بسم الله الرحمن الرحيم
الرد المنصور على حسن شنقيطي المغراوي المغرور
(الحلقة الأولى)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه.أما بعد: فإن بلاد الإسلام –إلا ما شاء الله منها- تعيش في هذه الفترة فتنا مصطنعة ومدبرة من أياد عدائية للإسلام وأهله، وأعداء الإسلام من يهود ونصارى وسائر فجرة الكفار كعادتهم من فجر التأريخ إلى يوم الناس هذا لا يظهرون قيادتهم للفتن بين المسلمين وفي ديارهم؛ خشية أن ينقلب السحر على الساحر كما يقال ويُجهز على مكائدهم في مهدها، لكن يجعلون لهم بين المسلمين أُجراء وأعينا وأذنابا وأعوانا وأنصارا[1]، حتى إذا حبلت الفتن بين المسلمين، وأُبرم حبلها، وشب ضرامها، أقبلوا بقضهم وقضيضهم، في كبرياء وغطرسة، ووثبوا على خيرات المسلمين يستنزفونها، فيقتلون ويدمرون، ويغيرون ويبدلون باسم حقوق الإنسان، وحماية المدنيين و ... (!!!) وغير ذلك مما أمسى دجلهم فيه لا يخفى إلا على من طمس الله بصيرته، وغلبت عليه الشقاوة.
ومن أبرز الدعاة الذين كانوا آلة لأعداء الإسلام في هذا الزمان وكانوا شؤما ورزية على الإسلام وبلاد الإسلام والمسلمين :
يوسف بن عبد الله القرضاوي، وهذا المهووس الذي له في قلوب كثير من الرعاع والجهال منزلة؛ فإن كلمة أهل السنة تكاد تتفق على أنه رزية ونكبة على الإسلام وأهله؛ إذ ما من فتنة تصيب المسلمين إلا وله فيها يدا ملوثة تخدم مصالح الكفار، عدا ما نفث به من كفر وزندقة وأشياء ليس هذا محل بسطها، وتأييده للمظاهرات والفتن مما يضاف لسجله الكالح، وقد صدق فيه الشيخ الإمام المحدث مقبل الوادعي -رحمه الله- حين سماه "الكلب العاوي" كما في مصنفه المشهور في فضح هذا الكلب العقور، ووصفه الشيخ المحدث العلامة يحيى حياه الله بمنافق العصر، وبين شطحاته شيخنا المحدث الفقيه أبو أسامة سليم الهلالي كما في إحدى مقالاته وهكذا غيرهم من قبل ومن بعد.
وممن يجب على المسلمين أيضا الحذر منهم الإخواني محمد بن حسان المصري وأسامة القوصي والزنداني اليمني وغيرهم من أصحاب المناهج الهدامة، وعندنا بالمغرب الأقصى زعيم جماعة العدل والإحسان –زعموا- عبد السلام ياسين وأذنابه، وهكذا المغراوي القطبي وهو الذي حلّ في البلد بأخرة بعد غياب لمدة سنتين، صرح أول نزوله بعدما استقبله بحفاوة حزب العدالة والتنمية وكذا أتباعه بكثافة مصرحا أن أول مطلب ينبغي الاهتمام به هو فتح دور القرآن المغلقة، وقد خرج أنصاره قبل حلوله بأرض الوطن ودعوا بالمظاهرات، وهذا يبين أن الأمر كان يسير تحت إمرة (الشيخ!) المغراوي.
ومقالي إن شاء الله سيتناول بعض ما تقوَّله أحد أذناب المغراوي والذي له بعض الشهرة في أوساط المغراويين ومن لف لفهم ويتعلق الأمر بالمدعو حسن شنقيطي في محاضرة[2] ألقاها بعنوان "أحداث المغرب مطالب وحلول"، فقد تكلم عن المظاهرات ولبّس فيها وخلط وتملق وقلد وادعى ما ليس له إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
وكلمته هذه ألقاها يوم الجمعة 11 مارس 2011 بتاريخ النصارى كما أذاعوه.
قال شنقيطي في غرة كلامه : أيها الأفاضل يقول الحق جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) الآيات .
ثم قال: أريد أن أتطارح مع حضراتكم الليلة بعض المسائل التي أرى أن المجتمعات الإسلامية في حاجة ماسة إليها.
