله.
    وفي رواية له أخرى: إنما هلك من كانوا قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع, ويتركون على الشريف.
    وبالجملة فقد عاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رسما دارسا في هذه الأزمان, والله المسئول أن يعيده على أحسن الوجوه وأفضلها.
    فصل {في بيان أن من أشراط الساعة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}



    والتهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشراط الساعة، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث.


    الأول: منها عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة» فذكر الحديث بطوله، وفيه ويقل الأمر بالمعروف رواه أبو نعيم في الحلية.
    الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كيف بكم إذا فسق فتيانكم, وطغى نساؤكم؟» قالوا: يا رسول الله, وإن ذلك لكائن قال: «نعم وأشد كيف أنتم, إذا لم تأمروا بالمعروف, ولم تنهوا عن المنكر؟» قالوا: يا رسول الله، وإن ذلك لكائن قال: «نعم وأشد، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف» قالوا: يا رسول الله، وإن ذلك لكائن قال: «نعم وأشد. كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا» قالوا: يا رسول الله، وإن ذلك لكائن قال: «نعم» رواه رزين.
    الحديث الثالث
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله, متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم» قلنا: يا رسول الله, وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: «الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم» رواه ابن ماجة. قال في الزوائد: وإسناده صحيح رجاله ثقات.
    قال ابن ماجة: قال زيد - يعني ابن يحيى بن عبيد الخزاعي أحد رواته - تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «والعلم في رذالتكم» إذا كان العلم في الفساق. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق مكحول عن أنس رضي الله عنه قيل: يا رسول الله, متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا ظهر الأدهان في خياركم, والفحش في شراركم, والملك في صغاركم والفقه في رذالكم». قلت: ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله, متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «إذا ظهر الأدهان في خياركم, والفاحشة في شراركم, وتحول الفقه في صغاركم ورذالكم». قال الحافظ ابن حجر، وفي مصنف قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن عمر رضي الله عنه. فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير. وذكر أبو عبيد أن المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا السن, والله أعلم, انتهى. قلت: بل كلاهما مراد لما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا كانت الفاحشة في كباركم, والملك في صغاركم, والعلم في مرادكم والمداهنة في خياركم» الحديث. فقوله في مرادكم واضح في إرادة صغر السن, وقوله في رذالكم واضح في إرادة صغر القدر, والله أعلم. وقد يطلق وصف الأمرد على من يحلق لحيته, ويتشبه بالنساء والمردان. أخذا مما ذكره أئمة اللغة. قال الجوهري: غصن أمرد لا ورق عليه، قال: وتمريد البناء تمليسه, وتمريد الغصن تجريده من الورق قال ابن منظور: وشجرة مرداء لا ورق عليها, وغصن أمرد كذلك. وقال أبو حنيفة: شجرة مرداء ذهب ورقها أجمع, والمراد التمليس, وقال الكسائي: شجرة مرداء وغصن أمرد لا ورق عليهما. قال: والتمريد التمليس والتسوية. وقال الراغب الأصفهاني: من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق, ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر. قلت: وحلق الشعر من الوجه قريب في المعنى مما ذكره هؤلاء الأئمة؛ لأن فيه تمليسًا للوجه وتعرية له من الشعر, فهو كتمريد الغصن وتعري الشجر من الورق, فجاز إطلاق صفة الأمرد على فاعله بهذا الإعتبار. ويؤيد ذلك قول ابن الأعرابي أن المراد نقاء الخدين عن الشعر، وعلى هذا فيعود المعنى إلى ما ذكره أبو عبيد من أن المراد بالصغر صغر القدر, والله أعلم. والمعنى - والله أعلم - أن العلم يتحول في آخر الزمان عند الفساق والمردان السفهاء ونحوهم من السفل والأراذل الذين لا يؤبه لهم, وليسوا من رعاة العلم الذين يحترمونه ويصونونه عما يدنسه ويشينه, فيستهان بهم, ويستهان بالعلم من أجلهم, فلا يقبل منهم, ولا يستمع إلى قولهم. وأيضًا, فإنهم من أعظم الأسباب لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإتيانهم المنكرات وإنكارهم على من أنكر عليهم شيئًا منها بالشبه والمغالطات كما هو الواقع من كثير منهم في هذه الأزمان, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ألا ترى إلى حال كثير منهم, وما هم عليه من أنواع الفسوق والعصيان. فكثير منهم يتهاونون بالصلاة ويضيعونها, ولا يبالون بها، وسواء عندهم صلوها في جماعة أو فرادى، وفي وقتها أو بعده، حتى أن كثيرًا منهم يعكفون على الراديو أكثر الليل ثم ينامون عن صلاة الفجر, فلا يصلونها إلا بعد ارتفاع النهار. وكثير منهم يتركون صلاة العشاء مع الجماعة إيثارًا للعكوف على الراديو، وربما ترك بعضهم حضور الجمعة لذلك، فأكثرهم لا يزال عاكفًا على أم الملاهي في أكثر أوقاته يستمع إلى المحرمات من غناء المغنيات ونغمات البغايا المتهتكات وأنواع المزامير والمعازف، أو الاستهزاء بالقرآن وقراءته بألحان الغناء والنوح، أو إلى قيل وقال, وخطب أعداء الله وهذيانهم. وكثير منهم يحلقون لحاهم, ويتشبهون بالمجوس, ومن يحذو حذوهم من طوائف الإفرنج وغيرهم من أعداء الله. وبعضهم ينتفها نتفًا, وذلك أقبح من الحلق؛ لأن فيه زيادة تشويه للخلقة، وكل من الحلق والنتف مثلة قبيحة. وكثير منهم يشربون الدخان الخبيث, ويدمنون شربه، وقد ثبت أنه من المسكرات، وأما خبثه, فلا يمتري فيه عاقل. وكثير منهم يتخذون الساعات التي فيها الموسيقى لطربة وكثير منهم يشترون المصورات ويقتنونها, ولا يلتفتون إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطمسها ولطخها. وكثير منهم يلعبون بالأوراق المسماة بالجنجفة, ويقامرون عليها, وذلك من الميسر المحرم بالنص والإجماع. وكثير منهم يلعبون بالكرة, وهي من شر الأشر. وقد روي البخاري في الأدب المفرد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأشرة شر» قال: أبو معاوية أحد رواته: الأشر العبث. وفي اللعب بالكرة من الصد عن ذكر الله, وعن الصلاة ما لا يخفى على عاقل. والمقامرة عليها من الميسر المحرم. وكثير منهم يصفقون في الأندية والمجتمعات عند التعجب واستحسان المقالات, فيتشبهون بكفار قريش وبطوائف الإفرنج في زماننا وغيرهم من أمم الكفر والضلال, ويتشبهون أيضًا بالنساء؛ لأن التصفيق من أفعالهن في الصلاة إذا أناب الإمام شيء فيها. وغالبهم يتحلون بالساعات في أيديهم كأنها أساور النساء، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء رواه الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي والبخاري وأهل السنن إلا النسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح .. وفيهم من معاشرة الأنذال والسفل الساقطين ما هو ظاهر معروف عند الجهال فضلا عن أهل العلم، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه اعتبروا الناس بأخدانهم، وقال الشاعر.
