تعريف النية
النية في اللغة: هي القصد.
وفي الشرع: هي استحضار العزم في القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعلى.
تنقسم النية إلى قسمين:
أحدهما: نية المعمول له: وهي التي يتكلم عليها أرباب السلوك فتذكر في التوحيد, وهي أعظم الأقسام فهي أهم من نية العمل؛ لأن عليها مدار الصحة قال الله في الحديث القدسي «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاًأشرك فيه معي غيري تركته وشركه»أخرجه مسلم (2985) عن أبي هريرة.
والثاني: نية العمل وهي المرادة هنا: وهي التي يتكلم عليها الفقهاء, التي تتميز بها العبادة من غيرها, وتتميز بها العبادات بعضها عن بعض , فينوي أنها عبادة وينوي أنها صلاة وينوي أنها فريضة أو نافلة وهكذا, وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتبار ذلك بقوله:«إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ مانوى».
ولابد من ملاحضة الأمرين جميعا, نية المعمول له بحيث تكون نيته خالصة لله فإن خالط هذه النية نيةً لغير الله بطلت فلو قام رجل يصلي ليراه الناس فالصلاة باطلة؛ لأنه لم يخلص نية المعمول له وهو الله عز وجل, وهكذا نية العمل لابد من تمييز العبادة من غيرها وتمييز بعضها من بعض.
«الشرح الممتع» (1/415-416) و«الفتح» (1)
حكم النية
النبة شرط من شروط الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بها, والأصل في ذلك قول الله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ وحديث عمر بن الخطاب قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ».أخرجه البخاري ( 6689) ومسلم(1907).
قال الحافظ: وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاء هَلْ هِيَ رُكْن أَوْ شَرْط ؟
وَالمُرَجَّح أَنَّ إِيجَادهَا ذِكْرًا فِي أَوَّل العَمَل رُكْن، وَاسْتِصْحَابهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِي بِمُنَافٍ شَرْعًا شَرْطٌ.
قال رحمه الله: وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِإِفْرَادِ النِّيَّة، وَوَجْهه أَنَّ مَحَلّ النِّيَّة القَلْب وَهُوَ مُتَّحِد فَنَاسَبَ إِفْرَادهَا. بِخِلَافِ الأَعْمَال فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَة فَنَاسَبَ جَمْعهَا؛ وَلِأَنَّ النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ.اهـ «الفتح» (1)
هل النية شرط لجميع الأعمال
قال الحافظ: ثمَّ لَفْظ العَمَل يَتَنَاوَل فِعْل الجَوَارِح حَتَّى اللِّسَان فَتَدْخُل الأَقْوَال.
قَالَ اِبْن دَقِيق العِيد: وَأَخْرَجَ بَعْضهمْ الأَقْوَال وَهُوَ بَعِيد، وَلَا تَرَدُّد عِنْدِي فِي أَنَّ الحَدِيث يَتَنَاوَلهَا. وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْل كَفّ لَكِنْ لَا يُطْلَق عَلَيْهَا لَفْظ العَمَل. وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي القَوْل عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَل اللِّسَان، بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَل عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا يَحْنَث. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِع اليَمِين إِلَى العُرْف، وَالقَوْل لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي العُرْف وَلِهَذَا يُعْطَف عَلَيْهِ.
وَالتَّحْقِيق أَنَّ القَوْل لَا يَدْخُل فِي العَمَل حَقِيقَة وَيَدْخُل مَجَازًا، وَكَذَا الفِعْل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ ﴾ بَعْد قَوْله: «زُخْرُف القَوْل». وَأَمَّا عَمَل القَلْب كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلهَا الحَدِيث لِئَلَّا يَلْزَم التَّسَلْسُل، وَالمَعْرِفَة: وَفِي تَنَاوُلهَا نَظَر.
قَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مُحَال لِأَنَّ النِّيَّة قَصْد المَنَوِيّ، وَإِنَّمَا يَقْصِد المَرْء مَا يَعْرِف فَيَلْزَم أَنْ يَكُون عَارِفًا قَبْل المَعْرِفَة.اهـ «الفتح» (1)
تعيين النية
يجب تعيين النية فرضاً, أو نفلاً ظهرا, أو عصرا لتتميز عن غيرها؛ لأن الفريضة قد تكون نفلا كظهر الصبي والمعاداة, فتفتقر إلى ثلاثة أشياء:
الفعل, والتعيين, والفريضة, ولا يكفي الحضور عن النية بدليل أنه لم يغنِ عن نية المكتوبة, وقد يكون عليه صلوات فلا تتعين إحداهن بدون التعيين.
«المغني» (2/132) و«الغدة»(70)و«الشرح الممتع» (1/416)
تعيين النافلة
صلاة النافلة تنقسم إلى قسمين:
الأول معينة: كصلاة الاستسقاء, والتراويح, والوتر, والسنن الرواتب فتفتقر إلى تعيين.
