دم الإنسان طاهر
أيها الأحبة:- أي مسألة فقهية لا بد عند طرحها وبيان حكمها؛من أن توزن في ميزان الشريعة وتمرر على أصولها العظيمة الثابتة فأن تسلكت في مسالكها وقبلتها ضوابطها على ضوء الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الشريفة ؛ فلايخشى من طرقها وبحثها ثم طرحها وتبنيها.
ومن هذه المسائل مسألة (( حكم دم الإنسان هل هو طاهر أم نجس؟؟؟)).
فكما تعلمون أيها الأحبة أن مذهب جمهور الفقهاء على أن الدم الخارج من الإنسان بجميع أنواعه نجس!!! ،وقد حكوا الإجماع على ذلك.
فنقول في بيان هذا والله اعلم:
أولاً:- هذا المذهب فيه نظر؛
لأن البراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخاص الخالي من المعارضة الراجحة أو المساوية،وهنا فأن أدلة القائلين بالنجاسة كلها مُعَارَضَة بما هو أقوى منها دلالةً؛لأنها أما ضعيفة أو مرجوحة،ثم أنه لم يصح شيء في السنة في كون الدم نجساً،ف((أنه لا يوجد دليل صريح على نجاسة الدم))قاله القرطبي في(أحكام القرآن)(6\187).
فأن القول بطهارة الدم مدعوم بالأصل،وهو أن الأصل في الأعيان الطهارة،((أعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها،ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم؛والأصل البراءة من ذلك))،قاله الشوكاني في(الدراري المضية)(1\27).
ثم أنه ثبت بالدليل الصحيح طهارة دم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا ليس من خصوصياته فوجب تعميم الحكم،والله أعلم.
ثانياً:- الإجماع منقوض بما سترى أن شاء الله من الأدلة الطيبة التي تثبت أن الدم غير نجس ألا دم الحيض،وأن استقر الرأي عند أكثر الفقهاء على كون الدم نجساً.
فأن الإجماع المحكي في هذه المسألة لم يستوفِ الشروط؛لأنهُم لم يستثنوا منه مثلاً دم الشهيد،ولا دم السمك والجراد،ولا دم البعوض وما شاكلهُ،
ثم أن بعض الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين لم يقولوا بنجاسة الدم،وقد نصر هذا المذهب كلاً من الإمام الشوكاني رحمه الله،والإمام صديق خان رحمه الله،والعلامة الألباني رحمه الله،والعلامة العثيمبن رحمه الله وقد استثنى الدم الخارج من (السبيلين)،أما الإمام البخاري رحمه الله فانه كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها.
بأقوال هؤلاء الجهابذة الأثبات العدول تضطرب حكاية الإجماع مما يجعلها غير فعالة.
أخي الحبيب بعد ذلك إذا تبين لك وجه الحق والصواب في هذه المسألة فلا يصدنك صاد عن أتباعها وتبنيها والعمل فيها،ولا يرهبنك حكاية الإجماع فيها فأنه منقوض كما رأيت.
ولم يبقى ألا أن نَذْكُرَ لك أدلة ما ذهبنا إليه من أن حكم (( دم الإنسان طاهر )) والتعليق عليها:
الأول:حديث جابر رضي الله عنه كما عند أبي داود(1\90)حسنه الألباني رحمه الله
((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا فقال من رجل يكلؤنا فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال كونا بفم الشعب قال فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة اسهم ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم (وفي رواية:الدماء)قال سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى قال كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها)).
فها هو الأنصاري يموج في دمه ولم يقطع صلاته،ثم لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالواقعة لم يأمره بشيء ولا قال له أن الدم نجس وصلاتك بطلت،أو غير ذلك.
الثاني: حديث جابر رضي الله عنه كما في (أحكام الجنائز)(32).
((قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ادفنوهم في دمائهم ) - يعني يوم أحد - ولم يغسلهم . ( وفي رواية ) فقال : ( أنا شهيد على هؤلاء لفوهم في دمائهم فإنه ليس جريح يجرح [ في الله ] إلا جاء وجرحه يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك ) . وفي رواية : ( صحيح ) ( لا تغسلوهم فإن كل جرح يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم ) )).
فالدم طاهر ولو كان نجساً لطهرهم ونزههم منه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم منها.
الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين
((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم)).
