بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنصور على حسن شنقيطي المغراوي المغرور
(الحلقة الخامسة)
الحمد لله وحده، وما من نعمة إلا من عنده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده محمد بن عبد الله وآله وصحبه.أما بعد:
فقبل أن أبدأ حلقتي هذه أود التنبيه على أني أحيانا وربما في أكثر الأحايين أُدخل على كلام المردود عليه شيئا من التعديل ترجمة أو تصرفا يسيرا دون أن أُخل بالمعنى، ثم لا أنسى التنبيه كذلك على أن من جانب الحق بعدما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين ولو كان حافظ وقته، وأديب زمانه، وفقيه عصره؛ فلا يشفع له ذلك بل لا يزال في حضيض، وخذلان من ربه، وعلمه ذاك عليه لا له، فلا ينخدعن به إلا جاهل ردئ العقل، خفيف الديانة، والله يتولى الصالحين.
قال : لكن الأمير إذا لم يعجب الناس، أمير الخليفة يعني، إذا لم يعجبهم ولو كان صحابيا ولو كان يقوم الليل من أصلح الناس يقول له سيدنا عمر لا تصلح لذلك جمعا لكلمة المسلمين .
أقول : الظاهر من النصوص أن الأمير على كل حال أمير ولو كانت إمارته جزئية تابعة للإمارة الكبرى، ويطاع في طاعة الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كائنا من كان، وإن حصل من ذي الإمارة الصغرى التابعة ما يدعو للشكوى فتقدم إلى الأمير ويسلك في ذلك الطرق الشرعية لا الثورات والمظاهرات الوافدة على البلاد الإسلامية وإن سماها من سماها سلمية، فإن أتَت الشكوى هذه أكلها فذاك، وإلاّ فما ثّمّ إلا الصبر حتى يستريح برٌّ أو يستراح من فاجر، ولا نطلب ما هو لنا من حقوق بالبدع وما يخالف شرعنا ويغضب ربنا، وليُعلم أن السّلم المنشود إنما هو في اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة ودون ذلك خرط القتاد، قال ربنا في كتابه الكريم : ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون))، ولا بد من الأخذ بجميع الشريعة ولا نكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين))، فهذا الذي يدعو إليه السلفيون، ولا يريدون من جراء ذلك جزاء ولا شكورا، لا يريدون إلا الزلفى ونيل الرضا من رب الأرض والسماوات العلى، وليسوا مع حكامهم المسلمين في شيء من ظلمهم، كما أنهم ليسوا جبناء وغير ذلك مما يعيبهم به الجاهلون والحاقدون الذين قطع الحقد قلوبهم، وسار في عروقهم مسير داء الكلب حتى ما ترك عرقا إلا دخله، السلفيون يخضعون لكتاب ربهم وسنة نبيهم –صلى الله عليه وسلم- ويرون ذلك واجبا عليهم، ولا يمنعهم من الخروج للمظاهرات وغيرها إلا أن ذلك يخالف مبادئ الإسلام، مع ما فيه من التقليد لأعدائهم وأعداء ربهم، ولا يرضون أن يكونوا ذنبا لهم ولو في أقل شيء، ويعتقدون العزة في التمسك بدينهم، والذلة في خلاف ذلك، ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)) الآية.
ثم إن للأمير المبايَع أو السلطان أن يخلع من ولاه على بعض المناطق إذا رأى في ذلك مصلحة، وليس ذلك للرعية بل هو تدخل فيما لا يعنيها، وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، وعلى هذا؛ فالقيام بالمظاهرات ورفع اللافتات بخلع زيد أو عمرو، هذا لم يكن من عمل المسلمين لكن هذا الجويهل الملبس؛ لما أراد أن ينفق باطله على أتباعه، أخذ يورد عليهم مثل هذا الكلام إيغالا في التلبيس ليشبه على الناس الحق بالباطل، ويظهر المظاهرات بمظهر يظن أنه لا يتنافى مع مبادئ الإسلام، ليخدع بذلك جهال العوام، ويسوقهم إلى الضلال سوقا.
