الإتقان
في مناقشة الشيخ خالد بن عثمان
(في مسألة الانتخابات)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّدا عبد ورسوله ، أمّا بعد:
ولا يجوز لأهل السنة أن يسعوا لتحصيل الحقّ الذي لهم بأمور محرّمة بدعوى المصلحة !! ولو جاز دخول الانتخابات لأجل تحصيل الحقوق: لجاز الخروج بالسيف لنفس الغرض!! فكلّ منهما -الانتخابات والخروج- من المحرّمات في شريعة الإسلام ، فيُحتال لإباحتهما بدعوى المصلحة !! –زعموا- وقد استاء الكثير من أهل السنّة ممّا حصل مؤخّرا من أخينا في الله الشيخ خالد بن عثمان المصري حفظه الله ، حيث (أفتى) !! أهل تونس بجواز انتخاب من يرون -هم- أنّه الأصلح!!
وقد ردّ على هذه (الفتوى) !! شيخنا الفاضل أبو محمد عبد الحميد الحجوري -حفظه الله- ردّا طيّبا مدعّما بالدليل ، لكنّ الشيخ أبا عبد الأعلى لم يرجع عن قوله ، بل ردّ على الشيخ عبد الحميد بمقالين فرح بهما أعداء أهل السنّة الطاعنون في دار الحديث بدمّاج ، وترتّبت عليهما آثار سيّئة جدّا لو علمها الشيخ أبو عبد الأعلى -حفظه الله- لما أقدم على ما فعل.
من أجل ذلك: رأيت أن أنبّه أخانا الشيخ أبا عبد الأعلى على بعض ما وقع في كلامه من الأخطاء ، لعل الله عزّ وجلّ أن يوفقّه للتراجع عنها ، وأرجو منه أن يتقبّل كلامي هذا بصدر رحب وقلب منشرح -شأن أهل السنّة مع بعضهم البعض- والظنّ الحسن -إن شاء الله- بالشيخ أبي عبد الأعلى أن يتراجع عن كلامه بعد وضوح الصواب له.
وحتّى لا أتّهم بسوء الفهم أو تعمّد التغليط أقول: نحن لا نختلف مع الشيخ خالد بن عثمان -حفظه الله- في أنّ الأصل في الانتخابات التحريم ، لكن ننكر عليه إدخال استثناء على هذا الأصل بتجويزه لأهل تونس أن ينتخبوا من يرون فيه الصلاح أو قلّة الشر ، وذلك لأمور:
1/ أنّ هذا الأمر من النوازل التي لا تجوز الفتوى فيها إلاّ للعلماء ، والعلماء الذين أفتو بنحو كلام الشيخ أبي عبد الأعلى لم يجعلوا هذا قاعدة مطّردة في كلّ حالة تقع فيها الانتخابات ، وإلاّ عاد هذا الاستثناء المطّرد بالإبطال على حكم الأصل المحرّم ، بل كانت فتواهم موجّهة إلى أهل بلد معيّن ، وفي حالة معيّنة لا نأخذ منها عموما ، وقد ذكر هذا الشيخ أبو عبد الأعلى -نفسه- في مقاله الثاني ، فقال -حفظه الله-: ((واعلم أن واقع كل بلد يختلف عن الآخر، لذا فإن تنزيل هذه الفتوى على الواقع يحتاج إلى عالم رباني فقيه راسخ في علمه))أهـ ؛ فناقض بهذا قوله: ((إنما ذكرت ما أداني إليه اجتهادي في فهم النصوص الشرعية والقواعد الفقهية وتنزيل هذا على واقع المسلمين.)) أهـ
قلت: مع احترامي لك يا شيخ ، إلاّ أنّك طالب علم ولست بعالم تجتهد وتذكر ما أداك إليه اجتهادك !! ويدلّ على هذا قولك في آخر مقالك: ((وفي نهاية الأمر، لا يسعني إلا أن أرفع هذا البحث برمته إلى العلماء كي يقولوا كلمة الفصل بيني وبينك)) أهـ
فإذا كان الأصل هو التحريم ، أمّا الإباحة فهي استثناء ، وكان الاستثناء يعد من الإفتاء في النوازل ، الذي يحتاج تنزيله على الواقع إلى عالم رباني فقيه راسخ في علمه: فإنّ الواجب علينا في هذه الحالة أن نبقى على الأصل حتّى يأتي الناقل عنه ، وننتظر حتّى يفتي العلماء ، فإذا أفتوا: فإن أجمعوا على قول لم يجز لنا أن نخالفهم ، وإن اختلفوا فالواجب أن نتّبع الأقوى دليلا ، ولا يجوز لطالب العلم أن يقدم بنفسه على الافتاء في نازلة لم يفت فيها العلماء!
ولقد كان قول الشيخ عبد الحميد الحجوري موافقا للصواب ، وذلك ببقائه على الأصل لعدم ورود ناقل عنه ، لهذا فإنّه لا يعتبر مفتيا في نازلة ، بل يعتبر باقيا على أصل متّفق عليه ، بخلاف الشيخ أبي عبد الأعلى.
2/ لو فرضنا أنّ عالما أو علماء أفتوا لأهل تونس بما يوافق كلام الشيخ أبي عبد الأعلى ، وخالفهم عالم آخر أو علماء آخرون فمنعوا ، فإن الحق يكون مع المانع ، وأستشهد على هذا بما ذكره الشيخ أبو الأعلى -نفسه- في مقاله الثاني.
قال -حفظه الله-: ((إذا غلب على الظن أن هذه الانتخابات معدومة النزاهة قائمة على التزوير، ففي هذه الحال لا مصلحة من انتخاب فلان أو علان؛ لأنه في النهاية صاحب القدرة على التزوير هو الذي سينتصر.))أهـ
أقول: إنّ أدنى تأمّل في الأحداث الماضية قريبا ، يبيّن للنبيه الفطن أنّ ما وقع من أحداث في بلاد المسلمين ، ليس سوى أمر مخطّط له من قبل أعداء الإسلام ، وبتعاون مشترك حثيث بين اليهود والنصارى والرافضة ، فإن الأمريكان لن يقدموا على الانسحاب من أفغانستان والعراق إلاّ إذا وجدوا البديل لهم عنهما ، وإنّ أفضل بديل لهم هو ليبيا ، فإنّها الأسهل والأوفر خيرا لهم ، فعدد الليبيين لا يكاد يتجاوز عدد المسلمين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان على يد أعداء الله ، لكن: كان المشكل الوحيد عند هؤلاء هو الدول المسلمة المجاروة لليبيا ، والتي إن لم تدافع عن المسلمين الليبيين فستدافع عن أمن حدودها ، وهي الجزائر و تونس ومصر ، فأقاموا فيها ثورات كان المقصود منها إسقاط هذه الدول ليخلو لهم الجو ، وقد تمكّنوا ممّا أرادوا ، فمصر لا رئيس لها يمنع اقتراب الخطر من الحدود أو يعارض قوى الكفر ، وكذلك تونس ، أمّا الجزائر فإنّها مشغولة بالمشاكل الداخلية ، ومحاولة تثبيت الاسقرار ووأد الفتنة.
ولا يمكن لعاقل أن يتصوّر قيام أمريكا وحلفائها بقصف الجيش الليبي بمئات الصواريخ التي يتعدى ثمن الأرخس منها 300 دولار ، إضافة إلى تكلفة التنقل والشحن ، والمخاطرة بأرواح الجنود ، ودفع منح الخطر لكل المشاركين في العمليات ، ثم يكون الهدف من ذلك هو الدفاع عن الشعب الليبي المسلم !!
فإذا تقرّر هذا فاعلم أنّ أعداء الله قد أخذوا تدابيرهم وخططهم ، فلن يحكم مصر ولا تونس إلاّ من لا يعارض إرادة أمريكا ﴿فستذكرون ما أقول لكم﴾ وعلى هذا: فقد غلب على الظن أن هذه الانتخابات معدومة النزاهة قائمة على التزوير، ففي هذه الحال لا مصلحة من انتخاب فلان أو علان؛ لأنه في النهاية صاحب القدرة على التزوير هو الذي سينتصر.