الثاني مطلقة: كصلاة الليل وغيرها, فتجزء فيها نية الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها. «المغني» (2/133)و«العدة» (ص70) و«الشرح الممتع» (1/417)
الجهر بالنية
قال شيخ الإسلام: والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين, بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة إذا فعل ذلك معتقدا أنه من الشرع, فهو جاهل ضال يستحق التعزير, وإلا العقوبة على ذلك إذا أصرعلى ذلك بعد تعريفه والبيان له, لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته, أو كرر ذلك مرة بعد مرة؛ فإنه يستحق التعزير البليغ على ذلك, ولم يقل أحد من المسلمين إن صلاة الجاهر بالنية أفضل من صلاة الخافت بها سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا.اهـ
«مجموع الفتاوى»(22/218)
التلفظ بها
قال شيخ الإسلام: وأما التلفظ بها سرا فلا يجب أيضا عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إن التلفظ بالنية واجب لا في طهارة ولا في صلاة ولا صيام ولا حج
ولا يجب على المصلي أن يقول بلسانه : أصلى الصبح ولا أصلي الظهر ولا العصر ولا إماما ولا مأموما ولا يقول بلسانه : فرضا ولا نفلا ولا غير ذلك بل يكفي أن تكون نيته في قلبه والله يعلم ما في القلوب
وكذلك نية الغسل من الجنابة والوضوء يكفي فيه نية القلب وكذلك نية الصيام في رمضان لا يجب على أحد أن يقول : أنا صائم غدا
باتفاق الأئمة : بل يكفيه نية قلبه
والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد أن يفعله فلا بد أن ينويه فإذا علم المسلم أن غدا من رمضان وهو ممن يصوم رمضان فلا بد أن ينوي الصيام فإذا علم أن غدا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة
وكذلك الصلاة : فإذا علم أن الصلاة القائمة صلاة الفجر أو الظهر وهو يعلم أنه يريد أن يصلي صلاة الفجر أو الظهر فإنه إنما ينوي تلك الصلاة لا يمكنه أن يعلم أنها الفجر وينوي الظهر
وكذلك إذا علم أنه يصلي إماما أو مأموما فإنه لا بد أن ينوي ذلك والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعا ضروريا إذا كان يعلم ما يريد [ أن ] يفعله فلا بد أن ينويه فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر امتنع أن يقصد غيرها ولو اعتقد أن الوقت قد خرج أجزأته صلاته باتفاق الأئمة
ولو اعتقد أنه خرج فنوى الصلاة بعد الوقت فتبين أنها في الوقت أجزأته الصلاة باتفاق الأئمة
وإذا كان قصده أن يصلي على الجنازة - أي جنازة كانت - فظنها رجلا وكانت امرأة صحت صلاته بخلاف ما نوى وإذا كان مقصوده أن لا يصلي إلا على من يعتقده فلانا وصلى على من يعتقد أنه فلان فتبين غيره فإنه هنا لم يقصد الصلاة على ذلك الحاضر
والمقصود هنا : أن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة : ولكن بعض المتأخرين خرج وجها في مذهب الشافعي بوجوب ذلك وغلطه جماهير أصحاب الشافعي وكان غلطه أن الشافعي قال : لا بد من النطق في أولها فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم وقالوا : إنما أراد النطق بالتكبير لا بالنية ولكن التلفظ بها هل هو مستحب ؟ أم لا ؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء
منهم من استحب التلفظ بها كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وقالوا : التلفظ بها أوكد واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج وغير ذلك
ومنهم من لم يستحب التلفظ بها كما قال ذلك من قاله من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما وهذا هو المنصوص عن مالك وأحمد سئل تقول قبل التكبير شيئا ؟ قال : لا
وهذا هو الصواب فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يقول قبل التكبير شيئا ولم يكن يتلفظ بالنية لا في الطهارة ولا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج ولا في غيرها من العبادات ولا خلفاؤه ولا أمر أحدا أن يتلفظ بالنية بل قال لمن علمه الصلاة :
كبر كما في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ] ولم يتلفظ قبل التكبير بنية ولا غيرها ولا علم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان ذلك مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه و سلم ولعظمه المسلمون.
وكذلك في الحج إنما كان يستفتح الاحرام بالتلبية وشرع للمسلمين أن يلبوا في أول الحج وقال - صلى الله عليه و سلم - لضباعة بنت الزبير : [ حجي واشترطي فقولي : لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني ] فأمرها أن تشترط بعد التلبية
ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئا لا يقول : اللهم إني أريد العمرة والحج ولا الحج والعمرة ولا يقول : فيسره لي وتقبله مني ولا يقول : نويتهما جميعا ولا يقول : أحرمت لله ولا غير ذلك من العبادات كلها ولا يقول قبل التلبية شيئا بل جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة
وكان هو وأصحابه يقولون : فلان أهل بالحج أهل بالعمرة أو أهل بهما جميعا كما يقال كبر للصلاة والإهلال رفع الصوت بالتلبية وكان يقول في تلبيته : [ لبيك حجا وعمرة ] ينوي ما يريد [ ان ] يفعله بعد التلبية لا قبلها
وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفي الطهارة وسائر العبادات فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي بدعة بل كان صلى الله عليه و سلم يداوم في العبادات على تركها ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين : من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم .اهـ
«مجمع الفتاوى»(22/219) والفتاوى الكبرى - (2 / 87)
استصحاب النية
الواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لاينوي قطعها, ولو ذهل عنها وعزبة عنه أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها, لأن التحرز من هذا غير ممكن , ولأن النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة بدليل الصوم وغيره, ولحديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا نُودِىَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِىَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى»أخرجه البخاري ومسلم. «المغني» (2/134)
من دخل في الصلاة بنية متردد
إذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها؛ لم تصح صلاته؛ لأن النية عزم جازم ومع التردد لايحصل الجزم, وإن تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها أو خرج منها بطلت, وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لاتبطل بذلك؛ لأنها عبادة صح دخوله فيها فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج.