قال السفيه : سعد بن أبي وقاص أوّل من رمى سهما في سبيل الله، خال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ... ويكفيه أنه من كبار الصحابة، أبو إسحاق سعد بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، لما طعن فيه أهل العراق ولو أن هذا الطعن غير مقبول، قالوا : لا يعرف أن يصلي،
لا يحكم فينا كما ينبغي، ولا يقسم بيننا بالعدل.
سيدنا عمر ما قال لهم : أنتم مجرمون كذبة هذا صحابي رباه النبي –صلى الله عليه وسلم- كيف تتكلمون في صحابي .. وقال له : ابق هنالك رغم أنوفهم ؟!
نقول للعلمانيين: هذه هي الديمقراطية : أزاله سيدنا عمر ولو كان صحابيا، حتى يطيب خاطر أهل العراق وأقام بدله آخر.
الذين يطعنون في الإسلام لكونه ليس فيه ديمقراطية، - بين قوسين أنا فقط أرد عليهم وأبين ضلال الغرب- صحابي جليل يعزله سيدنا عمر، لماذا لأجل جمع كلمة المسلمين.
التعليق:
قوله عن أبي اسحاق سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- : " لما طعن فيه أهل العراق ..". هذا تهويل، والذي وقفت عليه أنهم أهل الكوفة، ومع ذلك فإن الذين شكوه بعض أهل الكوفة وليس كلهم، وعن عزل أمير المؤمنين سعدا يقول النووي في "شرحه على مسلم" : وَأَنَّهُ إِذَا خَافَ مَفْسَدَة بِاسْتِمْرَارِهِ فِي وِلَايَته وَوُقُوع فِتْنَة عَزله ، فَلِهَذَا عَزَلَهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلَل ، وَلَمْ يَثْبُت مَا يَقْدَح فِي وِلَايَته وَأَهْلِيَّته .اهـ.
وما ذكره من أمر الديمقراطية فإما أنه لا يعرفها أو يريد أن يسوي بين الحق والباطل، وأقل أحواله أن يقال كما ذكر شيخ الإسلام في غير هذا المقام : ردّ بدعة ببدعة، وقابل الفاسد بالفاسد، والباطل بالباطل. وإن ساق كلاما زعمه احترازا؛ لكن لم يكن ليسعفه لقوله :" نقول للعلمانيين: هذه هي الديمقراطية " (!!) هذا –والله- الكذب، وفي ضمنه الطعن في أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وهو يجهل ذلك كما يبدو؛ لكن لا يمنعنا من بيانه، ذلك أن نسبة الديمقراطية للصحابة من الظلم بمكان، وكيف يحرص الصحابة على هذه الرذيلة الخبيثة التي عمل أعداء الإسلام على غرسها بكل ما أتوا في بلاد الإسلام، وهذه الرذيلة هي الكفر بعينه، وما من شرّ إلا هو فيها، وقد جاهد الصحابة مع النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، وجاهدوا بعده - صلى الله عليه وآله وسلم- حتى بلغ هذا الدين من الأرض مبلغ الليل والنهار، فكيف يمدحهم التافه بما هو عين النقيصة، فتبا للجهل وما يفعله بأهله.
ومما يؤكد ما ذكرناه قوله : " الذين يطعنون في الإسلام لكونه ليس فيه ديمقراطية " أقول: وهل ينتظر منهم إلا ذلك؟!
ومتى رضي الكفار على دين الإسلام الصحيح والمستقيمين عليه؟!
ولو كانت الديمقراطية من دين الإسلام أو مما جرى عليه عمل الصحابة ومن شيمهم –حاشاهم من ذلك- جمعا لكلمة المسلمين حسبما لفه وقاله السفيه ما جرى بين الصحابة ومن تبعهم بإحسان مع الكفار والزنادقة من الوقائع ما يطول ذكره، بل ما دبروا قتل أمير المؤمنين عمر –رضي الله عنه- ، ولكن صدق الله وكذب المفترون، قال الله تعالى: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) الآية.