وقال -حفظه الله-: ((فالغرض من انتخاب الأصلح هو تقليل هذا الشر))أهـ
فأقول: من الذي سيحدّد كون فلان هو الأصلح ؟؟!
إذا كان الشعب هو من سيحدّد -كما هو ظاهر كلامك في المادة الصوتية- فإنّ الشعب نفسه غير صالح إلا القليل ، فكيف يستطيع أن يعرف الأصلح من غيره؟!!
وإذا كان العلماء هم من سيحدّد ، فإنّ غالب الشعب التونسي لا يعرف العلماء ، ولا يثق بفتاويهم ، وكذلك الشعب المصري والجزائري والليبي ، ولا أدلّ على ذلك من قيامهم بالثورات وأخذهم بكلام علماء الضلال أمثال القرضاوي ، وإهمالهم لنصائح علماء أهل السنّة في هذا.
أمّا أهل السنّة فإنّهم قليل في الجزائر ومصر وليبيا ، وأقل من القليل في تونس التي كان كلامك موّجها إلى أهلها ، فلو فرضنا أنّ جميع أهل السنّة في تونس أخذوا بكلامك واتفّقوا على شخص يرون أنّه الأصلح ، ولم يحصل تزوير في الانتخابات: فلن تأثر أصواتهم في النتيجة إلاّ كما يأثّر كأس ماء في غابة تتحترق !! فيكون حفظ كأس الماء لأمر أنفع أولى من تبذيره بغير فائدة ، وكذلك القلة القليلة من أهل السنّة في تونس ، فإنّ حفظ دينهم عليهم أولى من إيلاجهم في إثم الانتخاب بغير فائدة ، هذا لو قدّرنا المقدمات الثلاث التي مرّ ذكرها ، فما بالك إذا كنا نكاد نجزم بعدم وقوعها ؟؟!
فإن قلت: على أهل السنّة أن يدعوا النّاس إلى انتخاب (فلان) لأنّه الأصلح !!
أقول: أهل السنّة غرباء (من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) كما ثبت في الحديث [الصحيحة: 1619] ، والنّاس لم يستجيبوا لهم بترك المظاهرات المحرمة ، ولا بترك الثورات التي مفاسدها ظاهرة كقتل الأنفس والاعتداء على الأملاك ، فكيف يستجيبون لهم في انتخاب (فلان) مع ذكرهم لهم أنّ أصل الانتخابات حرام!!
فعلم من هذا أنّه لا فائدة ترجى من إفتاء أهل السنّة بمثل هذا ، فإن أخذهم بهذه الفتوى لن يكون له أي تأثير على نتيجة الانتخابات ، لقلّتهم وتعسر -بل تعذر- تحديد الأصلح ، مع غلبة الظن أنّ التزوير سيحصل ؛ فالواجب في هذه الحالة أنّ نبيّن للناس تحريم الانتخابات والديمقراطية ، لأنّ هذا من الدعوة إلى الله وتعليم الخير الذي ننال به أجرا لمنعنا الناس من الوقوع في الحرام ، ولو كان عدد المستجيبين قليلا فلن يضرنا هذا.
القواعد التي استدل بها الشيخ أبو عبد الأعلى حفظه الله
· " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ".
· " إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما ".
· " الضرر يزال".
· " يختار أهون الشرين ".
· " يُتحمل الضرر الخاص لدرء ضرر عام ".
وهي ترجع في الحقيقة إلى قاعدتين: قاعدة الترجيح بين المصالح والمفاسد ، وتندرج تحتها القاعدة الأولى والثانية والرابعة ؛ وقاعدة دفع الضرر وتندرج تحتها القاعدة الثالثة والخامسة ، وهذه قواعد صحيحة بلا شكّ ، لكنّها لا تسعفك في هذا المقام ، ويبيّن ذلك بما يلي:
-أنّ الترجيح بين المفاسد والمصالح له ضوابطه المعلومة المشهورة ، ومنها أنّ المصالح والمفاسد على ثلاثة أقسام: محققة و ظنيّة وموهومة .
والمفسدة في الإقدام على الانتخابات في تونس محقّقة ، وهي الوقوع في الحرام ، أمّا المصلحة فإنّها ظنيّة إن لم تكن موهومة ، على ما مرّ ذكره ، فيقدّم دفع المفسدة المحقّقة على جلب المصلحة الظنيّة؛ ولو قدّرنا تساوي المصلحة والمفسدة من كلّ الوجوه: فإن الدخول في الانتخابات في مفاسد كثيرة يقدّم دفعها على جلب مصلحة انتخاب الأصلح ، وهذا هو التطبيق الصحيح لقاعدة: (دفع المفاسد أولى من جلب المصالح) فهي في الحقيقة دليل عليك لا لك.
-أنّ إزالة الضرر له ضوابطه أيضا ، ومن ضوابطه أن نعلم أو يغلب على ظنّنا أنّ الضرر الأكبر سيزول بارتكابنا للضرر الأصغر ، وهذا العلم أو الظن الغالب غير متوفّر في قضيّة تونس ، بل الظن الغالب على خلافه ، بل يكاد وقوع خلافه يكون يقينا إلاّ أن يشاء الله ، فارتكاب الضرر الأصغر في هذه الحالة ليس سوى إضافة ضرر إلى ضرر ، فهو كالإبل الهيام التي كلما شربت الماء ازدادت به عطشا حتّى تموت به ، هذا لو سلّمنا أن المشاركة في التصويت أخف ضررا مما ينتج عن تركه ، ما بالك إذا كان هذا غير مسلّم.
وقد قلت حفظك الله في مقالك الأوّل: ((وأخيرًا أورد على أخينا عبد الحميد إيرادًا أرجو أن يرد عليه، ألا وهو:
إذا ترشح في الانتخابات رافضي يدعو إلى الرفض، وسني يحارب الرفض لكنه عاصي فاسق لا يحارب المعصية، لكنه لا يحارب السنة ويقيم الشعائر الظاهرة للإسلام، وثالث علماني شيوعي ليبرالي يدعو إلى التحرر من الأحكام الشرعية، وينتصر للإباحية المطلقة، وجرت انتخابات عادلة لاختيار الأكثر أتباعًا من الشعب، ولا قدرة لأهل الحق على منع هذه الانتخابات، والناس سوف تذهب للانتخاب – شئنا أم أبينا-، فهل من الحكمة الشرعية أن نترك الناس حيارى؟! أم الواجب أن نبين لهم حكم الانتخابات وأنها لا تجوز، ولكن ينبغي أن نناصر المسلم السني – وإن كان عاصيًا- لدفع شر هذا الرافضي أو ذاك العلماني الخبيث.))أهـ
فأقول جوابا على هذا: لو كان الحاكم على شرّ عظيم ، من بدعة يدعو إليها أو يكره النّاس عليها كما كان الواثق وغيره ممن أكره العلماء على القول بخلق القرآن ، أو محاربة للسنّة بل وقتل لأهلها وتشريد لهم ، فقام أحد قادة الجيس بالخروج عليه والانقلاب ضدّه ، ونحن نعلم أنّ هذا المنقلب لو تمكّن لمكّن لأهل السنّة ولحارب البدعة ، وهب أنّه أقوى من هذا الحاكم وأنّ الجيش تحت يده ، وأنّه يستطيع تغييره وعزله بدون إزهاق للأنفس المسلمة ، ولا يحتاج منّا سوى الخروج إلى (ميدان التحرير) أو الاعتصام أمام مقرّ الرئاسة ، أو الخروج في (مسيرات سلميّة) فهل تُجَوّزُ لنا أن نعينه بهذه المعاصي كما جوّزتَ الانتخابات لأهل تونس ، أو يكون موقفك كموقف الإمام أحمد من سلطان عصره ؟؟! وهل نترك الناس حيارى أو نقول لهم: أصل المظاهرات والمسيرات حرام ، لكن نعين الأصلح من باب تقليل الشرّ وتكثير الخير؟!! فأنت ياشيخ بين أمور ثلاثة لا رابع لها:
-إمّا أن تجوّز الصورتين معا زعما أنّ هذا من باب تخفيف الشرّ!!
