إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

واجب العلماء تجاه الأزمات الكثيرة والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • واجب العلماء تجاه الأزمات الكثيرة والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي.

    واجب العلماء تجاه الأزمات الكثيرة والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي
    للإمام عبد العزيز بن باز
    رحمه الله تعالى
    س1 : ما واجب علماء المسلمين تجاه الأزمات والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي .
    ج1 : مما لا شك فيه أن المعاصي والابتعاد عن عقيدة الإسلام الصحيحة قولا وعملا من أهم الأسباب التي حدث بسببها الأزمات والنكبات التي حلت بالمسلمين يقول الله جلت قدرته : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } (1) ويقول سبحانه وتعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } (2) فالله جلت قدرته حليم على عباده غفور رحيم يرسل لهم الآيات والنذر لعلهم يرجعون إليه ليتوب عليهم , وإذا تقرب إليه عبده ذراعا تقرب سبحانه إلى عبده باعا لأنه تعالى يحب من عبده التوبة ويفرح بها وهو جل وعلا غني عن عباده , لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين , ولكنه بعباده رءوف رحيم , وهو الموفق لهم لفعل الطاعات وترك المعاصي والأزمات والنكبات ما هي إلا نذر لعباده ليرجعوا إليه , وبلوى يختبرهم بها , قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (3) { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } (4) { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (5)
    __________
    (1) سورة النساء الآية 79
    (2) سورة الشورى الآية 30
    (3) سورة البقرة الآية 155
    (4) سورة البقرة الآية 156
    (5) سورة البقرة الآية 157

    --------------------------------------------------------------------------------

    وقال سبحانه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (1) وقال تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } (2) وقال سبحانه : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
    فالواجب على قادة المسلمين من العلماء والأمراء وغيرهم الاهتمام بكل مصيبة تحل أو نكبة تقع , وتذكير الناس وبيان ما وقعوا فيه وأن يكون ولاة الأمر من العلماء والحكام هم القدوة الصالحة في العمل الصالح والبحث عن مسببات غضب الله ونقمته , وعلاجها بالتوبة والاستغفار وإصلاح الأوضاع , والأمة تبع لهم ؛ لأن هداية العالم وحكمة الوالي وصلاحهما من أهم المؤثرات في الرعية « فكلكم راع وكل مسئول عن رعيته » (4) .
    وإذا استمرأ المسلمون المعاصي ولم ينكرها من بيده الأمر والحل والعقد , يوشك أن يعم الله الأمة بغضب منه , وإذا وقع غضب الله وحلت نقمته فإن ذلك يشمل المحسن والمسيء , عياذا بالله من ذلك , قال تعالى : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } (5) الآية .
    وقال صلى الله عليه وسلم : « إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه » (6) رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر الصديق , وقال الله سبحانه :
    __________
    (1) سورة الروم الآية 41
    (2) سورة الأنبياء الآية 35
    (3) سورة الأعراف الآية 168
    (4) صحيح البخاري في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2278),صحيح مسلم الإمارة (1829),سنن الترمذي الجهاد (1705),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928),مسند أحمد بن حنبل (2/121).
    (5) سورة الأنفال الآية 25
    (6) سنن الترمذي الفتن (2168),سنن ابن ماجه الفتن (4005).

    --------------------------------------------------------------------------------

    { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (1) وعلى العلماء بالذات مسئولية كبيرة أمام الله في تبصير الناس وإرشادهم وبيان الصواب من الخطأ , والنافع من الضار .
    نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا لطاعة ربهم والتمسك بهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأن يوفق قادتهم ويبصر علماءهم بطريق الرشاد حتى يسلكوه ويوجهوا الأمة إليه وأن يهدي ضال المسلمين ويصلح أحوالهم , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
    __________
    (1) سورة الرعد الآية 11