    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
    فكل قريب بالمقارن يقتدي
    إذا كنت في قوم فخالل خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

    وقال آخر:
    لكل امرئ شكل يقر بعينه
    وقرة عين الفسل أن يصحب الفسلا

    وقال آخر:
    يقاس المرء بالمرء ... إذا هو ما شاه

    وقال آخر:
    ولا يصحب الإنسان إلا نظيره
    وإن لم يكونوا من قبيل, ولا بلد

    وأبلغ من هذا كله قول النبي صلى الله عليه وسلم «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وكثير منهم لا يعرفون معروفًا, ولا ينكرون منكرًا إلا ما أشربته أهواؤهم. وإذا أمرهم أحد بمعروف أو نهاهم عن منكر سخروا منه, وهمزوه, ولمزوه, وازدروه, ورموه زورا وبهتانًا بكل ما يرون أنه يدنسه ويشينه. وكثير منهم يأمرون بالمنكر, ويحسنونه للناس، وقد رأينا ذلك في مقالات لهم كثير منشورة, وهذا لا يصدر إلا من منافق لقول الله تعالى: [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ]. وكثير منهم يرون بعض المعروف منكرًا, وبعض المنكر معروفًا، وقد رأينا ذلك في بعض كتب العصريين ومقالاتهم. وبالجملة, فلا ترى أكثرهم إلا على أخلاق الفساق والسفهاء، راغبين عن أخلاق أهل العلم والدين، مجانبين لكل فضيلة ومقارفين لكل رذيلة، فهم الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وثبطوا غيرهم عن القيام بهما, وصارحوا بالعداوة والأذى لكل من أنكر عليهم شيئًا من أفعالهم السيئة، فصلوات الله وسلامه على عبده ورسوله المصطفى، الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى. وأكثر ما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلدان التي يحلق علماؤها لحاهم, ويتشبهون بالنسوان والمردان والمجوس وطوائف الإفرنج وأضرابهم. وبسبب ذلك اشتدت غربة الدين, وغلب الجفاء على الأكثر, وهانت عليهم أوامر الشرع ونواهيه, فلا يبالون بترك المأمورات, ولا بارتكاب المحظورات، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولقد أحسن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى, حيث يقول:
    وهل أفسد الدين إلا الملو ... ك وأحبار سوء ورهبانها
    لقد رتع القوم في جيفة ... مبين لذي اللب انتانهـــــــــــا
    والمراد بما ذكر في حديث أنس رضي الله عنه الأكثر والأغلب لا العموم. لما في الصحيحين وغيرهما عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم, ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك». وفي الصحيحين أيضًا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
    ولمسلم أيضًا عن سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة، وثوبان، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
    وروي الإمام أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن معاوية بن قرة، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك. وروي الحاكم في مستدركه وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه رواه ابن ماجة.
    فهذه أحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال في أمته أمة على الحق والإستقامة ظاهرين على من ناوأهم لا يضرهم من خذلهم, ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله, وهم على ذلك. قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: هم أهل العلم. قال الترمذي في جامعه: قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري: قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث. قلت: وكذا قال ابن المبارك وأحمد بن سنان، وابن حبان، وغيرهم. وقال يزيد بن هارون: إن لم يكونوا أهل الحديث, فلا أدري من هم، وكذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى. والمراد بقولهم أهل العلم وأهل الحديث جملة العلم والحديث ورعاة الدين الذين جمعوا بين العلم والعمل, لا الفساق والسفهاء الذين حملوا العلم, ثم لم يحملوه, بل أهانوه ودنسوه بالأطماع واتباع الشهوات والأهواء, فكانوا كمثل الحمار يحمل أسفارًا. ومما يدل أيضًا على أن العموم غير مراد ما رواه البخاري في الكنى وابن ماجة في سننه وابن حبان في صحيحه عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته». قال الإمام أحمد رحمه الله: هم أصحاب الحديث. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: غرس الله تعالى هم أهل العلم والعمل، فلو خلت الأرض من عالم خلت من غرس الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق لا يضرهم من خذلهم, ولا من خالفهم إلى قيام الساعة, فلا يزال غرس الله الذين غرسهم في دينه يغرسون العلم في قلوب من أهلهم الله لذلك وارتضاهم, فيكونون ورثة لهم كما كانوا هم ورثة لمن قبلهم, فلا تنقطع حجج الله, والقائم بها من الأرض. وكان من دعاء بعض من تقدم: اللهم اجعلني من غرسك الذين تستعملهم بطاعتك. ولهذا ما أقام الله لهذا الدين من يحفظه ثم قبضه إليه إلا وقد زرع ما علمه من العلم والحكمة, إما في قلوب أمثاله, وإما في كتب ينتفع بها الناس بعده وبهذا وبغيره فضل العلماء العباد، فإن العالم إذا زرع علمه عند غيره, ثم مات جرى عليه أجره, وبقي له ذكره, وهو عمر ثان وحياة أخرى, وذلك أحق ما تنافس فيه المتنافسون, ورغب فيه الراغبون. انتهى كلامه رحمة الله تعالى. ومن تأمل الواقع في زماننا من حال المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام رآه مطابقًا لما في حديث أنس رضي الله عنه؛ فقد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أكثر الأقطار الإسلامية ووهي جانبه في البلاد التي فيها أمر ونهي. وقد ظهر الأدهان في الخيار, والفقه في الصغار والرذال, والفحش والفاحشة في الأشرار، ولا سيما أهل البلدان التي قد ظهرت فيها الحرية الإفرنجية. وقد آل الأمر ببعضهم إلى الإباحية وعدم الغيرة.
