شرح
فصل في هديه
في سجود السهو من زاد المعاد
لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[شريط مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في هديه في سجود السهو
ثبت عنه أنه قال «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني»، وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو، وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في الموطأ «إنما أنسى أو أنسّى لأسن»
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينسى فيترتب على سهوه أحكام شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة.
فقام من اثنتين في الرباعية ولم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام ثم سلّم.
فأُخذ من هذا قاعدة أن من ترك شيئا من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهوا سجد له قبل السلام.
وأُخذ من بعض طرقه أنه إذا ترك ذلك وشرع في ركن لم يرجع إلى المتروك؛ لأنه لما قام سبحوا فأشار إليهم أن قوموا.
واختلف عنه في محل هذا السجود:
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن بحينة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من اثنتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك.
وفي رواية متفقٍ عليها يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم.
وفي المسند من حديث يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن عِلاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وصححه الترمذي.
وذكر البيهقي من حديث عبدالرحمن بن شماسة المهري قال: صلى بنا عقبة بن عامر الجهني فقام وعليه جلوس، فقال الناس: سبحان الله سبحان الله. فلم يجلس ومضى على قيامه، فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتي السهو وهو جالس، فلما سلم قال: إني سمعتكم آنفا تقولون سبحان الله لكيما أجلس لكن السنة الذي صنعت.
وحديث عبد الله بن بُحينة أولى لثلاثة وجوه:
أحدها أنه أصح من حديث المغيرة.
الثانية أنه أصرح منه، فإن قول المغيرة وهكذا صنع بنا رسول الله يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة، ويكون قد سجد النبي في هذا السهو مرة قبل السلام ومرة بعده، فحكى ابن بحينة ما شاهده وحكى المغيرة ما شاهده فيكون كلا الأمرين جائزا.
ويجوز أن يريد المغيرة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ولم يرجع ثم سجد للسهو.
الثالث أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده وهذه صفة السهو.
وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام. والله أعلم.
[الشرح]
السهو هو ترك بعض الأفعال أو الأقوال في الصلاة أو زيادتها أو الشك في ذلك، فإذا سها بمعنى نسي وغاب عنه فزاد أو نقص أو شك في صلاته فإنه يسمى ساهيا، بخلاف من فعل ذلك متعمدا فإنه لا يجبر فِعله بسجود بل تبطل ركعته أو نبطل صلاته بحسب الحال.
والسهو سببه النسيان كما هو معروف، لهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما «إنما بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني»، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل أشياء لا تقدح في كماله لأنه في مقام التشريع، فنسي في صلاته وعمل أشياء لكي تكون الشريعة لحال أمته في نسيانهم أو أفعالهم وأقوالهم.
وسجود السهو إما أن يكون قبل السلام، وإما أن يكون بعد السلام، وهو قد يكون لنقص نقصه في صلاته أو زيادة زادها في صلاته أو لشك عرض له في صلاته فلم يدرِ ما وجه اليقين فيه.
والعلماء -كما ذكر ابن القيم وسيذكر- نظروا في هذه المسألة ولهم فيها ثلاثة اتجاهات كبيرة:
الإتجاه الأول أن السجود يكون قبل السلام دائما.
والثاني أن السجود هو جبر لما نقص فلا يكون في الصلاة وإنما يكون بعد الصلاة؛ يعني بعد السلام دائما.
والثالث وهو أنه يفصل فقد يكون قبل السلام وقد يكون بعده.
والقائلون بالتفصيل ذهبوا إلى جهتين:
الجهة الأولى أثرية.
والجهة الثانية قياسية.
هم كلهم من أهل الأثر؛ لكن من جهة الدليل في ذلك.
أما الجهة الأثرية قالوا: الأصل في السجود أنه عبادة من جنس عبادة سجود الصلاة الأصل فيه أن يكون في الصلاة، فكل مسألة سها فيها يسجد لها في الصلاة قبل السلام، ما عدا ما ورد أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد فيه بعد السلام.
وما سجد فيه بعد السلام في حالتين ستأتي إن شاء الله تعالى فقط.
فيكون أصل السجود قبل السلام إلا فيما جاء بالدليل أنه سجد فيه بعد السلام، وهاتان مسألتان سهل على الكبير والصغير أن يتعلمها.
والجهة الثانية الجهة القياسية: وهي أول من قال بها الإمام مالك رحمه الله، وذكرها في الموطأ، وتابعه عليها عدد من أهل العلم، ومن أهم من نصرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبعض علماء الدعوة، وهي التفريق ما بين الزيادة النقص والشك.
قالوا فإذا كانت زيادة فلا يناسب -يعني ما جاء فيه الدليل بالزيادة- فيُجعل مثله كل زيادة يزيدها المصلي، فيقيسون كل زيادة تكون في الصلاة على الحديث الذي جاء فيه الزيادة.
ويقيسون كل نقص يكون في الصلاة على الحديث الذي فيه نقص.
والحديث بحسب كلامهم أن النقص يكون فيه قبل السلام والزيادة يكون السجود فيها بعد السلام، ويجعلون الباب مطّردا بالقياس والشك يفصّلون فيه وسيأتي بيانه إن شاء الله.
هذا القول الأخير هو قول الإمام مالك ومن تابعه من أهل العلم كالشيخ تقي الدين ابن تيمية وابن القيم وجماعة، فيه نظر ظاهر مع جلالة من قال به، فيه نظر ظاهر من جهة أن القياس في هذا الباب خلاف الأصل.
الأصل في العبادات الاتباع، وليس الأصل فيها أن يُقاس بعضها على بعض؛ لأننا رأينا أشياء في العبادات لا يَنْقَاس بعضها على بعض، فإعمال القياس فيها فيه نظر ظاهر ومخالف للأصل.
ولهذا لم يقل بهذا الإمام أحمد بن حنبل وجمهرة أئمة الحديث، وإنما صاروا إلى القول بالتفصيل الأول، وهو أنه الأصل في السجود -في سجود السهو- من سها في صلاته فإنه يسجد قبل السلام إلا فيما ورد بالدليل أنه سجد فيه بعد السلام، وهو حديث ذي اليدين، وحديث ابن مسعود حينما زاد ركعة في الصلاة أو سلم من نقص، في هذين الحالتين: تسليم من نقص سلم وهو باقي عليه، أو زاد ركعة هذه يسجد فيها بعد السلام.
وهذا القول والذي أسميته الجهة أثرية، هو مقتضى الأثر ومقتضى اتباع الآثار، وهو الأوفق للناس في تعلمهم لعبادتهم؛ لأن مسألة الزيادة والنقص يتعلمها طالب العلم، ثم تشتبه على طالب العلم فضلا أن تشتبه على العامي، والصلاة سهلة أعمالها ظاهرة، يعرفها الذكي والبليد ويعرفها الأعرابي والملازم لأهل العلم، ويعرفها الجميع، فإحالة بعض أحكامها إلى ما لا يدركه إلا القلة بالقياس في الزيادة والنقص، هذا خلاف الأصل فيها.
