بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنصور على حسن شنقيطي المغراوي المغرور
(الحلقة الثانية)
الحمد لله حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقوله: " إن بعض العلماء منع المظاهرات مطلقا، وعندما نظرت في كلام هؤلاء العلماء وينبغي أن تعلموا أن المظاهرات عمرها 150 سنة تقريبا .. لكن عندما تنظر في أدلة المانعين أو في كلام المانعين ليس لهم دليل على ذلك يربطون الأمر غالبا بالمفاسد التي تترتب على المظاهرات وهذا أمرٌ ملموس محسوس ".
تأمل قوله : " إن بعض العلماء " فهو يوهم الناس على أنهم قلة، وقد ذكرت أسماء بعضهم في كتابتي السابقة وفيهم أئمة العصر دون منازع كالعلامة ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل بن هادي الوادعي وأحمد النجمي -رحم الله الجميع- وغيرهم من أهل العلم على كثرتهم لا زالوا أحياء يرزقون، ولم أقف إلى يوم الناس هذا على قول عالم يعتد به عند السلفيين يقول بخلاف ذلك، ولو فرضنا جدلا وجود من يقول بذلك فالأدلة على خلاف قوله فلا عبرة بخلافه، وقد قيل :
وليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلاف له حظ من النظر
وقد نقل الشيخ ربيع –حفظه الله- في رده الموسوم "تنبيه أبي الحسن إلى القول بالتي هي أحسن" قول أبي سعيد الدارمي –رحمه الله- من كتابه "الرد على الجهمية" (ص129) فقال : " إنَّ الذي يريد الشذوذ عن الحق يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم، والذي يؤم الحق في نفسه، يتبع المشهور من قول جماعتهم، وينقلب مع جمهورهم، فهما آيتان بينتان يستدل بهما على اتباع الرجل وعلى ابتداعه".اهـ.
قلت: هذا لو كان ثَمّ خلافا معتبرا من عالم أو علماء معتبرين، كيف والأمر أسوء إذ أن المتبع في حكم المظاهرات وما شاكلها هو الهوى وذا المذهب هو المعتبر لدى الكثيرين من الحزبيين وأدعياء العلم، وقد قيل:
هل لهم يا قوم في بدعتهم *** من فقيه أو إمام يُتبع
وقوله : "وينبغي أن تعلموا أن المظاهرات عمرها 150 سنة تقريبا" ما سبب حشره لهذا الكلام هاهنا، الحقيقة أني لم أجد له مسوغا إلا تعزيز مذهب الثوار الجائر ليوهم أن المظاهرات بهذا العمر تصير معتبرة لا تنكر بعدما أفلس عن التدليل والبرهنة على ذلك علميا لجأ إلى مثل هذا الكلام الفارغ، وقد أجاد من قال :
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين النصوص وبين رأي سفيه
وقوله : "لكن عندما تنظر في أدلة المانعين أو في كلام المانعين ليس لهم دليل على ذلك".
أقول: هذا الكلام كفاك شرًّا من سماعه كما يقال، سبق لسانه في بادئ بدء فأورد لفظة (الأدلة) ثم سحبها لأنها في غير صالحه، ثم زعم أن لا دليل عند القائلين بتحريم المظاهرات، وهذه مكابرة لها قرون.
ثم قال: "يربطون الأمر غالبا بالمفاسد التي تترتب على المظاهرات" قد عدّ أهل العلم المظاهرات من وسائل التثوير والخروج على الحكام المنهي عنه شرعًا، إلا أن هذا الجائر لما جزم أن لا دليل عند المانعين يمنع من المظاهرات جعل جل اهتمامهم على تقييم المفاسد دون غيره، وهذا غير صحيح، بل المظاهرات عندهم محرمة لأسباب عدة ألخصها في نقاط:
-أنها وافدة وبدعة قلد فيها جهلة المسلمين الغرب الكافر، والنهي عن التشبه بالكافرين معلوم ومستفيض من دين الإسلام.
-أنها تخالف النصوص المستفيضة من الكتاب والسنة التي تحث على طاعة ولاة الأمر في المعروف والنهي عن الخروج والتمرد عليهم.
-أنها من أوسع الأبواب للخروج على الحكام وإسقاط الأنظمة الحاكمة وما إلى ذلك فهي على هذا وسيلة محرمة، والغاية لا تبرر الوسيلة.
-ثم إن مفاسد هذه المظاهرات وما فيها من منكرات أمرٌ معلوم.
قال: وإذا نظرت إلى كلام المبيحين إلى الطرف الثاني من العلماء والدعاة تجد أنهم ينظرون إليها كمسألة للتغيير وللضغط على المستبدين للتوصل إلى الحقوق.
انتقل هنا للحديث عن الطرف الذي جعله قسما ثانيا في المسألة بعد أن وضع القضية محل نزاع وهمي بين طرفين، وزعم أن هذا الطرف يمثله علماء ودعاة، ولم يسم واحدا منهم اللهم إلا من لا أعرفهم من علماء الأمة العدول، فقد ذكر اثنين :
الأول وهو عبد الله الفوزان ولا أدري من هو ولا منهجه، لكن إن كان يقول بجواز المظاهرات حسبما نقل الجائر عنه حتى ولو استثنى السعودية فقوله مردود لما سبق بيانه، ثم يقال: ما الدليل الذي فرق به بين حظر المظاهرات في السعودية وتجويزها في غيرها؟؟؟؟؟
وهل نصوص الحظر عن المظاهرات والخروج عموما على كثرتها خاصة ببعض الأماكن دون بعض ؟!!