وفي رواية للبخاري:
((فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي)).
الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين
في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه عندم أصيب يوم الخندق ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب ففيه((فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم،فقالوا:يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً،فمات منها رضي الله عنه )).
وفي رواية: (( فانفجر من ليلته فما زال يسيل حتى مات ))
ففي هذين الحديثين (الثالث والرابع) النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرِدْ عنه أنه أمر بتنظيف المسجد كم في حادثة بول الأعرابي؛لأن الدم طاهر وليس بنجس وألا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد منه.
الخامس:قول الحسن البصري رحمه الله(ذكره البخاري تعليقاً في الوضوء)وصحح أسناده بن حجر في (الفتح)(1\281).
قال: ((لا يزال المسلمون يصلون في جراحاتهم )).
قال صاحب الطراز من المالكية،كما نقل كلامه الحطاب في(مواهب الجليل)(1\217):
(( ونحن نقطع بأن الصحابة كانت تلحقهم الجراح ويصلون بحالهم،ولا يعرف أن أحداً طهر جرحه لمكان وضوئه أو غسله )).
الخلاصة
أيها الأحبة:- أن الدم الخارج من الإنسان طاهر،ولو كان نجساً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛لأنه مما تعم به البلوى وهو ليس بأقل من جهة البلوى من ولوغ الكلب في آنية المسلم،ولو كان نجساً لأمر المسلم بغسل كل شيء أصابه الدم منه،ولحرم عليه الصلاة معه.
ومثل هذا الحكم يحتاج إلى بيان شافي من النبي صلى الله عليه وسلم يحصل به معرفة الحكم الشرعي فيه،ولم ينقل مثل هذا،بل سكت عنه الشارع مما يدل على أنه مما عفا عنه.
ثم أن الإنسان طاهر حياً وميتاً كالسمك لهذا قال الفقهاء: ((إن دم السمك طاهر؛لأن ميتته طاهرة))،وكذلك قولهم: ((ما أبين من حي فهو كميتته طهارةً ونجاسةً))،والدم المنفصل من الإنسان الذي هو ميتته طاهرة كحياته،أقتضى الحال أن يكون طاهراً.
والله أعلم.
أيها الأحبة:- أي مسألة فقهية لا بد عند طرحها وبيان حكمها؛من أن توزن في ميزان الشريعة وتمرر على أصولها العظيمة الثابتة فأن تسلكت في مسالكها وقبلتها ضوابطها على ضوء الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الشريفة ؛ فلايخشى من طرقها وبحثها ثم طرحها وتبنيها.
ومن هذه المسائل مسألة (( حكم دم الإنسان هل هو طاهر أم نجس؟؟؟)).
فكما تعلمون أيها الأحبة أن مذهب جمهور الفقهاء على أن الدم الخارج من الإنسان بجميع أنواعه نجس!!! ،وقد حكوا الإجماع على ذلك.
فنقول في بيان هذا والله اعلم:
أولاً:- هذا المذهب فيه نظر؛
لأن البراءة الأصلية مستصحبة حتى يأتي الدليل الخاص الخالي من المعارضة الراجحة أو المساوية،وهنا فأن أدلة القائلين بالنجاسة كلها مُعَارَضَة بما هو أقوى منها دلالةً؛لأنها أما ضعيفة أو مرجوحة،ثم أنه لم يصح شيء في السنة في كون الدم نجساً،ف((أنه لا يوجد دليل صريح على نجاسة الدم))قاله القرطبي في(أحكام القرآن)(6\187).
فأن القول بطهارة الدم مدعوم بالأصل،وهو أن الأصل في الأعيان الطهارة،((أعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها،ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم؛والأصل البراءة من ذلك))،قاله الشوكاني في(الدراري المضية)(1\27).
ثم أنه ثبت بالدليل الصحيح طهارة دم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا ليس من خصوصياته فوجب تعميم الحكم،والله أعلم.
ثانياً:- الإجماع منقوض بما سترى أن شاء الله من الأدلة الطيبة التي تثبت أن الدم غير نجس ألا دم الحيض،وأن استقر الرأي عند أكثر الفقهاء على كون الدم نجساً.
