بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة الحسنى لعباده المتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله –صلى الله عليه و على آله وصحبه و التابعين و من سار على نهجه و اقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرا ، وبعد :
فقد كلَّمني قبل يومين أخ فاضل –أسأل الله تعالى أن يثبته ويعينه – و كان من ضمن كلامه أن نبهني عن أمر مهم ، ألا و هو قولي في " النصح السار" : ((أمر آخر : لقد كُنْتَ(حمزة السوفي المفتون) عازمًا على الرد على هؤلاء الذين بغوا عليك بالكذب و البتر و التحريف .)) اهـ
ثم علقت على هذا الكلام في الحاشية قائلاً : ((وأنت تعلم أننا وقفنا معك و دافعنا عنك لأننا رأينا أن الحق معك ... )) .
فأقول :
أولا : أشكر للأخ الناصح على نصحه و تواصله مع إخوانه ، و هذا سبيل من سبل جمع الكلمة و لمَ الشمل ، قال الله –عزَّو جلَّ- : { و العصر ، إن الإنسان لفي خسر إلاَّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصو بالحق وتواصو بالصبر}. ولن تجتمع كلمة المسلمين عامة والسلفيين خاصة إلا بالتواصي بالحق و التواصي بالصبر .
قال الشافعي-رحمه الله- : (( لو فكَّر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم )) ." بدائع الفوائد" (3/365) .
قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- : (( و إنه سبحانه نوَّع الإنسان فيها قسمين خاسراً و رابحاً ، فالرابح من نصح نفسه بالإيمان و العمل الصالح ، ونصح الخلق بالوصية بالحق المتضمنة لتعليمه و إرشاده ، والوصية بالصبر المتضمنة لصبره هو أيضاً .
فتضمنت السورة النصيحتين ، و التكميلتين ، وغاية كمال القوتين : بأخصر لفظٍ و أوجزه و أهذبه ، وأحسنه ديباجة وألطفه موقعاً .
أمَّا النصيحتان : فنصيحة العبد نفسه ، ونصيحته أخاه بالوصية بالحق و الصبر عليه.
وأمَّا التكميلان : فهو تكميله نفسه ، وتكميله أخاه .
وأمَّا كمال القوتين : فإن النفس لها قوتان ، قوة العلم والنظر و كمالها بالإيمان ، وقوة الإرادة و الحب و العلم و كمالها بالعمل الصالح ، ولا يتم ذلك لها إلاَّ بالصبر .
فصار هاهنا ستة أمور: ثلاثة يفعلها في نفسه ، ويأمر بها غيره ، تكميل قوته العلمية بالإيمان ، والعملية بالأعمال الصالحة ، والدوام على ذلك بالصبر عليه ، و أمره لغيره .
بهذه الثلاثة فيكون فيكون مؤتمراً بها متَّصفاً بها معلِّماً لها داعياً إليها ، فهذا هو الرابح كلَّ الربح ، وما فاته من الربح بحسبه و حصل له نوع من الخسران ، و الله تعالى المستعان و عليه التكلان .)) اهـ . " بدائع الفوائد " (3/366) .
ثانيا : قولي : (( أمر آخر : ....)) فهذا الكلام على حد قول حمزة المفتون ، لأنه كان يقول أن هؤلاء كذبوا عليه ، وأنهم يستعملون البتر و غير ذلك ، ثم يتوعدهم بالرد عليهم ، فذكرت هذا الكلام حتى أذكره بأخباره التي كان يذكرها لنا ، وكيف الآن أصبح ينكرها ، فيعلم أنه هو الكذاَّب ، وأن الذين رماهم بهذه الفرية العظيمة بريئون منها أمثال : أبو حاتم يوسف العنابي ، وسعيد القسنطيني ، وأبو عبد الله محمد الكواشي وعبد الرحمن التبسي وغيرهم . وأنه لو كان حقا أنهم ظلموه وكذبوا عليه لبادر بالرد كما هو معلوم من طريقة السلف رحمهم الله في دفع الكذب والإيهام عن أنفسهم و عن غيرهم من أهل السنَّة .
ثالثا : قولي : (( و أنت تعلم أننا ...إلخ)) ، فقد قيدت العبارة بـ " لأننا رأينا الحق معك" ، و لو أننا رأينا الحق مع غيره لأخذنا به في ذاك الوقت ، كما أخذنا به الآن بعد أن اتضح لنا ذلك - بفضل الله عزَّ وجلَّ ، وبفضل الإخوة السلفيين الذي قاموا ببيان حاله - ، وهذا بين واضح –إن شاء الله- ، ولعل في ذلك خير قال الله تعالى : { و الله يعلم وأنتم لا تعلمون } .
