بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنصور على حسن شنقيطي المغراوي المغرور
(الحلقة الرابعة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اتبع هداه.
نعود إلى قوله : (التظاهر السلمي ليس خروجا على الحكام، مادام أن الإنسان عشر سنين يملك الإجازة ولا يعمل، عنده دكتوراه خمسة عشرة سنة ولا يعمل، قام هو وخمسون مثله خرجوا لإحدى المدن وكتبوا على اللافتات وحملوها مطالبين بالعمل ... هذا لا نسميه خروجا، نسميه تظاهرا سلميا لمطالب مشروعة ).
التعليق:
قد سبقت الإشارة إلى أن المظاهرات مما قلد فيه كثير من جهلة المسلمين الغرب الكافر، والتشبه بالكافرين محرم في الإسلام، واتفقت كلمة أهل العلم على تحريم المظاهرات لما فيها من التشبه بالكافرين وعصيان رب العالمين ورسوله الأمين بالخروج على من أمروا بطاعتهم ونهوا عن الخروج عليهم.
وقوله : (هذا لا نسميه خروجا، نسميه تظاهرا سلميا لمطالب مشروعة).
الجهال وأشباه طلاب العلم ليس لهم تقييم مثل هذه الأمور، وما أحوج هذاالجويهل إلى قوله : (وياليت من لا يحسن شيئا أن يسكت عنه، ويا ليت المتعالمين يتركون المسائل الكبيرة لأهل العلم، يا ليت من لا يحسن علما أن لا يولج نفسه فيه). وتجويز المظاهرات (السلمية!) بدعوى طلب الحقوق قول على الله بغير علم كما تقدم، لما في ذلك من مخالفة النصوص الواردة في الصبر على جور الأمراء، وعلى هذا؛ فالمجوزون الجهلة لا يقيمون وزنا لأمر الله ورسوله، وهم يمشون في ذلك على سنن الكافرين، ويخالفوا سنة سيد المرسلين، تماشيا مع الكثرة، وحبّا في الظهور والرياسة، نسأل الله السلامة والعافية.
وما ذكره السفيه من دعوى المطالب أمرٌ لا يقره الإسلام ولا العقل السليم، ذلك أن ديننا لم يأذن في طلب الحقوق عن طريق الخروج وحمل اللافتات وإطلاق اللسان بالصياح وغير ذلك من المفاسد وإلا فسيكون أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته بالصبر على جور الحكام وأداء حقهم وسؤال حقهم من الله على مذهب هؤلاء عبثا محضا وحاشى رسول الله من ذلك، أما العقل فإنه يدل على فساد المظاهرات، إذ لا يعقل أن كل من ضاقت عليه الدنيا وأفلس بعض الشيء خرج إلى الشارع حاملا شعارا ينادي ويصيح وينعق بحقوق الإنسان (!) وربما إسقاط النظام ، كم سيخرج لو فتح هذا الباب من رجال ونساء وشباب وأصحاب عاهات ومجانين ؟! لكن صار الأمر كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- : " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، و يكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن، و يخون فيها الأمين، و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة " (الصحيحة).
وفي المسند " السفيه" بدل التافه. وعند غيره أيضا : الفويسق.
قال: (جلالة الملك عندنا بفضل الله لا يمنع التظاهر السلمي، كيف تسميه أنت خروجا، لو كان خروجا لتعامل معهم تعاملا آخر، في جميع الأنظمة في بلدنا والبلاد الأخرى ) .
هذا السفيه أوتي من جهله وغلبة الهوى، ذلك أنه ربط حكم المظاهرات السلمية (!) بترخيص القوانين لها، لا من جهة موقف الإسلام من هذه المظاهرات، ثم بنى على هذا التحريف والتخريف اعتبار المظاهرات هذه من باب المطالبة بالحقوق وليس من الخروج على الحاكم، وهذا فكر دخيل ليس عليه دليل من كتاب أو سنة، ولا تعرفه العلماء، إنما تسلقه الحزبيون الذين خرجوا ليس على الحاكم فحسب، بل زادوا على ذلك أن خرجوا على القيادة العلمية أيضا، ذلك أن الله عز وجل قال: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) الآية، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن المراد بأولي الأمر في الآية : العلماء والأمراء.
