بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنصور على حسن شنقيطي المغراوي المغرور
(الحلقة السادسة)الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه.
قال المتملق: والحمد لله رب العالمين أنا أظن في المستقبل ستفتح دور القرآن، وأنا متفائل جدا، إلا أننا نتمنوا ذلك في أقرب وقت، وإلا أنا متفائل جدا –ولله الحمد والمنة- لماذا ؟ لأن هذا هو الظن بجلالة الملك –حفظه الله تعالى- وهو أن أولى الناس بالحرية العلماء والمصلحون، أولى الناس بالحرية هم الدعاة الذين يحبونه ويدعون له بالليل، وإلا فيوجد بعض الناس لو قطعت عنه مرتبه سبّك ..
أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق : الآن وتحت الظروف الراهنة نرى الحزبيين بين تملق للحكام ومحاولة لتقليص الهوة بينهم وبين سائر الأحزاب السياسية؛ فقد كانوا بأمس يرمونهم بالعظائم والآن يطلبون ودهم واحتواء وزنهم للضغط على المستبدين –زعموا- وظني أن الأمر أبعد من ذلك –والله أعلم- لكن حسبنا ما ظهر، وستبدي الأيام ما كان مخفيا خلف الكواليس.
وقوله : " أولى الناس بالحرية هم الدعاة الذين يحبونه ويدعون له بالليل " . مثل شيخه المغراوي! الذي حكم على المجتمع المسلم بالردة، وقال عن الحاكم الذي يملك الطائرات والخدم والحشم أنه بذلك يدعي الربوبية، وأشياء مبسوطة في غير هذا المقام، وهل يقال عن المغراوي وأمثاله وأذنابهم على حالهم لدى من خبرهم إنهم يحبون أميرهم ويدعون له بالليل وأنهم على هذا أولى بالحرية؟!!
وقد كثر النعيق هذه الأيام بالذات أكثر من غيره عن الحرية، وأن المجتمع لم يَسْمُ بعدُ لمقامها المنشود! وكل يُقيّمها على قدر رغباته وشهواته، وبالتالي نخلص إلى أنها حريات مطاطية قابلة للمد والجزر لكن حسبما أذن به القانون(!)
وقوله : " وتبّا للخونة الذين ينقلون عنا غير ذلك، وينعتون علماءنا بأنهم تكفيريون وأنهم كذا وكذا .."
إن كان يقصد أهل السنة الذين يبينون بالدليل والبرهان ما عليه الرجال والكتب والطوائف من أخطاء جسيمة، ومناهج عليلة وما إلى ذلك؛ فهذا لا يُعد من الخيانة بل هو من الديانة بأعظم مكان، ومن عدل أهل السنة أنهم ينتقدون المخالفين انطلاقا من أقوالهم وكتاباتهم التي ملأت الساحة،
وإن كان يقصد غيرهم فلينظر وليتأمل نقدهم، فإن كان فيه حق تواضع وأخذ به، وإلا فما أكثر الناقمين، أسأل الله أن يهديهم أو يكفي المسلمين شرهم.
وعلى كل؛ فشيخ الناقم- أعني المغراوي- على غير الجادة وكذا مصطفى العدوي وأبو الحسن المصري وعبد الله السبت ومن لف لفهم وجادل عنهم.
قال وهو يتحدث عن المغرب : النبي لما أراد أن يخرج من مكة قال: والله إنك لأحب البلاد إلي، لولا أن قومك أخرجوني ما خرجت، حب الوطن له دور كبير، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت، هذا من الدين ".
لم أقف على الحديث الذي ساقه بهذا اللفظ، بل ثبت أن أفضل الأرض أو البلاد إلى الله مكة، هذا الاستدلال ليس في محله، فأين وجه الدلالة من الحديث ؟! فالمغرب وغيره من بلاد الإسلام لا يقارن بمكة التي هي أحب أرض الله إلى الله فضلا عن مساواتها لها، وقد أحسن من قال:
ألم تر أن السيف ينقص قدره ** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقوله : " حب الوطن له دور كبير" ثم قوله : " هذا من الدين " باطل، يقول فضيلة الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- : " أما احتجاج بعض دعاة الوطنية بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ مكة : ( إنكِ أحب البقاع إلى الله ) فلا حجة لهم في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنك أحب البلاد إلي، بل قال: ( أحب البقاع إلى الله ) ولذلك قال: ( ولولا أن قومكِ أخرجوني منك ما خرجت ) فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من أجل الوطنية وإنما من أجل أن مكة أحب البقاع إلى الله تعالى، وهو صلى الله عليه وسلم يحب ما يحبه الله" [المرجع: لقاء الباب المفتوح].
