• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إعلام الأجيال بقبح من ترك الحق تعصباً للرجال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إعلام الأجيال بقبح من ترك الحق تعصباً للرجال

    إعلام الأجيال بقبح من ترك الحق تعصباً للرجال

    حسام بن مصطفى المصري
    الملفات المرفقة

  • #2
    إعلام الأجيال بقبح من ترك الحق
    تعصباً للرجال


    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة

    إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران :102] .
    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء:1] .
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب : 70-71] .
    أما بعد :
    فإن الانقياد للدليل والتمسك به وعدم العدول عنه لأراء الرجال أمر قد حث الشرع عليه ورغب فيه ، والناظر في هذه الآونة يرى خلاف ذلك ، فنرى أناس أنكروا ورفضوا قبول الحق ونصرة أهله على حساب التقليد والتعصب للرجال والسعي في الفرقة فأناخوا أعناقهم للشيطان فكبلهم واستعملهم في نصرته ونصرة الباطل وأهله .
    وهذه رسالة أوردت فيها منهج السلف في التمسك بالدليل والاستسلام له وذم من اتبع هواه وتعصب وانقاد له وترك الحق وحارب أهله، فنسأل الله أن ينفع به الإسلام والمسلمين.

    كتبه : حسام بن مصطفى المصري
    22/من رمضان /1432هـ






    التعصب ومعناه



    التعصب لغة :
    قال ابن منظور في [لسان العرب] : العَصْبُ الطيُّ الشديدُ وعَصَبَ الشيءَ يَعْصِبُه عَصْباً طَواه ولَواه وقيل شَدَّه والعِصابُ والعِصابةُ ما عُصِبَ به وعَصَبَ رأْسَه وعَصَّبَه تَعْصيباً شَدَّه واسم ما شُدَّ به العِصابةُ وتَعَصَّبَ أَي شَدَّ العِصَابةَ والعِصابةُ العِمامةُ منه والعَمائمُ يقال لها العَصائبُ .
    قال الفرزدق :
    وَرَكبَ كأَنَّنَّ الرِّيحَ تطلُبُ منهُم ... لها سَلَباً من جّبذبِها بالعَصائبِ
    أي تَنْقُضُ لَيُّ عمائمهم من شِدّتها فكأنها تسلُبهم إياها وقد اعتصَبَ بها والعِصابة العمامة وكلُّ ما يُعَصّبُ به الرأسُ .
    التعصب اصطلاحاً :
    قال ابن منظور في [لسان العرب ]: التَّعَصُّبُ: من العَصَبِيَّة. و العَصَبِيَّةُ : أَن يَدْعُوَ الرجلَ إِلى نُصْرةِ عَصَبَتِه والتَّأَلُّبِ معهم على من يُناوِئُهُم ظالمين كانوا أَو مظلومين . وقد تَعَصَّبُوا عليهم إِذا تَجَمَّعُوا فإِذا تجمعوا على فريق آخر قيل : تَعَصَّبُوا . وفي الحديث : العَصَبِيُّ مَنْ يُعِين قومَه على الظُّلْم . العَصَبِيُّ هو الذي يَغْضَبُ لعَصَبتِه ويُحامي عنهم .
    والعَصَبةُ : الأَقارِبُ من جهة الأَب لأَنهم يُعَصِّبونه و يَعْتَصِبُ بهم أَي يُحِيطُون به ويَشْتَدُّ بهم . وفي الحديث : ليس مِنَّا من دَعا إِلى عَصَبِيَّةٍ أَو قاتَلَ عَصَبِيَّةً . العَصَبِيَّةُ و التَّعَصُّبُ : المُحاماةُ والمُدافعةُ : و تَعَصَّبْنا له ومعه : نَصَرناه .اهـ
    وقال في [تاج العروس] : والتَّعَصُّبُ : المُحَامَاةُ والمُدَافَعَة . وتَعَصَّبْنَا له ومَعَه : نَصْرْنَاه . تَعَصَّبَ : تَقَنَّعَ بالشِّيْءِ ورَضِيَ بِهِ كاعْتَصَبَ بِهِ .اهـ
    ومن هنا نستطيع أن نستخلص مما مر أن التعصب يكون لشيء ما أو لفئة ما أو لشخص ما تعظيماً له بدون حق ودليل ، فيقف ويتصلب أمام الحق ويحاربه لمجرد الانتصار لشخص ما .






    التعصب قسمان

    تعصب مذموم ، وتعصب محمود ( وإن شئت قل تمسك محمود )

    أولاً: التعصب المحمود : وهو أن يتمسك الإنسان وينحاز ويتجرد ويدافع ويناضل عن الحق بدليله ، ويكون هذا منوطاً بالإتباع والاعتصام بالكتاب والسنة .
    قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين}[الأعراف:170] .
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : أي بالتوراة أي بالعمل بها يقال : مسك به وتمسك به أي استمسك به وقرأ أبو العالية وعاصم في رواية أبي بكر يمسكون بالتخفيف من أمسك يمسك والقراءة الأولى أولى لأن فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك بكتاب الله تعالى وبدينه فبذلك يمدحون فالتمسك بكتاب الله والدين يحتاج إلى الملازمة والتكرير لفعل ذلك وقال كعب بن زهير :
    ( فما تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما تمسك الماء الغرابيل ) .اهـ
    وقال سبحانه و تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون }[الأعراف:3] .اهـ
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : يعني الكتاب والسنة قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [ الحشر : 7 ] ، وقالت فرقة : هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن وأحلوا حلاله وحرموا حرامه وامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص .اهـ
    وقال تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة} [ مريم : 12 ] .
    قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى وهو القيام بما فيه كما ينبغي وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه ثم أكده بقوله : { بِقُوَّة } أي بجد وعزيمة واجتهاد .اهـ
    وقال سبحانه وتعالى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }[الأنعام :153] .
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم فإنه لما نهى وأمر حذر هنا عن اتباع غير سبيله فأمر فيها باتباع طريقه على ما نبينه بالأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف.
    وقال سبحانه وتعالى : { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون }[البقرة :38] .
    قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : { فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ }: أي من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }: أي فيما يستقبلونه من أمر الآخرة { وَلا هُمْ يَحْزَنُون } : على ما فاتهم من أمور الدنيا كما قال في سورة طه { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } .
    قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } كما قال هاهنا { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون }: أي مخلدون فيها لا محيد لهم عنها ولا محيص .
    وقال سبحانه وتعالى : {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }[آل عمران : 173-174] .
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله – عند الآية : قوله تعالى : { فَزادَهُمْ إِيماناً } أي فزادهم قول الناس إيمانا أي تصديقا ويقينا في دينهم وإقامة على نصرتهم وقوة وجراءة واستعدادا فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال .
    وقال سبحانه وتعالى : { يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ }[المائدة :15-16] .
    وقال سبحانه وتعالى : {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ}[الأنعام :50] .
    وقال سبحانه وتعالى : {اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين }[الأنعام :106] .
    وقال سبحانه وتعالى : { وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيم}[يونس :15] .
    وقال سبحانه وتعالى : {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون }[الجاثية :18] .

    عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا، ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: «هذه سبل» قال يزيد: متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}» . حديث حسن
    عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب فقال: «أمتهوّكون فيها يابن الخطّاب؟ والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به، والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى صلّى الله عليه وسلّم كان حيّا ما وسعه إلّا أن يتبعني» .حديث حسن
    عن يزيد بن حيّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا، ومالا فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي ... ».مسلم
    عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» . صحيح لغيره
    عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: «يا معشر القرّاء! استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» . البخاري
    قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّنّة، والّذي لا إله إلّا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقى:الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا» . إغاثة اللهفان[1/70].
    قال محمّد بن سيرين – رحمه الله - : كانوا يرون أنّه على الطّريق ما كان على الأثر.

    من يَتَحَرَّ الخيرَ يُعْطَهُ :
    فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنة في كل شيء من ذلك، ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوعه من السنن، فإنه من يَتَحَرَّ الخيرَ يُعْطَهُ، ومن يتوقَّ الشرَّ يُوقَهُ.[اقتضاء الصراط]







    دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقاً:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في سياق الكلام على كتم العلم : وهذا قد يبتلى به طوائف من المنتسبين إلى العلم فإنهم تارة يكتمون العلم بخلا به، وكراهة لأن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضا عنه برئاسة أو مال، فيخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة، أو اعتزى إلى طائفة قد خولفت في مسألة، فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مبطل.
    ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
    وليس الغرض تفصيل ما يجب أو يحتسب في ذلك بل الغرض التنبيه على مجامع يتفطن اللبيب بها لما ينفعه الله به.
    وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: 91] بعد أن قال: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89].
    فوصف اليهود: بأنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به، والداعي إليه. فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له. وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.
    وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم، أو الدين، من المتفقهة، أو المتصوفة و غيرهم. أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين - غير النبي صلى الله عليه وسلم - فإنهم لا يقبلون من الدين رأيا ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم، مع أن دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقا: رواية ورأيا من غير تعيين شخص أو طائفة - غير الرسول صلى الله عليه وسلم - .اهـ [اقتضاء الصراط]

    {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}:
    إن من لم يعلم الحق، فهو جاهل جهلا بسيطا، فإن اعتقد خلافه، فهو جاهل جهلا مركبا، فإن قال خلاف الحق عالما بالحق، أو غير عالم فهو جاهل أيضا كما قال تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] . [اقتضاء الصراط]
    المعرض عن الحق أعمى القلب :
    من أعرض عَن اتِّبَاع الْحق الَّذِي يُعلمهُ تبعا لهواه فَإِن ذَلِك يورثه الْجَهْل والضلال حَتَّى يعمى قلبه عَن الْحق الْوَاضِح كَمَا قَالَ تَعَالَى في سورة الصَّفّ { فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم } .[التحفة العراقية]
    فلما كان الأمر كذلك وجب الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما ونبذ ما سواهما من الأهواء وأراء الرجال مهما بلغوا من علم، فالحق أقوى من الرجال ، والحق أحق أن يتبع .









    الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة وعدل

    والاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما والاجتماع عليهما وعدم التفرق طريق النجاة في الدنيا والآخرة، وفي تطبيقهما يحصل العدل وعدم الجور ، وفي نبذهما يحصل الجور والظلم والبغي ؛ لأن ذلك لا يكون إلا تبعاً للتعصب والهوى .