ولهذا نقول إن الراجح في ذلك والذي ينبغي أن يعلم الناس هو ما ذهب إليه الإمام أحمد وجماهير أهل الحديث من أن الأصل في سجود السهو أن يكون قبل السلام إلا في الحالتين اللتين ورد فيها الحديث من أنه يسجد بعد السلام وهو أنه إذا سلم من نقص إذا سلم وباقي عليه ركعة وعكسها إذا زاد ركعة فقط، وما عداه فإنه يسجد قبل السلام.
هذا هو الذي تجتمع به الآثار ولا يسار فيه إلى قياس يخالف الأصل في هذا الباب.
وما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى من بحث في حديث عبد الله بن بحينة وكلام المغيرة بن شعبة ظاهر، فإن حديث عبد الله بن بحينة نص في فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي سجد قبل السلام، وأما في حديث المغيرة فإنه فعل أشياء، ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد يكون في ذلك دخل لفهمه هو، وقد يكون أنه يجوز هذا وهذا لكن الأظهر من السنة في ذلك أن يكون السجود فيمن قام من اثنتين فيها في عدة أحاديث أنه يسجد قبل السلام وهو الأصل في أن يكون السجود تابعا للصلاة في أثنائها وألا يكون خارجها.
نكتفي بهذا القدر، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
س1/ أحسن الله إليكم وإذا همَّ بالقيام؟
ج/ هو إذا انتقل إلى ركن، الآن الجلوس ركن يعني السجود ركن والجلوس للتشهد واجب، فإذا ترك الواجب إلى ركن بمعنى استتم قائما فإنه لا يرجع؛ لكن إذا لم ينتقل إلى الركن لا زال في الانتقال فإنه يرجع إلى الواجب؛ لكن متى استتم قائما فإنه لا يرجع.
س2/ لكن بالنسبة للزيادة كهذه الصورة صورة زيادة ويسجد بعد السلام؟
ج/ لا ليست صورة زيادة، هذه صورة نقص.
س/ أسأل عن قضية الزيادة متى نحكم مثلا لو قام من الرابعة إلى خامسة.
ج/ هذه زاد.
س/ ورجع نقول سجودك بعد السلام؟
ج/ السجود لأنه زاد، حتى الآن لو أنه سلم من اثنتين عند كلام الإمام مالك وابن تيمية وجماعة، إذا سلم من اثنتين وقالوا له باقي اثنتين، أو سلم من المغرب من ثنتين وقالوا له باقي واحدة هو الآن زاد أو نقص؟ ناس يقولون نقص ناس يقولون زاد.
هذا الاشتباه يشتبه على كثيرين؛ يعني جيء يقول زاد أو نقص، هو زاد التسليمة إذا رجع وكمل هو زاد التسليمة وزاد أفعال إذا كان فعل أشياء، فننظر إلى الصلاة متصلة يكون التسليمة وما بعدها من الأشياء هذه زيادة يعني كأنها خارجة عن ماهية الصلاة وعن هيئة الصلاة بزيادة.
ننظر إلى أنها نقص ركعة لكنه جاء وكملها وصورة الصلاة تمت على زيادة، ولذلك يقولون يسجد في الزيادة بعد السلام.
لكن –كما ذكرنا لك- الأوفق للناس والأيسر لهم أنهم الحالتين هذه يسجدون بعد السلام والباقي يسجد بعد السلام، ويكون الأمر ميسورا ويتعلمها الكبير والصغير.
النشرة التي كانت كبتها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تذكرونها، أنا جلست مدة أتأمل فيها عَشَان أفهمها، أعطيتها بعض الناس ما فهموها، ليست سهلة أنها تفهم حتى أنك إذا جئت للشك الفرق بين الشك والبناء على اليقين، من يفهم مثل هذه التفصيلات، والصلاة عبادة متعلقة بالعامة، متعلقة بالمكلف، متعلق بالمرأة بالجاهل بالبليد بالذكي، فلابد أن تكون أحكامها ميسورة.
الصلاة سهلة تعلمها أما إذا كان فيها حكم مثل هذا صعب أنه يفهمه في صلاته.
س3/....؟
ج/ هذا موسوس ما يصلح إماما.
س4/.....؟
ما الذي يجب فيه، العلماء فيه تفصيل، وهنا لو كان السجود واجبا قبل السلام فتركه لبعد السلام تبطل صلاته؛ يعني يكون ترك واجبا عمدا، هذه فيها تفاصيل في كتب الفقهاء.
[المتن]
فصل
وسلّم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، ثم تكلم ثم أتمها ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام والكلام، يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع.
وذكر أبو داوود والترمذي أن النبي صلى بهم فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. وقال الترمذي حسن غريب.
وصلى يوما فسلم وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه طلحة ابن عبيد الله فقال: نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة. ذكره الإمام أحمد رحمه الله.
وصلى الظهر خمسا فقيل له زِيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلّم. متفق عليه.
وصلى العصر ثلاثا ثم دخل منزله فذكّره الناس فخرج فصلى بهم ركعة ثم سلّم ثم سجد سجدتين ثم سلّم.
فهذا مجموع ما حفظ عنه من سهوه في الصلاة وهو خمسة مواضع، وقد تضمن سجوده في بعضه قبل السلام وفي بعضه بعده.
وقال الشافعي رحمه الله: كله قبل السلام.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: كله بعد السلام.
وقال مالك رحمه الله كل سهو كان نقصانا في الصلاة فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام، وإذا اجتمع سهوان زيادة ونقصان فالسجود لهما قبل السلام
قال أبو عمر بن عبد البر هذا مذهبه لا خلاف عنه فيه، ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلاف ذلك فجعل السجود كله بعد السلام أو كله قبل السلام لم يكن عليه شيء لأنه عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده لاختلاف الآثار المرفوعة والسلف من هذه الأمة في ذلك.
وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن سجود السهو قبل السلام أم بعده؟ فقال: في مواضع قبل السلام وفي مواضع بعده، كما صنع النبي حين سلّم من اثنتين ثم سجد بعد السلام على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، ومن سلم من ثلاث سجد أيضا بعد السلام على حديث عمران بن حصين، وفي التحري يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام على حديث ابن بحينة، وفي الشك يبني على اليقين ويسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الرحمن ابن عوف.
قال الأثرم فقلت لأحمد بن حنبل: فما كان سوى هذه المواضع قال يسجد فيها كلها قبل السلام لأنه يتم ما نقص من صلاته.
قال: ولولا ما روي عن النبي لرأيت السجود كله قبل السلام؛ لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام، ولكن أقول كل ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سجد فيه بعد السلام فإنه يسجد فيه بعد السلام وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام.
وقال داوود بن علي لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع التي سجد فيها رسول الله انتهى.
وأما الشك فلم يعرض له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل أمر فيه بالبناء على اليقين وإسقاط الشك والسجود قبل السلام، فقال الإمام أحمد الشك على وجهين اليقين والتحري:
فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك وسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري.
وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم سجد سجدتي السهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور انتهى
وأما حديث أبي سعيد فهو إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.
وأما حديث ابن مسعود فهو إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليسجد سجدتين متفق عليهما.
وفي لفظ الصحيحين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين، وهذا هو الذي قال الإمام أحمد وإذا رجع إلى التحري سجد بعد السلام.
والفرق عنده بين التحري واليقين أن المصلي إذا كان إماما بنى على غالب ظنه وأكثر وهمه، وهذا هو التحري فيسجد له بعد السلام على حديث ابن مسعود، وإن كان منفردا بنى على اليقين وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد.
وهذه طريقة أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر مذهبه.
وعنه روايتان أخريان:
إحداهما أنه يبني على اليقين مطلقا وهو مذهب الشافعي ومالك.
والأخرى على غالب ظنه مطلقا.
وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك وبين الظن الغالب القوي، فمع الشك يبني على اليقين ومع أكثر الوهم أو الظن الغالب يتحرى. وعلى هذا مدار أجوبته وعلى الحالين حمل الحديثين والله أعلم.
وقال أبو حنيفة رحمه الله في الشك: إذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة فإن عرض له كثيرا فإن كان له ظن غالب بنى عليه وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين.
[الشرح]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن هذا تتمة لما سبق الكلام عليه من هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود السهو، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد للسهو ونسي ليسن عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وذكرنا فيما سبق بعض الحالات، وهنا تتمة ذكرها ابن القيم رحمه الله.
وما يهمنا في هذا الذي ذكره ابن القيم مسائل:
الأولى: أن العلماء اختلفوا في سجود السهو هل يكون قبل السلام أو بعده؟
ذكر لكم أن الشافعي رحمه الله يرى أن السجود كله يكون قبل السلام، وأنه من شأن الصلاة، وأن السجود عبادة من مثل السجود في الصلاة، فيجب أن يكون في الصلاة.
وأبو حنيفة رحمه الله يرى أنه بعد السلام؛ لأنه جبر لشيء وقع في الصلاة فلا يكون في أثنائها، وإنما يكون بعدها على ما جاء في حديث ابن مسعود وفي حديث عمران وقصة ذي اليدين .
والظاهرية داوود الظاهري ومن تبعه يرون أن السجود إنما يكون في هذه المواضع الخمسة التي جاءت بها الأحاديث فقط، فإن سها في غيرها فإنه لا سجود أصلا عليه، وإنما هو من المعفو عنه، فإنه إذا زاد خامسة يسجد، وإذا نقص من الصلاة سلّم من اثنتين أو من ثلاث يسجد، وإذا شك في صلاته يسجد، وإذا قام من التشهد فلم يسجد في التشهد الأول يسجد، وعلى المواضع الخمسة التي جاءت، وأما غيرها فلا يسجد.
الإمام مالك -كما ذكرتُ من قبل- جعل المسألة مسألة قياس؛ وهي أنه ينظر هل هذا المسبب للسجود هل هو زيادة أم نقص؟ فإن كان زاد في الصلاة فلا يناسب أن يزيد في الصلاة مرتين، يزيد في الصلاة ثم يزيد سجودين في الصلاة قبل السلام، فجعل ما كان فيه الزيادة جابره سجود بعد السلام؛ لكي لا يجمع في الصلاة بين زياديتين، وأما إذا نقص في الصلاة فإنه يجبر هذا النقص بعبادة محبوبة لله وهي السجود في أثناء الصلاة قبل السلام.
وهذا الذي قاله -كما ذكرت لك آنفا- هو قول مالك الذي ذكره في الموطأ وذكره أصحابه عنه، ونصره أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية كما هو معروف، وقال الأدلة تدور حول هذا.
أما الجهة الأثرية -أو ما أسميتكم الجهة الأثرية- في العمل بالسجود قبل السلام وبعده هو ما قاله الإمام أحمد وجمع كبير من أهل الحديث وهي أن السجود الأصل فيه أن يكون قبل السلام؛ لأنه من شأن الصلاة؛ ولأنه عبادة من جنس عبادات الصلاة، من السجود فيها سجدتين؛ لذلك جعل السجود سجدتين ولم يكتفَ بسجدة واحدة؛ لأنه ليس من جنس سجود التلاوة الذي يكون خارج الصلاة، ولكنه من جنس السجودين الذين يكونان في كل ركعة في الصلاة، فهو من جنس أفعال الصلاة، فالأصل فيه أن يفعل في الصلاة، إلا ما ورد في الدليل أنه يسجد فيه بعد السلام فإنه يتقييد مما خرج استثناء من هذا الأصل.
وهذا الذي خرج استثناء يكون في صورتين وقد تصير إلى ثلاث بالتفصيل:
أما الصورة الأولى: فهي أنه إذا سلم عن نقص؛ صلى ركعة في الفجر ثم سلم، صلى ركعتين في الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء ثم سلم، صلى ثلاث في الظهر أو العصر أو العشاء ثم سلم، فيكون قد سلّم عن نقص في صلاته فزاد التسليم في أثناء الصلاة، فهذا يُكمل الصلاة ويَجبر هذه الزيادة بسجود للسهو بعد السلام، فيسجد سجدتين ثم يسلم، فيكون سلم مرّتين.
وهذا السلام الأول به تنتهي الصلاة، السلام الأول إذا أراد أن يسجد بعد السلام، السلام الأول به تنتهي الصلاة، فلو تكلم بعد الصلاة هذهّ أي بعد السلام الأول تكلم مرشدا للناس لأن يسجدوا أو أن السهو يكون بعد الصلاة يعني بكلمة وهو مستقبل القبلة فإن هذا لا حرج عليه فيه لأنه قد سلم، وما بعده جابر لصلاته فالصلاة قد انتهت بالسلام الأول؛ لكنه يسلم وجوبا لكن الصلاة ليست متوالية؛ لأن السلام الأول للصلاة، والسلام الثاني لسجود السهو.
الصورة الثانية هي أن يزيد ركعة في الصلاة وهي التي جاءت في حديث ابن مسعود، حديث ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر خمسا، الصحابة رضوان الله عليهم لم ينبهوه ولم يسبحوا به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ لأن حياته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ زمن تشريع، يظنون أن الصلاة زِيد فيها أو حصل فيها شيء، هذا جاء في حديث ذي اليدين قال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال «لم أنس ولم تقصر» فهو لما قام إلى خامسة لم يسبَّح به، فظاهر الحال لأنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قام إلى خامسة بناء على تحريه وغالب ظنه أنه لم يصلِّ أربعا، فصار حديث ابن مسعود بنى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التحري وغالب ظنه لأنه إمام وصلى بهم خمسا بناءً على ذلك، فمن صلى خمسا غلطا منه ولم يسبح به فإنه يسجد بعد السلام؛ لأن الصلاة انتهت ثم نُبه بعد ذلك، وهذه الركعة زائدة فإذا سبح به ثقتان وجب عليه المصير إلى تسبيحهما، فإن اتبع ظن نفسه مع تسبيح ثقتين فإن صلاته تبطل وكذلك صلاة من وراءه بشرط العلم بذلك، كما قال الفقهاء رحمهم الله: فإن سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته وصلاة من تبعه ناسيا لا جاهلا أو عامدا، هنا ظاهر في هذه الحالة.