و لسنا معصومين ، فإن الإنسان قد يخطأ وقد يصيب ، وإذا أخطأ وجب عليه التوبة من الخطأ ، و الرجوع إلى الحق وإلى جادة الصواب. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلَّم- : (( كل بني آدم خطاء و خير الخطَّائين التوابون ). رواه ابن ماجة من حديث أنس –رضي الله عنه- ، وحسنه الإمام الألباني .
و في الأخير أشكر إخواني الذين قاموا بالحق و بينوا حال هذا المفتون الذي خسر دعوته ، وأقرب الناس إليه ، فجزاهم الله خيراً و أحسن إليهم .
وليُعلم أن حمزة السوفي –هداه الله – أصبح عند الحزبيين المخذولين شيخاً !! بعدما كان عندهم داعية فتنة !! و... و ... الخ ، فقاتل الله المتلونين أصحاب الوَجَهات ، الذين ألَّف فيهم شيخهم !! (حمزة) رسالة يحذر فيها الثقلين من خطر ذي الوجهين كأمثاله ، وأمثال الذين يدافعون عنه الآن . حسبنا الله و نعم الوكيل .
فائدة :
عبيدُ الله بن الحسنِ العنبريُّ كانَ من ثقاتِ أهلِ الحديثِ، ومن كبارِ العَارفين بالسُّنةِ ، إلا أنَّ النَّاس رمَوْهُ بالبدعةِ ، بسببِ قولٍ حُكيَ عنهُ ، من أنَّه كانَ يقول بأنَ: كلَّ مُجتَهدٍ من أهلِ الأديانِ مُصيبٌ ، حتى كفَّرَهُ القَاضي أبو بَكرٍ وغيرُهُ.اهـ . " الإعتصام" (1/151)
إلا أنه رجع عن خطإه رجوع الأفاضل إلى الحق ، كما ذكر الشاطبي في " الإعتصام " (1/152) ، والحافظ في " التهذيب" (3/7) .
وقصة رجوعه إلى الحق ذكرها الشيخ الباحث أبي حاتم سعيد بن دعاس –حفظه الله تعالى- في كتابه الأخير ( وليس بالأخير –إن شاء الله- ) " ضوابط الحكم بالإبتداع " (ص/12) ، قال : (( وقالَ الشَّاطبيُّ في "الاعتصام" (1/251): وقال بعضُ المُتأخرينَ: هذا الكلامُ الذي ذكرهُ ابنُ أبي شيخٍ عنه, قد رويَ عنه أنَّهُ رجع عنهُ, لمَّا تبيَّنَ لهُ الصوابُ, وقال: إذن أرجعُ وأنا صاغرٌ, لأنْ أكونَ ذنباً في الحقِّ أحبُّ إليَّ من أنْ أكونَ رأساً في الباطلِ.اهـ
قلتُ[ سعيد بن دعاس]: روى قصَّةَ رجُوعهِ –من غيرِ تعيينِ المسألةِ- الفَسويُّ في "المعرفةِ والتاريخ" (1/716), فقال: سمعتُ الحسينَ بن الحسنِ المروزيَّ, قال: قال عبدالرحمنِ –يعني ابنَ مهديِّ- خرجتُ في جنازةٍ , وفيها عبيدالله بن الحسن العنبريُّ, فجلست إليه –وهو قاضٍ يومئذٍ-, فسألتُهُ عن مسألةٍ, فأخطأَ فيها, فقلت: ها خطأُ, ولم أُرِدْ هذا, أرادتُ أرفَعكَ إلى ما بعدَهُ, قال: فأطرَقَ ساعةً, فقال: كيفَ هو؟. فقلتُ: كذا وكذا, فأطرَقَ ثمَّ قال: صدقتَ, أخطَأتُ, والصَّوابُ ما قُلتَ.
وإسنادُها حسنٌ, وأخرَجها الخطيبُ في "تاريخِ بغداد" (10/308), من طَريقِ الحسين بن الحسن المروزيِّ, عن عبدالرحمن بن مهديِّ, وفيها قولُ العنبريِّ: إذن أرجعُ وأنا صاغرٌ, إذن أرجعُ وأنا صاغرٌ, إذن أرجعُ وأنا صاغرٌ, لأنْ أكونَ ذنباً في الحقِّ, أحبُّ إليَّ من أن أكونَ رأساً في الباطلِ.
وفي رواية الفَسويِّ: قال عبدُالرحمن بنُ مهدي: لو أرادَ أن يتَمادى في الخطأِ ويُخطِّئني لأمكَنهُ,وأعانَه من حَولَهُ, فصوَّبوهُ, وخطَّئوني. )) اهـ.
تعليق