    الاعتصام نوعان :
    اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله. قال الله تعالى:
    {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران/ 103) ، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج/ 78) .
    ومدار السّعادة الدّنيويّة والأخرويّة: على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله، ولا نجاة إلّا لمن تمسّك بهاتين العصمتين.
    فأمّا الاعتصام بحبله: فإنّه يعصم من الضّلالة، والاعتصام به: يعصم من الهلكة، فإنّ السّائر إلى الله كالسّائر على طريق نحو مقصده، فهو محتاج إلى هداية الطّريق. والسّلامة فيها، فلا يصل إلى مقصده إلّا بعد حصول هذين الأمرين له. فالدّليل كفيل بعصمته من الضّلالة، وأن يهديه إلى الطّريق، والعدّة والقوّة والسّلاح الّتي بها تحصل له السّلامة من قطّاع الطّريق وآفاتها.
    فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية وإتباع الدّليل.
    والاعتصام بالله يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح، والمادّة الّتي يستلئم بها في طريقه. ولهذا اختلفت عبارات السّلف في الاعتصام بحبل الله، بعد إشارتهم كلّهم إلى هذا المعنى.
    فقال ابن عبّاس: تمسّكوا بدين الله.
    وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: «عليكم بالجماعة، فإنّها حبل الله الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير ممّا تحبّون في الفرقة»
    وقال مجاهد وعطاء «بعهد الله» وقال قتادة والسّدّيّ وكثير من أهل التّفسير: «هو القرآن» .
    وقال مقاتل: بأمر الله وطاعته، ولا تفرّقوا كما تفرّقت اليهود والنّصارى.
    قال صاحب المنازل: الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته مراقباً لأمره.
    ويريد بمراقبة الأمر: القيام بالطّاعة لأجل أنّ الله أمر بها وأحبّها، لا لمجرّد العادة، أو لعلّة باعثة سوى امتثال الأمر، كما قال طلق بن حبيب في التّقوى: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
    فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل، والله أعلم.
    وأمّا الاعتصام به: فهو التّوكّل عليه، والامتناع به، والاحتماء به، وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه، ويعصمه ويدفع عنه، فإنّ ثمرة الاعتصام به: هو الدّفع عن العبد، والله يدافع عن الّذين آمنوا، فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كلّ سبب يفضي به إلى العطب، ويحميه منه، فيدفع عنه الشّبهات والشّهوات، وكيد عدوّه الظّاهر والباطن، وشرّ نفسه، ويدفع عنه موجب أسباب الشّرّ بعد انعقادها، بحسب قوّة الاعتصام به وتمكّنه، فتفقد في حقّه أسباب العطب، فيدفع عنه موجباتها ومسبّباتها.[مدارج السالكين]
    قال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُور }[لقمان :22] .
    و قال سبحانه وتعالى : {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ }[الزخرف :43] .
    الشريعة كسفينة نوح عليه السلام :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : وكل من دعا إلى شيء من الدين بلا أصل من كتاب الله وسنة رسوله فقد دعا إلى بدعة وضلالة، والإنسان في نظره مع نفسه ومناظرته لغيره إذا اعتصم بالكتاب والسنة هداه الله إلى صراطه المستقيم، فإن الشريعة مثل سفينة نوح عليه السلام، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وقد قال تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه } [الأنعام: 135] ، وقال تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } [الأعراف: 3] .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : وأنفع ما للإنسان: الاعتصام بالكتاب والسنة، فإن السنة مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ثم إن رزقه الله بصيرة، وكشف له الحقائق؛ يتبين له ببصائر الإيمان وحقائقه ما يصدق الشريعة الظاهرة، وأن الله هدى الخلق بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، وفرق به بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، والحق والباطل، وطريق الجنة وطريق النّار، وبين أوليائه وأعدائه .[ قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق].
    قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - : وَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِهِ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَالِامْتِنَاعُ بِهِ، وَالِاحْتِمَاءُ بِهِ، وَسُؤَالُهُ أَنْ يَحْمِيَ ال ْعَبْدَ وَيَمْنَعَهُ، وَيَعْصِمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُ، فَإِنَّ ثَمَرَةَ الِاعْتِصَامِ بِهِ هُوَ الدَّفْعُ عَنِ الْعَبْدِ، وَاللَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فَيَدْفَعُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا اعْتَصَمَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْعَطَبِ، وَيَحْمِيهِ مِنْهُ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَكَيْدَ عَدُوِّهِ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، وَشَرَّ نَفْسِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَ أَسْبَابِ الشَّرِّ بَعْدَ انْعِقَادِهَا، بِحَسَبِ قُوَّةِ الِاعْتِصَامِ بِهِ وَتَمَكُّنِهِ، فَتُفْقَدُ فِي حَقِّهِ أَسْبَابُ الْعَطَبِ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَاتِهَا وَمُسَبِّبَاتِهَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ قَدَرَهَ بِقَدَرِهِ، وَإِرَادَتَهُ بِإِرَادَتِهِ، وَيُعِيذُهُ بِهِ مِنْهُ.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : وقد أمرَ في كتابه بالاعتصامٍ بحبله جميعًا، ونهى عن التفرق والاختلاف، وأمر أن نكون شيعة واحدةً لا شِيَعًا متفرقين. وقال الله تعالى في كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }. فجعلَ المؤمنين إخوةً، وأمرَ بالإصلاحِ بينهم بالعدل مع وجود الاقتتال والبغي.
    وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تَدَاعَى له سائرُ الجَسَدِ بالحُمَّى والسَّهَر" . وقال: "المؤمن للمؤمن كالبُنيانِ يَشُدُّ بعضُه بعضًا"، وشَبَّكَ بين أصابعِه .
    فهذه أصولُ الإسلام التي هي الكتاب والحكمة والاعتصام بحبل الله جميعًا، على أهل الإيمانِ الاستمساكُ بها. [جامع المسائل لابن تيمية]
    وقال – رحمه الله - : ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من السماء، كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [البقرة: 213] .
    وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .
    وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [آل عمران: 102، 103] .[ درء تعارض العقل والنقل ]
    فترك الاعتصام بالكتاب والسنة مآله إلى التخبط والجنوح عن الطريق الصحيح ، والوقوع في الجور والظلم للمسلمين ؛ لأنه ما جنح عن هذا الطريق إلا لتغليب رأي أو هوى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو التعصب المذموم .




    ثانياً: التعصب المذموم
    وهذا التعصب مذموم لأنه تعصب بغير حجة ولا برهان، بل لمجرد التقليد والهوى والانتصار للأشخاص فحسب.
    التعصب خلق ذميم :
    التعصب لهَذَا الْعَالم دون هَذَا الْعَالم وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِك غَالِبا من هوى النَّفس فَيكون حِينَئِذٍ قد جبل على خلق ذميم وَلَو ادّعى أَنه جبل على اتِّبَاع الْحق .[الاتباع] لابن أبي العز
    قال العلامة ابن باز – رحمه الله – في رسالة [التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة] : وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه إنه سبحانه خير مسئول.




    بئس الثوبان التعصب والجهل :

    قال ابن القيم: في [نونيته]
    وتعر من ثوبين من يلبسهــما ... يلقى الــردى بمـذلة وهوان

