إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مسائل منتقاة من الشرح الممتع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    مسألة: لو قال قائل: إنه حاقن، ويخشى إنْ قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يُصلِّي حاقناً ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟
    فالجواب: يقضي حاجته ويتوضَّأ ولو فاتته الجماعة، لأن هذا عُذر، وإذا طرأ عليه في أثناء الصَّلاة فله أن يُفارق الإمام.
    مسألة: إذا قال قائل: إنَّ الوقت قد ضاقَ، وهو الآن يُدافع أحد الأخبثين فإن قضى حاجته وتوضَّأ خرج الوقتُ، وإن صَلَّى قبل خروج الوقت صَلَّى وهو يدافع الأخبثين، فهل يُصلِّي وهو يدافع الأخبثين، أو يقضي حاجته ويُصلِّي؛ ولو بعد الوقت؟
    فالجواب: إنْ كانت الصَّلاةُ تُجمع مع ما بعدَها فليقضِ حاجته وينوي الجمع؛ لأن الجمع في هذه الحال جائز، وإن لم تكن تُجمع مع ما بعدَها كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، أو في صلاة العصر، أو في صلاة العشاء، فللعلماء في هذه المسألة قولان:
    القول الأول: أنه يُصلِّي ولو مع مُدافعة الأخبثين حفاظاً على الوقت، وهذا رأي الجُمهور.
    القول الثاني: يقضي حاجته ويُصلِّي ولو خرج الوقت.
    وهذا القول أقرب إلى قواعد الشريعة؛ لأن هذا بلا شَكٍّ من اليُسر، والإنسان إذا كان يُدافع الأخبثين يَخشى على نفسِه الضَّرر مع انشغاله عن الصَّلاة.وهذا في المدافعة القريبة.
    أما المدافعة الشديدة التي لا يدري ما يقول فيها، ويكاد يتقطَّع من شدة الحصر، أو يخشى أن يغلبه الحَدَث فيخرج منه بلا اختيار، فهذا لا شَكَّ أنه يقضي حاجته ثم يُصلِّي، وينبغي ألا يكون في هذا خلاف.
    مسألة: هل تفريق السُّورة في الركعتين جائز أم لا؟
    الجواب: جائز؛ إلا إذا كان لما بقي تعلُّق بما مضى، فهنا ينبغي ألا يفعل، مثل لو قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 1 ـ 3] فهنا لا ينبغي أن يقفَ على هذا الموقف؛ لانقطاع الكلام بعضه عن بعض. أما إذا لم يكن محذور في الوقف فلا بأس.
    ودليل ذلك: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ في صلاة المغرب بالأعراف فَرَّقها في الرَّكعتين (2) وهذا يدلُّ على جواز تفريق السُّورة في الرَّكعتين، لكن ينبغي ملاحظة ما يُشرع مِن التطويل والتوسُّط والتقصير، كما هو معروف في أول صفة الصَّلاة.
    مسألة: هل يقرأ من أثناء السُّورة أم لا؟
    الجواب: يجوز أن يقرأ آية أو آيتين أو أكثر مِن أثناء السُّورة. هذا؛ وإن كان الأفضل عدمه حتى إن ابنَ القيم ذَكَرَ في «زاد المعاد»: أنه لم يُحفظ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ مِن أثناء السُّورة. ولكن يُقال: إنه قد ثَبَتَ عنه أنه كان يقرأ في سُنَّةِ الفجر في الرَّكعةِ الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} ...} [البقرة: 136] ، وفي الثانية {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} ...} [آل عمران: 64] .
    والأصلُ أن ما ثَبَتَ في النَّفل ثَبَتَ في الفرض إلا بدليل، فالصَّحيح أنه يجوز أن يقرأ الإنسانُ الآية أو الآيتين أو أكثر من أثناء السُّورة، ولا بأس في ذلك في الفرض والنَّفل.
    مسألة: إذا قال قائل: هل له أن يتحكَّك إذا أصابته حِكَّة؟
    فالجواب: له ذلك؛ لأنه إذا لم يفعل انشغل انشغالاً عظيماً، فله أن يَحُكَّ، وإذا انتقلت الحِكَّة مِن الأذن إلى الأخرى إلى الرقبة، فهل له أن يتنقَّل معها؟
    الجواب: له ذلك، وإن أمكن الصبر على هذه الحِكَّة فليصبرْ، لكن لو انشغل قلبُه بذلك فليحكَّها، لإزالة ما يمنعه مِن الخشوع ومن المعلوم أن الحكّة إذا حكّها الإنسان بردت وسكنت عليه.
    مسألة: لو فُرض أن المأموم سَبَّح، ولكن الإمام لم ينتبه، وسَبَّح ثانية، ولم ينتبه، وربما سَبَّح به فقام؛ وسَبَّح به فجلس؛ فماذا يصنع؟
    الجواب: قال بعض العلماء: يخبره بالخَلَلِ الذي في صلاته بالنُّطْقِ، فيقول: اركعْ... اجلسْ... قُمْ...، ثم اختلف القائلون بأنه يقول هذا، هل تبطل الصَّلاةُ بذلك أم لا ؟
    فقال بعضهم: لا تبطل؛ لأن هذا كلام لمصلحة الصَّلاة، وليس كلام آدميين، يعني لم يقصد به التَّخاطب مع الآدميين، بل قَصَدَ به إصلاح الصَّلاة.
    واستدلُّوا لذلك: بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا قال له ذو اليدين: «بلى قد نسيتَ... قال: أكما يقول ذو اليدين؟» وهذا كلامٌ يُخاطب به الآدميين؛ لكنه كلام لمصلحة الصَّلاة.
    القول الثاني: أن الصَّلاةَ تبطل إذا تكلَّم؛ لعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ»، ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بالتَّسبيحِ ولو كان الخطابُ لمصلحة الصَّلاةِ لا يضرُّ لكان يأمر به؛ لأنه أقربُ إلى الفهم وحصول المقصود من التسبيح، فلما عَدَلَ عنه عُلِمَ أن ذلك ليس بجائز؛ لأن المصلحةَ تقتضيه لولا أنه ممتنع، ولا شَكَّ أن هذا الدليل قويٌّ، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ إذا نبَّه بالكلام، ولكن نحتاج إلى الجواب عما استدلَّ به القائلون بأن الصَّلاةَ لا تبطل؛ لأن الكلام لمصلحة الصَّلاةِ.
    والجواب عن ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حين تكلَّم لم يكن يعلم أنه في صلاة، بل كان يظنُّ أنَّ الصَّلاةَ تمَّت، ولهذا قال: «لم أنسَ ولم تُقصرْ» ولما قالوا: صدق ذو اليدين، أو قالوا: نعم، لم يتكلَّم بعدُ، بل تقدَّم وصَلَّى ما تَرَكَ. وفَرْقٌ بين شخص يعلَمُ أنه في صلاة، ولكن يتكلَّم لمصلحة الصَّلاةِ، وشخص لم يتيقَّن أنه في صلاة، بل كان ظنُّه أنه ليس في صلاة، وأنَّ صلاتَه تمَّت، وحينئذٍ فلا يتمُّ الاستدلال بهذا الحديث. ولكن يبقى النَّظرُ؛ لو قال قائل: إذا لم نقل بأنّه يُنبَّه بالكلام فسيكون ألعوبة، يُقال: سُبحان الله فيجلس، سبحان الله فيقوم، سبحان الله فيجلس، سبحان الله فيقوم، فلا بُدَّ مِن كلام؟
    فربَّما يُقال في هذه الحال: إذا دعت الضَّرورة يتكلَّم المُنبِّه، ثم يستأنف الصَّلاة، فنقول: تكلَّم لمصلحة الصلاة، فإنك إذا تكلَّمتَ الآن أصلحت صلاة الجماعة كلَّها وفسدت صلاتُك، واستأنف، فيكون لمصلحة الجميع، ومصلحة الجميع مقدَّمة على مصلحة الفرد، حتى لو بقيتَ مع الإمام سوف تبطل صلاتك، أو يؤدي الأمر إلى أن تفارق إمامك.
    مسألة: هل يمكن أن يُنبَّه بغير ذلك، أي: بغير التسبيح؟
    الجواب: نعم؛ يجوز أن يُنبَّه بالنَّحْنَحَةِ؛ لأنَّ عليَّ بن أبي طالب كان له مدخلان مِن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واحدٌ بالليل والثاني بالنهار، فإذا دخل عليه وهو يُصلِّي تَنَحْنَحَ له. فإذاً؛ هذا طريق آخر للتنبيه.
    وأيضاً: يجوز أن يُنبَّه بالجهر بالقراءة، والجهر بالقراءة جائز، فإذا استأذن عليك أحدٌ أو ناداك وأنت تُصلِّي؛ فرفعت صوتك بما تقول فهذا فيه تنبيه، لكن أفضل شيء هو التسبيح؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ به.
    مسألة: هل للمُصلِّي أن يُنبِّه غير إمامه إذا أخطأ في شيء، كما لو كان الذي بجانبك يكثِرُ الحركة ويشغلك.
    الجواب: نعم؛ لك أن تُنبِّهَه، لأن هذا مِن إصلاح صلاته وصلاتك، بل حتى لو فُرض أنه لإصلاح صلاة أخيه فلا بأس.والدليل على هذا: سبب الحديث، وهو قوله عليه الصَّلاةُ والسلام: «إذا نابَكم شيء» فإنَّ سببه أنَّ معاويةَ بن الحكم رضي الله عنه جاء والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي فصَلَّى، فعطس رَجلٌ مِن القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله، فرمَاهُ النَّاسُ بأبصارهم ـ أي: جعلوا ينظرون إليه منكرين قوله ـ فقال: واثُكلَ أُمَّيَاه.. فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكتَ فلما سَلَّم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم دعاه، وقال له: «إن هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلام النَّاسِ، إنَّما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».
    وقال للصَّحابة: «إذا نَابَكم شيءٌ في صلاتكم فليسبِّح الرِّجال ولتُصفق النساء».
    وهذه المسألة تتعلَّق بصلاة غيرهم، ولكنها في الواقع تتعلَّق بصلاتهم من وجه آخر، وهو أنه قد يكون في ذلك تشويش عليهم، فلهذا لم ينههم النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن إنكارهم لِمَا صَنَعَ معاوية.
    مسألة: لو قرأ القارئ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى *} [القيامة] ؟ فهذه ليست آية وعيد ولا آية رحمة فله أن يقول: بلى، أو «سبحانك فبلى»، لأنه وَرَدَ في حديث عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، ونصَّ الإِمام أحمد عليه، قال الإِمام أحمد: إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى *} [القيامة] في الصلاة وغير الصلاة، قال: سبحانك فبلى، في فَرْضٍ ونَفْلٍ.
    وإذا قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ *} [التين] فيقول: «سبحانك فبلى».
    ولو قرأ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ *} [الملك] .
    فهنا لا يقول: يأتي به الله؛ لأنَّ هذا إنَّما جاء في سياق التهديد والوعيد، فاللهُ أَمَرَ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهؤلاء المكذِّبين: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] والعامَّة نسمعُهم يقولون: يأتي به اللهُ، وهذا لا يصلح.
    وفيه آيات كثيرة؛ كقوله في سورة النمل: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النحل: 60] ؟ فهل يصحُّ أن يقول: لا؟
    الجواب: نعم، يصحُّ أن يقول: لا إله مع الله.
    فصل في أركان الصلاة
    مسألة: ويجب القيامُ ولو معتمداً، فلو قال قائل: أنا لوقمتُ معتمداً على عصا أو على عمود، أو على جدار أمكن ذلك، وإنْ لم أعتمد لم أستطع، فلا تَقُلُّني رِجْلاي؟ فنقول: يجب عليك القيامُ ولو معتمداً؛ لعموم الأدلة.
    فإذا قال: ما حَدُّه؟ أي: هل يلزم أنْ أنتصبَ، أو يجوز وأنا حاني الظَّهر بعض الشيء؟
    فالجواب: إنْ حَنَيْتَ ظهركَ إلى حَدِّ الرُّكوع؛ فلستَ بقائمٍ؛ فلا يصحُّ، إلا مع العجز، وإن حَنَيْتَهُ قليلاً أجزأ.
    فإن قال قائل: إذا كان قادراً على القيام، ولكنه يخافُ على نفسِه إذا قام، فهل يسقطُ عنه القيامُ: فالجواب: نعم؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 238 ـ 239] ففي هذه الحال يسقط عنه الرُّكوعُ والسجودُ، وهما رُكنان أوكد مِن القيام، فسقوط القيام مِن باب أَولى.
    مسألة: إذا قُدِّرَ أنه مُنحني الظَّهْرِ فإنه يقف ولو كراكع، ولا يسقط عنه القيامُ؛ لأن هذا هو قيامه، لأن القيام في الحقيقة يعتمد على انتصاب الظَّهرِ وانتصابِ الرجلين، فإذا فاتَ أحدُ الانتصابين وَجَبَ الآخر.
    مسألة: إذا قال قائل: أنتم قلتم يجب القيامُ ولو معتمداً، فهل يجوزُ أن يَعتمدَ؟
    الجواب: إذا كان لا يتمكَّن من القيام إلا بالاعتماد جاز له أن يَعتمدَ، وإن كان يتمكَّن بدون اعتماد لم يَجُزْ أن يعتمدَ؛ إلا إذا كان اعتماداً خفيفاً فلا بأس به.
    والضابط: أنه إنْ كان بحيث لو أُزيل ما استند إليه سَقَطَ ؛ فهذا غير خفيف، وإن كان لو أُزيلَ لم يَسقط؛ فهو خفيف.
    فإنْ قال إنسان: هذا غير منضبط؛ لأن الواحد إذا انتبه لم يسقط بإزالة ما استندَ إليه، وإنْ لم ينتبه سَقَطَ ولو كان اعتمادُه خفيفاً، فما الجواب؟
    فالجواب: أن الضابط كون ما اعتمدَ عليه حاملاً له، فإن كان حاملاً له لم يصحَّ قيامه، وإلا صحَّ.
    على أن بعض العلماء،قال: إنَّ عمومَ قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلِّ قائماً» يشمَلُ حتى المعتمدَ على شيء يسقط لو أُزيلَ، بمعنى أنه يجوز أن تعتمدَ، لكن فقهاءنا ـ رحمهم الله ـ قالوا: لا يجوز الاعتماد على شيء اعتماداً قويًّا بحيث يَسقط لو أُزيل.
    وعلَّلوا ذلك: بأنه يُزيل مشقَّة القيام؛ لأن هذا كمستلقٍ على الجدار الذي اعتمدَ عليه.
    مسألة: ثم إذا قلنا بوجوب قراءة الفاتحة، فهل تجب في كُلِّ رَكعة، أو يكفي أن يقرأها في ركعة واحدة؟
    في هذا خِلاف بين العلماء،فمنهم مَن قال: إذا قرأها في رَكعة واحدة أجزأ؛ لعموم قوله: «لا صلاةَ لمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»،ولم يقل في كُلِّ رَكعة، والإِنسان إذا قرأها في ركعة فقد قرأها، فتجزئ.
    ولكن الصحيح أنها في كُلِّ رَكعة.
    ودليل ذلك ما يلي:
    ـ أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال للمسيء في صلاته: «ثم افعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها» .
    ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم واظبَ على قراءتها في كُلِّ ركعة، وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي».
    وعلى هذا؛ فيكون القول الرَّاجح في هذه المسألة: أنَّ قراءة الفاتحة رُكنٌ في كُلِّ ركعة، وعلى كُلِّ مُصَلٍّ، ولا يُستثنى منها إلا ما ذكرنا فيما دَلَّ عليه حديث أبي بَكْرة رضي الله عنه.
    مسألة: مِن جملة المسنونات في الصلاة الخشوع، وليس الخشوع الذي هو البكاء، ولكن الخشوع حضور القلب وسكون الأطراف، أي: أن يكون قلبك حاضراً مستحضراً ما يقول وما يفعل في صلاته، ومستحضراً أنه بين يدي الله عزّ وجل، وأنه يناجي رَبَّه، ولا شَكَّ أنه مِن كمال الصلاة، وأن الصلاة بدونه كالجسد بلا روح.
    وذهب بعضُ أهل العلم، إلى أن الخشوع في الصلاة واجب، وأنه إذا غَلَبَ الوسواسُ على أكثر الصَّلاةِ فإنَّها لا تصحُّ، وهذه قد تُشْكِلُ في بادئ الأمر ويقال: لو قلنا بهذا القول لأوجبنا على الناس غالباً كلَّما صلُّوا أن يعيدوا صلاتهم، وإذا صَلُّوا المعادة وحصل وسواس أعادوا وهلم جَرَّا! لكن عندي أن هذا ليس بوارد؛ لأن الإِنسان إذا أُمِرَ أن يعيد صلاةً مرَّة واحدة فإنه في المستقبل سوف يخشع ولا يفكِّرُ في شيء، فالقول بأنه من الواجبات، وأنه إذا غَلَبَ الوسواسُ على أكثر الصلاة بطلت الصلاة؛ لا شَكَّ أنه قولٌ وجيه، لأن الخشوع لُبُّ الصلاة وروحها، إلا أنه يعكِّرُ على وجاهته ما أخبر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بأن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضُرَاطٌ ـ من شِدَّة وَقْعِ الأذان عليه ـ ثم إذا فَرَغَ الأذان حضر، وإذا حضر دَخَلَ على الإِنسان في صلاته، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر، حتى لا يدري كم صَلَّى. فهذا الحديث نصٌّ بأن الوسواس وإنْ كَثُرَ لا يبطل الصلاة، وكذلك عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها؛ ما لم تعمل أو تتكلَّم» فإنه يشمَل مَنْ كَثُرَ وسواسه في صلاته.
    وعلى كُلِّ حال؛ ينبغي للإِنسان أن يحاول بقَدْرِ ما يستطيع حضور قلبه في الصلاة، ولا شَكَّ أن الشيطان سوف يهاجمه مهاجمة كبيرة، لأنه أقسم بعزَّةِ الله أن يغوي جميع الناس إلا عباد الله المخلصين، لكن كلما هاجمك استعذْ بالله من الشيطان الرجيم، كما أَمَرَ بذلك النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ولا تزال تعوِّد نفسك على حضور القلب في الصلاة حتى يكون عادة لك.