- وإمّا أن تحرّمهما معا كما هو الحقّ.
-وإمّا التناقض ، فإذا كانت هذه المسيرات والاعتصامات لا تجوز في هذه الحالة مع غلبة الظنّ أن هذا العسكري سيتغلّب وأنّه سيمكن لأهل السنّة ، فمن باب أولى لا تجوز الانتخابات التي نتائجها محسومة ومعدّة مسبّقا !!
وأنا –لحسن ظني بك- أنزّهك عن الوقوع في مثل هذا التناقض الفاحش ، وأنزّهك –من طريق أولى- عن القول بجواز الصورتين جميعا ، فلم يبق إلاّ تحريمهما جميعا ، والظن بكم إن شاء الله هو المصير إلى هذا بإعانة الله لكم.
نعم . . . سنفرح لتغلّب الصالح على الطالح ، أو قل: لتغلّب الأقل شرا على الأكثر شرّا ، لكن هذا لن يدفعنا لإعانته بمعصية ، بل يكون موقفنا كوقف الصحابة من فارس والروم ، لما فرحوا بتغلّب الروم لكن لم يعينوهم بشيء.
الموقف السلفي من كلام من زلّ من العلماء في هذا الباب
قال الشيخ ربيع في رسالته "حقيقة المنهج الواسع الأفيح" في معرض رده على المفتون أبي الحسن المصري في اعتذاره للمجيزين للانتخابات بدعوى أن علماء أفتوا بذلك: ((انظر كيف يعتذر لهم ، فهل تعلقهم بفتاوى بعض العلماء وعدم التفاتهم إلى أقوال الآخرين الذين بأيديهم الحجج والبراهين يعتبر عذراً عند الله ألا يدل عملهم هذا على أنهم من أهل الأهواء ألا ترى أنهم مخالفون لأمر الله ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ ألا تراهم مخالفين لقول الله: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما﴾. ))أهـ
فإذا علمنا هذا: بقي علينا أن نعلم موقف الإمام الألباني -رحمه الله- من هذه المسألة ، قال أخونا أبو حاتم يوسف الجزائري في آخر رسالته "تحذير ألي الألباب" ما يلي:
( تجلية موقف الإمام الألباني من الانتخابات الدّيمقراطيّة)
ولعل أكثر مَنْ سمعنا أصحابَ الانتخابات يحتجون بقوله، ويجعلونه من حججهم وأدلتهم؛ هو الإمام الألباني رحمه الله تعالى، وبخاصة فتواه للجزائريين أصحاب جبهة الإنقاذ - هداهم الله-.
وفي الحقيقة ليس لهؤلاء متمسّك بفتوى هذا الإمام .
ويتجلّى ذلك ويتّضح بما يلي من البيان الذي نحسبه- بإذن الله تعالى- كافيًا في ردّ التشبث بفتواه رحمه الله، فنقول :
الأمـر الأول :
إنه من المعلوم عند القاصي والداني ممن عرف دعوة الإمام الألباني؛ أنه-رحمه الله- أفنى عمره في الدفاع عن السنة وأهلها، محاربة البدع والضلالات، ومن ذلك الانتخابات الديمقراطية.
قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي- حفظه الله- في "انقضاض الشهب السلفية على أوكار عدنان الخلفية"وهو يردّ على الضال عدنان عرعور: ( لماذا نسيت علماء السنة الذين هم عقيدةً ومنهجاً وواقعاً أعظم الناس تأصيلاً صحيحاً، وأعظم الناس وقوفاً في وجه ما تذكر، ومنهم الشيخ العلامة الألباني، فهو الذي علّم الناس فعلاً الحربَ على الانتخابات والانقلابات والإضرابات، لا سيد قطب ولا غيره من أهل البدع، وما عرفنا الألباني إلا وهو ضد هذه الضلالات).
وهذا على خلاف الذين يحتجون بفتواه رحمه الله تعالى، فهم من المثبطين عن محاربة الانتخابات، بل من الدعاة إليها!! فشتان بين الموقِفَيْن!!
الأمـر الثاني :
أن أصحاب جبهة الإنقاذ؛ إنما كان استفتاؤهم للإمام الألباني - رحمه الله تعالى- للدّخول في الانتخابات قبل يومين من موعدها المقرّر!! وقد كان دخولهم في المعترك السياسي قبل ثلاث سنوات من ذلك دون أن يستفتوه أو غيره من أهل العلم السلفيين في حكمه!! مما يدل على أنهم ليسوا حول فتاوى العلماء! وإنما بحثُهم عنها في المواضع التي تكون الأسباب - مع المكر والتلبيس!- قد تدعو إلى الفتوى لصالحهم وتأييد مرادهم!
حيث أرسلوا له (فكسا) فيه ستة أسئلة حول ما هم قادمون عليه من الانتخابات والبرلمانات، فيما يزيد على ست صفحات ، وقد نُشر نصها في "مجلة الأصالة" العدد الرابع (ص15-22)، ونقله الشيخ عبد المالك رمضاني الجزائري-وفقه الله- في كتابه "مدارك النظر في السياسة"ص(337-343) ولولا خشية الطول لذكرت الكلام جميعه، ولقد لخّص هو مضمونها هناك فقال :
( لقد استغل بعض الحزبيين كلام الشيخ ليدّعي أنه يرى جواز دخول البرلمان والانتخابات! مع أن هذا الذي نقلْتُه هنا عن الشيخ من أوضح الواضحات في نفي ذلك ، لكن خوفا من أن ينطلي أمرهم على السّذّج أقول :
إن الشيخ يرى تحريم دخول البرلمان وما يتْبَعُهُ من انتخاب لدليلين قد ذكرهما هو نفسه هنا وهما:
الأول : أنه بدعة؛ إذ وسائل الدعوة في مثل هذه توقيفية....
والثاني : أنه تشبه بالكفار، إذ لا يختلف اثنان في أنه نظام مستورَد منهم.
فهذان الأمران يدلان على أن الشيخ لم يحرِّمه لمفسدة زمنية أو مكانية يمكن نسخها بمصلحة زمنية أو مكانية، كلاّ !! بل حرّمه لذاته، فتنبه! ولا يلتبسنّ عليك أن جوز الشيخ الانتخاب لبقية المسلمين بما فيهم النساء؛ لأن هذا قاله الشيخ في حالة ما إذا تعنّت السياسيون وأبوا إلا دخول البرلمان، فحينئذ ما داموا داخلين- وإن رغمت فتاوى أهل العلم- فقد رأى الشيخ أنه لا بد على غيرهم من المسلمين أن ينتخبوا أقرب حزب إلى الإسلام، من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى، ولكن الشيخ ينهى عن الدخول معهم في التحزب والتنظيم...وكثيرا ما سُجِّل قول الإمام الألباني-رحمه الله تعالى- للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، وغيرها: (إن ركبتم رؤوسكم وأردتم أن تكونوا كبش الفداء، فعلى المسلمين الآخرين أن يختاروا من هذه الأحزاب أقربها إلى الإسلام، لا لأنهم سيقدمون خيرا !! ولكن من باب التقليل من شرهم)اهـ المراد.
قلت : وصرح بأنه يائس من أن يثمر الدخول إلى البرلمانات شيئا !! حيث جاء في فتواه المشار إليها سابقا لجبهة الإنقاذ:
(..السؤال الثاني: ما الحكم الشرعي في النصرة والتأييد المتعلقين بالمسألة المشار إليها سابقا (الانتخابات التشريعية)؟
الجواب: في الوقت الذي لا ننصح أحدا من إخواننا المسلمين أن يرشح نفسه ليكون نائبا في برلمان لا يحكم بما أنزل الله، وإن كان قد نص في دستوره: (دين الدولة الإسلام) فإن هذا النص قد ثبت عمليا أنه وضع لتخدير أعضاء النواب الطيبي القلوب!! ذلك لأنه لا يستطيع أن يغيِّر شيئا من مواد الدستور المخالفة للإسلام، كما ثبت عمليا في بعض البلاد التي في دستورها النص المذكور.