فإذن هنا صورتان، يمكن الصورة الثانية هذه أن تجعلها أيضا صورتين فتصير ثلاث صور؛ لكن هي في الحقيقة صورتان صورة السلام على النص، والصورة الثانية أن يزيد في الصلاة بناء على غالب ظنهم، هذا هو الذي جاء في حديث ابن مسعود فليتحر الصواب وليبني على غالب ظنه ثم يسجد سجدتين بعد السلام وهو الذي فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد ذكرتُ لكم فيما سبق أن هذا القول هو الأتبع للسنة والأظهر والأبين من حيث الفهم في أنه يقال للناس: إذا سلمت قبل ما تتم الصلاة سلمت من ثنتين أو ثلاث أنت باقي عليك شيء أسجد بعد السلام، وإذا قمت بعد ركعة زائدة سلم ثم أسجد بعد السلام.
وما عداها فاسجد قبل السلام.
وهو الذي يوافق يسر أحكام الصلاة ومخاطبة الناس جميعا بأحكام الصلاة بما يسهل عليهم في ذلك.
إذا تبين هذا فإن السهو في الصلاة يَعْرِض للإنسان لأسباب ومن أسبابه انشغال قلبه عن صلاته بأي عارض يعرض له، فإذا علم من نفسه أن انشغاله في صلاته يُلبس عليه صلاته فإنه ينبغي عليه أن يأخذ نفسه بالحيطة بعد الركعات وتنبه لما يصليه.
المسألة الثانية أن سجود السهو هو عبادة فيها التقرب إلى الله جل وعلا بأحب ما يكون وهو السجود له سبحانه، وهو يذكر بأن العبد إذا تعمد الذنب -طبعا هذا سجود للسهو ليس عمدا – فهو يذكر بأن العبد تعمد الذنب فإن لجوءه إلى الله جل وعلا للحسنات التي تذهب السيئات هو من باب أولى وأحرى، ولهذا قال الله جل وعلا ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هود:114]، فسجود السهو يذكر بهذا الأصل؛ وهو أن العبد إذا أذنب ينبغي له أن يُقبل ربه بالعبادة خاصة الصلاة والسجود، وأن يطيل السجود له جل وعلا طلبا للمغفرة والقرب منه، وأن لا يطرد العبد من قربه من ربه ومولاه وخالقه وبارئه جل جلاله وتقدست أسماؤه.
الثالثة من التتمات على ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى أنّ الأحكام -أحكام العبادات- ينبغي أن تبين للناس بالنظر إلى ما يفهمونه، وأن لا يعكّر عليهم الإمام أو الفقيه أو الواعظ فيما يحتاجون إليه وهم لا يستطيعون فهمه.
وهذا من أمثلته أحكام سجود السهو فإنه كلما يسرتها كلما فهمها الناس وعملوا بها.
لهذا نقول: إنه لو سجد قبل السلام في كل الأحوال إنه لا حرج عليه، فالسجود بعد السلام في المواضع التي يسجد فيها بعد السلام، هذا من باب الأفضلية، لكن لو سجد قبل السلام سجد الإمام قبل السلام أمّ أحد بأناس قد يجهلون مسألة السجود بعد السلام، فإنه يسجد قبل السلام ثم يعلمهم السنة ولا يوقعهم في لبس في هذه المسائل؛ لأن هذه لابد فيها من تعليم.
فإذن مسائل العبادات يؤلف الناس بها على وفق ما جاءت به السنة وينتبه إلى عدم التعكير عليهم بذلك، خاصة النساء في البيوت، والأولاد الناشئون هؤلاء يحتاجون إلى تبسيط للأحكام حتى يفهموها ويطبّقوها.
نكتفي بهذا القدر.
[الأسئلة]
س1/ الأخ يذكر على حديث ابن مسعود وما يتعلق به؟
ج/ روايات حديث ابن مسعود التي في ذهني فيها ذِكر أنه صلى خمس ركعات، لعل أحد الإخوة يراجعها، ويجمع لنا روايات حديث ابن مسعود وما فيه، من يتولى هذا؟ سليمان بارك الله فيك إيتي بها الأسبوع القادم.
س2/...؟
ج/ هو لا يجوز، إذا قام إلى خامسة وسبّح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع إلى قولهما، إلا في حالة واحدة وهي أنه يجزم بصواب نفسه، من سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته وصلاة من تبعه، هنا إذا لم يجزم بصواب نفسه يقول أكيد هؤلاء مائة في المائة مخطئين، فالذين وراءه لا يجوز لهم متابعته، وهو إن تابع بناء على تسبيح ثقات فإن ذمته بريئة؛ يعني لا يلزمه أن يتّبع ما جزم به هو، إذا شهد اثنين ثقات ممن وراء بأنه زاد وسبحوا به فحينئذ يرجع إلى كلامهم، لكن هم لا يجوز لهم يتابعونه يجب أن يبقوا، إذا تابعوه مع العلم فإن الصلاة باطلة يعيدونها، هم يجب عليهم أن يبقوا، من علم أنه قام إلى خامسة زائدة أو ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو نحو ذلك فإنه يجب عليهم أن لا يتابعوا الإمام؛ لأن صلاته أصلا زائدة فكيف يتابعونه في الزائد يعلمون غلطه فيه.
س/....؟
ج/ المسبوق مخيَّر بين أن يتابع الإمام في السجود بعد السلام، وبين أن يقوم يكمل، فإذا كان المسبوق لا يدي الإمام سها أو ما سها؛ يعني أتى في الركعة الأخيرة ما يدري الإمام سها أو ما سها، فإنه حينئذ إذا سلم الإمام قام وكمل، إذا قام وكمل ليس له أن رجع فيأتي بسجدتي السهو؛ لأنه قام إلى ركن الآن ثم بعد ذلك له أن يسجد سجدتين قبل السلام؛ لكن هو مخير إن شاء سجد معه وإن شاء قام يكمل صلاته.
س/...؟
ج/ لا، يسجد بعد السلام؛ لأنه قام إلى خامسة، ما دام زاد يعني قام إلى خامسة خلاص، المهم هنا القيام للخامسة، مثل ما جاء في الحديث التحري.
س/....؟
ج/ قول جماهير أهل العلم أن سجود السهو مثل الصلاة، يلزم له وضوء استقبال القبلة، ويرى طائفة من أهل العلم أنه ليس من جنس الصلاة عبادة مستقلة فيسجد على كل حال يعني بدون استقبال قبلة وبدون طهارة، ولهذا يميل قول شيخ الإسلام لكن الأفضل يكون على طهارة.
