إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العقوبة والتعزير على المماطل بقضاء الديون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العقوبة والتعزير على المماطل بقضاء الديون

    عقوبة المماطل بقضاء الديون

    ( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته )
    إرواء الغليل 5/259

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
    إعلم وفقك الله لأداء الحقوق أنه يحرم على المسلم أن يماطل أو يتأخر في سداد الدين الثابت في ذمته وهذه من الذنوب العظيمة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو داخل في ظلم الأموال وقد عدها بعض أهل العلم من الكبائر ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع).متفق عليه.

    فيُلاحظ كثيراً من الناس يتساهلون في الدَّين تساهلاً كبيراً ، فتراهم يشترون المتاع والبضاعة ، ويطلبون من البائع أن يمهلهم حتى استلام رواتبهم نهاية الشهر ، أو نحو ذلك ، ثم يماطلون ويسوفون في سداد الدَّين ، وقد تمضي عليهم الشهور والسنون ، وهم كذلك مع مقدرتهم على قضاء الديون أو يشتركون في جمعيات الموظفين ولازالت ديون الناس في ذمتهم.

    ومن المؤسف جداً أن ترى وتسمع تساهل الرجل الصالح في حقوق الناس مع حرصه على أداء السنن والنوافل وهذا من قلة الفقه والورع وضعف المروئة لأن حقوق الله مبناها على المسامحة وحقوق الخلق مبناها على المشاحة ولا تسقط إلا بالوفاء ولذلك شدد الشارع الحكيم في أمر الدين وعدم سقوطه من ذمة الشهيد مع أنه جاد بنفسه وماله كما في صحيح مسلم:(يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين).

    وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتد عليه حتى قال له : أحرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه وقالوا : ويحك تدري من تكلم ؟
    قال : إني أطلب حقي .
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هلاّ مع صاحب الحق كنتم ؟
    ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك . فقالت :
    نعم بأبي أنت يا رسول الله .
    قال : فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه .
    فقال : أوفيت أوفى الله لك .
    فقال صلى الله عليه وسلم : أولئك خيار الناس إنه لا قدّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع )

    رواه ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/55
    وانظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/570.


    ومعنى غير متعتع : أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه .كما وينبغي أن يعلم هذا الغني المماطل أن الموت قد يخطفه فجأة ويبقى الدين في ذمته إلى يوم القيامة وقد صح الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه ) رواه البخاري .

    وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم يحل عرضه وعقوبته فمعناه كما قال عبد الله بن المبارك يحل عرضه يغلظ له وعقوبته يحبس ] عون المعبود 10/40 .


    فعن عمرو بن الشريد عن أبيه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته "
    (
    لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته )
    أخرجه البخاري معلقا في كتاب الاستقراض في باب (13) لصاحب الحق مقال؛ وأبو داود في الأقضية في (29) باب الحبس في دين وغيره عن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسندا رقم 3628؛ والنسائي عن الشريد بن سويد عن أبيه في البيوع في)100 ( باب مطل الغـني؛ وابن ماجة في الصدقات في (18) باب الحبس في الدين رقم 2428؛ و احمد بن حنبل في حديث الشريد بن سويد الثقفي عن أبيه جـ 4، صـ 222.فتح الباري 5/259 ،إرواء الغليل 5/259 .

    ولي الواجد معناه مطل القادر على قضاء دينه .
    عون المعبود 10/41

    .وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
    ( مطل الغني ظلم ) رواه البخاري ومسلم .

