استحب جماعة من العلماء صلاة سنة قبل الجمعة منهم حبيب بن أبي ثابت والنخعي والثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وروي عن ابن مسعود وابن عمر وعزي للجمهور.
واستدلوا بما أخرجه أحمد (2/103) وأبو داود (1128) وابن خزيمة (1336) وابن حبان (2476) من طريق وهيب عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يفد إلى المسجد فيصلي ركعات يطيل في هن القيام فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال هكذا كان يفعل رسول الله ج وإسناده صحيح.
قال ابن رجب:
قال الحافظ: ذلك احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها وتعقب بأن قوله وكان يفعل ذلك عائد على قوله : $ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته# ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع ذلك أخرجه مسلم.
وأما قوله: كان يطيل الصلاة قبل الجمعة فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه و سلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم فى حديث سلمان وغيره حيث قال فيه ثم صلى ما كتب له.
وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا وفي إسناده ضعف.
وعن على مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره وقال الأثرم إنه حديث واه.
ومنها عن بن عباس مثله وزاد لا يفصل في شيء منهن أخرجه بن ماجة بسند واه.
قال النووي في الخلاصة إنه حديث باطل وعن بن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع ورواه عبد الرزاق عن بن مسعود موقوفا وهو الصواب .
وروى بن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه و سلم موقوفا نحو حديث أبى هريرة وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال أن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه و سلم سنة الجمعة والجواب عنه وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر في أواخر المواقيت.
وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه بن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة وسيأتي الكلام على بقية حديث بن عمر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى .اهـ
قلت : وما حرره الحافظ : لامزيد عليه والله أعلم فليس قبل الجمعة سنة راتبة.
قال الإمام ابن القيم :: وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه و سلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ولم يكن الأذان إلا واحدا وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه و سلم في الخطبة من غير فصل وهذا كان رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ! .
ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي .
والذين قالوا : إن لها سنة منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر وهذه حجة ضعيفة جدا فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها وتوافقها في الوقت وليس إلحاق مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى لأنها أكثر مما اتفقا فيه .
ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر وهو أيضا قياس فاسد فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين وليس في مسألتنا شئ من ذلك ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه و سلم فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة.
إلى أن قال: ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في صحيحه فقال : باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها : حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وقبل العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين وهذا لا حجة فيه ولم يرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شئ ؟ ثم ذكر الحديث أي : أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ولم يرد قبلها شئ .
وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين فإنه قال : باب الصلاة قبل العيد وبعدها وقال أبو المعلى : سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال الحديث فترجم للعيد مثل ما ترجم للجمعة وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها فدل على أن مراده من الجمعة كذلك
وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلا عن الظهر - وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها - دل على أن الجمعة كذلك وإنما قال : وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف بيانا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة وأنه بعد الانصراف وهذا الظن غلط منه لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله عنه : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها علم أنه لا سنة لها قبلها
ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة وجابر قال : جاء سليك الغطفاي ورسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فقال له : [ أصليت ركعتين قبل أن تجيء ؟ ] قال : لا قال : [ فصل ركعتين وتجوز فيهما ] وإسناده ثقات .
قال أبو البركات ابن تيمية : وقوله : قبل أن تجيء يدل عن أن هاتين الركعتين سنة الجمعة وليستا تحية المسجد قال : شيخنا حفيده أبو العباس : وهذا غلط والحديث المعروف في الصحيحين عن جابر [ قال : دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب فقال : أصليت قال : لا قال : فصل ركعتين وقال : إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ] فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة هذا معنى كلامه
وقال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي : هذا تصحيف من الرواة إنما هو أصليت قبل أن تجلس فغلط فيه الناسخ وقال : وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيحي البخاري ومسلم فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما قال : ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف .
قلت : ويدل على صحة هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإمام على المنبر واحتجوا به على من منع من فعلها في هذه الحال فلو كانت هي سنة الجمعة لكان ذكرها هناك والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد ويدل عليه أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد ولو كانت سنة الجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ولم يخص بها الداخل وحده...... ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها بما رواه ابن ماجه في سننه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل بينها في شئ منها قال ابن ماجه : باب الصلاة قبل الجمعة فذكره
وهذا الحديث فيه عدة بلايا إحداها : بقية من الوليد : إمام المدلسين وقد عنعنه ولم يصرح بالسماع
الثانية : مبشر بن عبيد المنكر الحديث وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شيخ كان يقال له : مبشر بن عبيد كان بحمص أظنه كوفيا روى عنه بقية وأبو المغيرة أحاديثه أحاديث موضوعة كذب وقال الدارقطني : مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها
الثالثة : الحجاح بن أرطاة الضعيف المدلس
الرابعة : عطية العوفي قال البخاري : كان هشيم يتكلم فيه وضعفه أحمد وغيره
وقال البيهقي : عطية العوفي لا يحتج به ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث والحجاح بن أرطاة لا يحتج به قال بعضهم : ولعل الحديث انقلب على بعض هؤلاء الثلاثة الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم فقال : قبل الجمعة أربعا وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح ونظير هذا : قول الشافعي في رواية عبد الله بن عمر العمري : للفارس سهمان وللراجل سهم قال الشافعي : كأنه سمع نافعا يقول : للفرس سهمان وللراجل سهم فقال : للفارس سهمان وللراجل سهم حتى يكون موافقا لحديث أخيه عبيد الله قال : وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم عبيد الله بن عمر على أخيه عبد الله في الحفظ
قلت : ونظير هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في حديث أبي هريرة لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط وأما الجنة : فينشئ الله لها خلقا فانقلب على بعض الرواة فقال : أما النار فينشئ الله لها خلقا
قلت : ونظير هذا حديث عائشة [ إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ] وهو في الصحيحين فانقلب على بعض الرواة فقال : ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال
ونظيره أيضا عندي حديث أبي هريرة [ إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ] وأظنه وهم - والله أعلم - فيما قاله رسوله الصادق المصدوق [ وليضع ركبتيه قبل يديه ] كما قال وائل بن حجر : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وقال الخطابي وغيره : وحديث وائل بن حجر أصح من حديث أبي هريرة وقد سبقت المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد لله.اهـ
المغني (3/250)، $ المجموع# (4/9)، $ الفتح# لابن رجب وابن حجر(937)، $ زاد المعاد# (1/231-239)