    تعليق


    • #17
      باب سجود السهو
      مسألة: إذا قام إلى ثالثة في الفجر ماذا يصنع؟
      الجواب: يرجع ولو بعد القراءة، وكذلك بعد الرُّكوع يرجع ويتشهَّد ويُسلِّم ثم يسجد للسهو ويُسَلِّم، على القول الرَّاجح أن السجود هنا بعد السلام.
      مسألة: إذا قام إلى ثالثة في صلاة مقصورة، أي: رَجُلٌ مسافر قام إلى ثالثة، والثالثة في حَقِّ المسافر زيادة، فهل يلزمه الرُّجوع في هذه الحال، أو له أن يكمل؟
      الجواب: هذا ينبني على القول بالقصر، إن قلنا: إن القصر واجب لزمه الرُّجوع، وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظَّاهر، يرون أن قَصْرَ المسافر للصلاة واجب، وأنَّ مَن أتمَّ في موضع القصر فهو كمن صَلَّى الظُّهر ثمانياً؛ لأنه زاد نصف الصلاة. وعلى القول بأن القصر ليس بواجب نقول: إنه مخيَّر بين الإِتمام وبين الرجوع، لأنك إن أتممت لم تبطل صلاتك، وإنْ رجعت لم تبطل؛ لأنك رجعت خوفاً من الزيادة.
      والصحيح: أنه يرجع؛ لأن هذا الرَّجل دَخَلَ على أنه يريد أن يُصلِّي رَكعتين فليصلِّ ركعتين ولا يزيد، وفي هذه الحال يسجد للسَّهو بعد السلام.
      مسألة: رَجُلٌ يُصلِّي ليلاً وصلاة الليل مثنى مثنى، فقام إلى الثالثة ناسياً فهل يلزمه الرُّجوع؟
      الجواب: يرجع، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه تعمَّد الزيادة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الليل مثنى مثنى» ،ولهذا نصَّ الإِمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكرجُلٍ قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، أي: إن لم يرجع بطلت صلاته، لكن يُستثنى مِن هذا الوِتر، فإن الوِتر يجوز أن يزيد الإِنسان فيه على ركعتين، فلو أوتر بثلاث جاز، وعلى هذا فإذا دَخَلَ الإِنسان بالوتر بنيَّة أنه سيصلِّي ركعتين ثم يُسَلِّم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى الثالثة بدون سلام، فنقول له: أتمَّ الثالثة؛ لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين.
      مسألة: إن نَبَّهَه ثقتان بدون تسبيح، فهل يُعطى ذلك حكم التسبيح، يعني: إذا تنحنحوا له مثلاً؟
      فالجواب: نعم إذا نَبَّهاه بغير التسبيح فكما لو نَبَّهاه بالتسبيح، وعلى هذا فيكون تقييد المؤلِّف ذلك بالتسبيح مِن باب ضَرْبِ المَثَل،أو مِن باب الغالب، أو مراعاة للفظ الحديث، وقد عَبَّرَ بعض الفقهاء بقوله: «وإن نَبَّهه ثقتان» وهذه العبارة أشمل من عبارة المؤلِّف.
      على كُلٍّ؛ إن نَبَّهَه ثقتان فإنه يلزمه الرجوع إلى قولهما؛ إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع، وهو لم يجزمْ بصواب نفسه بطلت صلاتُهُ؛ لأنه ترك الواجب عمداً، حيث إنه يلزمه إذا سَبَّحَ به ثقتان الرُّجوع.
      ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكَّرَه ذو اليدين أنه صَلَّى ركعتين لم يرجع إلى قوله حتى سأل الصحابة فقال: «أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟» قالوا: نعم.
      ولو سَبَّحَ به رَجُلٌ واحد فقط فلا يلزمه الرُّجوع، ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إلى قول ذي اليدين. لكن إن غلبَ على ظَنِّه صِدْقُهُ أخذ بقوله على القول بجواز البناء على غلبة الظَّنِّ، وهو الصَّحيح.
      مسألة: لو سَبَّحَ رَجُلٌ بما يدلُّ على أن الإِمام زاد، وسَبَّحَ رَجُلٌ آخر بما يدلُّ على أنه لم يزدْ، فبقول أيِّ واحد منهما يأخذ؟
      الجواب: يتساقطان، فلو قال له أحدهما لمَّا قام: «سبحان الله» فلما تهيَّأ للجلوس قال الثاني: «سبحان الله»، إذاً؛ تعارض عنده قولان، فيتساقطان، كلُّ قول يُسقط الآخر، ويرجع إلى ما في نفسه ويبني عليه.
      تنبيه: اشترط المؤلِّف لوجوب الرجوع إلى قول الثقتين ألا يجزم بصواب نفسه، فإن جزم بصواب نفسه حَرُمَ الرُّجوعُ إلى قولهما، يعني: لو قالا: «سبحان الله»، ولكنه يجزم أنه على صواب، وأنهما مخطئان فلا يرجع إلى قولهما، لأنه لو رَجَعَ إلى قولهما لَرَجَعَ وهو يعلم أن قولَهُما خطأ، فتبطل صلاتُهُ.
      مسألة: إذا سبَّحَ به مجهولان؟ فلا يرجع إلى قولهما؛ لأنه لم يثبت كونهما ثقتين، ولكن الحقيقة أن الإِمام يقع في مثل هذا الحرج؛ لأنه يسمع التسبيح مِنْ ورائه ولا يدري مَن المسبِّح، قد يكون ثقة وقد لا يكون ثقة، لكن الغالب أن الإِمام في هذه الحال يكون عنده شَكٌّ، ويترجَّح عنده أن اللذين سَبَّحَا به على صواب. وحينئذ له أن يرجع إلى قولهما؛ لأن القول الراجح أنه يبني على غَلَبة الظَّنِّ.
      مسألة: فلو نَبَّهه امرأتان بالتصفيق، كأن صَلَّى رَجُلٌ بأُمِّه وأخته، وأخطأ، فنبهتاه بالتصفيق، فهل يرجع أم لا؟
      فالجواب: يرجع؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نَابَكم أَمْرٌ ـ يعني: في الصَّلاة ـ فليسبّح الرِّجَال، ولتصفق النساء»،ولأن هذا خَبَرٌ ديني، فاستوى فيه الذكور والإِناث، ولأنه خَبَرٌ عن عَمَلٍ تُشارِكان فيه العاملَ، فلا يمكن أن تكذبا عليه، لأنه لو أخطأ أخطأتا معه، فلهذا نقول: إن المرأتين كالرَّجُلين.
      مسألة: هل يجب على المأموم أن يُنبِّه إمامه إذا قام إلى زائدة أو لا يجب؟
      الجواب: يجب أن ينبِّهَه، لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نسيتُ فذكِّرُوني» والأمر للوجوب.
      وإذا عَلِمَ غير المأموم أن المُصلِّي زاد، كَرَجُلٍ يصلِّي إلى جانبه، فقام إلى خامسة، وهو ليس بإمام له، فهل يلزمه تنبيهه؟
      الجواب: ظاهر كلام الفقهاء: أنه لا يلزمه إذا لم يكن إماماً له؛ لأنه لا ارتباط بينه وبين صلاته، لكن إذا رجعنا إلى عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ؛ نجد أنه من باب التعاون على البِرِّ، فالصحيح عندي: أنه يجب أن ينبِّهه، كما لو رأيت شخصاً يريد أن يتوضَّأ بماء نَجِسٍ وَجَبَ عليك أن تنبِّهه، وإنْ كان لا ارتباط بينك وبينه.
      وإذا قال قائل: ما تقولون في صائم أراد أن يأكل، أو يشرب ناسياً هل يلزم غيره أن ينبِّهَه؟
      الجواب: يلزم، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .
      مسألة: رجل ليس معه إلا مأموم واحد فسَبَّحَ به، فهل يرجع إلى قوله، أو يأخذ بما في نفسه؟
      الجواب: لا يرجع إلى قوله، لكن أحياناً إذا نَبَّهه صار عنده غلبة ظَنٍّ بصوابه، وإذا كان عنده غلبة ظَنٍّ فإن الواجب على الإِنسان أن يعمل بغلبة الظَّنِّ في الزيادة والنقص على القول الرَّاجح، وعلى هذا؛ فيلزمه الرجوع من أجل ذلك، وهذه تقع كثيراً في رَجُلين جاءا مسبوقين ودخلا في الصَّلاة، فأحياناً أحدهما ينسى ويعتمد على صاحبه الذي جاء معه فيُطَوِّل السجودَ حتى يرى هل يقعد أو يقوم، فإذا رآه جالساً جلس، وإن رآه قائماً قام.
      مسألة: هل مِن الحاجة أن يتنحنح إذا أطال الإِمام الركوع أو السُّجود من أجل أن يُنبِّهه أو ليس من الحاجة؟
      الجواب: هذا ليس من الحاجة، إلا إذا أطال الإِمام إطالة خرجت عن حَدِّ المشروع، فقد يكون هذا من الحاجة.
      فإن قال قائل: ما الدَّليل على جواز التَّنحنح للحاجة، ولو بَانَ حرفان؟
      فالجواب: الدَّليل: حديث عليٍّ رضي الله عنه أنه كان له مدخلان يدخل فيهما على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا دَخَلَ عليه وهو يُصلِّي تنحنح له إشارة إلى أنه مشغول بصلاته.
      مسألة: إذا عطس فبَانَ حرفان فهل تبطل صلاتُه؟
      الجواب: لا تبطل صلاته؛ لأنه مغلوبٌ عليه وليس باختياره، وكذلك لو تثاءب فبان حرفان، فإنه مغلوبٌ عليه فلا يضرُّه، لكن بعض الناس ينساب وراء التثاؤب حتى تسمعَ له صوتاً «ها، ها» فهذا الظاهر أنه غير مغلوب على أمره، بل إن هذا حَذَّر منه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وأَمَرَ مَنْ تثاءب أن يكظم ما استطاع أي: يمنع ما استطاع، فإن لم يستطع وَضَعَ يده على فَمِهِ؛ لأن وَضْعَ اليد على الفَم يَكْتُم الصَّوت ويخفِّضُه، ويمنع من ضحك الشيطان على المتثائب، أو دخوله في جوفه.
      وكذلك بعض النَّاس يتقصَّد أن يكون عطاسه شديداً، فلوتقصَّد هذا وبان حرفان؛ بطلت صلاتُه على قاعدة المذهب؛ لأن هذا ليس مغلوباً على أمره.
      بقي عندنا مسألة، وهي هل يفرَّق بين الإِمام والمنفرد والمأموم[1] ، أو هم على حَدٍّ سواء؟
      الجواب: فَرَّقَ بعض العلماء بين الإِمام وغيره، وقال: الإِمامُ يأخذ بغالب ظَنِّهِ، وأما المأموم والمنفرد فيبني على اليقين، وهو الأقل.
      ووجه الفرق على رأي هؤلاء العلماء: أن الإِمام عنده من يُنبِّهه لو أخطأ، بخلاف غيره،ولكن حديث ابن مسعود الذي ذكرناه آنفاً يدلُّ على أنه يبني على غالب ظَنِّهِ، سواء كان إماماً، أم مأموماً، أم منفرداً.
      مسألة: إذا جاء والإِمام راكع فكبّر للإحرام، ثم رَكَعَ، ثم أشكل عليه: هل أدرك الإِمام في الرُّكوع، أم رَفَعَ الإِمام قبل أن يدركه؟
      فعلى ما مشى عليه المؤلِّف لا يُعتدُّ بها؛ لأنه شَكَّ هل أدركها أم لا؟ فيبني على اليقين، وهو أنه لم يدركها، فيُلغي هذه الرَّكعة.
      وعلى القول الثَّاني: وهو العمل بغلبة الظَّنِّ، نقول: هل يغلب على ظَنِّك أنك أدركت الإِمام في الركوع أم لا؟ فإن قال: نعم، يغلب على ظَنِّي أني أدركته في الرُّكوع، نقول: الرَّكعة محسوبة لك، وهل يسجد أو لا يسجد؟ سيأتينا إن شاء الله أن المأموم لا يجب عليه السُّجود، إذا كان لم يفته شيء من الصَّلاة، وإنْ فاته شيء من الصَّلاة وَجَبَ عليه أن يسجد.
      وإن قال: يغلب على ظَنِّي أني لم أدركها قلنا: لا تحتسب بهذه الرَّكعة وأتمَّ صلاتك ثم اسجد للسَّهو بعد السَّلام وإن قال: إني متردِّدٌ ولم يغلب على ظنِّي أني أدركتها قلنا: ابْنِ على اليقين، ولا تحتسبها، وأتمَّ صلاتك، واسجد للسَّهو قبل السَّلام.
      مسألة: لو بَنَى على اليقين، أو على غالب ظَنِّه، ثم تبيَّنَ أنه مصيب فيما فَعَلَ، فهل يلزمه السُّجود؟
      مثاله: رجل شَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً بدون ترجيح؟ فجعلها ثلاثاً، وأتى بركعة رابعة، لكنَّه في أثناء هذه الرَّكعة تيقَّن أنها الرابعة.
      فللعلماء في هذا قولان:
      القول الأول:أنه لا يلزمه أن يسجد؛ لأنه تبيَّنَ عدم الزيادة والنقص، والسُّجود إنما يجب جَبْراً لما نَقَصَ، وهنا لم ينقص شيئاً ولم يزد شيئاً، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يَدْرِ كم صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً» وهذا الرَّجُل يدري كم صَلَّى فلا سُجود عليه.
      القول الثاني: أن عليه السُّجود؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يدرِ كم صَلَّى» وهذا لأجل أن يبني على ما عنده، وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله: «فإنْ كان صَلَّى خمساً شفعن له
      صلاته، وإنْ كان صَلَّى إتماماً لأربعٍ، كانتا ترغيماً للشَّيطان».
      ولأنه أدَّى هذه الرَّكعة وهو شاكٌّ، هل هي زائدة أم غير زائدة؟ فيكون أدَّى جزءاً من صلاته متردِّداً في كونه منها فيلزمه السُّجود.
      وهذا القول دليله وتعليله قويٌّ، وفيه أيضاً ترجيح من وجه ثالث، وهو الاحتياط.
      مسألة: إذا كان المأموم مسبوقاً وسَهَا في صلاته، والإِمام لم يسهُ فهل عليه سجود؟
      يعني: لو أن مأموماً دَخَلَ مع الإِمام في الرَّكعة الثانية، ونسيَ أن يقول: «سبحان رَبِّيَ العظيم» في الرّكوع وسَلَّم الإِمام، وقام المأموم يقضي، فهل عليه سجود السَّهو؟
      الجواب: عليه السجود للسَّهو إذا كان سهوه مما يوجب السُّجود؛ لأنه انفصل عن إمامه، ولا تتحقَّق المخالفة في سجوده حينئذ.
      مسألة: لو كان الإِمامُ لا يرى وجوب سجود السَّهو، والمأموم يرى وجوب سجود السَّهو مثل: التشهُّد الأول فإن بعض العلماء يرى أنه سُنَّة كما هو مذهب الشافعي، وليس بواجب، فإذا تَرَكَه الإِمام ولم يسجد للسَّهو بناءً على أنه سُنَّة، وأن السُّنَّة لا يجب لها سجود السَّهو، فهل على المأموم ـ الذي يرى أنَّ سجودَ السَّهو واجبٌ ـ سجودٌ؟
      الجواب: لا؛ لأن إمامه يرى أنه لا سجود عليه، وصلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، وهو لم يحصُل منه خلل، فالمأموم يجب أن يتابع الإِمام، وقد قام بما يجب عليه.
      أما لو كان الإِمام يرى وجوب سجود السَّهو وسَبَّح به للسُّجود، ولكنه لم يسجد، فقال الفقهاء رحمهم الله: يسجد المأموم إذا أيسَ من سجود إمامه، لأن صلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، والإِمام فَعَلَ ما يوجب السُّجود، وتَرَكَ السُّجود من غير تأويل، فوجب على المأموم أن يجبر هذا النقص ويسجد.
      مسألة: لو قرأ وهو راكعٌ أو ساجدٌ نسياناً فهل يجب أن يسجدَ للسَّهو، أو يُسَنُّ؟
      الجواب: جمهور أهل العلم لا يرون الوجوب؛ لأنَّهم لا يرون بُطلان الصَّلاة بتعمُّد القراءة في الرُّكوع، والسُّجود.
      وقال بعض العلماء وبعض الظَّاهرية: إذا تعمَّد القراءة في الرُّكوع والسُّجود بطلت صلاتُه؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا؛ وإنِّي نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً». فإذا قرأ القرآن وهو راكع أو ساجدٌ فقد أتى بما نهى الشَّارعُ عنه فتبطل الصَّلاة، كما لو تكلَّم، قال زيد بن أرقم: «أُمرنا بالسُّكوت ونُهينا عن الكلام» (3) ، وهو دليل قويٌّ لكنه عند التأمل نجد الفَرْق بين «نُهينا عن الكلام» وبين «نُهيتُ أن أقرأ القرآن» أنَّ النهيَ عن قراءة القرآن نهيٌ عن قراءته في هذا المحلِّ؛ لا عن قراءته مطلقاً، فإن القرآن قول مشروع في الصَّلاة، بل رُكن فيها في الجملة، فالفاتحة قراءتها رُكْنٌ؛ بخلاف كلام الآدميين؛ فإنه منهيٌّ عنه لذاته نهياً مطلقاً، فصار القياس غير صحيح، ولكن لا يقرأ في الرُّكوع والسُّجود، لأن القرآن أشرف الكلام؛ فلا يناسب أن يُقال في هيئة فيها الذُّلُّ والخضوع، وإنْ كان في الذُّلِّ لله رِفْعة وعِزَّة، لكن الهيئة لا تتناسب مع القرآن، بل المناسب هو القيام؛ ولهذا كان المناسب في الرُّكوع والسُّجود تنزيه الله ـ عن النقص والذُّلِّ ـ سبحانه وتعالى.


      [1] أي في شك في عدد الركعات.