    --------------------------------------------------------------------------------

    س 2 : ما واجب علماء المسلمين حيال كثرة الجمعيات والجماعات في كثير من الدول الإسلامية وغيرها , واختلافها فيما بينها حتى إن كل جماعة تضلل الأخرى . ألا ترون من المناسب التدخل في مثل هذه المسألة بإيضاح وجه الحق في هذه الخلافات , خشية تفاقمها وعواقبها الوخيمة على المسلمين هناك ؟ .
    جـ 2 : إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بين لنا دربا واحدا يجب على المسلمين أن يسلكوه وهو صراط الله المستقيم ومنهج دينه القويم , يقول الله تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (1)
    كما نهى رب العزة والجلال أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن التفرق واختلاف الكلمة ; لأن ذلك من أعظم أسباب الفشل وتسلط العدو كما في قوله جل وعلا : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } (2) وقوله تعالى :
    __________
    (1) سورة الأنعام الآية 153
    (2) سورة آل عمران الآية 103

    --------------------------------------------------------------------------------

    { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } (1)
    فهذه دعوة إلهية إلى اتحاد الكلمة وتآلف القلوب . والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها فهي خير وبركة وفوائدها عظيمة .
    أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى وتنقد أعمالها فإن الضرر بها حينئذ عظيم والعواقب وخيمة . فالواجب على علماء المسلمين توضيح الحقيقة ومناقشة كل جماعة أو جمعية ونصح الجميع بأن يسيروا في الخط الذي رسمه الله لعباده ودعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ومن تجاوز هذا أو استمر في عناده لمصالح شخصية أو لمقاصد لا يعلمها إلا الله- فإن الواجب التشهير به والتحذير منه ممن عرف الحقيقة , حتى يتجنب الناس طريقهم وحتى لا يدخل معهم من لا يعرف حقيقة أمرهم فيضلوه ويصرفوه عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله جل وعلا : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (2)
    ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان أولا ، وأعداء الإسلام من الإنس ثانيا ؛ لأن اتفاق كلمة المسلمين ووحدتهم وإدراكهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين ودرء الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن , فلذا هم يحرصون على تفريق كلمة المسلمين وتشتيت شملهم وبذر
    __________
    (1) سورة الشورى الآية 13
    (2) سورة الأنعام الآية 153

    --------------------------------------------------------------------------------

    أسباب العداوة بينهم , نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يزيل من مجتمعهم كل فتنة وضلالة , إنه ولي ذلك والقادر عليه .

    --------------------------------------------------------------------------------

    س 3 : يحرص أعداء الله على التغلغل في ديار الإسلام بشتى الطرق فما المجهود الذي ترون بذله للوقوف أمام هذا التيار الذي يهدد المجتمعات الإسلامية .
    جـ 3 : هذا ليس بغريب من الدعاة إلى النصرانية أو اليهودية أو غيرهما من ملل الكفر ومذاهب الهدم ؛ لأن الله سبحانه وبحمده قد أخبرنا عن ذلك بقوله في محكم التنزيل : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } (1) وقوله سبحانه : { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } (2) الآية .
    ولهذا فإنهم يبذلون كل ما يستطيعون للنفوذ في ديار الإسلام ولهم طرقهم المختلفة في هذا منها : التشكيك وزعزعة الأفكار وهم دائبون على ذلك بدون كلل أو ملل تحركهم الكنيسة والحقد والبغضاء بالتوجيه والدفع والبذل .
    والجهود التي يجب أن تبذل هي التوعية والتوجيه لأبناء المسلمين من القادة والعلماء ومقابلة جهود أعداء الإسلام بجهود معاكسة . فأمة الإسلام أمة قد حملت أمانة هذا الدين وتبليغه . فإذا حرصنا في المجتمعات الإسلامية على تسليح أبناء وبنات المسلمين بالعلم والمعرفة والتفقه في الدين والتعويد على تطبيق ذلك
    __________
    (1) سورة البقرة الآية 120
    (2) سورة البقرة الآية 217