ومما يُذكر في هذا أيضا حديث تتداوله بعض الألسن وهو موضوع، ونص الحديث " حب الوطن من الإيمان " وعنه يقول العلامة المحدث الفقيه محمد ناصر الدين الألباني كما في [السلسلة الصحيحة / ح36]: " موضوع .كما قال الصغاني ( ص 7 ) وغيره .ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه ، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان ، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم ؟ ! " اهـ.
قال السفيه : العلماء موجودون في الهند والسعودية واليمن والبحرين والسودان جميع دول الإسلام وفي المغرب، لا أن العلماء في مكان دون آخر، هذا خطأ لا في التقعيد، ولا في الواقع، ولذلك نصيحة لهم ولأتباعهم وللمغاربة عموما، اُرفقوا بالناس، وارحموا المسلمين ..اهـ.
أقول : طلاب العلم المشتغلين به آناء الليل وأطراف النهار عبودية لله؛ لا يخفى عليهم وجود عالم نابغ مشهور بدعوته وتواليفه مسدد العقيدة والمنهج وما إلى ذلك، ولنتحدث عن المغرب ولا نذهب بعيدا؛ في الوقت الراهن لا يوجد في هذا البلد عالم بالوصف المذكور؛ ومن ادعى غير هذا فعليه الدليل ولا دليل، لكن أخا الجهل يريد أن يرقع تمييعه ويستميل عواطف المغفلين بشقشقة العبارات بما لا يسمن ولا يغني من جوع، لا ننكر أن بلدنا قبل أعوام غابرة عرفت وجود علماء أجلاء خدموا الدين والمسلمين خدمة عظيمة أسأل الله أن يرحمهم وأن يكتب ذلك في موازين حسناتهم.
قال السفيه : وذاك التجمع أمام المساجد بذاك الشكل، يصلي العشاء فإذا بالأربعين واقفا، يصلي الإنسان ويذهب لحال سبيله، يذهب ويحمل المصحف، أو عند أولاده، إذا كنت تريد الكلام مع صاحبك إذهب معه للبيت وتعلموا القرآن والسنة، قبل الصلاة عشرون أو أربعون، وبعد الصلاة عشرون أو أربعون، وإذا كان هناك من يلقي درسا في المسجد لا يستمعون له، ليدخل إلى مجلس العلم تغشاه الرحمة على الأقل، حتى إذا كان لا يقول شيئا؛ تدخل في الحديث "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله" أو أنك ستستدل علي بـ "إن هذا العلم دين" فليس بذاك الفهم الذي عندك" .
أقول : حضور المنكر كفاعله وهما في الوزر سواء، دل على هذا قوله تعالى: ((وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )) الآية من سورة النساء، وفي آية الأنعام : ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )).
قال الشوكاني –رحمه الله – عند هذه الآية من تفسيره "فتح القدير" : (( وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِى ءاياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ )) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له . والخوض : أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء ، فاستعير من المحسوس للمعقول . وقيل : هو مأخوذ من الخلط ، وكل شيء خضته فقد خلطته ، ومنه خاض الماء بالعسل : خلطه . والمعنى : إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والردّ والاستهزاء فدعهم ، ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له ، أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك .
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة ، الذين يحرّفون كلام الله ، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة ، فإذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير . وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر.
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه ، وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها ، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرّمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة ، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدّة عمره ويلقى الله به معتقداً أنه من الحق ، وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر . "
وقال ربنا في كتابه الكريم: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون))
قال القرطبي في تفسيره عند هذه الآية: " فيه أربع مسائل: الأولى - قوله تعالى: (ولا تركنوا) الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم.
ابن جريج: لا تميلوا إليهم.
أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم، وكله متقارب.
وقال ابن زيد: الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم.
الثانية - قرأ الجمهور: " تركنوا " بفتح الكاف، قال أبو عمرو: هي لغة أهل الحجاز.
وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما: " تركنوا " بضم الكاف، قال الفراء: وهي لغة تميم وقيس.
وجوز قوم ركن يركن مثل منع يمنع.
الثالثة - قوله تعالى: (إلى الذين ظلموا) قيل: أهل الشرك.