والقول الأول هو الراجح, ورجحه ابن قدامة؛ لأنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدة كما لو سلم ينوي الخروج منها, ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها بما حدث وفسدة بذهاب شرطها, وفارقت الحج فإنه لا يخرج منه بمحضوراته ولا بمفسداته بخلاف الصلاة.
فأما إن تردد في قطعها فقال أبو حامد: لاتبطل؛ لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا تزول بالشك والتردد كسائر العباداة, وهذا هو الراجح ورجحه العلامة العثيمين, لأن الأصل بقاء النية. «المغني» (2/134)و«الشرح الممتع» (1/419)
محل النية الواجبة في صلاة
تجب النية أثناء التكبير بحيث لا يخلو شيء من التكبير عنها, لقول الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾فـ«مخلصين» حال لهم في وقت العبادة.
ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير كالصوم, ولأن أولها من أجزائها يكفي استصحاب النية فيه كسائر أجزائها, ما لم يفسخ ذلك أو يكن ذلك قبل دخول الوقت فلم يجزئه , وهو ترجيح العثيمين.
«المغني» (2/136)و«العدة» (71)و«الشرح الممتع» (1/418)
تغيير النية أثناء الصلاة
إذا قلب منفرد فرضه إلى نفل في وقته المتسع جاز ذلك بشرط أن يكون الوقت متسعاً للصلاة, وهو ترجيح العلامة العثيمين وقال: فإن كان الوقت ضيقاً؛ بحيث لم يبقَ منه إلا مقدار أربع ركعات فإن هذا الانتقال لا يصحُّ؛ لأن الوقت الباقي تعيَّن للفريضة، وإذا تعيَّن للفريضة لم يصحَّ أن يشغله بغيرها، فإن فعل فإن النَّفْل يكون باطلاً؛ لأنه صَلَّى النَّفْل في وقت منهيٍّ عنه، كما لو صَلَّى النَّفل المطلق في أوقات النَّهي فإنه لا يصحُّ.اهـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه ووجه عند أحمد.
والانتقال من الفرض إلى النفل قد يكون مستحبا وذلك إذا كان يصلي منفردا وجاءت جماعة فينوي بذلك نفلا ثم يصلي جماعة.
وأما إن كان إماما أو مأموما فلا يجوز له, لأنه سيفوت الجماعة والجماعة واجبة؛ فلا ينتقل من الفرض إلى النفل ورجحه العلامة العثيمين.
وأما إن انتقل من فرض إلى فرض آخر, كأن يكون يصلي العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر بغير طهارة فنوى بها الظهر فتبطل صلاة العصر ولم تنعقد صلاة الظهر لأن الفرض الذي انتقل منه قد أبطله, والفرض الذي انتقل إليه لم ينوه من أوله, وهو ترجيح العلامة العثيمين.
وإذا انتقل من نفل إلى فرض بطل النفل لأنه قطعه, وبطل الفرض لأنه لم ينوه من أوله. وإذا انتقل من نفل معين إلى نفل معين؛ كأن ينتقل من نافلة العشاء مثلا إلى نافلة الوتر بطل النفلان, لأن العلة فيه كالعلة في الانتقال من فرض إلى فرض.
وإذا انتقل من فرض معين أو نفل معين إلى نفل مطلق صح بشرط أن يكون وقت الفرض متسعا؛ لأن المعين اشتمل على نيتين نية مطلقة ونية معينة فإذا أبطل المعينة بقي المطلقة. وإذا انتقل من نفل مطلق إلى نفل معين لم يصح.
«المغني» (2/135)و«الشرح الممتع» (1/421-422)
اختلاف نية الإمام والمأموم
اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب طاوس, وعطاء, والأوزاعي, والشافعي وأحمد, وأبو ثور, وسليمان بن حرب, وابن المنذر, وداود, إلى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل, لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّى مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العِشَاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ.أخرجه البخاري (711)مسلم (465).
قال الإمام النووي: فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز صَلَاة المُفْتَرِض خَلْف المُتَنَفِّل لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي الفَرِيضَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْقُط فَرْضه، ثُمَّ يُصَلِّي مَرَّة ثَانِيَة بِقَوْمِهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّع لَهُمْ فَرِيضَة، وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْر مُسْلِم، وَهَذَا جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى وَآخَرِينَ، وَلَمْ يُجْزِهِ رَبِيعَة وَمَالِك، وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ الله عَنْهُمْ، وَالكُوفِيُّونَ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيث مُعَاذ رَضِيَ الله عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفُّلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِهِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَدِيث مُعَاذ كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر ثُمَّ نُسِخَ، وَكُلّ هَذِهِ التَّأْوِيلَات دَعَاوَى لَا أَصْل لَهَا فَلَا يُتْرَك ظَاهِر الحَدِيث بِهَا.اهـ
ولحديث أبي بكرة قَالَ صَلَّى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ العَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعًا وَلأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ»أخرجه أبو داود.
