كنت ذكرت حكم الصلاة في المقبرة ومسائله
ومن باب تميم الموضوع أحببت أن أضيف
الأماكن المنهي عن الصلاة فيها غير المقبرة
المكان النجس:
المكان النجس لايجوز أن يصلى فيه فإن طهارة المكان الذي تلاقيه أعضاؤه وثيابه التي عليه في قيامه وقعوده وسجوده شرط, سواء في ذلك ما تحته وما فوقه من سقف وما بجنبيه من حائط وغيره فلو ماسّ في شيء من صلاته سقفا نجسا, أو حائطا, أو غيره ببدنه, أو ثوبه لم تصح صلاته, لحديث أنس بن مالك في الأعرابي الذي بال في المسجد قال: الرسول «صبوا عليه ذنوبا من ماء».
وإن كانت النجاسة محاذية لجسمه في حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شيء من بدنه ولا أعضائه لم يمنع صحة صلاته؛ لأنه لم يباشر النجاسة فأشبهت مالو خرجت عن محاذاته. «المغني» (2/65) و«المجموع» (3/110)و«الفتح» لابن رجب (عند الحديث)
إذا خفي عليه موضع النجاسة من الأرض
قال النووي: إذا خفى عليه موضع النجاسة من الأرض إن كانت واسعة صلى في موضع منها بغير اجتهاد؛ لأن الأصل طهارته.
قال القاضى أبو الطيب وغيره: والمستحب أن ينتقل إلى موضع لا شك فيه ولا يلزمه ذلك كما لو علم أن بعض مساجد البلد يبال فيه وجهله فله أن يصلى في أيها شاء.
وقال البغوي: يتحرى في الصحراء فإن أراد أنه يجب الاجتهاد فهو شاذ مخالف للأصحاب, وإن أراد أنه مستحب فهو موافق لما حكيناه عن القاضي أبي الطيب وغيره.
وإن كانت صغيرة, أو في بيت, أو بساط فوجهان:
أصحهما لا يجوز أن يصلي فيه لا هجوما, ولا باجتهاد حتى يغسله, أو يبسط عليه شيئا.اهـ «المجموع» (3/112) و«المغني»(2/489)
إذا كان على الحصير أوالبساط نجاسة
إذا كان على الحصير أو البساط نجاسة فصلى على الموضع النجس لم تصح صلاته, وإن صلى على موضع طاهر منه صحت صلاته.
قال النووي: قال أصحابنا سواء تحرك البساط بتحركه أم لا؛ لأنه غير حامل ولا ماس للنجاسة وهكذا لو صلى على سرير قوائمه علي نجاسة صحت صلاته, وإن تحرك بحركته صرح به صاحب «التتمة» وغيره.
وقال أبو حنيفة: إذا تحرك البساط أو السرير بحركته بطلت صلاته وإلا فلا, وكذا عنده طرف العمامة الذى يلاقى النجاسة ولو كان ما يلاقى بدنه وثيابه طاهرا وما يحاذي صدره أو بطنه أو شيئا من بدنه في سجوده أو غيره نجسا صحت صلاته في أصح الوجهين ونقله صاحب «الحاوي» عن نص الشافعي ونقله ابن المنذر عن الشافعي وأبي ثور.
ولو بسط على النجاسة ثوبا مهلهل النسج وصلى عليه؛ فإن حصلت مماسة النجاسة من الفرج بطلت صلاته وإن لم تحصل حصلت المحاذاة فعلى الوجهين الأصح لا تبطل.اهـ
قلت: وقول الشافعي وموافقوه في هذه المسألة هو الراجح, خلافا لأبي حنيفة, وهو ترجيح العثيمين. «المجموع» (3/111)و«الشرح الممتع»(1/334-335)
يعفى عن النجاسة المغلظة من أجل محلها في مواضع
قال ابن قدامة: وَقَدْ عُفِيَ عَنْ النَّجَاسَاتِ الْمُغَلَّظَةِ لِأَجْلِ مَحَلِّهَا، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاء، فَعُفِيَ فِيهِ عَنْ أَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ، وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
الثَّانِي: أَسْفَلُ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ، إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، فَدَلَكَهَا بِالْأَرْضِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:
إحْدَاهُنَّ: يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ، وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بإسناده-(385)وصححه العلامة الألباني-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ».
... وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى، فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ.
...وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّعْلَ لَا تَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ تُصِيبُهَا، فَلَوْ لَمْ يُجْزِئْ دَلْكُهَا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا...وَهذا أَوْلَى، لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْأَثَرِ وَاجِبٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَعْلَيْهِ، «إنَّ فِيهِمَا قَذَرًا». يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ دَلْكُهُمَا، وَلَمْ يَزُلْ الْقَذَرُ مِنْهُمَا. قُلْنَا: لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ دَلَكَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَدْلُكْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْقَذَرِ فِيهِمَا، حَتَّى أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ دَلْكَهُمَا يُطَهِّرُهُمَا فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَقَالَ غَيْرُهُ: يُعْفَى عَنْهُ مَعَ بَقَاءِ نَجَاسَتِهِ، كَقَوْلِهِمْ فِي أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ.
الثَّالِثُ: إذَا جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجُبِرَ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ، وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ بَاطِنَةٌ يَتَضَرَّرُ بِإِزَالَتِهَا، فَأَشْبَهَتْ دِمَاءَ الْعُرُوقِ.اهـ
وهو ترجيح العلامة العثيمين. «المغني» (2/486-488) و«الشرح الممتع» (387)
الصلاة في الحش
الحش:بفتح الحاء وضمها وهو الخلاء الذي يتخذ للغائط والبول فلا تصح الصلاة فيه لأنه نجس خبيث ولأنه مأوى الشياطين.
إذا حبس إنسان في موضع نجس كالحش ونحوه ولم يستطع تجنب النجاسة في قعوده وسجوده وجب عليه أن يصلِ على حاله .
قال النووي: هذا مذهبنا وبه قال العلماء كافة إلا أبا حنيفة فقال لا يجب أن يصلي فيه دليلنا حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم وقياسا على المريض العاجز عن بعض الأركان وإذا صلي يجب عليه أن يتجافى عن النجاسة بيديه وركبتيه وغيرهما القدر الممكن ويجب أن ينحنى للسجود إلى القدر الذي لو زاد عليه لاقى النجاسة ولا يجوز أن يضع جبهته علي الارض هذا هو الصحيح وحكي صاحب البيان وجها انه يلزمه أن يصع جبهته على الارض وليس بشئ.اهـ
وقال ابن حزم: وكذلك يقرب جبهته وأنفه من ذلك المكان أكثر ما يقدر عليه، ولا يضعهما عليه، فإن جلس عليه أو سجد عليه متعمدا وهو قادر على أن لا يفعل بطلت صلاته.اهـ المجموع - (3 / 154) والمغني (2/469) و المحلى (345 ) والشرح الممتع (1/359)
الصلاة على سطح الحش
الصلاة على سطح الحش إن كان طاهرا ولم يتلطخ بنجاسة ولا رطوبة منها فالصلاة صحيحة، وإن كان متنجسا برطوبة أو غيرها فلا تصح الصلاة فيه لأن العلة في النهي عنها في الحش لكونها مأوى الشياطين وحصول النجاسة وكلا الأمرين منتفيين هنا والله أعلم.
قال العثيمين: فقد نُهيَ عن الصلاة في الحُشِّ من أجل النَّجاسة، فإذا لم يكن نجاسة في سطحه فلا مانع، وهذا هو القول الصَّحيح الذي اختاره صاحب «المغني».
والدَّليل على أنها صحيحة: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً»، وبناءً على ذلك فإن الصلاة على «البيَّارة» و«البلاَّعة» لا بأس بها؛ لأنها أقلُّ من سطح الحُشِّ.اهـ المغني (2/474)
الصلاة في الحمام
والحمام: هو المعد للغسل لا لقضاء الحاجة كما قد يطلقه كثير من الناس, والصلاة فيه لا تجوز, لحديث أبي سعيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلها مسجداً إلاالمقبرة والحمام» أخرجه الترمذي.