أقول: إن ذكره للآيات السابقة هي عليه وعلى أمثاله وليست لهم -والله-، كيف لا؛ وقد زعم كما سيأتي في تضاعيف كلامه أن المظاهرات ليس تَم من دليل يحرمها مع علمه بوجود علماء صرحوا بتحريمها، فكيف يستجيز لنفسه ذكر هذه الآيات، فأي استجابة لله وللرسول عنده وعند أنصاره، وأي فتنة هو فيها الآن ونظراؤه.
ثم قال: أول أمر نتذاكره هو ما يتعلق بحكم المظاهرات، كثر القيل والقال، وتكلم النساء والرجال، وتكلم الصغار والكبار، وياليت من لا يحسن شيئا أن يسكت عنه، ويا ليت المتعالمين يتركون المسائل الكبيرة لأهل العلم، يا ليت من لا يحسن علما أن لا يولج نفسه فيه، وقديما قالوا: لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله ابتليت الأمة في هذا العصر بالمتعالمين ابتلاء شديدا ..ولذلك صار بعض الصغار يتكلمون في المسائل الكبار يلتزم قبل أيام فيصير مفتيا .."اهـ.
أقول : قال ربنا في كتابه الكريم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)).
وفي صحيح البخاري من حديث أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: " يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ".
ومما ينسب لأبي الأسود الدؤلي –رحمه الله- قوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ** بالقول منك وينفع التعليم
وقوله: "ويا ليت المتعالمين يتركون المسائل الكبيرة لأهل العلم .. ابتليت الأمة في هذا العصر بالمتعالمين ابتلاء شديدا ..ولذلك صار بعض الصغار يتكلمون في المسائل الكبار يلتزم قبل أيام فيصير مفتيا" لم يسم لنا ولو فردًا ممن وصفهم بالتعالم، وماذا قالوا، وما الذي أخطئوا فيه!.
قال: أيها الأفاضل؛ إن المظاهرات، لم نجد لها دليلا في القرآن ولم نجد لها دليلا في السنة يبيحها، وكذلك لم نجد دليلا ينهى عنها في الكتاب والسنة، إذًا هذه مسألة ينبغي أن نتفق عليها، ليس هناك نص يبيح، وليس هناك نص يزجر وينهى.اهـ
أقول : قال الله عز وجل: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)).
وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- في رسالته النافعة المشهورة بـ"الأصول الثلاثة" والتي يحفظها أطفال أهل السنة بجدارة فقال: قال البخاري رحمه الله تعالى : بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، والدليل قَوْلِ تعَالَى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ واستغفر لذنبك)) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.اهـ
والذي يفتي الناس في أمور دينهم يوقع عن رب العالمين، قال العلامة ابن قيم الجوزية مصنفه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" :
" فَصْلٌ [ مَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ] وَلَمَّا كَانَ التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ بِمَا يُبَلَّغُ ، وَالصِّدْقَ فِيهِ ، لَمْ تَصْلُحْ مَرْتَبَةُ التَّبْلِيغِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا إلَّا لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ ؛ فَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا يُبَلِّغُ صَادِقًا فِيهِ ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ ، عَدْلًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، مُتَشَابِهَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَأَحْوَالِهِ ؛ وَإِذَا كَانَ مَنْصِبُ التَّوْقِيعِ عَنْ الْمُلُوكِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُ ، وَلَا يُجْهَلُ قَدْرُهُ ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّاتِ ، فَكَيْف بِمَنْصِبِ التَّوْقِيعِ عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ ؟ فَحَقِيقٌ بِمَنْ أُقِيمَ فِي هَذَا الْمَنْصِبِ أَنْ يَعُدَّ لَهُ عِدَّتَهُ ، وَأَنْ يَتَأَهَّبَ لَهُ أُهْبَتَهُ ، وَأَنْ يَعْلَمَ قَدْرَ الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ ، وَلَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَالصَّدْعِ بِهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ وَهَادِيهِ ، وَكَيْف هُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ } وَكَفَى بِمَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ شَرَفًا وَجَلَالَةً ؛ إذْ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } ، وَلِيَعْلَمَ الْمُفْتِي عَمَّنْ يَنُوبُ فِي فَتْوَاهُ ، وَلِيُوقِنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ غَدًا وَمَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ. اهـ
قلت: والأدلة على تحريم المظاهرات مستفيضة عند من ذاق طعم العلم وسرح نظره في دواوين السنة، وهكذا لو نظر طالب الحق أدنى تأمل في كتابات علماء أهل السنة بله طلابهم وما أوردوه من تحقيق دقيق وتقرير علمي متين في ذلك لقادته إلى بر الحق والصواب، بل لو اكتفى أي عاقل عمّا أسفرت عنه هذه المظاهرات في تونس ومصر وغيرها لأمسك برأسه من شدة هول ما حصل، لكن مع الأسف المنبت المنقطع عن هذا أو المتبع لهوى نفسه تجد أنه لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، فيتسنم مرتبة ليست له، ويفتي في أمور تعرض للمسلمين هو يجهلها أو يتجاهلها، ويتظاهر بمظهر العالم العارف، والحق أنه الجاهل الهارف، المتعالم المتهافت، وأمثال هذا لا أستبعد أن يفتي الناس في أمور نظائرها كان عمر –رضي الله عنه- يجمع لها أهل بدر.