    قال الإمام النووي : قوله صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم )
    قال القاضي وغيره : المطل منع قضاء ما استحق أداؤه فمطل الغني ظلم وحرام ، ومطل غير الغني ليس بظلم ولا حرام لمفهوم الحديث ولأنه معذور … ] شرح الإمام النووي على صحيح مسلم 4/174-175.
    وهذان الحديثان الشريفان فيهما التحذير الشديد للمماطل القادر على سداد دينه ومع ذلك يماطل في سداد الدين لينتفع بالمال لنفسه ولا يؤدي حقوق العباد وهذه المماطلة سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ظلماً والظلم ظلمات يوم القيامة .
    قال الحافظ ابن عبد البر: وقد أتى الوعيد الشديد في الظالمين بما يجب أن يكون من فقهه عن قليل الظلم وكثيره منتهياً وإن كان الظلم ينصرف على وجوه بعضها أعظم من بعض …ومن الدليل على أن مطل الغني ظلم محرم موجب للإثم ما ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال عرضه والقول فيه ولولا مطله لم يحل ذلك …] الاستذكار 20/268-269 .

    وقد نص الفقهاء على أن المماطل فاسق ترد شهادته لظلمه وتهاونه بالحقوق.
    والغني المماطل يعدُّ فاسقاً عند جمهور أهل العلم ويدل على ذلك بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة وتسميته ظلماً يشعر بكونه كبيرة . فتح الباري 5/372 .

    المماطل واقع في كبيرة من كبائر الذنوب
    وقال بعض العلماء إن مطل الغني بعد مطالبته وامتناعه عن الأداء لغير عذر يعتبر من كبائر الذنوب وقد عده ابن حجر المكي من الكبائر إذ الظلم وحل العرض والعقوبة أكبر الوعيد ] الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/570 .

    وذهب بعض أهل العلم إلى أن الغني المماطل مردود الشهادة
    قال سحنون بن سعيد إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالماً ] الاستذكار 20/270
    .


    كان النبي صل الله عليه واله وسلم يمتنع عن الصلاة على من عليه دَّين حتى يقضى عنه دَّينه.


    فعن جابر رضي الله عنه قال : تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه واله وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَخَطَا خُطًى ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ ، قُلْنَا : نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَيْنُهُ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه واله وسلم: هُمَا عَلَيْكَ حَقُّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ الْمَيِّتُ ، قَالَ : نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟ ، فقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَضَيْتُهُمَا فَقَالَ : الآنَ بَرَدَّتْ عَلَيْهِ جِلْدَهُ. (فَأَخْبَرَ صل الله عليه واله وسلم في هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ بَرَدَ عَلَيْهِ جِلْدُهُ)صحيح الترغيب والترهيب
    ******
    جواز إلزام المدين المماطل القادر على الوفاء بتعويض مالي غير مشروط في العقد يدفعه للدائن مقابل فوات منفعة ماله مدة التأخير.(مع الخلاف في ذلك)

    وإذ قد تقرر أنّ الغنيَّ المماطلَ مغتصبٌ وخائن فهو إذًا ضامن غارم كما ذكر العلماء.

    ولا يُعقل أن يقف الإسلام مع هذا الظالم لِيعمل ويُتاجر ويمرح بمال غيره ويربح به، بينما صاحب المال وهو الفاعل للخير المحتاج ليعمل بماله، ثم نقول له: اصبر فقط حتى يرجع لك رأس مالك، بينما يبقى ذلك الظالم الخائن المماطل يتنعم فيه ويفرح ويتلاعب! أهذا هو جزاء الإحسان؟!
    ذهب جماهير السلف إلى أن الأصل مع الغلة تعود لمالكها الأصلي، وهو مذهب الحنابلة والظاهرية وقول للإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة، ونُقل إجماعا، قال المجد ابن تيمية في المحرر (1/362): " وإذا غصب دراهم فاتجر بها فرِبْحُها للمالك".
    وقال ابن قدامة: إذا غصب أثمانا فاتجر بها أو عروضا فباعها واتجر بثمنها فالربح للمالك والسلع المشتراة له، وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب: إن كان الشراء بعين المال فالربح للمالك "