      تعليق


      • #18
        باب صلاة التطوع
        مسألة : القُنُوت هل يكون قبل الرُّكوع، أو بعد الرُّكوع؟
        أكثرُ الأحاديث؛ والذي عليه أكثرُ أهل العِلم: أنَّ القُنُوتَ بعدَ الرُّكوع، وإن قَنَتَ قبل الرُّكوع فلا حَرَج، فهو مُخَيَّرٌ بين أنْ يركعَ إذا أكملَ القِراءة، فإذا رَفَعَ وقال: «ربَّنا ولك الحمدُ» قَنَتَ، كما هو أكثر الرِّوايات عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه أكثرُ أهل العِلم، وبين أنْ يقنتَ إذا أتمَّ القِراءة ثم يكبِّرُ ويركع، كلُّ هذا جاءت به السُّنَّةُ .
        (تنبيه) قول المؤلِّف رحمه الله: «إلا أن تنزل ما بالمسلمين نازلة» عُلم منه أنه إن نزلت بغير المسلمين نازلة لم يُقنت لها.
        مسألة : لو أنَّ أحداً صَلَّى مع هذا الإمام الذي يُسرعُ سرعةً تمنع المأمومَ فِعْلَ ما يجب، فهل له أنْ يَخرجَ وينفردَ، أي: ينفصلُ عن الإمام؟
        الجواب : نعم، بل يجب عليه أنْ يَنفصلَ عن الإمام، سواء في التَّراويح أو في الفريضة، فإذا أسرع سُرعةً تَعْجِزُ أنْ تُدركَ معه الواجب، ففي هذه الحال نقول: انْفَصِلْ، وانْوِ الانفراد، وأتمَّ وحدَك، لأنه لا يمكن أنْ تجمعَ بين المتابعة وبين القيام بالرُّكن وهو الطُّمأنينة، فلا بُدَّ مِن أحد الأمرين، وإذا كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أقرَّ الرَّجُلَ على الانفراد مِن أجل تطويل الإمام ، فالانفرادُ مِن أجل القيام بالرُّكن مِن باب أَوْلَى.
        مسألة : إذا قال قائل: صَحَّحتُم أنها إحدى عشرة ركعة، فما رأيكم لو صَلَّينا خلف إمام يُصلِّيها ثلاثاً وعشرين، أو أكثر، هل إذا قام إلى التَّسليمة السَّادسة نجلسُ وَنَدَعُهُ، أو الأفضل أنْ نكمِلَ معه؟
        فالجواب : أنَّ الأفضلَ أنْ نكملَ معه، ودليلُ ذلك من وجهين:
        الوجه الأول : قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قيام رمضان: «إنَّه مَنْ قَامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» ومَن جَلَسَ ينتظر حتى يَصِلَ الإمامُ إلى الوِتر ثم أوتر معه، فإنه لم يُصلِّ مع الإمام حتى ينصرفَ؛ لأنه تَرَكَ جُزءاً مِن صَلاته.
        الوجه الثاني : عُموم قَوْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به» وهذا يشمَلُ كلَّ فِعْلٍ فَعَلَه الإمامُ ما لم يكن منهيًّا عنه، والزيادةُ على إحدى عشرة ليس منهيًّا عنها، وحينئذٍ نتابع الإمامَ.
        أما لو كانت الزِّيادةُ منهيًّا عنها مثل: أنْ يُصلِّيَ الإمامُ صلاةَ الظُّهر خمساً فإننا لا نتابعُه.
        ثم ينبغي أنْ نعلمَ أنَّ اتفاقَ الأُمَّة مقصودٌ قصداً أوَّليًّا بالنسبة للشَّريعة الإسلامية؛ لأنَّ الله يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[المؤمنون: 52] ، والتَّنازع بين الأمة أَمْرٌ مرفوضٌ، قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] ، وقال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *} [الأنعام] ، وقال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم» ، يقوله في تساوي النَّاس في الصَّفِّ.
        ولما صَلَّى عثمانُ رضي الله عنه في مِنَى في الحَجِّ الرُّباعية أربعاً ولم يقصر بعد أنْ مَضى مِنْ خِلافته ثماني سنوات، وأنكرَ النَّاسُ عليه، وقالوا: قَصَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعُمرُ ، يعني: وأنت في أول خِلافتك، لكنه رضي الله عنه تأوَّل، فكان الصَّحابة الذين ينكرون عليه يصلُّون خلفَه أربعاً ، وهم ينكرون عليه، مع أنَّ هذه زيادة متَّصلة بالصَّلاة مُنكرَة عندهم، ولكن تابعوا الإمام فيها إيثاراً للاتِّفاق.
        فما بالك بزيادة منفصلة، لو تعمَّدها الإنسان لا تؤثِّر على بطلان الصَّلاة؟ ثم يقول: إننا متمسِّكون بالسُّنَّة ومتَّبعون لآثار الصَّحابة. مع مخالفته في هذه المسألة.
        فإني أقول: إنَّ كلَّ إنسان يقول: إنه متَّبعٌ للسُّنَّة متَّبعٌ لهدي السَّلف؛ فإنه لا يسعه أن يدعَ الإمامَ إذا صَلَّى ثلاثاً وعشرين ويقول: أنا سأَتَّبعُ السُّنَّةَ وأصلِّي إحدى عشرة؛ لأنك مأمورٌ بمتابعة إمامك منهيٌّ عن المخالفة، ولست منهيًّا عن الزيادة عن إحدى عشرة.
        فيجب على طَلَبَةِ العِلم خاصَّة، وعلى النَّاس عامَّة أن يَحْرِصُوا على الاتفاق مهما أمكن؛ لأن مُنْيَةَ أهل الفِسقِ وأهلِ الإلحاد أنْ يختلفَ أصحابُ الخير، لأنه لا يوجد سلاحٌ أشدُّ فتكاً مِن الاختلاف، وقد قال موسى للسَّحرة: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [طه:61 ـ 62] ، فلما تنازعوا فَشِلوا وذهبت ريحُهم.
        فهذا الاختلاف الذي نجده من بعض الإخوة الحريصين على اتِّباع السُّنَّة في هذه المسألة وفي غيرها، أرى أنه خِلاف السُّنَّةِ، وخِلافُ ما تقصده الشَّريعة مِن توحّدِ الكلمة واجتماعِ الأمَّة، لأنَّ هذا ـ ولله الحمد ـ ليس أمراً محرَّماً ولا منكراً، بل هو أمْرٌ يسوغ فيه الاجتهادُ، فكوننا نولِّد الخِلافَ ونشحنُ القلوبَ بالعداوة والبغضاء والاستهزاء بمن يخالفنا في الرَّأي، مع أنه سائغٌ ولا يخالف السُّنَّة، فالواجب على الإنسان أنْ يَحْرِصَ على اجتماع الكلمة ما أمكن.
        وحتى المتابعة بالخَتْمَةِ لا بأس بها أيضاً، لأن الخَتْمة نصَّ الإمام أحمد رضي الله عنه وبعضُ أهل العلم: على أنه يستحبُّ أنْ يختِمَ بعد انتهاء القرآن قبلَ الرُّكوع. وهي ـ وإنْ كانت مِن ناحية السُّنَة ليس لها دليل بخصوصها ـ لكن ما دام أنَّ بعضَ الأئمة قالوا بها ولها مَسَاغ أو اجتهاد، وليكن مخطئاً: ما دام أنه ليس محرَّماً؛ فلماذا نُخْرِجُ أو نُسفِّهُ أو نُخَطِّىءُ أو نبدِّعُ مَنْ فَعَلَ شيئاً نحن لا نراه؟ وما دام أنَّ الأمر ليس إليك، ولكن إمامك يفعلها؛ فلا مانع مِن فِعْلِها.
        وانظروا إلى الأئمة الذين يعرفون مقدار الاتفاق، فقد كان الإمام أحمدُ رحمه الله يرى أنَّ القُنُوتَ في صلاة الفجر بِدْعة، ويقول: إذا كنت خَلْفَ إمام يقنت فتابعه على قُنُوتِهِ، وأمِّنْ على دُعائه، كُلُّ ذلك مِن أجل اتِّحاد الكلمة، واتِّفاق القلوب، وعدم كراهة بعضنا لبعض.
        مسألة : ما هو الليلُ المعتبرُ نصفُه؟
        الظَّاهر: أنَّه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر، فيكون نصف الليلِ في الشِّتاء بعد مضي سِتِّ ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ ليل الشِّتاء اثنتا عشرة ساعة، ويكون في بعض الأوقات بعد خمس ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ الليلَ يكون فيها حوالي عَشْرَ ساعات، فعُدَّ مِن غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، ونصفُ ما بينهما هذا هو نصف الليل.
        مسألة : إذا كانت صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، فما الحكم لو قام الإنسان إلى ثالثة.
        الجواب : صلاته تبطل إذا تعمَّد؛ لأنه إذا تعمَّد الزِّيادة على اثنتين فقد خالف أمْر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدَّال على أن صلاة الليل مثنى مثنى، وإذا خالف أَمْرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا فهو رَدٌّ» ، ولهذا قال الإمام أحمد: إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، ومن المعلوم أنه إذا قام إلى ثالثة في صلاة الفجر متعمِّداً بطلت صلاته بالإجماع، فكذلك إذا قام إلى ثالثة في التطوُّع في صلاة الليل فإنَّ صلاته تبطل إنْ كان متعمِّداً، وإنْ كان ناسياً وَجَبَ عليه الرُّجوع متى ذَكَرَ، ويسجد للسَّهوِ بعد السَّلام من أجل الزِّيادة، وبه نفهم جهل من يتعمَّد في التَّراويح في رمضان إذا قام إلى ثالثة ثم ذَكَرَ أن يستمرَّ، ثم يفتي نفسه ويقول: «إن استتمَّ قائماً كُرهَ الرُّجوع» «وإن شرعَ بالقراءة حُرِّمَ الرُّجوع» فيكون جاهلاً جهلاً مركَّباً، لأن هذا الحكم فيمن قام عن التشهُّد الأول، أما من قام إلى زائدة فحكمه وجوب الرُّجوع مطلقاً.
        والجهل المركَّب ضرره عظيم، فإن الجاهل المركَّب يرى أنه على حقٍّ فهو يمدُّ يداً طويلة، وربما يعتقد أنه أعلمُ من الإمام أحمد وابن تيمية، وهو كما قال حمار تُوما:
        قال حِمَارُ الحكيم تُوما
        لو أنصفَ الدَّهرُ كنتُ أَرْكَبْ
        وتوما رَجُلٌ يدَّعي الحكمةَ، ويركب على الحِمَار، فقال الحِمَارُ: لو أنصفَ الدَّهرُ كنت أركبُ، وعَلَّلَ ذلك بقوله:
        لأَنَّني جَاهلٌ بَسيط
        وصَاحبي جَاهلٌ مُركَّبْ
        والجاهلُ البسيط؛ حاله أكمل مِن الجاهل المُركَّب.
        وذُكِرَ لي أنَّ بعضَ الناس يطرد هذه القاعدة فيما إذا قام إلى خامسة في الظُّهر فيقول: إذا شرع بالقراءة حُرِّمَ الرُّجوعُ، وهذا كُلُّه خطأ، بل مَنْ قام إلى زائدة وجب عليه الرُّجوع متى ذَكَرَ، وإنْ كان قد شَرَع في القِراءة، وإذا قام إلى ثالثة في النَّهار، فمقتضى الحديث أنْ يكون كما لو قام إلى ثالثة في الليل، وأنه لو استمرَّ لبطلت صلاتُه.
        مسألة : هل للمستمع أن يُذَكِّرَ القارئَ فيقول: اسجدْ؟
        نقول: إن احتمل الأمرُ أنَّه ناسٍ فَلْيُذكِّرْهُ، أما إذا لم يحتمل النِّسيان كأن يكون ذاكراً فلا يُذكِّرْه؛ لأنه تركها عن عَمْدٍ؛ ليُبيِّن مثلاً ـ إذا كان طالب علم ـ أنَّ سجودَ التِّلاوة ليس بواجب.
        مسألة : ما الحكمةُ مِن النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
        الجواب مِن وجهين: أولاً : يجب أن نعلمَ أنَّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو نهى اللهُ عنه ورسولُه فهو الحكمة، فعلينا أن نسَلِّمَ ونقول إذا سَأَلَنَا أَحدٌ عن الحكمة في أمْرٍ مِن الأمور: إن الحكمة أمرُ اللهِ ورسولِهِ في المأمورات، ونهيُ اللهِ ورسولِهِ في المنهيَّات.
        ودليل ذلك : مِن القرآن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] ، وسُئلت عائشةُ رضي الله عنها: ما بَالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ ولا تقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمرُ بقضاء الصَّوم ولا نؤمر بقضاء الصَّلاةَ» ، فاستدلَّت بالسُّنَّةِ ولم تذكرْ العِلَّةَ، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة؛ أن تكونَ مسلِّماً لأمرِ اللهِ ورسولِهِ عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته؛ لقلنا: إنك ممن اتَّبعَ هواه، فلا تمتثل إلا حيث ظهرَ لك أنَّ الامتثال خير.
        ثانياً : أنَّ هذه الأوقات يعبدُ المشركون فيها الشَّمسَ، فلو قمت تُصلِّي لكان في ذلك مشابهةً للمشركين، لأنهم يسجدون للشَّمسِ عند طلوعها، وعند غروبها. كما جاء في الحديث .
        لكنه يَرِدُ علينا أنَّ هذا ينطبقُ على ما كان مِن طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وعلى ما كان حين تضيَّفُ الشَّمسُ لغُروب حتى تغربَ، لكن كيف ينطبق على ما كان مِن بعدِ صلاة الفجر إلى طلوع الشَّمسِ، ومِن بعد صلاة العصر إلى أنْ تتضيَّفَ الشَّمسُ للغروب، وكيف ينطبق على النَّهي في نصف النهار حين يقوم قائمُ الظَّهيرة؟
        فنقول: لما كان الشِّركُ أمرُه خطيرٌ، وشرُّه مستطيرٌ، سَدَّ الشَّارعُ كلَّ طريق يُوصِلُ إليه، ولو مِن بعيد، فلو أُذِنَ للإنسان أنْ يصلِّيَ بعد صلاة الصُّبح لاستمرَّت به الحالُ إلى أن تطلعَ الشمسُ، ولا سيما مَنْ عندهم رغبةٌ في الخير، وكذلك لو أُذِنَ له في أن يصلِّيَ بعد صلاة العصر لاستمرَّت به الحالُ إلى أن تغيبَ الشمسُ.
        أما عند قيامها فقد عَلَّلَهُ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بأن جهنَّمَ تُسْجَر،أي: هذا الوقت يُزاد في وقودها؛ فناسب أن يبتعد النَّاسُ عن الصَّلاة في هذا الوقت؛ لأنه وقت تُسجر فيه النَّار، فهذه حكمتُه.
        فالواجبُ على المسلمِ أن يكون مبايناً للمشركين في كُلِّ شيء؛ لأنه مسلمٌ. حتى إنَّ عُمرَ رضي الله عنه لما كان الناسُ في عِزَّة الإسلامِ كان لا يُمَكِّن أهلَ الذِّمَّة أنْ يركبوا الخيلَ ؛ لأنَّ به عِزَّ الإسلامِ، وهي آلةُ الحرب، فلو رَكِبَ الذِّميُّ الخيلَ لحصَلَ في نفسِه عِزَّةٌ وَأَنفَةٌ. والمطلوب مِن المسلم أن يُذِلَّ الكافرَ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *} [التحريم] ، وكان يمنعهم مِن أن يركبوا كما يركب المسلمون، بل يركبون عرضاً، أي: على جانب واحد، فتكون أرجلُهم مِن الجانب الأيمن كلُّها، أو مِن الجانب الأيسر؛ لئلا يتشبَّهوا بالمسلمين، فكذلك إذا صَلَّى الإنسانُ عند طُلوع الشَّمس أو غروبها تَشبَّه بالمشركين بالعبادة، وهذا أعظمُ مِن التشبُّه باللباس، أو الرُّكوب، أو ما أشبه ذلك.
        مسألة : لو أنَّ رجُلاً توضَّأ بعدَ صلاةِ العصرِ هل يُصلِّي سُنَّة الوضُوءِ، أم لا يُصلِّي؟
        الجواب : إنْ توضَّأ ليصلِّي؛ فلا يجوز؛ لأنَّه تعمَّدَ الصلاةَ في أوقات النَّهي.
        وإن توضَّأ للطَّهارة؛ صَلَّى على القول الصَّحيحِ، أما على قَوْلِ مَن يقول: إنَّه لا يُصلِّي مِن النوافل إلا ما خصَّصوها، فلا يجوز.
        مسألة : لو أنَّ رجُلاً تقدَّم إلى صلاةِ المَغربِ يومَ الجُمُعةِ في آخر النَّهارِ مِن أجلِ أن يُصلِّي تحيَّةَ المسجدِ حتى يشمله الحديث: «إنَّ في الجُمُعَةِ لساعةً، لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ ـ وهو قائمٌ يُصلِّي ـ يسألُ اللهَ شيئاً إلا أعطَاهُ إيَّاهُ» ، فهل نقول: إنَّ هذا حرامٌ، أو نقول: إنَّ هذا جائزٌ؟
        الجواب : إنْ قَصَدَ المسجدَ ليصلِّيَ؛ فهذا حرامٌ، كما قلنا: إنْ توضَّأ ليصلِّيَ، وإنْ قَصَدَ المسجدَ مِن أجل التقدُّم لصلاةِ المَغربِ، ثم لمَّا دَخَلَ صَلَّى ركعتين مِن أجْلِ أنَّه دَخَلَ المسجدَ، حتى وإنْ كان لا يتقدَّم إلا يومَ الجمعة فإنَّه لا بأس به.
        فهناك فَرْقٌ بين مَن يتوضَّأ ليصلِّي في وَقْت النَّهي فلا يجوز أنْ يصلِّي، وبين مَن يتوضَّأ لا للصَّلاة فنقول له: إذا توضَّأتَ فصلِّ، وكذلك تحيةُ المسجدِ، هناك فَرْقٌ بين مَن دَخَلَ المسجدَ لصلاة التحيَّة في وَقْتِ النَّهي وبين مَن دَخَلَه لغرضٍ آخر، ثم أمرناه بالتحيَّة لقولِ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرىءٍ ما نوى».