وقيل: عامة فيهم وفي العصاة، على نحو قوله تعالى: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " (3) [ الأنعام: 68 ] الآية.وقد تقدم.
وهذا هو الصحيح في معنى الآية، وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه** فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في " آل عمران " (5) و " المائدة " (3).
وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار.
والله أعلم.
الرابعة - قوله تعالى: (فتمسكم النار) أي تحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم.اهـ.
قال ابن قيم الجوزية في "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : " فلا ريب أن للمجاورة تأثيرا في الامتهان والإكرام " وقال : " وتأثير الجوار ثابت عقلا وشرعا وعرفا" .
قال السفيه : " أو أنك ستستدل علي بـ "إن هذا العلم دين" فليس بذاك الفهم الذي عندك"
طيب؛ فأرنا فهمك لهذا الأثر ما هو ؟؟ لماذا لم تبين والمقام مقام بيان أم أنك مفلس جبان محترف للمراوغة.
وانظروا فهمه للأثر الذي أورده وتعليله لما ذكره؛ قال: " أو تريد أن تمر السلطات المحلية اليوم وغدا وأمام المسجد عشرون واحدا والفقيه يلقي الدرس، هذا يرضيك؟!، هذه علة تأويله للأثر وسياق كلامه دليل عليه، فيا لله العجب!
أهل السنة لا يأخذون العلم عند من هب ودب، بل كما ورد في أثر ابن سيرين المذكور "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" ذكره الإمام مسلم في صحيحه، ومما ذكره أيضا عن ابن سيرين في هذا الصدد " قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنْ الْإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ " فأهل الأهواء والبدع وقع الإجماع على هجرهم ومباينتهم فضلا عن مجالستهم والتفقه على أيديهم، والناس دب إليهم النقص في دينهم من ثلاث: نصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب. هذا لو قلنا بتزبب هؤلاء قبل أن يتحصرموا، أما إن كانوا من أهل البدع أو مستحسنيها فجلوسنا معهم فيه تكثير لسوادهم زيادة على ما ذكرناه سلفا، وقد نصحناهم مرات وكرات فقابلوا النصح بالاستكبار والسب والتهويل وتأليب رعاع العامة علينا وكذا وشوا بنا عند السلطات بما يطول ذكره، والله المستعان على ما يصفون.
وقوله واصفا إمام المسجد –يريد أئمة المساجد عندنا – ب "الفقيه" فيه نظر، وقد يقول : أنه يدرج في الكلام لأجل البيان، نقول : هذا لا يعني ترك الخطأ، والتنبيه أولى وأجدر.
قال عطفا على ما سبق: " هذا فيه طاعة ولاة الأمور؟! أو أنّا نحن طاعة ولاة الأمور نستعملها متى شئنا، نحن عندنا عدل وما فينا تملق ..
أقول : ولاة الأمور عندنا لا يسوقون الناس بالعصي أو التهديد إلى البدع والمحرمات، ولا طاعة لهم على فرض وقوع ذلك منهم جدلا، لكن الحزبيين يتلونون حسب ما يصبون إليه، فإذا كانت لهم حاجة عند ولاة الأمر تظاهروا لهم بالطاعة والحب وما إلى ذلك من تملق واضح وربما كتبوا في ذلك كتيبات، لكن نهجهم وألفتهم ومجالسهم تفضحهم، كما ورد في الأثر عن بعض السلف "من أخفى عنا بدعته لم تخف عنا ألفته" .
وفي هذا القدر كفاية، ولم أنتقده في كل ما ذكر، لكن اقتصرت على ما أراه مهما، هذا وأنصح المردود عليه بتقوى الله عز وجل، وأن يعرف قدر نفسه، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وقد قيل: من جهل قدر نفسه كان بقدر غيره أجهل. وأن يدرس المنهج السلفي من معينه العذب الزلال، ويعرف من هم أهل العلم الذين هم على الجادة ثم يصدر عنهم، ويعرف لهم قدرهم ومنزلتهم، ولا يقارنهم بمن هو رديء المنهج، ضحل العلم، ولا أنسى تذكيره بجرم قوله بجواز المظاهرات السلمية! –زعم- وهو قول على الله بلا علم كما تقدم من كتاباتنا، فليتق الله ولا يزج بالناس في دياجير هذه الدسيسة ومرتعها الوخيم.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الدرداء عبد الله أسكناري
في 25 جمادى الأولى 1432هـ
أكادير المملكة المغربية