    وقد ذكر عن بعض أهل البيوت الكبار أنهم إنما يسافرون إلى بلاد الكفار والمرتدين لأجل المسارح والراقصات ومخادنة الفتيات الفاتنات, وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم والفاحشة في كباركم. وأما قوله: والملك في صغاركم, فظاهر من حال كثير من رؤساء الجمهوريات الذين تغلبوا على الملك, وليس لذلك بأهل. هذا إن قلنا: إن المراد بالصغر ههنا صغر القدر. وإن قلنا أن المراد به صغر السن, فقد وقع ذلك أيضًا في زماننا وقبله بأزمان حيث تولى الملك كثير من صغار السن, والله أعلم. الحديث الرابع: عن أبي الجلد حيلان بن فروة عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه الأمة, كما تخلق الثياب, ويكون ما سواه أعجب إليهم, ويكون أمرهم طمعًا كله لا يخالطه خوف، إن قصر عن حق الله منته نفسه الأماني، وإن تجاوز إلى ما نهى الله عنه قال: أرجو أن يتجاوز الله عني, يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أفضلهم في أنفسهم المداهن» قيل: ومن المداهن قال: «الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر» رواه أبو نعيم في الحلية. وهو مطابق لحال الأكثرين في زماننا غاية المطابقة.
    وقد روي نحوه عن أبي العالية. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الزهد حدثنا عبد الصمد، حدثنا هشام يعني الدستوائي، عن جعفر يعني صاحب الأنماط عن أبي العالية قال: يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن, ولا يجدون له حلاوة, ولا لذاذة؛ إن قصروا عما أمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم, وإن عملوا بما نهوا عنه قالوا: سيغفر لنا, إنا لم نشرك بالله شيئًا. أمرهم كله طمع ليس معه صدق يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أفضلهم في دينه المداهن. وهذا الأثر له حكم المرفوع؛ لأنه إخبار عن أمر غيبي, فلا يقال إلا عن توقيف، والحديث قبله يشهد له. قال الجوهري المداهنة كالمصانعة.
