الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله _ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم _
فإنه مما لا شك فيه أن الحق أبلج و الباطل لجلج ولا يقوى الباطل أن يصمد أمام الحق كما لا يجسر الممحق على مجابهة المحق قال سبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } فاتخذ المبطلون لترويج بضاعاتهم الكاسدة وإشاعة أفكارهم الكاسدة عدة أساليب ممحقة لا تنفق على من نور الله أبصارهم وطهر سرائرهم فجملهم بطاعته وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فضلاً منه ورحمة والله يختص برحمته من يشاء
ومن تلكم الأساليب محاربة أهل الحق من وراء الكواليس والسعي في تشويههم وإلصاق التهم بهم وترويج الشبه وأنا سأذكر لك نماذجاً ممن سبق هؤلاء بما يصح أن يقال فيهم : أن شر سلف لأشر خلف ونسأل أن يكف بأسهم عن المسلمين عامة وعن أهل السنة خاصة ويرد كيدهم في نحورهم وإلى ما قصدناه :
مؤلفو رسائل إخوان الصفا وكتم أسمائهم :
جاء في خلاصة الأثر للمحبي _ رحمه الله _ وهو يتحدث عنهم :وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهباً زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز يرضوان الله تعالى وذلك أنهم قالوا إن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال فصنفوا خمسين رسالة في خمسين نوعاً من الحكمة ومقالة حادية وخمسين جامعة لأنواع المقالات على طريق الاختصار والإيجاز وسموها رسائل إخوان الصفا وكتموا فيها أسماءهم وبثوها في الوراقين ووهبوها لأكثر الناس فحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية والأمثال الشرعية والحروف المحتملة والطرق المموهة وهي محشوة من كل فن بلا اشباع ولا كفاية وفيها خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات فتعبوا وما طربوا وعنوا وما أغنوا ونسجوا فهلهلوا ومشطوا فغلغلوا وبالجملة فهي مقالات مشوقات غير مستقصاة ولا ظاهرة الأدلة والاحتجاج ولما كتم مصنفوها أسماءهم اختلف الناس في الذي وضعها فكل قوم قالوا قولاً بطريق الحدس والتخمين قوم قالوا هي من كلام بعض الأئمة العلويين وقال آخرون هي تصنيف بعض متكلمي المعتزلة في العصر الأول والله اعلم بحقيقة الحال انتهى ( 2/432)
ما يستفاد من هذا الكلام :
1ـ أن هؤلاء جاؤوا بطريقة جديدة وزعموا النصر لدين الله وأنه لا ينصر إلا بالفلسفة !
2ـ علموا بأن هذا لا يكون له ترويج إلا بالسجع والكلمات المعسولات الفارغات
3ـ شعروا بأن أهل الحق لا يتركونهم فعمدوا إلى إخفاء أسمائهم
4ـ أتعبوا من بعدهم بالبحث عن أسمائم وتعيينهم لأن مثل هذا لا يصدر إلا عن مدسوس كحال هؤلاء ومن ثم اختلفوا في من ألفه إلى أقوال :
1ـ هي من أقوال بعض العلويين _ لأن مثل هذا لا يصدر إلا عن الرافضة المارقة الفاجرة الآثمة _
2ـ أنها لبعض متكلمي المعتزلة من العصر الأول
3ـ ومنهم من نسبها إلى جعفر الصادق وهذا ما نفاه ابن حجر المكي وحاشاه
4ـ مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي ويقال المرجيطي ومجريط بن قرى الأندلس وهذا رجحه ابن حجر المكي
5ـ ومنهم من قال : والله اعلم بحقيقة الحال
ويا ترى ما سبب هذا كله فمما جاء في ما تقدم : ولما كتم مصنفوها أسماءهم اختلف الناس في الذي وضعها فكل قوم قالوا قولاً بطريق الحدس والتخمين اهـ
فهنيئاً لكل مجهول أن يكون سلفه أمثال هؤلاء
والعجيب أن كلا من هؤلاء الحمقى يعرفون كيف تنتشر أفكارهم فأولئك عمدوا إلى الوراقين وهؤلاء هرعوا إلى الإنترنت شيخ مشايخ المجاهيل !!
أنموذج آخر لسلف المجاهيل
محمد بن أبي بكر السكاكيني المعتزلي من حقد هذا الفاجر المعتزلي أن عمل قصيدة في التشكيك بالقدر على لسان ذمي.
قال الحافظ _ رحمه الله _ وهو ينقال كلام الأئمة في الثناء على شيخ الإسلام كما في الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة - (ج 1 / ص 50)
وكان من أذكياء العالم وله في ذلك أمور عظيمة منها أن محمد بن أبي بكر السكاكيني عمل أبياتاً على لسان ذمي في إنكار القدر وأولها:
أيا علماء الدين ذمي دينكم ... تحير دلوه بأعظم حجة
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني فما وجه حيلتي
فوقف عليها ابن تيمية فثنى إحدى ركبتيه على الأخرى وأجاب في مجلسه قبل أن يقوم بمائة وتسعة عشر بيتاً أولها:
سؤالك يا هذا سؤال معاند ... مخاصم رب العرش باري البرية اهـ
فهذا الفاجر كما ترى أراد أن يبث الشبه فما وجد وسيلة إلى ذلك إلا أن يحارب الإسلام على لسان ذمي فقيض الله له من يفضحه والأرض لا تخلو من قائم لله بحجة
فهذان أنموذجان لسلف المجاهيل المداسيس فهنيئاً لهم ونبشرهم بالإفلاس كما أفلس سلفهم ولا نأسى عليهم وإنما نأسى على من كان يحاربهم بالأمس واليوم رضي بأن يكونوا من خواصه والمتكلمين بلسانه والمحامين عنه والله المستعان وعليه التكلان
كتبه أبو عيسى علي بن رشيد العفري
تعليق