قال الشافعي في «الأم» والآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة وللآخرين فريضة.
وأما المتنفل خلف المفترض فجائز أيضا, لحديث أبي ذر قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ الله «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا». قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى قَالَ «صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» أخرجه مسلم.
وحديث يزيد بن الأسود قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حَجَّتَهُ. قَالَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاَةَ الفَجْرِ فِى مَسْجِدِ الخَيْفِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِى آخِرِ المَسْجِدِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ «عَلَىَّ بِهِمَا». فَأُتِىَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا قَالَ «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا». قَالاَ يَا رَسُولَ الله قَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا فِى رِحَالِنَا. قَالَ «فَلاَ تَفْعَلاَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِى رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» أخرجه الترمذي وأحمد.
وتصح صلاة الفريضة خلف فريضة أخرى توافقها في العدد كظهر خلف عصر, وتصح فريضة خلف فريضة أقصر منها كأن يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر, أو أكثر كأن يصلي العصر خلف من يصلي المغرب.
فإذا صلى الظهر خلف من يصلي المغرب, فهو مخير إذا جلس الإمام في التشهد الأخير بين انفصاله لأتمام ما عليه أو استمراره معه حتى يسلم الإمام ثم يقوم لأتمام صلاته قال النووي: والاستمرار أفضل.اهـ
وإن كان عدد ركعات المأموم أقل؛ فإذا أكمل المأموم صلاته وقام الإمام لما بقي عليه فالمأموم في الخيار فإن شاء فارقه وسلم وإن شاء انتضره ليسلم معه.
قال النووي: والأفضل انتظاره.
«المجموع» (4/118-119و120)و«شرح مسلم» (465)
صلاة من يتم خلف من يقصر
يجوز للمتم أن يصلي خلف من يقصر ثم يقوم ويتم صلاته, ويجوز لمن يقصر أن يصلي خلف من يتم ويتم مع الإمام ولايقصر, لحديث ابن عمر أنه«كان إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلها وحده صلى ركعتين» أخرجه مسلم (649), وحديث ابن عباس قيل له إنّ إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين فقال تلك سنت أبي القاسم.أخرجه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في «الإرواء» (571).
ولو أدرك ركعتين مع اللإمام المقيم فكذلك يلزمه الإتمام, لحديث أبي مجلز قال قلت لابن عمر المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم –يعني المقيمين- أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم قال: «فضحك وقال يصلي بصلاتهم» أخرجه البيهقي (3/157) وصححه العلامة الألباني في «الإرواء» (571).
هل تشترط النية في القصر
قال شيخ الإسلام: ولم ينقل أحد عن أحمد أنه قال لا يقصر إلا بنية, وإنما هذا من قول الخرقى ومن تبعه, ونصوص أحمد وأجوبته كلها مطلقة فى ذلك كما قاله جماهير العلماء, وهو اختيار أبى بكر موافقة لقدماء الأصحاب كالخلال وغيره بل والأثرم وأبى داود وإبراهيم الحربى وغيرهم؛ فإنهم لم يشترطوا النية لا فى قصر ولا فى جمع, وإذا كان فرضه ركعتين فإذا أتى بهما أجزأه ذلك سواء نوى القصر أو لم ينوه, وهذا قول الجماهير كمالك وأبى حنيفة وعامة السلف وما علمت أحدا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان اشترط نية لا فى قصر ولا فى جمع ولو نوى المسافر الإتمام كانت السنة فى حقه الركعتين ولو صلى أربعا كان ذلك مكروها كما لم ينوه, ولم ينقل قط أحد عن النبى ﷺ أنه أمر أصحابه لا بنية قصر ولا نية جمع ولا كان خلفاؤه وأصحابه يأمرون بذلك من يصلى خلفهم مع أن المأمومين أو أكثره الظهر بالمدينة أربعا وصلى بهم العصر بذى الحليفة ركعتين وخلفه أمم لا يحصى عددهم إلا الله كلهم خرجوا يحجون معه وكثير منهم لا يعرف صلاة السفر إما لحدوث عهده بالاسلام وإما لكونه لم يسافر بعد لا سيما النساء صلوا معه ولم يأمرهم بنية القصر وكذلك جمع بهم بعرفة ولم يقل لهم إنى أريد أن أصلى العصر بعد الظهر حتى صلاها بهم لا يعرفون ما يفعله الإمام...اهـ «مجموع الفتاوى» (42/21و104)
ملخصا من كتابي الإلمام بأحكام ومسائل صفة صلاة النبي خير الأنام
النية في اللغة: هي القصد.
وفي الشرع: هي استحضار العزم في القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعلى.
تنقسم النية إلى قسمين:
أحدهما: نية المعمول له: وهي التي يتكلم عليها أرباب السلوك فتذكر في التوحيد, وهي أعظم الأقسام فهي أهم من نية العمل؛ لأن عليها مدار الصحة قال الله في الحديث القدسي «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاًأشرك فيه معي غيري تركته وشركه»أخرجه مسلم (2985) عن أبي هريرة.