ثم قال: (لماذا ؟ لأن في عصرنا تبعثرت الأوراق عند الشباب المتدين خصوصا مع الأسف، الإنسان إذا كان لا يعلم شيئا يسأل عنه حتى لا يغتاب الناس، ويغتاب العلماء، ويغتاب الصالحين كما نرى من بعض المتعالمين.).
التعليق:
الله عز وجل أمر بسؤال أهل الذكر وهم أهل العلم فقال عز في علاه : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون))، وقال في موضع آخر من كتابه الكريم : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر))، وقوله عليه الصلاة والسلام : "ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال .." الحديث. وأهل الأهواء والجهل والتافهين المتعالمين ليسوا من أهل العلم، قال سبحانه وتعالى : ((أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب)).
وأهل العلم منهم أئمة هذا العصر كالشيخ العلامة الألباني وابن باز وابن عثيمين ومقبل بن هادي الوادعي وأحمد النجمي - رحمهم الله جميعا- هؤلاء الأئمة كلهم يقول بتحريم المظاهرات من غير التفريق المبتدع بين السلمية منها والتخريبية.
ثم بقية المشايخ الأعلام الذين لا زالوا بحمد الله أحياء يرزقون كالشيخ ربيع والشيخ يحيى بن علي الحجوري وإخوانه المشايخ الذين هم على الجادة في اليمن والشيخ صالح الفوزان والشيخ سليم الهلالي وغيرهم من مشايخنا كلهم يقول بتحريم المظاهرات، بقي أهل الأهواء هم من يقول بالمظاهرات على خلاف بينهم، ومنهم من يتكتم خشية الفضيحة ولا عبرة على كل حال بمخالفتهم، فهم القوم يشقى بهم جليسهم.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول ديننا الحنيف بهما قوام الأمة وعزها، وبهما يحفظ الدين وكرامة المسلمين وتحمى بيضتهم،.والأدلة على ذلك كتابا وسنة لا تكاد تحصى كثرة، قال ربنا في كتابه الكريم : ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) الآية، وقال سبحانه : (( ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))، وقال سبحانه : (( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم)) الآية، وقال سبحانه وتعالى : ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) الآية، وقال سبحانه وتعالى : ((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)) وفي الصحيحين من حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت تلا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)).
قالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ ".
وقال في الخوارج كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ".. يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " وغير ذلك من الأدلة.
وأهل العلم على مر التاريخ إلى يوم الناس هذا مجمعون على وجوب رد الأخطاء والضلالات والرد على أهلها وتعيينهم إن دعت الحاجة إلى ذلك، وألفت في ذلك تواليف كثيرة ما بين مختصر ومطول.
والرد على الباطل والقائل به وفق الضوابط الشرعية لا ينكره إلا جاهل أو صاحب هوى يريد أن يتستر على باطله ويخشى من الفضيحة، وعلى هذا فالرد على أهل الأخطاء سواء في كتبهم أو أشرطتهم أو أشخاصهم ومناهجهم وما إلى ذلك بقصد النصيحة مطلب شرعي لا غضاضة فيه، بل هو من جنس الجهاد في سبيل الله، وليس من قبيل الغيبة المحرمة.
قال النووي رحمه الله في (رياض الصالحين/375-376):
"باب بيان ما يباح من الغيبة:
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم ...
الثاني: الاستعانة علي تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب ..
الثالث: الاستفتاء ..
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها : جرح المجروحين من الرواة والشهود ..
ومنها : المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو ..
ومنها : إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة ..
إلى أن قال: الخامس أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته ..-إلى أن قال- " فهذه ستة أسباب[1] ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة (قلت: وذكر جملة منها رحمه الله).
وما من شك أن أصحاب المظاهرات يُعَدون من المجاهرين بالفسق، الداعين للفتن والشرور، وعلى هذا فالتحذير منهم أمرٌ مطلوب شرعًا على خلاف ما يقوله السفيه وغيره من أدعياء العلم.
قال: (لكن ما أراه تبعا للعلماء المستبصرين، وتبعا للدعاة المستبصرين الذين ينظرون بعيدا ولا يخلطون الأوراق أراه هو الصواب إن شاء الله).