ثم انظر كيف يرمي من يقول بالتحريم بالتعالم والصغر وإن مجمج في التصريح لكن السياق والسباق يفضحه، وهو حقيق بوصفه لغيره وينطبق عليه وينصب عليه انصبابا ذلك قوله: ياليت من لا يحسن شيئا أن يسكت عنه، ويا ليت المتعالمين يتركون المسائل الكبيرة لأهل العلم، يا ليت من لا يحسن علما أن لا يولج نفسه فيه، وقديما قالوا: لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله ابتليت الأمة في هذا العصر بالمتعالمين ابتلاء شديدا.
وقوله: إن المظاهرات، لم نجد لها دليلا في القرآن ولم نجد لها دليلا في السنة يبيحها، وكذلك لم نجد دليلا ينهى عنها في الكتاب والسنة.
أقول: هذا القائل –هداه الله- قال في غرة محاضرته كما سبق ذكره: " أريد أن أتطارح مع حضراتكم الليلة بعض المسائل التي أرى أن المجتمعات الإسلامية في حاجة ماسة إليها" هذا يوحي أن الرجل قد قطع المفاوز، واستقصى البحث في أطراف هذه المسألة التي يرى أن المجتمعات في حاجة ماسة إليها، فخرج من بحثه العميق موجها ومفتيا أن لا دليل في الكتاب والسنة يحرم أو يبيح المظاهرات!! فواعجبا لهذا البحاثة العلامة كيف لم يخرج ولو بنص يقطع بحظر أو جواز هذه المظاهرات؟!! وهذا أسلوب يتذرع به أهل الزيغ والشبه ليمهدوا السبيل لما يريدونه ويؤملونه.
ولو أن سائلا سأله عن حكم شرب الدخان أو غيره من المخدرات، أحرام هو أم حلال، ماذا سيكون جوابه يا ترى؟
الظاهر أنه سيقول بالتحريم سيما وأن شيخه المغراوي كفر المدخنين.
وهنا نسأله : ما الدليل على تحريمه؟
سيقول ولا شك بدخوله في عموم أدلة التحريم، لأنه لم يرد نص في تحريم التدخين بذاته، لذا سيكتفي بعموم الأدلة الدالة على تحريم الإضرار بالذات والغير وما إلى ذلك، وهناك أشياء كثير لم يرد اسمها بذاتها في نصوص الكتاب والسنة لكن حكمها إلحاقها بنظائرها المنصوص عليها لمشاركتها في العلة، فما الذي حمل (الأستاذ!)(الشيخ!!)(المفتي!!!) ليخرج بنتيجة بيضاء في حكم المظاهرات زاعمًا أن " هذه مسألة ينبغي أن نتفق عليها" !!، رويدك يا لكع(!) فما هكذا تورد الإبل، فلن يتفق معك إلا أحد رجلين هذا إن كان لهما وجود:
إما جاهل قد ساقه سوء حظه وجهله إليك فصدقك وأنتَ كذوب.
أو متجاهل منغض رأسه متبع لهواه كما هو شأن المترفعين من الحزبيين.