    وقال ابن حزم في المحلى (5/250): " وأما إن كان البذر مغصوبا فلا حق له، ولا حكم في شيء مما أنبت الله تعالى منه; سواء كان في أرضه نفسه أم في غيرها، وهو كله لصاحب البذر; لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، ولا يختلف اثنان في أن غاصب البذر إنما أخذه بالباطل، وكذلك كل بذر أخذ بغير حق فمحرم عليه بنص القرآن أكله، وكل ما تولد من شيء فهو لصاحب ما تولد منه بلا خلاف، وليس وجوب الضمان بمبيح له ما حرم الله تعالى عليه ".ثم ردّ على من جعل الغلة للظلمة ثم قال: " يلزمهم أن يجعلوا أولاد المغصوبة من الإماء والحيوان للغاصب بهذا الخبر، وهم لا يقولون بذلك ".وهذا قول قوي يدعمه المعقول والحس والفطرة والمنقول، وسد باب الذريعة على الفساق حتى لا يأخذوا الأموال من غيرهم بالباطل ليعملوا بها ثم يأخذوا ريعها، واستدل هؤلاء بما يلي:
    1- قاعدة: " ما تولد عن الشيء أخذ حكمه ".
    2- قاعدة: " التابع تابع ".
    3- أن ذلك المال ولو عمل به فليس ملكا له بل هو لغيره، وهو مال محرم خبيث.
    وقال الشيخ عبد الله بن منيع: " القول بضمان ما فات من منافع المال نتيجة مطل أدائه لمستحقه قول تسنده قواعد الشريعة وأصولها، والنصوص الصريحة والواضحة في ذلك من كتاب الله _تعالى_ وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ "
    ينظر: بحث في مطل الغني للمنيع (3/249)

    واستدل فضيلة الشيخ عبد الله المنيع بالشرط الجزائي كدليل آخر له على جواز التعويض عن المنافع التي لم تكن محققة الوقوع كمنافع الديون المماطلة. وذكر فيه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. وهذا نصه: إن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له معتبر شرعا فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا بحيث يراد به التهديد المالي ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من ضرر، ورجع تقرير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر".[قرار رقم 25، وتاريخ 21/ 8/ 1394هـ. وتمامه في بحوث في الاقتصاد الإسلامي لعبد الله المنيع، صـ. 409-412.]واستدل الشيخ المنيع لرأيه بما استدل به في هذا القرار من الكتاب والسنة وقول بعض الصحابة. أما الكتاب فقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أولوا بالعقود" (المائدة، 5/ 1) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا"[رواه الترمذي، وصححه في كتاب الأحكام، باب 17.]
    وقال عمر رضى الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط."
    وقال فضيلة الشيخ: "ومما تقدم يظهر لنا وجه القول بجواز الحكم على المماطل وهو قادر على الوفاء بضمان ما ينقص على الدائن بسبب مماطلته وليِّه. وإن تضمن عقد الالتزام بالحق شرطا جزائيا لقاء المماطلة والليِّ بقدر فوات المنفعة فهو شرط صحيح يجب الالتزام به".
    ========


    وأخيراً :
    فاني أذكر كلَّ غني مماطل أن يتوب ، ويعطي الحقوق أهلها قبل أن يخطفه الموت فجأة ، ويبقى الدَّين في ذمته إلى يوم القيامة ، وليعمل بوصية رسول
    صل الله عليه واله وسلم في التوبة ، والتحلل من المظالم ، حيث يقول((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ)صحيح البخاري.

    ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾

    هذا ما أردت تنبيه المسلمين إلى العمل به ، والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا


    كتبه : أبو الخطاب فؤاد بن علي السنحاني
    اليمن ....المحويت
    السبت, 17 جمادي الأول 1436 هـ

    =============
    المراجع



    1-التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (1/2)
    2-التعزير بالمال عند المماطلة في تسديد الديون والفواتير
    وبيان من يأخذ الربح عند المماطلة والغصب
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الخطاب فؤاد السنحاني; الساعة 08-03-2015, 02:01 PM.

  • #2
    بارك الله فيك،موضوع يستحق النشر.

    تعليق

    يعمل...
    X