أقول :
قد أحسن من قال:
ما الفرق بين مقلد في دينه ** راض بقائده الجهول الحائر
وبهيمة عمياء قاد زمامها ** أعمى على عوج الطريق الجائر
وما ذكره تهويل لا طائل تحته، وعلماء الأمة الذين هم على سداد في المنهج، وصحة في المعتقد ومنهم من يجلهم الموافق والمخالف يحرمون المظاهرات إطلاقا، ومن يقول بالمظاهرات؛ إما أن يكون جاهلا مقلدا أعمى كهذا المعترض، أو من علماء السوء الذين ورد وصفهم وذموا في محكم الكتاب، قال الله عز وجل : (( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بئايات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)) الآية، ويقول جل وعز في علاه: (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)).
ثم قارن بين قوله هنا : ( وما أراه تبعا للعلماء المستبصرين، وتبعا للدعاة المستبصرين الذين ينظرون بعيدا ولا يخلطون الأوراق ).وقوله الذي قبل هذا : بقي أن لا يطعن هؤلاء في هؤلاء –وكذا قوله -: أن لا يتطاعنوا فيما بينهم، كما نرى الآن من الذين لا يفقهون فقه الخلاف ولا يتأدبون بآداب الخلاف.
أقول: أليس هذا من التناقض العجيب !
ووصفه لمن قلد بالعلماء المستبصرين والدعاة المستبصرين(!) يُفهم منه أن غيرهم ليسوا كذلك(!!)، وهذا زعم ظاهر البطلان.
ووصفه أيضا لعلمائه المجوزين المظاهرات -السلمية!- بأنهم ينظرون بعيدا ولا يخلطون الأوراق، مفهومه بالمخالفة أن غيرهم ممن ذكرنا أسماءهم من أكابر علمائنا وغيرهم من المشايخ قاصري النظر، ويخلطون الأوراق(!!!)، وفساد هذا الكلام ظاهر لا يخفى.
ثم أخذ يفرق بين النظام الملكي والجمهوري الرئاسي في كلام فلسفي، أحيانا يتملق ويتزلف إلى الحاكم، وتارة يمدح المظاهرات السلمية وأنها جربت فنجحت ... وضرب لذلك أمثلة لبعض الحالات زعمها من الشواهد على جواز المظاهرات السلمية، وجهل أو تجاهل أن الجواز وعدم الجواز أمرٌ يرجع للشرع لا إلى النظم الموضوعة ولا إلى التجارب البشرية سواء كانت في بلاد الإسلام أو بلاد الكفار إذ ليس بعد الحق إلا الضلال.
قال : يا إخوان يوجد بعض المستبدين فإذا لم يخرج الناس في تظاهرة سلمية للمطالبة بحقوقهم فلن يصلوا لهذه الحقوق. (بتصرف).
هذا تحريض واضح للخروج على الحكام بدعوى المطالبة بالحقوق، ثم إن المطالبة بهذه الحقوق تتفاوت بتفاوت شرائح المجتمعات، فمِن طالب للتوظيف، وطالب لتغيير الوزراء ومن طالب لإسقاط النظام، وكل هذا محتمل الوقوع، بل قد وقع ولا يزال، فإذًا لا ضابط لهذا الخروج الذي ألبسه من يتاجرون بالدين وأهل الأهواء لباس (السّلم!)، - نقول هذا انطلاقا من مذهبهم- ، وقد قال ربنا في كتابه الكريم : ((يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون))، وإذا كانت لهم مصلحة في القانون مجدوه وحكّموه، وإن كانوا من قبل به يكفرون، ويلعنونه لعنا شديدا كما هو حال المغراوي المخذول وأذنابه المتميعين.
هذا، وإني لأحمد الله على أن وفق أهل السنة لاتباع الحق ونبذ الباطل والرد على أهله .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
أبو الدرداء عبد الله أسكناري
في 17 جمادى الأولى 1432هـ
أكادير - المغرب
[1]وتسهيلا لحفظ هذه الأسباب الستة أسوقها في بيتين من الشعر ينسبان لابن أبي الشريف يقول فيها:
الذم ليس بغيبة في ستة ** متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن ** طلب الإعانة في إزالة منكر
تعليق