هذا إن لم يتورط مع الزمن أن يُقرّ بعض الأحكام المخالفة للإسلام بدعوى أن الوقت لم يحن بعدُ لتغييرها كما رأينا في بعض البلاد؛ يغيِّر النائب زيّه الإسلامي، ويتزيّا بالزّيّ الغربي مسايرة منه لسائر النواب! فدخل البرلمانَ ليُصلحَ غيرَه فأفسد نفسَه، وأوّل الغيث قطرٌ ثم ينهمر! لذلك فنحن لا ننصح أحدا أن يرشّح نفسه، ولكن لا أرى ما يمنع الشعبَ المسلم إذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام وفيهم مرشَّحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج، فننصح -والحالة هذه – كلَّ مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط ومن هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح الذي تقدم بيانه.
أقول هذا- وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والانتخاب لا يحقّق الهدف المنشود كما تقدم بيانه- من باب تقليل الشّرّ، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء.
- إلى أن قال رحمه الله:- فعليكم إذن بالتصفية والتربية وبالتأنِّي؛ فإن « التّأنّي من الرحمن والعجلة من الشيطان»، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، ولذلك قيل: من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه، ومن رأى العبرة بغيره فليعتبر، فقد جرّب بعض الإسلاميين من قبلكم في غير ما بلد إسلاميّ الدخولَ في البرلمان بقصد إقامة دولة الإسلام، فلم يرجعوا من ذلك ولا بخفّي حنين!! ... ) اهـ .
فإلحاق فتوى دعاة الانتخاب بفتوى الإمام الألباني قياس مع الفارق الشاسع، ومكر وتلبيس واسع!!
ويؤيد ذلك أيضا أن الإمام الألباني-رحمه الله تعالى- سُئل كما في شريط مسجّل من "سلسلة الهدى والنور" رقم (352/2) :
سمعنا أنك قلت يا شيخ : يجوز- أي دخول البرلمانات- ولكن بشروط؟!
قال الشيخ: لا! ما يجوز! هذه الشروط إذا كانت تكون نظرية وغير عملية، فهل أنت تذكر ما هي الشروط التي بلغتك عني؟
قال السائل: الشرط الأول: أن يحافظ الإنسان على نفسه.
قال الشيخ: وهل يمكن هذا؟!
قال السائل: ما جرّبتُ!!
قال الشيخ: إن شاء الله ما تجرّب! هذه الشروط لا يمكن تحقيقها؛ ونحن نشاهد كثيرا من الناس الذين كان لهم منطلق في حياتهم- على الأقل- في مظهرهم..في لباسهم..في لحيتهم.. حينما يدخلون ذلك المجلس- أي مجلس البرلمانات- وإذا بظاهرهم تغيّر وتبدّل!! وطبعا هم يبررون وذلك ويسوغونه: وأن هذا من باب المسايرة.....
فرأينا ناسا دخلوا البرلمانات باللباس العربي الإسلامي، ثم بعد أيام قليلة غيروا لباسهم! وغيروا زيّهم! فهذا دليل الفساد أو الصلاح ؟؟!
قال السائل: الشيخ يعني الإخوة في الجزائر وعملهم هذا ودخولهم المعترك السياسي؟
قال الشيخ: ما ننصح! ما ننصح في هذه الأيام بالعمل السياسي في أي بلد من بلاد الإسلام..) انظر"مدارك النظر في السياسة"ص(345) .
* وسئل الإمام الألباني رحمه الله تعالى أيضا:
من منطلق القاعدة التي تقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالاشتراك في الانتخابات يكاد يكون واجبا (!!) ، ولذلك نريد منكم جزاكم الله خيرا أن تبينوا لنا الأدلة الشرعية في مسألة الانتخابات والاشتراك بها والتصويت عليها، وما هو البديل في هذه الحالة؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب رحمه الله تعالى: نحن قد تكلمنا في هذه المسألة مرارا وتكرارا، وقلنا: إن المشاركة في الانتخابات هو ركون إلى الذين ظلموا، ذلك لأن نظام البرلمانات ونظام الانتخابات، كل مسلم عنده شيء من الثقافة الإسلامية الصحيحة، كل مسلم يعلم أن نظام البرلمانات ونظام الانتخابات ليس نظاما إسلاميا، ولكن في الوقت نفسه أظن أن كثيرا ممن لهم نوع من المشاركة في شيء من الثقافة الإسلامية يتوهمون أن البرلمان هو مثل مجلس شورى المسلمين !! وليس الحال كذلك إطلاقا ، بعضهم يتوهم أن البرلمان التي ترجمته مجلس الأمة
أنه يشبه مجلس الشورى التي أُمرنا بها في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!! وليس الأمر كذلك البتة، وذلك يتبين لكل مسلم بصير في دينه من كثير من النواحي أهمها :
- أن هذه البرلمانات لا تقوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل نستطيع أن نقول : إنها لا تقوم على مذهب من المذاهب الإسلامية المتبعة كما كان الأمر في العهد العثماني، كانوا يحكمون بمذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهذا وإن كان لا نؤثره ولا نفضّله على ما ندعو الناس إليه من التحاكم إلى الكتاب والسنة، ولكن شتان بين ذلك الحكم الذي كان يحكم بمذهب من مذاهب المسلمين الذي أقيم على رأي أحد المجتهدين الموثوق بعلمهم، وبين هذه البرلمانات القائمة على النظم الكافرة التي لا تؤمن بالله ورسوله من جهة بل هم أول من يشمله مثل قوله تبارك وتعالى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[التوبة: ٢٩]، فيا عجبا لمسلمين يريدون أن ينتموا إلى برلمان يحكمون!!!
ثانيا: مجلس الشورى لا يشترك فيه كل مسلم، مجلس الشورى إنما يشترك فيه خاصة الأمة، بل لعلنا نستطيع أن نقول: إنما يشترك فيه خاصة خاصة الأمة وهم علماؤنا وفضلاؤنا.
أما البرلمان فيشترك فيه ما هب ودبّ من المسلمين بل ومن المشركين بل ومن الملحدين!! لأن البرلمان قائم على الانتخابات، والانتخابات يرشح فيها من شاء نفسه من الرجال بل وأخيرا من النساء أيضا، من المسلمين والكافرين، من المسلمات والكافرات، فشتان بين مجلس الشورى في الإسلام وبين ما يسمى اليوم بالبرلمان...
ثم لو أن الأمر أمر الانتخابات كان يجري-كما يقولون- بحرية كاملة تامة، أي أن الشعب -كما يقولون- يختارون بمحض حريتهم وإرادتهم من ينوب عنهم يرفع إليهم قضاياهم ومشاكلهم فيما إذا عرضت لهم كان الأمر أهون بكثير مما هو الواقع، فكيف وكل البلاد لا يستثنى منها بلد لا مسلم ولا كافر تباع هناك الأصوات وتُشترى الضمائر!! فكيف يحكم المسلمون بمثل هذه الانتخابات التي هذا شيء من سوء وصفها، هذا ما يمكن أن يقال بالنسبة إلى ما فهمته من شق من السؤال.
أما الشّقّ الثاني؛ لا أستطيع أن أقول: إنها شنشنة في هذا الزمان أن يقال: ما هو البديل!! كلمة سهلة جدا! ولسهولتها يلجأ إليها الضعفاء ضعفاء الناس والذين ابتلوا بالابتعاد عن هدى القرآن وعن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، هم يريدون البديل أن يحققوه ما بين عشية وضحاها ) من شريط "أسئلة الطالب اليماني لطلبة الألباني".