والثاني: نية العمل وهي المرادة هنا: وهي التي يتكلم عليها الفقهاء, التي تتميز بها العبادة من غيرها, وتتميز بها العبادات بعضها عن بعض , فينوي أنها عبادة وينوي أنها صلاة وينوي أنها فريضة أو نافلة وهكذا, وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى اعتبار ذلك بقوله:«إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ مانوى».
ولابد من ملاحضة الأمرين جميعا, نية المعمول له بحيث تكون نيته خالصة لله فإن خالط هذه النية نيةً لغير الله بطلت فلو قام رجل يصلي ليراه الناس فالصلاة باطلة؛ لأنه لم يخلص نية المعمول له وهو الله عز وجل, وهكذا نية العمل لابد من تمييز العبادة من غيرها وتمييز بعضها من بعض.
«الشرح الممتع» (1/415-416) و«الفتح» (1)
حكم النية
النبة شرط من شروط الصلاة فلا تصح الصلاة إلا بها, والأصل في ذلك قول الله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ وحديث عمر بن الخطاب قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ».أخرجه البخاري ( 6689) ومسلم(1907).
قال الحافظ: وَاخْتَلَفَ الفُقَهَاء هَلْ هِيَ رُكْن أَوْ شَرْط ؟
وَالمُرَجَّح أَنَّ إِيجَادهَا ذِكْرًا فِي أَوَّل العَمَل رُكْن، وَاسْتِصْحَابهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِي بِمُنَافٍ شَرْعًا شَرْطٌ.
قال رحمه الله: وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِإِفْرَادِ النِّيَّة، وَوَجْهه أَنَّ مَحَلّ النِّيَّة القَلْب وَهُوَ مُتَّحِد فَنَاسَبَ إِفْرَادهَا. بِخِلَافِ الأَعْمَال فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَة فَنَاسَبَ جَمْعهَا؛ وَلِأَنَّ النِّيَّة تَرْجِع إِلَى الإِخْلَاص وَهُوَ وَاحِد لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيك لَهُ.اهـ «الفتح» (1)
هل النية شرط لجميع الأعمال
قال الحافظ: ثمَّ لَفْظ العَمَل يَتَنَاوَل فِعْل الجَوَارِح حَتَّى اللِّسَان فَتَدْخُل الأَقْوَال.
قَالَ اِبْن دَقِيق العِيد: وَأَخْرَجَ بَعْضهمْ الأَقْوَال وَهُوَ بَعِيد، وَلَا تَرَدُّد عِنْدِي فِي أَنَّ الحَدِيث يَتَنَاوَلهَا. وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْل كَفّ لَكِنْ لَا يُطْلَق عَلَيْهَا لَفْظ العَمَل. وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي القَوْل عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَل اللِّسَان، بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَل عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا يَحْنَث. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِع اليَمِين إِلَى العُرْف، وَالقَوْل لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي العُرْف وَلِهَذَا يُعْطَف عَلَيْهِ.
وَالتَّحْقِيق أَنَّ القَوْل لَا يَدْخُل فِي العَمَل حَقِيقَة وَيَدْخُل مَجَازًا، وَكَذَا الفِعْل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ ﴾ بَعْد قَوْله: «زُخْرُف القَوْل». وَأَمَّا عَمَل القَلْب كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلهَا الحَدِيث لِئَلَّا يَلْزَم التَّسَلْسُل، وَالمَعْرِفَة: وَفِي تَنَاوُلهَا نَظَر.
قَالَ بَعْضهمْ: هُوَ مُحَال لِأَنَّ النِّيَّة قَصْد المَنَوِيّ، وَإِنَّمَا يَقْصِد المَرْء مَا يَعْرِف فَيَلْزَم أَنْ يَكُون عَارِفًا قَبْل المَعْرِفَة.اهـ «الفتح» (1)
تعيين النية
يجب تعيين النية فرضاً, أو نفلاً ظهرا, أو عصرا لتتميز عن غيرها؛ لأن الفريضة قد تكون نفلا كظهر الصبي والمعاداة, فتفتقر إلى ثلاثة أشياء:
الفعل, والتعيين, والفريضة, ولا يكفي الحضور عن النية بدليل أنه لم يغنِ عن نية المكتوبة, وقد يكون عليه صلوات فلا تتعين إحداهن بدون التعيين.
«المغني» (2/132) و«الغدة»(70)و«الشرح الممتع» (1/416)
تعيين النافلة
صلاة النافلة تنقسم إلى قسمين:
الأول معينة: كصلاة الاستسقاء, والتراويح, والوتر, والسنن الرواتب فتفتقر إلى تعيين.