وهذا الحمام غير الحش قال العلامة العثيمين: وليس المقصود فيه المرحاض, ولهذا نهى الشرع عن الصلاة فيه وظاهر الحديث أنه لافرق بين أن يكون الحمام فيه ناس يغتسلون فيه أو لم يكن فيه أحد مادام يسمى حماما؛ فالصلاة لا تصح فيه.اهـ
«المغني» (2/471) و«المجموع» (3/116) و«المحلى» (393) و«الشرح الممتع» (1/391)
الصلاة في مأوى الشياطين
الصلاة في مأوى الشياطين منهي عنها, لحديث أبي هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال: الرسول صلى الله عليه وسلم «ليأخذ كل واحد برأس راحلته فإن هذا موضع حضرنا فيه الشيطان».
قال النووي: الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق وذلك مثل مواضع الخمر, والحانة, ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة, والكنائس, والبيع, والحشوش ونحو ذلك؛ فإن صلى في شئ من ذلك ولم يماس نجاسة بيده ولا ثوبه صحت صلاته مع الكراهة.اهـ «المجموع»(117) و«المحلى» (400)
هل تكره الصلاة في بطون الأودية
قال النووي: واعلم أن بطون الأودية لا تكره فيها الصلاة كما لا تكره في غيرها, وأما قول الغزالي تكره الصلاة في بطن الوادي فباطل أنكروه عليه, وإنما كره الشافعي رحمه الله الصلاة في الوادي الذى نام فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الصلاة لا في كل واد.
وقد قال بعض العلماء: لا تكره الصلاة في ذلك الوادي أيضا لأنا لا نتحقق بقاء ذلك الشيطان فيه والله أعلم.اهـ
قلت: والراجح عدم كراهة الصلاة في ذلك الوادي لعدم تيقن أن الشيطان فيه والله أعلم. «المجموع»(117) .
الصلاة في مواطن الخسف
تكره الصلاة في مواطن الخسف لحديث عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم...».أخرجه البخاري (433) وفي رواية له «ثم قنع رسول الله رأسه وأسرع السير حتى جاز الوادي».
قال ابن قدامة: قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي أَرْضِ الْخَسْفِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ.اهـ
أرض بابل
قال الحافظ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاء حَرَّمَ الصَّلَاة فِي أَرْض بَابِل، فَإِنْ كَانَ حَدِيث عَلِيٍّ ثَابِتًا فَلَعَلَّهُ نَهَاهُ أَنْ يَتَّخِذهَا وَطَنًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَقَامَ بِهَا كَانَتْ صَلَاته فِيهَا، يَعْنِي أَطْلَقَ الْمَلْزُوم وَأَرَادَ اللَّازِم.
قَالَ: فَيُحْتَمَل أَنَّ النَّهْي خَاصّ بِعَلِيٍّ إِنْذَارًا لَهُ بِمَا لَقِيَ مِنْ الْفِتْنَة بِالْعِرَاقِ.
قُلْت: وَسِيَاق قِصَّة عَلِيّ الْأُولَى يُبْعِد هَذَا التَّأْوِيل. وَاَللَّهُ أَعْلَم.اهـ
قلت: حديث علي ضعيف وقد ذكر البخاري الموقوف منه بصيغة التمريض.
وقد سئل شيخ الأسلام هل تكره الصلاة فى أى موضع من الأرض؟
فأجاب: نعم ينهى عن الصلاة فى مواطن فإنه قد ثبت فى الصحيح عن النبى أنه سئل عن الصلاة فى أعطان الإبل فقال: «لا تصلوا فيها» وسئل عن الصلاة فى مبارك الغنم فقال: «صلوا فيها» وفى السنن أنه قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» وفى الصحيح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا».
وفى الصحيح عنه أنه قال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك», وفى السنن أنه نهى عن الصلاة بأرض الخسف, وفى سنن ابن ماجه وغيره أنه نهى عن الصلاة فى سبع مواطن المقبرة والمجزرة والمزبلة وقارعة الطريق والحمام وظهر البيت الحرام».