وحاشا أن يكون في الإسلام الذي ارتضاه ربنا وامتن به على هذه الأمة من الديمقراطية شيء، وكيف يكون ذلك وبينهما أبعد ما بين السماء والأرض، فكما أنه لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، فكذلك لا يستوي كفر وإيمان، الديمقراطية كفر، ويكفي في فسادها أنها تخضع الحق للأغلبية، والله عز وجل يقول: ((وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)) ويقول تعالى : ((إن الحكم إلا لله)الآية، ويقول سبحانه : ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون))، وفيها من الفساد العريض ما يطول ذكره، وقد أجادت بعض الأقلام في بيان فساد هذه اللقيطة الوافدة على بلاد الإسلام، أسأل الله أن يوفق المسلمين حكاما ومحكومين لمعرفة أبعاد هذه الضليلة النجسة ويجعلوها تحت أقدامهم.
ثم قال : ثم نأتي الآن إلى مسألة مهمة وهي : أفتى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بمنع المظاهرات، قلت لكم : إن الفتاوى أحيانا في السعودية تخص بلدها، لا بد أن نفرق بعض المرات، لذلك تجد أن شيخا سعوديا يخالف آل الشيخ، لا يمكن أن يخالف المفتي العام لولا أن المسألة لها علاقة ببلدهم، لذلك كما ذكرت لكم الشيخ عبد الله الفوزان يظهر للإفتاء في قناة ؛ أنا لا أريد أن أتتبع العلماء لأنه ليس عندي وقت، لكن من خلال بحث قصير وجدت الشيخ عبد الله الفوزان يقول الشيخ ابن باز نظرا للمملكة لكن خارج المملكة لا أرى في ذلك منعا لأنه يؤدي إلى مصالح في استرداد المظلومين حقوقهم من المستبدين أو كما قال.
كذلك نحن نقول : إذا كان لدولة ولي أمرٍ فيه خير وبركة، وليس من المستبدين الظالمين الغاشمين، المساجد مفتوحة، والدروس والخيرات وحرية اللباس الإسلامي وما إلى ذلك من شعائر الدين؛ ومنع المظاهرات مثلا؛ فنسمع ونطيع، لو أن ولي أمرنا مثلا في بلدنا المغربي .. أفتى بذلك لسمعنا وأطعنا، حتى إننا لنقول للذين يقولون بالجواز : طاعة ولي أمرنا أجمع لشملنا، وأحسن لحالنا، فنحن أهل العدل لا بد من العدل في الأمر فهذه أيضا مسألة مهمة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار.
التعليق:
دعواه أن الفتوى أحيانا تكون خاصة بالسعودية دون غيرها وتنزيل هذا على المظاهرات دون أن يورد من الضوابط ما يفصل هذا الإدعاء المزعوم عن غيره دجل مدجج بالهوى والتقليد الأعمى.
وقوله : " لذلك تجد أن شيخا سعوديا يخالف آل الشيخ، لا يمكن أن يخالف المفتي العام لولا أن المسألة لها علاقة ببلدهم" أقول: قد سبق أن ذكرت أو أشرت على أقل تقدير إلى أن هذا السفيه لم يعرج على ذكر أدلة العلماء في تحريم المظاهرات، بل ذهب كعادة أهل الأهواء يسوق كلام الناعقين بجوازها، ولم يورد ولو دليلا واحدا على ذلك، والغريب أنه يوهم الغير بأن ثمة علماء يقولون بالجواز، ولم يذكر سوى عبد الله الفوزان على أني لا أعرفه ولا دراية لي بمن زكاه وأي شيء مذهبه، وذكر أيضا الضليل مصطفى العدوي ولم يعرج على ذكر القرضاوي والزنداني ومحمد حسان وغيرهم من الضلال مع أنهم يقولون بالجواز وليس لهم ذلك، ولا برهان لهم، ولا هم من علماء الأمة وأهل الفتوى الذين يقولون الحق وبه يعدلون،
وهب جدلا أن ثَمّ خلافا بين العلماء في المسألة الواردة، وهنا نقول : هل هذه المسألة مما يسوغ فيها الاجتهاد، أو أنها محسومة بقواطع الأدلة ؟ الجواب : الثاني ولا ريب، وقد سقنا للقراء هذه الأدلة في حلقات سابقة، وكلام أهل العلم في بيان ذلك مستفيض، فهل من مدكر !