ولأن الشنقيطي نسي الحديث عن مصدر هذه المظاهرات أو أخفاها في نفسه ولم يُبدها وهذا أشبه؛ نقول بيانا لذلك:
قال فضيلة شيخنا المحدث الفقيه أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي:
وهذه المظاهرات والاعتصامات والإضرابات .. من استقرأ في تاريخها لا يجد لها نسبا أصيلا في الإسلام ، ولا يطعم لها مذاقا علميا له أصل في الكتاب والسنة، وهذا ما اتفقت عليه كلمات أهل السنة المعاصرين، وإنما طعمها ولونها ورائحتها ومذاقها مستورد من وراء البحار وخلف الحدود[3].اهـ.
فمن أين للقائلين بالتجويز أو المتذرعين إليه ببعض الشبه والتلبيس رغبة في استحسانها، ألهم كتاب يُتبع، أم سنة تُقتفى، (قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون)، الديمقراطية وما تفرع عنها من المظاهرات وسائر أساطير الكفار لا مكان لها في دين الإسلام، وعند الملتزمين تُداس تحت الأقدام ولا كرامة، وهم يرون تحريم التشبه بهم في قليل أوكثير لما ورد في ذلك من النهي الشديد، من ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- : " .. من تشبه بقوم فهو منهم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) "اقتضاء الصراط المستقيم".
وقال الحافظ بن كثير –رحمه الله- لما تعرض لذكر هذا الحديث في تفسيره: "فيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها".اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بعدما أورد جملة من الأدلة على مخالفة أهل الكتاب:
" قد ذكرنا من دلائل الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار ما دل على أن التشبه بهم في الجملة منهي عنه، وأن مخالفتهم في هديهم مشروع: إما إيجاباً وإما استحباباً، بحسب المواضع، وقد تقدم بيان أن ما أمر به من مخالفتهم - مشروع، سواء كان ذلك الفعل مما قصد فاعله التشبه بهم أو لم يقصد، وكذلك ما نهى عنه من مشابهتهم - يعم إذا قصدت مشابهتهم أو لم تقصد، فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها ما لا يتصور قصد المشابهة فيه، كبياض الشعر، وطول الشارب، ونحو ذلك.اهـ
وقد أورد أهل العلم أدلة وافرة في تحريم المظاهرات والمسيرات عن ذلك يقول الشيخ سليم –حفظه الله- :
الأول – لم تثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم يسلكها السلف الصالح مع وجود مقتضاها لأنها وسيلة للأمر والنهي، ولذلك فهي محدثة في الدعوة إلى الله، ودخيلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ولذلك فكل وسيلة لمقصد شرعي يجب أن تكون شرعية، لأن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، والغاية لا تسوغ الوسيلة في دين الله تبارك وتعالى، ولنأخذ مثالا على الوسائل المبتدعة التي أنكرها العلماء، فقد أنكر علماء السلف الصالح واشتد نكيرهم وتحذيرهم من وسائل دعوية محدثة أقل مفسدة من المظاهرات وأخواتها، فلما ظهر القصاصون واتخذوا القصص وسيلة للدعوة أنكر العلماء ذلك وحكموا عليها بالبدعة فقد قال الحافظ زين الدين العراقي –رحمه الله- في كتابه "الباعث على الخلاص من حوادث القصاص" بعد أن ساق حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: "فكان مما أُحدث بعده –صلى الله عليه وسلم- ما أحدثه القصاصون بعده مما أنكره جماعة من الصحابة عليهم، فهذه وسلة اخترعها القصاصون لم تكن على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا زمن أصحابه -رضي الله عنهم- قلذلك أنكرها العلماء، قال ابن عمر كما عند ابن ماجة : "لم القصص في زمن الرسول – صلى الله عليه وسلم- ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر" وقال السائل بن يزيد: "إنه لم يكن يُقص على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم- ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر". ولذلك حكم العلماء على القصص بأنها بدعة، فما بالكم بما هو أشد فتنة وأشد ضررًا من القصص؛ ألا نقول: إنها بدعة .
الوجه الثاني في تحريم المظاهرات وأخواتها: أنها أتَتنا عن طريق الكفار، ومقلديهم من دعاة الديمقراطية وبخاصة الغرب الصليبي، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال – صلى الله عليه وسلم- : "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه".