وهذه المواضع غير ظهر بيت الله الحرام قد يعللها بعض الفقهاء بأنها مظنة النجاسة, وبعضهم يجعل النهى تعبدا, والصحيح أن عللها مختلفة تارة تكون العلة مشابهة أهل الشرك كالصلاة عند القبور, وتارة لكونها مأوى للشياطين كأعطان الإبل, وتارة لغير ذلك والله اعلم.اهـ
«المغني» (477) و«الفتح» (433)«مجموع الفتاوى» (22/158)
الصلاة في الكنائس
فقد قال ابن قدامة: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ النَّظِيفَةِ، رَخَّصَ فِيهَا الْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى، وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ الْكَنَائِسَ؛ مِنْ أَجْلِ الصُّوَرِ.
وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَفِيهَا صُوَرٌ»، ثُمَّ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ».اهـ
وقال شيخ الإسلام: وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء فى مذهب أحمد وغيره:
المنع مطلقا وهو قول مالك.
والإذن مطلقا وهو قول بعض أصحاب أحمد.
والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره وهو منصوص عن أحمد وغيره أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة, ولأن النبى لم يدخل الكعبة حتى محى ما فيها من الصور, وكذلك قال عمر إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها.
وهى بمنزلة المسجد المبنى على القبر ففى الصحيحين أنه ذكر للنبى كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الحسن والتصاوير فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة». وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة فى الكنيسة والله أعلم.اهـ
قلت: وما رجحه بن قدامة هو الراجح والله أعلم.
«المغني» (2/478)، و«المجموع» (3/115)، و«الفتح» (434)، و«مجموع الفتاوى» (22/163)
الصلاة على شيء مرتفع كالمنبر والسرير والسطح
تجواز الصلاة على شيء مرتفع عن المأمومين لقصد تعليمهم إذا دعت الحاجة لذلك أو ضيق أو نحوه لحديث سهل بن سعد حين سئل عن منبر النبي ﷺ فقال أما والله إنى لأعرف من أى عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول يوم جلس عليه - قال - فقلت له يا أبا عباس فحدثنا. قال أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى امرأة قال أبو حازم إنه ليسميها يومئذ « انظرى غلامك النجار يعمل لى أعوادا أكلم الناس عليها ». فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعت هذا الموضع فهى من طرفاء الغابة. ولقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد فى أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس فقال « يا أيها الناس إنى صنعت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتى ». وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله رحمه الله: «باب الصلاة في المنبر والسطوح والخشب»
قال الحافظ: وَالغَرَض مِنْ إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا البَاب جَوَاز الصَّلَاة عَلَى المِنْبَر، وَفِيهِ جَوَاز اِخْتِلَاف مَوْقِف الإِمَام وَالمَأْمُوم فِي العُلْو وَالسُّفْل، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ المُصَنِّف فِي حِكَايَته عَنْ شَيْخه عَلِيّ بْن المَدِينِيّ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل. وَلِابْنِ دَقِيق العِيد فِي ذَلِكَ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلّ بِهِ عَلَى جَوَاز الِارْتِفَاع مِنْ غَيْر قَصْد التَّعْلِيم لَمْ يَسْتَقِمْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظ لَا يَتَنَاوَلهُ، وَلِانْفِرَادِ الأَصْل بِوَصْفٍ مُعْتَبَرٍ تَقْتَضِي المُنَاسَبَةُ اِعْتِبَاره فَلَا بُدّ مِنْهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَاز العَمَل اليَسِير فِي الصَّلَاة كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه..... وَفِي الحَدِيث جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الخَشَب، وَكَرِهَ ذَلِكَ الحَسَن وَابْن سِيرِينَ، أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُمَا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر نَحْوه وَعَنْ مَسْرُوق أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لِيَسْجُدَ عَلَيْهَا إِذَا رَكِبَ السَّفِينَة، وَعَنْ اِبْن سِيرِينَ نَحْوه. وَالقَوْل بِالجَوَازِ هُوَ المُعْتَمَد.اهـ
وقال ابن رجب: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: الصلاة على ما وضع على الأرض مما يتأبد فيها، أو ينقل عنها كمنبر وسرير ونحوه، فيجوز ذلك عند أكثر العلماء.