    --------------------------------------------------------------------------------

    من الصغر فإننا لن نخشى بإذن الله عليهم شيئا ما داموا متمسكين بدين الله معظمين له متبعين شرائعه محاربين لما يخالفه . بل العكس سيخافهم الأعداء لأن الله سبحانه وبحمده يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (1) ويقول عز وجل : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (2) والآيات في هذا المعنى كثيرة , فأهم عامل للوقوف أمام هذا التيار هو تهيئة جيل عارف بحقيقة الإسلام ويتم هذا بالتوجيه والرعاية في البيت والأسرة والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام وتنمية المجتمع .
    يضاف إلى هذا دور الرعاية والتوجيه من القيادات الإسلامية والدأب على العمل النافع وتذكير الناس دائما بما ينفعهم وينمي العقيدة في نفوسهم : { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (3) ولا ريب أن الغفلة من أسباب نفاذ أعداء الإسلام إلى ديار الإسلام بالثقافة والعلوم التي تباعد المسلمين عن دينهم شيئا فشيئا , وبذلك يكثر الشر بينهم ويتأثرون بأفكار أعدائهم , والله سبحانه وتعالى يأمر الفئة المؤمنة بالصبر والمصابرة والمجاهدة في سبيله بكل وسيلة , في قوله جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (4) وقوله سبحانه { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (5) وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا , أن
    __________
    (1) سورة محمد الآية 7
    (2) سورة آل عمران الآية 120
    (3) سورة الرعد الآية 28
    (4) سورة آل عمران الآية 200
    (5) سورة العنكبوت الآية 69

    --------------------------------------------------------------------------------

    يصلح أحوال المسلمين ويفقههم في الدين وأن يجمع كلمة قادتهم على الحق ويصلح لهم البطانة , إنه جواد كريم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

    [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس ص199-206]
    نصيحة عامة لرؤساء الدول الإسلامية وعامة المسلمين
    للإمام عبد العزيز بن باز
    رحمه الله تعالى
    الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد:
    فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يبتلي عباده بالخير والشر والصحة والمرض والفقر والغنى والقوة والضعف , لينظر كيف يعملون , وهل يكونون مطيعين له في حال الرخاء والشدة , قائمين بحقوقه سبحانه في كل الأوقات والأحوال , قال تعالى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } (1) وقال سبحانه وتعالى : { الم } (2) { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } (3) { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (4)
    إذا علم هذا فإن الله سبحانه يختبر العباد ويمتحن شكرهم وصبرهم لينالوا الجزاء منه كل منهم على حسب حاله وما صدر منه , فالواجب على المسلم إذا أنعم الله عليه بنعمة المال أن يتذكر أخاه الفقير فيواسيه من ماله , ويعينه على تحمل أعباء الحياة , ويؤدي حق الله الواجب في المال وأن يتذكر دائما قوله سبحانه وتعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (5) وإذا كان المسلم معافى
    __________
    (1) سورة الأنبياء الآية 35
    (2) سورة العنكبوت الآية 1
    (3) سورة العنكبوت الآية 2
    (4) سورة العنكبوت الآية 3
    (5) سورة القصص الآية 77



    --------------------------------------------------------------------------------

    في بدنه قويا في جسمه , فينبغي له أن يتذكر إخوانه وجيرانه المرضى والضعفاء العاجزين فيعينهم على قضاء حوائجهم ويبذل ما يستطيع لتخفيف وطأة المرض عليهم .
    ومثل ذلك إذا كان قويا في علمه فعليه أن ينفع عباد الله المسلمين الذين حرموا نعمة العلم فيرشدهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم , ويعلمهم ما أوجب الله عليهم , كما أن على المسلم الفقير أو المريض العاجز أن يصبر على ما أصابه , ويرجو الفضل من عند الله سبحانه , ويجتهد في فعل الأسباب المباحة التي يكشف الله بها ما أصابه , وليتذكر الجميع قول الرب سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } (1) وما يقال بالنسبة للأفراد يقال بالنسبة للأمم المسلمة إذ يجب على الأمة القوية في مالها أو رجالها أو سلاحها أو علومها أن تمد الأمة المستضعفة , وأن تعينها على الحفاظ على نفسها ودينها وتمنع عنها الذئاب من حولها المتسلطة عليها , - وأن تؤتيها من مال الله الذي آتاها فهذا هو مقتضى الأخوة الإسلامية التي عقدها الرب سبحانه بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها , إذ يقول جل شأنه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (2) فيا أيها الزعماء والقادة ويا أيها المسلمون في كل مكان : أدعوكم إلى تطبيق مقتضى الآية الكريمة والعمل على إقامة الأخوة الحقيقية بين كل المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم , وأن يكون المسلمون يدا على من سواهم , واعلموا وفقكم الله أن وسائل الابتلاء في هذا العصر أكثر
    __________
    (1) سورة إبراهيم الآية 7
    (2) سورة الحجرات الآية 10