    ثوب من الجهل المركب فوقه ... ثوب التعصب بئست الثوبان

    وتحل بالانصاف أفخر حـلة ... زينت بها الأعطاف والكتفان

    قال العلامة ابن باز – رحمه الله - : ولا يجوز أبدا التعصب لزيد أو عمرو، ولا لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية، كل هذا من الأخطاء الجديدة، التي وقع فيها كثير من الناس.
    فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال، وعند اختلاف أهل العلم ينطر في أقوالهم، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.اهـ [مجموع فتاوى العلامة ابن باز ]
    الذنب في انخذال الحق أمام الباطل لا يرجع إلى الحق
    إن الذنب في انخذال الحق أمام الباطل لا يرجع إلى الحق نفسه فهو لا يخذل أنصاره وإنما يرجع إلى جهل الناس بحقيقته وحملهم له على غير محمله – على حسب ما تهوى الأنفس - و عدم وثوقهم بقوته – زعموا - وخيانته لأمانته فلو أنهم علموا حقيقته حقا – تجرداً للدليل - وحملوه على محمله ووثقوا بقوته و أدوا أمانته فهل ينخذل بهم أمام الباطل؟ كلا !
    أحوال الناس في تجاذب الباطل على أنه حق
    منهم من يلبسون به أهواءهم ويسمونها باسم الحق ويذهبون في ذلك إلى أن يجعلوا شعار الحق موافقته لأهوائهم، والباطل مخالفته لها، فيندفعون وراءها اندفاعهم وراء الحق، ويذودون عنها ذودهم عن الحق بكل ما كلفهم من الوسائل و الغرض الحقيقي من ذلك كله هو شيء خلاف هذا، و هو اقتناصهم باسم الحق شيئا من متاع الدنيا عندما فاتهم نواله بغير تلك الوسيلة الفعالة.
    ومنهم من يلبسون به الشخصيات و يقمصون بقميصه شيوخهم أو رؤساءهم فيظهرون ذواتهم، في مظهر الحق ويحمونها حمايتهم للحق بل يتخذونها شعارا له فيميلون مع ظلها حيث مال، ويطبعون كلماتهم و آراءهم ومبادئهم بطابع، على عكس القاعدة المأثورة [يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال] فيضلون و يضلون شعوبا و أمما لأجل ماذا لنقطة واحدة إلا و هي تنزيه فلان عن الغلط، و جعله كوحدة لوزن الحق من الباطل وهو كسائر البشر غير المعصومين.
    و منهم من يعرف الحق و آثاره و الباطل و أضراره، و لكن يصبغ أحدهما بصبغة الآخر بأساليب خلابة من الفصاحة و البيان، تعمية و تضليلا للناس لحاجات في نفسه.
    و منهم من يعرفهما و يصر على الباطل عمدا، لا لشيء إلا لأنه قال به و صعب عليه الرجوع فيه، وظهوره أمام الناس في مظهر المخطئ أو لأنه قال بالحق فلان، ويأبى هو إلا مخالفته مكابرة و عنادا.
    ومنهم من يعرف الحق حقا و الباطل باطلا ولكن لضعف نفسه و قلة يقينه بربه واستقلال أصحاب الحق و استكثار أصحاب الباطل تراه يهرول وراء الآخرين جريا مع السواد الأعظم فيخالف ضميره، و يعق وجدانه، طمعا في منزلة و استئناسا بجموعه، و هروبا من الأقلية واستيحاشا بقلتهم.
    و هنالك قسم كبير من الناس يستصغرون صولة الحق، ويستضعفون سطوته، فيلبسونه لباس القوة المادية [سواء كانت معارف أو وساطات أو أموال ...الخ] ويجعلون شعاره تلك القوة وشعار الباطل التجرد منها، ويرون أن كل ما يفعله القوي هو الحق وما يدعه هو الباطل، فيجرون وراءه ويتقصون آثاره شبرا بشبر وذراعا بذراع، ويدخلون مداخله غارا بغار وجحرا بجحر، يلحد فيلحدون، يستهتر فيستهترون، يستحسن فيستحسنون، يستقبح فيستقبحون، يقبل فيقبلون، يدبر فيدبرون، وهكذا يقلدونه في جميع أحواله و مظاهره، كما تقلد القردة سيدها في سائر ألعابه.
    حفاء الفرق بين الصولتين
    و قد خفى عليهم الفرق بين الصولتين صولة القوة المادية الباقية ببقائها و الفانية بفنائها، و صولة الحق الدائمة بدوامها إلى الأبد، فألبسوا الأولى لباس الثانية فضلوا وأضلوا، ولو أنهم علموا أن صولة القوة وإن ظهرت في رأي العين عتيدة فإنها لا تلبث أن تزول و تذوب، و أن قوة الحق و إن ظهرت في حد ذاتها ضئيلة فإنها لا تزال حية باقية تعمل عملها حتى تصرع الأولى فتتغلب عليها.
    قال الإمام الشاطبي – رحمه الله - : إن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي
    المطلوب شرعا، ضلال، وإن الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لا غيره.
    وقال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله - : إن في التقليد إبطال منفعة العقل، لأنه خلق للتدبر والتأمل،
    وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ليس لأحد أن ينصب شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها
    غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه
    ويعادي غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة؛ بل هذا من فعل
    أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون بين الأمة،
    ويوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون .

    وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في [أدب الطلب] : فَإِن وطنت نَفسك أَيهَا الطَّالِب على الْإِنْصَاف وَعدم التعصب لمَذْهَب من الْمذَاهب وَلَا لعالم من الْعلمَاء بل جعلت النَّاس جَمِيعًا بِمَنْزِلَة وَاحِدَة فِي كَونهم منتمين إِلَى الشَّرِيعَة مَحْكُومًا عَلَيْهِم بِمَا لَا يَجدوا لأَنْفُسِهِمْ عَنْهَا مخرجا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ تحولا فضلا عَن أَن يرتقوا إِلَى وَاحِد مِنْهُم أَو يلْزمه تَقْلِيده وقبوله قَوْله فقد فزت بأعظم فَوَائِد الْعلم وربحت بأنفس فرائده .اهـ
    الْأَسْبَاب الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْبعد عَن الْحق والتعصب
    وَاعْلَم أَن سَبَب الْخُرُوج عَن دَائِرَة الْإِنْصَاف والوقوع فِي موبقات التعصب كَثِيرَة جدا فَمِنْهَا :
    النشوء فِي بلد متمذهب بِمذهب معِين
    وَهُوَ أَكْثَرهَا وقوعا وأشدها بلَاء أَن ينشأ طَالب الْعلم فِي بلد من الْبلدَانِ الَّتِي قد تمذهب أَهلهَا بِمذهب معِين وَاقْتَدوا بعالم مَخْصُوص وَهَذَا الدَّاء قد طبق فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَعم أَهلهَا وَلم يخرج عَنهُ إِلَّا أَفْرَاد قد يُوجد الْوَاحِد مِنْهُم فِي الْمَدِينَة الْكَبِيرَة وَقد لَا يُوجد لِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين ألفوا هَذِه الْمذَاهب قد صَارُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا هِيَ الشَّرِيعَة وَأَن مَا خرج عَنْهَا خَارج عَن الدّين مباين لسبيل الْمُؤمنِينَ (كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ) فَأهل هَذَا الْمَذْهَب يَعْتَقِدُونَ أَن الْحق بِأَيْدِيهِم وَأَن غَيرهم على الْخَطَأ والضلال والبدعة وَأهل الْمَذْهَب الآخر يقابلونهم بِمثل ذَلِك وَالسَّبَب أَنهم نشأوا فوجدوا آبَاءَهُم وَسَائِر قراباتهم على ذَلِك وَرَثَة الْخلف عَن السّلف وَالْآخر عَن الأول وانضم إِلَى ذَلِك قصورهم عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق بِسَبَب التَّغْيِير الَّذِي ورد عَلَيْهِم مِمَّن وجدوه قبلهم .
    وَإِذا وجد فيهم من يعرف الْحق فَهُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن ينْطق بذلك مَعَ أخص خواصه وَأقرب قرَابَته فضلا عَن غَيره لما يخافه على نَفسه أَو على مَاله أَو على جاهه بِحَسب اخْتِلَاف الْمَقَاصِد وتباين العزائم الدِّينِيَّة فَيحصل من قصورهم مَعَ تغير فطرهم بِمن أرشدهم إِلَى الْبَقَاء على مَا هم عَلَيْهِ وَأَنه الْحق وخلافه الْبَاطِل وسكوت من لَهُ فطنة ولدينه عرفان وَعِنْده إنصاف عَن
    تعليمهم معالم الْإِنْصَاف وهدايتهم إِلَى طرق الْحق مَا يُوجب جمودهم على مَا هم عَلَيْهِ واعتقادهم أَن الْحق مَقْصُور عَلَيْهِ منحصر فِيهِ وَأَن غَيره لَيْسَ من الدّين وَلَا هُوَ من الْحق فَإِذا سمع عَالما من الْعلمَاء يُفْتى بِخِلَافِهِ أَو يعْمل على مَا لَا يُوَافقهُ اعْتقد أَنه من أهل الضلال وَمن الدعاة إِلَى الْبِدْعَة وَهَذَا إِذا عجز عَن إِنْزَال الضَّرَر بِهِ بِيَدِهِ أَو لِسَانه فَإِن تمكن من ذَلِك فعله مُعْتَقدًا أَنه من أعظم مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله ويدخره فِي صَحَائِف حَسَنَاته ويتأجر الله .
    وَهَذَا مَعْلُوم لكل أحد وَقد شاهدنا مِنْهُ مَالا يَأْتِي عَلَيْهِ حصر وَلَا تحيط بِهِ عبارَة بل قد بلغ هَذَا المتعصب فِي معاداة من يُخَالِفهُ إِلَى حد يُجَاوز بِهِ عدواته للْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَو علم المخدوع الْمَغْرُور بِأَن سَعْيه ضلال وَعَمله وبال وَأَنه من (الأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا) لأقصر عَن غوايته وأرعوى عَن بعض جَهله لكنه جهل قدر نَفسه وخسران سَعْيه وتحامي غَيره من أهل الْمعرفَة والفهم إرشاده إِلَى الْحق وتنبيهه على فَسَاد مَا هُوَ فِيهِ مَخَافَة على نَفسه مِنْهُ وَمِمَّنْ يشابهه فِي ذَلِك فتعاظم الْأَمر وَعم الْبلَاء وتفاقم الْأَمر وَعم الضَّرَر .
    وَلَو نظر ذَلِك المتعصب بِعَين الْإِنْصَاف وَرجع إِلَى عقله وَمَا تَقْتَضِيه فطرته الْأَصْلِيَّة لكف عَن فعله وأقصر عَن غيه وجهله وَلكنه قد حيل بَينه وَبَين ذَاك وَفرغ الشَّيْطَان مِنْهُ إِلَّا من عصم الله وَقَلِيل مَا هم .
    وَهَكَذَا صَاحب الْمعرفَة وحامل الْحجَّة وثاقب الْفَهم لَو وَطن نَفسه على الْإِرْشَاد وَتكلم بِكَلِمَة الْحق وَنصر الله سُبْحَانَهُ وَنصر دينه وَقَامَ فِي تَبْيِين مَا أمره الله بتبيينه لحمد مسراه وشكر عاقبته وَأرَاهُ الله سُبْحَانَهُ من بَدَائِع صنعه وعجائب وقايته وَصدق مَا وعد بِهِ من قَوْله (ولينصرن الله من ينصره) (إِن تنصرُوا الله ينصركم وَيثبت أقدامكم) مَا يزِيده ُثباتا ويشد من عضده ويقوى قلبه فِي نصْرَة الْحق ومعاضدة أَهله .
    وَمن تَأمل الْأَمر كَمَا يَنْبَغِي عرف أَن كل قَائِم بِحجَّة الله إِذا بَينهَا للنَّاس كَمَا أمره الله وصدع بِالْحَقِّ وَضرب بالبدعة فِي وَجه صَاحبهَا وألقم المعتصب حجرا وأوضح لَهُ مَا شَرعه الله لِعِبَادِهِ وَأَنه فِي تمسكه بمحض الرَّأْي مَعَ وجود الْبُرْهَان الثَّالِث عَن صَاحب الشَّرْع كخابط عشواء وراكب العمياء فَإِن قبل مِنْهُ ظفر بِمَا وعده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأجر فِي حَدِيث لِأَن يهدى الله بك رجلا الحَدِيث وَإِن لم يقبل مِنْهُ كَانَ قد فعل مَا وَجب الله عَلَيْهِ وخلص نَفسه من كتم الْعلم الَّذِي أمره الله بإفشائه وَخرج من ورطة أَن يكون من الَّذين يكتمون مَا أنزل الله من الْبَينَات وَالْهدى وَدفع الله عَنهُ مَا سولته لَهُ نَفسه الأمارة من الظنون الكاذبة والأوهام الْبَاطِلَة وانْتهى حَاله إِلَى أَن يكون كَعبه الْأَعْلَى وَقَوله الأرفع وَلم يزده ذَلِك إِلَّا رفْعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وحظا عِنْد عباد الله وظفرا بِمَا وعد الله بِهِ عبَادَة الْمُتَّقِينَ وهم وَإِن أَرَادوا أَن يضعوه بِكَثْرَة الْأَقَاوِيل وتزوير المطاعن وتلفيق الْعُيُوب وتواعدوه بإيقاع الْمَكْرُوه بِهِ وإنزال الضَّرَر عَلَيْهِ فَذَلِك كُله يَنْتَهِي إِلَى خلاف مَا قدروه وَعكس مَا ظنوه وَكَانَت الْعَاقِبَة لِلْمُتقين كَمَا وعد بِهِ عبَادَة الْمُؤمنِينَ (وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله) .
    وَلَقَد تتبعت أَحْوَال كثير من القائمين بِالْحَقِّ المبلغين بِهِ كَمَا أَمر الله المرشدين إِلَى الْحق فوجدتهم ينالون من حسن الأحدوثة وَبعد الصيت وَقُوَّة الشُّهْرَة وانتشار الْعلم ونفاق المؤلفات وطيرانها وقبولها فِي النَّاس مَا لَا يبلغهُ غَيرهم وَلَا يَنَالهُ من سواهُم .