        تعليق


        • #19
          باب صلاة الجماعة
          مسألة : الدَّوائرُ الحكوميَّةُ التي فيها جماعةٌ كثيرةٌ، ولهم مصلًّى خاصٌّ يصلُّون فيه، والمساجدُ حولَهم، فهل نقول لهم: اخرجُوا مِن هذه الدَّائرةِ جميعاً، وصَلُّوا في المسجدِ، أو نقول: صَلُّوا في مكانِكم ولا حَرَجَ عليكم؟
          الجواب : الذي نرى أنَّه إذا كان المسجدُ قريباً، ولم يتعطَّلْ العمل بخروجهم للمسجد، فإنَّه يجبُ عليهم أنْ يصلُّوا في المسجدِ، أما إذا كان بعيداً أو خِيفَ تعطُّلُ العملِ؛ بأن تكون الدائرةُ عليها عَمَلٌ ومراجعون كثيرون، أو كان يخشى مِن تسلُّلِ بعضِ الموظَّفين؛ لأنَّ بعضَ الموظَّفين لا يخافون الله، فإذا خرجوا إلى الصَّلاة خَرجوا إلى بيوتِهم، وربَّما لا يرجِعون، ففي هذه الحال نقول: صَلُّوا في مكانِكم، لأنَّ هذا أحفظُ للعمل وأقومُ، والعملُ تجبُ إقامتُه بمقتضى الالتزامِ والعهدِ الذي بين الموظَّفِ والحكومةِ. فهذا هو التفصيل في هذه المسألة، ولهذا ينبغي ـ إنْ لم نقلْ يجبُ ـ أنْ يُجعلَ هناك مسجدٌ في الدَّوائرِ الكبيرةِ يكون له بابٌ على الشَّارعِ تُقامُ فيه الصَّلواتُ الخمسُ، حتى يكون مسجداً لعمومِ النَّاسِ ويُصلِّي فيه أهلُ هذه الدَّائرةِ.
          مسألة : إذا قال قائل: إذا كان المسجدُ البعيدُ أحسنُ قِراءة، ويحصُل لي مِن الخشوعِ ما لا يحصُلُ لي لو صَلَّيتُ في مسجدي القريبِ منِّي، فهل الأفضلُ أن أذهبَ إليه وأدعُ مسجدي، أو بالعكس؟
          الجواب : الظاهر لي حسب القاعدة: أنَّ الفضلَ المتعلِّقَ بذات العبادةِ أَولى بالمراعاة مِن الفضلِ المتعلِّقِ بمكانِها، ومعلومٌ أنَّه إذا كان أخشعَ فإنَّ الأفضلَ أن تذهبَ إليه، خصوصاً إذا كان إمامُ مسجدِكَ لا يتأنَّى في الصلاةِ أو يلحَنُ كثيراً، أو ما أشبه ذلك مِن الأشياءِ التي توجب أنْ يتحوَّلَ الإنسانُ عن مسجدِه مِن أجلِهِ.
          مسألة : لو أنَّ أهلَ المسجدِ قدَّموا شخصاً يصلِّي بهم بدون إذن الإمامِ ولا عذره وصَلَّى بهم فهل تصحُّ الصلاةُ أو لا تصحُّ؟
          فالجواب : في هذا لأهلِ العِلمِ قولان:
          القول الأول : أنَّ الصَّلاة تصحُّ مع الإثم.
          القول الثاني : أنهم آثمون، ولا تصحُّ صلاتُهم، ويجبُ عليهم أن يُعيدُوها.
          والرَّاجح القول الأول: لأنَّ تحريمَ الصَّلاةِ بدون إذن الإمام أو عُذره ظاهرٌ من الحديثِ والتعليل، وأما صِحةُ الصلاةِ؛ فالأصلُ الصحةُ حتى يقومَ دليلٌ على الفسادِ، وتحريمُ الإمامةِ في مسجدٍ له إمامٌ راتبٌ بلا إذنِهِ أو عذرِهِ لا يستلزمُ عدمَ صحةِ الصلاةِ؛ لأنَّ هذا التحريمَ يعودُ إلى معنًى خارجٍ عن الصلاة وهو الافتيات على الإمام، والتقدُّم على حَقِّهِ، فلا ينبغي أن تُبطل به الصلاةُ.
          مسألة : إذا أدركَ بعضَ المُعادةِ، فهل لا بُدَّ مِن إتمامِها، أو له أنْ يُسلِّمَ مع الإمام؟
          الجواب : نقول: إذا سَلَّمَ مع الإمامِ؛ وقد صَلَّى ركعتين؛ فلا بأس؛ لأنَّها نافلةٌ لا يلزمه إتمامُها، وإن أتمَّ فهو أفضلُ؛ لعمومِ قولِهِ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدركتُم فصَلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا».
          مسألة : قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا صلاة»[1] هل يشمَلُ الابتداءَ والإتمامَ؟.
          الجواب : في ذلك قولان لأهلِ العِلمِ.
          القول الأول : أنَّه يشمَلُ الابتداءَ، والإتمامَ، أي: فلا صلاةَ ابتداءً ولا إتماماً، فلا يُتِمُّ صلاةً هو فيها، حتى إنَّ بعضَهم بالغ فقال: لو لم يبقَ عليه إلا التسليمةُ الثانيةُ وأقامَ المقيمُ فإنَّها تبطلُ صلاتُه؛ لأنَّ التسليمتينِ رُكنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ، أو واجبٌ، أو سُنَّةٌ.
          القول الثاني : أنه لا صلاةَ ابتداءً وعلى هذا القول يُتِمُّ النَّافلةَ ولو فاتته الجَماعةُ.
          والذي يظهر أن قولَه صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ» المرادُ به ابتداؤها، وأنه يَحرُمُ على الإنسانِ أن يبتدىءَ نافلةً بعدَ إقامةِ الصَّلاةِ، أي: بعدَ الشروعِ فيها؛ لأنَّ الوقت تعيَّنَ لمتابعةِ الإمام.
          مسألة : إذا مَرَّ الإنسانُ بمسجدٍ جامعٍ يخطُبُ يومَ الجُمعة وهو لا يريدُ الصلاةَ معه، فهل له أن يتكلَّمَ والإمامُ يخطبُ، أو ليس له أن يتكلَّمَ؟
          الجواب : له أن يتكلَّمَ؛ لأنَّه لا يريدُ الائتمامَ بهذا الإمامِ، وكذلك لو أُذِّنَ الأذانُ الثاني في هذا المسجدِ يومَ الجُمُعةِ، والمسجدُ الذي تريدُ أنْ تصلِّيَ فيه لم يؤذِّنْ، وحصلَ منك بيعٌ أو شراءٌ بعدَ نداءِ الجُمُعةِ في المسجدِ الذي لا تريدُ أن تُصلِّيَ فيه، فالبيعُ والشراءُ صحيحٌ وحلالٌ.
          مسألة : سَبَق إذا أدركَ الإمامَ راكعاً فإنَّ الماتنَ صَرَّحَ بأنه يكبِّرُ للإحرام؛ وتجزئُه عن تكبيرةِ الرُّكوع ، وأنه لو كَبَّرَ للرُّكوعِ لكان أفضلَ، لكن إذا أدركَهُ في غيرِ الرُّكوعِ، مثل أنْ يدركَ الإمامَ وهو جالسٌ، أو يدركِهُ بعدَ الرَّفْعِ مِن الرُّكوعِ، أو يدرِكَهُ وهو ساجدٌ فهنا يُكبِّرُ للإحرامِ، لكن هل يُكبِّرُ مرَّةً ثانية أو لا يُكبِّرُ؟
          الجواب : هذا موضعُ خِلافٍ بين العلماءِ:
          القول الأول : أنه يَنحطُّ بلا تكبير.
          القول الثاني : أنه يَنحطُّ بتكبيرٍ.
          فالذين قالوا يَنحطُّ بتكبيرٍ علَّلوا: بأنَّ هذا كما لو أدركتَ الرُّكوعَ. وإذا أدركتَ الرُّكوعَ تُكبِّرُ مرَّةً للإحرامِ ومرَّةً للرُّكوعِ، إذن؛ إذا أدركتَه جالساً فكبِّرْ للإحرامِ ثم كَبِّرْ للجلوسِ.
          والذين قالوا: ينحطُّ بلا تكبير قالوا: لأنَّ انتقالَكَ مِن القيامِ إلى الرُّكوعِ انتقالٌ مِن رُكْنٍ إلى الذي يليَه فهو انتقالٌ في موضِعِهِ، لكن إذا دخلتَ مع الإمامِ وهو جالسٌ فإنَّ انتقالَك مِن القيامِ إلى الجلوسِ انتقالٌ إلى رُكْنٍ لا يليه، فلمَّا كان انتقالاً إلى رُكْنٍ لا يليَه، فلا تكبيرَ هنا؛ لأنَّ التكبيرَ إنَّما يكون في الانتقالِ مِن الرُّكْنِ إلى الرُّكْنِ الذي يليَه، وهنا الرُّكْنُ لا يليه، فلا يكبِّر، وهذا هو المشهورُ عند الفقهاءِ رحمهم الله: أنَّه ينحطُّ بلا تكبيرٍ.
          ولكن مع هذا نقولُ: لو كَبَّرَ الإنسانُ فلا حَرَجَ، وإن تَرَكَ فلا حَرَجَ ونجعلُ الخِيَارَ للإنسانِ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ واضحٌ للتَّفريقِ بين الرُّكوعِ وغيرِه، إذ مِن الجائزِ أن يقولَ قائلٌ: إنَّ القعودَ لا يلي القيامَ، لكن الذي جعلني أَقْعُدُ هو اتِّباعُ الإمامِ، فأنا الآن انتقلتُ إلى رُكْنٍ مأمورٌ بالانتقالِ إليه ولكن تبعاً للإمام لا باعتبارِ الأصلِ، وهذا لا شكَّ بأنه يؤيِّدُ القولَ بأنَّه يكبِّرُ فالذي نَرى في هذه المسألةِ أنَّ الاحتياطَ أن يكبِّرَ.
          مسألة : إذا أُقيمت الصَّلاةُ، وكبَّرَ الإِمامُ، وقرأَ الفاتحةَ، ولم يدخلْ رَجُلٌ مع الإِمامِ، وقال: إذا ركعَ الإِمامُ قُمْتُ وركعتُ، فبقيَ في مكانِهِ، أو بقيَ رجُلانِ يتحدَّثان، ولما ركَع الإِمامُ قاما فركعا معه. فهل نقول: إن هذا يوجب أن تكون صلاتُه باطلةٌ؛ لأنَّه لم يقرأ الفاتحةَ، أو نقول: إنَّ هذا مسبوقٌ أدركَ الرُّكوعَ، فتصحُّ صلاتُه؛ لأنَّه قبل أن يدخلَ في الصَّلاةِ غيرُ مطالبٍ بقراءةِ الفاتحةِ؟
          الجواب : أنا أَميلُ إلى أنَّه ما دامَ لم يدخلْ في الصَّلاةِ؛ فإنَّه لا يلزمُه حكمُ الصَّلاةِ، لكن نقول: أنتَ أخطأتَ وفَوَّتَ على نفسِك خيراً كثيراً لما يلي:
          أولاً : فاتك فضيلةُ تكبيرةِ الإِحرامِ بعد الإمام، وقِراءةُ الفاتحةِ والسُّورةِ إنْ كان هناك سورة.
          ثانياً : عرَّضتَ نفسَك لفوات ركعة؛ لأنَّ بعضَ العلماءِ قالوا: إنَّ ركعتَه لا تصِحُّ.
          مسألة : إذا اجتمعَ مالكُ البيتِ ومستأجرُ البيتِ، فالمستأجرُ أَولى[2]: لأنَّ المستأجرَ مالكُ المنفعةِ، فهو أحقُّ بانتفاعِهِ في هذا البيتِ.
          مسألة : لو حَضَرَ الإِمامُ الأعظمُ إلى صلاةِ الجُمعةِ في بلدٍ غير وَطَنِهِ، فمَن الذي يُقدَّمُ، الإِمامُ الأعظم، أو إمامُ المسجدِ الجامعِ؟
          فالجواب : نُقدِّمُ إمامَ الجامعِ؛ لأنَّ مِن شرطِ الإِمامةِ في الجُمعةِ أن يكون الإِمامُ مستوطناً، والإِمامُ الأعظمُ في غير وطنِهِ غير مستوطن. وأجاز ذلك بعضُ العلماء لوجهين:
          الأول : أنه ليس هناك دليلٌ على أنَّ الجُمعةَ لا يصحُّ أنْ يكون الإِنسانُ إماماً فيها إلا إذا كان مستوطناً ؟
          الثاني: رُبَّما يُقال: إنَّ الإِمامَ الأعظمَ مستوطنٌ في جميعِ بلادِ مملكتِه، ولهذا كان مِن اعتذارِ بعضِ العلماءِ لعثمانَ بنِ عفَّان رضي الله عنه حين أَتمَّ الصلاةَ في مِنَى في الحَجِّ أن قالوا: الإِمامُ الأعظمُ أو الخليفةُ، كلُّ ما تحت يدِهِ فهو بلدٌ له، فيكون مهما ذَهَبَ فهو مستوطنٌ. ولا شَكَّ أنَّ هذا التعليلَ عليلٌ، بل ميتٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أشدُّ ملكاً وتثبيتاً مِن غيرِه، ومع ذلك كان إذا سافرَ مِن المدينةِ يقصُرُ الصَّلاةَ، وقَصَرَ في حجة الوداع حتى رَجَعَ إلى المدينة، وقَصَرَ عثمان في أول خِلافتِهِ. والقولُ بأن الإِمامَ الأعظمَ لا يصحُّ أن يكون إماماً في الجمعة في غير بلدِه قولٌ ضعيفٌ، وتعليلٌ عليلٌ، بل الصَّحيحُ أنَّ غيرَ الإِمامِ الأعظمِ أيضاً يصحُّ أن يكون إماماً للجُمعةِ في غيرِ بلدِهِ، فلو أنَّ عالماً مِن الناسِ قَدِمَ إلى بلدٍ فقال له أهلُ البلد: صَلِّ بنا، فَخَطَبَ وصَلَّى بهم، فلا بأسَ بذلك.
          مسألة: الكافرُ لا تصحُّ الصلاةُ خلفَه مطلقاً، سواءٌ كان كفرُه بالاعتقادِ، أو بالقولِ، أو بالفعلِ، أو بالتَّركِ.
          فالاعتقادُ، مثل: أن يعتقدَ أنَّ مع الله إلهاً آخر.
          والقولُ، مثل: أن يستهزئ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه. فمَن كان يستهزئُ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه فهو كافرٌ، ولو كان يصلِّي.
          والفِعلُ، مثل: أن يسجدَ لمن سوى الله تعالى.
          والتَّركُ، مثل: تَرْكُ الصَّلاةِ. لكن إذا كان كفرُه بتركِ الصَّلاةِ، ثم صلَّى أسْلَمَ. لكنهم قالوا: إنَّه حين تكبيرةِ الإحرامِ كافرٌ، لأنَّه لا يُسْلِمُ إلا إذا صَلَّى، وعلى هذا؛ فلا تصحُّ الصلاةُ خلفَ الكافرِ بتَرْكِ الصَّلاةِ.
          ونحن نعلمُ أنَّه لا يمكن أنْ يُصلِّي مسلمٌ خلفَ كافرٍ، لكن لو فُرضَ أنَّ شخصاً صلَّى خلفَ رَجُلٍ، ولم يعلَمْ أنه كافرٌ إلا بعدَ الصَّلاةِ فهل تلزمُه إعادةُ الصَّلاةِ أو لا؟
          الجواب: مِن العلماءِ مَن قال: إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّه معذورٌ.
          ومِنهم مَن قال: بل يعيدُ الصَّلاةَ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً.
          ولو قال قائلٌ: هل يمكن أن نُفَصِّلَ ونقول: إن كانت علامةُ الكفرِ عليه ظاهرةٌ لم تصحَّ، ولم يُعذرْ بالجهلِ لوجود القرينةِ، وإلا فلا؟
          فالجواب: يمكن ذلك، فالقولُ الراجحُ في هذه المسألة: أنه إن كان جاهلاً فإن صلاتَه صحيحةٌ.
          مسألة: إذا كان الفاسقُ إماماً لا تمكن مقاومتُه، كمَن له سُلطان، فهل تصحُّ الصَّلاةَ خلفَه؟
          فالجواب: لا تصحُّ على المذهبِ، لكنَّهم يستثنون مِن هذا مسألتين: الجُمعة والعيد، إذا تعذَّرتا خلفَ غيره، كأن يكون هذا البلدُ ليس فيه إلا جامعٌ واحدٌ، وإمامُهُ فاسقٌ فحينئذٍ تصلّي خلفَه.
          وكذا العيد إذا لم يكن فيه إلا مصلًّى واحد، وإمامُه فاسقٌ نصلِّي خلفَه؛ لأننا لو تركنا الصَّلاةَ خلفَه فاتتنا الجُمعةُ وفاتنا العيدُ.
          وإذا لم يكن في البلدِ إلا هذا المسجدُ، وإمامُه فاسقٌ في غير الجُمعةِ والعيدِ؟
          فالجواب: على المذهب يصلِّي منفرداً، ولا يصلِّي خلفَه. ولكن؛ الصحيحُ أنَّ الصلاةَ خلفَه صحيحةٌ كما سبقَ.
          مسألة: إذا كان الإمامُ فاسقاً في معتقدِك، غيرُ فاسقٍ في معتقدِه، مثل: أن يرى أن شُربَ الدُّخانِ حلالٌ، وأنت ترى أنَّه حرامٌ، فهل تصلِّي خلفَه؟
          الجواب: تصلِّي خلفَه، لأنك لو سألتَ عنه، فقيل لك: هو فاسقٌ بحسب اعتقادِه؟ لقلت: لا؛ لأنه يعتقدُ أنَّ هذا حلال، ولذلك لو أنَّ رَجُلاً لا يرى أن لَحْمَ الإِبل ناقضٌ للوُضُوءِ، وأنت ترى أنه ناقضٌ، فأكلَ مِن لَحمِ الإِبلِ، ثم صلَّى إماماً لك، فصلاتُكَ خلفَه صحيحةٌ مع أنك تعتقدُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ، لكن هذا في اعتقادِك فيما لو فعلتَه أنت، لكن فيما لو فعلَه تعتقد أنَّ صلاتَه صحيحةٌ. ولهذا قال العلماءُ رحمهم الله: تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفُروعِ، ولو فَعَلَ ما تعتقدُه حراماً. وهذا مِن نِعمة الله؛ لأننا لو قلنا: إنَّها لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ لَلَحِقَ بذلك حَرَجٌ ومشَقَّةٌ.
          مسألة: إذا قال قائلٌ: إذا كان الإِمامُ شيخاً كبيراً لا يُرجى زوالُ عِلَّتِهِ لزم مِن ذلك أن يبقى الجماعةُ يصلُّون دائماً قعوداً؟
          الجواب: أننا نلتزمُ بهذا اللازمِ، ما دام هذا لازمُ قولِ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّ قولَ الرسولِ حَقٌّ، ولازمُ الحَقِّ حَقٌّ، ونحن إذا صلَّينا قعوداً مع قُدرتنا على القيامِ في جميع صلواتنا خلفَ الإِمامِ القاعدِ فقد صلَّينا بأمرِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فليس علينا ضَيرٌ، على أنَّ هذا لا يمكن أن يطَّرِدَ، أي: ليس كلُّ الناسِ يصلّون خلفَ هذا الإِمامِ جميع الصَّلواتِ، فقد تفوتهم الصَّلاةُ، ويصلّون فُرادى، أو مع جماعةٍ أُخرى، وقد يصلُّون في مسجدٍ آخر، وقد يُعذرون عن الحضور للجماعة فيصلُّون في بيوتهم، ولكن الأَولى أن يقوم بالإِمامةِ في هذه الحالِ مَن كان قادراً على القيامِ.
          مسألة: العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ؛ هل تصحُّ الصلاةُ خلفَه؟
          سبق أنَّ المذهبَ لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه إلا بمثلِه.
          ولكن الصحيحَ: أنَّ الصَّلاةَ خلفَه صحيحةٌ؛ بناءً على القاعدةِ؛ أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّتْ إمامتُه إلا بدليلٍ. لأن هذه القاعدةِ دلَّت عليها النصوصُ العامةُ؛ إلا في مسألة المرأةِ، فإنَّها لا تصحُّ أن تكون إماماً للرَّجُلِ، لأنَّها مِن جنسٍ آخرٍ.
          وأيضاً: قياساً على العاجزِ عن القيام، فإنَّ صلاةَ القادرِ على القيامِ خلفَ العاجزِ عنه صحيحةٌ بالنصِّ، فكذلك العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ.
          فإن قال قائل: إنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون» ولم يقلْ: إذا صَلَّى راكعاً فاركعوا، وإذا أومأ فأومِئوا؟
          قلنا: إنَّ الحديثَ إنما ذَكَرَ القيامَ؛ لأنه وَرَدَ في حالِ العجزِ عن القيامِ، فالرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم خاطَبهم حين صَلَّى بهم قاعداً، فقاموا، ثمَّ أشارَ إليهم فجلسوا، فلهذا ذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم القيامَ كمثالٍ؛ لأن هذا هو الواقع.
          فعليه نقول: إنَّ القولَ الراجحَ: أنَّ الصلاةَ خلفَ العاجزِ عن الركوعِ صحيحةٌ، فلو كان إمامُنا لا يستطيع الرُّكوعَ لأَِلَمٍ في ظهرهِ صلّينا خلفَه.
          ولكن؛ هل إذا رَكَعَ بالإِيماءِ نركعُ بالإِيماءِ؟ أو نركعُ ركوعاً تاماً؟
          الظاهر: أننا نركعُ ركوعاً تامًّا؛ وذلك لأنَّ إيماءَ العاجزِ عن الرُّكوعِ لا يغيرُ هيئةَ القيامِ إلا بالانحناءِ، بخلافِ القيامِ مع القعودِ.
          وأيضاً: القيام مع القعودِ أشارَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عِلَّتِه بأنَّنا لو قمنا وإمامُنا قاعدٌ كنَّا مشبهين للأعاجمِ الذين يقفون على ملوكهم. ولهذا جاءَ في بعضِ ألفاظِ الحديث: «إنْ كِدْتُم آنفاً لتفعَلُونَ فِعْلَ فارسَ والرُّومِ، يقومونَ على مُلُوكهم وهم قُعودٌ، فلا تفعلُوا، ائْتَموا بأئمتِكُم، إنْ صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً». فإذا كان إمامُنا قاعداً، ونحن قيامٌ، صِرنا قائمين عليه، أما الرُّكوع، إذا عَجَزَ عنه وأومأ وركعنَا فإننا لا نُشبه العَجَمَ بذلك.
          وكذلك في العَجْزِ عن السُّجودِ، الصحيحُ: أنه تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن السُّجودِ بالقادرِ عليه، وهل المأمومُ في هذه الحالِ يومئُ بالسُّجودِ؟
          الجواب: لا، بل يسجدُ سجوداً تاماً.
          وكذا العاجزُ عن القعودِ، نصلِّي خلفَه مع قُدرتِنا على القعودِ، كما لو كان مريضاً لا يستطيع القعودَ ويصلِّي على جنبِه.
          ولكن هل نضطجعُ؟
          الجواب: لا، لأنَّ الأمرَ بموافقةِ الإِمامِ إنَّما جاءَ في القعودِ والقيامِ، وعلى هذا؛ فنصلِّي جلوساً وهو مضطجعٌ، وكذلك لو عَجَزَ عن القعودِ بين السجدتين مثلاً، أو عن القعودِ في التشهُّدِ فإننا نصلِّي خلفَه.
          إذاً؛ فالصحيحُ: أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ. وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله. وهو الصحيحُ؛ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله» وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي: أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه.
          مسألةِ القيامِ أنَّه يَصِحُّ أن يصلِّيَ المأمومُ القادرُ على القيامِ خلفَ الإِمامِ العاجزِ عن القيامِ.
          وقد نَصَّ على ذلك الإِمامُ أحمدُ رحمه الله نفسُه فقال: إذا دَخَلَ والإِمامُ في صلاةِ التَّراويحِ وصَلَّى معه العشاءَ فلا بأس بذلك. فالذي يصلِّي التَّراويحَ متنفِّلٌ والذي يصلِّي العشاءَ مفتَرِضٌ، وهذا نَصُّ الإِمامِ، فالقولُ الرَّاجحُ بلا شَكٍّ هو هذا، وهو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية، وهو الذي تؤيّده الأدلَّة.
          بقي مسألةٌ ذَكَرها شيخُ الإِسلامِ وفي النَّفْسِ منها شيء، وهي: لو صَلَّى[3] خلفَ مَن يصلِّي على جنازة، فشيخُ الإِسلامِ يجيزُ أنْ يدخلَ معه، وينوي الائتمامَ به، ويتابعَ الإِمامَ بالتكبيرِ. ولكن لا ركوعَ ولا سجودَ في صلاةِ الجنازة، فإذا سَلَّمَ الإِمامُ مِن صلاةِ الجَنازةِ فإنَّه يُتِمُّ صلاتَه، وذلك لأنَّ المصلِّي على الجنازة يصلِّي صلاةً تخالفُ صلاةَ المأمومِ في الأفعالِ والصِّفَةِ، ولذلك كان القلبُ فيه شيءٌ مِن هذا القولِ.


          [1] أي في حديث «وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» .

          [2] أي في أحقية الإمامة.

          [3] أي المسافر.