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "كتاب العلم : " مسائل الخلاف بين العلماء، إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه ويكون الأمر فيها واضحًا فهذه لا يُعذر أحد بمخالفتها، وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يُعذر فيها من خالفها، ولا يكون قولك حجة على من خالفك فيها؛ لأننا لو قبلنا ذلك لقلنا بالعكس قوله حجة عليك.اهـ
والسفيه ربط جواز المظاهرات بحكم المكان وظروفه، فمنعها في السعودية وأجازها في غيرها من غير مستند شرعي يضبط هذا التقسيم المحدث ((قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون)).
وقوله : " أن شيخا سعوديا يخالف آل الشيخ، لا يمكن أن يخالف المفتي العام " أقول : وهل المفتي معصوم حتى يُقال إنه لا يمكن أن يُخالَف، هذا بقطع النظر عن المخالِف من يكون.
ودعواه أن المسألة لها علاقة بالسعودية دون أن يقدم ضوابط هذا القيد أو التخصيص قول ساقط ظاهر الفساد، ويمكن لخصمه أن يورد عليه مسائل لا يأتي عليها الحصر ويقيدها ببلد دون غيره من البلدان ولن يجد ما يرد به على خصمه، فما حاج به خصمه حاجه به خصمه.
وقوله : " لأنه يؤدي إلى مصالح في استرداد المظلومين حقوقهم من المستبدين "
هذه علة عليلة مخالفة لنصوص الشرع التي تحث المسلمين على الصبر مما يحصل من الأمراء من جور وأثرة، والله عز وجل أنبأ رسوله بأنه سيكون بعده أمراء يحصل منهم هنات وهنات، فذكر الداء والدواء معًا، وهذا مبسوط في دواوين الإسلام، لكن صار واقع كثير من الناس ينطبق عليهم أو يكاد قول ربنا في كتابه الكريم : (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))، فمن ابتغى المخرج والحلول في غير كتاب الله وسنة رسوله الأمين –صلى الله عليه وسلم- فقد نبذ كتاب ربه وسنة نبيه وراء ظهره، وضاع عمره في طلب المحال، فإن الهوى لا يزال يمد صاحبه في الغي ولا يقصر حتى يهلكه.
وقوله : " إذا كان لدولة ولي أمرٍ فيه خير وبركة، وليس من المستبدين الظالمين الغاشمين، المساجد مفتوحة، والدروس والخيرات وحرية اللباس الإسلامي وما إلى ذلك من شعائر الدين؛ ومنع المظاهرات مثلا؛ فنسمع ونطيع " .
أقول : أولا يجب أن يعلم أن الحكام يطاعون في طاعة الله، ولا طاعة لهم في معصية الله، لقول ربنا في كتابه الكريم: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا))، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: " السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ " والأدلة على هذا متكاثرة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية السابقة :
" وقوله: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله.
وهذا أمر من الله، عز وجل، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) [الشورى:10] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى: ((إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ((إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)).
فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر.