    حب الشّرف وَالْمَال
    وَمن جملَة الْأَسْبَاب الَّتِي يتسبب عَنْهَا ترك الْإِنْصَاف ويصدر عَنْهَا الْبعد عَن الْحق وكتم الْحجَّة وَعدم مَا أوجبه الله من الْبَيَان حب الشّرف وَالْمَال اللَّذين هما أعدى على الْإِنْسَان من ذئبين ضاريين كَمَا وصف ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا هُوَ السَّبَب الَّذِي حرف بِهِ أهل الْكتاب كتب الله الْمنزلَة على رسله وكتموا مَا جَاءَهُم فِيهَا من الْبَينَات وَالْهدى كَمَا
    وَقع من أَحْبَار الْيَهُود وَقد أخبرنَا الله بذلك فِي كِتَابه الْعَزِيز وَأخْبرنَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّابِت عَنهُ فِي الصَّحِيح .
    وَبِهَذَا السَّبَب بقى من بقى على الْكفْر من الْعَرَب وَغَيرهم بعد قيام الْحجَّة عَلَيْهِم وَظُهُور الْحق لَهُم وَبِه نَافق من نَافق .
    وَوَقع فِي الْإِسْلَام من أهل الْعلم بذلك السَّبَب عجائب مودعة بطُون كتب التَّارِيخ وَكم من عَال قد مَال إِلَى هوى ملك من الْمُلُوك فوافقه على مَا يُرِيد وَحسن لَهُ مَا يُخَالف الشَّرْع وَتظهر لَهُ بِمَا ينْفق لَدَيْهِ من الْمذَاهب .
    الْجِدَال والمراء وَحب الِانْتِصَار والظهور
    وَمن جملَة الْأَسْبَاب الَّتِي يتسبب عَنْهَا ترك الْإِنْصَاف وكتم الْحق وغمط الصَّوَاب مَا يَقع بِي أهل الْعلم من الْجِدَال والمراء فَإِن الرجل قد يكون لَهُ بَصِيرَة وَحسن إِدْرَاك وَمَعْرِفَة بِالْحَقِّ ورغوب إِلَيْهِ فيخطئ فِي المناظرة ويحمله الْهوى ومحبة الغلب وَطلب الظُّهُور على التصميم على مقاله وَتَصْحِيح خطأه وتقويم معوجه بالجدال والمراء .
    وَهَذِه الذريعة الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وَقع بهَا من وَقع فِي مهاوي من التعصبات ومزالق من التعسفات عَظِيمَة الْخطر مخوفة الْعَاقِبَة
    وَقد شاهدنا من هَذَا الْجِنْس مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب فَإِن بعض من يسْلك هَذَا المسلك قد يُجَاوز ذَلِك إِلَى الْحلف بِالْإِيمَان على حَقِيقَة مَا قَالَه وصواب مَا ذهب إِلَيْهِ وَكَثِيرًا مِنْهُم يعْتَرف بعد أَن تذْهب عَنهُ سُورَة الْغَضَب وتزول عَنهُ نزوة الشَّيْطَان بِأَنَّهُ فعل ذَلِك تعمدا مَعَ علمه بِأَن الَّذِي قَالَه غير صَوَاب .
    حب الْقَرَابَة والتعصب للأجداد
    وَمن الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة للتعصب أَن يكون بعض سلف المشتغل بِالْعلمِ قد قَالَ بقول وَمَال إِلَى رأى فَيَأْتِي هَذَا الَّذِي جَاءَ بعده فيحمله حب الْقَرَابَة على الذّهاب إِلَى ذَلِك الْمَذْهَب وَالْقَوْل بذلك القَوْل وَإِن كَانَ يعلم أَنه خطأ .
    وَأَقل الْأَحْوَال إِذا لم يذهب إِلَيْهِ أَن يَقُول فِيهِ إِنَّه صَحِيح ويتطلب لَهُ الْحجَج ويبحث عَن مَا يقويه وَإِن كَانَ بمَكَان من الضعْف وَمحل من السُّقُوط وَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا حَظّ وَلَا مَعَه فَائِدَة إِلَّا مُجَرّد المباهاة لمن يعرفهُ والتزين لأَصْحَابه بِأَنَّهُ فِي الْعلم معرق وان بَيته قديم فِيهِ .
    وَلِهَذَا ترى كثيرا مِنْهُم يستكثر من قَالَ جدنا قَالَ والدنا وَاخْتَارَ كَذَا صنع كَذَا فعل كَذَا وَهَذَا لَا شكّ أَن الطباع البشرية تميل إِلَيْهِ وَلَا سِيمَا طبائع الْعَرَب فَإِن الْفَخر بالأنساب والتحدث بِمَا كَانَ للسلف من الأحساب يَجدونَ فِيهِ من اللَّذَّة مَا لَا يجدونه فِي تعدد مَنَاقِب أنفسهم ويزداد هَذَا بِزِيَادَة شرف النَّفس وكرم العنصر ونبالة الْآبَاء وَلَكِن لَيْسَ من الْمَحْمُود أَن يبلغ بِصَاحِبِهِ إِلَى التعصب فِي الدّين وتأثير الْبَاطِل على الْحق فَإِن اللَّذَّة الَّتِي يطْلبهَا والشرف الَّذِي يُريدهُ قد حصل لَهُ بِكَوْن من سلفه ذَلِك الْعَالم وَلَا يضيره أَن يتْرك التعصب لَهُ وَلَا يمحق عَلَيْهِ شرفه بل التعصب مَعَ كَونه مُفْسِدا للحظ الأخروي يفْسد عَلَيْهِ أَيْضا الْحَظ الدنيوي فَإِنَّهُ إِذا تعصب لسلفه بِالْبَاطِلِ فَلَا بُد أَن يعرف كل من لَهُ فهم أَنه متعصب وَفِي ذَلِك عَلَيْهِ من هدم الرّفْعَة الَّتِي يريدها والمزية الَّتِي يطْلبهَا مَا هُوَ أعظم عَلَيْهِ وَأَشد من الْفَائِدَة الَّتِي يطْلبهَا بِكَوْن لَهُ قريب عَالم فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعهُ صَلَاح غَيره مَعَ فَسَاد نَفسه وَإِذا لم يعْتَقد فِيهِ السَّامع التعصب اعْتقد بِلَاده الفهمُ ونقصان الْإِدْرَاك وَضعف التَّحْصِيل لِأَن الْميل إِلَى الْأَقْوَال الْبَاطِلَة لَيْسَ من شَأْن أهل التَّحْقِيق الَّذين لَهُم كَمَال إِدْرَاك وَقُوَّة فهم وَفضل دراية وَصِحَّة رِوَايَة بل ذَلِك دأب من لَيست لَهُ بَصِيرَة نَافِذَة وَلَا معفرة نافعة فقد حصل عَلَيْهِ بِمَا تلذذ بِهِ وارتاح إِلَيْهِ من ذكر شرف السّلف مَا حقق عِنْد سامعه بِأَنَّهُ من خلف الْخلف .
    وَهَا أَنا أرشدك على مَا تستعين بِهِ على الْقيام بِحجَّة الله وَالْبَيَان لما أنزلهُ وإرشاد النَّاس إِلَيْهِ على وَجه لَا تتعاظمه وتقدر فِيهِ مَا كنت تقدره من تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي جبنت عِنْد تصورها وَفرقت بِمُجَرَّد تخيلها وَهُوَ أَنَّك لَا تَأتي النَّاس بَغْتَة وتصك وجهوهم مفاجئة ومجاهرة وتنعى عَلَيْهِم مَا هم فِيهِ نعيا صراحا وتطلب مِنْهُم مُفَارقَة مَا ألفوه طلبا مضيفا وتقتضيه اقْتِضَاء حثيثا .
    بل أسلك مَعَهم مسالك المتبصرين فِي جذب الْقُلُوب إِلَى مَا يَطْلُبهُ الله من عباده ورغبهم فِي ثَوَاب المنقادين إِلَى الشَّرْع المؤثرين للدليل على الرَّأْي وللحق على الْبَاطِل .