          تعليق


          • #20
            مسألة: ما هو الانفراد المبطل للصَّلاة؟
            الجواب: الانفرادُ المبطلُ للصَّلاةِ أنْ يرفعَ الإِمامُ مِن الركوعِ ولم يدخل مع المسبوقِ أحدٌ، فإنْ دَخَلَ معه أحدٌ قبل أن يرفعَ الإِمامُ رأسَه مِن الرُّكوعِ، أو انفتح مكانٌ في الصَّفِّ فدخلَ فيه قبل أن يرفعَ الإِمامُ مِن الركوعِ، فإنَّه في هذه الحالِ يزول عن الفرديَّة.
            مسألة: إذا كانت المرأةُ أمامَ الرَّجُلِ. مثاله: أن يكون صَفُّ رِجالٍ خلفَ صَفِّ نساءٍ فتصِحُّ الصَّلاةُ، ولهذا قال الفقهاء: «صَفٌّ تامٌّ مِن نساءٍ لا يمنعُ اقتداءَ مَن خلفِهنّ مِن الرِّجالِ».
            مسألة: لو كان المأمومُ في مكان أعلى فلا يُكره، فإذا كان الإِمامُ هو الذي في الأسفل، كأن يكون في الخَلوة مثلاً، وفيه أناسٌ يصلُّون فوقَه فلا حَرَجَ ولا كراهة.
            هل المعتبر في قوله: «ذراع فأكثر» ذراع الحديد، أو ذراع اليد؟
            الجواب: المعتبر ذراع اليد، وهو ما بين المرفق ورؤوس الأصابع؛ لأنَّ هذا هو المعروف في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والمراد باليد: اليد المتوسِّطة، لأنَّ بعض النَّاس تكون ذراعُه طويلةً، وبعضُهم تكون قصيرةً.
            مسألة: إذا كان عليه دينٌ مؤجَّلٌ، لكن غريمه لازَمه فهل له أن يتخلَّفَ[1] ؟
            الجواب: ينظر؛ فإن كانت السُّلطةُ قويةٌ بحيث لو اشتكاه على السُّلطة لمنعته منه، فهو غيرُ معذورٍ؛ لأنَّ له الحَقُّ أن يُقدِّمَ الشَّكوى إلى السُّلطةِ، أما إذا كانت السُّلطةُ ليست قويةً، أو أنها تحابي الرَّجُلَ فلا تمنعه مِن ملازمةِ غريمه، فهذا عُذرٌ بلا شَكٍّ.
            مسألة: هل يُعذرُ الإِنسانُ بتطويل الإِمامِ؟
            الجواب: يُعذرُ بتطويلِ الإِمامِ إذا كان طولاً زائداً عن السُّنَّةِ.
            ودليل ذلك: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يوبِّخ الرَّجُلَ الذي انصرفَ مِن صلاتِه حين شَرَعَ معاذٌ في سورة البقرةِ، بل وَبَّخَ معاذاً» ، وإذا لم يوجد مسجدٌ آخر سَقَطَ عنه وجوبُ الجَماعة.
            مسألة: هل يُعذرُ بسرعة الإِمام؟
            الجواب: أنَّ هذا مِن بابِ أَولى أن يكون عُذراً مِن تطويلِ الإِمامِ، فإذا كان إمامُ المسجدِ يُسْرِعُ إسراعاً لا يتمكَّنُ به الإِنسانُ مِن فِعْلِ الواجبِ، فإنَّه معذورٌ بتَرْكِ الجماعةِ في هذا المسجدِ، لكن؛ إن وُجِدَ مسجدٌ آخرٌ تُقامُ فيه الجماعةُ وجبت عليه الجماعةُ في المسجدِ الثاني.
            مسألة: إذا كان الإِمامُ فاسقاً بحَلْقِ لحيتِه، أو شُرْبِ الدُّخَّان، أو إسبالِ ثوب، فهل هذا عُذر في تَرْكِ الجماعةِ؟
            الجواب: إنْ قلنا بأنَّ الصَّلاةَ خلفَه لا تَصِحُّ كما هو المذهب فهو عُذرٌ، وأما إذا قلنا بصحَّةِ الصَّلاةِ خلفَه ـ وهو الصَّحيح ـ فإنَّ ذلك ليس بعُذرٍ؛ لأنَّ الصَّلاةَ خلفَه تَصِحُّ وأنت مأمورٌ بحضورِ الجماعةِ.
            مسألة: إذا كان الإِنسانُ مجرماً، وخافَ إن خَرَجَ أن تمسِكَه الشرطةُ، فهل هو عُذرٌ؟
            الجواب: ليس بعُذرٍ؛ لأنَّه حَقٌّ عليه، أما إذا كان مظلوماً فإنَّه عُذرٌ.
            مسألة: إذا كان في طريقِه إلى المسجدِ منكراتٌ كتبرُّجِ النِّساءِ، وشُرْبِ الخَمْر، وشُرْبِ الدُّخَّان، وما أشبه ذلك، فهل هذا عُذر؟
            الجواب: ليس بعذر فيخرجُ، وينهى عن المنكرِ ما استطاع، فإن انتهى النَّاسُ فله ولهم، وإن لم ينتهوا فله وعليهم.
            مسألة: إذا طرأت هذه الأعذارُ في أثناءِ الصَّلاةِ، فمثلاً: فيالشرح الممتع على زاد المستقنع - (4 / 321)
            أثناءِ الصَّلاةِ أصابه مدافعةُ الأخبثين؛ فله أنْ ينفردَ ويتمَّ صلاتَه إلا إذا كان لا يستفيدُ بانفرادِه شيئاً، بمعنى أن الإِمام يخفِّفُ تخفيفاً بقَدْرِ الواجبِ، ففي هذه الحال لو انفردَ لم يستفدْ شيئاً؛ إذ لا يمكن أن يخفِّفَ أكثر مِن تخفيفِ الإِمامِ.
            وهل له أن يقطعَ الصَّلاة؟
            الجواب: نعم، له أنْ يقطعَ الصَّلاةَ؛ إذا كان لا يمكنه أن يكمِلها على الوجه المطلوبِ منه، إلا إذا كان لا يستفيدُ مِن قطعِها شيئاً؛ فإنه لا يقطعها، مثاله: لو سمعَ الغريمَ يدعوه في أثناءِ الصَّلاةِ، ففي هذه الحال لو انصرفَ لأمسكَه، فلا يستفيد بقطعِ الصَّلاةِ شيئاً؛ فلا يقطعها.
            مسألة: هل هذه الأعذارُ عُذرٌ في إخراج الصَّلاةِ عن وقتِها؟
            الجواب: ليست عُذراً، فعلى الإِنسان أن يصلِّيها في الوقت على أيِّ حالٍ كانت، إلا أنَّ بعضَ أهلِ العِلم قال: إنَّ مدافعةَ الأخبثين عُذرٌ في إخراجِ الصَّلاةِ عن وقتِها؛ وذلك لأنَّ حَبْسَ الأخبثينِ، يكون به ضررٌ على الإِنسانِ، وبعضُ النَّاسِ أيضاً يَحسُّ إذا حبس الأخبثين، ولا سيما البول بخفقان شديدٍ في القلب فيخشى على نفسه منه، ولكننا نقول: إذا كانت هذه الأعذارُ في الصَّلاة الأُولى التي تُجمع لما بعدَها، فإن هذه الأعذار تُبيحُ الجَمْعَ، وهذه فائدةٌ مهمَّةٌ، فالأعذارُ التي تُبيحُ تَرْكَ الجُمُعةِ والجَماعةِ تُبيحُ الجَمْعَ. وحينئذٍ إذا حصلت لك في وقتِ الصَّلاةِ الأُولى فتنوي الجَمْعَ، وتؤخِّرُ الصَّلاةَ إلى وقتِ الثانيةِ؛ لعمومِ حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما «جَمَعَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم في المدينةِ بين الظُّهرِ والعصرِ، وبين المغربِ والعشاءِ مِن غير خوفٍ ولا مطرٍ، قالوا: ماذا أرادَ بذلك؟ قال: أرادَ أن لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» أي: أنْ لا يَلحقها الحَرَجُ في تَرْكِ الجَمْعِ.
            مسألة: الآكلُ للبصلِ؛ هل يُعذرُ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؟
            وهل يجوزُ له أنْ يأكلَ البصلَ أم لا؟
            الجواب: إنْ قَصَدَ بأكلِ البصلِ أنْ لا يُصلِّيَ مع الجماعةِ فهذا حرامٌ ويأثمُ بتَرْكِ الجمعة والجماعة، أما إذا قَصَدَ بأكلِهِ البصلَ التمتُّعَ به وأنَّه يشتهيه، فليس بحرامٍ، كالمسافر في رمضان إذا قصد بالسَّفَرِ الفِطْر حَرُمَ عليه السَّفَرُ والفِطر، وإنْ قَصَدَ السَّفَرَ لغرضٍ غيرِ ذلك فله الفِطْر.
            وأما بالنسبة لحضُورِه المسجدَ؛ فلا يحضُرُ، لا لأنه معذورٌ، بل دفعاً لأذيَّتِهِ؛ لأنَّه يؤذي الملائكةَ وبني آدم.
            أما الأعذارُ التي ذكرها المؤلِّفُ فهي أعذارٌ تُسوِّغُ للإِنسانِ أن يَدَعَ الجُمُعةَ والجماعةَ؛ لأنَّه متَّصفٌ بما يُعذرُ به أمامَ الله، أما مَن أكلَ بصلاً أو ثوماً فلا نقولُ إنَّه معذورٌ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعة، ولكن لا يحضُر دفعاً لأذيته، فهنا فَرْقٌ بين هذا وهذا، لأن هذا المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً» أما آكلُ البصلِ والثُّومِ فلا يُكتب له أجرُ الجماعةِ؛ لأننا إنما قلنا له لا تحضر دفعاً للأذية؛ كما قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم».
            مسألة: إذا كان فيه بَخْرٌ، أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه، لكن هذا ليس كآكلِ البصلِ؛ لأنَّ آكلَ البصلِ فَعَلَ ما يتأذَّى به النَّاسُ باختيارِه، وهذا ليس باختيارِه، وقد نقول: إنَّ هذا الرَّجُلَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ؛ لأنَّه تخلَّفَ بغير اختيارِه فهو معذورٌ. وقد نقول: إنه لا يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ؛ لكنه لا يأثمُ، كما أنَّ الحائضَ تتركُ الصَّلاةَ بأمره اللهِ ومع ذلك لا يُكتب لها أجرُ الصَّلاةِ فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم جَعَلَ تَرْكَها للصَّلاةِ نقصاً في دينِها .
            مسألة: مَن شَرِبَ دُخَّاناً وفيه رائحةٌ مزعجةٌ تؤذي النَّاسَ، فإنَّه لا يَحِلُّ له أنْ يؤذيهم، وهذا لعلَّه يكون فيه فائدةٌ، وهي أنَّ هذا الرَّجُلَ الذي يشربُ الدُّخَّانَ لما رأى نفسَه محروماً مِن صلاةِ الجماعةِ يكون سبباً في توبته منه وهذه مصلحة.
            مسألة: مَن فيه جروحٌ منتنةٌ، وهذا في الزَّمنِ الماضي؛ لعدم وجودِ المستشفيات، فله أن يتخلَّفَ عن الجُمُعةِ والجَماعةِ، ولكن لا نقول: إنه عُذرٌ كعُذرٍ المريض وشبهه، إلا إذا كان يتأخَّرُ عن صلاةِ الجماعةِ خوفاً مِن ازديادِ ألمِ الجُرحِ، لأنَّ الرَّوائحَ أحياناً تؤثِّرُ على الجُروحِ وتزيدها وَجَعاً، فهذا يكون معذوراً، ويدخل في قسم المريض.
            باب صلاة أهل الأعذار
            مسألة: لو كان يعجَزُ عن القيامِ في جميعِ الركعةِ، لكن في بعضِ القيامِ يستطيع أن يقفَ نصفَ القراءة، فهل نقول: ابدأ الصَّلاةَ قاعداً، ثم إذا قاربت الركوعَ فَقُمْ، أو نقول: ابتدئِها قائماً فإذا شَقَّ عليك فاجلسْ؟
            إذا نظرنا إلى فِعْلِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في قيام الليل أنَّه لما كَبِرَ عليه الصَّلاة والسلام صار يقومُ الليلَ جالساً، فإذا بقيَ عليه مِن السُّورةِ ثلاثون أو أربعون آيةً قامَ فقرأهنَّ ثم رَكَعَ. قلنا: السُّنَّةُ أن يبتدئَها قاعداً ثم يقومُ. وإذا نظرنا إلى أن القيامَ في الفريضةِ رُكْنٌ قلنا: ابدأ بالرُّكنِ أولاً، ثم إذا شَقَّ عليك فاجلسْ بناءً على القاعدةِ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] .
            ونقول أيضاً: ربَّما يَظنُّ أنّه يَشقُّ عليه ثم لا يَشقُّ ويُعان عليه، وربَّما يتمكَّن مِن قراءةِ الفاتحةِ ويركع وإن لم يقرأ ما بعدَها مِن السُّور، وهذه المسألةُ تحتاج إلى تحريرٍ، فمَن نظر إلى فِعْلِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في قيامِ الليلِ رجَّح أن يصلِّي جالساً، فإذا قاربَ الرُّكوع قامَ، ومَن نَظَرَ إلى أن القيام رُكْنٌ، قال: الأَولى أن يبدأَ بالرُّكنِ فيقومُ فإذا تعب جَلَسَ وتتميز الصفة الأُولى بأنه يتمكَّنُ مِن الركوع؛ بخلاف الثانية فإنَّه يركع بالإِيماء.
            مسألة: إذا كان لا يستطيعُ السُّجودَ على الجبهة فقط؛ لأنَّ فيها جروحاً لا يتمكَّنُ أن يمسَّ بها الأرض، لكن يقدِرُ باليدين وبالركبتين فماذا يصنع؟
            الجواب: نأخذ بالقاعدة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فيضعُ يديه على الأرضِ ويدنو مِن الأرضِ بقَدْرِ استطاعتِه؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وأما قولُ مَن قال مِن العلماءِ: إنَّه إذا عَجَزَ عن السُّجودِ بالجبهة لم يلزمه بغيرِها، فهذا قول ضعيفٌ؛ لأننا إذا طبَّقنا الآية الكريمة {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} كانت دالةً على أنه يجب أن يسجدَ على الأرضِ بما استطاعَ مِن أعضائِه، فإذا كان يستطيعُ أن يسجدَ على الكفين وَجَبَ.
            ولو فَرَضْنا أنه لا يستطيعُ أن يسجدَ أبداً، بمعنى: لا يستطيعُ أن يحني ظهرَه إطلاقاً فحينئذ لا يلزمه أن يضعَ يديه على الأرضِ؛ لأنه لا يقرب مِن هيئةِ السُّجودِ، أما لو كان يستطيعُ أنْ يدنوَ مِن الأرضِ حتى يكون كهيئة السَّاجدِ، فهنا يجب عليه أنْ يسجدَ، ويُقرِّبَ جبهتَه مِن الأرضِ ما استطاعَ.
            مسألة: رَجُلٌ مريضٌ يقول: إنْ ذهبتُ إلى المسجدِ لم أستطعْ القيامَ؛ لأني أَصِلُ إلى المسجدِ وأنا متعبٌ فلا أستطيعُ القيامَ، وإن صلَّيتُ في بيتي صلَّيت قائماً؛ لأني لم أتعبْ ولم تحصُلْ عليَّ مشقَّةٌ. وأيضاً: ربَّما يطوِّلُ الإِمامُ تطويلاً يشقُّ عليَّ،وفي بيتي أصلِّي كما شئتُ، فهل نقول: يجبُ عليك أن تذهبَ إلى المسجدِ ثم تصلِّي ما استطعتَ. أو نقول: يجبُ عليك أن تصلِّي في بيتِك؛ لأنَّ القيامَ رُكنٌ وصلاةُ الجماعةِ واجبة، أو نقول: تخيَّر؛ لأنَّه تعارضَ واجبان؟
            للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
            فمِن العلماءِ مَن قال: إنه يُخيَّر لتعارض الواجبين، واجب الجماعة، وواجب القيام وليس أحدهما أولى بالترجيح مِن الآخر.
            ومنهم مَن قال: يقدِّم القيامَ، فيصلِّي في بيتِه قائماً؛ لأنَّ القيامَ رُكْنٌ بالاتفاقِ؛ لقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلِّ قائماً» ، وصلاةُ الجماعةِ أقلُّ وجوباً لما يلي:
            أولاً: وجود الخِلاف في وجوبها.
            ثانياً: فإذا وجبت هل هي فرضُ كِفاية، أو فرضُ عين.
            ثالثاً: إذا كانت فرضَ عينٍ، فهل هي واجبةٌ في الصلاةِ بحيث تبطل الصَّلاةُ بتركها بلا عُذر، أو واجبة للصَّلاةِ تصحُّ الصلاةُ بدونها مع الإِثم.
            ومنهم مَن قال: يجب أن يحضر إلى المسجدِ، ثم يصلِّي قائماً إن استطاعَ، وإلا صَلَّى جالساً؛ لأنَّه مأمورٌ بإجابة النِّداء، والنِّداءُ سابقٌ على الصَّلاةِ فيأتي بالسَّابق فإذا وَصَلَ إلى المسجدِ، فإن قَدِرَ صَلَّى قائماً وإلا فلا، وأيضاً: ربَّما يَظنُّ أنه إذا ذهبَ إلى المسجدِ لا يستطيعُ القيامَ، ثم يمدُّه الله عزّ وجل بنشاطٍ ويستطيعُ القيامَ.
            والذي أميلُ إليه ـ ولكن ليس ميلاً كبيراً ـ هو أنَّه يجب عليه حضورُ المسجد، ويدلُّ لذلك حديث ابن مسعود الثابت في «صحيح مسلم»: «وكان الرَّجُلُ يُؤتى به يُهادى بين الرَّجلينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ» ومثل هذا في الغالب لا يقدِرُ على القيام وحدَه، فيجب أن يحضرَ إلى المسجدِ، ثم إن قَدِرَ على القيام فذاك، وإنْ لم يقدِرْ فقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] .
            مسألة: إن أشكل هل هذا سفر عرفاً أو لا؟ فهنا يتجاذب المسألة أصلان:
            الأصل الأول: أن السفر مفارقة محل الإِقامة، وحينئذٍ نأخذ بهذا الأصل فيحكم بأنه سفر.
            الأصل الثاني: أن الأصل الإِقامة حتى يتحقق السفر، وما دام الإِنسان شاكاً في السفر، فهو شاك هل هو مقيم أو مسافر؟ والأصل الإِقامة، وعلى هذا فنقول في مثل هذه الصورة: الاحتياط أن تتم؛ لأن الأصل هو الإِقامة حتى نتحقق أنه يسمى سفراً.
            مسألة: إذا كان في القصيم وخرج إلى المطار، هل يقصر في المطار؟
            الجواب: نعم يقصر؛ لأنه فارق عامر قريته فجميع القرى التي حول المطار منفصلة عنه، أما من كان من سكان المطار؛ فإنه لا يقصر في المطار، لأنه لم يفارق عامر قريته.
            مسألة: وهل له أن يفطر في المطار؟
            الجواب: نعم له أن يفطر، فلو أراد أن يسافر في رمضان وخرج وبقي في المطار ينتظر الطائرة، وأقصد بذلك مطار القصيم فإنه يفطر، لأنه فارق عامر قريته، ولو قدر أن الطائرة لم تقلع ولم يحصل السفر ذلك اليوم، هل يعيد الصلاة التي كان قصرها؟
            الجواب: لا، لأنه أتى بها بأمر الله موافقة لشرعه، فتكون مقبولة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليها أمرنا فهو رد» فمفهومه أن من عمل عملاً عليه أمر الله ورسوله فهو مقبول.
            مسألة: وهل يلزمه إذا لم تأتِ الطائرة ورجع إلى بلده بعد أن أفطر الإِمساك؟
            فيه قولان لأهل العلم.
            والصحيح: أنه لا يلزمه، لأنه أفطر بعذر شرعي على وجه مباح، فزالت حرمة النهار في حقه فبقي آخر النهار غير ملزم به. وسيأتي لهذا مزيد بحث في كتاب الصيام إن شاء الله.
            مسألة: رجل سافر من أجل أن يترخص فهل يترخص؟
            الجواب: لا، لأن السفر حرام حينئذ، ولأنه يعاقب بنقيض قصده فكل من أراد التحيُّل على إسقاط الواجب أو فعل المحرم عوقب بنقيض قصده فلا يسقط عنه الواجب ولا يحل له المحرم.
            مسألة: إنسان خرج من بلده يتمشّى فهبت رياح أضلته عن الطريق، فصار تائهاً يطلب الطريق، ولم يهتدِ إليه، فهل يقصر الصلاة؟.
            الجواب: لا يقصر، لأنه لم ينو مسافة القصر وقد يهتدي إلى الطريق قبل بلوغ المسافة، وكذلك من خرج لطلب بعير شارد لا يقصر؛ لأنه لم ينوِ المسافة.
            ولكن الصحيح: أنه يقصر لأنه على سفر.
            مسألة: إذا أدرك المسافر من صلاة الإِمام ركعة في الصلاة الرباعية فبكم يأتي؟
            الجواب: يأتي بثلاث، وإن أدرك ركعتين أتى بركعتين، وإن أدرك ثلاثاً أتى بركعة، وإن أدرك التشهد أتى بأربع؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وما فاتكم فأتموا».
            مسألة: لو دخل وقت الصلاة وهو في بلده ثم سافر فإنه يقصر، ولو دخل وقت الصلاة وهو في السفر ثم دخل بلده فإنه يتم اعتباراً بحال فعل الصلاة.
            مسألة: من أفطر لإنقاذ معصوم هل يلزمه الإِمساك بقية اليوم كمَن رأى شخصاً غرق في الماء ولا يستطيع أن ينجيه من الغرق إلا إذا أفطر بأكل أو شرب فأفطر ثم أنقذه وأنجاه؟
            الجواب: لا يلزمه على القول الراجح؛ لأنه أفطر بسبب مباح.
            بخلاف الرجل الذي بلغ في أثناء اليوم فإنه يلزمه الإِمساك.
            مسألة: هل من لازم جواز الجمع جواز القصر؟
            الجواب: لا، فقد يجوز الجمع ولا يجوز القصر، وقد يجوز القصر ولا يجوز الجمع على رأي من يرى أن الجمع لا يجوز للمسافر النازل فلا تلازم بينهما.
            مسألة: الجمع في المطر هل الأفضل التقديم أو التأخير؟
            الأفضل التقديم؛ لأنه أرفق بالناس، ولهذا تجد الناس كلهم في المطر لا يجمعون إلا جمع تقديم.
            هذا إذا قلنا: إن الجمع للمطر خاص في العشائين. أما إذا قلنا بأنه عام في العشائين والظهرين، فإن الأرفق قد يكون بالتأخير.
            واعلم أن كلام المؤلف: لا يعني أنه إذا جاز الجمع فلا بد أن يكون تقديماً أو تأخيراً، بل إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، فيجوز أن تصلّي المجموعتين في وقت الأولى، أو في وقت الثانية، أو فيما بين ذلك، وأما ظن العامة أن الجمع لا يجوز إلا في وقت الأولى، أو وقت الثانية، فهذا لا أصل له كما سبق، لأنه متى أبيح الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً.
            وقد استثنى بعض العلماء جمع عرفة؛ فقال: الأفضل فيه التقديم، ومزدلفة فالأفضل فيه التأخير، ولكن هذا لا وجه له؛ لأن جمع عرفة تقديماً أرفق بالناس من الجمع تأخيراً، لأن الناس لا يمكن أن يحبسوا إلى وقت العصر مجتمعين، وهم يريدون أن يتفرقوا في مواقفهم، ويدعوا الله؛ فالأرفق بهم بلا شك التقديم،وأما في مزدلفة فالأفضل التأخير؛ لأنه أرفق فإن إيقاف الناس في أثناء الطريق وهم في سيرهم إلى مزدلفة فيه مشقة.
            فإن قال قائل: إذا تساوى الأمران عند الإِنسان التقديم أو التأخير فأيهما أفضل؟
            فالجواب: قالوا: الأفضل التأخير، لأن التأخير غاية ما فيه تأخير الأولى عن وقتها، والصلاة بعد وقتها تعذر جائزة مجزئة، وأما التقديم ففيه صلاة الثانية قبل دخول وقتها، والصلاة قبل دخول الوقت لا تصح ولو لعذر، ولأنه أحوط حيث منع بعض المجوزين للجمع من جمع التقديم إلا في عرفة.
            مسألة: لو فصل بينهما[2] بفريضة، فبعد أن صلّى المغرب ذكر أنه صلّى العصر بلا وضوء فصلّى العصر، فلا جمع؛ لأنه إذا بطل الجمع بالراتبة التابعة للصلاة المجموعة فبطلانه بصلاة أجنبية من باب أولى.
            ولو صلى تطوعاً غير الراتبة فمن باب أولى؛ لأنه إذا بطل بالراتبة التابعة للمجموعة فما كان أجنبياً عنها، وليس لها فهو من باب أولى.
            واختار شيخ الإِسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط الموالاة بين المجموعتين وقال: إن معنى الجمع هو الضم بالوقت أي: ضم وقت الثانية للأولى بحيث يكون الوقتان وقتاً واحداً عند العذر، وليس ضم الفعل، وعلى رأي شيخ الإِسلام: لو أن الرجل صلّى الظهر وهو مسافر بدون أن ينوي الجمع، ولو كان مقيماً ثم بدا له أن يسافر قبل العصر فإنه يجمع إذا سافر ولو طال الفصل، وعلى ما ذكره المؤلف لا يجمع لسببين:
            أولاً: أنه لم ينوِ الجمع عند إحرام الأولى.
            الثاني: أنه فصل بينهما.
            وقد ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله نصوصاً عن الإِمام أحمد تدل على ما ذهب إليه من أنه لا تشترط الموالاة في الجمع بين الصلاتين تقديماً كما أن الموالاة لا تشترط بالجمع بينهما تأخيراً كما سيأتي، والأحوط أن لا يجمع إذا لم يوالِ بينهما، ولكن رأي شيخ الإِسلام له قوة.
            مسألة: رجل سافر بالطائرة، والمطار خارج البلد، وركب الطائرة، فأخذت دورة فمرت من فوق وهو يصلّي فهل يلزمه الإِتمام؛ لأن الهواء تابع للقرار؟
            الجواب: الظاهر لي: أنه لا يلزمه الإِتمام؛ لأن هذا المرور مرور سفر عابر، وليس مرور استقرار وانتهاء سفر، ثم إن المدة في الغالب تكون وجيزة.
            مسألة: رجل مسافر ونوى جمع التأخير وخرج وقت الأولى، وهو في السفر وقدم البلد في وقت الثانية فله الجمع؛ لأنه سوف يصلّي الأولى ثم يصلّي الثانية، لكن لا يقصر؛ لأنه انتهى مبيح القصر وهو السفر.
            مسألة: إذا اشتد الخوف فهل يجوز أن تؤخر الصلاة عن الوقت؟
            في هذا خلاف بين العلماء: فمنهم من يقول: لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، ولو اشتد الخوف، بل يصلّون هاربين وطالبين إلى القبلة، وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود، لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 236] .
            ومنهم من قال: يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف، بحيث لا يمكن أن يتدبر الإِنسان ما يقول أو يفعل، أي: إذا كان يمكن أن يتدبر ما يقول أو يفعل في الصلاة فليصل على أي حال، لكن إذا كانت السهام والرصاص تأتيه من كل جانب ولا يمكن أن يستقر قلبه ولا يدري ما يقول، ففي هذه الحال يجوز تأخير الصلاة، وهذا مبني على «تأخير النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلاة في غزوة الأحزاب» ، هل هو منسوخ أو مُحْكَمْ؟
            والصحيح: أنه محكم إذا دعت الضرورة القصوى إلى ذلك، بمعنى أن الناس لا يقر لهم قرار، وهذا في الحقيقة لا ندركه ونحن في هذا المكان، وإنما يدركه من كان في ميدان المعركة، فلا بأس أن تؤخر الصلاة إلى وقت الصلاة الأخرى، أما إذا كانت صلاة جمع فالمسألة لا إشكال فيها، كتأخير الظهر إلى العصر والمغرب إلى العشاء، وأما إذا كانت لا تجمع إلى الأخرى كالعشاء إلى الفجر والفجر إلى الظهر والعصر إلى المغرب، فهذا محل الخلاف.
            وذكر في الروض: أنه يشترط لجواز صلاة الخوف أن يكون القتال مباحاً، والقتال المباح: هو قتال الكفار أو قتال المدافعة .
            أما قتال الهجوم على من لا يحل قتاله فإن ذلك لا يجيز صلاة الخوف، بل نقول لمن قاتل على هذا الوجه: يجب عليك أن تكف عن القتال.
            والقتال المباح أنواع: قتال الكفار، وقتال المدافعة، وقتال من تركوا صلاة العيد، أو الأذان أو الإِقامة، وغير ذلك من شعائر الإِسلام الظاهرة، وقتال الطائفة المعتدية فيما إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين فإن الله يقول: {بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى}.