الثاني مطلقة: كصلاة الليل وغيرها, فتجزء فيها نية الصلاة لا غير لعدم التعيين فيها. «المغني» (2/133)و«العدة» (ص70) و«الشرح الممتع» (1/417)
الجهر بالنية
قال شيخ الإسلام: والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين, بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة إذا فعل ذلك معتقدا أنه من الشرع, فهو جاهل ضال يستحق التعزير, وإلا العقوبة على ذلك إذا أصرعلى ذلك بعد تعريفه والبيان له, لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته, أو كرر ذلك مرة بعد مرة؛ فإنه يستحق التعزير البليغ على ذلك, ولم يقل أحد من المسلمين إن صلاة الجاهر بالنية أفضل من صلاة الخافت بها سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا.اهـ
«مجموع الفتاوى»(22/218)
التلفظ بها
قال شيخ الإسلام: وأما التلفظ بها سرا فلا يجب أيضا عند الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إن التلفظ بالنية واجب لا في طهارة ولا في صلاة ولا صيام ولا حج
ولا يجب على المصلي أن يقول بلسانه : أصلى الصبح ولا أصلي الظهر ولا العصر ولا إماما ولا مأموما ولا يقول بلسانه : فرضا ولا نفلا ولا غير ذلك بل يكفي أن تكون نيته في قلبه والله يعلم ما في القلوب
وكذلك نية الغسل من الجنابة والوضوء يكفي فيه نية القلب وكذلك نية الصيام في رمضان لا يجب على أحد أن يقول : أنا صائم غدا
باتفاق الأئمة : بل يكفيه نية قلبه
والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد أن يفعله فلا بد أن ينويه فإذا علم المسلم أن غدا من رمضان وهو ممن يصوم رمضان فلا بد أن ينوي الصيام فإذا علم أن غدا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة
وكذلك الصلاة : فإذا علم أن الصلاة القائمة صلاة الفجر أو الظهر وهو يعلم أنه يريد أن يصلي صلاة الفجر أو الظهر فإنه إنما ينوي تلك الصلاة لا يمكنه أن يعلم أنها الفجر وينوي الظهر
وكذلك إذا علم أنه يصلي إماما أو مأموما فإنه لا بد أن ينوي ذلك والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعا ضروريا إذا كان يعلم ما يريد [ أن ] يفعله فلا بد أن ينويه فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر امتنع أن يقصد غيرها ولو اعتقد أن الوقت قد خرج أجزأته صلاته باتفاق الأئمة
ولو اعتقد أنه خرج فنوى الصلاة بعد الوقت فتبين أنها في الوقت أجزأته الصلاة باتفاق الأئمة
وإذا كان قصده أن يصلي على الجنازة - أي جنازة كانت - فظنها رجلا وكانت امرأة صحت صلاته بخلاف ما نوى وإذا كان مقصوده أن لا يصلي إلا على من يعتقده فلانا وصلى على من يعتقد أنه فلان فتبين غيره فإنه هنا لم يقصد الصلاة على ذلك الحاضر
والمقصود هنا : أن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة : ولكن بعض المتأخرين خرج وجها في مذهب الشافعي بوجوب ذلك وغلطه جماهير أصحاب الشافعي وكان غلطه أن الشافعي قال : لا بد من النطق في أولها فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم وقالوا : إنما أراد النطق بالتكبير لا بالنية ولكن التلفظ بها هل هو مستحب ؟ أم لا ؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء
منهم من استحب التلفظ بها كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وقالوا : التلفظ بها أوكد واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج وغير ذلك
ومنهم من لم يستحب التلفظ بها كما قال ذلك من قاله من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما وهذا هو المنصوص عن مالك وأحمد سئل تقول قبل التكبير شيئا ؟ قال : لا
وهذا هو الصواب فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يقول قبل التكبير شيئا ولم يكن يتلفظ بالنية لا في الطهارة ولا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج ولا في غيرها من العبادات ولا خلفاؤه ولا أمر أحدا أن يتلفظ بالنية بل قال لمن علمه الصلاة :
كبر كما في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ] ولم يتلفظ قبل التكبير بنية ولا غيرها ولا علم ذلك أحدا من المسلمين ولو كان ذلك مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه و سلم ولعظمه المسلمون.
وكذلك في الحج إنما كان يستفتح الاحرام بالتلبية وشرع للمسلمين أن يلبوا في أول الحج وقال - صلى الله عليه و سلم - لضباعة بنت الزبير : [ حجي واشترطي فقولي : لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني ] فأمرها أن تشترط بعد التلبية
ولم يشرع لأحد أن يقول قبل التلبية شيئا لا يقول : اللهم إني أريد العمرة والحج ولا الحج والعمرة ولا يقول : فيسره لي وتقبله مني ولا يقول : نويتهما جميعا ولا يقول : أحرمت لله ولا غير ذلك من العبادات كلها ولا يقول قبل التلبية شيئا بل جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة
وكان هو وأصحابه يقولون : فلان أهل بالحج أهل بالعمرة أو أهل بهما جميعا كما يقال كبر للصلاة والإهلال رفع الصوت بالتلبية وكان يقول في تلبيته : [ لبيك حجا وعمرة ] ينوي ما يريد [ ان ] يفعله بعد التلبية لا قبلها
وجميع ما أحدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير وقبل التلبية وفي الطهارة وسائر العبادات فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي بدعة بل كان صلى الله عليه و سلم يداوم في العبادات على تركها ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين : من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل مما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم .اهـ
«مجمع الفتاوى»(22/219) والفتاوى الكبرى - (2 / 87)
استصحاب النية
الواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لاينوي قطعها, ولو ذهل عنها وعزبة عنه أثناء الصلاة لم يؤثر ذلك في صحتها, لأن التحرز من هذا غير ممكن , ولأن النية لا تعتبر حقيقتها في أثناء العبادة بدليل الصوم وغيره, ولحديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِذَا نُودِىَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِىَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِىَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى»أخرجه البخاري ومسلم. «المغني» (2/134)
من دخل في الصلاة بنية متردد
إذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها؛ لم تصح صلاته؛ لأن النية عزم جازم ومع التردد لايحصل الجزم, وإن تلبس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها أو خرج منها بطلت, وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لاتبطل بذلك؛ لأنها عبادة صح دخوله فيها فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج.