وممّا يبيّن ذلك أكثر ما حدّث به الشّيخ عبد المالك رمضاني الجزائري أن الشّيخَ سليماً الهلالي حفظه الله كان عند الإمام الألباني رحمه الله عند أنْ وصل إليه خبرُ فوزِ الجبهةِ الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات البرلمانية فقال: قال الشيخ:
هذه رغوة فقاقيع!! اهـ من"مدارك النظر".
أبعد هذا يقال : إن الشيخ الألباني رحمه الله يفتي بالانتخابات؟!
الأمـر الثـالث :
وهو ما يُبْطِل دعوى كلِّ متمسّك بقوله، ويؤيّد بقوّة حرمةَ الدّخول في الانتخابات والبرلمانات، ويسدّ الباب على كلّ طامع في الاحتجاج بفتواه رحمه الله تعالى .
وذلك أن الإمام الألباني رحمه الله تعالى لما أفتى في شأن الانتخابات بالجزائر، بيّن الإمام الوادعي رحمه الله تعالى خطأه فيها وكذا خطأ غيره ممن أفتى بالانتخابات، ووعد بإرسال النصح لهم بالرجوع عن هذه الفتاوى التي لا تزيد الأمة إلا ضرراً.
قال الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى: (وهذه الفتوى قد اتصلتُ بشأنها بالشيخ الألباني حفظه الله وقلت له: كيف أبحتَ الانتخابات؟ قال: أنا ما أبحتها ولكن من باب ارتكاب أخفّ الضّررين.
فننظر هل حصل في الجزائر أخف الضّررين أم حصل أعظم الضّررين؟ واقرأوا ترجمة أبي حنيفة تجدون علمائنا ينهون عن الرأي والاستحسان، ويرون أنه سبيل الاعتزال وسبيل التجهم، أما فتوى الشيخ الألباني فهم يأخذونها من زمن قديم...-إلى أن قال رحمه الله:- فيجب على المشايخ أن يتراجعوا، وسنرسل إليهم إن شاء الله، فإن لم يتراجعوا فنحن نشهد الله أننا براء من فتواهم لأنّها مخالفة للكتاب والسنة، رضوا أم غضبوا، أعراضنا ودماؤنا فداء للإسلام، ولا نبالي بحمد الله...)" تحفة المجيب"(ص 311-316) طبعة دار الآثار.
ثم إن الإمام الوادعيَّ أرسَـل إلى الإمامِ الألبانيِّ- رحمهما الله تعالى- أوراقا فيها المنع من الانتخابات، وأنه لا يجوز الخوض بشيء منها، بتوقيعه وتوقيع بعض مشايخ اليمن، فما كان من الإمام الألباني إلا الاستجابة وضمّ صوته إلى صوتهم، وعليه استقرّت فتواه رحمه الله تعالى.
* فقد سئل فضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي- حفظه الله-: يا شيخ اليمن مُقْبِلة على الانتخابات، ولعلهم الآن فيها أو انتهوا منها، فما حكم الخوض فيها وإعطاء الأصوات للمرشحين أو المشاركة في هذه الانتخابات ؟
فأجاب : رأيُنا في الانتخابات وفي الترشيح هو رأي بيّنّاه قديما : أنه لا يجوز، ونشرنا ذلك في مجلتنا الأصالة، وقد أتى للشيخ – يعني الإمام الألباني- حفظه الله خطابٌ من الشيخ مقبل، ووقّع عليه بعض أهل العلم في اليمن وكذلك وقّع عليه شيخنا؛ أنه لا يجوز خوض هذه الانتخابات ولا يجوز الخوض بشيء منها فإن هذه طريق من طرق الشيطان، وطريق لإعلاء كلمة الباطل، وليس طريقة لإعلاء كلمة الحق أو كلمة الله تبارك وتعالى..) من شريط "أسئلة الطالب اليماني لطلبة الألباني".
* وسئل علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي هداه الله- قبل أن يصيبه ما أصابه!!-: عمّا يُنسب إلى الإمام الألباني رحمه الله تعالى من جواز المشاركة في الانتخابات؛ فأجاب :
(هذا كلام باطل، وما نعرفه عن الشيخ منذ حوالي من عشرين عاما، هو على القاعدة التي ذكرها أخونا أبو أسامة [يعني الشيخ سليم الهلالي] حفظه الله مِن منع ذلك، والورقات البيّنة الواضحة التي فيها حكم هذا الشيء بتوقيع الشيخ مقبل وبعض إخوانه وبعض المشايخ هنالك، ولمّا أُرسلت إلى الشيخ الألباني فإذا به يضمّ صوته إلى صوتهم وبالتالي هذا هو الكلام الواضح والقول الظاهر الحق اللائح، وأما ما قد يفهمونه فهما ويستخرجونه استخراجا ويستنبطونه استنباطا من كلام آخر قد يكون هنا أو هناك من كلام الشيخ فهذا إنما هو ليس عين قوله وليس أصل كلامه وفتواه والله تعالى أعلم، ثم هم يلتصقون باسم الشيخ عند الشيء الذي يريدونه، فهم يشابهون في ذلك أهل الأهواء كما قال وكيع بن الجراح: (أهل الأهواء يقولون الذي لهم ويكتمون الذي عليهم) وهكذا هؤلاء، إذا الشيخ الألباني وافق شيئا وافق ما هم عليه نشروه في الدنيا، فإذا خالف ما هم عليه كتموه وكبتوه....) من شريط: "أسئلة الطالب اليماني لطلبة الألباني".
(خــلاصــة)
ومما مرّ؛ يتبيّن جليًّا موقفُ الشيخِ الألباني -رحمه الله تعالى- من الانتخابات الديمقراطية :
1- بأنه لا يُجوِّز الدّخول في الانتخابات مطلقا، سواء لدخول البرلمانات أو غيرها.
2- أنه لا يؤمن بحصول أي ثمرة أو مصلحة من وراء الانتخابات، وصرح بأنه يائس من ذلك لما فيها من المفاسد والأضرار التي تربو على تلك المصلحة المزعومة.
3- وأنه قرّر بأن تلك المصلحة- إن وُجدت- فإنما هي نظرية لا وجود لها في الواقع.
4- أن فتوى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى منحصرة فيما إذا عاند المترشِّحون وركبوا رؤوسهم ودخلوا الانتخابات ولم يعبئوا بفتاوى الناصحين من أهل العلم!! وهذا هو الأمر الذي خُطىء فيه رحمه الله تعالى، وأنكره عليه الإمام الوادعي رحمه الله تعالى وبيّن خطأه في ذلك.
إلا أن الإمام الألباني رحمه الله تعالى بعدها ضمّ صوته إلى صوته بالمنع من الانتخابات مطلقا،
والحمد لله. أهـ من رسالة "تحذير ألي الألباب من فتاوى الداعين إلى الانتخاب"
وقفة مع عبيد وفركوس
فأقول: أصلحك الله يا شيخ ، وهل خالف الحدّادية أهل السنّة إلاّ في هذا الباب (باب التبديع) ؟؟ فإذا كان لا فرق بيننا وبينهم في هذا الباب الذي خالفوا فيه أهل السنّة ، فهذا يعني أنّنا حدّادية مبتدعة ، وهذا منك غلوّ فاحش ومشابهة للحدّايّة ، من حيث أنّهم يبدّعون بلا بدعة ولا سلف من أهل العلم ، وعلى هذا يسير أصحاب شبكة الوحلين الذين نشروا مقاليك وفرحوا بهما كثيرا ، فهم يبدّعون الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله بلا دليل ولا سلف ، بل هم يقولون بأصل من أصول الحدّادية وهو تحريم الترحم على أهل البدع ، قال عرفات البرمكي –وهو كبيرهم- في تقوّله "توبة الحجوري عبد الحميد": ((ويؤكد ذلك أنه لم يتعرض لاستدلاله بكلام الجاحظ وترحمه عليه! ولم يذكر تراجعا وتوبة من هذه الجرمية الشنعاء))أهـ؛ وقد رددت عليه بحمد الله في (الصارم المسلول على البرمكي المخذول) وهم يبدّعون الشيخ يحيى -حفظه الله- بلا دليل ولا سلف إلاّ شبهات واهية ، قد فنّدتها بحمد الله في (الناصح الأمين وشبهات المرجفين) فهم أحق بأن يوصفوا بالحدّادية.