أعد هذه المادة: سالم الجزائري
شرح
فصل في هديه
في سجود السهو من زاد المعاد
لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[شريط مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في هديه في سجود السهو
ثبت عنه أنه قال «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني»، وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو، وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في الموطأ «إنما أنسى أو أنسّى لأسن»
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينسى فيترتب على سهوه أحكام شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة.
فقام من اثنتين في الرباعية ولم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام ثم سلّم.
فأُخذ من هذا قاعدة أن من ترك شيئا من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهوا سجد له قبل السلام.
وأُخذ من بعض طرقه أنه إذا ترك ذلك وشرع في ركن لم يرجع إلى المتروك؛ لأنه لما قام سبحوا فأشار إليهم أن قوموا.
واختلف عنه في محل هذا السجود:
ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن بحينة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من اثنتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك.
وفي رواية متفقٍ عليها يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم.
وفي المسند من حديث يزيد بن هارون عن المسعودي عن زياد بن عِلاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وصححه الترمذي.
وذكر البيهقي من حديث عبدالرحمن بن شماسة المهري قال: صلى بنا عقبة بن عامر الجهني فقام وعليه جلوس، فقال الناس: سبحان الله سبحان الله. فلم يجلس ومضى على قيامه، فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتي السهو وهو جالس، فلما سلم قال: إني سمعتكم آنفا تقولون سبحان الله لكيما أجلس لكن السنة الذي صنعت.
وحديث عبد الله بن بُحينة أولى لثلاثة وجوه:
أحدها أنه أصح من حديث المغيرة.
الثانية أنه أصرح منه، فإن قول المغيرة وهكذا صنع بنا رسول الله يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة، ويكون قد سجد النبي في هذا السهو مرة قبل السلام ومرة بعده، فحكى ابن بحينة ما شاهده وحكى المغيرة ما شاهده فيكون كلا الأمرين جائزا.
ويجوز أن يريد المغيرة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ولم يرجع ثم سجد للسهو.
الثالث أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده وهذه صفة السهو.
وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام. والله أعلم.
[الشرح]
السهو هو ترك بعض الأفعال أو الأقوال في الصلاة أو زيادتها أو الشك في ذلك، فإذا سها بمعنى نسي وغاب عنه فزاد أو نقص أو شك في صلاته فإنه يسمى ساهيا، بخلاف من فعل ذلك متعمدا فإنه لا يجبر فِعله بسجود بل تبطل ركعته أو نبطل صلاته بحسب الحال.
والسهو سببه النسيان كما هو معروف، لهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كما رواه البخاري ومسلم وغيرهما «إنما بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني»، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل أشياء لا تقدح في كماله لأنه في مقام التشريع، فنسي في صلاته وعمل أشياء لكي تكون الشريعة لحال أمته في نسيانهم أو أفعالهم وأقوالهم.
وسجود السهو إما أن يكون قبل السلام، وإما أن يكون بعد السلام، وهو قد يكون لنقص نقصه في صلاته أو زيادة زادها في صلاته أو لشك عرض له في صلاته فلم يدرِ ما وجه اليقين فيه.
والعلماء -كما ذكر ابن القيم وسيذكر- نظروا في هذه المسألة ولهم فيها ثلاثة اتجاهات كبيرة:
الإتجاه الأول أن السجود يكون قبل السلام دائما.
والثاني أن السجود هو جبر لما نقص فلا يكون في الصلاة وإنما يكون بعد الصلاة؛ يعني بعد السلام دائما.
والثالث وهو أنه يفصل فقد يكون قبل السلام وقد يكون بعده.
والقائلون بالتفصيل ذهبوا إلى جهتين:
الجهة الأولى أثرية.
والجهة الثانية قياسية.
هم كلهم من أهل الأثر؛ لكن من جهة الدليل في ذلك.
أما الجهة الأثرية قالوا: الأصل في السجود أنه عبادة من جنس عبادة سجود الصلاة الأصل فيه أن يكون في الصلاة، فكل مسألة سها فيها يسجد لها في الصلاة قبل السلام، ما عدا ما ورد أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد فيه بعد السلام.
وما سجد فيه بعد السلام في حالتين ستأتي إن شاء الله تعالى فقط.
فيكون أصل السجود قبل السلام إلا فيما جاء بالدليل أنه سجد فيه بعد السلام، وهاتان مسألتان سهل على الكبير والصغير أن يتعلمها.
والجهة الثانية الجهة القياسية: وهي أول من قال بها الإمام مالك رحمه الله، وذكرها في الموطأ، وتابعه عليها عدد من أهل العلم، ومن أهم من نصرها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وبعض علماء الدعوة، وهي التفريق ما بين الزيادة النقص والشك.
قالوا فإذا كانت زيادة فلا يناسب -يعني ما جاء فيه الدليل بالزيادة- فيُجعل مثله كل زيادة يزيدها المصلي، فيقيسون كل زيادة تكون في الصلاة على الحديث الذي جاء فيه الزيادة.
ويقيسون كل نقص يكون في الصلاة على الحديث الذي فيه نقص.
والحديث بحسب كلامهم أن النقص يكون فيه قبل السلام والزيادة يكون السجود فيها بعد السلام، ويجعلون الباب مطّردا بالقياس والشك يفصّلون فيه وسيأتي بيانه إن شاء الله.
هذا القول الأخير هو قول الإمام مالك ومن تابعه من أهل العلم كالشيخ تقي الدين ابن تيمية وابن القيم وجماعة، فيه نظر ظاهر مع جلالة من قال به، فيه نظر ظاهر من جهة أن القياس في هذا الباب خلاف الأصل.
الأصل في العبادات الاتباع، وليس الأصل فيها أن يُقاس بعضها على بعض؛ لأننا رأينا أشياء في العبادات لا يَنْقَاس بعضها على بعض، فإعمال القياس فيها فيه نظر ظاهر ومخالف للأصل.
ولهذا لم يقل بهذا الإمام أحمد بن حنبل وجمهرة أئمة الحديث، وإنما صاروا إلى القول بالتفصيل الأول، وهو أنه الأصل في السجود -في سجود السهو- من سها في صلاته فإنه يسجد قبل السلام إلا فيما ورد بالدليل أنه سجد فيه بعد السلام، وهو حديث ذي اليدين، وحديث ابن مسعود حينما زاد ركعة في الصلاة أو سلم من نقص، في هذين الحالتين: تسليم من نقص سلم وهو باقي عليه، أو زاد ركعة هذه يسجد فيها بعد السلام.
وهذا القول والذي أسميته الجهة أثرية، هو مقتضى الأثر ومقتضى اتباع الآثار، وهو الأوفق للناس في تعلمهم لعبادتهم؛ لأن مسألة الزيادة والنقص يتعلمها طالب العلم، ثم تشتبه على طالب العلم فضلا أن تشتبه على العامي، والصلاة سهلة أعمالها ظاهرة، يعرفها الذكي والبليد ويعرفها الأعرابي والملازم لأهل العلم، ويعرفها الجميع، فإحالة بعض أحكامها إلى ما لا يدركه إلا القلة بالقياس في الزيادة والنقص، هذا خلاف الأصل فيها.