وإذا كان المجيزون (!!) ينظرون إلى المسألة بهذه النظرة الضيقة المحفوفة بالمخاطر بدعوى التوصل إلى الحقوق أفلا كان المنع أولى من الوقوع في حمأة لا يدرى لها أول ولا آخر ولا تحمد عقباها؟!
العقل والنقل يدلان قطعا على منع المظاهرات والمسيرات .. ،إذًا فلا عقل ولا نقل عند أرباب هذه المظاهرات أوالمهاترات، فما ثَمّ إلا الضلال وبئس القرار.
الثاني: مصطفى العدوي، ووصفه بالمحدث وأثنى عليه، وهذا يدل على أنه لا يتقن السلفية فضلا عن أن يكون رأسا فيها فضلا عن يزكي هذا وذاك، والعدوي لا أعلمه سلفيا على الجادة منذ مدة، وقد اطلعت له على فاقرة من فواقره وهي في موضوعنا، ذلك أنه نفى اعتباره الخارجين في المظاهرات من الخروج على ولاة الأمر المنهي عنه الذي هو عين مهيع الخوارج السابقين، وعلل ذلك بعلل واهية قد فند الشيخ الناقد البصير أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة المصري علله في مقاله الماتع " الكرامة والنُّعمى في الرد على مصطفى بن العدوي الغوي الأعمى":[من هنا ]
-خروج الصحابة في جمع وسط الكافرين إلى أن وصلوا إلى الكعبة.
-خروج المسلمين في العيدين إلى المصلى وأن فيه إبرازا لعزة الإسلام وقوة المسلمين وبلغ بالنبي –صلى الله عليه وسلم- أن سنّ للحيض والعواتق الخروج ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
-سن النبي –صلى الله عليه وسلم- الاضطباع والرمل في العمرة وفيه إظهار المسلمين قوتهم للكافرين.
هذا ما ذكره في الجملة ، وهذه لا تعدوا أن تكون شبهًا فضلا عن أن تكون حججًا، ومحاولة ربط هذا بالمظاهرات لا يكون إلا من فهم مُضعضع سقيم، كيف لا؛ وما ذُكر عن المسلمين هو في مقابل الكفار، وهل المظاهرات إلا بين المسلمين؟! فهذا على ما فيه قياس في مقابلة النص ومع الفارق وبالتالي فهو ساقط الاعتبار، ولأنه قياس محرم بمشروع[1].
وصاحب المحاضرة لما صرح كما سبق بوجود (بعض!) القائلين بمنع المظاهرات ما ذكرهم ولا ذكر أدلتهم البتة، ونراه هنا استروح وأناخ بكلكله في ذكر ما ذهب إليه من جعل المجوزين(!) قسيما في القضية، وهي أضغاث أحلام.
ثم قال : المهم أن الأمر لا يمكن أن يُسَلم المجوّز للمانع ولا يمكن أن يجوّز المانع للمسَلم، فماذا بقي؟ بقي أن لا يطعن هؤلاء في هؤلاء كما قال الشيخ العدوي مؤخرا الشيخ مصطفى العدوي المحدث المعروف في مصر كان لا يقول بالمظاهرات، لكن تيبين له أنها أحيانا فيها مصلحة وقال بالجواز مؤخرا.
قد سبقت الإشارة إلى أن جعل حكم المظاهرات من المسائل الخلافية قول باطل، وأهل العلم بحت أصواتهم في التحذير من المظاهرات والمسيرات ولم يخالف في ذلك حسبما أعلم إلا أهل الأهواء ولا عبرة بمخالفتهم، وهذا المغرور بنفسه أراد أن يكمم أفواه أهل السنة ويميع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى الخلاف، ولو سلمنا جدلا بوجود الخلاف –ولا خلاف في ذلك-، فهل كل خلاف معتبر؟!، وهل كل خلاف ولو كان ضعيفا نلزم الناس فيه بالسكوت؟!! والقول بأن لا إنكار في مسائل الخلاف بهذا الإطلاق مردود، وهذه الردود التي تزخر بها المكتبة الإسلامية بفضل الله أليس كثير منها نحا هذا المنحى ؟؟ فكيف يستقيم الظل والعود أعوج!
قال[2] شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: "عُرضتُ على السيف خمس مرّات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت" اه من "السير" [18/503]. وسمعت شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله وهو يقول: "لو يمكن أن يشتروا سكوتنا بالملايين لفعلوا لكن هيهات هيهات أن نسكت على باطل" اه وذلك ضمن شريطه :"الردّ الوجيه على أسئلة أهل بيت الفقيه".
قال الشاعر:
اللص في داري وبين محارمي ** ويقال لي: لا، لا تحرِّك ساكنَا
يئد النفوس ويكتم الأنفاسا ** أبدًا، ولا تجْرح له إحساسا
وقال: ثم أوصى شبابنا وأوصى المسلمين –أي العدوي- أن لا يتطاعنوا فيما بينهم، كما نرى الآن من الذين لا يفقهون فقه الخلاف ولا يتأدبون بآداب الخلاف.
أهل الأهواء مرقوا وخرجوا عن السنة فضلا عن فقه وآداب الخلاف، وهذا الكلام كثيرا ما يدغدغ به متعالمو أهل الأهواء عواطف السذج والرعاع ليخففوا من وطأة سهام أهل السنة التي دكت أوكارهم، وأصابت مقاتلهم، وسحبت البساط من تحت أرجلهم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن اتبع هداه.
[1]- ذلك أن الاضطباع في طواف القدوم والرمل في الأشواط الثلاثة الأولى وهكذا صلاة العيدين في المصلى أمور مشروعة بحسب الزمان والمكان.
[2] هذا وما بعده من كلام الشيخ مقبل –رحمه الله- والبيتين من الشعر منقول من "أجوبة فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي السلفية على أسئلة أبي رواحة المنهجية ".