            [1] أي عن صلاة الجمعة.

            [2] أي بين صلاة المغرب والعشاء.

            تعليق


            • #21
              باب صلاة الجمعة
              مسألة: هل مثل ذلك[1] خوف إقلاع الطائرة؟
              الجواب: نعم، فلو فرض أن الطائرة ستقلع في وقت صلاة الجمعة، ولو جلس ينتظر فاتته، فهو معذور وله أن يسافر ولو بعد الزوال.
              مسألة: امرأة طهرت من الحيض قبل غروب الشمس بمقدار ركعة فتلزمها صلاة العصر على القولين.
              والصحيح: أن صلاة الظهر لا تلزمها.
              مسألة: إذا بقي من الوقت مقدار الواجب من الخطبة فماذا تصلي؟
              الجواب: تصلي ظهراً؛ لأنه لا يمكن إقامة الجمعة؛ لأن الجمعة لا بد أن يتقدمها خطبتان، فإذاً لا بد أن يبقى من وقت الجمعة مقدار الواجب من الخطبتين، ومقدار تكبيرة الإحرام على قول المؤلف، أو ركعة على القول الذي رجحناه.
              ولو قال قائل: هل يمكن أن يخرج وقت صلاة الجمعة على الناس جميعاً؟
              فالجواب: يمكن، لكنه نادر، وصورة إمكانه: أن يكون الجو ملبداً بالغيوم، وليس عندهم ساعات، فيظنون أن الوقت مبكر، ثم تتجلى الغيوم وإذا هم قرب صلاة العصر.
              مسألة: إذا حضر تسعة وثلاثون[2]، والإمام يرى أن الواجب أربعون، والتسعة والثلاثون يرون أن الواجب ثلاثة فنقول: الإمام لا يصلي بهم، ويصلي واحد من هؤلاء الذين لا يرون الأربعين، ثم يلزم الإمام أن يصلي؛ لأنها أقيمت صلاة الجمعة.
              وإذا كان بالعكس الإمام لا يرى العدد أربعين، والتسعة والثلاثون يرون العدد أربعين فلا يصلون جمعة؛ لأن التسعة والثلاثين يقولون: نحن لن نصلي فيبقى واحد، فلا تنعقد به الجمعة فيصلون ظهراً.
              وهذه المسألة التي ذكرها العلماء ـ رحمهم الله ; تدلنا على أن الإنسان ينبغي أن يكون واسع الأفق، فالعلماء أسقطوا الجمعة من أجل الخلاف، وأوجبوها من أجل الخلاف، فالمسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد لا ينبغي للإنسان أن يكون فيها عنيفاً بحيث يضلل غيره، فمن رحمة الله عزّ وجلّ أنه لا يؤاخذ بالخلاف إذا كان صادراً عن اجتهاد، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وأهل السنة والجماعة من هديهم وطريقتهم ألا يضللوا غيرهم ما دامت المسألة يسوغ فيها الاجتهاد، حتى إنهم قالوا: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي من خالف ترتيبهم في الخلافة فهو ضال، أي من قال: إن علياً أولى من أبي بكر بالخلافة فهو ضال، حتى قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «هو أضل من حمار أهله»، ومن خالف في التفضيل بين عثمان وعلي، فقال: علي أفضل من عثمان فإنه لا يضلل؛ لأن هذه مسألة فيها خلاف بين أهل السنة، لكن استقر أمر أهل السنة على تفضيل عثمان تبعاً للخلافة، فإذا كان يرى أن الأحاديث الواردة في فضل علي ـ رضي الله عنه ـ تفوق الأحاديث الواردة في فضل عثمان ـ رضي الله عنه ـ فلا يضلل، لكن من فضَّل عليًّا على أبي بكر وعمر فقد قدح في علي نفسه؛ لأن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يقول على منبر الكوفة، وهو يخطب الناس: «خير
              هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر».
              مسألة مهمة تعتري الناس في أيام موسم الحج والعمرة في المسجد الحرام وهي:
              ما إذا زحم الإنسان عن السجود. قال في الروض: «ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله».
              مثاله: إنسان دخل مع إمام الجمعة، لكن الناس متضايقون، فلما أراد السجود ما وجد مكاناً يسجد فيه، نقول: يجب عليك أن تسجد على ظهر إنسان، أو على رجله.
              وقال بعض العلماء: إذا زحم فإنه ينتظر حتى يقوم الناس،ثم يسجد، ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر.
              وقال بعض العلماء: يومئ إيماء أي: يجلس ويومئ بالسجود إيماء؛ لأن الإيماء في السجود قد جاءت به السنة عند التعذر بخلاف التخلف عن الإمام فإنه لم يأت إلا لعذر، وهذا القول أرجح، ويليه القول بأنه ينتظر، ثم يسجد، بعد الإمام، وأما القول بأنه يسجد على ظهر إنسان أو رجله فإنه ضعيف؛ لما يلزم عليه من التشويش التام على المسجود عليه، وقد يقاتل المسجود عليه الساجد، وقد يكون الذي أمامه امرأة.
              وأيضاً السجود على ظهر إنسان لا تتأتى معه صورة السجود، لعلو الإنسان في السجود فيكون وجهه محاذياً لرجليه، وهنا الساجد أيضاً يكون رفيعاً.
              قال في الروض: «وإن أحرم، ثم زحم، وأخرج عن الصف فصلى فذاً لم تصح» أي: لو أنه زحم، وعجز عن أن يطيق الوقوف في الصف حتى خرج، فإنه على المذهب لا تصح صلاته؛ لأنه فذ.
              والصحيح: أن صلاته تصح؛ لأنه معذور في الفذية.
              فإذا كان قد صلى الركعة الأولى في الصف فإنه إذا زحم حتى خرج من الصف ينوي الانفراد ويتمها جمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة فيتمها جمعة هذا على المذهب، والقول الراجح أنه يتمها جمعة مع الإمام؛ لأن انفراده هنا للعذر.
              مسألة: هل يشترط أن يكون العدد الحاضر لهما هو العدد الحاضر للصلاة.
              مثلاً: بأن خطب بأربعين، ثم خرج الأربعون، وجاء أربعون غيرهم وصلوا الجمعة.
              فالجواب: أنه يشترط؛ لأنه لا بد أن يحضروا الخطبتين والصلاة.
              مسألة: لم يذكر صاحب المتن ما يبطل الخطبتين، لكن ذكر الشارح في الروض أنهما تبطلان بالكلام المحرم، أي: لو أن الخطيب في أثناء الخطبة تكلم كلاماً محرماً، كقذف أو لعن، أو ما أشبه ذلك، فإنها تبطل؛ لأن ذلك ينافي مقتضى الخطبة.
              فالمقصود بالخطبة وعظ الناس وزجرهم عن الحرام، فإذا كان الخطيب نفسه يفعل الحرام فإنها تبطل.
              مسألة: لم يذكر الماتن أيضاً هل يشترط أن تكون الخطبتان باللغة العربية أم لا؟
              والجواب: إن كان يخطب في عرب، فلا بد أن تكون بالعربية، وإن كان يخطب في غير عرب، فقال بعض العلماء: لا بد أن يخطب أولاً بالعربية، ثم يخطب بلغة القوم الذين عنده.
              وقال آخرون: لا يشترط أن يخطب بالعربية، بل يجب أن يخطب بلغة القوم الذين يخطب فيهم، وهذا هو الصحيح؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] . ولا يمكن أن ينصرف الناس عن موعظة، وهم لا يعرفون ماذا قال الخطيب؟ والخطبتان ليستا مما يتعبد بألفاظهما حتى نقول: لا بد أن تكونا باللغة العربية، لكن إذا مرَّ بالآية فلا بد أن تكون بالعربية؛ لأن القرآن لا يجوز أن يغير عن اللغة العربية.
              مسألة: بقي أن يقال: إذا لم يجد الماء، أو تضررباستعماله.. فهل يتيمم لهذا الغسل[3] ، أو نقول: إنه واجب سقط بعدم القدرة عليه؟
              الجواب أن نقول: الثاني، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، ويقول شيخ الإسلام: جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها فإنه لا يتيمم عنها؛ لأن التيمم إنما شرع للحدث؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] .
              ومعلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير؛ لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه، وعلى هذا فلو أن الإنسان وصل إلى الميقات وهو يريد العمرة أو الحج، ولم يجد الماء، أو وجده وكان بارداً لا يستطيع استعماله، أو كان مريضاً، فلا يتيمّم بناء على هذا.
              والفقهاء رحمهم الله يقولون: يتيمّم، والصحيح خلاف ذلك.
              مسألة: دلّت السنّة على أن يمين الصف أفضل من اليسار، والمراد عند التقارب، أو التساوي، وأما مع البعد فقد دلّت السنّة على أن اليسار الأقرب أفضل.
              ودليل ذلك: أن الناس كانوا إذا وجد جماعة ثلاثة، فإن الإمام يكون بين الرجلين ، ثم نسخ ذلك فصار الإمام يتقدم
              الاثنين فأكثر، ولو كان اليمين أفضل على الإطلاق لصار مقام الرجلين مع الرجل عن اليمين. وأيضاً لو كان اليمين أفضل مطلقاً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أكملوا الأيمن فالأيمن»، كما كان الصف يكمل فيه الأول فالأول.
              فلو فرض أن في اليمين عشرة رجال، وفي اليسار رجلين، فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام.
              وطرف الصف الأول من اليمين أو اليسار أفضل من الصف الثاني، وإن كان خلف الإمام.
              ودليل ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتراصون، ويتمون الأول فالأول».
              وعلى هذا فنكمل الأول فالأول، فالأول قبل الثاني، والثاني قبل الثالث، والثالث قبل الرابع... وهكذا.
              مسألة: يستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلى؛ ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس.
              وكذلك يستثنى أيضاً ما ذكره المؤلف:
              وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ قَرِيباً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ......
              بقوله: «ومن قام من موضعه لعارض لحقه، ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به» ، فإذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، والعارض الذي يلحقه مثل أن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج، فإنه يخرج، وإذا عاد فهو أحق به.
              ولكن المؤلف اشترط فقال: «ثم عاد إليه قريباً» ولم يحدد القرب؛ وكل شيء أتى ولم يحدد يرجع فيه إلى العرف كما قال الناظم:
              وكل ما أتى ولم يحدد
              بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
              وظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه.
              وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمراره
              كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد، ويُبقي المصلى إذا حصل له عذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، ولم يزل غائباً فإنه يرفع.
              مسألة: لو فرض أنه رجع قريباً ـ أو بعيداً على قولنا: إنه ما دام العذر فهو معذور ـ، ووجد في مكانه أحداً فأبى أن يقوم، فحصل نزاع، فالواجب أن يدرأ النزاع وله أجر، ويطلب مكاناً آخر إلا إذا أمكن أن يفسح الناس بأن كان الصف فيه شيء من السعة، فهنا يقول: افسحوا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: 11] .
              وقوله: «فهو أحق به» دليله قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به»، رواه مسلم.
              قال في الروض: «ولم يقيده الأكثر بالعود قريباً» . أي: أكثر أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريباً، كما هو ظاهر الحديث.
              ولكن الذي ذكرناه قول وسط، وهو: أنه إذا عاد بعد مدة طويلة بناء على استمرار العذر فهو أحق به، أما إن انتهى العذر، ولكنه تهاون وتأخر، فلا يكون أحق به.
              مسألة: بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا شرع الإمام في الدعاء في حال الخطبة يجوز الكلام؛ لأن الدعاء ليس من أركان الخطبة، والكلام في غير أركان الخطبة جائز، ولكنه قول ضعيف؛ لأن الدعاء ما دام متصلاً بالخطبة فهو منها، وقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة في الخطبة» .
              فالصحيح: أنه ما دام الإمام يخطب، سواء في أركان الخطبة، أو فيما بعدها فالكلام حرام.


              [1] أي مثل خوف فوات الجمعة.

              [2] أي لصلاة الجمعة.

              [3] أي لغسل صلاة الجمعة.