    --------------------------------------------------------------------------------

    منها في العصور الخالية , ذلك أن الله سبحانه أفاض أنواعا من النعم على طوائف من المسلمين , وابتلى طوائف أخرى بالفقر والجهل وتسلط الأعداء من اليهود والنصارى والشيوعيين وغيرهم , وابتلى الناس بمخترعات جديدة وآلات حديثة يسرت اطلاع بعضهم على أحوال بعض , واتصالهم فيما بينهم , وجعلتهم أعظم مسئولية وأكثر قدرة على النصر ومد يد العون إذا هم أرادوا ذلك , فالمسلمون اليوم يسمعون أو يرون ما يحل بإخوانهم في الفلبين وأفغانستان وإريتيريا والحبشة وفلسطين وبلدان أخرى كثيرة , بل إن هناك أقليات مسلمة في دول شيوعية كافرة والمسلمون قد فرطوا في حقها ولم يقوموا بما يجب من نصرتها وتأييدها وإعانتها , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر » (1) ويقول صلى الله عليه وسلم : « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه » (2) وقال صلى الله عليه وسلم : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه , من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته , ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة , ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة » (3) , وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة , ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة , ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة , والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » (4) , وهذه الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضح ما يجب أن يكون عليه المسلمون من التعاون والشعور بحاجة بعضهم إلى بعض .
    ولقد قرر العلماء رحمهم الله أنه
    __________
    (1) صحيح البخاري الأدب (5665),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586),مسند أحمد بن حنبل (4/270).
    (2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2314),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585),سنن الترمذي البر والصلة (1928),سنن النسائي الزكاة (2560).
    (3) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/91).
    (4) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/91).



    --------------------------------------------------------------------------------

    لو أصيبت امراة مسلمة في المغرب بضيم لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها , فكيف والقتل والتشريد والظلم والعدوان والاعتقالات بغير حق , كل ذلك يقع بالمئات الكثيرة من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم ولا ينصرونهم إلا ما شاء الله من ذلك فالواجب على الدول الإسلامية والأفراد من ذوي الغنى والثروة أن ينظروا نظرة عطف ورحمة إلى إخوانهم المستضعفين , ويعينوهم بواسطة سفراء الدول الإسلامية الموثوق بهم أو بواسطة الوفود التي يجب أن ترسل بين حين وآخر باسم الدول الإسلامية لتفقد أحوال المسلمين في تلك الدول الإسلامية أو الأقليات المسلمة في الدول الأخرى , وإذا كانت الأمم النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها من الأمم الكافرة قد تحفظ حقوق أي فرد ينتسب إليها ولو كان يقيم في دولة أخرى بعيدة عنها وتصدر الاحتجاجات وترسل الوعيد والتهديد أحيانا إذا لحق بواحد منهم ضرر ولو كان مفسدا في الدولة التي يقيم في أراضيها , فكيف يسكت المسلمون اليوم على ما يحل بإخوانهم من حروب الإبادة وضروب العذاب والنكال في أماكن كثيرة من هذا العالم , ولتعلم كل طائفة وأمة لا تتحرك لنصرة أختها في الله بأنه يوشك أن تصاب هي بمثل ذلك البلاء الذي تسمع به أو تراه يقطع أوصال أولئك المسلمين , فلا يجدون من ينصرهم أو يعمل على رفع الظلم والعذاب عنهم , فالله سبحانه المستعان وهو المسئول بأن يوقظ قلوب العباد لطاعته , وأن يهدي ولاة أمور المسلمين وعامتهم إلى أن يكونوا يدا واحدة وصرحا متراصا للقيام بأوامر الله والعمل بكتابه وسنة رسوله ونصرة المسلمين ومحاربة
    الظالمين المعتدين , عملا بقول الله سبحانه { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (1) { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (2) وقوله سبحانه وتعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (3) وقوله عز وجل : { وَالْعَصْرِ } (4) { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } (5) { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } (6) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان .
    __________
    (1) سورة الحج الآية 40
    (2) سورة الحج الآية 41
    (3) سورة المائدة الآية 2
    (4) سورة العصر الآية 1
    (5) سورة العصر الآية 2
    (6) سورة العصر الآية 3
    [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد الثاني ص161-165]
يعمل...
X