والقول الأول هو الراجح, ورجحه ابن قدامة؛ لأنه قطع حكم النية قبل إتمام صلاته ففسدة كما لو سلم ينوي الخروج منها, ولأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها بما حدث وفسدة بذهاب شرطها, وفارقت الحج فإنه لا يخرج منه بمحضوراته ولا بمفسداته بخلاف الصلاة.
فأما إن تردد في قطعها فقال أبو حامد: لاتبطل؛ لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا تزول بالشك والتردد كسائر العباداة, وهذا هو الراجح ورجحه العلامة العثيمين, لأن الأصل بقاء النية. «المغني» (2/134)و«الشرح الممتع» (1/419)
محل النية الواجبة في صلاة
تجب النية أثناء التكبير بحيث لا يخلو شيء من التكبير عنها, لقول الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾فـ«مخلصين» حال لهم في وقت العبادة.
ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير كالصوم, ولأن أولها من أجزائها يكفي استصحاب النية فيه كسائر أجزائها, ما لم يفسخ ذلك أو يكن ذلك قبل دخول الوقت فلم يجزئه , وهو ترجيح العثيمين.
«المغني» (2/136)و«العدة» (71)و«الشرح الممتع» (1/418)
تغيير النية أثناء الصلاة
إذا قلب منفرد فرضه إلى نفل في وقته المتسع جاز ذلك بشرط أن يكون الوقت متسعاً للصلاة, وهو ترجيح العلامة العثيمين وقال: فإن كان الوقت ضيقاً؛ بحيث لم يبقَ منه إلا مقدار أربع ركعات فإن هذا الانتقال لا يصحُّ؛ لأن الوقت الباقي تعيَّن للفريضة، وإذا تعيَّن للفريضة لم يصحَّ أن يشغله بغيرها، فإن فعل فإن النَّفْل يكون باطلاً؛ لأنه صَلَّى النَّفْل في وقت منهيٍّ عنه، كما لو صَلَّى النَّفل المطلق في أوقات النَّهي فإنه لا يصحُّ.اهـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه ووجه عند أحمد.
والانتقال من الفرض إلى النفل قد يكون مستحبا وذلك إذا كان يصلي منفردا وجاءت جماعة فينوي بذلك نفلا ثم يصلي جماعة.
وأما إن كان إماما أو مأموما فلا يجوز له, لأنه سيفوت الجماعة والجماعة واجبة؛ فلا ينتقل من الفرض إلى النفل ورجحه العلامة العثيمين.
وأما إن انتقل من فرض إلى فرض آخر, كأن يكون يصلي العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر بغير طهارة فنوى بها الظهر فتبطل صلاة العصر ولم تنعقد صلاة الظهر لأن الفرض الذي انتقل منه قد أبطله, والفرض الذي انتقل إليه لم ينوه من أوله, وهو ترجيح العلامة العثيمين.
وإذا انتقل من نفل إلى فرض بطل النفل لأنه قطعه, وبطل الفرض لأنه لم ينوه من أوله. وإذا انتقل من نفل معين إلى نفل معين؛ كأن ينتقل من نافلة العشاء مثلا إلى نافلة الوتر بطل النفلان, لأن العلة فيه كالعلة في الانتقال من فرض إلى فرض.
وإذا انتقل من فرض معين أو نفل معين إلى نفل مطلق صح بشرط أن يكون وقت الفرض متسعا؛ لأن المعين اشتمل على نيتين نية مطلقة ونية معينة فإذا أبطل المعينة بقي المطلقة. وإذا انتقل من نفل مطلق إلى نفل معين لم يصح.
«المغني» (2/135)و«الشرح الممتع» (1/421-422)
اختلاف نية الإمام والمأموم
اختلف العلماء في هذه المسألة فذهب طاوس, وعطاء, والأوزاعي, والشافعي وأحمد, وأبو ثور, وسليمان بن حرب, وابن المنذر, وداود, إلى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل, لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّى مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العِشَاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ.أخرجه البخاري (711)مسلم (465).