    فَإِن كَانُوا عَامَّة فهم أسْرع النَّاس انقيادا لَك وأقربهم امتثالا لما تطلبه مِنْهُم وَلست تحْتَاج مَعَهم إِلَى كثير مُؤنَة بل اكتف مَعَهم بترغيبهم فِي التَّعَلُّم لأحكام الله ثمَّ علمهمْ مَا علمك الله مِنْهَا على الْوَجْه الَّذِي جَاءَت بِهِ الرِّوَايَة وَصَحَّ فِي الدَّلِيل فهم يقبلُونَ ذَلِك مِنْك قبولا فطريا ويأخذونه أخاذ خلقيا لِأَن فطرتهم لم تَتَغَيَّر بالتقليد وَلَا تكدرت بالممارسة لعلم الرَّأْي مَا لم يتسلط عَلَيْهِ شَيْطَان من شياطين الْإِنْس قد مارس علم الرَّأْي واعتقد أَنه الْحق وَأَن غَيره الْبَاطِل وَأَنه لَا سَبِيل للعامة إِلَى الشَّرِيعَة إِلَّا بتقليد من هُوَ مقلد لَهُ وَاتِّبَاع من يتبعهُ فَإِنَّهُ إِذا تسلط على الْعَامَّة مثل هَذَا وسوس لَهُم كَمَا يوسوس الشَّيْطَان وَبَالغ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ يعْتَقد ذَلِك من الدّين وَيقطع بِأَنَّهُ فِي فعله دَاع من دعاة الْحق وهاد من هداة الشَّرْع وَأَن غَيره على ضَلَالَة وَهَذَا وَأَمْثَاله هم أَشد النَّاس على من يُرِيد إرشادهم إِلَى الْحق ودفعهم عَن الْبدع لِأَن طبائعهم قد تكدرت وفطرهم قد تَغَيَّرت وَبَلغت فِي الكثافة والغلظة والعجرفة إِلَى حد عَظِيم لَا تُؤثر فِيهِ الرقى وَلَا تبلغ إِلَيْهِ المواعظ فَلم تبْق عِنْدهم سَلامَة طبائع الْعَامَّة حَتَّى ينقادوا إِلَى الْحق بِسُرْعَة وَلَا قد بلغُوا إِلَى مَا بلغ إِلَيْهِ الْخَاصَّة من رياضة أفهامهم وتلطيف طبائعهم بممارسة الْعُلُوم الَّتِي تتعقل بهَا الْحجَج الشَّرْعِيَّة وَيعرف بهَا الصَّوَاب ويتميز بهَا الْحق حَتَّى صَارُوا إِذا أَرَادوا النّظر فِي مسألة من الْمسَائِل أمكنهم الْوُقُوف على الْحق والعثور على الصَّوَاب .
    صعوبة الرُّجُوع إِلَى الْحق الَّذِي قَالَ بِخِلَافِهِ
    وَمن آفَات التعصب الماحقة لبركة الْعلم أَن يكون طَالب الْعلم قد قَالَ بقول فِي مَسْأَلَة كَمَا يصدر مِمَّن يُفْتِي أَو يصنف أَو يناظر غَيره ويشتهر ذَلِك القَوْل عَنهُ فَإِنَّهُ قد يصعب عَلَيْهِ الرُّجُوع عَنهُ إِلَى مَا يُخَالِفهُ وَإِن علم أَنه الْحق وَتبين لَهُ فَسَاد مَا قَالَه .
    وَلَا سَبَب لهَذَا الاستصعاب إِلَّا تَأْثِير الدُّنْيَا على الدّين فَإِنَّهُ قد يسول لَهُ الشَّيْطَان أَو النَّفس الأمارة أَن ذَلِك ينقصهُ ويحط من رتبته ويخدش فِي تَحْقِيقه ويغض من رئاسته .
    وَهَذَا تخيل مختل وتسويل بَاطِل فَإِن الرُّجُوع إِلَى الْحق يُوجب لَهُ من الْجَلالَة والنبالة وَحسن الثَّنَاء مَا لَا يكون فِي تصميمه على الْبَاطِل بل لَيْسَ فِي التصميم على الْبَاطِل إِلَّا مَحْض النَّقْص لَهُ والإزراء عَلَيْهِ والاستصغار لشأنه فَإِن مَنْهَج الْحق وَاضح الْمنَار يفهمهُ أهل الْعلم ويعرفون براهينه وَلَا سِيمَا عِنْد المناظرة فَإِذا زاغ عَنهُ زائغ تعصبا لقَوْل قد قَالَه أَو رَأْي رَآهُ فَإِنَّهُ لَا محَالة بِكَوْن عِنْد من يطلع على ذَلِك من أهل الْعلم أحد رجلَيْنِ إِمَّا متعصب مجادل مكابر إِن كَانَ لَهُ من الْفَهم وَالْعلم مَا يدْرك بِهِ الْحق ويتميز بِهِ الصَّوَاب أَو جَاهِل فَاسد الْفَهم بَاطِل التَّصَوُّر إِن لم يكن لَهُ من الْعلم مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى معرفَة بطلَان مَا صمم عَلَيْهِ وجادل عَنهُ وكلا هذَيْن المطعنين فِيهِ غَايَة الشين وَكَثِيرًا مَا تَجِد الرجلَيْن المنصفين من أهل الْعلم قد تباريا فِي مَسْأَلَة وتعارضا فِي بحث فبحث كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن أَدِلَّة مَا ذهب إِلَيْهِ فجاءا بالمتردية والنطيحة على علم مِنْهُ بِأَن الْحق فِي الْجَانِب الآخر وَأَن مَا جَاءَ بِهِ لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع .
    وَهَذَا نوع من التعصب دَقِيق جدا يَقع فِيهِ كثير من أهل الْإِنْصَاف وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ بِمحضر من النَّاس وَأَنه لَا يرجع الْمُبْطل إِلَى الْحق إِلَّا فِي أندر الْأَحْوَال وغالب وُقُوع هَذَا فِي مجَالِس الدَّرْس ومجامع أهل الْعلم .
    العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عَن الْحق
    وَاعْلَم أَنه كَمَا يتسبب عَن التعصب محق بركَة الْعلم وَذَهَاب رونقه وَزَوَال مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الثَّوَاب كَذَلِك يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الْفِتَن المفضية إِلَى سفك الدِّمَاء وهتك الْحرم وتمزيق الْأَعْرَاض وَاسْتِحْلَال مَا هُوَ فِي عصمَة الشَّرْع مَا لَا يخفى على عَاقل وَقد لَا يَخْلُو عصر من العصور وَلَا قطر من الأقطار من وُقُوع ذَلِك لَا سِيمَا إِذا اجْتمع فِي الْمَدِينَة والقرية مذهبان أَو أَكثر وَقد يَقع من ذَلِك مَا يُفْضِي إِلَى إحراق الديار وَقتل النِّسَاء وَالصبيان كَمثل مَا كَانَ يَقع بَين السّنيَّة والشيعة بِبَغْدَاد فَإِنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي كل عَام فتنا ويهرقون الدِّمَاء ويستحلون من بَعضهم الْبَعْض مَا لَا يستحلونه من أهل الذِّمَّة بل قد لَا يستحلونه من الْكفَّار الَّذين لَا ذمَّة لَهُم وَلَا عهد ، وَقد تَنْتَهِي بهم التعصبات والمناقضات إِلَى مَا هُوَ من أَنْوَاع الْجُنُون والحماقات القبيحة .
    علاج التعصب
    فالمعيار الَّذِي لَا يزِيغ أَن يكون طَالب الْعلم مَعَ الدَّلِيل فِي جَمِيع موارده ومصادره لَا يثنيه عَنهُ شَيْء وَلَا يحول بَينه وَبَينه حَائِل .
    فَإِذا وجد فِي نَفسه نزوعا إِلَى مَا غير هُوَ الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الصَّحِيح وَأدْركَ مِنْهَا رَغْبَة للمخالفة وتأثيرا لغير مَا هُوَ الْحق فَليعلم عِنْد ذَلِك أَنه قد أُصِيب بِأحد الْأَسْبَاب السَّابِقَة من حَيْثُ لَا يشْعر وَوَقع فِي محنة فَإِن عرفهَا بعد التدبر فليجتنبها كَمَا يجْتَنب العليل مَا ورد عَلَيْهِ من الْأُمُور الَّتِي كَانَت سَببا لوُقُوعه فِي الْمَرَض وَإِن خفيت عَلَيْهِ الْعلَّة الَّتِي حَالَتْ بَينه وَبَين اتِّبَاع الْحق فليسأل من لَهُ ممارسة للْعلم وَمَعْرِفَة بأحوال أَهله كَمَا يسْأَل الْمَرِيض الطَّبِيب إِذا لم يعرف علته وَلَا اهْتَدَى إِلَيْهَا فقد يكون دفع الْعلَّة بِمُجَرَّد تجنب الْأَسْبَاب الموقعة فِيهَا كالحمية الَّتِي يرشد إِلَيْهَا كثير من الْأَطِبَّاء إِذا لم تكن الْعلَّة قد استحكمت وَقد يكون دَفعهَا بِاسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة الَّتِي تقاوم الْمَادَّة الكائنة فِي الْبدن وتدافعها حَتَّى تغلبها .
    وَهَكَذَا على التعصب فَإِنَّهُ إِذا عرف سَببه أمكن الْخُرُوج مِنْهُ باجتنابه .
    وَإِن لم يعرف سَأَلَ أهل الْعلم المنصفين عَن دَوَاء مَا أَصَابَهُ من التعصب فَإِنَّهُ سيجد عِنْدهم من الْأَدْوِيَة مَا هُوَ أسْرع كشفا وَأقرب نفعا وأنجع برا مِمَّا يجده العليل عِنْد الْأَطِبَّاء . اهـ كلام الإمام الشوكاني بتصريف [ أدب الطلب ] .
    فهذه أسباب التعصب وعواقبها وسبل علاجها قد أبانها لنا الإمام الشوكاني – رحمه الله – فعلينا أن نتجرد للدليل وننظف أنفسنا من شوائب التعصب للأشخاص وللآراء المضمحلة العارية عن الحجة والبرهان ، ونسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
    وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    كتبه : حسام بن مصطفى المصري
    22/من رمضان /1432هـ