وقوله: ((ذَلِكَ خَيْرٌ)) أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير ((وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا)) أي: وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء. وهو قريب.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" : " ولا نزاع بين المسلمين في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والتحقيق في معنى الآية الكريمة أن المراد بأولي الأمر: ما يشمل الأمراء والعلماء؛ لأن العلماء مبلغون عن الله وعن رسوله، والأمراء منفذون، ولا تجوز طاعة أحد منهم إلا فيما أذن الله فيه, لأن ما أمر به أولو الأمر لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون طاعة لله ولرسوله من غير نزاع، وطاعة أولي الأمر في مثل هذا من طاعة الله ورسوله.
والثاني: أن يحصل فيه نزاع هل هو من طاعة الله ورسوله أو لا؟
وفي هذه الحالة لا تجوز الطاعة العمياء لأولي الأمر ولا التقليد الأعمى كما صرح الله تعالى بذلك في نفس الآية.
لأنه تعالى لما قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، أتبع ذلك بقوله: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))[النساء:59].
فالآية صريحة في رد كل نزاع إلى الله ورسوله.اهـ.
وقال العلامة ابن سعدي في تقسيره "تيسير الكريم الرحمن ..": " وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.اهـ
والنبي –صلى الله عليه وسلم- فصل في أمر السمع الطاعة ففي الصحيحين عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.
وقوله : " لو أن ولي أمرنا مثلا في بلدنا المغربي .. أفتى بذلك لسمعنا وأطعنا " .
من سفه هذا الجويهل أن جعل حكم المظاهرات راجع إلى الحكام، وكأن ديننا الحنيف قاصر –وحاشاه- عن إيراد هذه المسألة ونظائرها عليه، نعوذ بالله من الضلال وسوء المنقلب.
وتبجحه بأنه وأمثاله من أهل العدل تشبع بما لم يعط، وهل من العدل مخالفة الكتاب والسنة وإلإجماع ؟!!!!
وهل من العدل القول على الله بلا علم ؟!!
وهل من العدل محاولة إفهام الكفار بأن الإسلام فيه ديمقراطية،[1]
وأي عدل في تقليد أعداء الإسلام ؟!
وأي عدل في إيراد الشعوب الإسلامية موارد الفتن والهلاك؟!
وأي عدل في استحسان القبيح وتسمية الأشياء بغير اسمها.
وتحدث بعدها عن موضوع العِرقية، والتي تذكيها بقوة ما يسمى بـ "الأمازيغية" وغيرهم، لكنه تناول الموضوع من جهة البلد وما عليه المجتمع لا من تحريم هذه النعرة من قيم ديننا الحنيف .
وحينما انتقد المظاهرات التخريبية وأن أصحابها يؤثرون سلبا على أصحاب المظاهرات النظيفة السلمية(!!) قال : وهذا الذي يجعل بعض العلماء لا يقول بالمظاهرات، وأنا معهم إلا إذا كانت منظمة، إذا كانت منظمة لا يمكن أن أُحجر واسعا لأنه لابد أن أعدل، لا نحجر واسعا .. وأن يكون الإنسان يقظا حتى لا يُفسد أولئك عمله.
أقول : ما بُني على فاسد فهو فاسد مهما احتال أهله في تصويبه وإلباسه لبوس الشرعية، وما بعد الحق إلا الضلال.
فهل عند هذا السفيه ونظرائه من العلم ما يثبتون به الفرق بين تحريمهم للمظاهرات التخريبية وتجويز السلمية ؟؟!
وليُثبت لنا بالتفصيل أن تحريم العلماء للمظاهرات بجميع أشكالها ليس من العدل ويُعد تشددا وتضييقا للواسع على حد زعمه ؟؟
وإلى مقال آخر إن شاء الله أكتفي بهذا القدر. والحمد لله رب العالمين .
كتبه عبد الله أسكناري
في 24 جمادى الأول 1432هـ
أكادير / المملكة المغربية
[1] - وإحسانا للظن أقول: لجهله لم يعبر بعدالة الإسلام بدلا من الديمقراطية، فكان تعبيره على معنى القولة أو المثل المشهور "وداوني بالتي كانت هي الداء"!