قال أبو طالب: سألت أحمد عن الصلاة على السرير الفريضة والتطوع ؟ قال: نعم، إذا كان يمكنه مثل السطح.
وقال حرب: سألت إسحاق عن الصلاة على السرير من الخشب؟ قال: لا بأس به.
وروى حرب بإسناده، عن الأوزاعي، أنه لم ير بأسا بالصلاة على الأسرة وأشباهها. وليس في هذا اختلاف بين العلماء، إلا خلاف شاذ قديم.
المسألة الثانية: الصلاة فيما بني على وجه الأرض كغرفة في المسجد، أو فوق سطح المسجد، وكله جائز لا كراهة فيه بغير خلاف، إلا في مواضع يسيرة اختلف فيها؛ وقد أشار البخاري إلى بعضها: فمنها:
صلاة المأموم فوق سطح المسجد بصلاة الإمام في أسفل المسجد، وقد حكى عن أبي هريرة أنه فعله.
وحكى ابن المنذر فعل ذلك عن أبي هريرة وسالم بن عبد الله. قال: وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك: أنه إن صلى الجمعة على سطح المسجد أعادها ظهرا.
ومذهب مالك: أن الجمعة لا تصلى فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام. وفي سائر الصلوات عنه روايتان: الجواز، والكراهة، وهي آخر الروايتين عنه.
وممن يرى جواز ذلك: الثوري وأحمد وإسحاق.
واشترط الإمام أحمد أن يكون ذلك بقرب الإمام، أو يسمع قراءته -: نقله عنه حنبل، ولم يشترط غير ذلك.
واشترط أكثر أصحابنا - كالخرقي وأبي بكر عبد العزيز وابن أبي موسى والقاضي: إيصال الصفوف دون قرب الإمام. وقد أشار إليه أحمد في رواية أبي طالب، في الرجل يصلي فوق السطح بصلاة الإمام: فقال إن كان بينهما طريق أو نهر فلا. قيل له: فأنس صلى يوم الجمعة في سطح؟
فقال: يشير إلى أن يوم الجمعة تمتلئ الطرقات بالمصلين، فتتصل الصفوف.
قال أبو طالب: فإن الناس يصلون خلفي في رمضان فوق سطح بيتهم؟
فقال أحمد ذاك تطوع.
ففرق أحمد بين الفريضة والنافلة في إيصال الصفوف... والمذهب المنشور عنه: جوازه مطلقا، كما تقدم.
وذكر أبو بكر الرازي: أن المشهور عند أصحابهم - يعني: أصحاب أبي حنيفة - أنه يكره ارتفاع المأموم على الإمام، والإمام على المأموم، خلافا لما قاله الطحاوي من التفريق بينهما.
المسألة الثالثة: إذا كان المستعلي على وجه الأرض مما لا يبقى على حاله كالثلج والجليد، فقد حكى عن الحسن جواز الصلاة على الجليد.
ومعناه: إذا جمد النهر جازت الصلاة فوقه.
وقد صرح بجوازه أصحابنا وغيرهم من الفقهاء؛ فإنه يصير قرارا متمكنا
كالأرض، وليس بطريق مسلوك في العادة حتى تلحق الصلاة عليه بقارعة الطريق في الكراهة.
وحكى البخاري عن ابن عمر، أنه صلى على الثلج. ونص أحمد على جواز الصلاة عليه والسجود عليه.
وحاصل الأمر: أنه يلزمه السجود على الثلج ما لم يكن عليه فيه ضرر، فإن كان عليه ضرر لم يلزمه، وأجزأه أن يومئ.اهـ بتصرف يسير.
«الفتح» لابن رجب وابن حجر (377)
تعليق