قالوا: اليهود والنصارى؟
قال: فمن" .
وهذا إخبار من النبي– صلى الله عليه وسلم- أن الأمة أو بعض الأمة سيُقَلد اليهود والنصارى، ولا شك أن المتظاهرين والمضربين قلدوا في طريقة إنكارهم .
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "لعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم". أخرجه الإمام أحمد وغيره بإسناد حسن.
فقوله: "من تشبه بقوم فهو منهم" دليل على التحريم بالتشبه بالكفار وما جاء عن طريقهم مما هو خاص بهم ويصلح عندهم ولا يصلح عند المسلمين.
الوجه الثالث لتحريمها عند العلماء: مخالفتها للهدي النبوي في الإنكار على ولاة الأمر.
فمن المعلوم ضرورة بالاستقراء التام الصحيح للسنة النبوية، وصريح الآثار السلفية؛ أن الإنكار على ولاة الأمر يكون في السر دون العلن، فقد قال النبي –عليه الصلاة والسلام- : "من أراد أن ينصح لسلطان فلا يبده له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه" أخرجه الإمام أحمد.
وقيل لأسامة بن زيد: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ أي لتنكر عليه [هذا في بداية لما بدأ الخوارج وابن سبأ يظهر معايب عثمان –رضي الله عنه- ]
فقال: "أترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم؟!!، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أُحب أن أكون أوّل مَن فتحه" رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث في الصحيحن ، ولما فُتح الباب الذي خشيه أسامة ترون ما جرى من قتل عثمان وقتل علي وفتن لا قِبل للمسلم بها حدث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن سعيد بن جهمان أنه قال: لقد عبد الله بن أبي أوفى فقلت له: إن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: "ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته وأخبره بما تعلم فإن قبل منك فدعه، وإلا فلست منه". فانظر إلى هذا الصحابي كيف يأمر بأن يكون نصح السلطان سرًّا.
وقال سعيد ابن جبير وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه : قلت لابن عباس آمرُ السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟
قال: إن خفت أن يقتلك فلا.
قال سعيد: ثم عدت فقلت، فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال في الرابعة : إن كنتَ فاعلا ولا بد ففي ما بينك وبينه.
وقيل لمالك بن أنس –رضي الله عنه- : إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون؟!
فقال: يرحمك الله؛ وأين التكلم بالحق؟! [انتهى نقل المراد-المصدر السابق].
قلت: وقد تضافرت كلمات أهل العلم في تحريم وتجريم المظاهرات منهم:
الأئمة الألباني وابن باز وابن عثيمين ومقبل بن هادي الوادعي وأحمد النجمي رحمهم الله، والشيوخ ربيع المدخلي وصالح الفوزان ويحيى الحجوري وغيرهم كثير ولم أعلم من خالف في هذا ممن يعتد به من أهل العلم.
وأكتفي بهذا إلى وقت قريب إن شاء الله مع دفعة أخرى.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو الدرداء عبد الله أسكناري
12 جمادى الأولى 1432هـ
أكادير –المملكة المغربية –حرسها الله-
[1]- وهؤلاء وإن كان البعض منهم ملبسا عليه وأشربوا من أهوائهم ما يوافق أهواء أولئك فذاك من سوء حظهم، فإن كانوا صادقين في طلب الحق أرشده الله بإذنه ويسر لهم أسباب ذلك، وإلا فلا يحزنك دم أراقه أهله.
[2]- وهي مسجلة بالصوت والصورة –فيديو- وقد ذكر أثناء كلمته أن له درسا قيما (!) ألقاه في كذا وكذا لكن يتحسر أنه غير مسجل بشكل جيد والصورة أيضا لم تكن واضحة كما ينبغي هذا ما قاله بمعناه، لذا فالصور مع ما ورد فيها من وعيد شديد أمست عندهم من الأمور المهمة في الدعوة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[3]- شريط تحت عنوان : "تنوير الظلمات بكشف مفاسد المسيرات والاعتصامات". وهو شريط مهم للغاية يدك بحق شبه أصحاب المظاهرات بشتى أنواعها فجزى الله الشيخ سليما خيرا على ما قدم ويقدم من خير.