              تعليق


              • #22
                باب صلاة العيدين
                مسألة: أسبوع المساجد والشجرة ونحوهما مما يقام ما القول فيها؟
                أما أسبوع المساجد فبدعة؛ لأنه يقام باسم الدين ورفع شأن المساجد، فيكون عبادة تحتاج إقامته إلى دليل، ولا دليل لذلك.
                وأما أسبوع الشجرة فالظاهر أنه لا يقام على أنه عبادة، فهو أهون، ومع ذلك لا نراه.
                وأما أسبوع أو مؤتمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهذا ليس عيداً؛ لأنه لا يتكرر، وفائدته واضحة وهي جمع المعلومات عن حياة هذا الشيخ ومؤلفاته، فحصل فيها نفع كبير.
                مسألة: الحفلات التي تقام عند تخرُّج الطلبة، أو عند حفظ القرآن لا تدخل في اتخاذها عيداً لأمرين:
                الأول: أنها لا تتكرر بالنسبة لهؤلاء الذين احتفل بهم.
                الثاني: أن لها مناسبة حاضرة، وليست أمراً ماضياً.
                مسألة: وإن ترك صلاة عيد من ليسوا أَهْلَ بلدٍ أي: جماعة في البر، وهم قريبون من المدينة، فإنهم لا يقاتلون؛ لأنها إنما تجب على أهل القرى والأمصار كالجمعة، أما البدو الرحّل وما أشبههم فلا تقام فيهم صلاة العيد كما لا تقام فيهم صلاة الجمعة.
                وقوله: «قاتلهم الإمام» ، المراد بالإمام عند الفقهاء هو أعلى سلطة في البلد، وكان المسلمون فيما سبق إمامهم واحد، لكن تغيّرت الأحوال.
                مسألة: هل يقاتلهم غير الإمام؟
                الجواب: لا يجوز أن يقاتلهم؛ لأن هذا افتيات على ولي الأمر، ولو فتح الباب للناس، وصار كل من رأى منكراً أنكره بالفعل والتغيير باليد لحصل في هذا فوضى كثيرة؛ لأن كثيراً من الناس، لا يدركون مدى الخطورة في مثل هذا الأمر فربما يعتقد أن هذا الشيء حرام فيحاول تغييره، وهو حلال، ويسطو على من فعله بحجة أنه حرام، وأن من رأى منكراً فليغيره بيده، فيحصل في هذا شر كثير؛ ولهذا قال العلماء: إن الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو نائبه، وكذلك التعزيرات لا يقوم بتقديرها إلا الإمام أو نائبه، والمقاتلة في هذا وشبهه لا يقوم بها إلا الإمام أو نائبه، وليس لكل أحد أن يفعل ما شاء.
                مسألة: قال في الروض: «ولا بأس بقوله لغيره: تقبّل الله منا ومنك كالجواب» ، أي: في العيد، لا بأس أن يقول لغيره: تقبّل الله منّا ومنك، أو عيد مبارك، أو تقبّل الله صيامك وقيامك، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا ورد من فعل بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وليس فيه محذور.
                قال: «وكذلك لا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار؛ لأنه ذكر ودعاء، وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث». والتعريف عشية عرفة بالأمصار أنهم يجتمعون آخر النهار في المساجد على الذكر والدعاء تشبهاً بأهل عرفة.
                والصحيح أن هذا فيه بأس وأنه من البدع، وهذا إن صح عن ابن عباس فلعله على نطاق ضيق مع أهله وهو صائم في ذلك اليوم، ودعاء الصائم حري بالإجابة، فلعله جمع أهله ودعا عند غروب الشمس، وأما أن يفعل بالمساجد ويظهر ويعلن، فلا شك أن هذا من البدع؛ لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، أي: الصحابة، ولكان هذا مما تتوافر الدواعي على نقله.
                والعبادة لا يصح أن يقال فيها: لا بأس بها؛ لأنها إما سنّة فتكون مطلوبة، وإما بدعة فيكون فيها بأس. أمَّا أنْ تكون عبادة لا بأس بها، فهذا محل نظر.

                تعليق


                • #23
                  باب صلاة الكسوف
                  مسألة: هل من الأفضل أن يخبر الناس به[1] قبل أن يقع؟
                  الجواب: لا شك أن إتيانه بغتة أشد وقعاً في النفوس، وإذا تحدث الناس عنه قبل وقوعه، وتروضت النفوس له، واستعدت له صار كأنه أمر طبيعي، كأنها صلاة عيد يجتمع الناس لها.
                  ولهذا لا تجد في الإخبار به فائدة إطلاقاً بل هو إلى المضرة أقرب منه إلى الفائدة.
                  ولو قال قائل: ألا نخبر الناس ليستعدوا لهذا الشيء؟
                  فالجواب: نقول: لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، بل إذا وقع ورأيناه بأعيننا فحينئذٍ نفعل ما أمرنا به.
                  مسألة: إذا قال الفلكيون: إنه سيقع كسوف أو خسوف فلا نصلي حتى نراه رؤية عادية؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيتم ذلك فصلوا» ، أما إذا منّ الله علينا بأن صار لا يرى في بلدنا إلا بمكبر أو نظارات فلا نصلي.
                  مسائل:
                  الأولى: لو حصل كسوف ثم تلبدت السماء بالغيوم فهل نعمل بقول علماء الفلك بالنسبة لوقت التجلي؟
                  الجواب: نعمل بقولهم؛ لأنه ثبت بالتجارب أن قولهم منضبط.
                  الثانية: إذا لم يعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يقضى؛ لأننا ذكرنا قاعدة مفيدة، وهي (أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها) . فالكسوف مثلاً إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال.
                  ويعبر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ عن هذه القاعدة بقولهم: (سنة فات محلها).
                  الثالثة: إذا شرع في صلاة الكسوف قبل دخول وقت الفريضة ثم دخل وقت الفريضة، فماذا يفعل؟
                  الجواب: إن ضاق وقت الفريضة وجب عليه التخفيف؛ ليصليها في الوقت، وإن اتسع الوقت فيستمر في صلاة الكسوف.
                  مسائل:
                  الأولى: إذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلى الكسوف بناء على أنها سنّة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي وهذا هو المذهب.
                  ولكن الصحيح في هذه المسألة: أنه يصلى للكسوف بعد العصر، أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم ذلك فصلوا» ، فيشمل كل وقت.
                  فإن قال قائل: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بعد العصر» يشمل كل صلاة، فعندنا الآن عمومان، وهما: عموم النهي عن كل صلاة في زمن معين وهو العصر مثلاً، وعموم الأمر بصلاة الكسوف في كل وقت، ومثل هذا يسمى العام والخاص من وجه، فأيهما نقدم عموم النهي أو عموم الأمر؟ إذا قلنا: نقدم عموم الأمر، قيل: بل عموم النهي؛ لأنه أحوط، لأنك تقع في معصية.
                  وذكر شيخ الإسلام قاعدة قال: (إذا كان أحد العمومين مخصصاً، فإن عمومه يضعف) . أي: إذا دخله التخصيص صار ضعيفاً، فيقدم عليه العام الذي لم يخصص؛ لأن عمومه محفوظ، وعموم الأول الذي دخله التخصيص غير محفوظ، وهذا الذي قاله صحيح.
                  بل إن بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ قال: إن العام إذا خصّص صارت دلالتُهُ على العموم ذاتَ احتمال، فأي فرد من أفراد العموم يستطيع الخصم أن يقول: يحتمل أنه غير مراد، كما خصّص في هذه المسألة التي وقع فيها التخصيص.
                  لكن الراجح: أن العام إذا خصص يبقى عاماً إلا في المسألة التي خصّص فيها فقط.
                  فحديث الأمر بالصلاة عند رؤية الكسوف لم يخصّص، وحديث الصلاة بعد العصر مخصّص بقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا
                  معهم، فإنها لكما نافلة».
                  فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر هذا للرجلين اللذين تخلفا عن صلاة الفجر، ولا صلاة بعد صلاة الفجر.
                  كذلك أيضاً مخصّص بركعتي الطواف، فإن الإنسان إذا طاف ولو بعد العصر يسنّ أن يصلي ركعتين.
                  ومخصّص بقضاء الفريضة إذا نسيها، فمن نام عن صلاة أو نسيها، وذكرها ولو بعد العصر فإنه يصليها.
                  فعموم النهي إذاً مخصّص بعدة مخصّصات، فيكون عمومه ضعيفاً، ويقدم حديث الأمر، ومن ثمَّ صار القول الراجح في هذه المسألة: أن كل صلاة لها سبب تصلى حيث وجد سببها، ولو في أوقات النهي، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد.
                  الثانية: إذا شرع في صلاة الكسوف بعد العصر ثم غابت كاسفة فإنه يتمها خفيفة؛ لأنها إذا غابت فهي كما لو تجلى.
                  الثالثة: إذا طلعت الشمس كاسفة فعلى المذهب لا يصلى إلا إذا ارتفعت قيد رمح، فإن تجلى قبل أن ترتفع قيد رمح سقطت، وعلى القول الصحيح تصلى مباشرة، فإذا تجلى قبل زوال وقت النهي أتمها خفيفة.
                  الرابعة: لو لم نعلم بكسوفها إلا حين غروبها فلا نصلي، ونعلل: بأن سلطانها قد ذهب، فنحن الآن في الليل لا في النهار، وهي آية النهار.
                  مسألة: لو طلع الفجر وخسف القمر قبل طلوع الشمس هل يصلى؟
                  الجواب: قد نقول: إن مفهوم قوله: «أو طلعت والقمر خاسف» إنها تصلى، ولكن المشهور من المذهب أنها لا تصلى بعد طلوع الفجر إذا خسف القمر؛ لأنه وقت نهي.
                  والصحيح: أنها تصلى إن كان القمر لولا الكسوف لأضاء، أما إن كان النهار قد انتشر، ولم يبق إلا القليل على طلوعٍ الشمس فهنا قد ذهب سلطانه، والناس لا ينتفعون به، سواء كان كاسفاً أو مبدراً.
                  مسألة: فعلى القول بأنه يصلى لكل آية تخويف، فهل ذلك على سبيل الوجوب كالكسوف؟
                  الجواب: مقتضى القياس أن ذلك واجب، ولكن لا أظن أن ذلك يكون على سبيل الوجوب.
                  مسألة: تميزت صلاة الكسوف عن بقية الصلوات بأمور هي:
                  1 ـ زيادة ركوع في كل ركعة على الركوع الأول.
                  2 ـ أن فيها بعد الركوع قراءة.
                  3 ـ تطويل القراءة فيها والركوع والسجود.
                  4 ـ الجهر فيها بالقراءة ليلاً أو نهاراً.
                  5 ـ يشرع إذا انتهت الصلاة، ولم يتجل الكسوف: الذكر والاستغفار والتكبير والعتق. وهذا فرق خارج عن نفس الصلاة لكنه فرق صحيح.
                  مسائل:
                  الأولى: ما بعد الركوع الأول هل هو ركن أو لا؟
                  يقول العلماء: إنه سنّة وليس ركناً، وبناء على ذلك لو صلاها كما تصلى صلاة النافلة، في كل ركعة ركوع فلا بأس؛ لأن ما زاد على الركوع الأول سنة.
                  الثانية: هل تدرك الركعة بالركوع الثاني؟
                  الجواب: لا تدرك به الركعة، وإنما تدرك الركعة بالركوع الأول، فعلى هذا لو دخل مسبوق مع الإِمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها.
                  وقال بعض العلماء: إنه يعتد بها؛ لأنها ركوع.
                  وفصل آخرون فقالوا: يعتد بها إن أتى الإمام بثلاث ركوعات؛ لأنه إذا أدرك الركوع الثاني وهي ثلاث ركوعات فقد أدرك معظم الركعة فيكون كمن أدركها كلها.
                  والقول الصحيح الأول، لأن الركوع الأول هو الركن.
                  الثالثة: لو انتهت الصلاة والكسوف باق، فهل تعاد الصلاة أو لا؟ وإذا قلنا بالإعادة فهل تعاد كسائر النوافل، أو كصلاة الكسوف؟
                  والجواب: في هذا ثلاثة أقوال للعلماء:
                  القول الأول: أنها لا تعاد.
                  القول الثاني: أنها تعاد على صفتها.
                  القول الثالث: أنها تعاد على صفة النوافل الأخرى، أي: ركعتين.
                  فمن نظر لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «فصلوا حتى ينكشف ما بكم» قال: إن المشروع أن تصلى كسائر النوافل؛ لأن الصلاة الأولى انقضت وامتثل بها الأمر.
                  ومن نظر إلى قوله: «فصلوا وادعوا..» ، قال: إن الصلاة حصلت فيبقى الدعاء. وعمل الناس على أنها لا تعاد، وأنا لم يترجح عندي شيء لكني أفعل الثاني، وهو: عدم الإعادة.
                  الرابعة: يسن النداء لصلاة الكسوف، ويقال: «الصلاة جامعة» مرتين أو ثلاثاً. بحيث يعلم أو يغلب على ظنه أن الناس قد سمعوا.
                  وإذا قلنا بهذا فإنه يختلف بين الليل والنهار، ففي الليل قد يكون الناس نائمين يحتاجون لتكرار النداء، وفي النهار لا سيما مع هدوء الأصوات يمكن أن يكفيهم النداء مرتين أو ثلاثاً.
                  ولا ينادى لغيرها من الصلوات بهذه الصيغة؛ لأن الصلوات الخمس ينادى لها بالأذان.
                  وقال بعض العلماء؛ وهو المذهب: إنه ينادى للاستسقاء، والعيدين «الصلاة جامعة».
                  لكن هذا القول ليس بصحيح، ولا يصح قياسهما على الكسوف؛ لوجهين:
                  الوجه الأول: أن الكسوف يقع بغتة، خصوصاً في الزمن الأول لما كان الناس لا يدرون عنه إلا إذا وقع.
                  الوجه الثاني: أن الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي لهما؛ وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله ففعله بدعة؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النداء، ولو كان هذا السبب يشرع له النداء لأمر المنادي أن ينادي لها.
                  فالصواب: أن العيدين والاستسقاء لا ينادى لهما.
                  مسألة: تميزت صلاة الكسوف عن بقية الصلوات بأمور هي:
                  1 ـ زيادة ركوع في كل ركعة على الركوع الأول.
                  2 ـ أن فيها بعد الركوع قراءة.
                  3 ـ تطويل القراءة فيها والركوع والسجود.
                  4 ـ الجهر فيها بالقراءة ليلاً أو نهاراً.
                  5 ـ يشرع إذا انتهت الصلاة، ولم يتجل الكسوف: الذكر والاستغفار والتكبير والعتق. وهذا فرق خارج عن نفس الصلاة لكنه فرق صحيح.


                  [1] أي بالكسوف.

                  تعليق


                  • #24
                    باب صلاة الاستسقاء
                    مسألة: هل أهل الذمة كل كافر عقدنا معه الذمة، أو يختص بجنس معين من الكفار؟
                    الجواب: المذهب: أنه يختص بجنس معين من الكفار، وهم ثلاثة: اليهود، والنصارى، والمجوس.
                    والصحيح: أنه عام لكل كافر أبى الإِسلام، ورضخ للجزية، فإننا نعقد معه الذمة؛ لأن حديث بريدة بن الحصيب الذي ثبت في صحيح مسلم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام له من جملة ما ذكر: «أنه إذا نزل على أهل حصن وأبوا الإِسلام فإنه يطلب منهم الجزية».
                    مسألة: يسن على المذهب: أن يقلب رداءه[1] في أثناء الخطبة، ويستقبل القبلة ويدعو.
                    وقال بعض العلماء: إنما يكون القلب بعد الدعاء؛ تفاؤلاً بأن الله أجاب الدعاء، وأنه سيقلب الحال من الشدة إلى الرخاء.
                    ذكر في الروض مسألة مفيدة قال: «يحرم أن يقول: مطرنا بنوء كذا، ويباح في نوء كذا، وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعاً، قاله في المبدع» .
                    النوء: هو النجم، أي: مطرنا مثلاً بالنجم الفلاني، بنجم الشولة، أو بنجم النعائم، أو بنجم سعد الذابح، أو بنجم سعد بلع، أو سعد السعود، وما أشبه ذلك.
                    ودليله: ما ثبت في الصحيح من حديث زيد بن خالد الجهني «أنهم كانوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل ـ أي: مطر نزل في الليل ـ فلما انصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم من صلاة الصبح قال لهم: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال:
                    مطرنا بنوء كذا وكذا، فهو كافر بي مؤمن بالكوكب».
                    وهذا نص صريح في أن من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر، ولهذا حكى في المبدع إجماع أهل العلم على ذلك.
                    إذاً قول الإِنسان: مطرنا بنوء كذا محرم، بل هو من كبائر الذنوب، وهل يكون كفراً أكبر مخرجاً عن الملة؟
                    الجواب: أنه بحسب عقيدة القائل، إن كان يعتقد أن النوء هو الذي خلق هذا المطر، فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة؛ لأنه ادَّعى أَنَّ مع الله خالقاً، وإن كان يعتقد أن النوء سبب فإنه كافر كفراً دون كفر.
                    وإنما كان كافراً فيما إذا اعتقد أنه سبب؛ لأنه أثبت سبباً لم يثبته الله ـ عز وجل ـ، فإن النجوم ليس لها أثر، وإنما هي أوقات فقط.
                    مسألة: لو قال: مطرنا في نوء كذا؟
                    الجواب: هذا جائز؛ لأن في للظرفية، ومن ذلك استعمال العامة عندنا الباء هنا، وهم يريدون الظرفية، يقولون مثلاً: مطرنا بالمربعانية، ومطرنا بالشبط، ومطرنا بالعقارب، العقارب هي: السعود الثلاثة، سعد الذابح، وبلع، والسعود.
                    فإذا قال: مطرنا بسعد السعود، وهو يقصد في سعد السعود كما هي اللغة العامية عندنا فهنا لا يكون كافراً، والباء قد تأتي بمعنى (في) مثل قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ *} {وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138] ، أي: في الليل.


                    [1] في الاستسقاء.