فإن قلت: لماذا تبدّعون الجابري؟؟ فالجواب: لمّا خالف أصولا لأهل السنّة بدّعه الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله- فاتبعناه ، وأنت تعلم -حفظك الله- أنّ الرجل يصير مبتدعا إذا خالف في أصل واحد من أصول أهل السنّة ، وأقيمت عليه الحجة ولم يرجع ، فما بالك بالمخالفات الكثيرة التي وقع فيها عبيد الجابري ، وأنا أذكر لك من هذه المخالفات ثلاثا على سبيل المثال لا الحصر:
1/ مخالفته لأصل أهل السنة في ذكر الصحابة بخير ، وذلك بطعنه في كعب بن مالك رضي الله عنه.
لقد ارتكب الجابري جرمًا عظيما لمّا طعن في الصحابي الجليل كعب بن مالك -رضي الله عنه- فوصفه بالضلال!! والإضلال!!! ولا يمكنه إنكار هذا أبدًا ، فهو مسجل و مسموع بصوته ، قال عبيد الجابري في كعب بن مالك -رضي الله عنه-: ((لو مات هو رضي الله عنه مات مهجورا ، ومات ضالا مضلا!!))أهـ
قلت: أعوذ بالله من الطعن في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلّم- كعب -رضي الله عنه- ضالٌّ مضلٌّ ؟؟!! نعم . . . لو مات قبل نزول براءته لمات مهجورا ، لأنه كان قبلها مهجورا ، أمّا أن يموت ضالا مضلاّ: فلا ، فهو لم يكن قبل نزول البراءة ضالا ولا مضلا ، وهذا هو الطعن الصريح في الصحابة ، ولهذا لما قرأ هذا الكلام -بحرفه- على العلامة الفوزان قال: ((من هو اللّي يقول هذا الكلام)) فقال السائل: هو عبيد بن عبد الله الجابري ، فقال الشيخ الفوزان: ((اتركوه)) ثم قال: ((هذا الكلام ما هو صحيح))أهـ
قال العلامّة عبد الرحمن السعدي عند قوله تعالى: ﴿وعلى الثلاثة﴾: ((ومنها: أن من لطف اللّه بالثلاثة أن وسمهم بوسم ليس بعار عليهم فقال: ﴿خُلِّفُوا﴾ إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم ، أو خلفوا عن من بُتّ في قبول عذرهم أو في رده ، وأنهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير ، ولهذا لم يقل: (تخلفوا).
ومنها: أن اللّه تعالى من عليهم بالصدق ، ولهذا أمر بالاقتداء بهم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.))أهـ
فهل يأمرنا الله تعالى بالاقتداء بمن هو ضال مضل!! وهل من تخلّف لا عن رغبة عن الخير يكون ضالاًّ مضلاًّ ؟!! أليس هذا من الطعن في الصحابة صراحةً؟!!
ولا يمكن لأحد أن يقول بأن هذا ليس طعنا في الصحابة ، لأنّنا لو قلنا في عبيد: ((لو مات لمات ضالا مضلا)) لثارت ثائرة المتعصّبين ، ولوصفونا بالطعن في العلماء ، وقد فعلوا لمّا قلت في عبيد انتصار لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((أنت الضال المضل)) فأشاعوا بأنّي أطعن في العلماء ، فدلّ هذا على أنّ هذه الكلمة (ضال مضل) تعتبر طعنا ، فهي من عبيد الجابري طعن في كعب بن مالك رضي الله عنه.
2/ قوله بجواز فك السحر عن المسحور عند ساحره وجواز دفع المال للساحر على ذلك!!
وقد ردّ عليه الأخ يوسف العنّابي في رسالته (الانتصار لعقيدة الموّحدين) ففنّد هذه الفتوى ، وعقّب بذكر مفاسدها فذكر من المفاسد ما ملخصُّه:
((1/ فكّ السحر عند السحرة بذل للدين والتّوحيد في مقابل مصلحة شخصيّة.
2/ لازم هذه الفتوى أن يكون حلّ السحر عند السّحرة أولى وأقوى من حلّه بكلام الله وذكره.
3/ فتح باب لبقاء السحرة في المجتمع والتلاعب بأموال الناس ، والادعاء أنّهم سحروا فلانا وفلانا ، وأنّهم قادرون على فك سحرهم مقابل حلوان مالي.
4/ كون المسحور عرضة للشرك بالله عند ذهابه إلى الساحر.
5/ كونه قد رضي قول الساحر وفعله الشركي من أجل منفعته.
6/ في هذه الفتوى إشعار للسحرة بوجود مكانة لهم في المجتمع وقدرة وتسلط.
7/ أنّ هذا ذريعة لوقوع الناس في سؤال السحرة مطلقا ، بعد أن يكتسبوا ثقة النّاس تدريجيا.
8/ فتح الباب للسحرة لأخذ أموال الناس بالباطل.
3/ طعنه في أهل السنة وثناؤه على أهل البدع:
-طعنه في الإمام شعبة بن الحجاج -رحمه الله-
معلوم عند أهل السنّة أنّ الامتحان سنّة سار عليها السلف الصالح -رضي الله عنهم- وأنّهم كانوا يمتحنون بأئمة أهل السنّة ، فمن طعن فيهم عُلم أنّه على غير نهجهم ، كما بيّن هذا أئمة السلف والعلماء العاصرون ، كفضيلة الشيخ الإمام أحمد النجمي -رحمه الله- في تعقيباته على رسالة (رفقا أهل السنّة) وغيره من أهل العلم والفضل.
إذا تقرر عندك هذا:فاعلم أن الشيخ الجابري يقول عن الإمام شعبة بن الحجّاج -رحمه الله-: ((شعبة رحمه الله العلماء ما يقبلون جرحه لأن الرجل متجاوز مُفْرِط في جرحه , بارك الله فيك فما كل جرح هو جرح , وأحياناً بعض الناس يجرح بما ليس جرحاً.)) أهـ
ولقد كان الشيخ عبيد الجابري -في السابق- معظمًا للإمام شعبة ومحترما له ، حتى قال عنه: ((ولم يتّهم أحدٌ شعبة رحمه الله بأنّه غالٍ متشدّد شدّة في غير محلّها ، ولم أعلم أحدًا حتى الساعة رجلاً متمكّنا في السنّة ، خالطت بشاشتها قلبه ، حذّر من شعبة ووشى به عند غير أهل السنّة)).أهـ
ولمّا وقعت الفتنة وجد نفسه مضطرا للطعن في الشيخ يحيى -حفظه الله- ولو على حساب مناقضة قوله الأول ، والنيل من علم الأعلام شعبة بن الحجاج رحمه الله ، ففتنة أوّلها الطعن في كعب بن مالك وشعبة بن الحجّاج ، كيف سيكون آخرها؟!!
-ثناؤه على الحدّادي صالح البكري.