فأن الإجماع المحكي في هذه المسألة لم يستوفِ الشروط؛لأنهُم لم يستثنوا منه مثلاً دم الشهيد،ولا دم السمك والجراد،ولا دم البعوض وما شاكلهُ،
ثم أن بعض الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين لم يقولوا بنجاسة الدم،وقد نصر هذا المذهب كلاً من الإمام الشوكاني رحمه الله،والإمام صديق خان رحمه الله،والعلامة الألباني رحمه الله،والعلامة العثيمبن رحمه الله وقد استثنى الدم الخارج من (السبيلين)،أما الإمام البخاري رحمه الله فانه كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها.
بأقوال هؤلاء الجهابذة الأثبات العدول تضطرب حكاية الإجماع مما يجعلها غير فعالة.
أخي الحبيب بعد ذلك إذا تبين لك وجه الحق والصواب في هذه المسألة فلا يصدنك صاد عن أتباعها وتبنيها والعمل فيها،ولا يرهبنك حكاية الإجماع فيها فأنه منقوض كما رأيت.
ولم يبقى ألا أن نَذْكُرَ لك أدلة ما ذهبنا إليه من أن حكم (( دم الإنسان طاهر )) والتعليق عليها:
الأول:حديث جابر رضي الله عنه كما عند أبي داود(1\90)حسنه الألباني رحمه الله
((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا فقال من رجل يكلؤنا فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال كونا بفم الشعب قال فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة اسهم ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم (وفي رواية:الدماء)قال سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى قال كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها)).
فها هو الأنصاري يموج في دمه ولم يقطع صلاته،ثم لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالواقعة لم يأمره بشيء ولا قال له أن الدم نجس وصلاتك بطلت،أو غير ذلك.
الثاني: حديث جابر رضي الله عنه كما في (أحكام الجنائز)(32).
((قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ادفنوهم في دمائهم ) - يعني يوم أحد - ولم يغسلهم . ( وفي رواية ) فقال : ( أنا شهيد على هؤلاء لفوهم في دمائهم فإنه ليس جريح يجرح [ في الله ] إلا جاء وجرحه يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك ) . وفي رواية : ( صحيح ) ( لا تغسلوهم فإن كل جرح يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم ) )).
فالدم طاهر ولو كان نجساً لطهرهم ونزههم منه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم منها.
الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين
((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم)).
وفي رواية للبخاري:
((فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي)).
الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين
في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه عندم أصيب يوم الخندق ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب ففيه((فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم،فقالوا:يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً،فمات منها رضي الله عنه )).
وفي رواية: (( فانفجر من ليلته فما زال يسيل حتى مات ))
ففي هذين الحديثين (الثالث والرابع) النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرِدْ عنه أنه أمر بتنظيف المسجد كم في حادثة بول الأعرابي؛لأن الدم طاهر وليس بنجس وألا لنزه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد منه.
الخامس:قول الحسن البصري رحمه الله(ذكره البخاري تعليقاً في الوضوء)وصحح أسناده بن حجر في (الفتح)(1\281).
قال: ((لا يزال المسلمون يصلون في جراحاتهم )).
قال صاحب الطراز من المالكية،كما نقل كلامه الحطاب في(مواهب الجليل)(1\217):
(( ونحن نقطع بأن الصحابة كانت تلحقهم الجراح ويصلون بحالهم،ولا يعرف أن أحداً طهر جرحه لمكان وضوئه أو غسله )).
الخلاصة
أيها الأحبة:- أن الدم الخارج من الإنسان طاهر،ولو كان نجساً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛لأنه مما تعم به البلوى وهو ليس بأقل من جهة البلوى من ولوغ الكلب في آنية المسلم،ولو كان نجساً لأمر المسلم بغسل كل شيء أصابه الدم منه،ولحرم عليه الصلاة معه.
ومثل هذا الحكم يحتاج إلى بيان شافي من النبي صلى الله عليه وسلم يحصل به معرفة الحكم الشرعي فيه،ولم ينقل مثل هذا،بل سكت عنه الشارع مما يدل على أنه مما عفا عنه.
ثم أن الإنسان طاهر حياً وميتاً كالسمك لهذا قال الفقهاء: ((إن دم السمك طاهر؛لأن ميتته طاهرة))،وكذلك قولهم: ((ما أبين من حي فهو كميتته طهارةً ونجاسةً))،والدم المنفصل من الإنسان الذي هو ميتته طاهرة كحياته،أقتضى الحال أن يكون طاهراً.
والله أعلم.
تعليق