    والأدهان مثله قال الله تعالى: [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] وقال قوم داهنت بمعنى واريت, وأدهنت بمعنى غششت, وفي القاموس وشرحه دهن الرجل نافق والمداهنة إظهار خلاف ما يضمر كالادهان والادهان الغش. وقال البغوي في تفسيره: المدهن والمداهن الكذاب والمنافق وهو من الادهان, وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: المدهن والمداهن واحد, والمراد به المحابي، والمدهن من يرائي, ويضيع الحقوق, ولا يغير المنكر. ونقل الحافظ عن ابن بطال كلامًا حسنًا في التفريق بين المداراة الجائزة, وبين المداهنة المحرمة، ونقل أيضًا نحوه عن القاضي عياض والقرطبي، فأما ابن بطال فقال: المداراة من أخلاق المؤمنين, وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول, وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المدارة هي المداهنة فغلط؛ لأن المدارة مندوب إليها, والمداهنة محرمة. والفرق أن المداهنة من الدهان, وهو الذي يظهر على الشيء, ويستر باطنه. وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم, وبالفاسق في النهي عن فعله, وترك الإغلاظ عليه, حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه, ونحو ذلك. وأما القرطبي فقال: تبعًا لعياض الفرق بين المداراة والمداهنة، إن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا, وهي مباحة وربما استحبت، والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا. وقد تبعهم الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله تعالى, فقال في رسالة له: وأما الفرق بين المداراة والمداهنة، فالمداهنة ترك ما يجب لله تعالى من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي وهوى نفساني, كما في حديث إن من كان قبلكم كانوا إذا فعلت فيهم الخطيئة أنكروها ظاهرًا ثم أصبحوا من الغد يجالسون أهلها, ويواكلونهم, ويشاربونهم كأن لم يفعلوا شيئًا بالأمس, فالاستئناس والمعاشرة مع القدرة على الإنكار هي عين المداهنة قال الشاعر: وثمود لو لم يدهنوا في ربهم ... لم ترم ناقته بسيف قدار

    وأما المدارة فهي درأ الشر المفسد بالقول اللين, وترك الغلظة, أو الإعراض عنه إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس. انتهى. وقد دل حديث أنس رضي الله عنه الذي تقدم ذكره على أن خيار الناس من علماء وعباد يصانعون العصاة في آخر الزمان, ويمشون الحال معهم بالجلوس معهم ومواكلتهم ومشاربتهم وإظهار اللين لهم وترك الإنكار عليهم في كثير من أفعالهم السيئة، والمراد بذلك الأكثرون من الخيار لا العموم, كما تقدم بيان ذلك, ولله الحمد والمنة. وقد وقع الادهان في زماننا من كثير ممن ينسب إلى العلم والدين, فضلا عن غيرهم, وبسبب ذلك ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكثير من المدهنين يضمون إلى الأدهان معصية (أخرى) , وهي الوقيعة في أعراض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ فينبزون بعضهم بالتشديد, وبعضهم بالمشاغبة، وبعضهم بالحمق وضعف الرأي, حيث لم يمشوا الحال مع الناس بالسلوك معهم على أي حال كانوا، وينبزون بعضهم بالكبر والجبروت إذا كانوا يهجرون العصاة, ويكفهرُّون في وجوههم، وربما نبزوا بعضهم بالإفساد وإثارة الفتنة، وما نقموا منهم إلا أن يأمروا بالمعروف, وينهوا عن المنكر, ويقوموا لله بالقسط, لا تأخذهم في بيان الحق ونصرته لومة لائم. وربما ضم بعض المدهنين إلى المعصيتين المذكورتين معصية ثالثة، وهي المجادلة عن العصاة أو تزكيتهم أو الحكم بعد التهم من غير مسوغ.
    وربما ضم بعضهم إلى ذلك معصية (رابعة) وهي تولية العصاة في الولايات الدينية كالإمامة والأذان وغيرهما من الوظائف التي لا يجوز أن يتولاها إلا العدول المرضيون. وكل ما ذكرنا عن المدهنين فهو واقع في زماننا، وقد رأينا من ذلك كثيرًا, والله المستعان.
    الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيجيء أقوام في آخر الزمن؛ وجوههم وجوه الآدميين, وقلوبهم قلوب الشياطين أمثال الذئاب الضواري, ليس في قلوبهم شيء من الرحمة, سفاكون للدماء, لا يرعون عن قبيح إن بايعتهم واربوك، وإن تواريت عنهم اغتابوك، وإن حدثوك كذبوك، وإن ائتمنتهم خانوك، صبيهم عارم، وشابهم شاطر، وشيخهم لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر. الاعتزاز بهم ذل، وطلب ما في أيديهم فقر، الحليم فيهم غاو, والآمر فيهم بالمعروف متهم. والمؤمن فيهم مستضعف، والفاسق فيهم مشرف، السنة فيهم بدعة, والبدعة فيهم سنة، فعند ذلك يسلط الله عليهم شرارهم, فيدعو خيارهم, فلا يستجاب لهم» رواه الطبراني في الصغير بإسناد ضعيف، وهو مع ذلك مطابق لحال كثير من المنتسبين إلى الإسلام في زماننا غاية المطابقة. قوله: لا يرعون عن قبيح هو بكسر الراء, أي: لا يكفون عنه, ويتحرجون من إتيانه. وقوله (واربوك): قال ابن الأثير: أي: خادعوك من الورب, وهو الفساد. ونقل ابن منظور عن الليث أنه قال: المواربة المدهاة والمخاتلة. ونقل ابن منظور عن الليث أنه قال: المواربة المداهاة والمخاتلة قال: وقال أبو منصور المواربة مأخوذة من الأرب, وهو الدهاء, فحولت الهمزة واوًا. قوله صبيهم: عارم, أي: شرس. قال ابن الأثير وابن منظور: العرام الشدة والقوة والشراسة ورجل عارم, أي: خبيث شرير. قوله وشابهم شاطر، قال الجوهري: الشاطر الذي أعيا أهله خبثًا. ونقل ابن منظور عن أبي إسحاق إنه قال: قول الناس فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو غير الاستواء، ولذلك قيل له شاطر؛ لأنه تباعد عن الاستواء.
    فصل {أسباب التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}








    وللتهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسباب كثيرة، منها ما تقدم ذكره في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ومنها غلبة الجهل والجفاء على الأكثرين كما في الحديث الذي رواه الطبراني عن أبي إمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لكل شيء إقبالا وإدبارًا، وإن من إقبال هذا الدين ما كنتم عليه من العمى والجهالة, وما بعثني الله به، وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأمرها, حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان فهما مقهوران ذليلان إن تكلما قمعا وقهرا واضطهدا، وإن من ادبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان فهما مقهوران ذليلان إن تكلما, فأمرا بالمعروف, ونهيا عن المنكر قمعًا وقهرًا واضطهدا فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانًا ولا أنصارًا». وقد رواه الإمام أحمد وغيره مطولا، وفيه ثم ذكر من ادبار هذا الدين أن تجفو القبيلة كلها من عند آخرها, حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان فهما مقهوران مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعًا وقهرًا واضطهدا، وقيل لهما أتطعنان علينا حتى يشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم وتنحل الخمر غير اسمها حتى يلعن آخر هذه الأمة أولها, إلا حلت عليهم اللعنة. الحديث. وفي آخره فمن أدرك ذلك الزمان وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فله أجر خمسين ممن صحبني وآمن بي وصدقني أبدًا. ومنها ظهور الأشرار على الأخيار واستعلاء الفجار على الأبرار وسيادة المنافقين لقبائلهم. وقد ذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيظهر شرار أمتي على خيارها حتى يستخفى المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا اليوم» وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: توشك القرى أن تخرب, وهي عامرة. قيل: وكيف تخرب, وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها أبرارها, وساد القبيلة منها فقها. وروى أبو نعيم في الحلية عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «للساعة أشراط» قيل: وما أشراطها قال: «غلو أهل الفسق في المساجد, وظهور أهل المنكر على أهل المعروف» قال أعرابي: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: «دع وكن حلسًا من أحلاس بيتك». ويروي عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه قال: «يأتي زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء» قيل: مما ذلك يا رسول الله؟ قال: «مما يرى من المنكر لا يستطيع تغييره». ومنها قلة العلماء العاملين بعلمهم. وقد روى يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب، قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة, لست أعني رخاء من العيش يصيبه, ولا ما لا يفيده, ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس, فلا يأمرون بالمعروف, ولا ينهون عن المنكر, فعند ذلك يهلكون, ولقد أحسن الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى: حيث يقول:
    وإني لأخشى أن تجيء عواضل وليس لها من منكر حين تفتعل.