ولهذا نقول إن الراجح في ذلك والذي ينبغي أن يعلم الناس هو ما ذهب إليه الإمام أحمد وجماهير أهل الحديث من أن الأصل في سجود السهو أن يكون قبل السلام إلا في الحالتين اللتين ورد فيها الحديث من أنه يسجد بعد السلام وهو أنه إذا سلم من نقص إذا سلم وباقي عليه ركعة وعكسها إذا زاد ركعة فقط، وما عداه فإنه يسجد قبل السلام.
هذا هو الذي تجتمع به الآثار ولا يسار فيه إلى قياس يخالف الأصل في هذا الباب.
وما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى من بحث في حديث عبد الله بن بحينة وكلام المغيرة بن شعبة ظاهر، فإن حديث عبد الله بن بحينة نص في فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي سجد قبل السلام، وأما في حديث المغيرة فإنه فعل أشياء، ثم قال هكذا صنع بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد يكون في ذلك دخل لفهمه هو، وقد يكون أنه يجوز هذا وهذا لكن الأظهر من السنة في ذلك أن يكون السجود فيمن قام من اثنتين فيها في عدة أحاديث أنه يسجد قبل السلام وهو الأصل في أن يكون السجود تابعا للصلاة في أثنائها وألا يكون خارجها.
نكتفي بهذا القدر، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
س1/ أحسن الله إليكم وإذا همَّ بالقيام؟
ج/ هو إذا انتقل إلى ركن، الآن الجلوس ركن يعني السجود ركن والجلوس للتشهد واجب، فإذا ترك الواجب إلى ركن بمعنى استتم قائما فإنه لا يرجع؛ لكن إذا لم ينتقل إلى الركن لا زال في الانتقال فإنه يرجع إلى الواجب؛ لكن متى استتم قائما فإنه لا يرجع.
س2/ لكن بالنسبة للزيادة كهذه الصورة صورة زيادة ويسجد بعد السلام؟
ج/ لا ليست صورة زيادة، هذه صورة نقص.
س/ أسأل عن قضية الزيادة متى نحكم مثلا لو قام من الرابعة إلى خامسة.
ج/ هذه زاد.
س/ ورجع نقول سجودك بعد السلام؟
ج/ السجود لأنه زاد، حتى الآن لو أنه سلم من اثنتين عند كلام الإمام مالك وابن تيمية وجماعة، إذا سلم من اثنتين وقالوا له باقي اثنتين، أو سلم من المغرب من ثنتين وقالوا له باقي واحدة هو الآن زاد أو نقص؟ ناس يقولون نقص ناس يقولون زاد.
هذا الاشتباه يشتبه على كثيرين؛ يعني جيء يقول زاد أو نقص، هو زاد التسليمة إذا رجع وكمل هو زاد التسليمة وزاد أفعال إذا كان فعل أشياء، فننظر إلى الصلاة متصلة يكون التسليمة وما بعدها من الأشياء هذه زيادة يعني كأنها خارجة عن ماهية الصلاة وعن هيئة الصلاة بزيادة.
ننظر إلى أنها نقص ركعة لكنه جاء وكملها وصورة الصلاة تمت على زيادة، ولذلك يقولون يسجد في الزيادة بعد السلام.
لكن –كما ذكرنا لك- الأوفق للناس والأيسر لهم أنهم الحالتين هذه يسجدون بعد السلام والباقي يسجد بعد السلام، ويكون الأمر ميسورا ويتعلمها الكبير والصغير.
النشرة التي كانت كبتها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تذكرونها، أنا جلست مدة أتأمل فيها عَشَان أفهمها، أعطيتها بعض الناس ما فهموها، ليست سهلة أنها تفهم حتى أنك إذا جئت للشك الفرق بين الشك والبناء على اليقين، من يفهم مثل هذه التفصيلات، والصلاة عبادة متعلقة بالعامة، متعلقة بالمكلف، متعلق بالمرأة بالجاهل بالبليد بالذكي، فلابد أن تكون أحكامها ميسورة.
الصلاة سهلة تعلمها أما إذا كان فيها حكم مثل هذا صعب أنه يفهمه في صلاته.
س3/....؟
ج/ هذا موسوس ما يصلح إماما.
س4/.....؟
ما الذي يجب فيه، العلماء فيه تفصيل، وهنا لو كان السجود واجبا قبل السلام فتركه لبعد السلام تبطل صلاته؛ يعني يكون ترك واجبا عمدا، هذه فيها تفاصيل في كتب الفقهاء.
[المتن]
فصل
وسلّم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، ثم تكلم ثم أتمها ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام والكلام، يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع.
وذكر أبو داوود والترمذي أن النبي صلى بهم فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. وقال الترمذي حسن غريب.
وصلى يوما فسلم وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه طلحة ابن عبيد الله فقال: نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى للناس ركعة. ذكره الإمام أحمد رحمه الله.
وصلى الظهر خمسا فقيل له زِيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلّم. متفق عليه.
وصلى العصر ثلاثا ثم دخل منزله فذكّره الناس فخرج فصلى بهم ركعة ثم سلّم ثم سجد سجدتين ثم سلّم.
فهذا مجموع ما حفظ عنه من سهوه في الصلاة وهو خمسة مواضع، وقد تضمن سجوده في بعضه قبل السلام وفي بعضه بعده.
وقال الشافعي رحمه الله: كله قبل السلام.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: كله بعد السلام.
وقال مالك رحمه الله كل سهو كان نقصانا في الصلاة فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام، وإذا اجتمع سهوان زيادة ونقصان فالسجود لهما قبل السلام
قال أبو عمر بن عبد البر هذا مذهبه لا خلاف عنه فيه، ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلاف ذلك فجعل السجود كله بعد السلام أو كله قبل السلام لم يكن عليه شيء لأنه عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده لاختلاف الآثار المرفوعة والسلف من هذه الأمة في ذلك.
وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن سجود السهو قبل السلام أم بعده؟ فقال: في مواضع قبل السلام وفي مواضع بعده، كما صنع النبي حين سلّم من اثنتين ثم سجد بعد السلام على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، ومن سلم من ثلاث سجد أيضا بعد السلام على حديث عمران بن حصين، وفي التحري يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام على حديث ابن بحينة، وفي الشك يبني على اليقين ويسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الرحمن ابن عوف.
قال الأثرم فقلت لأحمد بن حنبل: فما كان سوى هذه المواضع قال يسجد فيها كلها قبل السلام لأنه يتم ما نقص من صلاته.
قال: ولولا ما روي عن النبي لرأيت السجود كله قبل السلام؛ لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام، ولكن أقول كل ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سجد فيه بعد السلام فإنه يسجد فيه بعد السلام وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام.
وقال داوود بن علي لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع التي سجد فيها رسول الله انتهى.
وأما الشك فلم يعرض له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل أمر فيه بالبناء على اليقين وإسقاط الشك والسجود قبل السلام، فقال الإمام أحمد الشك على وجهين اليقين والتحري:
فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك وسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري.
وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم سجد سجدتي السهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور انتهى
وأما حديث أبي سعيد فهو إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم.
وأما حديث ابن مسعود فهو إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليسجد سجدتين متفق عليهما.
وفي لفظ الصحيحين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين، وهذا هو الذي قال الإمام أحمد وإذا رجع إلى التحري سجد بعد السلام.
والفرق عنده بين التحري واليقين أن المصلي إذا كان إماما بنى على غالب ظنه وأكثر وهمه، وهذا هو التحري فيسجد له بعد السلام على حديث ابن مسعود، وإن كان منفردا بنى على اليقين وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد.
وهذه طريقة أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر مذهبه.
وعنه روايتان أخريان:
إحداهما أنه يبني على اليقين مطلقا وهو مذهب الشافعي ومالك.
والأخرى على غالب ظنه مطلقا.
وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك وبين الظن الغالب القوي، فمع الشك يبني على اليقين ومع أكثر الوهم أو الظن الغالب يتحرى. وعلى هذا مدار أجوبته وعلى الحالين حمل الحديثين والله أعلم.
وقال أبو حنيفة رحمه الله في الشك: إذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة فإن عرض له كثيرا فإن كان له ظن غالب بنى عليه وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين.
[الشرح]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن هذا تتمة لما سبق الكلام عليه من هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود السهو، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد للسهو ونسي ليسن عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وذكرنا فيما سبق بعض الحالات، وهنا تتمة ذكرها ابن القيم رحمه الله.
وما يهمنا في هذا الذي ذكره ابن القيم مسائل:
الأولى: أن العلماء اختلفوا في سجود السهو هل يكون قبل السلام أو بعده؟
ذكر لكم أن الشافعي رحمه الله يرى أن السجود كله يكون قبل السلام، وأنه من شأن الصلاة، وأن السجود عبادة من مثل السجود في الصلاة، فيجب أن يكون في الصلاة.
وأبو حنيفة رحمه الله يرى أنه بعد السلام؛ لأنه جبر لشيء وقع في الصلاة فلا يكون في أثنائها، وإنما يكون بعدها على ما جاء في حديث ابن مسعود وفي حديث عمران وقصة ذي اليدين .
والظاهرية داوود الظاهري ومن تبعه يرون أن السجود إنما يكون في هذه المواضع الخمسة التي جاءت بها الأحاديث فقط، فإن سها في غيرها فإنه لا سجود أصلا عليه، وإنما هو من المعفو عنه، فإنه إذا زاد خامسة يسجد، وإذا نقص من الصلاة سلّم من اثنتين أو من ثلاث يسجد، وإذا شك في صلاته يسجد، وإذا قام من التشهد فلم يسجد في التشهد الأول يسجد، وعلى المواضع الخمسة التي جاءت، وأما غيرها فلا يسجد.
الإمام مالك -كما ذكرتُ من قبل- جعل المسألة مسألة قياس؛ وهي أنه ينظر هل هذا المسبب للسجود هل هو زيادة أم نقص؟ فإن كان زاد في الصلاة فلا يناسب أن يزيد في الصلاة مرتين، يزيد في الصلاة ثم يزيد سجودين في الصلاة قبل السلام، فجعل ما كان فيه الزيادة جابره سجود بعد السلام؛ لكي لا يجمع في الصلاة بين زياديتين، وأما إذا نقص في الصلاة فإنه يجبر هذا النقص بعبادة محبوبة لله وهي السجود في أثناء الصلاة قبل السلام.
وهذا الذي قاله -كما ذكرت لك آنفا- هو قول مالك الذي ذكره في الموطأ وذكره أصحابه عنه، ونصره أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية كما هو معروف، وقال الأدلة تدور حول هذا.
أما الجهة الأثرية -أو ما أسميتكم الجهة الأثرية- في العمل بالسجود قبل السلام وبعده هو ما قاله الإمام أحمد وجمع كبير من أهل الحديث وهي أن السجود الأصل فيه أن يكون قبل السلام؛ لأنه من شأن الصلاة؛ ولأنه عبادة من جنس عبادات الصلاة، من السجود فيها سجدتين؛ لذلك جعل السجود سجدتين ولم يكتفَ بسجدة واحدة؛ لأنه ليس من جنس سجود التلاوة الذي يكون خارج الصلاة، ولكنه من جنس السجودين الذين يكونان في كل ركعة في الصلاة، فهو من جنس أفعال الصلاة، فالأصل فيه أن يفعل في الصلاة، إلا ما ورد في الدليل أنه يسجد فيه بعد السلام فإنه يتقييد مما خرج استثناء من هذا الأصل.
وهذا الذي خرج استثناء يكون في صورتين وقد تصير إلى ثلاث بالتفصيل:
أما الصورة الأولى: فهي أنه إذا سلم عن نقص؛ صلى ركعة في الفجر ثم سلم، صلى ركعتين في الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء ثم سلم، صلى ثلاث في الظهر أو العصر أو العشاء ثم سلم، فيكون قد سلّم عن نقص في صلاته فزاد التسليم في أثناء الصلاة، فهذا يُكمل الصلاة ويَجبر هذه الزيادة بسجود للسهو بعد السلام، فيسجد سجدتين ثم يسلم، فيكون سلم مرّتين.
وهذا السلام الأول به تنتهي الصلاة، السلام الأول إذا أراد أن يسجد بعد السلام، السلام الأول به تنتهي الصلاة، فلو تكلم بعد الصلاة هذهّ أي بعد السلام الأول تكلم مرشدا للناس لأن يسجدوا أو أن السهو يكون بعد الصلاة يعني بكلمة وهو مستقبل القبلة فإن هذا لا حرج عليه فيه لأنه قد سلم، وما بعده جابر لصلاته فالصلاة قد انتهت بالسلام الأول؛ لكنه يسلم وجوبا لكن الصلاة ليست متوالية؛ لأن السلام الأول للصلاة، والسلام الثاني لسجود السهو.
الصورة الثانية هي أن يزيد ركعة في الصلاة وهي التي جاءت في حديث ابن مسعود، حديث ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر خمسا، الصحابة رضوان الله عليهم لم ينبهوه ولم يسبحوا به عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ لأن حياته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ زمن تشريع، يظنون أن الصلاة زِيد فيها أو حصل فيها شيء، هذا جاء في حديث ذي اليدين قال ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال «لم أنس ولم تقصر» فهو لما قام إلى خامسة لم يسبَّح به، فظاهر الحال لأنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قام إلى خامسة بناء على تحريه وغالب ظنه أنه لم يصلِّ أربعا، فصار حديث ابن مسعود بنى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التحري وغالب ظنه لأنه إمام وصلى بهم خمسا بناءً على ذلك، فمن صلى خمسا غلطا منه ولم يسبح به فإنه يسجد بعد السلام؛ لأن الصلاة انتهت ثم نُبه بعد ذلك، وهذه الركعة زائدة فإذا سبح به ثقتان وجب عليه المصير إلى تسبيحهما، فإن اتبع ظن نفسه مع تسبيح ثقتين فإن صلاته تبطل وكذلك صلاة من وراءه بشرط العلم بذلك، كما قال الفقهاء رحمهم الله: فإن سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته وصلاة من تبعه ناسيا لا جاهلا أو عامدا، هنا ظاهر في هذه الحالة.