وهذا الرجل المفتون يقول عنه الشيخ عبيد: ((فإن الأخ الشيخ صالح البكري هو عندنا من علماء السنة وأشياخهم، وأرى أنه يطلب العلم عليه كما يطلب على إخوانه من مشايخ السنة في اليمن))أهـ
كلام علماء أهل السنة في صالح البكري:
1/ كلام العلَّامة أحمد بن يحيى النجمي -رحمة الله عليه- :
سئل -رحمه الله-: نريد أن نستفسركم بأمر ، وهو: صالح البكري هنا عندنا ينشرون أنكم تزكونه ، وأنتم تعلمون أن مشايخ اليمن قد تكلموا فيه ويحذرون منه , ومع ذلك بعض أتباع هذا الرجل ينشرون أنكم تزكونه ، وأنكم ضد مشايخ اليمن في هذا الأمر ، فهل هذا صحيح؟
الجواب: لا ، لا هذا كلام ليس بصحيح , بل أنا في الأخير قلت لهم: ما دام الجماعة الذين هم حوله تكلموا فيه وأنا بعيد ما أقدر عليه أقول شيء , وأنتم يعني اتركوا الأخذ عنه وأقبلوا على الجماعة الذين هم معروفين , وعلى قول أني زكيته , يمكن أني زكيته من أول , يمكن أخذوا علي أني زكيته وهي قديمة ، لكن الكلام الأخير أنا أتوقف ، فقلت للجماعة الذين هم حوله مشايخ اليمن: هم أعرف به وما أقدر أنا أزكيه , أقول توقفوا عن الأخذ عنه لا أقدر أنا أزكيه , ما دام الجماعة الذين هم حوله من أهل السنة يعني تكلموا فيه , لا أقدر أن أزكيه ، هذا كلام واضح ما فيه كلام))أهـ
2/ كلام شيخنا العلاَّمة الناصح الأمين أبي عبدالرحمن يحيى بن علي الحجوري -رعاه الله-:
- صالح البكري رجل فكري من قبل ومن بعد ، لا يخالف في ذلك أهل السنة في اليمن.
- صالح البكري ليس من مشايخ السنة في اليمن ولا من دعاتها.
- فاتن مفتون , كل مشايخ السنة متبرمون منه ويدينون الرجل وكل دعاة أهل السنة ، ينتهي من فكرة وينقل إلى أخرى , هذا شأنه من زمن الشيخ -رحمه الله- إلى الآن.
ولا يزال الشيخ مقبل -رحمه الله- غضبانا على صالح البكري , الرجل صاحب فتنة , أنا والله أتهمه على هذه الدعوة وأشك فيه على هذه الدعوة ، فإن هذه الأفاعيل ما تصدر من إنسان يتقي الله , ما شيًا وساعيًا بالفتنة والتحريشات بين أهل السنة , فهو رجل فتنة كأن الله خلقه للفتن ، يقوم يقلقل في الدعوة ، ويوجد من ينعشه من أتباعه أولئك وأمثاله ، ويكتل له كتلة ، دعوة تكتل ما هي دعوة استقامة وتعاون على البر والتقوى وتآخي.
دعوة تكتكة برمجة ، نعم ولا أدري من يدعمها على أهل السنة في اليمن ، أو يدفع بها ماديًا على أهل السنة في اليمن من خلف هذه الدعوة ، صالح ما يربي صالح يفسد ، صالح ما يصلح يفسد ، يفسد ولك العبرة من أفسدهم صالح من قبل ، صالح البكري رديء هو وأصحابه ، أصحاب منهاج منحرف ، نابته عندها غلو وكبر ، وغطرسة على أهل السنة ، تجتنب مجالسته حتى يتوب إلى الله عزوجل ، وكذا تجتنب محاضرته حتى يتوب ، فلا يحضر له درس ولا محاضرة.
بلغوا الناس أن هذا الرجل من جالسه ضيعه ، وشحنه بالشبهات ، وليس ببعيد أن يكون مدفوعًا لإبعاد الناس عن الدعوة؛ فيه غلو هو وأصحابه ، أصحاب تقلبات ، غير معروف بالعلم ، رجل فارغ عاطل كما هو معلوم.
تحذيره من دماج كحال الوزغة التي كانت تنفخ على نار إبراهيم عليه السلام.
وقال -رعاه الله- كما في مقدمة لرسالة الأخ سعيد بن دعاس -جزاه الله خيرا- وهي بعنوان: [التحذير من الغلو وأهله] (ص/6): ((ونبتت نابتة في اليمن أخذوا شيئًا من مبادئ العلم ، ثم نفخهم الشيطان بالغلو فأنبروا لأهل العلم السلفيين في هذا البلد ، معادين ومتنكرين ، وعن مراكزهم العلمية النافعة نائين ومحذرين , يحدوهم في ذلك غمران اثنان نرى أن لا بأس بذكرهما إن لم يكونا معروفين عند من يطلع على هذه الرسالة ، أحدهما يدعى أحمد الشيباني من أهل مدينة تعز، والآخر يدعى صالح البكري من أهل يافع فأحدثا بغلُوهما المفرط شيئًا من التشويش على بعض الناس، مما حمل بعض الغيورين على هذه الدعوة الزكية من أهل السنة على بيان ذلك المنهج المغالي المهلك.))أﻫ.
3/ قال الشيخ محمد بن عبدالله الإمام -رعاه الله-: ((أنصح بالتأني ، وعدم الإقبال على شراء الأراضي وبناء البيوت في المكان المذكور ، هذا الذي أقوله والعلماء في اليمن يرون هذا ، حتى يُبَت في مسألة صالح البكري ، وإن شاء الله يكون البت قريبًا.))
وقال -بعد كلام له مفيد شرح فيه قضية البكري باختصار جيد- قال بعد ذلك: ((ومن هنا توصل العلماء بعد تشاورهم إلى أن صالح البكري ينصح أهل السنة بالابتعاد عنه ، وينصح لكل أخ أن يبتعد عنه ، فلا داعي للتعلم على يديه ، ولا داعي لاستدعائه إلى مساجد أهل السنة.
رأوا أن ينصحوا لإخوانهم وطلابهم ، ومحبي هذه الدعوة بهذا ، وهذا الذي حصل -والحمد لله رب العالمين- نسأل الله اللطف والثبات على هذا الدين.))
4/ قال الشيخ عبدالعزيز بن يحيى البرعي -حفظه الله-: ((وما قضية المركز الذي يبنى الآن ، وشرى له الأراضي الواسعة في صبر في محافظة لحج ، هذا المركز -بارك الله فيكم- تكلمنا من بداية ما سمعنا به أنه مركز قام على غير مشاورة أهل السنة ، فعليه فلا ينصح بالالتحاق به ، وننصح بالتفرغ عنها والابتعاد عنها ، وعن تلك الدروس التي ستقام فيه.
فهذا خلاصة ما هنالك ننصح بعدم الالتحاق بذلك المركز ، وعدم شراء الأراضي هناك ، ومركز قام على غير مشاورة أهل السنة لا ننصح به ، وربما أن صالحًا البكري شرح لأحد المشايخ أن عنده مسجدًا ، لكن مسجد مساحته الآن آلاف الأمتار فهذا ليس بمسجد بل هومركز ، وله هذه الأماكن وغير ذلك.
هو مسجد ومهما يكن فمركز قام على غير مشاورة أهل السنة فلا ننصح بالالتحاق به ، هذا آخر ما أرى أن أتكلم به في هذا المجلس؛ والحمد لله رب العالمين.))
راجع للفائدة شريط: (أقوال العلماء في صالح البكري) وللشيخ الناصح الأمين يحيى الحجوري -حفظه الله- رسالة بعنوان: (صالح البكري المفتون).
فإذا كان عبيد الجابري قد ثبت عليه الطّعن في واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأفتى بجواز الذهاب إلى الساحر ليحل سحره عن المسحور ودفع المال له ، فقد خالف بهذا أهل السنّة في أمور من أصول السنّة ، وإذا طبّقنا عليه قاعدة الامتحان ، وجدناه يطعن في خيار أهل السنّة بغير حقّ ، ويثني على رؤوس أهل البدع ، فلماذا لا يعدّ مبتدعا؟؟!
فإن قلت: حتّى يتكلّم العلماء !! أقول: قد بدّعه الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله ، وهو عالم ، ولا يشترط في التبديع أن يبدّعه اثنان أو أكثر ، بل يكفي واحد ، قال السيوطي:
........................... ** إن عدّل الواحد يكفي أو جرح
أقول: أنت قد أقدمت على الإفتاء في النوازل دون سلف من العلماء وهذا لا يحق لك ، فلماذا لا تقدم على ما يحقّ لك من تبديع من خالف أصولا لأهل السنّة ولك فيه سلف من العلماء.