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً يا أبا مريم
      و أسأل الله أن يبارك فيك و أن يحفظك.

      تعليق


      • #4
        وجزاك بمثله الله يا أخانا الحبيب

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخي حسام بن مصطفى المصري كم هي موضوع مهم وما احوج علماء الحجاز ان يتحلوا به وينبذوا ورائهم التعصب المذهبي المذموم
          بل يجب لهم أن يتعصبوا تعصب محمود ومشروع وهو التعصب بالكتاب والسنة بفهم السف وأهلها الذين يدافعون عن منهجها ليلاً ونهاراً, لكي يكونو متمثلين قول الله تعالى الذي أمر به نبيه الكريم وأصحابه وأمته من بعده قال تعالى في كتابه العزيز:
          (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون *) ) الزخرف 43-44.


          قال بن كثير في الجزء السابع [ ص: 228 ] :
          ثم قال تعالى : (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ))
          أي : خذ بالقرآن المنزل على قلبك ، فإنه هو الحق ، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم ، الموصل إلى جنات النعيم ، والخير الدائم المقيم .

          ثم قال :
          (( وإنه لذكر لك ولقومك ))
          قيل : معناه لشرف لك ولقومك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد . واختاره ابن جرير ، ولم يحك سواه .
          و قيل : معناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له ، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ، ومن شابههم وتابعهم .


          قال الطبري في الجزء الحادي والعشرون
          [ ص: 610 ] :
          القول في تأويل قوله تعالى : (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون *) )
          يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك.

          (( إنك على صراط مستقيم ))
          و منهاج سديد ، وذلك هو دين الله الذي أمر به ، وهو الإسلام .

          كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله :
          (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ))
          أي الإسلام .

          حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي :
          (( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم )) . وقوله : (( وإنه لذكر لك ولقومك )).
          يقول - تعالى ذكره - : وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش.

          (( وسوف تسألون )) يقول : وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه ؟ .

          وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

          حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله :
          (( وإنه لذكر لك ولقومك )) قال : أولم تكن النبوة والقرآن الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ذكرا له ولقومه .

          والحمد لله على نعمة السنة والثبات عليه
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ حمود الأصبحي; الساعة 11-09-2011, 01:05 PM.

          تعليق


          • #6
            وفيك بارك الله

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيراً أخانا الجليل أبا مريم المصري على هذه الرسالة الجميلة
              وأبشرك بأني عازم على كتابة موضوع بعُنوان " من آثار التعصب " سواء للرجال أو للمذاهب أو للعقائد الباطلة على شكل التسلسل في شبكتنا المباركة _ شبكة العلماء والعلوم وطلبة العلم الصافية الزكية _ حتى يكتمل على ما تقر به أعين المبتغيين للحق والله المستعان

              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة علي بن رشيد العفري مشاهدة المشاركة
                جزاك الله خيراً أخانا الجليل أبا مريم المصري على هذه الرسالة الجميلة
                وأبشرك بأني عازم على كتابة موضوع بعُنوان " من آثار التعصب " سواء للرجال أو للمذاهب أو للعقائد الباطلة على شكل التسلسل في شبكتنا المباركة _ شبكة العلماء والعلوم وطلبة العلم الصافية الزكية _ حتى يكتمل على ما تقر به أعين المبتغيين للحق والله المستعان

                وجزاك الله خيراً أيها الأخ الحبيب

                وأنا في شوق لقراءة تلك الرسالة التي أنت بصدد كتابتها ، فهذا هو وقتها عل القوم يستفيدوا منها

                تعليق


                • #9
                  قال تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]

                  تعليق

                  يعمل...
                  X