فإذن هنا صورتان، يمكن الصورة الثانية هذه أن تجعلها أيضا صورتين فتصير ثلاث صور؛ لكن هي في الحقيقة صورتان صورة السلام على النص، والصورة الثانية أن يزيد في الصلاة بناء على غالب ظنهم، هذا هو الذي جاء في حديث ابن مسعود فليتحر الصواب وليبني على غالب ظنه ثم يسجد سجدتين بعد السلام وهو الذي فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد ذكرتُ لكم فيما سبق أن هذا القول هو الأتبع للسنة والأظهر والأبين من حيث الفهم في أنه يقال للناس: إذا سلمت قبل ما تتم الصلاة سلمت من ثنتين أو ثلاث أنت باقي عليك شيء أسجد بعد السلام، وإذا قمت بعد ركعة زائدة سلم ثم أسجد بعد السلام.
وما عداها فاسجد قبل السلام.
وهو الذي يوافق يسر أحكام الصلاة ومخاطبة الناس جميعا بأحكام الصلاة بما يسهل عليهم في ذلك.
إذا تبين هذا فإن السهو في الصلاة يَعْرِض للإنسان لأسباب ومن أسبابه انشغال قلبه عن صلاته بأي عارض يعرض له، فإذا علم من نفسه أن انشغاله في صلاته يُلبس عليه صلاته فإنه ينبغي عليه أن يأخذ نفسه بالحيطة بعد الركعات وتنبه لما يصليه.
المسألة الثانية أن سجود السهو هو عبادة فيها التقرب إلى الله جل وعلا بأحب ما يكون وهو السجود له سبحانه، وهو يذكر بأن العبد إذا تعمد الذنب -طبعا هذا سجود للسهو ليس عمدا – فهو يذكر بأن العبد تعمد الذنب فإن لجوءه إلى الله جل وعلا للحسنات التي تذهب السيئات هو من باب أولى وأحرى، ولهذا قال الله جل وعلا ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هود:114]، فسجود السهو يذكر بهذا الأصل؛ وهو أن العبد إذا أذنب ينبغي له أن يُقبل ربه بالعبادة خاصة الصلاة والسجود، وأن يطيل السجود له جل وعلا طلبا للمغفرة والقرب منه، وأن لا يطرد العبد من قربه من ربه ومولاه وخالقه وبارئه جل جلاله وتقدست أسماؤه.
الثالثة من التتمات على ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى أنّ الأحكام -أحكام العبادات- ينبغي أن تبين للناس بالنظر إلى ما يفهمونه، وأن لا يعكّر عليهم الإمام أو الفقيه أو الواعظ فيما يحتاجون إليه وهم لا يستطيعون فهمه.
وهذا من أمثلته أحكام سجود السهو فإنه كلما يسرتها كلما فهمها الناس وعملوا بها.
لهذا نقول: إنه لو سجد قبل السلام في كل الأحوال إنه لا حرج عليه، فالسجود بعد السلام في المواضع التي يسجد فيها بعد السلام، هذا من باب الأفضلية، لكن لو سجد قبل السلام سجد الإمام قبل السلام أمّ أحد بأناس قد يجهلون مسألة السجود بعد السلام، فإنه يسجد قبل السلام ثم يعلمهم السنة ولا يوقعهم في لبس في هذه المسائل؛ لأن هذه لابد فيها من تعليم.
فإذن مسائل العبادات يؤلف الناس بها على وفق ما جاءت به السنة وينتبه إلى عدم التعكير عليهم بذلك، خاصة النساء في البيوت، والأولاد الناشئون هؤلاء يحتاجون إلى تبسيط للأحكام حتى يفهموها ويطبّقوها.
نكتفي بهذا القدر.
[الأسئلة]
س1/ الأخ يذكر على حديث ابن مسعود وما يتعلق به؟
ج/ روايات حديث ابن مسعود التي في ذهني فيها ذِكر أنه صلى خمس ركعات، لعل أحد الإخوة يراجعها، ويجمع لنا روايات حديث ابن مسعود وما فيه، من يتولى هذا؟ سليمان بارك الله فيك إيتي بها الأسبوع القادم.
س2/...؟
ج/ هو لا يجوز، إذا قام إلى خامسة وسبّح به ثقتان فيجب عليه أن يرجع إلى قولهما، إلا في حالة واحدة وهي أنه يجزم بصواب نفسه، من سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته وصلاة من تبعه، هنا إذا لم يجزم بصواب نفسه يقول أكيد هؤلاء مائة في المائة مخطئين، فالذين وراءه لا يجوز لهم متابعته، وهو إن تابع بناء على تسبيح ثقات فإن ذمته بريئة؛ يعني لا يلزمه أن يتّبع ما جزم به هو، إذا شهد اثنين ثقات ممن وراء بأنه زاد وسبحوا به فحينئذ يرجع إلى كلامهم، لكن هم لا يجوز لهم يتابعونه يجب أن يبقوا، إذا تابعوه مع العلم فإن الصلاة باطلة يعيدونها، هم يجب عليهم أن يبقوا، من علم أنه قام إلى خامسة زائدة أو ثالثة في الفجر أو رابعة في المغرب أو نحو ذلك فإنه يجب عليهم أن لا يتابعوا الإمام؛ لأن صلاته أصلا زائدة فكيف يتابعونه في الزائد يعلمون غلطه فيه.
س/....؟
ج/ المسبوق مخيَّر بين أن يتابع الإمام في السجود بعد السلام، وبين أن يقوم يكمل، فإذا كان المسبوق لا يدي الإمام سها أو ما سها؛ يعني أتى في الركعة الأخيرة ما يدري الإمام سها أو ما سها، فإنه حينئذ إذا سلم الإمام قام وكمل، إذا قام وكمل ليس له أن رجع فيأتي بسجدتي السهو؛ لأنه قام إلى ركن الآن ثم بعد ذلك له أن يسجد سجدتين قبل السلام؛ لكن هو مخير إن شاء سجد معه وإن شاء قام يكمل صلاته.
س/...؟
ج/ لا، يسجد بعد السلام؛ لأنه قام إلى خامسة، ما دام زاد يعني قام إلى خامسة خلاص، المهم هنا القيام للخامسة، مثل ما جاء في الحديث التحري.
س/....؟
ج/ قول جماهير أهل العلم أن سجود السهو مثل الصلاة، يلزم له وضوء استقبال القبلة، ويرى طائفة من أهل العلم أنه ليس من جنس الصلاة عبادة مستقلة فيسجد على كل حال يعني بدون استقبال قبلة وبدون طهارة، ولهذا يميل قول شيخ الإسلام لكن الأفضل يكون على طهارة.
أعد هذه المادة: سالم الجزائري