ثمّ إن أتباع كلّ مبتدع يستطيعون جذب هذا الكلام إلى صفّهم ، فيستطيع أتباع الحلبي أن يقولوا: الشيخ ربيع عالم والشيخ علي عالم ، فاتركوا ما بينهما بينهما ولا تتدخّلوا في هذه الأمور فهي للعلماء ، بل اشتغلوا بطلب العلم ولا تخوضوا في الفتنة !! وهذا قطعا باطل لأنّ الخوض في الفتنة هو نصر المبطل أو الكلام بغير علم ، أمّا نصر الحق فهو من إخماد الفتنة لا من الخوض فيها وإشعالها ، ولهذا قال القسطلاني في "إرشاد الساري" (1/147) والأنصاري في "تحفة الباري" (1/42): ((فالعزلة عن الفتنة ممدوحة ، إلاّ لقادر على إزالتها فتجب عينا أو كفاية ، بحسب الحال))أهـ
راجع للفائدة كتاب الشيخ سعيد دعاس اليافعي حفظه الله (لفت نظر الأجلّة إلى المعنى الصحيح لاجتناب الفتن المضلّة) ومنه نقلت قول القسطلاني والأنصاري.
فإن قلت: قد خالف الحلبي في أصول من أصول أهل السنّة!! أقول: وكذلك عبيد ، كما مرّ قريبا.
فإن قلت: قد أثنى العلماء على عبيد !! أقول: والعلماء الذين أثنوا على الحلبي أعلم وأكثر من الذين أثنوا على عبيد ، فقد أثنى على الحلبي الإمام الألباني والإمام ابن عثيمين والإمام الوادعي رحمهم الله وقالوا في الحلبي أحسن مما قيل في عبيد ، ومع هذا لم تفد الحلبي هذه التزاكي لمّا خالف السنّة ، وكذلك لن تنفع الجابري.
أمّا فركوس الجزائري فقد خالف في مسائل كثيرة ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1/ تحريمه الدراسة في دار الحديث السلفيّة بدماج عند السلفيين ، وتجويزها في بلاد الكفر (أستراليا) عند المبتدعة.
وهؤلاء السلفيّون الذين يحذّر من الدراسة عندهم ، لا يتصوّر أن يكونوا شرّا من المبتدعة !! مهما ألصق بهم من تهم باطلة ، واتهامات مزوّرة ، فما الذي دعاه للتحذير من هؤلاء وعدم التحذير من أولئك؟!! ألأن هؤلاء السلفيّين قد ردّوا عليه وبيّنوا خطأه ، وأولئك المبتدعة سكتوا عنه ؟؟! أم ماذا ؟!!
2/ طعنه الشديد في العالم السلفي يحيى بن علي الحجوري ، ومدحه للماسوني الهالك جمال الدين الأفغاني ، الذي كان يقول بأن النبوّة صناعة ، ومدحه لأوّل من أدخل السفور إلى مصر: محمد عبده الماسوني ، مع ثنائه أو سكوته على كثير من أهل البدع في الجزائر.
فهل هذا الماسوني خير من ذلك السلفيّ ، مهما رُمي الشيخ يحيى بالتهم والافتراء ، فلا يمكن أن يقال بأن جمال الدين الماسوني خير منه ، ولو كانت العلّة -فعلا- هي سوء الخلق المزعوم!! فمن -ممن ينسب إلى الدعوة السلفية- أسوأ خلقا من العيد شريفي ؟؟! وخلقه السيّء يعلمه كلّ من حضر مجالسه التي يلقيها متكئا على جنبه !!! ورجل ممدودة في أوجه الجالسين !! مع وصفه لبعض الصحابة بأنه شيطان ، وقوله الشنيع في عمر رضي الله عنه ، وتنقصه للعلماء السلفيين كالشيخ ربيع وغيره ، فلماذا سكت عنه الشيخ فركوس كلّ هذه السنين والناس مغترّون بسكوته وتكلم في الناصح الأمين يحيى الحجوري حفظه الله ؟؟!
3/ إطلاقه القول بأنّ الحكم على الرجال من قضايا الاجتهاد.
وهذا الإطلاق خطأ ، بل قضايا الجرح والتعديل منها ماهو من باب الاجتهاد ومنها ما هو من باب خبر الثقة ، ويلزم من هذا القول لوازم باطلة منها قاعدة أبي الحسن: (الاختلاف في الأشخاص ليس اختلافا في الأصول) وهذا باطل فالخلاف في سيد قطب والجهم بن صفوان خلاف في الأصول ، و من لوازمه أيضا قاعدة الحلبي: (لا نجعل خلافنا في غيرنا اختلافا بيننا) ويقال فيها مثلما قيل في أختها ، فلو اختلفنا في سيّد قطب لدعا هذا إلى خلافنا بيننا.
4/ إلغاء سنّة الامتحان التي سار عليها السلف الصالح رضي الله عنهم.
وهذا مخالف لما عليه أهل السنّة ، فهم يعتقدون أنّ: ((معرفة أحوال الناس: تارة تكون بشهادات الناس، وتارة تكون بالجرح والتعديل، وتارة تكون بالاختبار والامتحان)).اهـ "مجموع الفتاوى" (15/329-330)
والله عز وجلّ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾
قال شيخ الإسلام مفسرًا: ((ودل ذلك على أنه بالامتحان والاختبار يتبين باطن الإنسان))أهـ (الإيمان الأوسط -194)
ورسول الله صلى الله عليه وسلّم امتحن الجارية كما في الحديث الصحيح ، وقد كان السلف الصالح يمتحنون بعلماء السنّة ، وقد ذكرت شيئا من الآثار في هذا في (المقدمات السلفية)
5/ إلى جانب الكثير من الفتاوى المجانبة للصواب ، كتجويز الاستمناء (العادة السريّة) وتجويزه للمرأة تعلم السياقة وصنع الحلويات عند رجل أجنبي ، وتجويزه لها الجمع بين الصلاتين بإخراج إحدى الصلاتين عن وقتها ، كي لا تفسد الماكياج بماء الوضوء !! وتجويزه للرجل بيع الملابس الداخلية للنساء !! وتجويز السفر إلى بلاد الكفر للعمل ، وتجويز شراء بيت بقرض بنكي ربوي . . . وغيرها؛ وقد فنّد أباطيله أهلُ السنّة والجماعة ، فراجع (الجامع في بيان حال محمد علي فركوس) وهو مجموع ردود منشور في شبكة العلوم السلفية.
فإذا عُلم هذا فلا وجه للدفاع عن هذين الرجلين ، بل الواجب التحذير منهما ليجتنب النّاس شرّهما ، والواجب ألاّ نتّبع عواطفنا فنقول: ((شابت لحيته في العلم)) فإن لحيته لم تشب بقدر ما شابت لحية ابن عقيل الحنبلي في العلم ، ومع هذا فإنّ علماء عصره قد حكموا عليه بالزندقة لمّا خالف السنّة ، وكان ممن ردّ عليه: الإمام ابن قدامة المقدسي -رحمه الله- وكان ردّه عليه بعد أن تراجع عن مخالفاته ، ومع هذا ردّ عليه إزالة للشبهة من أذهان النّاس ، ومن باب الفائدة أذكر هنا أنّ ابن قدامة كان مولده سنة 541 أمّا ابن عقيل فولد سنة 431 فابن عقيل أكبر من ابن قدامة بمائة وعشر سنين!! ومع هذا ردّ عليه ، ولا عجب في ذلك فقد قال الهدهد لسليمان عليه السلام: ﴿أحطت بما لم تحط به﴾ وليس الصغير بأجهل من هدهد ولا الكبير بأعلم من نبي ، هذا مع العلم أنّ ابن عقيل قد أثنى عليه: ابن تيمية وابن رجب وابن الجوزي وابن حجر والسِلفي والذهبي وغيرهم ، فضلا عن علماء عصره الذين كانوا معظّمين له قبل أن ينحرف ، ولم يمنع كلّ هذا من الردّ عليه وتبيين حاله حتّى تاب ، فلمّا تاب عظمت منزلته عند أهل السنّة ، وهذا ما نرجوه لعبيد وفركوس وغيرهما؛ والله أعلم
كتبه:
أبو العباس ياسر الجيجلي
تعليق