قال الإمام النووي: فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز صَلَاة المُفْتَرِض خَلْف المُتَنَفِّل لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي الفَرِيضَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْقُط فَرْضه، ثُمَّ يُصَلِّي مَرَّة ثَانِيَة بِقَوْمِهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّع لَهُمْ فَرِيضَة، وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْر مُسْلِم، وَهَذَا جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى وَآخَرِينَ، وَلَمْ يُجْزِهِ رَبِيعَة وَمَالِك، وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ الله عَنْهُمْ، وَالكُوفِيُّونَ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيث مُعَاذ رَضِيَ الله عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفُّلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِهِ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَدِيث مُعَاذ كَانَ فِي أَوَّل الأَمْر ثُمَّ نُسِخَ، وَكُلّ هَذِهِ التَّأْوِيلَات دَعَاوَى لَا أَصْل لَهَا فَلَا يُتْرَك ظَاهِر الحَدِيث بِهَا.اهـ
ولحديث أبي بكرة قَالَ صَلَّى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ العَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعًا وَلأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ»أخرجه أبو داود.
قال الشافعي في «الأم» والآخرة من هاتين للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة وللآخرين فريضة.
وأما المتنفل خلف المفترض فجائز أيضا, لحديث أبي ذر قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ الله «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا». قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى قَالَ «صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» أخرجه مسلم.
وحديث يزيد بن الأسود قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حَجَّتَهُ. قَالَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاَةَ الفَجْرِ فِى مَسْجِدِ الخَيْفِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِى آخِرِ المَسْجِدِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ «عَلَىَّ بِهِمَا». فَأُتِىَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا قَالَ «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا». قَالاَ يَا رَسُولَ الله قَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا فِى رِحَالِنَا. قَالَ «فَلاَ تَفْعَلاَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِى رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» أخرجه الترمذي وأحمد.
وتصح صلاة الفريضة خلف فريضة أخرى توافقها في العدد كظهر خلف عصر, وتصح فريضة خلف فريضة أقصر منها كأن يصلي الفجر خلف من يصلي الظهر, أو أكثر كأن يصلي العصر خلف من يصلي المغرب.
فإذا صلى الظهر خلف من يصلي المغرب, فهو مخير إذا جلس الإمام في التشهد الأخير بين انفصاله لأتمام ما عليه أو استمراره معه حتى يسلم الإمام ثم يقوم لأتمام صلاته قال النووي: والاستمرار أفضل.اهـ
وإن كان عدد ركعات المأموم أقل؛ فإذا أكمل المأموم صلاته وقام الإمام لما بقي عليه فالمأموم في الخيار فإن شاء فارقه وسلم وإن شاء انتضره ليسلم معه.
قال النووي: والأفضل انتظاره.
«المجموع» (4/118-119و120)و«شرح مسلم» (465)
صلاة من يتم خلف من يقصر
يجوز للمتم أن يصلي خلف من يقصر ثم يقوم ويتم صلاته, ويجوز لمن يقصر أن يصلي خلف من يتم ويتم مع الإمام ولايقصر, لحديث ابن عمر أنه«كان إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلها وحده صلى ركعتين» أخرجه مسلم (649), وحديث ابن عباس قيل له إنّ إذا كنا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين فقال تلك سنت أبي القاسم.أخرجه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في «الإرواء» (571).
ولو أدرك ركعتين مع اللإمام المقيم فكذلك يلزمه الإتمام, لحديث أبي مجلز قال قلت لابن عمر المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم –يعني المقيمين- أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم قال: «فضحك وقال يصلي بصلاتهم» أخرجه البيهقي (3/157) وصححه العلامة الألباني في «الإرواء» (571).
هل تشترط النية في القصر
قال شيخ الإسلام: ولم ينقل أحد عن أحمد أنه قال لا يقصر إلا بنية, وإنما هذا من قول الخرقى ومن تبعه, ونصوص أحمد وأجوبته كلها مطلقة فى ذلك كما قاله جماهير العلماء, وهو اختيار أبى بكر موافقة لقدماء الأصحاب كالخلال وغيره بل والأثرم وأبى داود وإبراهيم الحربى وغيرهم؛ فإنهم لم يشترطوا النية لا فى قصر ولا فى جمع, وإذا كان فرضه ركعتين فإذا أتى بهما أجزأه ذلك سواء نوى القصر أو لم ينوه, وهذا قول الجماهير كمالك وأبى حنيفة وعامة السلف وما علمت أحدا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان اشترط نية لا فى قصر ولا فى جمع ولو نوى المسافر الإتمام كانت السنة فى حقه الركعتين ولو صلى أربعا كان ذلك مكروها كما لم ينوه, ولم ينقل قط أحد عن النبى ﷺ أنه أمر أصحابه لا بنية قصر ولا نية جمع ولا كان خلفاؤه وأصحابه يأمرون بذلك من يصلى خلفهم مع أن المأمومين أو أكثره الظهر بالمدينة أربعا وصلى بهم العصر بذى الحليفة ركعتين وخلفه أمم لا يحصى عددهم إلا الله كلهم خرجوا يحجون معه وكثير منهم لا يعرف صلاة السفر إما لحدوث عهده بالاسلام وإما لكونه لم يسافر بعد لا سيما النساء صلوا معه ولم يأمرهم بنية القصر وكذلك جمع بهم بعرفة ولم يقل لهم إنى أريد أن أصلى العصر بعد الظهر حتى صلاها بهم لا يعرفون ما يفعله الإمام...اهـ «مجموع الفتاوى» (42/21و104)
ملخصا من كتابي الإلمام بأحكام ومسائل صفة صلاة النبي خير الأنام
تعليق