                    تعليق


                    • #25
                      كتاب الجنائز
                      مسائل:
                      الأولى: هل يُسْأَلُ المريض كيف يصلي وكيف يتطهر، أو نقول: إن هذا من باب التدخل فيما لا يعني؟
                      الجواب: الذي نرى أنه إن كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون، فلا حاجة أن تذكره؛ لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به، وأما إذا كان من العامة الجُهال فهنا يحسن أن يبين له؛ لأنه قد يخفى عليهم ما يحتاجون من الأحكام وقد عدت مريضاً فسألته عن حاله، فحمد الله وقال: لي شهر ونصف وأنا أجمع وأقصر الصلاة. فمثل هذا يحتاج إلى تنبيه وتعليم؛ لأنه يظن أن القصر مع الجمع، وأن من جمع قصر.
                      ومما ينبه عليه أيضاً: أنه اشتهر عند العامة أن من لا يستطيع الإيماء بالركوع والسجود فإنه يومئ بأصبعه، وهذا غير صحيح كما سبق بيانه.
                      الثانية: هل يؤمر المرضى بالتداوي؛ أو يؤمرون بعدم التداوي، أم في ذلك تفصيل؟
                      الجواب: قال بعض العلماء: ترك التداوي أفضل ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان، واستدلوا لذلك بما يلي:
                      1 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «لما مرض وَلَدُّوه أمر بأن يُلَدَّ جميع من كان حاضراً إلا العباس بن عبد المطلب» ، قالوا: وهذا دليل على أنه كره فعلهم. واللدود: ما يُلَدُّ به المريض وهو نوع من الدواء.
                      2 ـ أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ «لما مرض، وقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: إن الطبيب قد رآني، فقال: إني أفعل ما أريد» ، وأبو بكر هو خير الأمة بعد نبيها وهو قدوة وإمام.
                      وقال بعض العلماء: بل يسنّ التداوي لما يلي:
                      1 ـ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك.
                      2 ـ أنه من الأسباب النافعة.
                      3 ـ أنَّ الإِنسان ينتفع بوقته، ولا سيما المؤمن المغتنم للأوقات، كل ساعة تمر عليه تنفعه.
                      4 ـ أن المريض يكون ضيق النفس، لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذاً مراداً لغيره فيسنّ.
                      وقال بعض العلماء: إذا كان الدواء مما علم أو غلب على الظن نفعه بحسب التجارب فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل.
                      لأنه إذا كان من باب المخاطرة فقد يحدث فيه ما يضره، فيكون الإِنسان هو الذي تسبب لنفسه بما يضره، ولا سيما الأدوية الحاضرة (العقاقير) التي قد تفعل فعلاً مباشراً شديداً على الإِنسان بسبب وصفة الطبيب الخاطئة.
                      وقال بعض العلماء: إنه يجب التداوي إذا ظُن نفعه.
                      والصحيح: أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: السرطان الموضعي، فالسرطان الموضعي بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛ لأنه موضعي يقطع ويزول، وقد خَرَّبَ الخَضِرُ السفينةَ بخرقها لإِنجاء جميعها، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك واجباً.
                      وعلى هذا فالأقرب أن يقال ما يلي:
                      1 ـ أن ما عُلم، أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه، فهو واجب.
                      2 ـ أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل.
                      3 ـ أن ما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل؛ لئلا يلقي الإِنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
                      الثالثة: التداوي بالمحرم لا يجوز لنهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك حيث قال: «تداووا ولا تداووا بحرام» ، ولعموم الأدلة في تحريم المحرم، فهي عامة وليس فيها تفصيل، ولأنه لو كان فيه خير لم يمنع الله العباد منه، بل أحله لهم.
                      الرابعة: قال في الروض: «ويكره أن يستطب مسلم ذمياً لغير ضرورة، وأن يأخذ منه دواء لم يبيّن له مفرداته المباحة» . أي: يكره أن تذهب إلى ذمي أي: يهودي أو نصراني عقدنا له الذمة لتتداوى عنده؛ لأنه غير مأمون، وإذا كان كذلك فجعل هؤلاء مسؤولين على أطباء مسلمين من باب أولى؛ لأن المسؤول له كلمته، وربما يوجه إلى شيء محرم، أو إلى شيء يضر المسلمين، ولهذا نقول: إن استطباب غير المسلمين لا يجوز إلا بشرطين:
                      الأول: الحاجة إليهم.
                      الثاني: الأمن من مكرهم؛ لأن غير المسلمين لا نأمن مكرهم إلا نادراً، ولا سيما في قضية الولادة أي التوليد؛ لأن هؤلاء النصارى في التوليد يحرصون على أن يقتلوا أولاد المسلمين، أو أن يمزعوا أيديهم عند إخراج الطفل في التوليد كما نقل لي بعض الناس، لذلك يجب التحرز منهم وسؤال الله ـ عز وجل ـ أن يرزقنا الاستغناء عنهم؛ لأنهم أعداء للمسلمين فإذا احتاج الناس إليهم وأمنوا منهم فلا بأس، فإن النبي عليه الصلاة والسلام استعمل دليلاً مشركاً يدله على الطريق من مكة إلى المدينة وقت الهجرة، مع أن هذا من أخطر ما يكون، فإن قريشاً كانوا يطلبون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ـ رضي الله عنه ـ، ولكن لما أمنه النبي عليه الصلاة والسلام جعله دليلاً له.
                      الخامسة: اختلفوا في حكم التداوي ببول الغنم، فالمذهب أنه لا يجوز التداوي إلا ببول الإبل، وقيل: يجوز التداوي ببول كل ما يؤكل لحمه، وقيل: لا يجوز التداوي بالبول مطلقاً حتى ببول الإبل؛ لأنه نجس عندهم، وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول» ، لكن هذا قول ضعيف؛ لأن في بعض ألفاظ الحديث: «فكان لا يستبرئ من بوله» . والتداوي ببول الإبل ثبتت به السنة في قصة العرنيين ، وقياس ذلك أنه لو ثبت أن في أبوال الغنم فائدة فإنه لا فرق بينهما وبين أبوال الإبل.
                      مسألة: الاتصال بالهاتف لا يغني عن العيادة[1]؛ لا سيما مع القرابة، أما إن كان بعيداً يحتاج لسفر فتغني.
                      ويبيّن له مسألة هامة[2] يهملها كثير من كتّاب الوصايا، فيكتب «وهذه الوصية ناسخة لما قبلها، أو سبقها»؛ لأننا وجدنا أن بعض الموصين يوصي بوصيتين: وصية سابقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، ووصية لاحقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، غير الأشياء الأولى، فيحصل بذلك تضارب وارتباك عند الأوصياء، ولهذا ينبغي كلما كتب وصية أن يقول: «وهذه الوصية ناسخة لما سبقها»؛ حتى لا يرتبك الوصي، وحتى لا يحصل تضارب الوصايا ويرتاح الإنسان، وهذه كلمة لا تضر، وإن كان قد يقول قائل: العبرة بالوصية الأخيرة؛ لأن المتأخر ناسخ، ولكن نقول: إذا أمكن الجمع فلا نسخ، وقد تكون الوصايا في الأولى كثيرة وفي الثانية كثيرة ولا يمكن الجمع بينهما.
                      ويسن إذا عاد مريضاً أن يرقيه، لا سيما إذا كان المريض يتشوف لذلك.
                      مسألة: لو مات زوج عن زوجته الحامل، ثم وضعت الحمل قبل أن يغسل فهل لها تغسيله؟
                      الجواب: ليس لها ذلك؛ لأنها بانت منه حيث إنها انقضت عدتها قبل أن يغسل فصارت أجنبية منه.
                      مسألة: ما حكم أسنان الذهب وغيرها مما ركبه الإنسان في حياته هل تدفن معه أم تخلع؟
                      الجواب: أما ما لا قيمة له فلا بأس أن يدفن معه كالأسنان من غير الذهب والفضة والأنف من غير الذهب، وأما ما كان له قيمة فإنه يؤخذ إلا إذا كان يخشى منه المُثلة، كما لو كان السن لو أخذناه صارت المُثلة فإنه يبقى معه. ثم إن شاء الورثة بعد أن يفنى الميت أن يحفروا القبر ويأخذوا الذهب فلهم ذلك.
                      مسألة: الأخ هل يجب أن ينفق على أخيه؟
                      الجواب: إن كان لأخيه أولاد فإنه لا يلزمه أن ينفق عليه؛ لأنه محجوب بهم، وإن لم يكن له أولاد وجب أن ينفق عليه؛ لأنه وارث.
                      هذه القاعدة على المشهور من مذهب الإمام أحمد، والمقام هنا لا يقتضي البسط والترجيح.
                      مسألة: لو مات الزوج وكان فقيراً، وكانت الزوجة غنية، فلا يلزمها قيمة الكفن؛ وذهب ابن حزم ـ رحمه الله ـ إلى أنه يلزمها ذلك.
                      مسألة: الدعاء الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمحافظة عليه من الدعاء غير الوارد، وإن كان الأمر واسعاً.
                      مسألة: إذا كبرنا خمساً، فماذا نقول بعد الرابعة والخامسة؟
                      الجواب: لا أعلم في هذا سنة، لكنني إذا أردت أن أكبر خمساً جعلت بعد الثالثة الدعاء العام، وبعد الرابعة الدعاء الخاص بالميت، وما بعد الخامسة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة] ، ولهذا قد يعرف النبيه أنني أريد أن أكبر خمساً، إذا صار الدعاء بعد الثالثة قصيراً.
                      مسألة: إذا دخل مع الإمام في التكبيرة الثالثة هل يقرأ الفاتحة، أو يدعو للميت؛ لأن هذا مكان الدعاء؟
                      الجواب: الظاهر لي: أنه يدعو للميت، حتى على القول بأن أول ما يدركه المسبوق أول صلاته، فينبغي في صلاة الجنازة أن يتابع الإمام فيما هو فيه؛ لأننا لو قلنا لهذا الذي أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة: اقرأ الفاتحة، ثم كبر الإمام للرابعة، وقلنا: صلِّ على النبي ثم حملت الجنازة فاته الدعاء له.
                      وقول المؤلف: «ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته» ، ظاهره: الوجوب.
                      وظاهره أيضاً: أنه يقضيه، سواء أخشي حمل الجنازة أم لم يخش.
                      ووجه ذلك: أنه إذا قدر أن الجنازة رفعت قبل أن يتم، فإنه يدعو لها ولو في غيبتها للضرورة.
                      ولكن قيده الأصحاب ـ رحمهم الله ـ فقالوا: «ما لم يخش رفعها» ، أي: إذا خشي الرفع تابع وسلَّم.
                      والغالب في جنائزنا أنها ترفع ولا يتأخرون فيها حتى يقضي الناس، وعلى هذا فيتابع التكبير ويسلِّم.
                      ومع هذا قالوا: «وله أن يسلم مع الإمام» ؛ لأن الفرض سقط بصلاة الإمام، فما بعد صلاة الإمام يعتبر نافلة، والنافلة يجوز قطعها.
                      وقيل: بل يقضيها على صفتها، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، فيلزم من هذا أن يتمه على صفته.
                      إذاً أحوال المسبوق في صلاة الجنازة ثلاث حالات:
                      الأولى: أن يمكنه قضاء ما فات قبل أن تحمل الجنازة فهنا يقضي، ولا إشكال فيه؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «ما فاتكم فأتموا».
                      الثانية: أن يخشى من رفعها فيتابع التكبير، وإن لم يدع إلا دعاء قليلاً للميت.
                      الثالثة: أن يسلم مع الإمام، ويسقط عنه ما بقي من التكبير.
                      وعلته: أن الفرض سقط بصلاة الإمام، فكان ما بقي مخيراً فيه.
                      ومع هذا فليس هناك نص صحيح صريح في الموضوع؛ أعني سَلاَمَهُ مَعَ الإمام، أو متابعته التكبير بدون دعاء، لكنَّهُ اجتهاد من أهل العلم رحمهم الله.
                      مسائل:
                      الأولى: يصلى على القبر صلاة الجنازة المعروفة، إن كان رجلاً وقف عند رأسه، وإن كانت أنثى وقف عند وسط القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة.
                      الثانية: لو سقط شخص في بئر ولم نستطع إخراجه، فيصلى عليه فيها ثم تطم البئر، ويسقط تغسيله، وتكفينه لعدم القدرة على ذلك.
                      الثالثة: إذا اجتمعت عدة قبور لم يصل عليها؛ فإن كانت كلها بين يديه فيصلى عليها جميعاً صلاة واحدة. وإلا فيصلى على كل قبر.
                      مسألة: هل يلحق بالغال، وقاتل النفس من هو مثلهم، أو أشد منهم أذية للمسلمين، كقطاع الطرق مثلاً؟
                      الجواب: المشهور من المذهب: لا يلحق.
                      والقول الثاني: أن من كان مثلهم، أو أشد منهم، فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ لأن الشرع إذا جاء في العقوبة على جرم من المعاصي، فإنه يلحق به ما يماثله، أو ما هو أشد منه.
                      فإذا كان الذي غلَّ هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق، ويقتلهم ويأخذ أموالهم، ويروعهم، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟
                      الجواب: بلى، ولهذا فالصحيح: أن ما ساوى هاتين المعصيتين، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه، فإنه لا يصلي عليه.
                      مسألة: ما الجواب عن قوله صلّى الله عليه وسلّم فيمن قتل نفسه: «خالداً مخلداً فيها أبداً».
                      الجواب: هذا الحديث نظير الآية من بعض الوجوه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا *} [النساء] ، وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة منها:
                      أن هذا فيمن كان مستحلاً للقتل، وعرض هذا الجواب على الإمام أحمد فضحك وقال: سبحان الله، إذا استحل القتل فهو كافر سواء قتل أو لم يقتل.
                      ومنهم من قال: إنه على شرط، أي هذا جزاؤه إن جازاه الله.
                      ومنهم من قال: إن هذا سبب، والسبب قد وجد فيه مانع وهو الإيمان.
                      ومنهم من قال: إن هذا على ظاهره أن من فعل هذا فإنه يختم له بسوء الخاتمة فإن تاب تاب الله عليه، ويؤيده قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً» ، وهذا والذي قبله أحسن الأجوبة.
                      مسألة: إذا وجد بعض ميت فهل يغسل ويكفن ويصلى عليه؟
                      الجواب: إن كان الموجود جملة الميت؛ بأن وجدنا رجُلاً بلا أعضاء فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وإن كان الموجود عضواً من الأعضاء؛ فإن كان قد صلي على جملة الميت فلا يصلى عليه، وإن كان لم يُصلَّ عليه فإنه يصلى على هذا الجزء الموجود.
                      مسألة: ما الجواب عن قوله صلّى الله عليه وسلّم فيمن قتل نفسه: «خالداً مخلداً فيها أبداً».
                      الجواب: هذا الحديث نظير الآية من بعض الوجوه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا *} [النساء] ، وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة كثيرة منها:
                      أن هذا فيمن كان مستحلاً للقتل، وعرض هذا الجواب على الإمام أحمد فضحك وقال: سبحان الله، إذا استحل القتل فهو كافر سواء قتل أو لم يقتل.
                      ومنهم من قال: إنه على شرط، أي هذا جزاؤه إن جازاه الله.
                      والدليل عليه: حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى على سهل بن بيضاء في المسجد» ، والرسول صلّى الله عليه وسلّم وإن كان له مصلى للجنائز، لكنه أحياناً يصلي على الجنائز في المسجد.
                      فإذا قال قائل: على القول بالكراهة فأين يصلى على الجنائز؟
                      الجواب: يعدُّ مصلى خاص للجنائز، كما هو متبع في كثير من البلاد الإسلامية، وينبغي أن يكون قريباً من المقبرة؛ لأنه أسهل على المشيعين؛ فالناس إذا اجتمعوا مثلاً في مسجد في داخل البلد صار في ذلك مضايقة؛ فسينفرون مع الجنازة جميعاً، وقد تكون المقبرة بعيدة، لكن إذا كان مصلى الجنائز قريباً من المقبرة صار الناس يأتون أرسالاً من بيوتهم إلى هذا المصلى، ثم يصلون عليها، ثم يخرجون إلى المقبرة بلا مشقة.
                      وعندنا في نجد لا يخصصون مصلى للجنائز، بل الجنائز يؤتى بها إلى المساجد، وإذا كان لا بأس به فإننا لا ننهى عنه، ولا نقول: إنه يخشى من الميت على المسجد، إلا إذا كان هناك قضية خاصة بأن يكون الميت مات بحادث، والدم لا زال ينزف منه، فهذا نمنع أن يصلى عليه في المسجد؛ لأنه يلوثه.
                      عموداً على يده اليمنى، وعموداً على يده اليسرى، ولكن لا شك أن فيه مشقة على الحامل، ولا سيما إذا كانت الجنازة ثقيلة.
                      واستدلوا: بأنه صلّى الله عليه وسلّم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين.
                      والذي يظهر لي في هذا: أن الأمر واسع، وأنه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل، ولا يكلف نفسه، فقد يكون التربيع صعباً أحياناً، فيما إذا كثر المشيعون فيشق على نفسه وعلى غيره.
                      وأما الحمل بين العمودين فهو شاق أيضاً، اللهم إلا إذا كان هناك عمودان يلتقيان عن قرب، بحيث يكون كل عمود على عاتقٍ، فيمكن أن يكون سهلاً.
                      هذا إذا كان الميت محمولاً على نعش، وإن كان صغيراً فيحمل بين الأيدي إذا كان لا يشق.
                      مسألة: هل ينبغي أن يوضع على النعش «مِكَبَّة» أو لا؟
                      والمكبة مثل الخيمة أعواد مقوسة توضع على النعش، ويوضع عليها سترٌ.
                      الجواب: إن كانت أنثى فنعم، وقد استحبه كثير من العلماء؛ لأن ذلك أستر لها.
                      وقد ذكر البيهقي ـ رحمه الله ـ: أن فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلّم أوصت بذلك ، وقيل: غير هذا.
                      وهذا مستعمل في الحجاز، ولكنه في نجد لا يعرف، ولو فعله أحدٌ لكان محسناً، ولا ينكر عليه؛ لأنه تقدم أحياناً بعض الجنائز من النساء يشاهد الإنسان أشياء لا يحب أن يشاهدها، فإذا جعلت عليها «المكبة» فإنها تسترها.
                      قال في الروض: «فإن كانت امرأة استحب تغطية نعشها بمكبة؛ لأنه أستر لها ويروى أن فاطمة صنع لها ذلك بأمرها ويجعل فوق المكبة ثوب. وكذا إن كان بالميت حَدَبٌ ونحوه» ؛ لأجل ستر هذا التشويه.
                      أما الرجل فلا يسن فيه هذا، بل يبقى كما هو عليه؛ لأنه فيه فائدة، وهي: قوة الاتعاظ إذا شاهده من كان معه بالأمس جثة على هذا السرير، وإن ستر بعباءة كما هو معمول به عندنا فلا بأس.
                      مسألة: حمل الجنازة بالسيارة لا ينبغي إلا لعذر كبعد المقبرة، أو وجود رياح، أو أمطار، أو خوف، ونحو ذلك؛ لأن الحمل على الأعناق هو الذي جاءت به السنة؛ ولأنه أدعى للاتعاظ والخشوع.
                      قوله: «ويكره جلوس تابعها حتى توضع» ، أي: أن المشيع لا يجلس حتى توضع الجنازة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع» ، ولأنه مشيع تابع، فإذا كانت الجنازة محمولة فلا ينبغي أن يجلس حتى توضع أي على الأرض للدفن ولحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهى إلى قبر ولمَّا يلحد، جلس على الأرض وجلس الصحابة حوله، وكان معه مخصرة ينكت بها الأرض... إلخ الحديث.
                      مسألة: كيف يُدخل الميت القبر؟
                      الجواب؛ يدخل من عند رجليه، فيؤتى بالميت من عند رجلي القبر، ثم يدخل رأسه سلاً في القبر، هذا هو الأفضل.
                      والطريقة الثانية: أن يؤتى بالميت من قبل القبر ويوضع فيه بدون سل، وهذا أيضاً جائز، وعليه عمل الناس اليوم، فإن أمكنت الصفة الأولى فهي الأفضل، وإن لم تمكن فإن ذلك مجزئ.
                      قوله: «واللحد أفضل من الشق» ، أي: القبر إذا كان لحداً فهو أفضل.
                      واللحد: أن يحفر للميت في قاع القبر حفرة من جهة القبلة ليوضع فيها، ويجوز من جهة خلف القبلة، لكنها من جهة القبلة أفضل؛ وسمي لحداً، لأنه مائل من جانب القبر.
                      قوله: «أفضل من الشق» ، الشق: أن يحفر للميت في وسط القبر حفرة. ولكن إذا احتيج إلى الشق فإنه لا بأس به، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية، فإن اللحد فيها لا يمكن؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم، فتحفر حفرة، ثم يحفر في وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت؛ من أجل ألا ينهد الرمل، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات.
                      وعلم من قوله: «اللحد أفضل من الشق» أن الشق جائز، وهو كذلك، ولكنه خلاف الأفضل.
                      مسألة: هل يحفر بطول قامة الرجل، أو نصف الرجل، أو أقل، أو أكثر؟
                      الجواب: التعميق سنة، فيعمق في الحفر، والواجب: ما يمنع السباع أن تأكله، والرائحة أن تخرج منه، وأما كونه لا بد أن يمنع السباع والرائحة: فاحتراماً للميت؛ ولئلا يؤذي الأحياء، ويلوث الأجواء بالرائحة. هذا أقل ما يجب، وإن زاد في الحفر، فهو أفضل وأكمل لكن بلا حد. وبعضهم حده بأن يكون بطول القامة وهذا قد يكون شاقاً على الناس. ثم إنه أحياناً يعترضنا عند الحفر ماء. ففي هذه الحال لا بد أن نتخذ الإجراءات اللازمة لمنع الماء، إما ببناء لبنات، أو ما أشبه ذلك حتى يمتنع الماء عن الميت.
                      مسألة: يسن لمن حضر الدفن أن يحثو ثلاث حثيات لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم .
                      مسألة: تلقين الميت بعد الدفن لم يصح الحديث فيه فيكون من البدع.
                      مسألة: يسن لمن حضر الدفن أن يحثو ثلاث حثيات لفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم .
                      مسألة: تلقين الميت بعد الدفن لم يصح الحديث فيه فيكون من البدع.
                      مسألة مهمة: قراءة (يس) على الميت بعد دفنه بدعة، ولا يصح الاستدلال لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا على موتاكم يس» ؛ لأنه لا فائدة من القراءة عليه وهو ميت، وإنما يستفيد الشخص من القراءة عليه ما دامت روحه في جسده، ولأن الميت محتاج للدعاء له؛ ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من حضر الميت أن يدعو له، وقال: «فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» .
                      مسألة: هل يجوز أن يحد في أمر يلحقه أو عائلته به ضرر، مثل: أن يكون رجلاً متجراً، لو عطل التجارة لتضررت كفايته؟
                      الجواب: لا، هذا ليس مباحاً، بل هو إما مكروه، وإما محرم.
                      مسألة: هل يجوز أن يحد في أمر يلحقه أو عائلته به ضرر، مثل: أن يكون رجلاً متجراً، لو عطل التجارة لتضررت كفايته؟الجواب: لا، هذا ليس مباحاً، بل هو إما مكروه، وإما محرم.

                      تم المقصود بحمد الله







                      [1] أي عيادة المريض.

                      [2] أي المريض.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X