    وقد وقع ما كان يخشاه وجاءت عواضل كثيرة فلم تنكر ثم زاد الأمر حتى أنكر على غير واحد ممن أنكر المنكر, وقمعوا وقهروا واضطهدوا وقوبلوا بالإهانة؛ فبعضهم بالضرب، وبعضهم بالحبس, وبعضهم بالكلام العنيف, وسيجتمع المظلومون والظالمون عند حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة. وقد روى البغوي في تفسيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل، عن الله عز وجل قال: «يقول الله عز وجل: من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة, وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد»، ويشهد لهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب». الحديث.
    [القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ط موقع الكتيبات الإسلامية]





    أقول:
    رحم الله الشيخ رحمة واسعة وأنزله منازل الأبرار،إن كان هذا في زامنه-وقد مرت عليه عشرات السنين-فكيف بزماننا.
    الأمر أشد،وأشد،وأشد،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    وللشيخ البطل المجاهد سعيد بن دعاس اليافعي-رفع الله درجته في عليين-رسالة بعنوان[وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل قادر] قال العلامة أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري-حفظه الله- في مقدمتها:
    [...ولقد فترت العزائم, وضعفت الهمم, بقدر ضعف الإيمان في هذه الأزمان, حتى فشت المنكرات, من الشركيات, والبدع, والخرافات, والحزبيات, وصار الصداع بالحق في رتبة الجبان أو أنزل.
    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: <قبل الساعة سنوات خداعة, يصدق فيا الكاذب, ويكذب فيها الصادق, ويخون فيها الأمين, ويؤتمن فيها الخائن, وينطق فيها الرويبضة>.
    ومع ذا وذاك, فلن نعدم -بإذن الله عز وجل- ممن يقوم لله بالحجج الساطعة, والبراهين القاطعة, بما يظهر الحق, ويزهق الباطل, في هذه المسألة وغيرها.
    هذا ولقد قرأت هذه الرسالة المسماه: (المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ), لأخينا الفاضل, الداعي إلى الله الغيور, سعيد بن دعاس اليافعي –وفقه الله-, فرأيته حرر ما في طياتها تحريراً سديداً, معتمداً على صحاح الأدلة, وأقوال علماء الملة, بما يغنيك أيها القارئ –إن شاء الله- عن كثير من الأقوال والمؤلفات, في هذه المسألة بالذات, حقاً إنها أحسن ما قد اطلعت عليه في تغيير المنكر والأمر بالمعروف, في حدود ما يستطيع العبد المسلم, فجزى الله أخانا أبا حاتم سعيد بن دعاس خيراً, ونفع به.]انتهى
    فمن أراد التوسع في هذا الباب،فما عليه إلا الرجوع إلى هذه الرسالة الطيبة،حتى يفهم المسألة جيدا،ولا يتكلم بغير علم.فيزيد الطين بلة،وقد سمعنا مقالات ممن ينتسب إلى الإستقامة،يخبط فيها خبط عشواء، بلاعلم ولا حلم،يقول أحدهم:فلان عنده غلو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وآخر يقول فلان متشدد،وثالث يقول:فلان ما ترك أحدا...
    !
    وهم وغيرهم،بهذه الأقوال وغيرها،يخذلون عن شعيرة عظيمة،ويصدونها عنها،حتى تفشو المنكرات،ويستهان بالأوامر-شعروا أم لم يشعروا-وقد حدث،وفشت المنكرات بشكل مرعب،حتى أنك تسير في بلاد المسلمين،وكأنك في بلاد الكفر...تبرج فاحش وسفور،والزي الغربي الذي ملأ السهل والوادي،ناهيك عن سب الله سبحانه وتعالى وسب الدين،وترك الصلاة...وغيرها مما لا يستطاع حصره،ولا ينكر هذا إلا من طمس الله بصيرته،أو منافق يُسَرُّ بانتشار المنكرات،حسبنا الله ونعم الوكيل،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    اللهم يا ربنا،أعنَّا على رضاك،واجعل همَّنا في تقواك،وثبتنا حتى نلقاك،والحمد لله رب العالمين.





















    التعديل الأخير تم بواسطة ابو مصعب الشريف فروج; الساعة 10-07-2015, 08:29 PM.
يعمل...
X